الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَصْدٍ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] فَقَسَّمَ الْكُفَّارُ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام إلَى الْكَذِبِ وَإِلَى الْجُنُونِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْقَصْدُ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ فِي الْقِسْمَيْنِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَذِبًا إلَّا إذَا قُصِدَ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ.
وَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام إلَى مُطْلَقِ الْكَذِبِ وَالْجُنُونِ بَلْ إلَى الِافْتِرَاءِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْكَذِبِ فَإِنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَكُونُ مُخْتَرَعًا مِنْ جِهَةِ الْكَاذِبِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الِافْتِرَاءُ وَمَا تَبِعَ فِيهِ غَيْرَهُ لَا يُقَالُ لَهُ افْتِرَاءٌ فَهُمْ قَسَّمُوا الْكَذِبَ إلَى نَوْعَيْهِ الْمُفْتَرَى وَغَيْرِهِ لَا أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى الْكَذِبِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْخَصْمِ، وَهَذَا كَقَوْلِنَا فِي زَيْدٍ هُوَ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ أَمْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ أَوْ نَقُولُ هُوَ ابْتَدَأَ هَذَا الْكَذِبَ وَتَعَمَّدَهُ أَوْ اتَّبَعَ فِيهِ غَيْرَهُ أَوْ نَطَقَ بِهِ غَفْلَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ. .
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَصْدٍ إلَيْهِ. وَهُوَ الْمَطْلُوبُ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] فَقَسَّمَ الْكُفَّارُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم إلَى الْكَذِبِ وَإِلَى الْجُنُونِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْقَصْدُ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ فِي الْقِسْمَيْنِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَذِبًا إلَّا إذَا قُصِدَ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ.
وَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا كَلَامَهُ عليه الصلاة والسلام إلَى مُطْلَقِ الْكَذِبِ وَالْجُنُونِ بَلْ إلَى الِافْتِرَاءِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْكَذِبِ فَإِنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَكُونُ مُخْتَرَعًا مِنْ جِهَةِ الْكَاذِبِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الِافْتِرَاءُ، وَمَا يَتْبَعُ غَيْرَهُ فِيهِ فَلَا يُقَالُ لَهُ افْتِرَاءٌ فَهُمْ قَسَّمُوا الْكَذِبَ إلَى نَوْعَيْهِ الْمُفْتَرَى وَغَيْرِهِ لَا أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى الْكَذِبِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْخَصْمِ، وَهَذَا كَقَوْلِنَا فِي زَيْدٍ هُوَ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ أَمْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ أَوْ نَقُولُ هُوَ افْتَرَى هَذَا الْكَذِبَ وَاخْتَرَعَهُ، أَوْ اتَّبَعَ فِيهِ غَيْرَهُ أَوْ نَطَقَ بِهِ غَفْلَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ)
قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ حَدَّ الْخَبَرِ بِالْمُحْتَمِلِ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَصِحُّ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ حَدِّهِ فَإِنَّ خَبَرَ الْمُخْبِرِ غَيْرِ الْقَاصِدِ لِلْكَذِبِ قَابِلٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ كَمَا أَنَّ خَبَرَ الْمُخْبِرِ الْقَاصِدِ لِلْكَذِبِ قَابِلٌ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِيمَا قَالَهُ ذَهَابُ وَهْمِهِ إلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عِوَضُ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَهُوَ قَدْ أَبَى الْحَدَّ بِهِمَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْكَذِبِ وَالتَّكْذِيبِ فَقَدْ يُصَدِّقُ الْكَاذِبَ وَيُكَذِّبُ الصَّادِقَ مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِالْغَيْبِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُكَذِّبَ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلَّا مَنْ قَصَدَ الْكَذِبَ، وَمِنْ أَيْنَ يَطَّلِعُ عَلَى قَصْدِهِ لِذَلِكَ.
وَاسْتِدْلَالُهُ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ الظَّنُّ.
وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرَامَ فِيهَا الْقَطْعُ فَلَا، وَمَا أَجَابَ بِهِ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] حَيْثُ قَالَ فَهُمْ قَسَّمُوا الْكَذِبَ إلَى نَوْعَيْهِ الْمُفْتَرَى وَغَيْرِهِ لَا أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى الْكَذِبِ وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرَامَ الظَّنُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا قَالُوهُ هُوَ الظَّاهِرُ دُونَ مَا قَالَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَرَامُ الْقَطْعَ فَقَدْ يَصِحُّ عَلَى بُعْدِ احْتِمَالِ مَا قَالَهُ فَإِنَّ نِسْبَةَ الْجُنُونِ إلَى مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَهُ فِي قَوْلِهِ: الْكَاذِبِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي الْحَالِ وَقَوْلُنَا سَيَقُومُ السَّاعَةَ تَبَعٌ لِتَقْرِيرِ قِيَامِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ تَابِعٌ لِمُخْبِرِهِ فِي الْوُجُودِ، وَإِلَّا لَمَا صَدَقَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمَاضِي فَقَطْ فَإِنَّ الْحَاضِرَ مُقَارِنٌ فَلَا تَبَعِيَّةَ لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ.
وَوُجُودُ الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ الْخَبَرِ فَهُوَ مَتْبُوعٌ لَا تَابِعٌ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْعِلْمُ تَابِعٌ لِمَعْلُومِهِ أَنَّهُ تَابِعٌ لِتَقَرُّرِهِ فِي زَمَانِهِ مَاضِيًا كَانَ الْمَعْلُومُ أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَإِنَّا نَعْلَمُ الْحَاضِرَاتِ وَالْمُسْتَقْبِلَات كَمَا نَعْلَمُ الْمَاضِيَاتِ، وَالْعِلْمُ فِي الْجَمِيعِ تَبَعٌ لِمَعْلُومِهِ فَالْعِلْمُ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ غَدًا فَرْعٌ وَتَابِعٌ لِتَقَرُّرِ طُلُوعِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ لِذَاتِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ لِلَازِمِهِ كَمَا عَرَفْتَ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْخَبَرَ يَكْفِي فِيهِ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَقَعُ إلَّا مَنْقُولًا عَنْ أَصْلِ الْوَضْعِ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا فَقَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يُفِيدُ طَلَاقَهَا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا صَارَ يُفِيدُ الطَّلَاقَ بِسَبَبِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ لِلْإِنْشَاءِ عَنْ الْإِخْبَارِ عَنْ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا كَمَا يُتَّفَقُ لَهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ إذَا سَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَيَقُولُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إعْلَامًا لَهَا بِتَقَدُّمِ الطَّلَاقِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُفِيدُ كُلًّا مِنْ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ يُضْعِفُهُ رُجْحَانُ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَقَدْ يَقَعُ الْإِنْشَاءُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَبِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ الْأَوَّلِ كَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.
[فَصْلٌ أَقْسَام الْإِنْشَاءُ]
(فَصْلٌ) يَنْقَسِمُ الْإِنْشَاءُ إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
(الْأَوَّلُ) الْقَسَمُ كَقَوْلِنَا أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ اتَّفَقَ أَهْلُ اللِّسَانِ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ قَائِلَهُ أَنْشَأَ بِهِ الْقَسَمَ لَا أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ وُقُوعٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَجَمِيعُ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ وَلَا الْكَذِبُ فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ النُّحَاةِ الْقَسَمُ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً خَبَرِيَّةً.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي نَحْوَ قَوْلِنَا: افْعَلْ لَا تَفْعَلْ اتَّفَقَ الْجَاهِلِيَّةُ وَالْإِسْلَامُ
(فَصْلٌ) الْإِنْشَاءُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَإِلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْقَسَمُ نَحْوُ قَوْلِنَا أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ فَإِنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْهُ قَسَمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ بِهَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ بِالْقَسَمِ لَا قَسَمٌ كَقَوْلِ الْقَائِلِ أُعْطِيكَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ وَعَدَ بِالْإِعْطَاءِ لَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَقْسَمَ، وَأَنَّ مُوجَبَ الْقَسَمِ يَلْزَمُهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَنْشَأَ بِهِ الْقَسَمَ لَا أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ وُقُوعِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا أَمْرٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَالْإِسْلَامُ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَجَمِيعُ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْشَاءٌ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ فِيهِ مَنْ أَحَاطَ بِذَلِكَ مِنْ فُضَلَاءِ النُّحَاةِ الْقَسَمُ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً خَبَرِيَّةً.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي إنْشَاءٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ افْعَلْ لَا تَفْعَلْ يَتْبَعُهُ إلْزَامُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَلَا يَقْبَلُ لَوَازِمَ الْخَبَرِ، وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ فَيَكُونُ إنْشَاءً.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) التَّرَجِّي نَحْوَ لَعَلَّ اللَّهَ يَأْتِينَا بِخَيْرٍ وَالتَّمَنِّي نَحْوَ لَيْتَ لِي مَالًا فَأُنْفِقَ مِنْهُ، وَالْعَرْضُ نَحْوَ أَلَا تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَتُصِيبَ خَيْرًا، وَالتَّحْضِيضُ وَصِيَغُهُ أَرْبَعٌ وَهِيَ أَلَا وَهَلَّا وَلَوْ مَا وَلَوْلَا نَحْوَ أَلَا تَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ وَهَلَّا اشْتَغَلْتَ بِهِ وَلَوْ مَا اشْتَغَلْتَ بِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كُلَّهَا لِلطَّلَبِ وَيَتْبَعُهَا الطَّلَبُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَلَا تَقْبَلُ التَّصْدِيقَ وَلَا التَّكْذِيبَ فَهِيَ كَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي إنْشَاءٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) النِّدَاءُ نَحْوَ يَا زَيْدُ اخْتَلَفَ فِيهِ النُّحَاةُ هَلْ فِيهِ فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ أُنَادِي زَيْدًا أَوْ الْحَرْفُ وَحْدَهُ مُفِيدٌ لِلنِّدَاءِ؟ فَقِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْفِعْلُ مُضْمَرًا وَالتَّقْدِيرُ أُنَادِي زَيْدًا لَقَبِلَ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، أَجَابَ الْمُبَرِّدُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ مُضْمَرٌ وَلَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَالْإِنْشَاءُ لَا يَقْبَلُهُمَا وَيُؤَكِّدُ الْإِنْشَاءَ فِي النِّدَاءِ أَنَّهُ طَلَبٌ لِحُضُورِ الْمُنَادَى، وَالطَّلَبُ إنْشَاءٌ نَحْوَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَهُوَ مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ إنْشَاءٌ لَكِنْ الْخِلَافُ فِي الْإِضْمَارِ وَعَدَمِهِ فَقَطْ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ.
(وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ) هَلْ هُوَ إنْشَاءٌ أَوْ خَبَرٌ فَهِيَ صِيَغُ الْعُقُودِ نَحْوَ بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وَأَنْتَ حُرٌّ وَامْرَأَتِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَصْلٌ الْإِنْشَاءُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْهُ قِسْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مَعَ تَسْلِيمِ مَا حَكَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ أَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنْشَأَ الْقِسْمَ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ عِنْدَهُمْ وَهُمْ جَمِيعُ أَهْلِ اللِّسَانِ فَكَوْنُ تِلْكَ الصِّيغَةِ مُقْتَضَاهَا الْإِخْبَارُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِمْ وَلَا حُجَّةَ فِيهِمْ.
قَالَ (وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ هُوَ إنْشَاءٌ أَوْ خَبَرٌ فَهِيَ صِيَغُ الْعُقُودِ نَحْوَ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتَ حُرٌّ وَامْرَأَتِي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى أَنَّهُ إنْشَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ إلْزَامُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ وَلَا الْكَذِبُ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) التَّرَجِّي نَحْوَ لَعَلَّ اللَّهَ يَأْتِينَا بِخَيْرٍ، وَالتَّمَنِّي نَحْوَ لَيْتَ لِي مَالًا فَأُنْفِقُ مِنْهُ، وَالْعَرْضُ نَحْوَ أَلَا تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَتُصِيبَ خَيْرًا.
وَالتَّحْضِيضُ وَصِيَغُهُ أَرْبَعٌ: وَهِيَ أَلَّا بِالتَّشْدِيدِ نَحْوَ أَلَّا تَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ، وَهَلَّا وَلَوْ مَا وَلَوْلَا، نَحْوَ هَلَّا أَوْ لَوْ مَا أَوْ لَوْلَا اشْتَغَلْتَ بِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كُلَّهَا إمَّا لِلطَّلَبِ أَوْ يَتْبَعُهَا الطَّلَبُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُهَا صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ فَهِيَ كَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي إنْشَاءً.
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) النِّدَاءُ نَحْوَ يَا زَيْدُ اُتُّفِقَ أَنَّهُ إنْشَاءٌ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِحُضُورِ الْمُنَادَى، وَالطَّلَبُ إنْشَاءٌ نَحْوَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي أَنَّ الْمُفِيدَ لِلنِّدَاءِ الْحَرْفُ وَحْدَهُ أَوْ فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ أُنَادِي زَيْدًا.
قَالَ الْمُبَرِّدُ وَهَذَا الْفِعْلُ الْمُضْمَرُ لَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ وَلَا الْكَذِبُ حَتَّى يَكُونَ خَبَرًا فَهُوَ إنْشَاءٌ لِطَلَبِ حُضُورِ الْمُنَادَى (وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ) قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا صِيَغُ الْعُقُودِ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وَأَنْتَ حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ. قَالَتْ الْأَحْنَافُ إنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَلَى أَصْلِهَا اللُّغَوِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّهَا إنْشَاءَاتٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ مُحْتَجِّينَ أَوَّلًا بِأَمْرٍ يُمْكِنُ فِيهِ ادِّعَاءُ الْقَطْعِ وَلَا يَتَأَتَّى لِلْأَحْنَافِ الْجَوَابُ عَنْهُ إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِنْشَاءَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ فِي الْعُرْفِ إلَى الْفَهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ لِلْإِنْشَاءِ وَالْعُدُولَ إلَى الْخَبَرِ مُدْرَكٌ لَنَا بِالْعُقُولِ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا أَنَّ الْقَائِلَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ يَحْسُنُ تَصْدِيقُهُ أَوْ تَكْذِيبُهُ وَالْمُصَنِّفُ يَعْتَمِدُ الْوِجْدَانَ وَمَنْ لَمْ يُنْصِفْ يَقُلْ مَا شَاءَ، وَثَانِيًا بِخَمْسَةِ أُمُورٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الظَّنُّ لَا الْقَطْعُ.
أَحَدُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ كَاذِبَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُطَلِّقْ وَالْكَذِبُ لَا عِبْرَةَ بِهِ لَكِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ إخْبَارًا بَلْ إنْشَاءً لِحُصُولِ لُزُومِ الْإِنْشَاءِ فِيهَا مِنْ اسْتِتْبَاعَاتِهِ لِمَدْلُولَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدَّرَ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ تَقَدُّمَ مَدْلُولَاتِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا، وَالْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِمَا تَقَرَّرَ
طَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَلَى أَصْلِهَا اللُّغَوِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّهَا إنْشَاءَاتٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأُمُورٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ كَاذِبَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُطَلِّقْ، وَالْكَذِبُ لَا عِبْرَةَ بِهِ لَكِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ إخْبَارًا بَلْ إنْشَاءٌ لِحُصُولِ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ فِيهَا مِنْ اسْتِتْبَاعَاتِهِ لِمَدْلُولَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ.
(وَثَانِيهَا) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ إمَّا كَاذِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا أَوْ صَادِقَةً فَتَكُونُ مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَقَدُّمِ أَحْكَامِهَا فَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ لَا تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
(وَثَالِثُهَا) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي أَوْ الْحَاضِرِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَحِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ سَتَصِيرِينَ طَالِقًا لَمْ تَطْلُقْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ.
(وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى مَعَ أَنَّ إخْبَارَهُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الطَّلْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى طَلْقَةٍ أُخْرَى لَكِنْ لَمَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُنْشِئَةٌ لِلطَّلَاقِ.
(وَخَامِسُهَا) قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالْأَمْرُ بِالطَّلَاقِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ النَّفْسَانِيُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَسْبٌ وَلَا اخْتِرَاعٌ فَتَعْيِينُ صَرْفِهِ لِأَمْرٍ آخَرَ يَقْتَضِيهِ وَيَسْتَلْزِمُهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
طَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَلَى أَصْلِهَا اللُّغَوِيِّ.
وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّهَا إنْشَاءَاتٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ كَاذِبَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُطَلِّقْ. وَالْكَذِبُ لَا عِبْرَةَ بِهِ لَكِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ إخْبَارًا بَلْ إنْشَاءٌ لِحُصُولِ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ فِيهَا مِنْ اسْتِتْبَاعِهَا لِمَدْلُولَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ وَثَانِيهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ إمَّا كَاذِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا أَوْ صَادِقَةً فَتَكُونُ مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَقَدُّمِ أَحْكَامِهَا، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ. وَهُوَ سَاكِتٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي أَوْ الْحَاضِرِ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ سَتَصِيرِينَ طَالِقًا لَمْ تَطْلُقْ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ وَرَابِعُهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى مَعَ أَنَّ إخْبَارَهُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الطَّلْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى طَلْقَةٍ أُخْرَى لَكِنْ لَمَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُنْشِئَةٌ لِلطَّلَاقِ، وَخَامِسُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالْأَمْرُ بِالطَّلَاقِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ النَّفْسَانِيُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَسْبٌ وَلَا اخْتِرَاعٌ فَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ يَقْتَضِيهِ وَيَسْتَلْزِمُهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ فِي الْكَلَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَمَتَى كَانَ الْمَدْلُولُ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا فَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَلَا النَّقْلُ لِلْإِنْشَاءِ، وَبَقِيَتْ إخْبَارَاتٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي عَدَمِ النَّقْلِ، وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بِوَجْهَيْنِ
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى إلْجَاءِ ضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا إلَى تَقْدِيرِ تَقَدُّمِ مَدْلُولَاتِهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ صِدْقَ الْمُتَكَلِّمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ خَبَرٌ وَهُوَ مَحِلُّ النِّزَاعِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِضْمَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ضَرُورَةً أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ، ثُمَّ إضْمَارِهِ أَوْ إلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ دُونَ إضْمَارِهِ، وَتَقْدِيرُ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ لَيْسَ هُوَ الْإِضْمَارُ
وَثَانِيهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ إمَّا كَاذِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا أَوْ صَادِقَةً فَتَكُونُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَقَدُّمِ أَحْكَامِهَا فَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ لَا تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ الدَّوْرَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِاللَّفْظِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الْمَدْلُولِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ فَالصِّدْقُ مُتَوَقِّفٌ مُطْلَقًا عَلَى التَّقْدِيرِ وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ التَّقْدِيرُ مُطْلَقًا اللَّفْظُ، فَالثَّلَاثَةُ أُمُورٌ مُتَرَتِّبَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ تَرَتُّبَ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ قَبْلَ الْآخَرِ وَبَعْدَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ إلَّا تَقْدِيرُ الصِّدْقِ إذْ كَيْفَ تَحْصُلُ حَقِيقَةُ الصِّدْقِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ.
وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي أَوْ الْحَاضِرِ فَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهَا عَنْ الشَّرْطِ حِينَئِذٍ إذْ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِمُسْتَقْبَلٍ أَوْ تَكُونُ خَبَرًا عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ لَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ سَتَصِيرِينَ طَالِقًا لَمْ تَطْلُقُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ.
وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِالْتِزَامِ أَنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَنْ الْمَاضِي وَمُنِعَ تَعَذُّرُ التَّعْلِيقِ عَنْ الْمَاضِي مُطْلَقًا بَلْ عَلَى خُصُوصِ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ لَا الْمُقَدَّرِ كَمَا هُنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ
تَوْفِيَةً بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ وَلَا نَعْنِي بِكَوْنِهَا إنْشَاءً إلَّا ذَلِكَ.
(وَسَادِسُهَا) أَنَّ الْإِنْشَاءَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ فِي الْعُرْفِ إلَى الْفَهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ، وَالْجَوَابُ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا أَنْ لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ تَقَدُّمَ مَدْلُولَاتِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا لَكِنْ الْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ فِي الْكَلَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَمَتَى كَانَ الْمَدْلُولُ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا، فَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَلَا النَّقْلُ لِلْإِنْشَاءِ، وَبَقِيَتْ إخْبَارَاتٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي عَدَمِ النَّقْلِ وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الدَّوْرَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِاللَّفْظِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ، وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الْمَدْلُولِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ، فَالصِّدْقُ مُتَوَقِّفٌ مُطْلَقًا وَاللَّفْظُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَالتَّقْدِيرُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النُّطْقِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ فَهَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُتَرَتِّبَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ قَبْلَ الْآخَرِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ بَلْ هِيَ كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّوَقُّفِ فَانْدَفَعَ الدَّوْرُ.
وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَنْ الْمَاضِي، وَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيقُ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَاضِيَ لَهُ تَفْسِيرٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاضٍ تَقَدَّمَ مَدْلُولُهُ قَبْلَ النُّطْقِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فَهَذَا يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
تَوْفِيَةً بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ. وَلَا نَعْنِي بِكَوْنِهَا إنْشَاءً إلَّا ذَلِكَ، وَسَادِسُهَا أَنَّ الْإِنْشَاءَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ فِي الْعُرْفِ إلَى الْفَهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ.
وَالْجَوَابُ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا إنْ لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ تَقَدُّمَ مَدْلُولَاتِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا لَكِنْ الْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ فِي الْكَلَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى. وَمَتَى كَانَ الْمَدْلُولُ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا فَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَلَا النَّقْلُ لِلْإِنْشَاءِ وَبَقِيَتْ إخْبَارَاتٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي عَدَمِ النَّقْلِ، وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الدَّوْرَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِاللَّفْظِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الْمَدْلُولِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ، وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ فَالصِّدْقُ مُتَوَقِّفٌ مُطْلَقًا وَاللَّفْظُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَالتَّقْدِيرُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النُّطْقِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ فَهَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُتَرَتِّبَةٌ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضٍ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ قَبْلَ الْآخَرِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ بَلْ هِيَ كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّوَقُّفِ فَانْدَفَعَ الدَّوْرُ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَنْ الْمَاضِي وَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيقُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَاضِيَ لَهُ تَفْسِيرٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاضٍ تَقَدَّمَ مَدْلُولُهُ قَبْلَ النُّطْقِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فَهَذَا يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَوْقِيفُ أَمْرٍ فِي دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَمَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَتَحَقَّقَ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ غَيْرَ مُحَقَّقٍ بَلْ مُقَدَّرٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ ارْتِبَاطِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيُقَدِّرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الِارْتِبَاطَ قَبْلَ نُطْقِهِ بِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا قُدِّرَ الِارْتِبَاطُ قَبْلَ النُّطْقِ صَارَ الْإِخْبَارُ عَنْ الِارْتِبَاطِ مَاضِيًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَاضِي هُوَ الَّذِي مُخْبَرُهُ قَبِلَ خَبَرَهُ، وَهَذَا كَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ فَيَكُونُ مَاضِيًا مَعَ التَّعْلِيقِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمُضِيُّ وَالتَّعْلِيقُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَمْ يُنَافِ الْمُضِيُّ التَّعْلِيقَ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ دَقِيقٌ فِي بَابِ التَّقْدِيرَاتِ، وَفِيهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ، وَضَرُورَةُ الصِّدْقِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى كَوْنِ كَلَامِهِ خَبَرًا، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ لُزُومَ طَلْقَةٍ أُخْرَى لِمَنْ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ إخْبَارَهُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الطَّلْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُنْشِئَةٌ لِلطَّلَاقِ.
وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلْقَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ فَهُوَ إخْبَارٌ كَاذِبٌ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ وُقُوعِ ثَانِيَةٍ فَيَحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ لِضَرُورَةِ التَّصْدِيقِ فَيَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ بِالتَّقْدِيرِ كَالْأُولَى، فَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ التَّقْدِيرِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا إذَا كَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إخْبَارًا عَنْ الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى ضَرُورَةِ الصِّدْقِ وَفِيهِ مَا فِي الْجَوَابَيْنِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَلَا تَغْفُلْ.
وَخَامِسُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَمْرٌ بِالطَّلَاقِ، وَالْأَمْرُ بِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ النَّفْسَانِيُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَسْبٌ وَلَا اخْتِرَاعٌ فَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ يَسْتَلْزِمُهُ تَوْفِيَتُهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ وَمَا ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فَدَلَّ
تَوْقِيفُ أَمْرٍ فِي دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ الشَّرْطُ وَمَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَتَحَقَّقَ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تَعَذَّرَ تَعْلِيقُ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ، وَثَانِيهِمَا مَاضٍ بِالتَّقْدِيرِ لَا بِالتَّحْقِيقِ فَهَذَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَتَقْدِيرُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ ارْتِبَاطِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيُقَدِّرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الِارْتِبَاطَ قَبْلَ نُطْقِهِ بِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا قُدِّرَ الِارْتِبَاطُ قَبْلَ النُّطْقِ صَارَ الْإِخْبَارُ عَنْ الِارْتِبَاطِ مَاضِيًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَاضِي هُوَ الَّذِي مُخْبِرُهُ قُبِلَ خَبَرُهُ، وَهَذَا كَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ فَيَكُونُ مَاضِيًا مَعَ التَّعْلِيقِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمُضِيُّ وَالتَّعْلِيقُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَمْ يُنَافِ الْمُضِيُّ التَّعْلِيقَ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ دَقِيقٌ فِي بَابِ التَّقْدِيرَاتِ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلْقَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ.
وَإِنْ لَزِمَ الْإِخْبَارُ عَنْ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ فَهُوَ إخْبَارٌ كَاذِبٌ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ وُقُوعِ ثَانِيَةٍ فَيَحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ لِضَرُورَةِ التَّصْدِيقِ فَتَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ بِالتَّقْدِيرِ كَالْأُولَى فَقَوْلُكُمْ إنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ تَسْتَغْنِي عَنْ التَّقْدِيرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هِيَ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا إذَا كَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إخْبَارًا عَنْ الطَّلْقَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِإِيجَادِ خَبَرٍ يُقَدِّرُ الشَّرْعُ قِبَلَهُ الطَّلَاقَ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ لَا إنْشَاءُ الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ اللَّفْظُ سَبَبًا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ بَلْ خَبَرًا صِرْفًا مَعَ التَّقْدِيرِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ مُتَصَوَّرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِالنَّقْلِ وَالْعُدُولِ عَنْ اللُّغَةِ الصَّرِيحَةِ فَهَذِهِ أَجْوِبَةٌ حَسَنَةٌ لِلْحَنَفِيَّةِ
(وَأَمَّا الْوَجْهُ السَّادِسُ) فَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ عَنْهُ إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
تَوْقِيفُ أَمْرٍ فِي دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ الشَّرْطُ وَمَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَتَحَقَّقَ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ تَعَذَّرَ تَعْلِيقُ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ، وَثَانِيهِمَا مَاضٍ بِالتَّقْدِيرِ لَا بِالتَّحْقِيقِ فَهَذَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. وَتَقْدِيرُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ ارْتِبَاطِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيُقَدِّرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الِارْتِبَاطَ قَبْلَ نُطْقِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ وَإِذَا قُدِّرَ الِارْتِبَاطُ قَبْلَ النُّطْقِ صَارَ الْإِخْبَارُ عَنْ الِارْتِبَاطِ مَاضِيًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَاضِي هُوَ الَّذِي مُخْبَرُهُ قَبِلَ خَبَرَهُ، وَهَذَا كَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ فَيَكُونُ مَاضِيًا مَعَ التَّعْلِيقِ فَقَدْ اجْتَمَعَ التَّعْلِيقُ وَالْمُضِيُّ بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَلَمْ يُنَافِ الْمُضِيُّ التَّعْلِيقَ فَتَأَمَّلْهُ وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلْقَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ فَهُوَ إخْبَارٌ كَاذِبٌ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ وُقُوعِ ثَانِيَةٍ فَيَحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ لِضَرُورَةِ التَّصْدِيقِ فَتَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ بِالتَّقْدِيرِ كَالْأُولَى، فَقَوْلُكُمْ إنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ تَسْتَغْنِي عَنْ التَّقْدِيرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هِيَ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا إذَا كَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إخْبَارًا عَنْ الطَّلْقَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِإِيجَادِ خَبَرٍ يُقَدِّرُ الشَّرْعُ قِبَلَهُ الطَّلَاقَ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ لَا إنْشَاءُ الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ اللَّفْظُ سَبَبًا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ بَلْ خَبَرًا صِرْفًا مَعَ التَّقْدِيرِ. وَهَذَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ مُتَصَوَّرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِالنَّقْلِ وَالْعُدُولِ عَنْ اللُّغَةِ الصَّرِيحَةِ فَهَذِهِ أَجْوِبَةٌ حَسَنَةٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَمَّا الْوَجْهُ السَّادِسُ فَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ عَنْهُ إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ وَلَا نَعْنِي بِكَوْنِهَا إنْشَاءً إلَّا ذَلِكَ.
وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِإِيجَادِ خَبَرٍ يُقَدِّرُ الشَّرْعُ قِبَلَهُ الطَّلَاقَ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ لَا بِإِيجَادِ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ اللَّفْظُ سَبَبًا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ بَلْ خَبَرًا صِرْفًا مَعَ التَّقْدِيرِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ مُتَصَوَّرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِالنَّقْلِ وَالْعُدُولِ عَنْ اللُّغَةِ الصَّرِيحَةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ إبْدَاءُ احْتِمَالٍ فِي مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَشْبَهَ أَجْوِبَتِهِمْ وَغَيْرَ مَدْفُوعٍ إلَّا أَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِصِحَّةِ الِاحْتِجَاجَاتِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ، وَمَتْرُوكٌ بِالِاحْتِجَاجِ الَّذِي قَبْلَ الْخَمْسَةِ إنْ صَحَّ قَاطِعًا إذْ يَكْفِي فِي مُتُونَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ وَأَنَّ صِحَّةَ الْجَوَابِ عَنْهُ لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ فَافْهَمْ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي صِيَغُ الْحَمْدِ وَالذِّكْرِ وَالتَّنْزِيهِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّرْبِينِيُّ رَأَيْتُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِيهَا حِكَايَةَ قَوْلَيْنِ: لُزُومُ الْقَصْدِ أَيْ قَصْدِ الْإِنْشَاءِ وَعَدَمُهُ، وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ النَّقْلِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضٌ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ كَصِيَغِ الْعُقُودِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ صِيَغَ الْعُقُودِ نَقَلَهَا الشَّرْعُ إلَى الْإِنْشَاءِ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ وَإِثْبَاتِ النَّقْلِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْ مِنْ نَحْوِ صِيَغِ الْحَمْدِ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ مُشْكِلٌ جِدًّا فَالْحَقُّ أَنَّهَا أَخْبَارٌ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْإِنْشَاءِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْإِخْبَارِ بِهَا بَعِيدٌ اهـ.
وَالْمَجَازُ إمَّا مُرْسَلٌ بِنَقْلِ لَفْظِ الْجُمْلَةِ مِنْ الْإِثْبَاتِ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ إلَى مُطْلَقِ الْإِثْبَاتِ ثُمَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ إمَّا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فَرْدًا فَيَكُونُ بِمَرْتَبَةٍ لِلتَّقْيِيدِ أَوْ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ فَيَكُونُ بِمَرْتَبَتَيْنِ أَيْ نَقْلَتَيْنِ لِلتَّقْيِيدِ، ثُمَّ الْإِطْلَاقُ أَوْ بِالِاسْتِعَارَةِ الْمُرَكَّبَةِ الْغَيْرِ التَّمْثِيلِيَّةِ بِتَشْبِيهِ الْإِنْشَاءِ بِالْخَبَرِ إمَّا بِنَاءً عَلَى التَّضَادِّ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ، وَإِمَّا فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ حَتَّى كَأَنَّهُ وَاقِعٌ وَيَسْتَحِقُّ الْإِخْبَارَ عَنْهُ لِمَا لِلْعِصَامِ مِنْ أَنَّ التَّجَوُّزَ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ وَفِي التَّمْثِيلِيَّةِ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ مَادَّةِ الْمُرَكَّبِ الْمَوْضُوعِ لِلْهَيْئَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ اجْتِمَاعِ مَعَانِي مُفْرَدَاتِهِ فِي الذِّهْنِ.
قَالَ الْعَطَّارُ وَعَلَى تَقْدِيرِ خَبَرِيَّتِهَا أَيْ صِيغَةِ الْحَمْدِ