الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِنْدَ الْمُجَاهِدِينَ فَيُقَاتِلُونَ لِهَذَا السَّلَبِ دُونَ نَصْرِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُقْبَلَ عَلَى قَتْلِ مَنْ لَهُ سَلَبٌ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقَعَ التَّخَاذُلُ فِي الْجَيْشِ وَرُبَّمَا كَانَ قَلِيلُ السَّلَبِ أَشَدَّ نِكَايَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ تُرِكَ هَذَا الْأَصْلُ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ وَهَذِهِ الْفُرُوقِ يَتَخَرَّجُ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعْلِيقِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَقَاعِدَةِ تَعْلِيقِ سَبَبِيَّةِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَشِيئَةِ) فَالْأَوَّلُ عِنْدَنَا غَيْرُ قَادِحٍ وَلَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه هُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْجَمِيعِ وَفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيُعِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الدُّخُولِ فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ أَوْ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُ وَإِذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْحَجُّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إنْ أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ وَيَلْزَمُ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ وَبَسْطُ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَيُطَالَعُ مِنْ هُنَالِكَ مَبْسُوطًا مُسْتَوْفًى مُحَرَّرًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْجَوْدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّطْوِيلِ بِإِعَادَتِهِ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْعَامِّ) هَذَانِ النَّهْيَانِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَنْقَسِمَانِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَضَادَّا وَيَتَنَافَيَا كَقَوْلِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعْلِيقِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَقَاعِدَةِ تَعْلِيقِ سَبَبِيَّةِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَشِيئَةِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت أَحَالَ هُنَا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ
(قَالَ الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْأَرْبَعِينَ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْفُرُوقِ كُلِّهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ نَفَعَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُعِيدَ الْمَشِيئَةَ لِلطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّكِّ فِي الْعِصْمَةِ وَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ وَنَحْوِهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَلْزَمُ الْعِتْقُ وَالنَّذْرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَكِلْهَا اللَّهُ تَعَالَى لِخِيرَةِ خَلْقِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا عَدَمُ الْجَزْمِ بِجَعْلِهَا أَسْبَابًا لِمُسَبَّبَاتِهَا الشَّرْعِيَّةِ فَافْهَمْ وَبَيَانُ الشَّكِّ هُنَا أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْمَشِيئَةِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ أَيْ حَلُّ الْعِصْمَةِ وَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى تُعْلَمَ فِيهِ مَشِيئَةُ اللَّهِ عز وجل بِأَنَّهُ أَرَادَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالنَّذْرَ عَلَى التَّعْيِينِ أَمْ لَا وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ فَالْمَشِيئَةُ عِنْدَنَا لَا تُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ تُؤَثِّرُ الْمَشِيئَةَ فِي الْجَمِيعِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بَسَطَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مِنْ حَمْلِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا عَادَتْ لِلْمُسَبِّبَاتِ مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ لَا تُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّكِّ فِي الْعِصْمَةِ كَمَا عَلِمْت.
وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِأَنَّهَا إذَا عَادَتْ لِلْمُسَبِّبَاتِ مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ أَثَّرَتْ فِيهَا كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي الْعِصْمَةِ وَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ وَحَمْلِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بِأَنَّهَا إذَا عَادَتْ لِنَحْوِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ لَا تَنْفَعُهُ أَوْ تَنْفَعُهُ عَلَى الْوِفَاقِ مُطْلَقًا وَلَوْ احْتَمَلَ الْمِثَالُ رُجُوعَهُ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَادَّعَاهُ مَعَ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ جَزَمَ بِجَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ بِجَعْلِهِ سَبَبًا نَفَعَهُ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إذْ الْفِعْلُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي وَكَّلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِخِيرَةِ خَلْقِهِ وَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَانُ مَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ الْفَرْقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّطْوِيلِ بِإِعَادَتِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ قَاعِدَة النَّهْيِ الْعَام]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْعَامِّ) حَيْثُ اُعْتُبِرَ وَتَقْدِيمُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَابْتِنَاءُ الْخَاصِّ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَالَةُ عَدَمِ تَنَافِيهِمَا وَلَا مُنَاسَبَةَ لِأَحَدِهِمَا يَخْتَصُّ بِهَا دُونَ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] لَا تَقْتُلُوا الرِّجَالَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ قَاعِدَةِ ذِكْرِ بَعْضِ الْعَامِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُخَصِّصُهُ كَانَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا فَإِنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يُنَافِيهِ فَلِذَا قَالُوا إنَّ الْمِثَالَ لَا يُخَصِّصُ الْقَاعِدَةَ وَقِيلَ عَلَى شُذُوذٍ أَنَّهُ يُخَصِّصُهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّ ذِكْرَ الرِّجَالِ يَقْتَضِي مَفْهُومَهُ قَتْلَ غَيْرِهِمْ وَاعْتَبَرُوا تَقْدِيمَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَابْتِنَاءَ الْعَامِّ عَلَيْهِ فِي حَالَتَيْنِ أَحَدُهُمَا تَنَافِيهِمَا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ لَا تَقْتُلُوا بَنِي تَمِيمٍ لَا تُبْقُوا مِنْ رِجَالِهِمْ أَحَدًا حَيًّا فَحَكَمُوا بِقَتْلِ رِجَالِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فِي النُّصُوصِ الْمُتَعَارِضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَثَانِيهِمَا عَدَمُ تَنَافِيهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ تَخُصُّهُ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ بِالْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ عَامٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْحَالَةِ فَيُقَدَّمُ فِي الِاجْتِنَابِ عَلَى الْعَامِّ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
إذَا اضْطَرَّ الْمُحْرِمُ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ أَوْ الصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] قَالَ مَالِكٌ يَأْكُلُ
لَا تَقْتُلُوا بَنِي تَمِيمٍ لَا تُبْقُوا مِنْ رِجَالِهِمْ أَحَدًا حَيًّا فَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ أَنْ يُقَدَّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَيُبْتَنَى الْعَامُّ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ رِجَالُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فِي النُّصُوصِ الْمُتَعَارِضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ
الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ لَا يَتَضَادَّا وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا دُونَ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] لَا تَقْتُلُوا الرِّجَالَ فَهَذَانِ مِنْ قَاعِدَةِ ذِكْرِ بَعْضِ الْعَامِّ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُخَصِّصُهُ كَانَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا فَإِنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يُنَافِيهِ وَقِيلَ عَلَى الشُّذُوذِ أَنَّهُ يُخَصِّصُهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّ ذِكْرَ الرِّجَالِ يَقْتَضِي مَفْهُومَهُ قَتْلَ غَيْرِهِمْ
الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يَتَنَافَيَا وَيَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ تَخُصُّهُ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وقَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] فَيَضْطَرُّ الْمُحْرِمُ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ الصَّيْدِ قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا إلَّا أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْإِحْرَامِ وَمَفْسَدَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا النَّهْيُ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِحْرَامِ وَأَمَّا مَفْسَدَةُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَذَلِكَ أَمْرٌ عَامٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِخُصُوصِ الْإِحْرَامِ وَالْمُنَاسِبُ إذَا كَانَ لِأَمْرٍ عَامٍّ وَهُوَ كَوْنُهَا مَيْتَةً لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصُوصِ الْإِحْرَامِ مُنَافَاةٌ وَلَا تَعَلُّقَ وَالْمُنَافِي الْأَخَصُّ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْعُرْفِيَّاتِ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لِقَبِيلَتِك أَوْ مِلَّتِك وَآخَرُ عَدُوٌّ لَك فِي نَفْسِك دُونَ غَيْرِك فَإِنَّ حَذَرَك يَكُونُ مِنْ عَدُوِّك الْخَاصِّ بِك أَشَدَّ، وَاجْتِنَابَك لَهُ أَكْثَرُ وَأَلْيَقُ بِك، إنَّ تَسَلُّطَهُ عَلَيْك أَعْظَمُ وَأَمَّا عَدُوُّ مِلَّتِك فَإِنَّهُ لَا يُلَاحِظُ خُصُوصَك فِي عَدَاوَتِهِ بَلْ رُبَّمَا مَالَ إلَيْك دُونَ أَهْلِ مِلَّتِك لِأَمْرٍ يَجِدُهُ فِيك دُونَهُمْ وَأَمَّا عَدُوُّك فَلَوْ تَرَكَ النَّاسَ كُلَّهُمْ مَا تَرَكَك وَكَذَلِكَ غَرِيمٌ لَا يُطَالِبُ إلَّا أَنْتَ وَغَرِيمٌ يُطَالِبُ جَمَاعَةً أَنْتَ مِنْهُمْ تَجِدُ فِي نَفْسِك الْمِلْكَ مِنْ الْمُطَالِبِ لَك وَحْدَك أَشَدَّ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمَفَاسِدُ الشَّرْعِيَّةُ الْخَاصُّ مِنْهَا يَكُونُ أَشَدَّ اجْتِنَابًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُصَلِّي مَا يَسْتُرُهُ إلَّا حَرِيرًا أَوْ نَجِسًا قَالَ أَصْحَابُنَا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيَتْرُكُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا إلَّا أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْإِحْرَامِ وَمَفْسَدَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا النَّهْيُ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِحْرَامِ وَأَمَّا مَفْسَدَةُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَأَمْرٌ عَامٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِخُصُوصِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ كَوْنُهَا مَيْتَةً فَلَا يَكُونُ بَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَبَيْنَ خُصُوصِ الْإِحْرَامِ مُنَافَاةٌ وَلَا تَعَلُّقٌ وَالْمُنَافِي الْأَخَصُّ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ أَلَا تَرَى أَنَّ حَذَرَك مِنْ عَدُوٍّ لَك فِي نَفْسِك دُونَ غَيْرِك أَشَدُّ مِنْ حَذَرِك مِنْ الْعَدُوِّ لِقَبِيلَتِك أَوْ مِلَّتِك فَاجْتِنَابُك لَهُ أَكْثَرُ وَأَلْيَقُ بِك فَإِنَّ تَسَلُّطَهُ عَلَيْك أَعْظَمُ لِأَنَّ عَدُوَّك الْخَاصَّ بِك لَوْ تَرَكَ النَّاسَ كُلَّهُمْ مَا تَرَكَك وَأَمَّا عَدُوُّ مِلَّتِك أَوْ قَبِيلَتِك لَا يُلَاحِظُ خُصُوصَك فِي عَدَاوَتِهِ بَلْ رُبَّمَا مَالَ إلَيْك دُونَ أَهْلِ مِلَّتِك أَوْ أَهْلِ قَبِيلَتِك لِأَمْرٍ يَجِدُهُ فِيك دُونَهُمْ وَإِنَّ أَلَمَك الَّذِي تَجِدُهُ فِي نَفْسِك مِنْ الْغَرِيمِ الَّذِي لَا يُطَالِبُ إلَّا أَنْتَ أَشَدُّ مِنْ أَلَمِك مِنْ الْغَرِيمِ الْمُطَالِبِ لِجَمَاعَةٍ أَنْتَ مِنْهُمْ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُصَلِّي مَا يَسْتُرُهُ إلَّا حَرِيرًا أَوْ نَجِسًا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيَتْرُكُ النَّجِسَ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ النَّجَاسَةِ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ وَمَفْسَدَةُ الْحَرِيرِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ وَالْمُسَاقَاةَ وَإِنْ كَانَتْ حَاصِلَةً إلَّا أَنَّهَا لِأَمْرٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْحَرِيرِ لَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَقَاعِدَةُ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا بِالْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا إذَا تَعَارَضَتَا كَمَا تُقْطَعُ الْيَدُ الْمُتَآكِلَةُ لِبَقَاءِ النَّفْسِ لِأَنَّ مَفْسَدَتَهَا أَعْظَمُ وَأَشْمَلُ وَكُلَّمَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الشَّيْءِ تَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَمَفْسَدَةُ غَيْرِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةٍ كَانَ اعْتِنَاءُ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِمَا تَعُمُّ مَفْسَدَتُهُ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ أَقْوَى وَمَفْسَدَتُهُ أَعْظَمُ مَحَلِّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَفْسَدَةُ الدُّنْيَا لَهَا تَعَلُّقٌ بِخُصُوصِ الْحَالِ بِأَنْ تَكُونَ فِي تِلْكَ الْحَقَائِقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِخُصُوصِ الْحَالِ كَمَا هُنَا فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ الْأَعَمِّ وَالْأَشْمَلِ عَلَيْهَا فَافْهَمْ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
رَامَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ دَفْعَ إشْكَالَ الْمَسْأَلَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّابَّةَ مَنْ تَجَاوَزَ بِهَا الْبَلَدَ الْمُعَيَّنَ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا إلَيْهِ مُتَعَدِّيًا وَإِنْ رَدَّهَا سَالِمَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهَا الْغَاصِبَ إذَا تَعَدَّى بِالْغَصْبِ فِيهَا وَرَدَهَا سَالِمَةً الْمُصَوَّرُ بِأَنَّ غَايَةَ هَذَا التَّعَدِّي أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا سَالِمَةً فَخَرَّجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي قَاعِدَةَ أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ بِالْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ عَامٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْحَالَةِ بِأَنْ قَالَ النَّهْيُ عَنْ الْغَصْبِ نَهْيٌ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةٍ وَلَا بِعَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ وَوُجِدَ فِي هَذَا الْمُتَعَدِّي نَهْيٌ خَاصٌّ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ لَمَّا آجَرَهُ إلَى الْغَايَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَحَدَّدَ لَهُ الْغَايَةَ فَقَدْ نَهَاهُ أَنْ يُجَاوِزَهَا فَالزَّائِدُ عَلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِيهِ نَهْيٌ يَخُصُّهُ وَيَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ هَذِهِ الدَّابَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِهَذِهِ الْغَايَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ مَعَ رَدِّهَا سَالِمَةً أَنْ لَا يُضَمِّنَ الْمُتَعَدِّيَ مَعَ ذَلِكَ لِقُوَّةِ النَّهْيِ فِي حَقِّهِ بِمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْمَارَّةِ وَفِي هَذَا التَّخْرِيجِ نَظَرٌ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ إنَّمَا هِيَ فِي التَّعَارُضِ وَلَمْ يَقَعْ هَاهُنَا تَعَارُضٌ إذْ لَمْ يَجْتَمِعْ نَهْيُ الْغَصْبِ وَنَهْيُ التَّعَدِّي حَتَّى يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ انْفَرَدَ نَهْيُ التَّعَدِّي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ هَاهُنَا نَهْيُ آدَمِيٍّ وَالنَّهْيُ الْعَامُّ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يُرَجَّحُ نَهْيُ الْآدَمِيِّ لِخُصُوصِهِ عَلَى نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عُمُومِهِ وَالشَّرَائِعُ إنَّمَا تَنْبَنِي عَلَى نَهْيِ