الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَلِكَ مَنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْأَوَانِي أَوْ الثِّيَابُ وَقُلْنَا يَجْتَهِدُ فَإِنَّهُ يُجْزَمُ بِوُجُوبِ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ وَلَا تَرَدُّدَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الْقَصْدُ جَازِمٌ وَالنِّيَّةُ جَازِمَةٌ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ النَّظَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا ثَلَاثًا وَيُصَلِّي رَكْعَةً وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَادَ وَأَنْ لَا يَكُونَ فَكَيْفَ يَسْجُدُ مَعَ أَنَّهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ شَكَّ هَلْ زَادَ أَمْ لَا لَا يَسْجُدُ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُشْكِلَاتِ وَيَتَعَذَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَقَدْ ذَكَرْت هَذَا الْإِشْكَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْأَعْيَانِ فَلَمْ يَجِدُوا عَنْهُ جَوَابًا ثُمَّ أَنَّهُ كَيْفَ يُصَلِّي هَذِهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فَكَيْفَ يَنْوِي التَّقَرُّبَ بِهَا مَعَ عَدَمِ الْجَزْمِ بِوُجُوبِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً خَامِسَةً وَأَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً رَابِعَةً وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا جَزْمَ
وَالْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ الشَّكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سَبَبًا لِوُجُوبِ رَكْعَةٍ وُجُوبَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ رَتَّبَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ عَلَى الشَّكِّ فَقَالَ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَأْتِ بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ يُرْغِمُ بِهِمَا أَنْفَ الشَّيْطَانِ» فَرَتَّبَ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى الشَّكِّ الْمَذْكُورِ وَالتَّرْتِيبُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ وَإِذَا أَحْدَثَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ عَنْهُ إلَّا سَبَبِيَّةُ الْأَوْصَافِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ الشَّكُّ سَبَبَ وُجُوبِ هَذِهِ الرَّكْعَةِ وَسُجُودِ السَّهْوِ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ أَسْبَابُ السُّجُودِ ثَلَاثَةً الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ وَالشَّكُّ وَهَذَا الثَّالِثُ قَلَّ أَنْ يُتَفَطَّنَ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَلَا تَجِدُ مَا يُسَوِّغُ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ غَيْرَهُ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّكِّ فِي سَبَبِ السَّهْوِ وَبَيْنَ الشَّكِّ فِي الْعَدَدِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ شَكٌّ فِي السَّبَبِ وَالثَّانِي سَبَبٌ فِي الشَّكِّ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّكَّ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّرْعُ مَحَلَّ السَّبَبِيَّةِ فَذَكَرْته بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِيَحْصُلَ التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ طَرْدًا وَعَكْسًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
وَقَعَ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِ الْمَذْهَبِ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ وَصَلَّى الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ]
الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ)
بِمَعْنَى أَنَّ الشَّكَّ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّرْعُ مَحَلَّ السَّبَبِيَّةِ وَمَوْصُوفًا بِهَا وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ السَّبَبَ فِي الشَّكِّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ شَكَّ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ وَنَظَائِرُهَا الْوَاقِعَةُ فِي الشَّرِيعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ وَتَتَقَرَّرُ مَعَهُ الْأَحْكَامُ ضَرُورَةً أَنَّ الْمُتَقَرِّبَ جَازِمٌ فِيهِ بِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ وَالْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ.
وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ أَوْ النَّصُّ وَالشَّكُّ فِي السَّبَبِ كَمَا فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ وَلَا يَتَقَرَّرُ مَعَهُ حُكْمٌ ضَرُورَةً أَنَّ الْمُتَقَرِّبَ لَمْ يَجْزِمْ فِيهِ بِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ وَلَا بِوُجُودِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ وَلَا بِوُجُودِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ أَوْ النَّصُّ فَالْجَمِيعُ مَجْهُولٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ لَا مَعْلُومٌ فَلِذَا حَكَى الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَعَذُّرِ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ وَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَحْكِي الْإِجْمَاعَ فِي تَعَذُّرِ هَذَا وَهُوَ وَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ فِي عِدَّةِ صُوَرٍ فَإِنَّ غَايَةَ هَذَا النَّاظِرِ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَانِعٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَأَنْ يَكُونَ هَذَا النَّظَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ قَصْدَ التَّقَرُّبِ بِدَلِيلِ مَا وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَنْوِيَ التَّقَرُّبَ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَإِذَا وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ جَازَ شَكُّهُ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ وَتَكُونُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ فِي تَعَذُّرِهِ خَطَأً بَلْ يُمْكِنُ قَصْدُ التَّقَرُّبِ بِهِ وَلَا يَنْفَعُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي صُورَةِ النَّظَرِ الْأَوَّلِ فِي الْمُوجِبِ وَفِي صُورَةِ غَيْرِهِ الْوَاقِعُ فِي الشَّرِيعَةِ فِي الْوَاجِبِ إذْ كَمَا لَا يُمْنَعُ الشَّكُّ فِي الْوَاجِبِ كَذَلِكَ لَا يُمْنَعُ فِي الْمُوجِبِ لِأَنَّ غَايَةَ الشَّكِّ فِيهِ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الشَّكِّ فِي الْوَاجِبِ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ وُجُودِ الْمُوجِبِ وَسَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْوَاجِبِ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي صُورَةِ النَّظَرِ بَلْ مَجْهُولٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَفِي صُورَةِ غَيْرِهِ الْوَاقِعِ فِي الشَّرِيعَةِ مَجْزُومٌ بِهِ فَالْأَوَّلُ شَكٌّ فِي السَّبَبِ وَالثَّانِي سَبَبٌ فِي الشَّكِّ فَافْتَرَقَا وَبِعِبَارَةٍ أَنَّ الشَّارِعَ شَرَعَ الْأَحْكَامَ وَشَرَعَ لَهَا أَسْبَابًا وَجَعَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَرَعَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّكَّ فَشَرَعَهُ فِي عِدَّةٍ مِنْ الصُّوَرِ حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا مَا إذَا شَكَّ فِي الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ وَالْمَيْتَةِ حَرُمَتَا مَعًا وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ هُوَ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ حَرُمَتَا مَعًا وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ هُوَ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ وَسَبَبُ وُجُوبِ الْخَمْسِ هُوَ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ هَلْ تَظْهَرُ أَمْ لَا وَجَبَ الْوُضُوءُ.
وَسَبَبُ وُجُوبِهِ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ هَلْ صَامَ أَمْ لَا وَجَبَ الصَّوْمُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ هَلْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ أَمْ لَا وَجَبَ إخْرَاجُهَا وَسَبَبُ الْوُجُوبِ الشَّكُّ وَمِنْهَا بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ الْكَثِيرَةِ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يُلْغِي صَاحِبُ الشَّرْعِ الشَّكَّ فَلَا يَجْعَلُ فِيهِ شَيْئًا كَمَا فِي صُورَةِ النَّظَرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ مَجْهُولٌ كَالْمُوجِبِ وَالْوَاجِبِ وَدَلِيلِ الْوُجُوبِ وَسَبَبِهِ كَمَا عَلِمْت فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْحُكْمِ الَّذِي هُوَ
ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا هُوَ؟ فَسَأَلَ الْعُلَمَاءَ فَقَالُوا لَهُ يَلْزَمُك أَنْ تَمْسَحَ رَأْسَك وَتُعِيدَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَذَهَبَ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ فَنَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ثُمَّ جَاءَ يَسْتَفْتِي عَنْ ذَلِكَ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ أَوَّلًا فَقَالُوا لَهُ اذْهَبْ وَامْسَحْ رَأْسَك وَأَعِدْ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا فَأُشْكِلَ ذَلِكَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ وَقَالُوا الشَّكُّ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَتَيْنِ فَكَيْفَ أُمِرَ أَوَّلًا بِإِعَادَةِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَفِي ثَانِي الْحَالِ أُمِرَ بِإِعَادَةِ الْعِشَاءِ وَحْدَهَا
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْحَ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ مِنْ وُضُوءِ الصَّلَوَاتِ الْأَرْبَعِ فَقَدْ أَعَادَهَا بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ اسْتَفْتَى أَوَّلًا فَبَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ وُضُوءِ الْعِشَاءِ فَقَدْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا بِوُضُوئِهَا الْأَوَّلِ فَقَدْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ الشَّكُّ إلَّا فِي الْعِشَاءِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ نُسِيَ مِنْ وُضُوئِهَا تَكُونُ ثَابِتَةً فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَلَّاهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ وُضُوءُ الْعِشَاءِ أَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ صُلِّيَتْ بِوُضُوءَيْنِ فَتَصِحُّ أَمَّا بِالْأَوَّلِ وَأَمَّا بِالثَّانِي بِخِلَافِ الْعِشَاءِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ جَوَابُ الْمُفْتِي قَبْلَ الْإِعَادَةِ وَبَعْدَهَا.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ الشَّرْطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ)
الْحَقَائِقُ فِي الشَّرِيعَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَالتَّعْلِيقَ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَلَا التَّعْلِيقَ عَلَيْهِ وَمَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ دُونَ التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَيْهِ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا فَيَقْبَلُ الشَّرْطَ بِأَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَهَذِهِ صُورَةُ قَبُولِ الشَّرْطِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَيُنَجَّزُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ الْآنَ وَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُنَجَّزُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ الْآنَ حَتَّى يَقَعَ الشَّرْطُ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي لَا يَقْبَلُهُمَا فَالْإِيمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالدُّخُولُ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ فَلَا يَصِحُّ أَسْلَمْت عَلَى أَنَّ لِي أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ أَتْرُكَ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهُ وَيَسْقُطُ شَرْطُهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْوُجُوبُ وَكَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالشَّكُّ لَغْوٌ وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالشَّكُّ لَغْوٌ فَهَذِهِ صُوَرٌ مِنْ الشَّكِّ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِيهَا كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى اعْتِبَارِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ فَهَذَانِ قِسْمَانِ وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَصْبِ الشَّكِّ سَبَبًا فِيهِ كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَاعْتَبَرَهُ مَالِكٌ دُونَ الشَّافِعِيِّ.
وَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمْ اثْنَتَيْنِ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ الطَّلْقَةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا دُونَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَشَكَّ مَا هِيَ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ فَقَدْ انْقَسَمَ الشَّكُّ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ مُجْمَعٍ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَمُجْمَعٍ عَلَى إلْغَائِهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ
(وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
إذَا نَسِيَ الْمُكَلَّفُ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ صَلَّى خَمْسًا بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ الشَّكُّ لَا بِنِيَّةٍ مُتَرَدِّدَةٍ حَتَّى يَحْتَاجَ لَأَنْ يُقَالَ اُسْتُثْنِيَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَصِحُّ مَعَ التَّرَدُّدِ لِتَعَذُّرِ جَزْمِ النِّيَّةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَّ فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ بِوُجُوبِ الْأَرْبَعِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الشَّكِّ وَمَنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْأَوَانِي أَوْ الثِّيَابُ يَجْتَهِدُ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ بِوُجُوبِ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الشَّكِّ وَكَذَلِكَ مَنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيَّةُ بِأُخْتِهِ أَوْ الْمُذَكَّاةُ بِالْمَيْتَةِ جَازِمٌ بِالتَّحْرِيمِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ فَلَا تَرَدُّدَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الْقَصْدُ جَازِمُ النِّيَّةِ جَازِمَةٌ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ النَّظَائِرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَاعِدَةُ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مَعَ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَأْتِ بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ يُرْغِمُ بِهِمَا أَنْفَ الشَّيْطَانِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمَّا رَتَّبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وُجُوبَ رَكْعَةٍ وَوُجُوبَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الشَّكِّ جَعَلَ ذَلِكَ الشَّكَّ فِيهَا سَبَبًا لِهَذَيْنِ الْوُجُوبَيْنِ إذْ التَّرْتِيبُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ وَإِذَا أَحْدَثَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَنَحْوُهُ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ إلَّا سَبَبِيَّةُ السَّهْوِ لِوُجُوبِ السُّجُودِ وَسَبَبِيَّةُ الْحَدَثِ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَتَكُونُ أَسْبَابُ السُّجُودِ ثَلَاثَةً السَّهْوُ فِي الزِّيَادَةِ وَالسَّهْوُ فِي النُّقْصَانِ وَالشَّكُّ وَقَلَّ أَنْ يُتَفَطَّنَ لِهَذَا الثَّالِثِ فَلَمْ يُصَلِّ الْمُكَلَّفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَذِهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا إلَّا بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ بِوُجُوبِهَا لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ الشَّكُّ لَا بِنِيَّةٍ مُتَرَدِّدَةٍ فِي أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً خَامِسَةً وَأَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً رَابِعَةً حَتَّى يُقَالَ كَيْفَ يَنْوِي التَّقَرُّبَ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ مَعَ عَدَمِ الْجَزْمِ بِوُجُوبِهَا وَتَعَيَّنَ كَوْنُ هَذِهِ الصُّورَةِ شَكًّا فِي الْعَدَدِ أَيْ سَبَبًا فِي الشَّكِّ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّكّ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّرْعُ مَحَلَّ السَّبَبِيَّةِ وَمَوْصُوفًا بِهَا بِخِلَافِ صُورَةِ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَإِنَّهَا مِنْ الشَّكِّ فِي سَبَبِ السَّهْوِ فَلِذَا جَرَتْ فِيهَا قَاعِدَةُ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَمْ تَجْرِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَعْنِي صُورَةَ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا وَإِنْ جَازَ فِيهَا أَنْ يَكُونَ زَادَ وَأَنْ لَا يَكُونَ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى يَرِدَ الْإِشْكَالُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَسْجُدُ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهَا لَوْ شَكَّ هَلْ زَادَ أَمْ لَا لَا يَسْجُدُ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
سَأَلَ رَجُلٌ بَعْضَ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ