الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَ آمِرٌ بِالْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ نَحْوِ الْأَمْرِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَإِخْرَاجِ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ فِي ضِمْنِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّهْيَ وَالنَّفْيَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَالْأَمْرَ وَالثُّبُوتَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ أَنَّ الْإِنْسَانَ وَاقِعٌ وَحَاصِلٌ فِي جِنْسِ الْحَيَوَانِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَعُمَّ الْإِنْسَانُ جَمِيعَ صُوَرِ الْحَيَوَانِ بَلْ نَقُولُ: زَيْدٌ حَاصِلٌ فِي جِنْسِ الْحَيَوَانِ وَلَمْ يَتَعَدَّ فَرْدًا مِنْهَا وَلِذَلِكَ نَقُولُ: الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَاقِعَةٌ فِي الْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَجْنَاسِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ الْمُكْتَسَبَةَ فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمَ أَفْعَالُهَا مُكْتَسَبَةٌ وَلَا حُكْمَ فِيهَا بَلْ نَقُولُ الْوُجُوبُ وَحْدَهُ خَاصٌّ بِالْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ لَمْ يَعُمَّهَا فَعَلِمْنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَقْتَضِي تَعْمِيمَ صُوَرِهِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ فَرْدٌ وَاحِدٌ يَصْدُقُ بِسَبَبِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ فَظَهَرَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ وَمِنْهُ نَفْيُ الْمُشْتَرَكِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
النَّفْيِ وَالنَّهْيِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الِاضْطِرَابِ غَفْلَتُهُ عَنْ مَعْنَى الْمُطْلَقِ وَأَنَّهُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ وَلَوْ تَفَطَّنَ لَهُ لَمْ يَضْطَرِبْ قَوْلُهُ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَ آمِرٌ بِالْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ نَحْوُ الْأَمْرِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَإِخْرَاجِ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ فِي ضِمْنِهِ) قُلْتُ: الْأَمْرُ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ مَا أُمِرَ فِيهَا قَطُّ بِالْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الْأَمْرُ بِهَا إلَّا عَلَى سَبِيلِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَكَيْفَ يَسُوغُ ذَلِكَ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ أَنْ لَا وُجُودَ لَهَا فِي غَيْرِ الْأَذْهَانِ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُثْبِتِينَ لَهَا بَلْ أَمَرَ الْآمِرُ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ لِشَخْصٍ مُبْهَمٍ لَا مُعَيَّنٍ وَضَرُورَةُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِمَا أُمِرَ بِهِ تُعَيِّنُهُ.
قَالَ: (وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّهْيَ وَالنَّفْيَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَالْأَمْرَ وَالثُّبُوتَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّ الْإِنْسَانَ وَاقِعٌ وَحَاصِلٌ فِي جِنْسِ الْحَيَوَانِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَعُمَّ الْإِنْسَانُ جَمِيعَ صُوَرِ الْحَيَوَانِ بَلْ نَقُولُ: زَيْدٌ حَاصِلٌ فِي جِنْسِ الْحَيَوَانِ وَلَمْ يَتَعَدَّ فَرْدًا مِنْهَا وَكَذَلِكَ نَقُولُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَاقِعَةٌ فِي الْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَجْنَاسِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ الْمُكْتَسَبَةَ فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمَ أَفْعَالُهَا مُكْتَسَبَةٌ وَلَا حُكْمَ فِيهَا بَلْ نَقُولُ: الْوُجُوبُ وَحْدَهُ خَاصٌّ بِالْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ لَمْ يَعُمَّهَا فَعَلِمْنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَقْتَضِي تَعْمِيمَ صُوَرِهِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ فَرْدٌ وَاحِدٌ يَصْدُقُ بِسَبَبِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ فَظَهَرَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ) قُلْتُ: لَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ لَمَا خَلَا عَنْهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ كَالْحَيَوَانِ الْمَحْكُومِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَقِيقَتُهُ أَنَّهُ جِسْمٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ أَشْخَاصِهِ جِسْمًا وَلَكِنْ ثَبَتَ الْحُكْمُ الَّذِي مُثِّلَ بِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَخُصُّ مِنْ حَقِيقَتِهِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ لِلْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَفْعَالٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ]
الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ أَوْ الْكُلِّيَّةِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا وَهُوَ الْعُمُومُ عَلَى الْخُصُوصِ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْقَوَاعِدِ بَلْ كَمَا لَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّ عَلَى جُزْئِهِ الَّذِي قَاعِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ إلَّا بِالْقِيَاسِ إلَى كُلٍّ فَالنِّصَابُ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ لَا يُحْمَلُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْفَرِدَةً كَذَلِكَ لَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ عَلَى جُزْأَيْهِ الَّذِي قَاعِدَتُهُ أَنَّهُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَهُوَ كُلُّ شَخْصٍ مِنْ نَوْعٍ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ وَكَالْفَرَسِ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَوْعِ الْفَرَسِ وَكَالْحَجَرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَوْعِ الْحَجَرِ وَإِمَّا إضَافِيٌّ وَهُوَ مَا انْدَرَجَ مَعَ غَيْرِهِ تَحْتَ كُلِّيٍّ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لِانْدِرَاجِهِمَا تَحْتَ مَفْهُومِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّامِي لِانْدِرَاجِ الْأَوَّلِ مَعَ الْفَرَسِ تَحْتَ الْحَيَوَانِ وَالثَّانِي مَعَ النَّبَاتِ تَحْتَ النَّامِي وَالثَّالِثِ مَعَ الْجَمَادِ تَحْتَ الْجِسْمِ فَالْكُلِّيُّ مُقَابِلُ الْجُزْئِيِّ وَالْكُلُّ مُقَابِلٌ لِلْجُزْءِ فَالْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا فِي الدَّارِ إنْسَانٌ أَوْ حَيَوَانٌ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ فِيهَا خُصُوصَ زَيْدٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا خُصُوصَ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى الثَّانِي فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ أَرَادَ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ عَلَى الْجُمْلَةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ لَا تُحْمَلُ الْكُلِّيَّةُ أَيْ اللَّفْظُ الْعَامُّ عَلَى بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا أَيْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُخَصَّصًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّ دَالٌّ عَلَى جُزْئِهِ بِقَيْدِ ضَمِّهِ مَعَ بَاقِي الْأَجْزَاءِ لَا مُنْفَرِدًا عَنْهَا مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ فِي النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً مُنْضَمَّةً لِأُخْرَى لَا مُسْتَقِلَّةً.
وَإِذَا قُلْنَا: عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْضَمَّةً لِمِثْلِهَا لَا مُنْفَرِدَةً وَإِذَا نَهَى اللَّهُ عَنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي الصُّبْحِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثَةٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْهُمَا مُتَّصِلَيْنِ بِثَالِثَةٍ وَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْفَرِدَةً وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنَّ عِنْدَهُ عَشَرَةً مُنْضَمَّةً لِعَشَرَةٍ أُخْرَى وَأَنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّيِّ
تَنْبِيهٌ جَلِيلٌ) اعْلَمْ أَنَّ نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ إنَّمَا يَعُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ أَمَّا إذَا كَانَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِطَرِيقَةِ الِالْتِزَامِ فَلَا يَلْزَمُ الْعُمُومُ فِي نَفْيِ الْأَفْرَادِ وَلَا فِي النَّهْيِ عَنْهَا فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِغُلَامِهِ: أَلْزَمْتُك النَّهْيَ أَوْ النَّفْيُ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ لَا يَفْهَمُ مِنْهُ السَّامِعُ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ حَاصِلٌ فِي مَنْهِيٍّ لَمْ يُعَيِّنْهُ السَّيِّدُ وَأَنَّ النَّفْيَ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَنْفِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عِنْدَ السَّامِعِ فَإِذَا عَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ أَوْ النَّفْيِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَفْسِيرًا يَجْرِي مَجْرَى التَّقْيِيدِ لِذَلِكَ الْمُطْلَقِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُخَصَّصًا بِعُمُومٍ وَلَا مُعَارَضًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ بِخِلَافِ الْمَدْلُولِ مُطَابَقَةً وَلَوْ قَالَ: نَهَيْتُك عَنْ مُطْلَقِ الْخَمْرِ أَوْ نَفَيْت مُطْلَقَ الْخَمْرِ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ بَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْرٍ مَخْصُوصٍ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ مِنْ الْعُمُومِ فِي لَفْظِ الْخَمْرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَيْنَ الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَتَظْهَرُ لَك فَائِدَةُ الْفَرْقِ فِي قَاعِدَتَيْنِ فِقْهِيَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مُكْتَسَبَةٌ فَقَطْ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَفْعَالٌ مُكْتَسَبَةٌ لِمَنْ يَتَّصِفُ بِالْعَقْلِ فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْفَرْقُ وَمَتَى ثَبَتَ الْحُكْمُ لِلْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ عَمَّ أَنْوَاعَهُ وَأَشْخَاصَهُ وَمَتَى انْتَفَى الْحُكْمُ عَنْ الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ عَمَّ أَيْضًا أَنْوَاعَهُ وَأَشْخَاصَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (تَنْبِيهٌ جَلِيلٌ اعْلَمْ أَنَّ نَفِيَ الْمُشْتَرَكِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُشْتَرَكِ إنَّمَا يَعُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ أَمَّا إذَا كَانَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ فَلَا يَلْزَمُ الْعُمُومُ فِي نَفْيِ الْأَفْرَادِ وَلَا فِي النَّهْيِ عَنْهَا فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِغُلَامِهِ: أَلْزَمْتُك النَّهْيَ أَوْ النَّفْيُ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ لَا يَفْهَمُ مِنْهُ السَّامِعُ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ حَاصِلٌ فِي مَنْهِيٍّ لَمْ يُعَيِّنْهُ السَّيِّدُ وَأَنَّ النَّفْيَ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَنْفِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عِنْدَ السَّامِعِ فَإِذَا عَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ أَوْ النَّفْيِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَفْسِيرًا يَجْرِي مَجْرَى التَّقْيِيدِ لِذَلِكَ الْمُطْلَقِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُخَصِّصًا لِعُمُومٍ وَلَا مُعَارِضًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ بِخِلَافِ الْمَدْلُولِ مُطَابَقَةً وَلَوْ قَالَ: نَهَيْتُك عَنْ مُطْلَقِ الْخَمْرِ أَوْ نَفَيْت مُطْلَقَ الْخَمْرِ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ بَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْرٍ مَخْصُوصٍ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ مِنْ الْعُمُومِ فِي لَفْظِ الْخَمْرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ) .
قُلْتُ: مَا قَالَهُ لَيْسَ بِوَاضِحٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: أَلْزَمْتُك النَّهْيَ أَوْ النَّفْيُ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي النَّهْيِ وَالنَّفْيِ الْعَهْدَ فِي الشَّخْصِ أَوْ الْعَهْدَ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْعُمُومَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ فِيهِمَا فَإِنْ أَرَادَ الْعَهْدَ فِي نَهْيٍ مُعَيَّنٍ وَنَفْيٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَوْ الْمَنْفِيُّ وَهُوَ الْمَدْلُولُ الْتِزَامًا مُعَيَّنًا وَإِنْ أَرَادَ بِهِمَا الْعَهْدَ فِي الْجِنْسِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَدْلُولُ الِالْتِزَامِيُّ كَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُعَيَّنًا وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَزِمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَهُوَ النَّهْيُ أَوْ النَّفْيُ وَقَدْ فَرَضَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعُمُومَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعُمُومِ فِي الْمُتَعَلِّقِ فَعَلَى هَذَا لَمْ يَظْهَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَدْلُولِ مُطَابَقَةً وَالْمَدْلُولِ الْتِزَامًا.
قَالَ: (وَتَظْهَرُ لَك فَائِدَةُ الْفَرْقِ فِي قَاعِدَتَيْنِ فِقْهِيَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَلْ إنَّمَا يُفْهَمُ الْجُزْئِيُّ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ اللَّفْظِ فَإِذَا قُلْنَا فِي الدَّارِ جِسْمٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَيَوَانٌ وَإِذَا قُلْنَا فِيهَا حَيَوَانٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْسَانٌ وَإِذَا قُلْنَا فِيهَا إنْسَانٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ وَإِذَا قُلْنَا فِيهَا مُؤْمِنٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ زَيْدٌ وَلِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ تَرْكٌ لِظَاهِرِ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَيْ الْكُلِّ وَالْكُلِّيِّ وَالْكُلِّيَّةِ لَا تُحْمَلُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ جُزْئِيٌّ مُبْهَمٌ كَالنَّكِرَةِ فِي الْإِثْبَاتِ يَجُوزُ فِيهِ الْحَمْلُ عَلَى أَيِّ جُزْئِيٍّ كَانَ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا أَجْمَعَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ وَهُوَ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَوَامِرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَسَلْبِ النَّقَائِصِ وَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ التَّعْظِيمِ.
وَالْإِجْلَالِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا إذْ لَيْسَ الْأَصْلُ إهْمَالَ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ بَلْ تَعْظِيمَهَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي إجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْغَايَاتِ الَّتِي وَصَلُوا إلَيْهَا دُونَ مَا يَنْبَغِي لَهُ تَعَالَى مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مُتَعَلِّقًا بِأَقْصَى غَايَتِهِ الْمُمْكِنَةِ لِلْعَبِيدِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ: عليه الصلاة والسلام «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا أَجْمَعَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ وَهُوَ الْأَقَارِيرُ فَإِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي دَنَانِيرُ حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ أَدْنَى رُتَبِهَا مَعَ صِدْقِهَا فِي الْآلَافِ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلِذَا قُبِلَ فِي هَذَا الْقِسْمِ التَّفْسِيرُ بِأَقَلِّ الرُّتَبِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا اُخْتُلِفَ فِي حَمْلِهِ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ أَوْ عَلَى أَدْنَاهَا وَلَهُ فُرُوعٌ مِنْهَا فَرْعُ الْحَضَانَةِ هَلْ تَسْتَحِقُّ الْأُمُّ إلَى الْإِثْغَارِ أَوْ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ الثَّانِي فَفِي الْمَجْمُوعِ مَعَ شَرْحِهِ وَحَاشِيَتِهِ حَضَانَةُ الذَّكَرِ بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ فَلَا يُشْتَرَطُ عَقْلٌ وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْأُنْثَى لِنَفْسِ الدُّخُولِ لَا لِلدُّعَاءِ لَهُ فَلَيْسَتْ كَالنَّفَقَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَصْلِ فَالْمُشْكِلُ مَا دَامَ مُشْكِلًا لَا يَخْرُجُ عَنْ الْحَضَانَةِ كَمَا لِعَبِقِ وَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَلَا يُمْكِنُ الدُّخُولُ. اهـ.
وَذَلِكَ الْخِلَافُ لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام -
بِالطَّلَاقِ وَحَنِثَ وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَعُمُّهُنَّ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ وَإِلَّا يَلْزَمْ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ قَالَهُ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا هُوَ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ مُطْلَقٌ فِي الزَّوْجَاتِ فَلَوْ حَنِثَ عَمَّهُنَّ الطَّلَاقُ فَرْعٌ حَسَنٌ فَعَلَى هَذَا إنْ قَصَدَ فِي نِيَّتِهِ بَعْضَهُنَّ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ وَقَصَدَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِالْيَمِينِ لَزِمَهُ فِيهِ وَحْدَهُ وَالْقَاعِدَةُ الْأُخْرَى إذَا أَتَى بِصِيغَةِ عُمُومٍ نَحْوُ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا وَقَصَدَ بِهِ بَعْضَ الثِّيَابِ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّك سَتَقِفُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَهَذَا عَامٌّ يَحْتَاجُ لِلتَّخْصِيصِ بِالْمُخَصِّصِ الْمُخْرِجِ الْمُنَافِي فَإِذَا فُقِدَ جَرَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ مُعَارَضَةِ الْمُخَصِّصِ وَهَاهُنَا لَا عُمُومَ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا بَلْ حَصَلَ الْعُمُومُ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَقَطْ فَإِذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ بِنِيَّةٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَاقِي لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَلَيْسَ فِيهِ عُمُومٌ يَتَقَاضَاهُ بَلْ الْمُدْرَكُ عَدَمُ الْمُرَجِّحِ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْعَدَمُ بِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ فَلَزِمَ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بِالطَّلَاقِ وَحَنِثَ وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَعُمُّهُنَّ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ) قُلْتُ: كَانَ يَنْبَغِي عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ الْتِزَامًا مُطْلَقٌ أَنْ لَا يَعُمَّهُنَّ الطَّلَاقُ وَيُخَيَّرَ فِي التَّعْيِينِ أَوْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ وَلَمْ يَقُلْ الْعُلَمَاءُ بِعُمُومِ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ إلَّا احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ وَصَوْنًا لَهَا عَنْ مُوَاقَعَةِ الزِّنَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَوَقَعَ الشَّكُّ وَالِاحْتِمَالُ فِي عُمُومِهِ لِمُحَالِهِ أَوْ خُصُوصِهِ فَحُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ فِيهَا احْتِيَاطًا كَمَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الْعِصْمَةِ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا هُوَ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ مُطْلَقٌ فِي الزَّوْجَاتِ) قُلْتُ: إذَا كَانَ عَامًّا فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ لَزِمَ أَنْ يَعُمَّ فِي الزَّوْجَاتِ وَفِي أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ قَوْلَهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي فِي مَعْنَى كُلُّ طَلَاقٍ أَمْلِكُهُ يَلْزَمُنِي وَطَلَاقُ كُلٍّ وَاحِدَةٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الطَّلَاقِ مِنْ الثَّلَاثِ وَغَيْرِهَا فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَلْزَمَهُ الثَّلَاثُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَقَوْلُهُ هَذَا إنْ قَصَدَ فِي نِيَّتِهِ بَعْضَهُنَّ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ وَقَصَدَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِالْيَمِينِ لَزِمَهُ فِيهِ وَحْدَهُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ.
قَالَ: (وَالْقَاعِدَةُ الْأُخْرَى إذَا أَتَى بِصِيغَةِ عُمُومٍ نَحْوِ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا وَقَصَدَ بَعْضَ الثِّيَابِ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّك سَتَقِفُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ وَهَذَا عَامٌّ يَحْتَاجُ إلَى التَّخْصِيصِ بِالْمُخَصِّصِ الْمُخْرِجِ الْمُنَافِي فَإِذَا فُقِدَ جَرَى عَلَى عُمُومِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ مُعَارِضَةِ الْمُخَصِّصِ وَهَاهُنَا لَا عُمُومَ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا بَلْ حَصَلَ الْعُمُومُ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَقَطْ فَإِذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ بِنِيَّةٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَاقِي لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَلَيْسَ فِيهِ عُمُومٌ يَتَقَاضَاهُ بَلْ الْمُدْرَكُ عَدَمُ الْمُرَجِّحِ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْعَامُّ بِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ فَلَزِمَهُ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
«أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَحَقِّيَّةِ لَهَا فَقَطْ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهِيَ تَصْدُقُ بِطَرَفَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِحَالِهِ هُوَ أَدْنَاهُمَا الْإِثْغَارُ وَأَعْلَاهُمَا الْبُلُوغُ فَإِذَا حَمَلْنَا الْحَضَانَةَ عَلَى الْإِثْغَارِ لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِمُقْتَضَى لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ لِأَنَّ هَذَا التَّخْرِيجَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا اقْتَضَاهُ اللَّفْظُ فِي مُوجِبِ الْحُكْمِ وَسَبَبِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثُّبُوتُ وَأَمَّا الْغَايَةُ الْمَقُولَةُ فِي الْحَدِيثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِهَا هِيَ فَهِيَ إشَارَةٌ إلَى الْمَانِعِ وَأَنَّ زَوَاجَهَا مَانِعٌ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَالْمَانِعُ وَعَدَمُهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِهَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْمَانِعِ إنَّمَا هُوَ وُجُودُهُ فِي الْعَدَمِ لَا عَدَمُهُ فِي الْوُجُودِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا فَرْعُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا هَلْ يُمْنَعُ ذَلِكَ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ إلَى الْإِثْغَارِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؟ هُنَا قَوْلَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَلَى وَلَدِهَا» وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي الْوَالِدَاتِ وَالْمَوْلُودِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ وَالِدَةَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَوَلَدُهَا اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ فَيَعُمُّ وَعَامًّا فِي الزَّمَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنْ لَا لِنَفْيِ الِاسْتِقْبَالِ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: 13] غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي أَحْوَالِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ وَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ فَهُوَ يَصْدُقُ فِي رُتْبَةٍ دُنْيَا وَهِيَ الْإِثْغَارُ وَرُتْبَةٍ عُلْيَا وَهِيَ الْبُلُوغُ فَإِذَا حَلَّ لَفْظُ الْوَلَدِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ اسْتَقَامَ وَلَمْ يُعَارِضْهُ عُمُومٌ لَا لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْنَا كَأَنَّهُ قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مِنْ زَمَنِ هَذَا الْخِطَابِ وَلَيْسَ عُمُومُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ حَتَّى تَكُونَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِعَدَمِ الْعُمُومِ فِي الْوَالِدَاتِ وَالْأَوْلَادِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمِنْهَا فَرْعُ الرُّشْدِ فِي قَوْله تَعَالَى.
{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ خَاصَّةً قَالَهُ مَالِكٌ أَوْ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْأَخَصُّ الْمُبْهَمُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلَّفْظِ أَلْبَتَّةَ وَلَا مِنْ وَجْهٍ مُحْتَمَلٍ فَافْهَمْ وَمِنْهَا فَرْعُ الْحَرَامِ هَلْ يُحْتَمَلُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ خِلَافٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَرَامٌ مُطْلَقٌ دَالٌّ عَلَى مُطْلَقِ التَّحْرِيمِ
وَعَدَمِهَا فِي الْبَعْضِ وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّرْجِيحِ وَهُنَاكَ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ أُعْمِلَ اللَّفْظُ الْعَامُّ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِخْرَاجِهِ فَإِذَا قَالَ فِي صُورَةِ الِالْتِزَامِ: نَوَيْت الْبَعْضَ وَذَهِلْت عَنْ الْبَاقِي كَفَاهُ وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمَنْوِيَّةِ وَإِذَا قَالَ: نَوَيْت الْبَعْضَ وَذَهِلْت عَنْ الْبَاقِي فِي صُورَةِ الْعُمُومِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَفُرُوعُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ كَثِيرَةٌ فَتَأَمَّلْهَا وَيَكْمُلُ لَك الْكَشْفُ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمُطَالَعَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَالْمُؤَكِّدَةِ وَهُوَ بَعْدَ هَذَا وَقَوْلِي الطَّلَاقُ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ غَيْرَ أَنَّهُ صَارَ مُطْلَقًا لَا عُمُومَ فِيهِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالنَّاسِ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا أَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يُخَيِّرُوهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ كَمَا خَيَّرُوهُ فِي إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَلْ هَاهُنَا أَوْلَى لِعَدَمِ ذِكْرِ الزَّوْجَاتِ وَأُحَقِّقُ فِقْهَ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] أَثْبَتَ الْوُجُوبَ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ فَلَمْ يَعُمَّ ذَلِكَ جَمِيعَ صُوَرِ الرِّقَابِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَعَدَمِهَا فِي الْبَعْضِ حُصُولُ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّرْجِيحِ وَهُنَاكَ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ أُعْمِلَ اللَّفْظُ الْعَامُّ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِخْرَاجِهِ فَإِذَا قَالَ فِي صُورَةِ الِالْتِزَامِ: نَوَيْت الْبَعْضَ وَذَهِلْتُ عَنْ الْبَاقِي كَفَاهُ وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمَنْوِيَّةِ وَإِذَا قَالَ: نَوَيْت الْبَعْضَ وَذَهِلْت عَنْ الْبَاقِي فِي صُورَةِ الْعُمُومِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَفُرُوعُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ كَثِيرَةٌ فَتَأَمَّلْهَا وَيَكْمُلُ لَك الْكَشْفُ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمُطَالَعَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَالْمُؤَكِّدَةِ وَهُوَ بَعْدَ هَذَا) قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْعُمُومِ فَهُوَ فِي مَعْنَى كُلُّ طَلَاقٍ أَمْلِكُهُ يَلْزَمُنِي فَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ طَلَاقُ جَمِيعِ الزَّوْجَاتِ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ جَمِيعُ الطَّلْقَاتِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْفَرْقِ الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ: (وَقَوْلِي الطَّلَاقُ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ غَيْرَ أَنَّهُ صَارَ مُطْلَقًا لَا عُمُومَ فِيهِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالنَّاسِ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا أَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ) قُلْتُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ بِعَامٍّ بِحَسَبِ اللُّغَةِ.
قَالَ: (وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ أَنْ يُخَيِّرُوهُ فِي الصُّورَةِ كَمَا خَيَّرُوهُ فِي إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَلْ هُنَا أَوْلَى لِعَدَمِ ذِكْرِ الزَّوْجَاتِ) قُلْتُ: الْعَكْسُ أَصْوَبُ وَهُوَ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَيِّنٌ لِتَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ أَمَّا حَيْثُ لَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ فَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ.
قَالَ: (وَحُقِّقَ فِقْهُ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] أَثْبَتَ الْوُجُوبَ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ فَلَمْ يَعُمَّ ذَلِكَ جَمِيعَ صُوَرِ الرِّقَابِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ) قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَثْبَتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَعُمُّ بَلْ تَكْفِي صُورَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعُ تَابِعٌ لِلنَّصِّ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الدَّائِرِ بَيْنَ الرُّتَبِ الْمُخْتَلِفَةِ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى أَعْلَاهَا أَوْ عَلَى أَدْنَاهَا وَيَلْحَقُ بِهِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ نَحْوَ الْبَتَّةِ وَالْبَائِنِ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ وَهُوَ الثَّلَاثُ أَمْ لَا كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ هُنَا بَلْ سَبَبُهُ هُنَا أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ الْعُرْفُ فِي لَفْظَةِ حَرَامٌ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ هَلْ هُوَ الثَّلَاثُ أَوْ الْوَاحِدَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا فَرْعُ التَّيَمُّمِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] اُخْتُلِفَ هَلْ يُحْمَلُ فِيهِ لَفْظُ صَعِيدًا عَلَى مُطْلَقِ مَا يُسَمَّى صَعِيدًا تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ عَلَى أَعْلَى رُتَبِ الصَّعِيدِ وَهُوَ التُّرَابُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَلَيْسَ مِنْهَا فَرْعُ حِكَايَةِ الْأَذَانِ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الْمِثْلَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَذَانِ إنْ حُمِلَ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ قَالَ: مِثْلُ مَا يَقُولُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ أَوْ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ فَفِي التَّشَهُّدِ خَاصَّةً وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ ضَرُورَةُ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ تَقْتَضِي فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الشُّمُولَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ إلَّا مَا خَصَّهُ الْعُرْفُ كَقَوْلِهِمْ زَيْدٌ مِثْلُ الْأَسَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَمْ يُفَرِّعْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قَاعِدَةِ الْمُطْلَقِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا رَأَى أَنَّ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَيْسَ مِنْ الذِّكْرِ وَإِنَّمَا هُوَ تَحْرِيضٌ وَاسْتِدْعَاءٌ وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابُ مَا هُوَ ذِكْرٌ فَقُيِّدَ مُطْلَقُ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى وَأَخَذَ غَيْرُ مَالِكٍ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَبِالْجُمْلَةِ فَاسْتِعْمَالُ الْكُلِّ فِي جُزْئِهِ وَالْكُلِّيِّ فِي جُزْأَيْهِ وَالْعَامِّ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَمَّا كَانَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً لَمْ يَجُزْ الْحَمْلُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ وَاسْتِعْمَالُ الْمُطْلَقِ أَيْ الْجُزْئِيِّ الْمُبْهَمِ فِي جُزْئِيٍّ مُعَيَّنٍ لَمَّا كَانَ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا جَازَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ نَعَمْ إذَا اُعْتُبِرَ فِي الْجُزْئِيِّ أَوْ الْفَرْدِ مَاهِيَّتُه الْكُلِّيَّةُ لَا الشَّخْصِيَّةُ كَانَ اسْتِعْمَالُ الْكُلِّيِّ فِي الْأَوَّلِ وَالْعَامِّ فِي الثَّانِي حَقِيقَةً عَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ عَدَمُ تَوَجُّهِ مَا أَوْرَدَهُ الْقَرَافِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ عَلَى حَصْرِهِمْ الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ الْوَضْعِيَّةَ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ كَعَبِيدِي عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.