الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَثَانِيهَا أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ تَحْقِيقًا لِلْعِتْقِ عَنْهُ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهُ إلَى كَمَالِ الْعِتْقِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ. وَثَالِثُهَا دِيَةُ الْخَطَأِ تُورَثُ عَنْ الْمَقْتُولِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْإِرْثِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمَوْرُوثِ لِلْمَوْرُوثِ الْمَقْتُولِ فَيُقَدَّرُ مِلْكُهُ لِلدِّيَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِيَصِحَّ الْإِرْثُ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِعَدَمِ مِلْكِهِ لِلدِّيَةِ حَالَ حَيَاتِهِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمِلْكُ الْمُقَدَّرُ وَعَدَمُهُ الْمُحَقَّقُ وَلَمْ يَتَنَافَيَا وَلَا نَقُولُ إنَّا بَيَّنَّا تَقَدُّمَ الْمِلْكِ لِلدِّيَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَرَابِعُهَا أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِنِيَّةٍ مِنْ الزَّوَالِ وَتَنْعَطِفُ هَذِهِ النِّيَّةُ تَقْدِيرًا إلَى الْفَجْرِ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَلَا يُقَالُ: تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْفَرْضَ خِلَافُهُ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ سَبَبِهِ يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ شَرْطِهِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَلَفْظُ التَّعْلِيقِ هُوَ سَبَبٌ مُسَبَّبُهُ ارْتِبَاطُ الطَّلَاقِ بِقُدُومِ زَيْدٍ فَالْقُدُومُ هُوَ السَّبَبُ الْمُبَاشِرُ لِلطَّلَاقِ وَاللَّفْظُ هُوَ سَبَبُ السَّبَبِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ فَإِذَا جَوَّزُوا تَقْدِيمَهُ عَلَى السَّبَبِ الْقَوِيِّ فَلْيَجُزْ عَلَى السَّبَبِ الضَّعِيفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ جَعَلُوا الْقُدُومَ شَرْطًا امْتَنَعَ التَّقَدُّمُ أَيْضًا.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (وَثَانِيهَا أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ تَحْقِيقًا لِلْعِتْقِ عَنْهُ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ لِلْمِلْكِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مِلْكِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِلْعَبْدِ وَلَا تَحْقِيقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَثَالِثُهَا دِيَةُ الْخَطَأِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهَا مِنْ لُزُومِ تَقْدِيرِ مِلْكِ الدِّيَةِ وَعَدَمِ تَحْقِيقِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الدِّيَةَ تَحْقِيقًا عِنْدَ إنْفَاذِ مُقَاتِلِهِ وَقَبْلَ زُهُوقِ نَفْسِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ لِتَعَذُّرِ تَحْقِيقِهِ بِكَوْنِ الدِّيَةِ مَوْقُوفَةً عَلَى اخْتِيَارِ الْأَوْلِيَاءِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَرَابِعُهَا أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِنِيَّةٍ مِنْ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ سَبَبِهِ يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ شَرْطِهِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ) قُلْتُ: رَبَطَ الْحُكْمَ بِسَبَبِهِ وَشَرْطُهُ وَضْعِيٌّ وَالْأُمُورُ الْوَضْعِيَّةُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا عَلَى التَّعْيِينِ وَجْهٌ وَاحِدٌ بَلْ هِيَ بِحَسَبِ مَا وُضِعَتْ لَهُ فَلَوْ أَنَّ الْحُكْمَ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ التَّأَخُّرِ عَنْ سَبَبِهِ كَانَ عَلَى مَا وُضِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ التَّقَدُّمِ عَلَى سَبَبِهِ كَانَ كَذَلِكَ وَلَوْ أَنَّهُ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَ سَبَبِهِ لَا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَلَا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا لَكِنَّ الْوَاقِعَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت تَأَخُّرَ الْحُكْمِ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ كَمَا حُكِيَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُفْتَقِرَةِ لِلشَّرْعِ أَمَّا الَّتِي وُكِلَتْ إلَى قَصْدِ الْمُكَلَّفِ فَهِيَ بِحَسَبِ قَصْدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (فَلَفْظُ التَّعْلِيقِ سَبَبُ مُسَبَّبِهِ ارْتِبَاطُ الطَّلَاقِ بِقُدُومِ زَيْدٍ إلَى قَوْلِهِ امْتَنَعَ التَّقْدِيمُ أَيْضًا) قُلْتُ: قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ إنْ أَرَادَ أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلسَّبَبِ أَضْعَفُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَبْلُ وَبَعْدُ فَأَلْغِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَاصِلٌ بَعْدَ مَا هُوَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ مَا هُوَ بَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ إلَّا بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَيَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نَعَمْ الْفَاءُ بَعْدَ مَا قَبْلَ فِي بَيْتِ الْمَوْصِلِيِّ لِكَوْنِهِ مُبْدَلًا مِنْهُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ أَوْ لِكَوْنِ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ لَا لِمَا مَرَّ فِي الْقَاعِدَةِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَصْلُ مَالِكٍ تَقَدَّمَ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ عَلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَزَمَانِهِ وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَى ذَلِكَ فَلِذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ (وَيَقَعُ) أَيْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ طَلَاقِ أَلْبَتَّةَ نَاجِزًا (وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ) وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِهِ بِالْأَيَّامِ وَجْهٌ اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ عبق.
وَقَالَ الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ قِيلَ لَهُ: أَمَا نَجَّزَتْهَا أَيْ الْوَاحِدَةَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْك شَيْءٌ بَعْدَ الشَّهْرِ وَإِلَّا فَالْبَتَّةُ وَطَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ فَعَلَ غَدًا ثُمَّ فَعَلَ أَيْ أَثْنَاءَ الْغَدِ لَزِمَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْحِنْثِ أَيْ لَا مِنْ يَوْمِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَوْلُهُ الْيَوْمَ لَغْوًا وَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَصْلًا أَوْ فَعَلَ بَعْدَ غَدٍ لَمْ تَطْلُقْ اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ عبق.
وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَيَقْدَمُ نِصْفَ النَّهَارِ تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْقُدُومَ فَهُوَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى شَرْطِهِ أَوْ الْيَوْمِ فَلَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي طَالِقٍ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمَ فُلَانًا غَدًا إنْ كَلَّمَهُ الْيَوْمَ حَنِثَ وَغَدًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِكَلَامِ غَدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْيَوْمَ زَوْجَةً يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الْعِصْمَةِ وَعَدَمَهَا فَإِذَا كَلَّمَهُ الْيَوْمَ اجْتَمَعَ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ فِي ظَرْفٍ وَاحِدٍ فَيُمْكِنُ تَرَتُّبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ اهـ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْهُ هُوَ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِكَلَامِ غَدٍ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ.
وَفِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ كَطَالِقٍ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا قَصَدَ بِقَوْلِهِ وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ وَبِمَا بَعْدَهُ الِاسْتِظْهَارُ عَلَى مُخَالَفَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ فِي إنْ لَمْ
إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ: لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى زَمَنِ اللَّفْظِ وَزَمَنِ الْقُدُومِ تَقْدِيمٌ لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَا الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ مَثَلًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَشْرُوطُهُ بِوَصْفِ الِانْعِطَافِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّقَهُ فَهَذَا الِانْعِطَافُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّرْطِ وَلَفْظُ التَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ انْعِطَافَ النِّيَّةِ عِنْدَهُمْ عَلَى النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّهَارِ إذَا وَقَعَتْ نِصْفَ النَّهَارِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إيقَاعِهَا فَالِانْعِطَافُ عَلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّرْطِ وَسَبَبِهِ وَلَا يُقَالُ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ إنَّا تَبَيَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي بَلْ لَمْ يَكْشِفْ الْغَيْبَ عَنْ طَلَاقٍ حَقِيقِيٍّ فِي الْمَاضِي أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ حَيْثُ نَجْهَلُ أَمْرًا حَقِيقِيًّا ثُمَّ نَعْلَمُهُ كَمَا حَكَمْنَا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْحَمْلِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ نَفْخٌ أَوْ حَكَمْنَا بِوَفَاةِ الْمَفْقُودِ ثُمَّ عَلِمْنَا حَيَاتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَمَّا الِانْعِطَافَاتُ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ نَجْزِمُ بَعْدَ الِانْعِطَافِ بِعَدَمِ الْمُنْعَطَفِ حَقِيقَةً فِي الزَّمَنِ الَّذِي انْعَطَفَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ فِيهِ تَقْرِيرًا وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الْقُدُومِ لِأَنَّهُ يَوْمَ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَتَحْرِيمِ الْفَرْجِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَالْإِبَاحَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مِنْ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ أَضْعَفُ مِنْ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ فَمُسَلَّمٌ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ كَوْنُهُ غَيْرَ مُبَاشِرٍ لَكِنْ مَعَ تَسْلِيمِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَيْهِ أَوْلَى بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ جَوَازَ تَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ أَوْ يَقُولَ لَا أَوْلَوِيَّةَ بَلْ الْأَمْرُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ.
قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ: لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى زَمَنِ اللَّفْظِ وَزَمَنِ الْقُدُومِ تَقْدِيمٌ لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَا الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ مَثَلًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَشْرُوطُهُ بِوَصْفِ الِانْعِطَافِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّقَهُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَالِانْعِطَافُ عَلَى الزَّمَنِ الْمَاضِي يَتَأَخَّرُ عَنْ الشَّرْطِ وَسَبَبِهِ) قُلْتُ: كَيْفَ يَكُونُ الِانْعِطَافُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّرْطِ وَهُوَ الْقُدُومُ وَقَدْ كَانَ لَفْظُ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ عَلَى الْقُدُومِ يَقْتَضِيهِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِالِانْعِطَافِ كَوْنَ اللَّفْظِ يَقْتَضِيهِ بَلْ يُرِيدُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْقُدُومِ قِيلَ لَهُ: أَتُرِيدُ لُزُومَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ تُرِيدُ فِي عِلْمِنَا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِسَبَبٍ بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَزِمَ عَنْ وُقُوعِ الْقُدُومِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَبِالْجُمْلَةِ يُقَالُ لَهُ: هَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: لَمْ يَقَعْ فَلَا طَلَاقَ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى الْقُدُومِ إنَّمَا يَقْتَضِي بِحَسَبِ نَصِّ التَّعْلِيقِ تَقْدِيمَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَلَا مُوجِبَ لِوُقُوعِهِ وَإِنْ قَالَ: قَدْ وَقَعَ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِتَقْدِيمِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَلَا يُقَالُ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ: إنَّا تَبَيَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ) قُلْتُ: إذَا لَمْ يَلْزَمْ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ وُقُوعٌ حَقِيقَةً فَلَا انْعِطَافَ وَلَا مُنْعَطَفَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُنْعَطَفٌ فَلَا طَلَاقَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقٌ فَقَدْ بَطَلَ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ الْمَفْرُوضِ فَإِنْ قَالَ بِثُبُوتِ طَلَاقٍ فَهُوَ طَلَاقٌ لَا مُوجِبَ لَهُ إذْ لَمْ يَصْدُرْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إذَا مَضَى زَمَنُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا قَالَهُ يَأْتِي عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا لَكِنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْأَيَّامِ وَجْهٌ اهـ نج اُنْظُرْ غ اهـ بِتَوْضِيحٍ مَا.
فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ اللُّزُومُ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، الثَّانِي أَنَّهَا تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي الْجَوَاهِرِ فَيَتَقَدَّمُ الطَّلَاقُ عَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَعَلَى الشَّرْطِ مَعًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِالْأَمْسِ وَقَالَ: قَصَدْت إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالْأَمْسِ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالْأَمْسِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ فَيَسْقُطُ الْمُتَعَذِّرُ وَيَثْبُتُ الْحَالُ وَقِيلَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الْمَوْتِ دُونَ الدُّخُولِ وَالْقُدُومِ قَالَ: وَهُوَ تَحَكُّمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ: إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ قُدُومِهِ بِشَهْرٍ ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَطَلَ الْخُلْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَنَّهُمْ أَرْدَفُوا ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إذَا قَالَ لَهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِهِ بِسَنَةٍ فَقَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ سَنَةٍ كَمَا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً، هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ أَعْيَانُهُمْ وَمَشَايِخُهُمْ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَقْتَضِي قَوْلُهُمْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا كَانَ يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ مِمَّا أَنْفَقَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى زَعْمِهِمْ إنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْقُدُومِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ
وَمِنْ الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ الَّتِي أَلْزَمُوهَا أَنَّ الْوَطْءَ الْوَاقِعَ قَبْلَ الِانْعِطَافِ وَطْءُ شُبْهَةٍ لَا إبَاحَةٍ مُحَقَّقَةٍ وَوُجُودُ السَّبَبِ الْمُبِيحِ السَّالِمِ عَنْ مُعَارَضَةِ الطَّلَاقِ يَأْبَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا: تَقْدِيرُ الطَّلَاقِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الزَّوْجِيَّةِ لِلْإِبَاحَةِ قُلْنَا: الْمُقَدَّرَاتُ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُنَافِي الْعَقْدَ وَلَا يُعَارِضُهُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا عَلَى اللَّفْظِ وَكَيْفَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ يَقُولُونَ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْلِ مِنْ أَصْلِهِ مَعَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ سَبَبٌ لِلنَّقْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ الِانْعِطَافِ وَإِذَا عَقَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ فَلْيَعْقِلُوهَا فِي الْبَقِيَّةِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمَوْضُوعَةَ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ اسْتَقَلَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِمُسَبَّبَاتِهَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا انْعِطَافَاتٍ بَلْ كُلُّ سَبَبٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ بَعْدَهُ وَالتَّعَالِيقُ مَوْكُولَةٌ لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ وَمُقْتَضَى التَّفْوِيضِ لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا الِانْعِطَافَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْتِزَامِ الِانْعِطَافِ حَيْثُ خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَيْثُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْتُك مِنْ شَهْرٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْمِلْكُ شَهْرًا وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْقَوَاعِدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ حَيْثُ الْحَجْرُ أَنْ لَا يَجْرِيَ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ حَيْثُ عَدَمُ الْمُعَارِضِ فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَرْجَحُ بِالْأَصْلِ ثُمَّ إنَّهُمْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الْقُدُومِ وَهُوَ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ لِلطَّلَاقِ بَلْ هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ وَاللَّفْظُ هُوَ السَّبَبُ الْبَعِيدُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى الْبَعِيدِ أَوْلَى.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَسْأَلَةُ الدَّوْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ: إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ عَدَدُ طَلْقِهِ مُنَجَّزًا كَمَّلْنَا عَلَيْهِ الثَّلَاثَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ ابْنِ الْحَدَّادِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ مَشْرُوطُهُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الثَّلَاثِ وَلَوْ وَقَعَ مَشْرُوطُهُ لَمَنَعَ وُقُوعَهُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَمْنَعُ مَا بَعْدَهَا فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ فَلَا يَقَعُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مُحَالًا وَقِيلَ: يَقَعُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الثَّلَاثُ أَيُّ شَيْءٍ نَجَّزَهُ تَنَجَّزَ وَكَمُلَ مِنْ الْمُعَلَّقِ قَالَ: وَمِنْ صُوَرِ الدَّوْرِ أَنْ يَقُولَ: إنْ طَلَّقْتُك طَلْقَةً أَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهَا طَلْقَتَيْنِ وَإِنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مِنْ النَّاطِقِ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا لَفْظَ التَّعْلِيقِ.
قَالَ: (وَمِنْ الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ الَّتِي أَلْزَمُوهَا أَنَّ الْوَطْءَ الْوَاقِعَ قَبْلَ الِانْعِطَافِ وَطْءُ شُبْهَةٍ لَا إبَاحَةٍ مُحَقَّقَةٍ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَإِذَا عَقَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ فَلْيَعْقِلُوهَا فِي الْبَقِيَّةِ) قُلْتُ: فَإِذَا لَمْ يُعَارِضْ التَّقْدِيرَ الْعَقْدُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ فَأَيُّ مَعْنَى لِلِانْعِطَافِ وَأَيْنَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ.
قَالَ: (وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمَوْضُوعَةَ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ اسْتَقَلَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِمُسَبَّبَاتِهَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا انْعِطَافَاتٍ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: تُرِيدُ أَنَّ لَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ لَيْسَ تَعْلِيقًا وَلَكِنَّهُ مِمَّا وَضَعَهُ الشَّارِعُ سَبَبًا وَمَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ لَمْ يُجْعَلْ فِيهِ انْعِطَافًا بِخِلَافِ مَا وَكَلَهُ إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ نَقْضِهِمْ أَصْلَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
. قَالَ: شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الدَّوْرِ قَالَ: أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ: إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ: عَدَدَ طَلْقِهِ مُنَجَّزًا كَمَّلْنَا عَلَيْهِ الثَّلَاثَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَ فِيهَا إلَى آخِرِهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
التَّعْلِيقِ وَزَمَانِهِ كَمَا هُوَ أَصْلُ مَالِكٍ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: الَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ وَأَنَّهَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الشَّرْطِ بَلْ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ تَحْرِيمَهَا لِلطَّلَاقِ.
وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ تَبَيَّنَ أَنَّ تَحْرِيمَهَا لِلْإِشْكَالِ وَالِاحْتِمَالِ كَمَا فِي اخْتِلَاطِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الْأَجْنَبِيَّةُ حَرَامٌ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْمَنْكُوحَةُ حَرَامٌ لِلِاخْتِلَاطِ وَقَوْلُهُمْ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ الْفَارِقِ وَيَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ:
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَقَدَّرَ لَهُ مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ كَالْهِلَالِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْعِصَمِ وَالْأَمْلَاكِ فِي الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ لِوُجُوبِ النَّفَقَاتِ وَعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لِإِنْشَاءِ الْأَمْلَاكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ، وَقِسْمٌ وَكَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخِيرَةِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنْ شَاءَا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءَا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَحُصِرَ جَعْلُهُمْ لِذَلِكَ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَقُدُومِ زَيْدٍ فَنَحْوُ دُخُولِ الدَّارِ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا لِعِتْقِ عَبْدِهِ بَلْ الْمُكَلَّفُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَلَوْ قَالَ الْمُكَلَّفُ جَعَلْتُهُ سَبَبًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بِتَعَيُّنِ الْأَلْفَاظِ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا يَنْفُذُ وَيُعْتَبَرُ فَهَذَا الْقِسْمُ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِي مُسَبَّبِهِ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَرِيبَ الزَّمَانِ أَوْ بَعِيدَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَمِنْهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ فَافْهَمْ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُقَدَّرَاتُ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ بَلْ يَجْتَمِعَانِ وَيَثْبُتُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوَازِمُهُ وَأَحْكَامُهُ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا اشْتَرَاهَا الشَّخْصُ شِرَاءً صَحِيحًا أُبِيحَ لَهُ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَى حِينِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَالرَّدِّ بِهِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَمُقْتَضَاهُ
ثَلَاثًا وَإِنْ أَبَنْتُك أَوْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ فَسَخْت نِكَاحَك أَوْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا أَوْ يَقُولُ لِأَمَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَعْتِقَهَا فَلَا يَتَزَوَّجُ بِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَتُعَلَّقُ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْعَقْدِ مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَعَلَى تَصْحِيحِ الدَّوْرِ تَنْحَسِمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ وَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا فِي الْوُجُودِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَنَقُولُ: الْبَحْثُ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ ثَلَاثٍ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى:) أَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ إمْكَانَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْمَشْرُوطِ لِأَنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ فِي ذَاتِهِ وَحِكْمَةَ الشَّرْطِ فِي غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ لَا تَحْصُلُ فِيهِ حِكْمَتُهُ.
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بَيْنَ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ صَلَّيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الدُّعَاءِ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ. الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُ وَفِيمَا لَا يَمْلِكُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُ دُونَ مَا لَا يَمْلِكُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ: قَوْلُهُ إنْ طَلَّقْتُك إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَأَبْقَيْنَا التَّعْلِيقَ عَلَى صُورَتِهِ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُ الشَّرْطِ مَعَ مَشْرُوطِهِ فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَيَسْقُطُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي هِيَ الْمَشْرُوطُ مَا بِهِ وَقَعَ التَّبَايُنُ فَإِنْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً أَسْقَطْنَا وَاحِدَةً لِأَنَّ اثْنَتَيْنِ تَجْتَمِعْنَ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ أَوْقَعَ اثْنَتَيْنِ أَسْقَطْنَا اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ وَاحِدَةً تَجْتَمِعُ مَعَ اثْنَتَيْنِ فَإِذَا أَسْقَطْنَا الْمُنَافِيَ وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَاقِي فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَامْرَأَةِ جَارِهِ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَحْدَهُ أَوْ عَبْدُهُ وَعَبْدُ زَيْدٍ حُرَّانِ يَعْتِقُ عَبْدُهُ وَحْدَهُ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهُ كَذَلِكَ هَا هُنَا الَّذِي يُنَافِي بِهِ الشَّرْطَ لَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا لِلْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَسَقَطَ كَامْرَأَةِ الْغَيْرِ وَعَبْدِهِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِمَّا تَنَاوَلَهُ لَفْظُهُ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَاقِي بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُنَافِي فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ لِلْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَعَلَى رَأْيِ ابْنِ الْحَدَّادِ فَتَلْزَمُهُ مُخَالَفَةُ إحْدَى هَذِهِ الثَّلَاثِ قَوَاعِدَ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالسُّرَيْجِيَّةِ وَيَحْسِبُهَا بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا فَإِنَّهَا قَالَ بِهَا: ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ بِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَدِ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِمْ لِأَنَّهُمْ مِئُونَ بَلْ آلَافٌ وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله يَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا فُسُوقٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ أَحَدٌ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ: الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النُّصُوصَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْلَى بِأَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَإِذَا لَمْ نُقِرَّهُ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ ضَلَالٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَهَذَا بَيَانٌ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَبِهِ يَظْهَرُ الْحُكْمُ فِي بَقِيَّةِ مَسَائِلِ الدَّوْرِ الَّتِي هِيَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ: إذَا قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ: الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إذَا قَالَ: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ارْتِفَاعُ الْإِبَاحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَقْدِ وَالْإِبَاحَةِ وَاقِعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَرَفْعُ الْوَاقِعِ مُحَالٌ عَقْلًا وَالْمُحَالُ عَقْلًا لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا الِارْتِفَاعِ جَارِيًا عَلَى قَاعِدَةِ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ إعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ بِأَنْ يَحْكُمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْجُودَ وَالْإِبَاحَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ وَجَمِيعَ آثَارِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ كَمَا حَكَمَ بِأَنَّ قُرُبَاتِ الْمُرْتَدِّينَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِارْتِدَادِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَقِيقَةً هِيَ مَعْدُومَةٌ حُكْمًا أَوْ إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَمَا فِي النِّيَّةِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا يَحْكُمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِوُجُودِهَا حُكْمًا وَإِنْ عُدِمَتْ عَدَمًا حَقِيقِيًّا كَمَا بَسَطَ ذَلِكَ الْأَصْلَ فِي كِتَابِهِ الْمُنْيَةِ فِي إدْرَاكِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ وَثَانِيَتُهُمَا أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِنِيَّةٍ مِنْ الزَّوَالِ وَتَنْعَطِفُ هَذِهِ النِّيَّةُ تَقْدِيرًا إلَى الْفَجْرِ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَلَا يُقَالُ تَبَيُّنًا أَنَّهُ كَانَ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ إذْ الْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ فِي كِتَابِهِ الْأُمْنِيَةِ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ رَبْطُهُ بِسَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَضْعِيًّا وَأَنَّ الْأُمُورَ الْوَضْعِيَّةَ بِحَسَبِ مَا وُضِعَتْ لَهُ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ لَوْ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ التَّأَخُّرِ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّقَدُّمِ عَلَى سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ لَا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَلَا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ لَكَانَ عَلَى حَسَبِ مَا وُضِعَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ ذَلِكَ تَأَخُّرُهُ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ بِدُونِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا نَعَمْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُفْتَقِرَةِ لِلشَّرْعِ أَمَّا الَّتِي وُكِلَتْ إلَى قَصْدِ الْمُكَلَّفِ فَهِيَ بِحَسَبِ قَصْدِهِ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَعَدَمِهِمَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُكَلَّفَ دُونَ الشَّارِعِ هُوَ الَّذِي رَبَطَ الطَّلَاقَ بِالْقُدُومِ وَجَعَلَهُ هُوَ السَّبَبُ الْمُبَاشِرُ لِلطَّلَاقِ وَجَعَلَ ارْتِبَاطَ الطَّلَاقِ بِهِ مُسَبَّبًا عَنْ لَفْظِ التَّعْلِيقِ فَاللَّفْظُ هُوَ سَبَبُ السَّبَبِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْقُدُومِ وَلَفْظُ التَّعْلِيقِ سَبَبًا عَلَى حَسَبِ قَصْدِ الْمُكَلَّفِ فِي تَقَدُّمِهِ أَوْ تَأَخُّرِهِ عَنْ مُسَبَّبِهِ أَوْ حُصُولِهِ مَعَ مُسَبَّبِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِمْ تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ عَلَى كُلٍّ