الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَعَهُ مَا يَجِبُ أَنْ يُصَيِّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَإِذَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» فَعِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَا يُخَصِّصُ عُمُومَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّانِي وَإِنَّمَا يُخَصِّصُهُ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْمَفْهُومُ حُجَّةٌ وَإِنَّمَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومِ هَذَا الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ اللَّاحِقَةِ لَهُ سَوَاءٌ قُلْنَا الْمَفْهُومُ حُجَّةٌ أَمْ لَا أَمَّا الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْقَائِلُ الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَيَقُولُ هَذَا الْحَدِيثُ اقْتَضَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَعْلُوفَةِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ وَوَافَقَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي فِيهِ الصِّفَةُ لَمْ يَتَنَاوَلْ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَغَايَتُهُ إنْ قَالَ لَمْ يَتَنَاوَلْ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ عَدَمَهُ بَلْ الْمَعْلُوفَةُ فِي حَيِّزِ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا أَلْبَتَّةَ أَمَّا الْعُمُومُ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الصِّفَةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَمْ يَعُدْ الْحُكْمُ مِنْهُ إلَى الْمَعْلُوفَةِ بَلْ قَصَرَهُ عَلَى السَّائِمَةِ بِسَبَبِ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ أَنَّ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ يَصِيرُ الْمُسْتَقِلُّ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ وَيَسْلُبُهُ حُكْمَ الْعُمُومِ الْكَائِنِ قَبْلَ الصِّفَةِ وَلَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ إلَّا النَّوْعُ الَّذِي تَشْمَلُهُ الصِّفَةُ خَاصَّةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَعِنْدَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِهِ بِسَبَبِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَقُولُ مُسْتَنَدِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا الْمَفْهُومُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَا يُوجِبُ أَنْ يُصَيِّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُخَصِّصُهُ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْمَفْهُومُ حُجَّةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا مُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ قَالَ وَإِنَّمَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» إلَى قَوْلِهِ وَكَانَ الْقَائِلُ بِإِنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَقُولُ مُسْتَنَدِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا الْمَفْهُومُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا مُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
سَبَبًا إلَّا كَوْنَهُ سَبَبًا لِفِعْلٍ مِنْ قِبَلِ الْمُكَلَّفِ فَبَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ إذَا أَفْسَدَ الصَّبِيُّ مَالًا لِغَيْرِهِ إخْرَاجُ الْجَابِرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَالْإِتْلَافُ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ إخْرَاجَ الْجَابِرِ مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ الْوَلِيُّ مِنْ قَبْلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ السَّبَبُ فِي زَمَنِ الصِّغَرِ وَتَأَخَّرَ أَثَرُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَأَمَّا بَيْعُهُ وَنِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ فَلَا تَكُونُ أَسْبَابًا لِآثَارِهَا لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ اعْتِبَارِ سَبَبِيَّةِ الْإِتْلَافِ لِلضَّمَانِ قَبْلُ وَبَيْنَ عَدَمِ اعْتِبَارِ سَبَبِيَّةِ الْبَيْعِ وَمَا بَعْدَهُ لِآثَارِهَا قُبِلَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ يُشْتَرَطُ فِيهَا اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ التَّحْرِيمُ وَأَثَرَ الْبَيْعِ إلْزَامُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّكْلِيفِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِلْزَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ اعْتِبَارِ سَبَبِيَّةِ الْإِتْلَافِ لِلضَّمَانِ بَعْدُ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ سَبَبِيَّةِ الْبَيْعِ وَمَا بَعْدَهُ لِآثَارِهَا بَعْدُ هُوَ أَنَّ تَأَخُّرَ الْمُسَبَّبَاتِ عَنْ أَسْبَابِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا خَالَفْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْإِتْلَافِ لِضَرُورَةِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي جَبْرِ مَالِهِ لِئَلَّا يَذْهَبَ مَجَّانًا فَتَضِيعَ الظُّلَامَةُ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ عَظِيمَةٌ تَحَقَّقَتْ فِي الْإِتْلَافِ فَاقْتَضَتْ مُخَالَفَةَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ فِي الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَمَا مَعَهُمَا بَلْ إذَا أَسْقَطْنَا الطَّلَاقَ وَاسْتَصْحَبْنَا الْعِصْمَةَ لَمْ يَلْزَمْ فَسَادٌ وَلَا تَفُوتُ ضَرُورَةٌ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا أَبْقَيْنَا الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ لِلصَّبِيِّ كُنَّا مُوَافِقِينَ لِلْأَصْلِ وَلَا يَلْزَمُ مَحْظُورٌ أَلْبَتَّةَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فَتَاوَى عُلَمَائِنَا مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ وَسَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّ وُجُوبَهَا مُوَسَّعٌ قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ وَأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا لَيْسَ تَبَعًا لِطَرَآنِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ بَلْ يَقَعُ الْوُجُوبُ فِيهَا تَبَعًا لِطَرَآنِ الْعَزْمِ عَلَى التَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَوَقْتُ طَرَآنِ هَذَا الْعَزْمِ مَا بَيْنَ أَقْرَبِ حَدَثٍ يُحْدِثُهُ الْمَرْءُ وَإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أُمُورٌ الْأَوَّلُ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا أَلْبَتَّةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ الثَّانِي تَعَذُّرُ الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ
الثَّالِثُ لُزُومُ نِيَّةِ الْوُجُوبِ الرَّابِعُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجِبَ الشَّرْطُ إلَّا عِنْدَ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ إذْ لَا اسْتِحَالَةَ فِي مُغَايَرَةِ سَبَبِ الْمَشْرُوطِ لِسَبَبِ الشَّرْطِ كَمَا هُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ وَضْعِيَّةٌ تَقَعُ بِحَسَبِ قَصْدِ وَاضِعِهَا وَنَظِيرُ مَا هُنَا مِنْ الْعَادِيَاتِ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ اضْطِرَارُهُ إلَى الْغِذَاءِ فِي وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمِنْ شَرْطِ الْغِذَاءِ الَّذِي يُتَغَذَّى بِهِ طَبْخُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّبْخِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ عَلَى وَقْتِ الِاغْتِذَاءِ ثُمَّ لَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ الطَّبْخِ الزَّمَنُ الْمُجَاوِرُ لِزَمَنِ الِاغْتِذَاءِ بَلْ لَهُ تَقْدِيمُ الطَّبْخِ وَالِاسْتِعْدَادِ بِهِ مِنْ حِينِ طُرُوءِ عَزْمِهِ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِالِاغْتِذَاءِ بِالْقَرِيبِ الطَّبْخُ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِوَاءِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِ هَذَا الشَّخْصِ وَهَذَا الْغِذَاءِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ لِلْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ لَهُ) أَمَّا الْمَوَاقِيتُ الزَّمَانِيَّةُ فَقَالَ
وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ يَتَقَرَّرُ عِنْدَك الْفَرْقُ الْوَاضِحُ بَيْنَ النِّيَّةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ وَبَيْنَ الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ فَائِدَةُ حَسَنَةِ الْمَعْدُودِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ أَرْبَعَةٌ خَاصَّةٌ الصِّفَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْغَايَةُ وَالشَّرْطُ وَقَدْ وَجَدْتهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَثَمَانِيَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الْحَالُ وَظَرْفُ الزَّمَانِ وَظَرْفُ الْمَكَانِ وَالْمَجْرُورُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْبَدَلُ وَالْمَفْعُولُ مَعَهُ وَالْمَفْعُولُ لِأَجْلِهِ فَهَذِهِ الِاثْنَا عَشَرَ لَيْسَ فِيهَا وَاحِدٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَمَتَى اتَّصَلَ بِمَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ كَانَ عُمُومًا أَوْ غَيْرُهُ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ مَرَّ تَمْثِيلُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فِي مَعْنَى التَّرْتِيبِ فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَالِكَ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ مِنْ الْمَبَاحِثِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهَا وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ تُوجِبُ الْفُسُوقَ وَخَرْقَ الْإِجْمَاعِ فِي الْفُتْيَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَحِلُّ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهَذَا الْفَرْقِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ يَتَقَرَّرُ عِنْدَك الْفَرْقُ الْوَاضِحُ بَيْنَ النِّيَّةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ وَبَيْنَ الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ) قُلْت لَمْ يَتَقَرَّرْ مَا قَالَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ بَلْ لَا فَرْقَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَلَا قَائِلَ بِهِ فِي مِثْلِ مَسْأَلَةِ الْحَالِفِ إلَّا مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَائِدَةُ الْمَعْهُودِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ أَرْبَعَةٌ خَاصَّةٌ الصِّفَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْغَايَةُ وَالشَّرْطُ وَقَدْ وَجَدْتهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ اثْنَيْ عَشْرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَثَمَانِيَةً أُخْرَى إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فِي مَعْنَى التَّرْتِيبِ فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَاكَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ قَالَ (وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ مِنْ الْمَبَاحِثِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهَا وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ تُوجِبُ الْفُسُوقَ وَخَرْقَ الْإِجْمَاعِ فِي الْفُتْيَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَحِلُّ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهَذَا الْفَرْقِ) قُلْت لَا تُوجِبُ الْغَفْلَةُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ فُسُوقًا وَلَا خَرْقَ إجْمَاعٍ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ التَّنْبِيهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ مَا حَاصِلُهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ إلَّا أَنَّ الْخِلَافَ فِي جَعْلِهِ ذَا الْحِجَّةِ كُلَّهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَقَتَادَةَ وَطَاوُسٍ وَمَالِكٍ نَظَرَ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ أَشْهُرٌ فِي الْآيَةِ صِيغَةُ جَمْعٍ مُنَكَّرٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ جَاءَ بِهِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ أَوْ جَعَلَهُ ذَا الْحِجَّةِ بَعْضُهُ نَظَرَ الْأَمْرَيْنِ أَيْضًا الْأَوَّلُ تَخْصِيصُ الصِّيغَةِ بِالْوَاقِعِ وَالثَّانِي كَوْنُ بَعْضِ الشَّهْرِ يُسَمَّى شَهْرًا لُغَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْبَعْضِ فَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا وَأَبُو حَنِيفَةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْهُ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالرَّمْيَ فِي الْعَقَبَةِ رُكْنَانِ يُفْعَلَانِ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيُّ عَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ الْحَجَّ يَكْمُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ لِصِحَّةِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ الْحَجُّ كُلُّهُ وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الرَّمْيَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَشَعَائِرِهِ وَالْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَشْهُرِ الْحَجِّ وَتَنْصِيصِهِ عَلَيْهَا أَمْرَانِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهَا كَذَلِكَ فِي مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْحَالُ إلَى أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ فَبَقِيَتْ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَى أَنَّ الْعُمْرَةَ فِيهَا مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُغَيِّرُهَا فَتُنْسِئُهَا وَتُقَدِّمُهَا حَتَّى عَادَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ إلَى حَدِّهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَأْثُورِ الْمُنْتَقَى «إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا» الْحَدِيثُ الثَّانِي أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لَمَّا ذَكَرَ التَّمَتُّعَ وَهُوَ ضَمُّ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَيَّنَ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ لَيْسَتْ جَمِيعَ الشُّهُورِ فِي الْعَامِ وَإِنَّمَا هِيَ الْمَعْلُومَاتُ مِنْ لَدُنْ إبْرَاهِيمَ عليه السلام وَبَيَّنَ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] أَنَّ جَمِيعَهَا لَيْسَ الْحَجُّ تَفْصِيلًا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَتَخْصِيصًا لِبَعْضِهَا بِذَلِكَ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَجَمِيعُ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَصَحِيحُ قَوْلِ عُلَمَائِنَا فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْعَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا مَنْ أَتَى بِالْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْمَخْصُوصَةِ. اهـ.
بِزِيَادَةٍ وَأَمَّا الْمَوَاقِيتُ الْمَكَانِيَّةُ فَهِيَ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ» زَادَ مُسْلِمٌ «وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَقَدْ نَظَمْت هَذِهِ الْخَمْسَةَ الْمَوَاقِيتَ الْمَكَانِيَّةَ مُبَيِّنًا بُعْدَهَا مِنْ مَكَّةَ وَأَهْلَ كُلٍّ بِقَوْلِي
قَرْنٌ لِنَجْدٍ ذَاتُ عِرْقٍ لِلْعِرَاقِ
…
يَلَمْلَمُ الْيَمَنِيُّ مِنْ أُمِّ الْقُرَى
لِلْكُلِّ مَرْحَلَتَانِ جُحْفَةُ شَامِنَا
…
سِتٌّ حُلَيْفَةُ عَشْرٌ لِلْمَدَنِيِّ تُرَى
وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ مَعًا وَانْعِقَادُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ وَلَا يَنْعَقِدُ حَجًّا بَلْ إنْ كَانَ حَلَالًا انْعَقَدَ عُمْرَةً وَإِلَّا فَهُوَ لَغْوٌ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى أُخْرَى وَالْحَجَّ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَجَرٍ عَلَى إيضَاحِ النَّوَوِيِّ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنَّ إحْرَامَ الْمُحْرِمِ مِنْ بَلَدِهِ أَفْضَلُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك» وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ بِكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَتَأَوَّلَهُ أَهْلُ مَذْهَبِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بَلْ وَلَا عَلَى