المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفرق بين قاعدة الواجب للآدميين على الآدميين وبين قاعدة الواجب للوالدين على الأولاد] - الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق - جـ ١

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطْبَة الْكتاب]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَوَى الْعَدْلُ الْعَبْدُ حَدِيثًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَام الْإِنْشَاءُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ الْقَائِلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِكِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْإِنْشَاءَ كَمَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ يَكُونُ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَغِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْإِنْشَاءُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَبَرَوفيه مَسَائِل]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ التَّمَدُّحِ بِالْوَفَاءِ فِي الْوَعْدِ وَالْعَفْوِ فِي الْوَعِيدِ وَوُجُودُ الْخَبَرِ بِدُونِ خِصِّيصَتِهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ خَبَرٌ كَاذِبٌ مَعَ أَنَّ مُتَقَدِّمَاتِهِ صَحِيحَةٌ فَكَيْفَ يُنْتِجُ الصَّادِقُ الْخَبَرَ الْكَاذِبَ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ كَذِبُ نَتِيجَةِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الصَّادِقَتَيْنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الْمُنْقَسِمَ إلَى شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ يَنْتِجُ قَوْلُهُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الْمُحَالُ فِي النَّتِيجَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَالَ إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَوْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ عَادَا نَفْيَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ عَادَا ثُبُوتَيْنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذَا الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَإِلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ ذِكْر الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا نِسَاءُ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَ حَمْلِ الْعُمُومِ عَلَى عُمُومِهِ دُونَ سَبَبِهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى شَرْطِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَالْعِلَلِ الْمُجْتَمِعَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ جُزْءِ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالْمَانِعِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَالِي أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ تَوَالِي الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا]

- ‌[ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[مَا لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا أَقْسَامٌ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحِجَاجِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْإِنْسَانَ لَا يَنْوِي إلَّا فِعْلَ نَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ لَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّذِي نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ النِّيَّةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ حُكْم دُخُول السنن فِي نِيَّة صَلَاة الْفَرْض]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حُقُوقِ اللَّهِ وَقَاعِدَةِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْآدَمِيِّينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[الْفَرَق بَيْنَ قَاعِدَة خِطَابِ التَّكْلِيف وَقَاعِدَة خِطَاب الْوَضْع]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ فِي الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَة النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ]

- ‌[الْفَرْق بَيْن قَاعِدَة تَمْلِيك الِانْتِفَاع وَبَيْن قَاعِدَة تَمْلِيك الْمَنْفَعَة]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَة حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ]

- ‌[الْفَرْق بَيْن قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَام مِنْ قِبَل صَاحِب الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَات]

- ‌[الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَة تَقَدُّم الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُون شَرْطِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْفِعْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْحُكْمِيَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعْلِيقِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَقَاعِدَةِ تَعْلِيقِ سَبَبِيَّةِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَشِيئَة]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ قَاعِدَة النَّهْيِ الْعَام]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِر]

- ‌[الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُسْكِرَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُرْقِدَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُفْسِدَات]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفَ التَّكْلِيفِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَقَطْ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِلْإِيقَاعِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْجُزْئِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْكُلِّيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ الشَّرْطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ]

الفصل: ‌[الفرق بين قاعدة الواجب للآدميين على الآدميين وبين قاعدة الواجب للوالدين على الأولاد]

اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ يَلْزَمُ مِنْهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَأَجَبْتُهُ بِأَنْ قُلْت: إيجَابُ إحْدَى الْخِصَالِ إيجَابٌ لِلْمُشْتَرَكِ وَوُجُوبُ الْمُشْتَرَكِ يُخْرِجُ الْمُكَلَّفَ عَنْ عُهْدَتِهِ بِفَرْدٍ إجْمَاعًا وَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ تَحْرِيمٌ لِمُشْتَرَكٍ فَيَعُمُّ أَفْرَادَهُ وَأَفْرَادُهُ هُمْ النِّسْوَةُ فَيَعُمُّهُنَّ الطَّلَاقُ وَقَرَّرْت لَهُ جَمِيعَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَهُوَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْجَلِيلَةِ الْحَسَنَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَلَقَدْ أَوْرَدَهُ عَلَى أَكَابِرَ فَلَمْ يُجِيبُوا عَنْهُ إلَّا بِقَوْلِهِمْ إنَّمَا عَمَّ الطَّلَاقُ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الِاحْتِيَاطِ فِي الشَّرْعِ لَمْ يَجِدُوهُ وَأَمَّا مَعَ ذِكْرِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ضَرُورِيَّةً بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْحَقُّ فِيهَا تَعَيُّنًا ضَرُورِيًّا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَيُعَيِّنَهُ لِلْعِتْقِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَضَافَ الْحُكْمَ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَكَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ فَالْعِتْقُ أَيْضًا مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ وَأَخْذِ الْمَنَافِعِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ عَسِيرٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَهُوَ قُرْبَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأُمَمِ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ يَلْزَمُ مِنْهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَأَجَبْتُهُ بِأَنْ قُلْتُ: إيجَابُ إحْدَى الْخِصَالِ إيجَابٌ لِلْمُشْتَرَكِ وَوُجُوبُ الْمُشْتَرَكِ يُخْرِجُ الْمُكَلَّفَ عَنْ عُهْدَتِهِ بِفَرْدٍ إجْمَاعًا. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ تَحْرِيمٌ لِمُشْتَرَكٍ فَيَعُمُّ أَفْرَادَهُ وَأَفْرَادُهُ هُمْ النِّسْوَةُ فَيَعُمُّهُنَّ الطَّلَاقُ وَقَرَّرْت لَهُ جَمِيعَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَهُوَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْجَلِيلَةِ الْحَسَنَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَلَقَدْ أَوْرَدَهُ عَلَى أَكَابِرَ فَلَمْ يُجِيبُوا عَنْهُ إلَّا بِقَوْلِهِمْ إنَّمَا عَمَّ الطَّلَاقُ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَا الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الِاحْتِيَاطِ فِي الشَّرْعِ لَمْ يَجِدُوهُ وَأَمَّا مَعَ ذِكْرِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْحَقُّ فِيهَا تَعَيُّنًا ضَرُورِيًّا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ)

قُلْتُ: صَارَ الصَّدْرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ صَدْرٍ لِتَسْلِيمِهِ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ فَكَذَلِكَ مَا بَنِي عَلَيْهَا وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ مَا أَجَابَ بِهِ الْأَكَابِرُ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا عَمَّ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الِاحْتِيَاطُ كُلُّ دَلِيلٍ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَوَقِّي الشُّبُهَاتِ.

قَالَ: (شِهَابُ الدِّينِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ: مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَيُعَيِّنُهُ لِلْعِتْقِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَضَافَ الْحُكْمَ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَضَافَ الْحُكْمَ لِلْمُشْتَرَكِ بَلْ أَضَافَهُ لِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ.

قَالَ: (وَكَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ فَالْعِتْقُ أَيْضًا مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ وَأَخْذِ الْمَنَافِعِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ عَسِيرٌ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ: (وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمُ مَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَهُوَ قُرْبَةٌ) قُلْتُ: عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ فَكَوْنُ الْعِتْقِ قُرْبَةً

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يُحَصِّلُ دَنِيًّا وَنَزْرًا حَقِيرًا فَيَضِيعُ الْمَالُ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ إلْقَاءَ مَالِهِ فِي الْبَحْرِ وَتَضْيِيعَهُ فِي غَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَحَرَّمَ السَّرِقَةَ صَوْنًا لِمَالِهِ أَيْضًا وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ فِي تَضْيِيعِ عَقْلِهِ الَّذِي هُوَ عَوْنُهُ عَلَى أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ فَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْمُسْكِرَاتِ صَوْنًا لِمَصْلَحَةِ عَقْلِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ تَضْيِيعَ نَسَبِهِ الَّذِي بِهِ عَوْنُهُ عَلَى أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ فَحَرَّمَ عَلَيْهِ الزِّنَا صَوْنًا لِنَسَبِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ رِضَا الْعَبْدِ بِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ رِضَاهُ بِوِلَايَةِ الْفَسَقَةِ وَشَهَادَةِ الْأَرَاذِلِ وَنَحْوِهَا فَافْهَمْ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْآدَمِيِّينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْآدَمِيِّينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ غَيْرَ الْأَبَوَيْنِ عَلَى قَرِيبِهِمْ خَاصَّةً) .

وَذَلِكَ أَنَّ ضَابِطَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْوَالِدَيْنِ دُونَ الْأَجَانِبِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا أَنَّ نَدْبَ طَاعَتِهِمْ وَبِرِّهِمْ مُطْلَقًا أَقْوَى مِنْ نَدْبِ بِرِّ الْأَجَانِبِ مُطْلَقًا الثَّانِي وُجُوبُ اجْتِنَابِ مُطْلَقِ الْأَذَى كَيْفَ كَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الِابْنِ الثَّالِثُ وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ الرَّابِعُ وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي تَرْكِ تَعْجِيلِ الْفُرُوضِ الْمُوَسِّعَةِ الْخَامِسُ وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي تَرْكِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَأَمَّا ضَابِطُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْأَجَانِبُ دُونَ الْأَبَوَيْنِ فَهُوَ أَنَّ نَدْبَ بِرِّهِمْ مُطْلَقًا يَضْعُفُ عَنْ نَدْبِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّ طَاعَتَهُمْ فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ مَكْرُوهَةٌ تَنْزِيهًا قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ طَاعَتَهُمْ فِي تَرْكِ تَعْجِيلِ الْفُرُوضِ الْمُوَسَّعَةِ وَتَرْكِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ كَذَلِكَ وَأَنَّ اجْتِنَابَ مُطْلَقِ الْأَذَى غَيْرُ وَاجِبٍ فِي حَقِّهِمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَلْ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِمْ اجْتِنَابُ أَذًى مَخْصُوصٌ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْحَسَدِ وَإِفْسَادِ الْحَلِيلَةِ وَالْوَلَدِ وَالْخَادِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا عَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي زَوَاجِرِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَكُلُّ وَاجِبٍ لِلْأَجَانِبِ وَاجِبٌ لِلْأَبَوَيْنِ وَلَا عَكْسَ لُغَوِيًّا قَالَ: الْأَصْلُ وَأَمَّا مَا يَجِبُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ فَلَمْ أَظْفَرْ فِيهِ بِتَفْصِيلٍ كَمَا وَجَدْتُ الْمَسَائِلَ الْآتِي بَيَانُهَا فِي الْأَبَوَيْنِ بَلْ أَصْلُ الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ اهـ قُلْت لَكِنْ فِي الزَّوَاجِرِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعُقُوقِ وَقَطْعِ الرَّحِمِ هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُقُوقِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ الْوَلَدِ.

ص: 158

فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَدْ أَثْبَتَ التَّقَرُّبَ بِالْعِتْقِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ إجْمَاعًا وَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَقَبَةً فِي الْكَفَّارَةِ كَفَتْ رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِذَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّقَرُّبِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ وَلِلثُّبُوتِ فِي الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَالْبِغْضَةُ إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ فِي الْعِتْقِ وَعَمَّ فِي الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمَسَائِلِ الْمَفْرُوضَةِ وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْعِتْقِ وَأَصْلُهُ التَّقَرُّبُ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْأَلْفَاظِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مُطَابَقَةً دُونَ مَا تَقْتَضِيهِ الْتِزَامًا فَمَا مِنْ أَمْرٍ إلَّا وَيَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَالْخَبَرُ عَنْ الْعِقَابِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمًا بَلْ هُوَ تَحْرِيمٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَمْلُوكِ فَلَا فَرْقَ.

قَالَ: (فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَدْ أَثْبَتَ التَّقَرُّبَ بِالْعِتْقِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ) قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ التَّقَرُّبُ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِالْعِتْقِ بَلْ أَثْبَتَهُ فِي فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فَإِنْ أَرَادَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَاحِدًا مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ فَمُرَادُهُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ: (وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِرَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ إجْمَاعًا وَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَقَبَةً فِي الْكَفَّارَةِ كَفَتْ رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ) قُلْتُ: يَحِقُّ أَنْ يُخْرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِرَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ عَلَّقَ الْوُجُوبَ بِالْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ لَمَا سَاغَ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِجَمِيعِ مَا فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ الْأَفْرَادِ.

قَالَ: (وَإِذَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّقَرُّبِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ وَالثُّبُوتِ فِي الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ) قُلْتُ: لَمْ يَكْفِ فِيهِ فَرْدٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ لَكِنْ كَفَى فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ الْمُعَلَّقِ بِمُطْلَقٍ وَهُوَ الْفَرْدُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ.

قَالَ: (بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَالْبُغْضَةُ إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ فِي الْعِتْقِ وَعَمَّ فِي الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمَسَائِلِ الْمَفْرُوضَةِ) قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِتْقَ أَيْضًا تَحْرِيمٌ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِبَاحَةِ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا وَقَوْلُهُ إنَّ الْبُغْضَةَ إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ تَصْدُقُ مَعَ الْأَمْرِ وَتُحْمَلُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَرْجُوحِيَّةِ الْأَمْرِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْبُغْضَةَ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ قَدْ تَبَيَّنَ إبْطَالُ بَعْضِهَا فَلَا يَصِحُّ مَا بَنَى عَلَيْهَا.

قَالَ: (وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْعِتْقِ وَأَصْلُهُ التَّقَرُّبُ) قُلْتُ: وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ فِي الزَّوْجَةِ تَابِعٌ لِلطَّلَاقِ الَّذِي أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ بِنَصِّ الشَّارِعِ قَالَ: (وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْأَلْفَاظِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مُطَابِقَةً دُونَ مَا تَقْتَضِيهِ الْتِزَامًا) قُلْتُ: ذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَمُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ.

قَالَ: (فَمَا مِنْ أَمْرٍ إلَّا وَيَلْزَمُهُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَالْخَبَرُ عَنْ الْعِقَابِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَهَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ عُرْفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لَوْ فُعِلَ مَعَ الْغَيْرِ كَأَنْ يَلْقَاهُ فَيَقْطِبَ فِي وَجْهِهِ أَوْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ فِي مَلَأٍ فَلَا يَقُومُ لَهُ وَلَا يَعْبَأُ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْضِي أَهْلُ الْعَقْلِ.

وَالْمُرُوءَةِ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ بِأَنَّهُ مُؤْذٍ تَأَذِّيًا عَظِيمًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي غَايَةِ الْحُمْقِ أَوْ سَفَاهَةِ الْعَقْلِ فَأَمَرَ أَوْ نَهَى وَلَدَهُ بِمَا لَا يُعَدُّ مُخَالَفَتُهُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ عُقُوقًا لَا يَفْسُقُ وَلَدُهُ بِمُخَالَفَتِهِ حِينَئِذٍ لِعُذْرِهِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِمَنْ يُحِبُّهَا فَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا وَلَوْ لِعَدَمِ عِفَّتِهَا فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ أَنَّ «رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّيَ تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْت فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرُبَّمَا قَالَ: سُفْيَانُ إنَّ أُمِّيَ وَرُبَّمَا قَالَ: إنَّ أَبِي وَفِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ أَنَّ «رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ أَبِي لَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى زَوَّجَنِي وَإِنَّهُ الْآنَ يَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا قَالَ: مَا أَنَا بِاَلَّذِي آمُرُك أَنْ تَعُقَّ وَالِدَيْك وَلَا بِاَلَّذِي آمُرُك أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك غَيْرَ أَنَّك إنْ شِئْت حَدَّثْتُك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعْته يَقُولُ: الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَحَافِظِ عَلَى ذَلِكَ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ» قَالَ: وَأَحْسَبُ عَطَاءً قَالَ: فَطَلَّقَهَا نَعَمْ قَدْ أَشَارَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ طَلَاقُهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ وَالِدِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَقَالَ: التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَقَالَ لِي: طَلِّقْهَا فَأَبَيْت فَأَتَى عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلِّقْهَا»

وَكَذَا سَائِرُ أَوَامِرِهِ الَّتِي لَا حَامِلَ عَلَيْهَا إلَّا ضَعْفُ عَقْلِهِ وَسَفَاهَةُ رَأْيِهِ وَلَوْ عُرِضَتْ عَلَى أَرْبَابِ الْعُقُولِ لَعَدُوُّهَا أُمُورًا مُتَسَاهَلًا فِيهَا وَلَرَأَوْا أَنَّهُ لَا إيذَاءَ لِمُخَالَفَتِهَا هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ الْحَدِّ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَطْعِ الرَّحِمِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ أَنْ يَقْطَعَ الْمُكَلَّفُ مَا أَلِفَ قَرِيبُهُ مِنْهُ مِنْ سَابِقِ الْوَصْلَةِ وَالْإِحْسَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ لِأَنَّ قَطْعَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إيحَاشِ الْقُلُوبِ وَنَفْرَتِهَا وَتَأَذِّيهَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ قَطَعَ وَصْلَةَ رَحِمِهِ وَمَا يَنْبَغِي لَهَا مِنْ عَظِيمِ الرِّعَايَةِ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ قَرِيبَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْهُ إحْسَانٌ وَلَا إسَاءَةٌ قَطُّ

ص: 159

لِلتَّكْرَارِ بِنَاءً عَلَى النَّهْيِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ بِنَاءً عَلَى الْخَبَرِ اللَّازِمِ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً فَقَطْ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ يَلْزَمُهُ الْأَمْرُ بِتَرْكِهِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ وَلَا يُقَالُ هُوَ لِلْوُجُوبِ وَالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بِنَاءً عَلَى الْأَمْرِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ بِنَاءً عَلَى الْخَبَرِ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ الطَّلَاقُ تَحْرِيمٌ وَيَلْزَمُهُ وُجُوبُ التَّرْكِ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ وَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا تُعْتَبَرُ اللَّوَازِمُ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْحَقَائِقُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ وَبِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْمَبَاحِثِ يُتَّجَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ وَعَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَتَأَمَّلْهُ فِي مَوَاطِنِهِ وَلَا أُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا بَلْ يَكْفِي مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

لِلتَّكْرَارِ بِنَاءً عَلَى النَّهْيِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ بِنَاءً عَلَى الْخَبَرِ اللَّازِمِ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً فَقَطْ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ يَلْزَمُهُ الْأَمْرُ بِتَرْكِهِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ وَلَا يُقَالُ هُوَ لِلْوُجُوبِ وَالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بِنَاءً عَلَى الْأَمْرِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ بِنَاءً عَلَى الْخَبَرِ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ الطَّلَاقُ تَحْرِيمٌ وَيَلْزَمُهُ وُجُوبُ التَّرْكِ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ وَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا تُعْتَبَرُ اللَّوَازِمُ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْحَقَائِقُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ وَبِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْمَبَاحِثِ يَتَّجِهُ الْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ وَعَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَتَأَمَّلْهُ فِي مَوَاطِنِهِ وَلَا أُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا بَلْ يَكْفِي مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ) قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُهُ مَا مِنْ أَمْرٍ إلَّا وَيَلْزَمُهُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ فَمُسَلَّمٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْخَبَرُ عَنْ الْعِقَابِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِالتَّقْدِيرِ مَا يَرْجِعُ إلَى الْبَارِي تَعَالَى أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَيْنَا فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ تَقْدِيرُ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُقَالُ ذَلِكَ فِي حَقِّنَا بَلْ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ إلَّا الْعِلْمُ بِوُجُودِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَوْ بِعَدَمِهِ وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي فَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سَبَبُ قِيَامِ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْدِيرَنَا نَحْنُ ذَلِكَ الْأَمْرَ وَتَقْدِيرُنَا حَادِثٌ فَيَلْزَمُ حُدُوثُ ذَلِكَ الْخَبَرِ لِضَرُورَةِ سَبْقِ السَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ أَوْ مَعِيَّتِه.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ الطَّلَاقُ تَحْرِيمٌ وَيَلْزَمُهُ وُجُوبُ التَّرْكِ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ وَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا تُعْتَبَرُ اللَّوَازِمُ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْحَقَائِقُ مِنْ حَيْثُ هِيَ قُلْتُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ الطَّلَاقُ تَحْرِيمًا أَمَّا طَلَاقُ السُّنَّةِ فَلَيْسَ تَحْرِيمًا وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا هُوَ الْمُؤَبَّدُ أَمَّا غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ فَلَا وَنَقُولُ: لَيْسَ الطَّلَاقُ بِنَفْسِهِ تَحْرِيمًا وَلَكِنَّ الطَّلَاقَ حَلٌّ لِعَقْدِ النِّكَاحِ وَحَلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ يَسْتَلْزِمُ صَيْرُورَةَ الزَّوْجَةِ أَجْنَبِيَّةً وَصَيْرُورَتُهَا أَجْنَبِيَّةً يَسْتَلْزِمُ تَحْرِيمَهَا كَمَا أَنَّ الْعِتْقَ رَفْعُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَمْلُوكَةِ وَرَفْعُ الْمِلْكِ يُصَيِّرُهَا أَجْنَبِيَّةً مَالِكَةً لِنَفْسِهَا وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَحْرِيمُهَا فَلَا فَرْقَ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ فِي هَذَا الْفَرْق لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا الْوَاضِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَمْ يَفْسُقْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ إذَا فُرِضَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُمَا مَا يَقْتَضِي التَّأَذِّي الْعَظِيمَ لِغِنَاهُمَا مَثَلًا لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً فَأَوْلَى بَقِيَّةُ الْأَقَارِبِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يَقْطَعْ عَنْ قَرِيبِهِ مَا أَلِفَهُ مِنْ الْإِحْسَانِ لَكِنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ مُحَرَّمًا صَغِيرَةً أَوْ قَطَّبَ فِي وَجْهِهِ أَوْ لَمْ يَقُمْ إلَيْهِ فِي مَلَأٍ وَلَا عَبَأَ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِسْقًا بِخِلَافِهِ مَعَ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لِأَنَّ تَأَكُّدَ حَقِّهِمَا اقْتَضَى أَنْ يَتَمَيَّزَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ بِمَا لَا يُوجَدُ نَظِيرُهُ فِيهِمْ وَعَلَى هَذَا الضَّابِطِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْسَانُ الَّذِي أَلِفَهُ مِنْهُ قَرِيبٌ مَالًا أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُرَاسَلَةً أَوْ زِيَادَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَطْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ فِعْلِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَبِيرَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْعُذْرِ فِي الْمَالِ فَقْدُ مَا كَانَ يَصِلُهُ بِهِ أَوْ تَجَدُّدُ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ وَأَنْ يَنْدُبَهُ الشَّارِعُ إلَى تَقْدِيمِ غَيْرِ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْأَجْنَبِيِّ أَحْوَجَ وَأَصْلَحَ فَعَدَمُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ أَوْ تَقْدِيمُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ لِهَذَا الْقَدْرِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْفِسْقَ.

وَبِهِ انْقَطَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا أَلِفَهُ مِنْهُ الْقَرِيبُ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَاعَى أَمْرَ الشَّارِعِ بِتَقْدِيمِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْقَرِيبِ وَوَاضِحٌ أَنَّ الْقَرِيبَ لَوْ أَلِفَ مِنْهُ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ الْمَالِ يُعْطِيهِ إيَّاهُ كُلَّ سَنَةٍ مَثَلًا فَنَقَصَهُ لَا يَفْسُقُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَبِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى تَمَامِ الْقَدْرِ الَّذِي أَلِفَهُ مِنْهُ بَلْ اللَّازِمُ لَهُ أَنْ لَا يَقْطَعَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ وَغَالِبُ النَّاسِ يَحْمِلُهُمْ شَفَقَةُ الْقَرَابَةِ وَرِعَايَةُ الرَّحِمِ عَلَى وَصْلَتِهَا لَمْ يَكُنْ فِي أَمْرِهِمْ بِمُدَاوَمَتِهِمْ عَلَى أَصْلِ مَا أَلِفُوهُ مِنْهُمْ تَنْفِيرٌ عَنْ فِعْلِهِ بَلْ حَثٌّ عَلَى دَوَامِ أَصْلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْمُرَادُ بِعُذْرِ تَرْكِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي أَدَاءِ مَا يُرْسِلُهُ مَعَهُ وَأَمَّا عُذْرُ الزِّيَارَةِ فَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ بِعُذْرِ الْجُمُعَةِ بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا فَرْضُ عَيْنٍ وَتَرْكَهُ كَبِيرَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الزِّيَارَةَ الَّتِي أُلِفَتْ مِنْهُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِعُذْرٍ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَأَمَّلْ جَمِيعَ مَا قَرَّرْتُهُ وَاسْتَفِدْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ وَكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى ضَبْطِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْأَعْمَامَ مِنْ الْأَرْحَامِ وَكَذَا الْخَالَةُ فَيَأْتِي فِيهِمْ وَفِيهَا مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَطْعِهِمْ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَأَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ إذْ يَكْفِي تَشَابُهُهُمَا فِي أَمْرٍ مَا كَالْحَضَانَةِ تَثْبُتُ لِلْخَالَةِ كَمَا ثَبَتَ لِلْأُمِّ.

وَكَذَا الْمَحْرَمِيَّةُ وَتَأَكُّدُ الرِّعَايَةِ وَكَالْإِكْرَامِ فِي الْعَمِّ وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا ذَكَرُوا وَأَمَّا إلْحَاقُهُمَا بِهِمَا فَإِنَّ عُقُوقَهُمَا

ص: 160

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ) وَهَذَا الْفَرْقُ أَيْضًا عَظِيمُ الْقَدْرِ جَلِيلُ الْخَطَرِ وَبِتَحْقِيقِهِ تَنْفَرِجُ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ وَتَرِدُ إشْكَالَاتٌ عَظِيمَةٌ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ وَسَأُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَرْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَحْرِيرُ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ مَعَ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَنْ لَا تُطْلَقَ إلَّا عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكُلْفَةِ، وَالْكُلْفَةُ لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِيهِمَا لِأَجْلِ الْحَمْلِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ خَوْفَ الْعِقَابِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُمَا فَالْمُكَلَّفُ فِي سَعَةٍ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَلَا كُلْفَةَ حِينَئِذٍ غَيْرَ أَنَّ جَمَاعَةً يَتَوَسَّعُونَ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْجَمِيعِ تَغْلِيبًا لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ فَهَذَا خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فَهُوَ خِطَابٌ بِنَصْبِ الْأَسْبَابِ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهَلَاكِ وَنَصْبِ الشُّرُوطِ كَالْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَنَصْبِ الْمَوَانِعِ كَالْحَيْضِ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْقَتْلِ مَانِعٌ مِنْ الْمِيرَاثِ وَنَصْبِ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، أَوْ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَمَا نُقَدِّرُ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا قَبْلَ الرَّدِّ. وَنَقُولُ: ارْتَفَعَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ لَا مِنْ حِينِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ وَنُقَدِّرُ النَّجَاسَةَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي صُوَرِ الضَّرُورَاتِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَوْضِعِ الْحَدَثِ فِي الْمَخْرَجَيْنِ وَنُقَدِّرُ وُجُودَ الْمِلْكِ لِمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي لِتَثْبُتَ لَهُ الْكَفَّارَةُ وَالْوَلَاءُ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَنُقَدِّرُ الْمِلْكَ فِي دِيَةِ الْمَقْتُولِ خَطَأً قَبْلَ مَوْتِهِ حَتَّى يَصِحَّ فِيهِ الْإِرْثُ فَهَاتَانِ مِنْ بَابِ إعْطَاءِ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ وَالْأُولَيَانِ مِنْ بَابِ إعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَلَا يَكَادُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يَنْفَكُّ عَنْ التَّقْدِيرِ وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ حَيْثُ تَكَلَّمْت فِيهَا عَلَى رَفْضِ النِّيَّةِ وَرَفْعِهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا مَعَ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ عَقْلًا وَالشَّرْعُ لَا يُرَدُّ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَحَرَّرْت التَّقَادِيرَ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ هُنَالِكَ

فَهَذَا هُوَ تَصْوِيرُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَخِطَابِ الْوَضْعِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ بِخِلَافِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهِ فَلِذَلِكَ نُوَرِّثُ بِالْإِنْسَابِ مَنْ لَا يُعْلَمُ نَسَبُهُ وَيَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمَوْرُوثُ فِي مِلْكِهِ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ ذَلِكَ وَعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ وَيُطْلَقُ بِالْإِضْرَارِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ تَصْوِيرُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَخِطَابِ الْوَضْعِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ وَنُقَدِّرُ وُجُودَ الْمِلْكِ لِمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي لِتَثْبُتَ لَهُ الْكَفَّارَةُ وَالْوَلَاءُ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَنُقَدِّرُ الْمِلْكَ فِي دِيَةِ الْمَقْتُولِ خَطَأً قَبْلَ مَوْتِهِ حَتَّى يَصِحَّ فِيهَا الْإِرْثُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا. قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتِهِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

كَعُقُوقِهِمَا فَهُوَ وَإِنْ قَالَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ إلَّا أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مُنَافٍ لِكَلَامِ أَئِمَّتِنَا فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ بَلْ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ اخْتَصَّا مِنْ الرِّعَايَةِ وَالِاحْتِرَامِ وَالطَّوْعِيَّةِ وَالْإِحْسَانِ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ جِدًّا وَغَايَةٍ رَفِيعَةٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي عُقُوقِهِمَا وَكَوْنِهِ فِسْقًا بِمَا لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي عُقُوقِ غَيْرِهِمَا انْتَهَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَطْعَ الْمُكَلَّفِ مَا أَلِفَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْهُ مِمَّا ذُكِرَ بِلَا عُذْرٍ لَا يَكُونُ كَبِيرَةً فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَأَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَجَبَ لِذَوِي الرَّحِمِ وَكُلَّ مَا وَجَبَ لِذَوِي الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ وَجَبَ لِلْأَبَوَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ لُغَوِيٍّ فِيهِمَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى.

2 -

(وَصْلٌ) فِي تَحْقِيقِ فِقْهِ هَذَا الْفَرْقِ بِعَشْرِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ قِيلَ لِمَالِكٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا قَالَتْ أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ سَبَّتْنِي وَدَعَتْ عَلَيَّ قَالَ لَهُ مَالِكٌ مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا وَتَخْلُصَ مِنْهَا أَيْ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ.

2 -

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ أَيْضًا قَالَ: رَجُلٌ لِمَالِكٍ وَالِدِي فِي بَلَدِ السُّودَانِ كَتَبَ إلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ عَلَيْهِ وَأُمِّي تَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمَّك يَعْنِي أَنَّهُ يُبَالِغُ فِي رِضَا أُمِّهِ بِسَفَرِهِ لِوَالِدِهِ وَلَوْ بِأَخْذِهَا مَعَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ طَاعَةِ أَبِيهِ وَعَدَمِ عِصْيَانِ أُمِّهِ وَرُوِيَ أَنَّ اللَّيْثَ أَمَرَهُ بِإِطَاعَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرِّ كَمَا حَكَى الْبَاجِيَّ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى زَوْجِهَا فَأَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ابْنَهَا بِأَنْ يَتَوَكَّلَ لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَكَانَ يُحَاكِمُهُ وَيُخَاصِمُهُ فِي الْمَجَالِسِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأُمِّ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّهُ عُقُوقٌ لِلْأَبِ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ بِرَّهُ أَقَلُّ مِنْ بِرِّ الْأُمِّ لَا أَنَّ الْأَبَ يُعَقُّ وَذَلِكَ الْحَدِيثُ هُوَ أَنَّ «رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوك ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ» وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ الْمَسَائِلِ فَتَرَقَّبْ.

2 -

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ: فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا مَنَعَهُ أَبَوَاهُ مِنْ الْحَجِّ لَا يَحُجُّ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا الْفَرِيضَةَ فَنَصَّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي النَّافِلَةِ وَقَالَ: فِي الْمَجْمُوعَةِ يُوَافِقُهُمَا فِي حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ

ص: 161

وَالْإِعْسَارِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَعْجُوزٌ عَنْهُمَا وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ الْمَغْفُولُ عَنْهُ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ مَعْنَى خِطَابِ الْوَضْعِ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ كَذَا فَقَدْ وَجَبَ كَذَا أَوْ حَرُمَ كَذَا أَوْ نُدِبَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ هَذَا فِي السَّبَبِ أَوْ يَقُولُ عُدِمَ كَذَا فِي وُجُودِ الْمَانِعِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ.

وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ قَاعِدَتَيْنِ

الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْأَسْبَابُ الَّتِي هِيَ أَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ وَهِيَ جِنَايَاتٌ كَالْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ وَالْقَصْدُ فَلِذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالزَّانِي أَيْضًا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ أَجْنَبِيَّةٌ بَلْ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُهَا خَلًّا لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ جِنَايَاتٌ وَأَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقَصْدُ وَالْقُدْرَةُ وَالسِّرُّ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ رَحْمَةَ صَاحِبِ الشَّرْعِ تَأْبَى عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفَسَادَ وَلَا يَسْعَى فِيهِ بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَلْ قَلْبُهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعِفَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَاقِبُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ رَحْمَةً وَلُطْفًا.

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ قَاعِدَةُ أَسْبَابِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَالْجَعَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ سَبَبُ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ فَمَنْ بَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَوْ هَذَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فِي وُجُودِ الْمَانِعِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ قَاعِدَتَيْنِ فِي الشَّرِيعَةِ الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْأَسْبَابُ الَّتِي هِيَ أَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ وَهِيَ جِنَايَةٌ كَالْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ وَالْقَصْدُ فَلِذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالزِّنَى أَيْضًا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ أَجْنَبِيَّةٌ بَلْ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُهَا خَلًّا لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ جِنَايَاتٌ وَأَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقَصْدُ وَالْقُدْرَةُ وَالسِّرُّ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ رَحْمَةَ صَاحِبِ الشَّرْعِ تَأْبَى عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفَسَادَ وَلَا يَسْعَى بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَلْ قَلْبُهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعِفَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَاقِبُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ رَحْمَةً وَلُطْفًا) .

قُلْت لَيْسَ ذَلِكَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَكِنَّهُ ازْدَوَجَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَالْوَضْعِ فَلَحِقَهَا اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ وَمَا مَعَهُ مِنْ جِهَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا مِنْ جِهَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ التَّكْلِيفُ مَعَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فَيَرْتَفِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ قَاعِدَةُ أَسْبَابِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) قُلْت وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَيْضًا لَيْسَتْ بِمُسْتَثْنَاةٍ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَكِنْ ازْدَوَجَ فِيهَا الْخِطَابَانِ أَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِالتَّرَاخِي وَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَعْصِيهِمَا فِي الْخُرُوجِ لِلْغَزْوِ وَإِلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ بِمُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ أَوْ يُنْذِرَهُ فَيُؤَخِّرَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَإِنْ أَذِنَا لَهُ وَإِلَّا خَرَجَ.

2 -

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ: الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ دُونَ الْحَرَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الشُّبْهَةِ مَنْدُوبٌ وَتَرْكَ طَاعَتِهِمَا حَرَامٌ وَالْحَرَامُ أَيْ تَرْكُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ أَيْ فِعْلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمَا إنْ كَرِهَا انْفِرَادَهُ عَنْهُمَا أَيْ وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُ مَعَهُمَا شُبْهَةً لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] يُرِيدُ الْبِرَّ بِهِمَا مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ فَلَا يُغْلِظُ لَهُمَا فِي الْجَوَابِ وَلَا يُحِدُّ النَّظَرَ إلَيْهِمَا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا بَلْ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِمَا مِثْلَ الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ السَّيِّدِ تَذَلُّلًا لَهُمَا اهـ وَلَا يُسَافِرُ فِي مُبَاحٍ وَلَا نَافِلَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا يُبَادِرُ لِحَجِّ الْإِسْلَامِ وَلَا يَخْرُجُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا عِلْمًا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَرُوِيَ فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ الْحَسَنُ: إذَا مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَلْيَعْصِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ كَحُضُورِ الْجَمَاعَاتِ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوَتْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا سَأَلَاهُ تَرْكَ ذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَيَاهُ لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) أَعْظَمُ دَلِيلٍ وَأَبْلَغُهُ فِي أَمْرِ الْوَالِدَيْنِ مَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ قَالَ: هَلْ مِنْ وَالِدَيْك أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ كِلَاهُمَا قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَارْجِعْ إلَى وَالِدَيْك فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا» فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَهُ بِالْأَفْضَلِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْكَوْنُ مَعَهُمَا رَتَّبَهُ عَلَى مُجَرَّدِ وَصْفِ الْأُبُوَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَمْرِهِمَا وَعِصْيَانِهِمَا وَحَاجَتِهِمَا لِلْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِبِرِّهِمَا بَلْ قَدَّمَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُحْبَتَهُمَا مَعَ مُجَرَّدِ وَصْفِ الْأُبُوَّةِ عَلَى صُحْبَتِهِ عليه الصلاة والسلام وَخِدْمَتَهُمَا مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْجِهَادِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْجِهَادِ فَرْضَ كِفَايَةٍ يَحْمِلُهُ الْحَاضِرُونَ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ فَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ غَسْلُ الْمَوْتَى وَمُوَارَاتُهُمْ وَجَمِيعُ

ص: 162

التَّصَرُّفَ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ عَجَمِيًّا أَوْ طَارِئًا عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ النَّاشِئَةِ عَنْ دَاعِيَتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ وَسِرُّ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ قَوْلُهُ عليه السلام «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَلَا يَحْصُلُ الرِّضَا إلَّا مَعَ الشُّعُورِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمُكْنَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَقَرَّرَ شَرْطُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ دُونَ خِطَابِ الْوَضْعِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ فَأَزِيدُهُ بَيَانًا بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ أَمَّا اجْتِمَاعُهُمَا فَكَالزِّنَى فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ وَسَبَبٌ لِلْحَدِّ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ خِطَابُ وَضْعٍ وَالسَّرِقَةُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ خِطَابُ تَكْلِيفٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ خِطَابُ وَضْعٍ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْجِنَايَاتِ مُحَرَّمَةٌ وَهِيَ أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ وَالْبَيْعُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَى قَدْرِ مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي صُوَرِهِ عَلَى مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ أَوْ التَّقْدِيرِ فِي الْمَمْنُوعِ هُوَ خِطَابُ وَضْعٍ وَبَقِيَّةُ الْعُقُودِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَأَمَّا انْفِرَادُ خِطَابِ الْوَضْعِ فَكَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَا إذْنٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وُجِدَ الْأَمْرُ فِي أَثْنَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا فَقَطْ وَأَمَّا خِطَابُ التَّكْلِيفِ بِدُونِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَكَأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ كَإِيقَاعِ الصَّلَوَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ فَهَذِهِ مِنْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

خِطَابُ التَّكْلِيفِ فَمِنْ جِهَةِ إبَاحَةِ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ لَكِنَّهَا لَمْ تُبِحْ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ وَالِاخْتِيَارِ وَالرُّشْدِ فَإِذَا وَقَعَتْ عَارِيَّةً غَيْرَ مُصَاحِبَةٍ لِتِلْكَ الْأَوْصَافِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي إبَاحَةِ التَّصَرُّفِ لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا مِنْ وُجُوهِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ وَمَا مَعَهُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ مُنَاسِبٌ وَمُطَّرِدٌ وَاشْتِرَاطَ ذَلِكَ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ وَلَا مُطَّرِدٍ أَمَّا مُنَاسَبَةُ الِاشْتِرَاطِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ حُصُولُ الْمُكَلَّفِ بِهِ مِنْ الْمُكَلَّفِ مَعَ عَدَمِ تِلْكَ الشُّرُوطِ فَلَا تَقُومُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا اطِّرَادُهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا عَدَمُ مُنَاسَبَةِ الِاشْتِرَاطِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ رَبَطَ هَذَا الْحُكْمَ بِهَذَا الْأَمْرِ أَوْ بِعَدَمِهِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَذُّرًا مِنْ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا مِنْ كَسْبِهِ وَأَمَّا عَدَمُ اطِّرَادِهِ فَوَاضِحٌ كَمَا فِي زَوَالِ الشَّمْسِ مَثَلًا وَفِي كُلِّ سَبَبٍ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ.

قَالَ (إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَقَرَّرَ شَرْطُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ دُونَ خِطَابِ الْوَضْعِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ فَأَزِيدُهُ بَيَانًا بِذِكْرِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إذَا وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَيَكُونُ تَقْدِيمُ خِدْمَتِهِمَا عَلَى النَّفْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ لَمْ تَفُتْ بِتَرْكِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ مَصْلَحَةً وَمَصْلَحَةُ ذَلِكَ النَّفْلِ تَفُوتُ بِتَرْكِهِ نَظَرًا لِكَوْنِ مَصْلَحَةِ النَّفْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا مُجَرَّدَ الثَّوَابِ وَكَذَا مَصْلَحَةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ زَائِدٌ فِي الْعَدَدِ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ثَوَابَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَعْظَمُ فَتَتَحَقَّقُ الْأَوْلَوِيَّةُ بَلْ عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ الْمُتَأَكِّدَةِ نَعَمْ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُشْرَعْ فِي النَّافِلَةِ وَالْمَنْدُوبَاتِ الْمُتَأَكِّدَةِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَا تَجِبُ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ فِي قَطْعِ ذَلِكَ.

إذْ النَّافِلَةُ وَالْمَنْدُوبَاتُ الْمُتَأَكِّدَةُ مِمَّا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ السَّادَةِ الْأَحْنَافِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَكَذَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ بِالشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى طَلَبِ الْعِلْمِ لِمَنْ ظَهَرَتْ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ مِنْ نَجَابَةٍ قَالَهُ سَحْنُونٌ خِلَافُ مَا عِنْدَ الْمَحَلِّيِّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ عَلَى شَرْحِ مَيَّارَةَ الصَّغِيرِ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَادَتْ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ يُصَلِّي قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَ: فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وَجْهِ الْمَيامِيسِ وَكَانَتْ تَأْتِي إلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ فَوَلَدَتْ فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَوَاقَعَنِي» وَسَاقَ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمِّ فِي قَطْعِ النَّافِلَةِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَوْ يُقَالُ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ يُقْطَعُ لِلْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِالْأَصَالَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ مُبَاحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ شَرْعِنَا وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ جُرَيْجٌ قَدْ عَصَى بِتَرْكِ طَاعَتِهَا فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ وَهُوَ الصَّمْتُ حِينَئِذٍ فَلِذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ كَانَ جُرَيْجٌ فَقِيهًا لَعَلِمَ أَنَّ إجَابَةَ أُمِّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ» عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرًا إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ دُعَاءَهَا فِيهِ وَاسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لِوُجُوبِ حَقِّ الدَّاعِي وَأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي كِتَابِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ فِي فِقْهِ الْأَدْعِيَةِ أَنَّ دُعَاءَ الظَّالِمِ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي الْمَظْلُومِ وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ سَبَبًا لِضَرَرٍ يَحْصُلُ لِلْمَظْلُومِ لِأَجْلِ ذَنْبٍ تَقَدَّمَ مِنْ الْمَظْلُومِ وَعِصْيَانِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ طَرِيقِ هَذَا الدَّاعِي كَمَا أَنَّ

ص: 163

خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا لِفِعْلٍ آخَرَ نُؤْمَرُ بِهِ أَوْ نُنْهَى عَنْهُ بَلْ وُقِفَ الْحَالُ عِنْدَ أَدَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ جَعَلَهَا سَبَبًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ وَدَرْءِ الْعِقَابِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَفْعَالًا لِلْمُكَلَّفِ وَنَحْنُ لَا نَعْنِي بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا إلَّا كَوْنَهُ وُضِعَ سَبَبًا لِفِعْلٍ مِنْ قِبَلِ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا وَجْهُ اجْتِمَاعِهِمَا وَافْتِرَاقِهِمَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الصَّبِيُّ إذَا أَفْسَدَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ إخْرَاجُ الْجَابِرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَالْإِتْلَافُ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ وَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَلَمْ تَكُنْ الْقِيمَةُ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ السَّبَبُ فِي زَمَنِ الصِّغَرِ وَتَأَخَّرَ أَثَرُهُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعُهُ وَنِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ فَإِنَّهَا أَسْبَابٌ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ وَلَا الْعِلْمُ وَلَا الْإِرَادَةُ فَيَنْعَقِدُ مِنْ الصِّبْيَانِ الْعَالِمِينَ الرَّاضِينَ بِانْتِقَالِ أَمْلَاكِهِمْ وَتَتَأَخَّرُ الْأَحْكَامُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ فَيُقْضَى حِينَئِذٍ بِالتَّحْرِيمِ فِي الزَّوْجَةِ فِي الطَّلَاقِ كَمَا تَأَخَّرَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ دَفْعِ الْقِيمَةِ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ لُزُومُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى بَعْدَ الْبُلُوغِ وَبَقِيَّةُ الْآثَارِ كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الضَّمَانِ وَلَمْ أَرَ أَحَدٌ قَالَ بِهِ

(وَالْجَوَابُ) بِذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَ الضَّمَانِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ وَجْهَيْنِ

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الرِّضَا لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاءُ قَاعِدَةِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مِنْ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الرِّضَا وَالطَّلَاقُ فِيهِ إسْقَاطُ عِصْمَةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَمْلَاكِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ أَيْضًا هُوَ إسْقَاطُ مِلْكٍ فَاشْتُرِطَ فِيهِ الرِّضَا وَلَمَّا كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْمَصَالِحِ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ رِضَاهُ كَعَدَمِهِ وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ وَغَيْرُ الرَّاضِي لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا بَيْعٌ فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ بِخِلَافِ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافَاتِ لَا أَثَرَ لِلرِّضَى فِيهَا أَلْبَتَّةَ فَاعْتُبِرَتْ مِنْهُ

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ التَّحْرِيمُ وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ وَأَثَرَ الْبَيْعِ إلْزَامُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّكْلِيفِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِلْزَامِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا تَتَأَخَّرُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ كَمَا تَأَخَّرَ إلْزَامُ دَفْعِ الْقِيمَةِ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ تَأَخُّرَ الْمُسَبَّبَاتِ عَنْ أَسْبَابِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا خَالَفْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْإِتْلَافِ لِضَرُورَةِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي جَبْرِ مَالِهِ لِئَلَّا يَذْهَبَ مَجَّانًا فَتَضِيعَ الظُّلَامَةُ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ عَظِيمَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُونَا لِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ وَتَأْخِيرِ التَّحْرِيمِ بَلْ إذَا أَسْقَطْنَا الطَّلَاقَ وَاسْتَصْحَبْنَا الْعِصْمَةَ لَمْ يَلْزَمْ فَسَادٌ وَلَا تَفُوتُ ضَرُورَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا أَبْقَيْنَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الصَّبِيُّ إذَا أَفْسَدَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ إخْرَاجُ الْجَابِرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ إلَخْ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ قَدْ تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاءُ قَاعِدَةِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مِنْ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الْأُمُورُ مِنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

ظُلْمَ هَذَا الظَّالِمِ ابْتِدَاءً يَكُونُ بِسَبَبِ ذُنُوبٍ تَقَدَّمَتْ لِلْمَظْلُومِ وَيَكُونُ الظَّالِمُ سَبَبَ وُصُولِ الْعُقُوبَةِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ دُعَاءَهُ سَبَبَ نِقْمَتِهِ وَجَعَلَ يَدَهُ وَلِسَانَهُ سَبَبَيْ نِقْمَتِهِ وَالْكُلُّ بِذُنُوبٍ سَالِفَةٍ لِلْمَظْلُومِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ إجَابَةُ دُعَاءِ الظَّالِمِ فِي الْمَظْلُومِ.

وَإِنَّمَا كَانَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ دُعَاؤُهُ إنَّمَا يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حَقِّ الظَّالِمِ وَالظَّالِمُ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فَلَا يُسْتَجَابُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حُقُوقٍ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] نَعَمْ يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أُمُورٍ: الْأَوَّلُ مَنْعُ السَّفَرِ الْمُبَاحِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَيامِيسَ الزَّوَانِي جَمْعُ زَانِيَةٍ فَلَمَّا مَنَعَ أُمَّهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ مُحْتَجًّا بِالصَّلَاةِ دَعَتْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى وُجُوهِ الزَّوَانِي عُقُوبَةً عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْبَةَ الْوَجْهِ فِي السَّفَرِ أَعْظَمُ. الثَّانِي وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي النَّوَافِلِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْعُقُوقَ يُؤَاخَذُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَإِنْ عَظُمَ قَدْرُهُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ لِأَنَّ جُرَيْجًا كَانَ مِنْ أَعْبَدْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَخُرِقَتْ لَهُ الْعَادَاتُ وَظَهَرَتْ لَهُ الْكَرَامَاتُ فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ إذَا عَقَّ وَالِدَيْهِ.

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَصْلِ الْعُقُوقِ فَإِنَّهُ إذَا حَرُمَ هَذَا الْقَوْلُ حَرُمَ مَا فَوْقَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15] يَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا مُخَالَفَتُهُمَا فِي الْوَاجِبَاتِ وَالثَّانِي وُجُوبُ بِرِّهِمَا وَحُرْمَةُ عُقُوقِهِمَا وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالشِّرْكِ إلَّا كَافِرٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَتْ الْآيَةُ بِوُجُوبِ بِرِّهِمَا وَالثَّالِثُ أَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِهِمَا بِالْمَعَاصِي وَاجِبَةٌ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» .

(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ أَمَّا مُخَالَفَتُهُمَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ يَجِدُ مُدَارَسَةَ الْمَسَائِلِ وَالتَّفَقُّهَ عَلَى طَرِيقِ التَّقْلِيدِ وَحِفْظَ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ فَأَرَادَ أَنْ يَظْعَنَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَيَتَفَقَّهُ فِيهِ عَلَى مِثْلِ طَرِيقَتِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِمَا لِأَنَّ خُرُوجَهُ إذَايَةُ لَهُمَا بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلتَّفَقُّهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ وَمَوَاضِعِ الْخِلَافِ وَمَرَاتِبِ الْقِيَاسِ فَإِنْ وَجَدَ فِي بَلَدِهِ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِلَّا خَرَجَ وَلَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي مَنْعِهِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ دَرَجَةِ الْمُجْتَهِدِينَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ

ص: 164

الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ لِلصَّبِيِّ كُنَّا مُوَافِقِينَ لِلْأَصْلِ وَلَا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ أَلْبَتَّةَ أَمَّا لَوْ أَسْقَطْنَا إتْلَافَهُ وَلَمْ نَعْتَبِرْهُ لَضَاعَ مَالُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَلِفَ وَتَعَيَّنَ ضَرَرُهُ وَهَذَا فَرْقٌ كَبِيرٌ فَتَأَمَّلْهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الطَّهَارَةُ وَالسِّتَارَةُ وَاسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ فَتَاوَى عُلَمَائِنَا مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَعَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا أَلْبَتَّةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إنَّمَا يَقَعُ تَبَعًا لِطَرَءَانِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَقَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبَ وَإِذَا عُدِمَ الْوَاجِبُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ اتَّجَهَ الْإِشْكَالُ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَإِنْ عُلِمَ الْوَاجِبُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِفِعْلٍ يُفْعَلُ لَا بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِد الشَّرْعِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الطَّهَارَةُ وَالسِّتَارَةُ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْفَتَاوَى مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَعَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ صَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا أَلْبَتَّةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِد الشَّرْعِ)

قُلْت قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ مَمْنُوعٌ بَلْ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوسَعِ وَقَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إنَّمَا يُقْلَعُ تَبَعًا لِطَرَيَانِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ تَبَعًا لِطَرَيَانِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ بَلْ يَقَعُ تَبَعًا لِطَرَيَانِ الْعَزْمِ عَلَى التَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَوَقْتُ طَرَيَان هَذَا الْعَزْمِ مَا بَيْنَ أَقْرَبِ حَدَثٍ يُحْدِثُهُ الْمَرْءُ وَإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُ صِحَّةِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إجْزَاءِ الطَّهَارَةِ الْمُوقَعَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ مَعَ تَعَذُّرِ الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَمَعَ لُزُومِ نِيَّةِ الْوُجُوبِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَجِبَ الشَّرْطُ إلَّا عِنْدَ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وَهَذَا مِنْ الْعَادِيَاتِ بِمَثَابَةِ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ اضْطِرَارُهُ إلَى الْغِذَاءِ فِي وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمِنْ شَرْطِ الْغِذَاءِ الَّذِي يَتَغَذَّى بِهِ طَبْخُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّبْخِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ عَلَى وَقْتِ الِاغْتِذَاءِ ثُمَّ لَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ الطَّبْخِ الزَّمَنُ الْمُجَاوِرُ لِزَمَنِ الِاغْتِذَاءِ بَلْ لَهُ تَقْدِيمُ الطَّبْخِ وَالِاسْتِعْدَادُ بِهِ مِنْ حِينِ طُرُوءِ عَزْمِهِ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِالِاغْتِذَاءِ بِالْقَرِيبِ الطَّبْخُ وَالْبَعِيدِ الطَّبْخُ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِوَاءِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِ هَذَا الشَّخْصِ وَهَذَا الْغِذَاءِ قَالَ (فَقَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبَ) قُلْت ذَلِكَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَيْسَ سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الْمُعَيَّنَةِ هُوَ بِعَيْنِهِ سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ بَلْ الْعَزْمُ عَلَى اسْتِبَاحَتِهَا بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي مُغَايَرَةِ سَبَبِ الْمَشْرُوطِ سَبَبَ الشَّرْطِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ وَضْعِيَّةٌ تَقَعُ بِحَسْبِ قَصْدِ وَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَإِذَا عُدِمَ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ اُتُّجِهَ الْإِشْكَالُ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِفِعْلٍ يُفْعَلُ لَا بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِد الشَّرْعِ) قُلْت

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

قَالَ: سَحْنُونٌ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَتَقْلِيدِ الْعُلُومِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ كَيْف يَأْمُرُ بِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُ الْمُنْكَرَ كَيْف يَنْهَى عَنْهُ. اهـ.

لَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ مُخَالَفَتِهِمَا فِي الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ضَرُورَةُ أَنَّ الْعِلْمَ وَضَبْطَ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ مَنْ جَادَ حِفْظُهُمْ وَرَقَّ فَهْمُهُمْ وَحَسُنَتْ سِيرَتُهُمْ وَطَابَتْ سَرِيرَتُهُمْ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ عَدِيمَ الْحِفْظِ أَوْ قَلِيلَهُ وَسَيِّئَ الْفَهْمِ لَا يَصْلُحُ لِضَبْطِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ سَاءَتْ سَرِيرَتُهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْوُثُوقُ لِلْعَامَّةِ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ مَصْلَحَةُ التَّقْلِيدِ فَتَضِيعُ أَحْوَالُ النَّاسِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مُتَعَيِّنَةً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ صَارَ طَلَبُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا فَرْضَ عَيْنٍ لَا فَرْضَ كِفَايَةٍ إذْ لَا يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّمْيِ بِالْحَجَرِ وَالضَّرْبِ بِالسَّيْفِ فَإِنَّ كُلَّ بَلِيدٍ أَوْ زَكِيٍّ يَصْلُحُ لَهُ لِسُهُولَةِ أَمْرِهِ وَصُعُوبَةِ ضَبْطِ الْعُلُومِ فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ سَحْنُونٍ وَأَبِي بَكْرٍ.

(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى وُجُوبِ أَدَاءِ حَقِّ الْبِنْتِ فِي الْإِعْفَافِ وَالتَّصَوُّنِ وَدَفْعِ ضَرَرِ مُوَاقَعَةِ الشَّهْوَةِ

ص: 165

وَعِنْدَ تَوَجُّهِ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ اضْطَرَبَتْ أَجْوِبَةُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَلَفَتْ أَفْكَارُهُمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَقُولُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ وُجُوبًا مُوَسَّعًا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ وَالْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَيَقَعُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ فِي الشَّرِيعَةِ إنَّمَا عُهِدَ بَعْدَ طَرَءَانِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَمَّا وُجُوبٌ قَبْلَ سَبَبِهِ فَلَا يُعْقَلُ فِي الشَّرِيعَةِ لَا مُضَيَّقًا وَلَا مُوَسَّعًا وَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ نَصَبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ أَسْبَابًا لِوُجُوبِهَا فَلَا تَجِبُ قَبْلَهَا وَلَا تَجِبُ شَرَائِطُهَا وَوَسَائِلُهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ تَبَعٌ لِوُجُوبِ الْمَقَاصِدِ وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ هَذَا مَا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ وَقَالَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْأُمُورُ تَقَعُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَتُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ بِالْإِجْمَاعِ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

كُلُّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ اتِّحَادِ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ لُزُومِ ذَلِكَ فَلَا قَالَ (وَعِنْدَ تَوَجُّهِ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ اضْطَرَبَتْ أَجْوِبَةُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَلَفَتْ أَفْكَارُهُمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَقُولُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ وُجُوبًا مُوَسَّعًا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ وَالْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَيَقَعُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ) قُلْت مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ

(وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوسَعَ فِي الشَّرِيعَةِ إنَّمَا عُهِدَ بَعْدَ طَرَيَان سَبَبِ الْوُجُوبِ، أَمَّا وُجُوبٌ قَبْلَ سَبَبِهِ فَلَا يُعْقَلُ فِي الشَّرِيعَةِ لَا مُضَيَّقًا وَلَا مُوَسَّعًا) قُلْت مَا قَالَهُ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ نَصَّبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ أَسْبَابًا لِوُجُوبِهَا فَلَا تَجِبُ قَبْلَهَا وَلَا تَجِبُ شَرَائِطُهَا وَوَسَائِلُهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا) قُلْت قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَوَاتِ لَا تَجِبُ قَبْلَ أَسْبَابِهَا مُسَلَّمٌ وَقَوْلُهُ إنَّ شَرَائِطَهَا وَوَسَائِلَهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ وُجُوبِهَا مَمْنُوعٌ وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُهُ قَالَ (فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ تَبَعٌ لِوُجُوبِ الْمَقَاصِدِ) قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَبَعٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْبِقُ وُجُوبُ الشَّرَائِطِ وُجُوبَ الْمَشْرُوطَاتِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَبَعٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا وُجُوبُ الْمَشْرُوطَاتِ مَا وَجَبَتْ الشُّرُوطُ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ عَنْهُ مَقْصُودُهُ.

قَالَ (وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ هَذَا مَا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ) قُلْت قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ مَعْقُولٌ وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ تَقْدِيمِ الشَّرْطِ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وَتَأْخِيرِهِ عَنْهُ فِي الْمَصْلَحَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ قَالَ (وَقَالَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْأُمُورُ تَقَعُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَتُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ بِالْإِجْمَاعِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَسَدِّ ذَرَائِعِ الشَّيْطَانِ عَنْهَا بِالتَّزْوِيجِ عَلَى الْآبَاءِ لَا عَلَى إبَاحَةِ إذَايَةُ الْآبَاءِ بِالْمُخَالَفَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ لِلْأَبْنَاءِ جَوَازُ إذَايَةُ الْآبَاءِ بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنَعَ مِنْ تَحْلِيفِ الْأَبِ فِي حَقٍّ لَهُ وَقَالَ: إنْ حَلَّفَهُ كَانَ جُرْحُهُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) قَوْلُ مَالِكٍ إذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَلَيْسَ لِأَبَوَيْهِ مَنْعُهُ اهـ خَاصٌّ بِمُجَرَّدِ الْحَضَانَةِ فَلَا يُنَافِي تَجَدُّدَ حَجْرِ الْبِرِّ الَّذِي فِي قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ إنْ أَرَادَ سَفَرًا لِلتِّجَارَةِ يَرْجُو بِهِ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ رَجَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي كَفَافٍ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ ذَلِكَ تَكَاثُرًا فَهَذَا لَوْ أَذِنَا لَهُ لَنَهَيْنَاهُ لِأَنَّهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ دَفْعَ حَاجَاتِ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ تَأَذَّى بِتَرْكِهِ كَانَ لَهُ مُخَالَفَتُهُمَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَكَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ إذَايَتِهِمَا نَمْنَعُهُمَا مِنْ إَذايَتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ إنْ لَمْ يَأْكُلْهُ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَاهُ هَلَكَا قُدِّمَتْ ضَرُورَتُهُ عَلَيْهِمَا اهـ فَالْغُلَامُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَمْشِي فِي الْبَلَدِ حَيْثُ شَاءَ دُونَ السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رِيبَةٍ وَهُمَا يَتَأَذَّيَانِ بِهِ فَيَمْنَعَانِهِ مُطْلَقًا كَمَا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لِمَنْ دَعَاهُ أَبُوهُ مِنْ السُّودَانِ وَمَنَعَتْهُ أُمُّهُ أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمَّك.

(فَائِدَتَانِ) : الْأُولَى مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِلَةُ الرَّحِمِ تُزِيدُ فِي الْعُمْرِ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ سَرَّهُ السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ وَالنَّسَأُ فِي الْأَجَلِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ لَا بِالْقَضَاءِ الْعَقْلِيِّ لِزِيَادَةِ النَّسَإِ فِي الْعُمْرِ وَلِسَعَةِ الرِّزْقِ كَمَا نَصَبَ بِهَذَا الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ الْإِيمَانَ سَبَبًا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَالْكُفْرَ سَبَبًا فِي دُخُولِ النَّارِ وَنَصَبَ بِالْوَضْعِ الْعَادِيِّ لَا بِالِاقْتِضَاءِ الْعَقْلِيِّ الْأَسْبَابَ الْعَادِيَّةَ مِنْ الْغِذَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ وَالْأَدْوِيَةِ وَجَعَلَهَا أَسْبَابًا فِي الْحَيَاةِ وَإِذَا جَعَلَ اللَّهُ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا لِذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا تُزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَتُوَسِّعُ فِي الرِّزْقِ حَقِيقَةً كَمَا نَقُولُ: الْإِيمَانُ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَالْكُفْرُ يُدْخِلُ النَّارَ وَمَتَى عَلِمَ الْمُكَلَّفُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا لِذَلِكَ بَادَرَ إلَيْهَا رَغْبَةً فِي زِيَادَةِ الْعُمْرِ وَسِعَةِ الرِّزْقِ كَمَا يُبَادِرُ لِاسْتِعْمَالِ الْغِذَاءِ وَتَنَاوُلِ الدَّوَاءِ رَغْبَةً فِي الْحَيَاةِ وَلِلْإِيمَانِ رَغْبَةً فِي الْجِنَانِ وَيَفِرُّ مِنْ الْكُفْرِ رَهْبَةً مِنْ النِّيرَانِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُنَا الدُّعَاءُ يُزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ وَيَدْفَعُ الْأَمْرَاضَ وَيُؤَخِّرُ الْآجَالَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا شُرِعَ فِيهِ

ص: 166

مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ بَلْ عَلَى أَنَّهَا مُجْزِئَةٌ.

أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا نُسَلِّمُهُ وَقَالَ ثَالِثٌ الْمَوْجُودُ مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ ثَوْبَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ وَطَهَارَتَهُ وَمُلَازَمَةُ الشَّيْءِ وَاسْتِصْحَابُهُ فِعْلٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ بِسَبَبِ أَنَّا نُضَيِّقُ الْفَرْضَ فِي الثَّوْبِ وَالْقِبْلَةِ وَنَفْرِضُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ بِحَيْثُ لَا يُجَدِّدُ شَيْئًا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ حَتَّى يَحْرُمَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ فِعْلٌ لَهُ وَلَا دَوَامَ الطَّهَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا وَمُسْتَقْبِلًا وَلَابِسًا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَعَ الْغَفْلَةِ يَمْتَنِعُ الْفِعْلُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ الشُّعُورَ وَلَا شُعُورَ فَلَا فِعْلَ وَهَذَا التَّضْيِيقُ يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذَا الْجَوَابِ فَإِنْ قُلْت فَلِمَ حَنَّثْتَهُ بِدَوَامِ لُبْسِ الثَّوْبِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا الِاسْتِصْحَابُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ وَإِذَا كَانَ فِعْلًا هُنَاكَ كَانَ فِعْلًا هُنَا قُلْت الْإِيمَانُ يَكْفِي فِيهَا شَهَادَةُ الْعُرْفِ كَانَ فِيهَا فِعْلٌ أَمْ لَا فَقَدْ نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ طَارَ الْغُرَابُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ مُسْتَحِيلًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ بَابُ تَكْلِيفٍ وَإِيجَابٍ وَالتَّكْلِيفُ لَا بُدَّ فِيهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا نُسَلِّمُهُ) .

قُلْت مَا قَالَهُ فِي رَدِّ ذَلِكَ الْقَوْلِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَقَالَ ثَالِثٌ الْمَوْجُودُ مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ ثَوْبَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ وَطَهَارَتَهُ وَمُلَازَمَةُ الشَّيْءِ وَاسْتِصْحَابُهُ فِعْلٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ بِسَبَبِ أَنَّا نُضَيِّقُ الْفَرْضَ فِي الثَّوْبِ وَالْقِبْلَةِ وَنَفْرِضُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ بِحَيْثُ لَا يُجَدِّدُ شَيْئًا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ حَتَّى يَحْرُمَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ فِعْلٌ لَهُ وَلَا دَوَامَ الطَّهَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا وَمُسْتَقْبِلًا وَلَابِسًا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَعَ الْغَفْلَةِ يَمْتَنِعُ الْفِعْلُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ الشُّعُورَ بِهِ وَلَا شُعُورَ فَلَا فِعْلَ وَهَذَا التَّضْيِيقُ يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذَا الْجَوَابِ) قُلْت عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ وَالطَّهَارَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ بِفِعْلٍ حِسًّا لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الْفِعْلِ حُكْمًا وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْغَفْلَةِ لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ فَإِنَّ الْغَفْلَةَ إنَّمَا تُنَاقِضُ الْفِعْلَ الْحِسِّيَّ الْحَقِيقِيَّ لَا الْحُكْمِيَّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي حَالَةِ الْغَفْلَةِ.

قَالَ (فَإِنْ قُلْت فَلِمَ حَنَّثْتَهُ بِدَوَامِ لُبْسِ الثَّوْبِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا الِاسْتِصْحَابُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ وَإِذَا كَانَ فِعْلًا هُنَاكَ كَانَ فِعْلًا هُنَا قُلْت الْإِيمَانُ يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ الْعُرْفِ كَانَ فِيهَا فِعْلٌ أَوْ لَا فَقَدْ نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ طَارَ الْغُرَابُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ مُسْتَحِيلًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ بَابُ تَكْلِيفٍ وَإِيجَابٍ وَالتَّكْلِيفُ لَا بُدَّ فِيهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الدُّعَاءُ فَهُوَ مِنْ الْقَدَرِ وَلَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَدَرِ بَلْ مَا رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَقْدُورًا إلَّا عَلَى سَبَبٍ عَادِيٍّ وَلَوْ شَاءَ لَمَا رَبَطَهُ بِهِ فَانْدَفَعَ مَا.

قِيلَ: إنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَقَدْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ الْمُمْكِنَاتِ مَا وُجِدَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَزَلِ فَتَعَلَّقَتْ إرَادَتُهُ الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ بِوُجُودِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ وُجُودَهُ وَبِعَدَمِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ بَقَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ أَوْ أَرَادَ عَدَمَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَجَمِيعُ الْجَائِزَاتِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا قَدْ نَفَذَتْ فِيهَا مَشِيئَتُهُ سبحانه وتعالى فَكَيْفَ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَيَسُّرِ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِزِيَادَةِ الْبَرَكَةِ فِيمَا قُدِّرَ فِي الْأَزَلِ مِنْ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ وَأَمَّا نَفْسُ الْأَجَلِ وَالرِّزْقِ الْمُقَدَّرَيْنِ فَلَا يَقْبَلَانِ الزِّيَادَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ أَوَّلًا ضَعِيفٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْبَرَكَةَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَدَّرَاتِ فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ مَانِعًا مِنْ الزِّيَادَةِ فَلْيَمْنَعْ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ كَمَا مَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِمَا وَثَانِيًا يَلْزَمُ مِنْهُ مَفْسَدَتَانِ: إحْدَاهُمَا إيهَامُ أَنَّ الْبَرَكَةَ خَرَجَتْ عَنْ الْقَدَرِ لِتَصْرِيحِ الْمُجِيبِ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَدَرِ مَانِعٌ فَحَيْثُ لَا مَانِعَ لَا قَدْرَ وَهَذَا رَدِيءٌ جِدًّا وَثَانِيَتُهُمَا اخْتِلَالُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا إذْ عَلَيْهِ تَكُونُ الرَّغْبَةُ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا لِزَيْدٍ: إنْ وَصَلْت رَحِمَك زَادَك اللَّهُ تَعَالَى فِي عُمُرِك عِشْرِينَ سَنَةً فَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْ الْوُقُوعِ لِذَلِكَ مَا لَا يَجِدُهُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ لَا يَزِيدُك اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ يَوْمًا وَاحِدًا بَلْ يُبَارِكُ لَك فِي عُمُرِك فَقَطْ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَجَعَلَ لِكُلِّ مُقَدَّرٍ سَبَبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَرْتَبِطُ بِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَالْجَهَالَاتِ.

فَالْجَهْلُ سَبَبٌ عَظِيمٌ فِي الْعَالَمِ لِمَفَاسِدَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفَوَاتِ الْمَصَالِحِ وَالْعِلْمُ سَبَبٌ عَظِيمٌ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحَ وَدَرْءِ مَفَاسِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَثَلًا الْمَلِكُ الَّذِي دَفَعَ لَهُ أَعْدَاؤُهُ السُّمَّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ مِنْهُ كَيْدًا مِنْهُمْ لَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَمُوتَ بِهِ رَبَطَهُ بِسَبَبِ جَهْلِهِ بِتَنَاوُلِهِ وَقَدَّرَ ذَلِكَ السَّبَبَ فَلَوْ قَدَّرَ نَجَاتَهُ مِنْهُ لَقَدَّرَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ فَيَسْلَمُ فَيَكُونُ سَبَبُ سَلَامَتِهِ عِلْمَهُ بِهِ فَلَيْسَ الْمُقَدَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ هُوَ عَيْنُ الْمُقَدَّرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْجَهْلِ بَلْ ضِدُّهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّزْقَ الْحَقِيرَ إنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِالْكُنُوزِ وَعَمَلِ الْكِيمْيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

ص: 167

مِنْ الْفِعْلِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ الطَّهَارَةَ وَالسِّتَارَةَ وَالِاسْتِقْبَالَ شُرُوطٌ فَهِيَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَلَا عِلْمُهُ وَلَا إرَادَتُهُ.

فَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَطَهِّرٍ وَلَا لَابِسٍ وَلَا مُسْتَقْبِلٍ تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَتَحْصِيلِهَا فَاجْتَمَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ وَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ لَابِسٌ مُسْتَقْبِلٌ انْدَفَعَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَبَقِيَ خِطَابُ الْوَضْعِ خَاصَّةً فَأَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ لِوُجُودِ شُرُوطِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ التَّعَسُّفَاتِ بَلْ نُخْرِجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ أَلْبَتَّةَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

مِنْ الْفِعْلِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ) قُلْت لَا يَنْدَفِعُ ذَلِكَ السُّؤَالُ بِمَا دَفَعَهُ بِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فَقَدْ نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَالِفَ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ أَوْ بِالْمُسْتَحِيلِ كَمَا مَثَّلَ أَمَّا إذَا حَلَفَ وَعَلَّقَ يَمِينَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقَعَ مَعَهُ ابْتِدَاءً ذَلِكَ الْفِعْلُ أَوْ يَكُونُ مُلَابِسًا لَهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْيَمِينِ حَنِثَ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَ مُلَابِسًا لَهُ فِي حِينِ الْيَمِينِ حَنِثَ عَلَى خِلَافٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْحِنْثِ أَنَّ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْفِعْلِ فِي حُكْمِ الْفِعْلِ ابْتِدَاءً.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْفِعْلِ ابْتِدَاءً وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَالِفَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَرْكِ اسْتِمْرَارِ اللَّبْسِ قَالَ (وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ شُرُوطٌ فَهِيَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَلَا عِلْمُهُ وَلَا إرَادَتُهُ إلَى قَوْلِهِ فَاجْتَمَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ) قُلْت فَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهَا خِطَابُ الْوَضْعِ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَزِمَ اشْتِرَاطُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ قَالَ (وَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ لَابِسٌ مُسْتَقْبِلٌ انْدَفَعَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَبَقِيَ خِطَابُ الْوَضْعِ خَاصَّةً فَأَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ لِوُجُودِ شُرُوطِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ) قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ خِطَابِ الْوَضْعِ اجْتِمَاعُهُ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَكِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا وَقَعَ فِي أُمُورٍ اجْتَمَعَ فِيهَا الْخِطَابَانِ مَعًا وَقَوْلُهُ إنَّهُ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُسْتَصْحِبٌ لِتِلْكَ الْأُمُورِ لَيْسَ الْكَلَامُ الْمَفْرُوضُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ هَلْ أَوْقَعَ وَاجِبًا أَمْ لَا وَهَلْ تَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْوُجُوبِ أَمْ لَا وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَرْتَفِعُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ.

قَالَ (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ التَّعَسُّفَاتِ بَلْ نُخْرِجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ أَلْبَتَّةَ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ لِاجْتِمَاعِ الْخِطَابَيْنِ فِي

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ.

أَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَظِيمَةِ الْمُوجِبَةِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سِعَةَ الرِّزْقِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ ضِيقَ الرِّزْقِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَعْنِي تَقْدِيرَ الْعِلْمِ بِنَحْوِ الْكُنُوزِ وَعَمَلِ الْكِيمْيَاءِ أَيْضًا كَمَا نَقُولُ مَا قَدَّرَ اللَّهُ دُخُولَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِيمَانِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لَهُمْ مَعَ عَدَمِهِ الْجَنَّةَ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَا قَدَّرَ لِلْكُفَّارِ النَّارَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَهَا لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِمْ بِهِ فَظَهَرَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188] أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قُدِّرَ حُصُولُ الْعِلْمِ لَهُ بِعَوَاقِبَ يَوْمِ أُحُدٍ مَثَلًا لَكَثُرَ عِنْدَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْآنَ وَمَا مَسَّهُ السُّوءُ أَيْ الْمِحْنَةُ فِيهِ وَقَتْلُ حَمْزَةُ وَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ إنَّهُ عليه الصلاة والسلام إذَا عَلِمَ الْغَيْبَ وَاَلَّذِي فِي الْغَيْبِ هُوَ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْخَيْرِ فَكَيْفَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ الْخَيْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ بَلْ لَوْ قُدِّرَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْغَيْبِ لَبَقِيَ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعِلْمِ عَوَاقِبِ يَوْمِ أُحُدٍ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِلْمُ التَّفْصِيلِيُّ لَا الْإِجْمَالِيُّ لِحُصُولِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَشْهَدُ مَا فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ إنِّي رَأَيْت فِي مَنَامِي بَقَرًا فَأَوَّلْتُهَا خَيْرًا تُذْبَحُ وَرَأَيْت فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا فَأَوَّلْتُهَا هَزِيمَةً وَرَأَيْت أَنِّي أَدْخَلْت يَدَيَّ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةُ فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ فَافْعَلُوا» . اهـ.

الْمُرَادُ فَتَأَمَّلْ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ رِضَاخَانْ الْبِرُّ يَلْوِي فِي كِتَابِهِ الدَّوْلَةُ الْمَكِّيَّةُ بِالْمَادَّةِ الْغَيْبِيَّةِ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ الْعِلْمُ الْمُطْلَقُ التَّفْصِيلِيُّ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40] وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ أَعْنِي الْعِلْمَ الْمُطْلَقَ الْإِجْمَالِيَّ وَمُطْلَقَ الْعِلْمِ الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ فَغَيْرُ مُخْتَصَّاتٍ بِهِ تَعَالَى أَمَّا الْمُطْلَقُ الْإِجْمَالِيُّ فَحُصُولُهُ لِلْعِبَادِ بَدِيهِيٌّ عَقْلًا وَضَرُورِيٌّ دِينًا فَإِنَّا آمَنَّا أَنَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَلَاحَظْنَا بِقَوْلِنَا كُلُّ شَيْءٍ جَمِيعَ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ سبحانه وتعالى فَعَلِمْنَاهَا جَمِيعًا عِلْمًا إجْمَالِيًّا وَمَعْلُومٌ أَنَّ بِثُبُوتِ الْعِلْمِ الْمُطْلَقِ الْإِجْمَالِيِّ ثُبُوتَ مُطْلَقِ الْعِلْمِ الْإِجْمَالِيِّ بَلْ وَكَذَلِكَ التَّفْصِيلِيُّ مِنْهُ فَإِنَّا آمَنَّا بِالْقِيَامَةِ وَبِالْجَنَّةِ وَبِالنَّارِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِالْأُمَّهَاتِ السَّبْعِ مِنْ صِفَاتِهِ عز وجل وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْبٌ وَقَدْ عِلْمنَا كُلًّا بِحِيَالِهِ مُمْتَازًا عَنْ غَيْرِهِ فَوَجَبَ حُصُولُ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ بِالْغُيُوبِ

ص: 168

غَايَتُهُ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ أَنْ يَجِبَ الْوُضُوءُ فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ وَهَذَا لَا مُنْكَرَ فِيهِ فَإِنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَخْصِيصُ الْوُجُوبِ بِبَعْضِ الْحَالَاتِ وَبَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَبَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لَا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ وَإِنَّمَا صَعُبَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ طُولَ عُمْرِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَصَعُبَ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ وَكَمْ مِنْ تَفْصِيلٍ قَدْ سَكَتَ عَنْهُ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ وَأَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَلْبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ وَمَنْ اشْتَغَلَ بِالْعُلُومِ وَكَثُرَ تَحْصِيلُهُ لَهَا اطَّلَعَ عَلَى شَيْءٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدِي وَهُوَ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يُقْبَلُ تَحْرِيرُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ الْفُضَلَاءِ.

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ) أَمَّا الْمَوَاقِيتُ الزَّمَانِيَّةُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَقِيلَ عَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَأَصْلُهَا قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فَقَوْلُهُ {أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] صِيغَةُ جَمْعٍ مُنَكَّرٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ يَنْقَضِي بِالْفَرَاغِ مِنْ الرَّمْيِ فَيَكْفِي عَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ تَخْصِيصًا لِلصِّيغَةِ بِالْوَاقِعِ وَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ الْخِلَافِ وَأَمَّا مِيقَاتُ الْمَكَانِ فَهُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

تِلْكَ الْأُمُورِ قَالَ (غَايَتُهُ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ أَنْ يَجِبَ الْوُضُوءُ فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ وَهَذَا لَا مُنْكَرَ فِيهِ فَإِنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَخْصِيصُ الْوُجُوبِ بِبَعْضِ الْحَالَاتِ وَبَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَبَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ) قُلْت مَا قَالَهُ مُسَلَّمٌ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا فِي الْوَقْتِ أَوْ فِيمَا قَبْلَ الْوَقْتِ عِنْدَ فِعْلِهِ خَاصَّةً فَلَمْ يُنْتِجْ كَلَامُهُ مَقْصُودَهُ بِوَجْهٍ

قَالَ (وَإِنَّمَا صَعُبَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ طُولَ عُمْرِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَصَعُبَ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ وَكَمْ مِنْ تَفْصِيلٍ قَدْ سَكَتَ عَنْهُ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ وَأَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَلْبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ وَمَنْ اشْتَغَلَ بِالْعُلُومِ وَكَثُرَ تَحْصِيلُهُ لَهَا اطَّلَعَ عَلَى شَيْءٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدِي وَهُوَ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يَقِلُّ تَحْرِيرُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ الْفُضَلَاءِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ لَهُ مَقْصُودَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تِلْكَ التَّفْصِيلَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لِكُلِّ مُؤْمِنٍ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَالْعِلْمُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى لَيْسَ إلَّا الْعِلْمُ الذَّاتِيُّ وَالْعِلْمُ الْمُطْلَقُ التَّفْصِيلِيُّ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ الْإِلَهِيَّةِ بِالِاسْتِغْرَاقِ الْحَقِيقِيِّ فَهُمَا الْمُرَادُ أَنَّ فِي آيَاتِ النَّفْيِ وَالْعِلْمِ الَّذِي يَصِحُّ إثْبَاتُهُ لِلْعِبَادِ هُوَ الْعِلْمُ الْعَطَائِيُّ سَوَاءً كَانَ الْعِلْمَ الْمُطْلَقَ الْإِجْمَالِيَّ أَوْ مُطْلَقَ الْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ وَالتَّمَدُّحُ إنَّمَا يَقَعُ بِهَذَا فَهُوَ الْمُرَادُ فِي آيَاتِ الْإِثْبَاتِ قَالَ: تَعَالَى {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] وَقَالَ: تَعَالَى {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ اهـ الْمُرَادُ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت.

2 -

(الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) فِي بَيَانِ الْوَاجِبِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ قَالَ الشَّيْخُ الطُّرْطُوشِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا تَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ وَهُمَا كُلُّ شَخْصٍ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَتَنَاكَحَا كَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفُلُوا وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَأَمَّا أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ فَلَيْسَتْ الصِّلَةُ بَيْنَهُمَا وَاجِبَةً كَجَوَازِ الْمُنَاكَحَةِ بَيْنَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ وَبِرُّهُمَا وَتَرْكُ إذَايَتِهِمَا وَاجِبَةٌ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتَيْ الْعَمِّ وَبِنْتَيْ الْخَالِ وَإِنْ كُنَّ يَتَغَايَرْنَ وَيَتَقَاطَعْنَ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَقَدْ لَاحَظَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّرَاجُعِ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ بِتَحْرِيمِهِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ.

(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ بَعْضُهُمْ حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام لَمَّا «قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك؟ قَالَ: ثُمَّ مَنْ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوك» رُوِيَ ثَلَاثًا وَرُوِيَ مَرَّتَيْنِ فَعَلَى رِوَايَةِ مَرَّتَيْنِ يَكُونُ لَهَا ثُلُثَا الْبِرِّ وَعَلَى رِوَايَةِ ثَلَاثَةٍ يَكُونُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ اهـ وَهُوَ بَاطِلٌ إذْ الْوَاجِبُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ الْمَضْمُومَةِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَطْفِ بِثُمَّ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ عَلَى رِوَايَةِ مَرَّتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْ الْبِرِّ بِكَثِيرٍ كَمَا يَجِبُ نُقْصَانُ الْأَبِ عَنْ الثُّلُثِ وَأَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى رِوَايَةِ ثَلَاثَةٍ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ بِكَثِيرٍ كَمَا يَجِبُ نُقْصَانُ الْأَبِ عَنْ الرُّبُعِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ سُؤَالٌ عَنْ أَعْلَى الرُّتَبِ فَلَمَّا.

أُجِيبَ عَنْهَا عُرِفَ أَنَّهَا الرُّتْبَةُ الْعَالِيَةُ وَقَوْلُهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مَنْ بِصِيغَةِ ثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي عَنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فِي الْبِرِّ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ: أُمُّك فَلَا يَكُونُ هَذَا الْجَوَابُ مُطَابِقًا حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْ الْأُولَى وَكَذَلِكَ الْأَجْوِبَةُ الَّتِي بَعْدَهَا بِتِلْكَ الرُّتَبِ الْمُجَابِ بِهَا فَكَمَا وَجَبَ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى كَذَلِكَ يَجِبُ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ عَمَلًا بِثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاخِي وَالنُّقْصَانِ فَيَكُونُ نَصِيبُ الْأَبِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ بِمِقْدَارَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ الْأُمِّ مَرَّتَيْنِ وَبِثَلَاثِ مَقَادِيرَ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ فَتَفَاوُتُ الرُّتَبِ مُتَحَقِّقٌ جَزْمًا إلَّا أَنَّ ضَبْطَ مِقْدَارِهِ لَمْ يَتَيَسَّرْ حَتَّى الْآنَ فَإِنْ تَيَسَّرَ لَك ضَبْطُهُ فَاضْبِطْهُ وَعَطْفُ الْأُمِّ بِثُمَّ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى الْأُمِّ نَفْسِهَا فِي الْمَرْتَبَةِ الَّتِي قَبْلُ وَإِنْ خَالَفَ فِي الظَّاهِرِ الْقَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ الْأُمَّ بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى نَفْسِهَا بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ فَالْعَطْفُ هُنَا عَلَى حَدِّ الْعَطْفِ فِي قَوْلِك زَيْدٌ ابْنٌ وَأَخٌ وَفَقِيهٌ وَتَاجِرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

ص: 169