الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ الثَّانِي مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَا يُكَرُّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْإِيقَافِ وَالْإِبْطَالِ فَتَبِينُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَمَعَ هَذَا الْفَرْقِ لَا يَثْبُتُ الْقِيَاسُ فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله وَيَنْبَغِي لَوْ قَضَى بِهَا قَاضٍ لَنُقِضَ قَضَاؤُهُ وَيَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِوُضُوحِ بُطْلَانِهَا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَا يُرْوَى «أَنَّ خَطِيبًا قَالَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمِنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ» اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِأَنْ يُرَتِّبَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَأَنْ يَنْطِقَ بِلَفْظِ اللَّهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرَ الرَّسُولَ عليه السلام ثَانِيًا فَيَحْصُلُ التَّرْتِيبُ بِالتَّقْدِيمِ الدَّالِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَدْ فَاتَ بِسَبَبِ جَمْعِهِمَا فِي الضَّمِيرِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِالْوَاوِ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] قَالَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ صَرَّحَتْ بِالتَّقْدِيمِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَلِمَ قَالَ هَذَا الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ مُضَافَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَاوِ.
(الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ وَضَابِطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَحْقِيقُهُ بِحَيْثُ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ) فَنَقُولُ: الْأَفْعَالُ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ وَمِنْهَا مَا لَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ شَرَعَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْأَعْيَانِ تَكْثِيرًا لِلْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّلُ لَهُ وَالْمُثُولُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا كُرِّرَتْ الصَّلَاةُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ إذَا شَالَهُ إنْسَانٌ فَالنَّازِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَا يُحَصِّلُ شَيْئًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الْأَفْعَالِ وَكَذَلِكَ كِسْوَةُ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامُ الْجِيعَانِ وَنَحْوُهُمَا فَهَذَا ضَابِطُ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبِهِ تُعْرَفَانِ وَأَذْكُرُ أَرْبَعَ مَسَائِلَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّالِثُ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَكْفِي الظَّنُّ فَإِنْ قِيلَ: يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ فَالْجَوَابُ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ بِالشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ إمَّا بِتَحْصِيلِ الْغَايَةِ فَيَتَعَذَّرُ فَهَاهُنَا يَكْفِي الظَّنُّ لَا فِي الْمُقَدَّمَاتِ وَالْمَبَادِئِ وَغَيْرَ إطْلَاقِهِ لَفْظَ السُّقُوطِ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ الْوُجُوبَ تَوَجَّهَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ السُّقُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ اللَّفْظَ مَجَازًا فَهُوَ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَحَدٌ وَلَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُجَّةُ مِنْ الشَّهَادَةِ بَلْ إمَّا لَا شَهَادَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ كَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ أَوْ بَعْضِهِ شَهَادَةٌ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَا تُوجَدُ حُجَّةٌ تَامَّةٌ إلَّا بِتِينِك الْحُجَّتَيْنِ فَإِذَا فُرِضَ عَدَمُ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الْحَصْرُ فِي الْأُخْرَى إذَا عَرَفْت هَذَا عَرَفْت أَنَّ صِيغَةَ التَّعْلِيقِ دَالَّةٌ عَلَى مَا يَعُمُّ التَّرْتِيبَ وَغَيْرَهُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْتِيبِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَحْتَفَّ بِهَا قَرَائِنُ إذْ الدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ كَالْحَيَوَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ كَالْإِنْسَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ إذَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا بِصِيغَةِ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَإِذَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: مُرَادُهُمْ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ دَالَّةٌ عَلَى الشَّرْطِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ لَا مُطْلَقُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَرُدَّ مَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ) وَقَعَ بِالْمُبَايَنَةِ بَيْنَهُمَا فِي ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَحَدِ طَرَفَيْ فِي الْإِسْنَادِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ فِي الزَّمَانِ خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَانَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ إرَادَتَهَا وَإِنْ تَأَخَّرَتْ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ وَغَيْرِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْعَطَّارُ عَنْ الْقَرَافِيِّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الزَّمَانِ عَلَى قَوْلٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ إجَازَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ عَامٍّ لِقَوْلِ الرَّهُونِيِّ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ اُنْظُرْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي أَوَّلِ مَبْحَثِ الْمُخَصِّصِ نَعَمْ اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ بِتَصَرُّفٍ.
(قُلْتُ:) بَلْ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيُّ مَا نَصُّهُ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ اهـ وَلَفْظُ التَّحْرِيرِ لَنَا لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ يُعَيِّنْ.
لِتَحْقِيقِ الْقَاعِدَتَيْنِ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْكِفَايَةَ وَالْأَعْيَانَ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ فَهَذِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاَلَّتِي عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوَتْرِ وَالْفَجْرِ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَاتِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْلِ لَا وُقُوعُهُ تَحْقِيقًا.
فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنَّ تِلْكَ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ هَذِهِ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ تِلْكَ أَنَّ هَذِهِ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ تِلْكَ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْأُخْرَى سَقَطَ الْفِعْلُ عَنْهُمَا سُؤَالٌ إذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَقَرِّرًا عَلَى جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَكَيْفَ سَقَطَ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَقَعُ فِي الْفِعْلِ الْبَدَنِيِّ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يُجْزِئُ فِيهَا فِعْلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ وَهَاهُنَا أَجْزَأَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ مَثَلًا وَكَيْفَ سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ جَوَابُهُ أَنَّ السُّقُوطَ هُنَا لَيْسَ بِنِيَابَةِ الْغَيْرِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِي الْقَاعِدَةِ بَلْ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ سُقُوطُ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْوُجُوبِ لَا لِأَنَّ الْغَيْرَ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا شَالَ زَيْدٌ الْغَرِيقَ سَقَطَ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَحِكْمَةٍ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ حِفْظُ حَيَاةِ الْغَرِيقِ وَقَدْ حَصَلَتْ فَلَمْ تَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ حِكْمَةٌ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهَا فَهَذَا هُوَ سَبَبُ السُّقُوطِ عَنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ لَا النِّيَابَةُ وَالتَّسْوِيَةُ فَسَبَبُ السُّقُوطِ عَنْ الْفَاعِلِ فِعْلُهُ وَعَنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ وَأَمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَغَيْرِ الْفَاعِلِ فَمَا ذَلِكَ إلَّا فِي مَعْنَى السُّقُوطِ لَا فِي الثَّوَابِ بَلْ الْفَاعِلُ يُثَابُ وَغَيْرُ الْفَاعِلِ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ أَلْبَتَّةَ نَعَمْ إنْ كَانَ نَوَى الْفِعْلَ فَلَهُ ثَوَابُ نِيَّتِهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) نَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ وَقَدْ كَانَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ يَقَعُ فِعْلُهُ فَرْضًا بَعْدَمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَطَرَدَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي جَمِيعِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ كَمَنْ يَلْحَقُ بِمُجَهِّزِ الْأَمْوَاتِ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَبِالسَّاعِينَ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ مِنْ الطُّلَّابِ فَإِنَّ ذَلِكَ الطَّالِبَ يَقَعُ فِعْلُهُ وَاجِبًا وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوُجُوبِ لَمْ تَحْصُلْ بَعْدُ وَمَا وَقَعَتْ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْجَمِيعِ وَاجِبًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَيَخْتَلِفُ ثَوَابُهُمْ بِحَسَبِ مَسَاعِيهمْ.
(سُؤَالٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقْضٌ كَبِيرٌ عَلَى حَدِّ الْوَاجِبِ بِأَيِّ حَدٍّ حَدَّدْتُمُوهُ فَإِنَّ هَذَا اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ إجْمَاعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ وَلَا لَوْمٍ وَلَا اسْتِحْقَاقِ عِقَابٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَصَفْتُمْ فِعْلَهُ بِالْوُجُوبِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْوُجُوبُ وَعَدَمُ الذَّمِّ عَلَى تَرْكِهِ وَذَلِكَ يُنَاقِضُ حُدُودَ الْوَاجِبِ كُلَّهَا وَهَذَا سُؤَالٌ صَعْبٌ فَيَلْزَمُ إمَّا بُطْلَانُ تِلْكَ الْحُدُودِ أَوْ بُطْلَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَالْكُلُّ صَعْبٌ جِدًّا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنْ نَقُولَ: الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَشْرُوطٌ بِالِاتِّصَالِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْفَاعِلِينَ فَلَا جَرَمَ إنْ تَرَكَ مَعَ الِاجْتِمَاعِ أَثِمَ وَالتَّرْكُ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ وَالْعِقَابُ حِينَئِذٍ مُتَحَقِّقٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمَشْرُوطَ بِشَرْطٍ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَإِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَعَالَى لِبِرِّ أَيُّوبَ عليه السلام أَخَذَ الضِّغْثَ وَلَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِيُكَفِّرْ مُقْتَصِرًا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مُخْلِصًا مَعَ اخْتِيَارِهِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ دَائِمًا بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمَنْوِيٍّ وَغَيْرِهِمَا وَأَيْضًا لَمْ يَجْزِمْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَكَذِبٍ وَصِدْقٍ وَلَا عَقْدٍ وَدَفَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَتَبَ الْمَنْصُورِ بِلُزُومِ عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِ الْبَيْعَةِ اهـ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ: وَالْوَجْهُ تَكْذِيبُ النَّاقِلِ فَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ اهـ.
وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ تَقْلِيدُ رِوَايَاتِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّعَالِيقِ وَغَيْرِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ تَعْلِيمُهَا لِلْعَوَامِّ وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهَا.
قَالَ الْعَطَّارُ: مِمَّا لَا يَنْبَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ خُصُوصًا فِي الطَّلَاقِ لِمَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَنْكِحَةِ وَاضْطِرَابِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ يَقْضِي بِعَدَمِ تَحْرِيرِ النَّقْلِ وَإِنْ فُرِضَ صِحَّتُهُ فَتَأَمَّلْ اهـ.
وَقِيلَ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ هُوَ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ أَسْبَابًا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالسَّبَبُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ شَرْطًا وَجُعِلَ عَدَمُهُ مُؤَثِّرًا فِي الْعَدَمِ كَانَ الشَّأْنُ فِيهِ تَعْجِيلَ النُّطْقِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَضَمَّنْ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ عَمَّا الْمُرَادُ فَهْمُهُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَعَلَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ الْمُرَادِ وَلَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَخْتَلَّ الْحُكْمُ لَمْ يَكُنْ الشَّأْنُ فِيهِ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا يُفَوِّتُ مَقْصِدًا بِخِلَافِ عَدَمِ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْطِقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَاتَ مَقْصِدٌ فَعَدَمُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَظِيرُ عَدَمِ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْإِسْنَادِ يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُمَا، الْوَجْهُ الثَّانِي كَمَا قَالَ. إنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ سَبَبٌ وَالسَّبَبُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَشَأْنُهُ تَعْجِيلُ النُّطْقِ بِهِ كَذَلِكَ يُقَالُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ التَّعْجِيلَ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ مَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا عَلِمْت، الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ هَذِهِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إنْ أَطَاعُوا ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَمْ يَفُتْ بِذَلِكَ مَقْصِدٌ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إلَّا زَيْدًا ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ لَمْ يَفُتْ مَقْصِدٌ وَتَكُونُ صُورَةُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ إنَّمَا ذَلِكَ.
عَنْهُمْ يَكُونُ شَرْطُ الْوُجُوبِ مَفْقُودًا فَيَذْهَبُ الْوُجُوبُ وَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مَشْرُوطًا بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَمَفْقُودًا عِنْدَ الِانْفِصَالِ كَمَا تَقُولُ لِزَيْدٍ: إنْ اتَّصَلَتْ بِعِصْمَةِ امْرَأَتِك أَوْ بِقَرَابَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْك النَّفَقَةُ.
وَإِنْ انْفَصَلْت مِنْهَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فَإِنْ عَاوَدْتَهَا وَجَبَتْ وَإِنْ فَارَقْتَهَا سَقَطَتْ كَذَلِكَ أَيْضًا هَاهُنَا مَتَى اجْتَمَعَ مَعَ الْقَوْمِ الْخَارِجِينَ لِلْجِهَادِ تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُمْ قُلْنَا لَك ذَلِكَ فَإِذَا فَارَقَهُمْ بَطَلَ الْوُجُوبُ كَذَلِكَ أَبَدًا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَالسُّؤَالُ جَيِّدٌ وَالْجَوَابُ جَيِّدٌ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مُقْتَضَى مَا قَرَرْتُمْ مِنْ ضَابِطِ قَاعِدَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقَاعِدَةِ فَرْضِ الْأَعْيَانِ أَنْ لَا تَكُونَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَأَنْ تُشْرَعَ إعَادَتُهَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْمَغْفِرَةُ لِلْمَيِّتِ وَلَمْ تَحْصُلْ بِالْقَطْعِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَصْلَحَةَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إمَّا الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا أَوْ قَطْعًا وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِتَعَذُّرِهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَقَدْ حَصَلَتْ الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ فَانْدَرَجَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ وَامْتَنَعَتْ الْإِعَادَةُ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ مُعْتَمَدُ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ: مَالِكٌ وَلَمْ تَبْقَ إلَّا مَصْلَحَةُ تَكْثِيرِ الدُّعَاءِ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ نَدْبِيَّةٌ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله يُسَاعِدُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا وَلَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً وَلَا تَقَعُ مَنْدُوبَةً أَصْلًا فَامْتَنَعَتْ الْإِعَادَةُ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ تَعَذُّرُ النَّدْبِ فِيهَا حُجَّةً عَلَيْهِ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا) وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَشَاقَّ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ الْعِبَادَةُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْبَرْدِ وَالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ الطَّوِيلِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُوجِبُ تَخْفِيفًا فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ قُرِّرَ مَعَهَا وَثَانِيهِمَا الْمَشَاقُّ الَّتِي تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ فِي الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا كَالْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ فَيُوجِبُ التَّخْفِيفَ لِأَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ سَبَبُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَوْ حَصَّلْنَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ لِثَوَابِهَا لَذَهَبَ أَمْثَالُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَنَوْعٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْفَرْقُ الرَّابِعُ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا إلَى آخِرِ مَا قَالَ: فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْتُ: التَّكْلِيفُ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ ثُمَّ يَخْتَصُّ غَيْرُهَا بِمَشَاقَّ بَدَنِيَّةٍ وَبَعْضُ تِلْكَ الْمَشَاقِّ هُوَ أَعْظَمُ الْمَشَاقِّ كَمَا فِي الْجِهَادِ الَّذِي فِيهِ بَذْلُ النَّفْسِ فَبِحَسَبِ ذَلِكَ انْقَسَمَتْ الْمَشَاقُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّكْلِيفِ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ عَادَةً أَوْ فِي الْغَالِبِ أَوْ فِي النَّادِرِ وَقِسْمٌ لَمْ يَقَعْ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ لَا بِإِسْقَاطٍ وَلَا بِتَخْفِيفٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَقْضَ التَّكْلِيفِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ التَّكْلِيفَ.
قَالَ: (وَثَانِيهِمَا الْمَشَاقُّ الَّتِي تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَى آخِرِ النَّوْعِ الثَّانِي) .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِشَرْطِ أَنْ يُطِيعُوا وَصُورَةُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَدَعَ مِنْهُمْ زَيْدًا وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ الْحُكْمُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْفَعَ الِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعَ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ فَفِي نَحْوِ لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ الْمَالِكِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ.
قَالَ الْعَطَّارُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْقَرَافِيَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَقْرَبَ: أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ نَعَمْ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ فَافْهَمْ اهـ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّرْطُ فِي كَلَامٍ يَبْطُلُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَلَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ وَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ جَاءُوك فَلَا يَجِيءُ أَحَدٌ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الْأَمْرِ بِسَبَبِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَوْلَا هَذَا الشَّرْطُ لَعَمَّ الْحُكْمُ الْجَمِيعَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ هُوَ أَنَّ الْإِبْطَالَ حَالَةَ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَقَدْ يَقَعُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ وَقَدْ يَفُوتُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَيَبْطُلُ الْجَمِيعُ وَقَدْ يَفُوتُ فِي الْبَعْضِ فَيَبْطُلُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ حَالَةَ النُّطْقِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهَا الْإِبْطَالُ لَا لِلْكُلِّ وَلَا لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ عَلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ يُعَدُّ النَّاطِقُ بِهِ نَادِمًا مُقَدَّمًا عَلَى الْهَذْرِ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ الْحُكْمُ الثَّالِثُ يَعُمُّ الشَّرْطُ جَمِيعَ الْجَمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا قِيلَ اتِّفَاقًا وَقِيلَ: عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَصَحُّ هُوَ أَوْلَى بِالْعَوْدِ إلَى الْكُلِّ اهـ أَيْ كُلُّ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ.
قَالَ الْعَطَّارُ: وَأَمَّا الْمُفْرَدَاتُ فَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ فِيهَا كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَيُعْرَفُ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ فَرْقِ الْمَحَلِّيِّ الْآتِي اهـ وَلَا يَعُمُّ الِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعَ الْجُمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى قَوْلِ نَحْوِ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَكْرِمْ الْقَوْمَ وَاخْلَعْ عَلَيْهِمْ.