الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَغَيْرَهُ غَيْرُ نَاطِقٍ هَذَا هُوَ مَدْلُولُ وَحْدَهُ لُغَةً فَإِنْ جَعَلْنَا مُقَدِّمَةَ الدَّلِيلِ هِيَ الْمُوجِبَةُ وَحْدَهَا صَحَّ الْكَلَامُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ الْإِنْسَانُ نَاطِقًا، وَكُلُّ نَاطِقٍ حَيَوَانٌ فَيَنْتِجُ كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَلَا مُحَالَ فِي هَذَا.
وَإِنْ جَعَلْنَا مُقَدِّمَةَ الْقِيَاسِ هِيَ السَّالِبَةُ لَمْ يَصِحَّ الْإِنْتَاجُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنَّ الشَّكْلَ الْأَوَّلَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ تَكُونَ صُغْرَاهُ مُوجَبَةً وَهَذِهِ سَالِبَةٌ فَلَا يَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إذَا قُلْتَ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِحَجَرٍ، وَكُلُّ حَجَرٍ جِسْمٌ كَانَتْ النَّتِيجَةُ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِجِسْمٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقَدِّمَةُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا الشَّكْلِ مُوجَبَةً إذَا كَانَتْ صُغْرَى وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ جُعِلَتْ فِيهِ سَالِبَةً فَلِذَلِكَ حَصَلَ فِيهِ أَمْرٌ مُحَالٌ، وَإِنْ جَعَلْنَا مَجْمُوعَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ مُقَدِّمَةً وَاحِدَةً امْتَنَعَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا قِيَاسَ عَنْ ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ، وَيَلْزَمُ الْفَسَادُ مِنْ كَوْنِ إحْدَاهُمَا سَالِبَةً كَمَا تَقَدَّمَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) نَقُولُ الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ وَالْحَمَامُ يَغْذُو الْبَازِيَ فَالْفُولُ يَغْذُو الْبَازِيَ الْمُقَدِّمَتَانِ صَادِقَتَانِ وَالْخَبَرُ الَّذِي أَنْتَجَتَاهُ كَاذِبٌ وَهُوَ قَوْلُنَا الْفُولُ يَغْذُو الْبَازِيَ فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا اللَّحْمَ فَكَيْفَ يُنْتِجُ الصَّادِقُ الْكَاذِبَ؟ وَذَلِكَ يُخِلُّ بِنِظَامِ الِاسْتِدْلَالِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَسَادَ جَاءَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ اتِّحَادِ الْوَسَطِ فَإِنْ قُلْنَا الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ الْأَصْلُ أَنْ نَقُولَ وَكُلُّ مَا يَغْذُو الْحَمَامَ يَغْذُو الْبَازِيَ وَلَمْ نَأْخُذْهُ بَلْ أَخَذْنَا مَفْعُولَ الْمَحْمُولِ وَضَابِطُ اتِّحَادِ الْوَسَطِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْإِنْتَاجِ أَنْ تَأْخُذَ عَيْنَ الْخَبَرِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى فَنَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ، وَهُنَا لَمْ تَأْخُذْهُ بَلْ أَخَذْتَ مَفْعُولَهُ وَجَعَلْتَهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْوَسَطُ وَإِذَا لَمْ يَتَّحِدْ الْوَسَطُ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْتَاجُ، وَنَظِيرُهُ أَنْ تَقُولَ زَيْدٌ مُكْرِمٌ خَالِدًا وَخَالِدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا يَنْتِجُ زَيْدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ عَدُوًّا لِعَمْرٍو فَلَمْ يُكْرِمْهُ، وَعَلَى هَذَا السُّؤَالِ مَتَى أَخَذْتَ مَفْعُولَ الْوَسَطِ بَطَلَ الْإِنْتَاجُ، وَمَتَى أَخَذْتَهُ نَفْسَهُ فَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْتَاجُ، وَيَصْدُقُ مَعَهُ الْخَبَرُ فَتَأَمَّلْ
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) تَقُولُ كُلُّ زَوْجٍ عَدَدٌ وَالْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ يَنْتِجُ الزَّوْجُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِ الزَّوْجِ مُنْقَسِمًا إلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ كَاذِبٌ فَإِنَّ الْمُنْقَسِمَ إلَى شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالزَّوْجُ لَيْسَ مُشْتَرَكًا فِيهِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ فَالْمُقَدِّمَاتُ صَادِقَةٌ وَالْخَبَرُ الَّذِي أَنْتَجَتْهُ كَاذِبٌ فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُحَالَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ فِي هَذَا الشَّكْلِ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً، وَقَوْلُنَا الْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ قَضِيَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ نَصَّ أَرْبَابُ الْمَنْطِقِ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ كُلِّيَّةً بِأَزْمَانِهَا وَأَوْضَاعِهَا فَإِنْ لَمْ تَقَعْ الْإِشَارَةُ إلَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
ذَلِكَ وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى لَمَّا قُيِّدَ مَوْضُوعُهَا بِوَحْدِهِ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَوْضُوعَ فِي الثَّانِيَةِ مُقَيَّدًا بِقَيْدِهِ وَلَوْ ذُكِرَ كَذَلِكَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ إذْ لَيْسَ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانًا بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ، فَفَسَادُ النَّتِيجَةِ لِفَسَادِ إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَهَذَا الْجَوَابُ مُغْنٍ عَنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ حَسَنٌ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)
تَقُولُ الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ، وَالْحَمَامُ يَغْذُو الْبَازِيَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ: جَوَابُهُ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ)
تَقُولُ كُلُّ زَوْجٍ عَدَدٌ وَالْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَيَاقُوتٌ وَحَيَوَانٌ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِنَا هَذَا الْجَبَلُ ذَهَبٌ بِنَحْوِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ، وَكُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يَنْتِجُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِكَذِبِهَا الْمُحَالُ، وَهُوَ إنْتَاجُ الصَّادِقِ الْخَبَرَ الْكَاذِبَ الْمُؤَدِّيَ لِبُطْلَانِ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ قَائِلٌ بِأَنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يَنْتِجُ أَنَّ كُلَّ قَائِلٍ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ وَسَلَّمْنَا عَدَمَ فَوَاتِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ، أُجِيبُ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيرِ لَا عَلَى نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا مَحْذُورَ فِي الْتِزَامِ أَنَّ الْجَبَلَ ذَهَبٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَلَا فِي كَوْنِ الْمُحَالِ فِي النَّتِيجَةِ نَشَأَ عَنْهُ
وَثَانِيهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ قَائِلٌ بِأَنَّهُ جِسْمٌ إذْ يَجُوزُ فِي الْمُحَالِ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ، وَهُوَ كَوْنُ الذَّهَبِ لَيْسَ بِجِسْمٍ فَتَبْطُلُ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَلَا تَلْزَمُ النَّتِيجَةُ. وَثَالِثُهَا أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ صَادِقٌ إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْمُقَدِّمَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَادِقٍ فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ ذَهَبٌ وَقَوْلِهِ أَنَّهُ جِسْمٌ بَلْ هُوَ صَادِقٌ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ السَّائِلِ مِنْ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ ذَهَبٌ لَا سِيَّمَا، وَقَوْلُنَا صَادِقٌ لَفْظٌ مُطْلَقٌ يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَصُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ إنَّهُ جِسْمٌ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَم.
[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا) مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَةِ وَبَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ الْآخَرِ مِنْهَا فَالْمَقْصُودُ هُنَا جِهَتَانِ: الْجِهَةُ الْأُولَى الْفَرْقُ بَيْنَ سَائِرِ الشُّرُوطِ وَهُوَ أَنَّ ارْتِبَاطَ الشَّرْطِ بِالْمَشْرُوطِ إنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ حَقِيقَةِ الْمَشْرُوطِ ارْتِبَاطُ ذَلِكَ الشَّرْطِ بِهِ فَهُوَ الشَّرْطُ الْعَقْلِيُّ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ وَمَشْرُوطَهُ بِكَلَامِهِ الَّذِي نُسَمِّيهِ خِطَابَ الْوَضْعِ فَهُوَ الشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ بِمَشْرُوطِهِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَهُوَ الشَّرْطُ الْعَادِي كَالسُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ أَوْ أَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ بِمَشْرُوطِهِ أَيْ جَعَلَ هَذَا الرَّبْطَ اللَّفْظِيَّ دَالًّا عَلَى ارْتِبَاطِ مَعْنَى اللَّفْظِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَهُوَ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ كَالدُّخُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي نَحْوِ إنْ
أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِذَلِكَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ كُلِّيَّةً إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ مَا تُرِيدُ بِقَوْلِكَ الْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ تُرِيدُ الْعَدَدَ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَ أَوْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَإِنْ أَرَدْتَ الْأَوَّلَ كَانَ مَعْنَى كَلَامِكَ الْعَدَدُ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ زَوْجًا هُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ، وَذَلِكَ كَاذِبٌ وَإِنْ وَقَعَ حَالَةَ كَوْنِهِ فَرْدًا انْقَسَمَ إلَيْهِمَا أَيْضًا، وَذَلِكَ كَاذِبٌ أَيْضًا فَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ كَاذِبَةٌ ضَرُورَةً عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَإِنْ أَرَدْتَ بِالْعَدَدِ الْعَدَدَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَعْدَادِ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ يَنْقَسِمُ إلَى أَنْوَاعٍ، وَذَلِكَ صَادِقٌ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا صَدَقَتْ الْمُقَدِّمَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَانَتْ جُزْئِيَّةً فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ جُزْئِيَّةً بَطَلَ شَرْطُ الْإِنْتَاجِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ كُلِّيَّةً فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ إمَّا كَاذِبَةٌ أَوْ فَاتَ فِيهَا شَرْطُ الْإِنْتَاجِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَصِحُّ النَّتِيجَةُ وَلَا يَوْثُقُ بِالْخَبَرِ النَّاشِئِ مِنْ هَذَا التَّرْكِيبِ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) تَقُولُ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ يَنْتِجُ قَوْلُهُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ خَبَرٌ كَاذِبٌ، فَإِنَّ الْوَتَدَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ فَقَدْ أَنْتَجَ الصَّادِقُ الْكَاذِبَ فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِ تَوَسُّعٌ وَهُوَ قَوْلُكَ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِبْ بِجُمْلَتِهِ فِي الْأَرْضِ بَلْ أَبْعَاضُهُ فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً، وَأَنَّ جُمْلَةَ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ كَانَ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ خَبَرًا، وَكَانَ الْخَبَرُ حَقًّا كَقَوْلِنَا الْمَالُ فِي الْكِيسِ وَالْكِيسُ فِي الصُّنْدُوقِ فَالْمَالُ فِي الصُّنْدُوقِ وَهَذَا خَبَرٌ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوَسُّعٌ بِخِلَافِ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ فَإِنْ قُلْتَ ظَرْفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِحَاطَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 255] وَالْمُرَادُ مَا عَلَى ظَهْرِهِمَا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] وَهُوَ إنَّمَا يُعْبَدُ فَوْقَ ظَهْرِهِمَا فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا زَيْدٌ عِنْدَكَ حَقِيقَةٌ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ زَيْدٌ فِي الزَّمَانِ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِحَاطَةَ لِأَنَّ مَعْنَى الزَّمَانِ هُوَ اقْتِرَانُ حَادِثٍ بِحَادِثٍ وَالِاقْتِرَانُ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ لَمْ تُحِطْ بِزَيْدٍ كَإِحَاطَةِ ثَوْبِهِ إنَّمَا هِيَ فِي تَيْنِكَ الْحَادِثَيْنِ لَا يَتَعَدَّاهُمَا، وَكَذَلِكَ إذَا فَسَّرْنَا الزَّمَانَ بِحَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ فَإِنَّ الْحَرَكَةَ قَائِمَةٌ فِي الْفَلَكِ لَمْ تُحِطْ بِزَيْدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَوَادِثِ الْأَرْضِ بَلْ الْمُحِيطُ هُوَ الْفَلَكُ وَحْدَهُ فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ تَسْمِيَةَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ظَرْفَيْنِ لَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ الْغَيْبَةَ فِيهِمَا وَإِحَاطَتَهُمَا بِالْمَظْرُوفِ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ التَّوَسُّعِ، وَبَطَلَ أَيْضًا مَا يَعْتَقِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ النُّحَاةِ مِنْ الظَّرْفِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ قُلْتُ إذَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ)
تَقُولُ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ فَالْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ (إلَخْ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ أَيْضًا صَحِيحٌ ظَاهِرُ الْأَقْوِلَةِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] وَهُوَ إنَّمَا يُعْبَدُ فَوْقَ ظَهْرِهِمَا فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فَإِنَّ الْفَوْقِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ تَقْتَضِي الِاسْتِقْرَارَ، وَالِاسْتِقْرَارُ يَقْتَضِي الْمُمَاسَّةَ وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ظَاهِرَ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَهُوَ خَطَأٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ الْمَبْنِيِّ عَلَى اصْطِلَاحٍ أُصُولِيٍّ يَفْتَقِرُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ فَقَدْ ذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ إلَى خِلَافِهِ فَالسَّبَبُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ الشَّرْطُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ وَبِقَيْدِ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ الْمَانِعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ وَبِقَيْدِ لِذَاتِهِ السَّبَبُ الْمُقَارِنُ وُجُودُهُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فَلَا يَلْزَمُ الْوُجُودُ أَوْ الَّذِي أَخْلَفَهُ حَالَ عَدَمِ سَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَلْزَمُ الْعَدَمُ وَالشَّرْطُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي ذَاتِهِ بَلْ فِي غَيْرِهِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ الْمَانِعُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ وَبِقَيْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ إلَخْ السَّبَبُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَبِقَيْدِ لِذَاتِهِ الشَّرْطُ الْمُقَارِنُ وُجُودُهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ لِأَجْلِ السَّبَبِ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ أَوْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ لِأَجْلِ الْمَانِعِ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ وَبِقَيْدِ وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْءٍ إلَخْ جُزْءُ الْعِلَّةِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُزْءِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّ جُزْءَ الْمُنَاسِبِ مُنَاسِبٌ وَالْمَانِعُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودُهُ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ بِسَبَبٍ وَبِقَيْدِ وَلَا يَلْزَمُ إلَخْ الشَّرْطُ وَبِقَيْدِ لِذَاتِهِ الْمَانِعُ الْمُقَارِنُ عَدَمُهُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ أَوْ الْوُجُودُ السَّبَبَ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ لِذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْمَانِعِ وُجُودُهُ وَمِنْ الشَّرْطِ عَدَمُهُ وَمِنْ السَّبَبِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَالزَّكَاةُ تَصْلُحُ مِثَالًا لِلثَّلَاثَةِ فَالنِّصَابُ سَبَبٌ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ وَالدَّيْنُ مَانِعٌ وَبِظُهُورِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثَةِ يَظْهَرُ أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ التَّعَالِيقُ كَقَوْلِنَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ طَالِقٌ أَنَّهَا أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا كَالدُّخُولِ فِي الْمِثَالِ وُجُودُ مَشْرُوطِهَا كَالطَّلَاقِ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ الْمَشْرُوطِ أَيْ مِنْ عَدَمِ الدُّخُولِ عَدَمُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَخْلُفَهُ سَبَبٌ آخَرُ كَالْإِنْشَاءِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ كَمَا هُوَ شَأْنُ السَّبَبِ وَقَاعِدَةُ
أَلْزَمْتَ هَذَا أَقُولُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ حَقِيقَةٌ، وَيَكُونُ الْخَبَرُ صَادِقًا وَلَا مُحَالَ حِينَئِذٍ، وَالسُّؤَالُ وَالْإِشْكَالُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْوَتَدَ لَيْسَ مَغِيبًا فِي الْأَرْضِ، أَمَّا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا يَلْزَمُ إشْكَالٌ وَلَا يَضُرُّنَا إلْزَامُ مَا ذَكَرْتَهُ فَالسُّؤَالُ ذَاهِبٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) قَوْلُنَا هَذَا الْجَبَلُ ذَهَبٌ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ وَكُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يَنْتِجُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ، وَهَذَا الْخَبَرُ كَاذِبٌ مَعَ صِدْقِ الْمُقَدِّمَاتِ وَبِهَذَا النَّمَطِ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ ذَهَبٌ وَيَاقُوتٌ وَحَيَوَانٌ وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمُحَالَاتِ تَقْرِيرُهَا بِهَذَا الدَّلِيلِ، وَهَذِهِ مَغْلَطَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إنَّ هَذَا الْجَبَلَ ذَهَبٌ مُحَالٌ وَكَذِبُ الْمُحَالِ يَلْزَمُهُ الْمُحَالُ فَيَكُونُ الْمُحَالُ فِي النَّتِيجَةِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ هَذَا الْمُحَالِ فَنَحْنُ نَلْتَزِمُ أَنَّهُ ذَهَبٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمُحَالِ وَلَا مَحْذُورَ، وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ كَوْنُهُ ذَهَبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَثَانِيهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ جِسْمٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ هُوَ ذَهَبٌ مُحَالٌ وَالْمُحَالُ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ وَهُوَ كَوْنُ الذَّهَبِ لَيْسَ بِجِسْمٍ فَتَبْطُلُ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَلَا تَلْزَمُ النَّتِيجَةُ، وَثَالِثُهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْمُقَدِّمَاتِ، وَنُسَلِّمُ أَنَّهُ صَادِقٌ لَكِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ إنَّهُ ذَهَبٌ وَالْآخَرُ قَوْلُهُ إنَّهُ جِسْمٌ فَهُوَ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ جِسْمٌ لَا فِي قَوْلِهِ إنَّهُ ذَهَبٌ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ لِلسَّائِلِ وَلَا سِيَّمَا، وَقَوْلُنَا صَادِقٌ لَفْظٌ مُطْلَقٌ يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَصُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ فَهَذِهِ نَبْذَةٌ مِنْ الْأَخْبَارِ مُشْكِلَةٌ لَا يَتَحَدَّثُ فِيهَا إلَّا الْفُضَلَاءُ النُّبَلَاءُ لِتَوَقُّفِ سُؤَالِهَا وَجَوَابِهَا عَلَى دَقَائِقَ مِنْ الْعُلُومِ، وَقَدْ تُذْكَرُ فِي سِيَاقِ الْمُغَلَّطَاتِ فَيَعْسُرُ الْجَوَابُ عَنْهَا، وَقَدْ اتَّضَحَ مِنْهَا جُمْلَةٌ هَاهُنَا تُوجِبُ الْإِعَانَةَ عَلَى فَهْمِ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ.
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ) مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكُلَّ مَعْنًى وَاحِدٌ وَأَنَّ اللَّفْظَ مَقُولٌ عَلَيْهَا بِالتَّوَاطُؤِ وَأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لِلشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ قَاعِدَةٌ مُبَايِنَةٌ لِقَاعِدَةِ الشُّرُوطِ الْأُخَرِ وَلَا يُظْهِرُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إلَّا بَيَانُ حَقِيقَةِ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ أَمَّا السَّبَبُ فَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ قَوْلُنَا هَذَا الْجَبَلُ ذَهَبٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يُنْتَجُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ إلَى آخِرِ أَجْوِبَتِهِ) قُلْتُ أَجْوِبَتُهُ صَحِيحَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ شَرْطَ الْإِنْتَاجِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَهُوَ اشْتِرَاكُ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِي الْوَسَطِ، وَلَمْ يَشْتَرِكَا فِي هَذَا الْقَوْلِ فِي الْوَسَطِ فَفَاتَ شَرْطُ الْإِنْتَاجِ وَلَزِمَهُ بِفَوْتِهِ الْخَطَأَ وَالْكَذِبَ.
قَالَ: شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ)
قُلْتُ: كَانَ حَقُّهُ كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ سَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْعَقْلِيَّ ارْتِبَاطُهُ بِالْمَشْرُوطِ عَقْلِيٌّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حَقِيقَةِ الْمَشْرُوطِ ارْتِبَاطَ ذَلِكَ الشَّرْطِ بِهِ وَالشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ ارْتِبَاطُهُ بِالْمَشْرُوطِ شَرْعِيٌّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ وَمَشْرُوطَهُ بِكَلَامِهِ الَّذِي نُسَمِّيهِ خِطَابَ الْوَضْعِ وَالشَّرْطُ الْعَادِي ارْتِبَاطُهُ بِالْمَشْرُوطِ عَادِيٌّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ بِمَشْرُوطِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كُلٍّ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِيَّةِ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالْعَادِيَةِ كَالسُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ مَشْرُوطِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِمَشْرُوطِهَا فَقَدْ يُوجَدُ مَشْرُوطُهَا عِنْدَ وُجُودِهَا كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ دَوْرَانِ الْحَوْلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ وَقَدْ يُعْلَمُ لِمُقَارَنَةِ الدَّيْنِ لَدَوْرَانِ الْحَوْلِ مَعَ وُجُودِ النِّصَابِ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الشَّرْطِ عَلَى مَا عَدَا اللُّغَوِيَّةِ حَقِيقَةٌ قَطْعًا وَعَلَى اللُّغَوِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةٌ أَيْضًا بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ وَأَنْ يُقَالَ مَجَازًا لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَأَنْ يُقَالَ بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ بِأَنْ يَدَّعِيَ وَضْعَهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْجَمِيعِ وَهُوَ تَوَقُّفُ الْوُجُودِ عَلَى الْوُجُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمَشْرُوطِ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَالْعَادِي يَتَوَقَّفُ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَوُجُودُ شَرْطِهِ لَا يَقْتَضِيهِ الْمِشْرَطُ اللُّغَوِيُّ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَوُجُودُ شَرْطِهِ يَقْتَضِيهِ ثُمَّ إنَّ مَا عَدَا الْعَقْلِيَّ مِنْ الشُّرُوطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ رَبْطَهَا بِمَشْرُوطِهَا بِالْوَضْعِ تَقْبَلُ الْإِبْدَالَ وَالْإِخْلَافَ وَالْإِبْطَالَ إذْ لَا يَمْتَنِعُ رَفْعُ ذَلِكَ الرَّبْطِ فَمِثَالُ الْإِبْدَالِ وَالْإِخْلَافِ فِي الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَقُولُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِنْشَاءِ بَدَلًا عَنْ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ تَقُولُ لِشَخْصٍ: إنْ أَتَيْتَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ هَذَا الدِّينَارُ ثُمَّ تُعْطِيهِ الدِّينَارَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعَبْدِ هِبَةً فَتَخْلُفُ الْهِبَةُ اسْتِحْقَاقَهُ إيَّاهُ بِالْإِتْيَانِ بِالْعَبْدِ وَمِثَالُ الْإِبْطَالِ فِيهِ أَنْ يُنَجِّزَ الطَّلَاقَ إبْطَالًا لِلتَّعْلِيقِ أَنْ يَتَّفِقَ الْجَاعِلُ وَالْمَجْعُولُ لَهُ عَلَى فَسْخِ الْجَعَالَةِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الْعَادِيَّ وَالشَّرْعِيَّ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ قَدْ يُبْطِلُ الشَّرْطِيَّةَ فِي نَحْوِ السُّلَّمِ وَالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ التَّعَذُّرِ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ أَخْلَفَ الشَّرْعُ الطَّهَارَةَ الْمَائِيَّةَ بِالتُّرَابِيَّةِ وَأَخْلَفَتْ الْعَادَةُ السُّلَّمَ بِرَفْعِ الشَّخْصِ فِي التَّابُوتِ بِآلَةِ جَذْبِ الْأَثْقَالِ وَالشَّرْطُ الْعَقْلِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ رَبْطَهُ بِمَشْرُوطِهِ ذَاتِيٌّ لَا بِالْوَضْعِ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْإِخْلَافَ وَلَا إبْطَالَ الشَّرْطِيَّةِ كَمَا