الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَذَاهِبِ وَكَذَلِكَ حَمْلُ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ تَرْكٌ لِظَاهِرِ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَيُجْتَنَبُ فِي هَذَا الْبَابِ حَمْلُ الْكُلِّ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَحَمْلُ الْكُلِّيَّةِ عَلَى بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا فَهُوَ حَمْلُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ الْخُصُوصِيَّاتِ فَهَذِهِ كُلُّهَا تَخْرِيجَاتٌ بَاطِلَةٌ بَلْ التَّخْرِيجُ الصَّحِيحُ فِي فُرُوعٍ مِنْهَا فَرْعُ الْحَضَانَةِ هَلْ تَسْتَحِقُّهُ الْأُمُّ إلَى الْإِثْغَارِ أَوْ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ يُنَاسِبُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْقَاعِدَةِ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَحَقِّيَّةِ لَهَا إمَّا غَايَةٌ مُعَيَّنَةٌ فَلَمْ يَذْكُرْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ غَيْرَ غَايَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا هِيَ وَبِحَالِهَا وَهِيَ عَدَمُ الزَّوَاجِ إمَّا غَايَةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَالِهِ هُوَ فَلَمْ يَذْكُرْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ بَلْ الْأَحَقِّيَّةُ فَقَطْ وَهِيَ تَصْدُقُ بِطَرَفَيْنِ فَأَدْنَاهُمَا الْإِثْغَارُ وَأَعْلَاهُمَا الْبُلُوغُ فَإِذَا حَمَلْنَا الْحَضَانَةَ عَلَى الْإِثْغَارِ لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِمُقْتَضَى لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَدْ وَفَيْنَا بِالْقَاعِدَةِ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ.
فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ خُولِفَتْ الْغَايَةُ الْمَقُولَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِهَا هِيَ وَهِيَ عَدَمُ الزَّوَاجِ قُلْت: مُسَلَّمٌ لَكِنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ هِيَ إشَارَةٌ إلَى الْمَانِعِ وَأَنَّ زَوَاجَهَا مَانِعٌ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَالْمَانِعُ وَعَدَمُهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْمَانِعِ إنَّمَا هُوَ وُجُودُهُ فِي الْعَدَمِ لَا عَدَمُهُ فِي الْوُجُودِ وَالتَّخْرِيجُ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا اقْتَضَاهُ اللَّفْظُ مِنْ مُوجِبِ الْحُكْمِ وَسَبَبِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ هَذَا اقْتِصَارٌ عَلَى جُزْءٍ لَا جُزْئِيٍّ إلَى قَوْلِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا تَخْرِيجَاتٌ بَاطِلَةٌ) قُلْتُ: مَضْمُونُ قَوْلِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّ فَلَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ عَلَى جُزْئِهِ وَبَيْنَ الْكُلِّيِّ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ عَلَى جُزْأَيْهِ فَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُحْمَلُ لَفْظُ الْكُلِّ عَلَى جُزْئِهِ فَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْكُلِّيَّ يُحْمَلُ عَلَى جُزْأَيْهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ عَلَى الْجُمْلَةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ خَيْرُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ وَمَنْ حَمَلَ الْكُلِّيَّ عَلَى جُزْأَيْهِ فِي هَذَا الْمِثَالِ فَقَدْ أَخْطَأَ كَمَنْ حَمَلَ الْكُلَّ عَلَى جُزْئِهِ وَإِنَّمَا حَمَلَ شِهَابَ الدَّيْنِ عَلَى تَسْوِيغِ ذَلِكَ فِي الْكُلِّيِّ دُونَ الْكُلِّ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْكُلِّيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُطْلَقُ جُزْئِيٌّ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَلِذَلِكَ جَازَ فِيهِ الْحَمْلُ عَلَى أَيِّ جُزْئِيٍّ كَانَ وَمَا قَالَهُ: مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُ حَمْلِ الْكُلِّيَّةِ عَلَى بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا صَحِيحٌ وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَصَّصًا.
قَالَ: (بَلْ التَّخْرِيجُ الصَّحِيحُ فِي فُرُوعٍ مِنْهَا فَرْعُ الْحَضَانَةِ هَلْ تَسْتَحِقُّهُ الْأُمُّ إلَى الْإِثْغَارِ أَوْ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ فَنَاسَبَ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْقَاعِدَةِ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام «أَنْتِ أَحَقُّ مَا لَمْ تَنْكِحِي» إلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فَإِذَا حَمَلْنَا الْحَضَانَةَ عَلَى الْإِثْغَارِ لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِمُقْتَضَى لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَدْ وَفَّيْنَا بِالْقَاعِدَةِ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا وَهِيَ حَمْلُ الْكُلِّيِّ عَلَى جُزْأَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمُطْلَقِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَكُونَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ وَمَا كَانَ مِنْهَا مُقْتَضِيًا ذَلِكَ احْتِمَالًا لَا نَصًّا فَهُوَ الْكُفْرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالتَّجْسِيمِ وَأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَأَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ النُّفُوذِ وَأَنَّهُ تَعَالَى فِي جِهَةٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَزِّهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ اعْتِقَادَاتِ أَرْبَابِ الْأَهْوَاءِ فَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ فِيهِمْ قَوْلَانِ بِالتَّكْفِيرِ وَعَدَمِهِ وَالتَّكْفِيرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَعَدَمُهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَفَّرَ جُمْلَةَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ تَكْفِيرَهُمْ يُلْزِمُ إبْطَالَ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُمْ أَصْلُهَا وَعَنْهُمْ أُخِذَتْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إرَادَةُ الْكُفْرِ كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ يُكْفَرُ فِيهَا بِاَللَّهِ كُفْرٌ وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا بِقَصْدِ إمَاتَةِ شَرِيعَتِهِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَمَا كَانَ مِنْهَا لَيْسَ مُقْتَضِيًا ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ إنَّمَا يَقْتَضِي الْجُرْأَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا نَهَى عَنْهُ وَعَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْكَبِيرَةُ كَقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَيُوَضِّحُ هَذَا الْفَرْقَ مَسْأَلَتَانِ.
[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ]
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْفَرْقُ بَيْنَ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ وَبَيْنَ السُّجُودِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ تَعْظِيمًا وَتَذَلُّلًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ هُوَ أَنَّ السُّجُودَ لِلْأَصْنَامِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ بَلْ لَهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ آلِهَةٌ وَأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى اقْتَضَى بِذَلِكَ الْجَهْلَ بِالرُّبُوبِيَّةِ بِخِلَافِهِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَا لِاعْتِقَادِ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ وَشُرَكَاءُ لِلَّهِ عز وجل لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ نَعَمْ لَوْ وَقَعَ مَعَ الْوَالِدِ أَوْ الْعَالَمِ أَوْ الْوَلِيِّ عَلَى وَجْهِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ إلَهٌ وَشَرِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَكَانَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا أَقْسَامٌ]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مُدَبِّرَةٌ لِلْعَالَمِ وَمُوجِدَةٌ لِمَا فِيهِ وَلَا شَيْءَ وَرَاءَهَا وَهَذَا كُفْرٌ بِلَا خَفَاءٍ، الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَاعِلَةُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْأَعْظَمُ مَعَهَا فَتَكُونُ نِسْبَتُهَا إلَى أَفْعَالِهَا كَنِسْبَةِ الْحَيَوَانِ إلَى أَفْعَالِهِ عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لِلْكَوَاكِبِ أَوْ لِلْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِعْلٌ عَلَى
وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثُّبُوتُ وَمِنْهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَيْضًا هَلْ يُمْنَعُ ذَلِكَ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِثْغَارِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مُتَيَسِّرٌ أَيْضًا حَسَنٌ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَلَى وَلَدِهَا» عَامٌّ فِي الْوَالِدَاتِ وَالْمَوْلُودِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ وَالِدَةً نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَوَلَدَهَا اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ فَيَعُمُّ وَعَامٌّ فِي الزَّمَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنْ لَا لِنَفْيِ الِاسْتِقْبَالِ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومِ وَمِنْهُ {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه: 74] فَإِنَّ ذَلِكَ يَعُمُّ الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي أَحْوَالِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ.
وَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ أَمْرًا كُلِّيًّا يَصْدُقُ فِي رُتْبَةٍ دُنْيَا وَهِيَ الْإِثْغَارُ وَرُتْبَةٍ عُلْيَا وَهِيَ الْبُلُوغُ فَإِذَا خُرِّجَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ لِأَنَّهُ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ وَلَا يُخَالِفُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ وَأَمَّا عُمُومُ لَا فَهُوَ رَاجِعٌ إلَيْنَا كَأَنَّهُ قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مِنْ زَمَنِ هَذَا الْخِطَابِ وَلَيْسَ عُمُومُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ فَلَمْ تَكُنْ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِعَدَمِ الْعُمُومِ فِي الْوَالِدَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ خَاصَّةً قَالَهُ: مَالِكٌ أَوْ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ قَالَهُ: الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ خَاصٍّ فَلَيْسَ فِي حَمْلِهِ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ مُخَالَفَةٌ لِلَّفْظِ أَلْبَتَّةَ وَلَا مِنْ وَجْهٍ مُحْتَمَلٍ بِخِلَافِ الْمِثَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِيهِمَا تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ الَّتِي اُحْتِيجَ لِلِاعْتِذَارِ عَنْهَا وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَرَامِ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (وَمِنْهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَيْضًا هَلْ يُمْنَعُ ذَلِكَ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِثْغَارِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ أَمْرًا كُلِّيًّا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ كَيْفَ وَقَدْ نَصَّ هُوَ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِذَا خُرِّجَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ لِأَنَّهُ حَمْلٌ لِلَّفْظِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ وَلَا يُخَالِفُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْكُلِّيِّ الْمَحْمُولِ عَلَى جُزْأَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُطْلَقِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْكُلِّيِّ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى جُزْأَيْهِ كَمَا سَبَقَ.
قَالَ: (وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ خَاصَّةً قَالَهُ: مَالِكٌ أَوْ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ قَالَهُ: الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ صِيغَةُ التَّنْكِيرِ دَالَّةٌ عَلَى الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ بَلْ هُوَ الْمَعْنَى الْأَخَصُّ الْمُبْهَمُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ.
قَالَ: (وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَرَامِ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْحَقِيقَةِ خَطَأٌ وَأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَمْ يَعْرِفْ قَطُّ فَرْقًا مَا بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا خَالِقَ سِوَاهُ قَالَ: تَعَالَى وَمَا رَمَيْت أَيْ حَقِيقَةً إذْ رَمَيْت أَيْ كَسْبًا {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] أَيْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ مَنْ نَسَبَ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ إلَى الْكَوَاكِبِ فَذَلِكَ كُفْرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْمُعَاصِرِينَ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ نَسَبَهُ إلَى الْإِنْسَانِ فَفِيهِ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَوْ ضَلَالَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَأَحْوَالَهَا غَائِبَةٌ عَنْ السَّفَرِ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهَا وَفَتْحِ أَبْوَابِ الْكُفْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّ التَّذَلُّلَ وَالْعُبُودِيَّةَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهِ إلَخْ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَاعِلَةٌ فِعْلًا عَادِيًا حَقِيقِيًّا وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عِنْدَهَا إذَا تَشَكَّلَتْ بِشَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي أَفْلَاكِهَا أَنْ تَكُونَ فِي أَحْوَالِهَا وَرَبَطَ الْأَسْبَابَ بِهَا كَحَالِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ فِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِاعْتِبَارِ الرَّبْطِ الْعَادِيِّ لَا الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا الْقِسْمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا إلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الِارْتِبَاطِ فَإِنَّا وَجَدْنَا الْعَادَةَ غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ فِي ذَلِكَ وَلَا هِيَ أَكْثَرِيَّةٌ غَالِبَةٌ كَالْأَدْوِيَةِ حَتَّى يَكُونَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَجَائِزًا بَلْ هُوَ كَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ عَقَارًا مُعَيَّنًا يُبْرِئُهُ مِنْ الْحُمَّى.
وَلَمْ تَدُلَّ التَّجْرِبَةُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ فَفِي الْأَصْلِ أَنَّهُ بِاسْتِقْرَاءِ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا اسْتِقْرَاءً كَامِلًا وَاسْتِقْرَاءِ رُتَبِ الْكَبَائِرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَذَلِكَ لِيُنْظَرَ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ فَيَجْعَلُهَا أَدْنَى رُتْبَةَ التَّكْفِيرِ وَمَا دُونَهَا أَدْنَى رُتْبَةَ الْكَبَائِرِ وَيُنْظَرُ فِي رُتَبِ الْكَبَائِرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إلَى أَقَلِّهَا مَفْسَدَةً فَيَجْعَلُهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَفِيهِ أَنَّ كَمَالَ اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَلْزَمُنَا اسْتِقْرَاءُ أَقْوَالِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ بِفَارِقٍ يُفَرِّقُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ فَمَا الْمَانِعُ