الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ) فَتَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ نُرِيدُ بِهِ أَنْ يُبَاشِرَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ فَيُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ مِثَالُ الْأَوَّلِ سُكْنَى الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَجَالِسُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعُ النُّسُكِ كَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَلَوْ حَاوَلَ أَنْ يُؤَاجِرَ بَيْتَ الْمَدْرَسَةِ أَوْ يُسَكِّنَ غَيْرَهُ أَوْ يُعَاوِضَ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُعَاوَضَاتِ امْتَنَعَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ الْمَذْكُورَةِ مَعَهُ وَأَمَّا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ فَكَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ اسْتَعَارَهَا فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُسَكِّنَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَيَتَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَلَكَهُ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ حَسْبَمَا تَنَاوَلَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ أَوْ أَشْهَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْعَارِيَّةِ فَمَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْعَادَةُ فِي الْعَارِيَّةِ بِمُدَّةٍ كَانَتْ لَهُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مِلْكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ يَتَصَرَّفُ كَمَا يَشَاءُ بِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ السَّائِغَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيَكُونُ تَمْلِيكُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ كَتَمْلِيكِ الرِّقَابِ. وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) النِّكَاحُ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ أَنْ يَنْتَفِعَ لَا مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَ غَيْرَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَلَيْسَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلَا لِبُضْعِ الْمَرْأَةِ بَلْ مُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ هُوَ خَاصَّةً لَا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
الْوَكَالَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَلَكَ مِنْ الْوَكِيلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْفَعَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ الِانْتِفَاعَ بِذَلِكَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ بَلْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُهْمِلَهُ أَوْ يَعْزِلَهُ فَهِيَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لِهَذَا الْفَرْقِ يُوجِبُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ نَعَمْ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ بِكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ فِيمَا بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ إنْ لَمْ تُحْمَلْ الْكَرَاهَةُ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.
وَفِي إيضَاحِ النَّوَوِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْمِيقَاتَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ غَيْرِهَا وَفِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ اهـ وَلَا يَخْفَاك أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ مِنْ حَمْلِ الْكَرَاهَةِ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِ الْأَفْضَلِ أَيْضًا بَيْنَ خِلَافِ الْأَفْضَلِ وَالْمَنْعِ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ فِي الْحَالَتَيْنِ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ يُفْضِي إلَى طُولِ زَمَانِ الْحَجِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى إفْسَادِ الْحَجِّ فَإِنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَوَّالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْإِحْلَالُ حَتَّى تُقْضَى أَيَّامُ الرَّمْيِ وَأَمَّا الْمَوَاقِيتُ الْمَكَانِيَّةُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَهَا طُولُ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى إفْسَادِهِ كَمَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرَى الْإِحْرَامَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا لَا يَرَى أَحَدٌ الْإِحْرَامَ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِهَا وَبَيْنَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ يَقُولَانِ بِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ مُعْضِلَةٌ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْبَيَانَ فِيهَا وَأَوْضَحْنَا لُبَابَهُ فِي كِتَابِ التَّلْخِيصِ وَأَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا دَائِرٌ مِنْ قَبْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ مِنْ الْحَجِّ مُخْتَصٌّ بِزَمَانِهِ وَمِعْوَلُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهُنَاكَ تَبَيَّنَ التَّرْجِيحُ بَيْنَ النَّظَرَيْنِ وَظَهَرَ أَوَّلُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ الْحَجُّ حَجُّ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ وَقَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَقْدِيرَهَا أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. اهـ.
وَكَذَلِكَ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بَيْنَ الْحَجِّ يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ يَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَيُلْزَمُ الْمُقَدِّمُ لَهُ بِإِعَادَتِهِ وَاعْتِقَادِ وُجُوبِهِ وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ أَمْرٌ مُسْتَصْحِبٌ بِحَيْثُ لَا يُزَالُ حُكْمُهُ مُنْسَحِبًا عَلَى الْحَاجِّ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ حَجِّهِ الَّتِي لَا يَتَأَتَّى فِعْلُهَا إلَّا فِي وَقْتِهِ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَصْحِبٌ كَذَلِكَ يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ وَإِحْرَامُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَيُخَصِّصُهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَلَا يُخَصِّصُهَا) اعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاضِعِ أَوْ الِاصْطِلَاحِ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهُوَ مَا وَضَعَهَا وَاضِعُ اللُّغَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَنْ أَحْدَثَ وَضْعَهَا التَّحْقِيقِيَّ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا ذَلِكَ وَمَنْ قَرَّرَهَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَالدَّابَّةِ لِكُلِّ مَا دَبَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالصَّلَاةِ لِلدُّعَاءِ وَالْفِعْلِ لِلْأَمْرِ وَالشَّأْنِ لَا لِلْحَدَثِ كَمَا يُتَوَهَّمُ الثَّانِي الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ مَا وَصَفَهَا الشَّارِعُ كَالصَّلَاةِ نَقَلَهَا الشَّارِعُ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ الثَّالِثُ الْعُرْفِيَّةُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ مَا وَضَعَهَا أَهْلُ عُرْفٍ خَاصٍّ وَهُمْ طَائِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ مَنْسُوبُونَ لِحِرْفَةٍ كَالنَّحْوِيِّينَ نَقَلُوا الْفِعْلَ مَثَلًا مِنْ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ لِلَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهِ مُقْتَرِنٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ لِاشْتِمَالِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ وَالرَّابِعُ الْعُرْفِيَّةُ الْعَامَّةُ وَهِيَ مَا وَضَعَهَا أَهْلُ الْعُرْفِ الْعَامِّ أَيْ مَا كَانَ النَّاقِلُ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ كَكَوْنِهِ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرٍ يَضْبِطُ أَهْلُهَا كَالدَّابَّةِ نَقَلَهَا الْعُرْفُ الْعَامُّ مِنْ كُلِّ
وَأَمَّا الْوَكَالَةُ بِعِوَضٍ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ فَمَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَلَهُ بَيْعُ مَا مَلَكَ وَيُمَكِّنُ مِنْهُ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
الْقِرَاضُ يَقْتَضِي عَقْدُهُ أَنَّ رَبَّ الْعَمَلِ مَلَكَ مِنْ الْعَامِلِ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَى مَا مَلَكَهُ مِنْ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُؤَاجِرَهُ مِمَّنْ أَرَادَ بَلْ يَقْتَصِرَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ عَقْدُ الْقِرَاضِ وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُغَارَسَةُ وَأَمَّا مَا مَلَكَهُ الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ فَهُوَ مِلْكُ عَيْنٍ لَا مِلْكُ مَنْفَعَةٍ وَلَا انْتِفَاعٍ وَتِلْكَ الْعَيْنُ هِيَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ رِبْحٍ فِي الْقِرَاضِ فَيَمْلِكُ نَصِيبَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
إذَا وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ عَلَى السُّكْنَى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا مَلَّكَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعَ بِالسُّكْنَى دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَهُ وَلَا يُسَكِّنَهُ وَكَذَلِكَ إذَا صَدَرَتْ صِيغَةٌ تَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الِانْتِفَاعِ أَوْ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ وَشَكَكْنَا فِي تَنَاوُلِهَا لِلْمَنْفَعَةِ قَصَرْنَا الْوَقْفَ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ وَهِيَ تَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ دُونَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ قَالَ فِي لَفْظِ الْوَقْفِ يُنْتَفَعُ بِالْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا التَّصْرِيحِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ أَوْ الْحَالِيَةِ فَإِنَّا نَقْضِي بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْقَرَائِنِ وَمَتَى حَصَلَ الشَّكُّ وَجَبَ الْقَصْرُ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَمْلَاكِ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا وَالنَّقْلُ وَالِانْتِقَالُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَمَتَى شَكَكْنَا فِي رُتَبِ الِانْتِقَالِ حَمَلْنَا عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْمِلْكِ السَّابِقِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ فِي الْمَذْهَبِ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَقَدْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ تَسْوِيغُ الِانْتِفَاعِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ كَأَهْلِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ إنْزَالُ الضَّيْفِ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِذَلِكَ فَدَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ يَسْمَحُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُدَّةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ وَخَصَّهَا بِذَاتِ الْحَوَافِرِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ بِالْفَرَسِ وَأَهْلِ مِصْرَ بِالْحِمَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِشَخْصِ النَّاقِلِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ وَهَلْ اتِّفَاقُ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِلَّفْظِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ أَوْ فِي مَعْنًى مُنَاسِبٍ لِلْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ حَتَّى يَصِيرُ الْأَصْلُ مَهْجُورًا هُوَ نَفْسُ النَّقْلِ نَظَرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُحَقَّقُ فِي مُسَمَّى الْمَنْقُولِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُودِ نَقْلٍ مَقْصُودٍ أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ خِلَافٌ.
ثُمَّ النَّقْلُ قِيلَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ لَا كَمَا فِي ابْنِ يَعْقُوبَ عَلَى التَّلْخِيصِ بِزِيَادَةٍ مِنْ الدُّسُوقِيِّ والأنبابي وَهَذَا الْقِسْمُ الرَّابِعُ هُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ فِي الْمُفْرَدَاتِ نَحْوَ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ فِي الْفَرَسِ أَوْ الْحِمَارِ كَمَا مَرَّ وَنَحْوَ قَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا فَإِنَّ قَتَلَ فِي اللُّغَةِ لِإِذْهَابِ الرُّوحِ وَفِي عُرْفِ مِصْرَ وَالْحِجَازِ لِلضَّرْبِ الشَّدِيدِ خَاصَّةً
وَالثَّانِي مَا يَكُونُ فِي الْمُرَكَّبَاتِ وَهُوَ أَدَقُّهَا عَلَى الْفَهْمِ وَأَبْعَدُهَا عَنْ التَّفَطُّنِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَكُونَ شَأْنُ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ تَرْكِيبَ لَفْظٍ مَعَ لَفْظٍ ثُمَّ يَشْتَهِرُ فِي الْعُرْفِ تَرْكِيبُهُ مَعَ غَيْرِهِ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] وقَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَلَا وَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» وَهَكَذَا جَمِيعُ مَا يَرِدُ فِي الْعُرْفِ مِنْ الْأَحْكَامِ مُرَكَّبًا مِنْ الذَّوَاتِ فَإِنَّهُ وَضَعَهُ الْعُرْفُ لِلتَّعْبِيرِ عَنْ حُكْمِ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تَحْسُنُ فِي اللُّغَةِ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَّا لَهَا دُونَ الذَّوَاتِ كَالْأَكْلِ لِلْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَمْوَالِ وَالشُّرْبِ لِلْخَمْرِ وَالِاسْتِمْتَاعِ لِلْأُمَّهَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ وَالسَّفْكِ لِلدِّمَاءِ وَالثَّلْبِ لِلْأَعْرَاضِ وَمِنْهَا الرَّأْسُ مَعَ لَفْظِ الْأَكْلِ كَيْفَمَا كَانَ نَحْوَ أَكَلْت رَأْسًا خَصَّهُ الْعُرْفُ بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ بِخِلَافِهِ مَعَ رَأَيْت وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ نَحْوَ رَأَيْت رَأْسًا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ الرُّءُوسِ وَمِنْهَا وَضْعُ الْعُرْفِ عَصْرَ الْخَمْرِ فِي قَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَعْصِرُ الْخَمْرَ لِعَصْرِ الْعِنَبِ فَلَا يُقَدِّرُونَ مُضَافًا وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ إلَّا بِمُضَافٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فُلَانٌ يَعْصِرُ عِنَبَ الْخَمْرِ أَوْ يُجْعَلُ الْخَمْرُ مَجَازًا فِي الْعِنَبِ مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ.
وَمِنْهَا وَضْعُ الْعُرْفِ نَحْوَ الْقَتِيلِ مَعَ قَتَلَ فِي قَوْلِهِمْ قَتَلَ فُلَانٌ قَتِيلًا لِقَتْلِ الْحَيِّ وَنَحْوَ الدَّقِيقِ مَعَ طَحَنَ فِي قَوْلِهِمْ طَحَنَ فُلَانٌ دَقِيقًا لِطَحْنِ الْقَمْحِ فَلَا يُقَدِّرُونَ مُضَافًا وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ إلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ قُتِلَ جَسَدُ قَتِيلٍ أَوْ طُحِنَ قَمْحُ دَقِيقٍ أَوْ بِجَعْلِ فَعِيلًا مَجَازًا مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ وَأَمَّا الْعُرْفُ الْفِعْلِيُّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى ذِي أَنْوَاعٍ وَيَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ فَقَطْ كَالثَّوْبِ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ مِنْ أَنْوَاعِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي لُبْسِهِمْ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ وَكَالْخُبْزِ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى خُبْزِ الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْبُرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي أَغْذِيَتِهِمْ خُبْزَ الْبُرِّ دُونَ مَا عَدَاهُ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ يُقْضَى بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً وَبِغَيْرِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ لَا يُقْضَى بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً هُوَ أَنَّ الْعُرْفَ
الْكَثِيرَةِ لَا تَجُوزُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْكُنَ بَيْتًا مِنْ الْمَدْرَسَةِ دَائِمًا وَلَا مُدَّةً طَوِيلَةً فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِي ذَلِكَ بِتَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ عَمَدَ أَحَدٌ لِإِيجَارِ بَيْتِ الْمُدَرِّسَةِ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ جَعَلَ بَيْتًا فِي الْمَدْرَسَةِ لِخَزْنِ الْقَمْحِ أَوْ غَيْرِهِ دَائِمًا أَوْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ امْتَنَعَ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَادَةَ شَهِدَتْ وَأَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ عَلَى أَنَّ الْبُيُوتَ وَقْفٌ عَلَى السُّكْنَى فَقَطْ فَإِنْ وُضِعَ فِيهَا مَا يُخْزَنُ الزَّمَانَ الْيَسِيرَ جَازَ كَإِنْزَالِ الضَّيْفِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يُوقَفُ مِنْ الصَّهَارِيجِ لِلْمَاءِ وَالشُّرْبِ فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِكِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِلنَّاسِ وَلَا صَرْفُهُ لِنَفْسِهِ فِي وُجُوهٍ غَرِيبَةٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهَا كَالصَّبْغِ وَبَيَاضِ الْكَتَّانِ بِأَنْ يَكُونَ صَبَّاغًا مُبَيِّضًا لِلْكَتَّانِ فَيَصْرِفُ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي الصَّبْغِ وَالْبَيَاضِ دَائِمًا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَأَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِلشُّرْبِ فَقَطْ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّبْغُ الْيَسِيرُ وَالْبَيَاضُ الْيَسِيرُ وَنَحْوُهُ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إطْعَامُ الضَّيْفِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يُمَلِّكُهُ غَيْرَهُ بَلْ يَأْكُلُهُ هُوَ خَاصَّةً عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ وَلَهُ إطْعَامُ الْهِرِّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا لِشَهَادَةِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحُصْرُ الْمَوْضُوعَةُ فِي الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالْبُسُطُ الْمَفْرُوشَةُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ لَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّخِذَهَا غِطَاءً بَلْ لَا تُسْتَعْمَلُ الْأَوْطَاءُ فَقَطْ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَأَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ شَهِدَتْ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ لِلِاسْتِصْبَاحِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَعَامِ الضَّيْفِ فَهَذِهِ الْأَعْيَانُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ الْمَنَافِعِ بَلْ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ وَلَكِنَّ التَّمْلِيكَ فِيهَا مَقْصُورٌ عَلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ بِشَهَادَةِ الْعَوَائِدِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ أَمْلَاكِ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْمَوْقُوفِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِقَالِهِ عَنْ أَمْلَاكِهِمْ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا يَقَعُ لَك مِنْهَا وَاحْمِلْ مَسَائِلَ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ عَلَى بَابِهَا وَمَسَائِلَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى بَابِهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَوْلِيَّ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ لِلَّفْظِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ أَوْ فِي مَعْنًى مُنَاسِبٍ لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَصِيرَ الْأَصْلُ مَهْجُورًا كَمَا عَرَفْت كَانَ نَاسِخًا لِلُّغَةِ وَالنَّاسِخُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْسُوخِ وَأَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ مُسَمَّى اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ فِي عَوَائِدِهِمْ دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِهِ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ مُسْتَعْمَلًا فِي مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لَهُ بِنَقْلٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ نَاسِخًا لِلُّغَةِ حَتَّى يُقَدَّمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ نَاسِخًا عَلَى الْمَنْسُوخِ وَبِالْجُمْلَةِ فَغَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْمُسَمَّى فِي غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ نَاسِخًا يُخِلُّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ تَخْصِيصًا وَتَقْيِيدًا وَإِبْطَالًا وَتَرْكُ مُبَاشَرَةِ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِنَاسِخٍ لَا يُخِلُّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ تَخْصِيصًا وَلَا تَقْيِيدًا وَلَا إبْطَالًا فَلِذَا حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَا يُؤَثِّرُ بِخِلَافِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَقَدْ حَاوَلَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ نَقَلَ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ مَثَلًا عَنْهُ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ نَاسِخًا لِلُّغَةِ حَتَّى يُنَافِيَ الْإِجْمَاعَ بَلْ هُوَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ التَّخْصِيصُ وَالتَّقْيِيدُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ بِسَاطِ الْحَالِ وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ بِبِسَاطِ الْحَالِ ثُمَّ بِالْعُرْفِ ثُمَّ بِاللُّغَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ بِأَنْصَافِ هَذَا وَمُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ أَمْرَانِ
الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ نَحْوَ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الْحِمَارِ مَجَازًا لُغَةً وَحَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَالثَّانِي تَقْدِيمُ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ عَلَى اللُّغَوِيِّ لِكَوْنِهِ نَاسِخًا لَهُ وَيُنَافِي الْأَوَّلَ قَوْلُ ابْنِ كَمَالِ بَاشَا فِي حَاشِيَةِ التَّلْوِيحِ إنَّ زَيْدًا إذَا اُعْتُبِرَ لَا بِخُصُوصِهِ لَا يَصِحُّ عَنْهُ سَلْبُ الْإِنْسَانِ لَا لُغَةً وَلَا بِحَسْبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا بِلَا اشْتِبَاهٍ.
وَإِذَا اُعْتُبِرَ بِخُصُوصِهِ يَصِحُّ سَلْبُ الْإِنْسَانِ عَنْهُ لُغَةً وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ سَلْبُهُ عَنْهُ بِحَسْبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَجَازًا أَيْضًا لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صِحَّةَ السَّلْبِ لَا بِحَسْبِ اللُّغَةِ فَقَطْ بَلْ بِحَسْبِ نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْضًا عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَمُوجِبُ هَذَا التَّحْقِيقِ أَنْ لَا يَكُونَ ذِكْرُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ لَامُ التَّعْلِيلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْمَ الْكُلِّيِّ إنَّمَا وُضِعَ لِأَجْلِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْجُزْئِيِّ وَعَلَّلَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمَجَازَ هُوَ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا وَالْجُزْئِيُّ لَيْسَ غَيْرَ الْكُلِّيِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَهُ نَعَمْ هَذَا التَّحْقِيقُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْخَاصِّ حَقِيقَةً إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْعَامِّ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ وَمَجَازًا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْعِلْمِ فِيهِ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ كَوْنُ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ فِي الْفَرَسِ أَوْ فِي الْحِمَارِ مَجَازًا لُغَةً وَحَقِيقَةً عُرْفِيَّةً سِيَّمَا فِي نَحْوِ قَوْلِك رَأَيْت دَابَّةَ زَيْدٍ أَوْ رَبَطْت أَوْ عَلَفْتُ الدَّابَّةَ إذْ الرُّؤْيَةُ وَالرَّبْطُ وَالْعَلْفُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْفَرْدِ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا بِالْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِذَلِكَ.
وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا عُمُومُهُ بَدَلِيٌّ أَمَّا مَا عُمُومُهُ شُمُولِيٌّ كَالْقَوْمِ وَالنَّاسِ فَإِنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ نَحْوَ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] أُرِيدَ بِالنَّاسِ الْأُوَلِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ وَبَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنَّفْيِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَطْلَقُوا فِي كُتُبِهِمْ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَحَكَوْا فِيهِ الْخِلَافَ مُطْلَقًا وَجَعَلُوا أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ يُفْضِي إلَى الْعَمَلِ بِالدَّلِيلَيْنِ دَلِيلِ الْإِطْلَاقِ وَدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَأَنَّ عَدَمَ الْحَمْلِ يُفْضِي إلَى إلْغَاءِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى التَّقْيِيدِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هُمَا قَاعِدَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إذَا قَالَ اعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ فَمَدْلُولُ قَوْلِهِ رَقَبَةٌ كُلِّيٌّ وَحَقِيقَةٌ مُشْتَرَكٌ فِيهَا بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ وَتَصْدُقُ بِأَيِّ فَرْدٍ وَقَعَ مِنْهَا فَمَنْ أَعْتَقَ سَعِيدًا فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَوَفَّى مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ فَإِذَا أَعْتَقْنَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَقَدْ وَفَّيْنَا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَفْهُومُ الرَّقَبَةِ وَبِمُقْتَضَى التَّقْيِيدِ وَهُوَ وَصْفُ الْأَيْمَانِ فَكُنَّا جَامِعِينَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَهَذَا كَلَامٌ حَقٌّ أَمَّا إذَا وَرَدَ أَمْرُ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ وَبَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنَّفْيِ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا كَلَامُ حَقٌّ) قُلْت فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فَمَدْلُولُ قَوْلِهِ (رَقَبَةً) كُلِّيٌّ وَحَقِيقَةٌ مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ مَدْلُولُ لَفْظِ رَقَبَةً مُطْلَقٌ لَا كُلِّيٌّ وَالْمُطْلَقُ إنَّمَا هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةِ وَالْكُلِّيُّ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْوَاقِعُ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِإِثْبَاتِ الْحَقَائِقِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ بِأَيِّ فَرْدٍ مِنْهَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِذَا أَوْقَع وَاحِدًا أَيْ وَاحِدٌ كَانَ مِمَّا فِيهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ أَجْزَأَ وَالْوُجُودُ اقْتَضَى التَّعْيِينَ لَا الْوُجُوبَ قَالَ (أَمَّا إذَا وَرَدَ، أَمَرَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَبِالثَّانِي أَبُو يُوسُفَ وَأَصْحَابُهُ فَهُوَ مَجَازٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ عُمُومَهُ الْمَوْضُوعَ لَهُ لَمْ يَرِدْ تَنَاوُلًا وَلَا حُكْمًا وَإِنْ كَانَ مَخْصُوصًا كَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ تَبَعًا لِوَالِدِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ نَظَرًا لِإِرَادَةِ عُمُومِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ تَنَاوُلًا.
وَإِنْ لَمْ يَرِدْ حُكْمًا وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا كَمَا بُسِطَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ وَعَلَيْهِ فَيَتَّحِدُ الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ وَيُنَافِي الثَّانِيَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مَا لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ إذْ قَضِيَّتُهُ تَأَخُّرُ الْعُرْفِ عَنْ اللُّغَةِ نَعَمْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ مَا إذَا تَعَارَضَ مَعْنَى اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَدُّهُ فِي اللُّغَةِ وَلِهَذَا قَالُوا كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَمْ يَقُولُوا مَعْنًى اهـ فَافْهَمْ أَفَادَ جَمِيعَ هَذَا الْعَطَّارُ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادٍ مِنْ الدُّسُوقِيِّ والأنبابي عَلَى مُخْتَصَرِ الْمَعَانِي
(وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا فَرَضْنَا مَلِكًا أَعْجَمِيًّا يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَيَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا لِثِقَلِهَا عَلَيْهِ فَلَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الْخُبْزِ وَالثَّوْبِ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ فِي غِذَائِهِ وَلُبْسِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ وَلَا يَلْبَسَ إلَّا ثِيَابَ الْقُطْنِ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلَا يَأْكُلُ خُبْزًا كَانَ اقْتِصَارُهُ عَلَى أَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ ثِيَابِ الْقُطْنِ مُقَيِّدًا لِمُطْلَقِ لَفْظِهِ فَلَا نُحَنِّثُهُ إلَّا بِأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ ثِيَابِ الْقُطْنِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ عُرْفَهُ الْفِعْلِيَّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مِنْ قَبِيلِ بِسَاطِ الْحَالِ وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ بِبِسَاطِ الْحَالِ ثُمَّ بِالْعُرْفِ.
ثُمَّ بِاللُّغَةِ كَمَا مَرَّ فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ اسْتِعْمَالَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِعَدَمِ ثِقَلِهَا عَلَيْهِ لَكَانَ طُولَ أَيَّامِهِ يَقُولُ أَكَلْت خُبْزًا وَلَبِسْت الثَّوْبَ وَأْتُونِي بِخُبْزٍ وَعَجِّلُوا بِالْخُبْزِ وَالْخُبْزُ عَلَى الْمَائِدَةِ قَلِيلٌ وَأْتُونِي بِالثَّوْبِ وَعَجِّلُوا بِالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُ فِي هَذَا النُّطْقِ كُلِّهِ إلَّا ثَوْبَ الْقُطْنِ وَخُبْزَ الشَّعِيرِ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِمَا لَصَارَ لَهُ فِي لَفْظَيْ الْخُبْزِ وَالثَّوْبِ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ فَلَا نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَثِيَابِ الْقُطْنِ أَيْضًا لَكِنْ لَا مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْأُولَى بَلْ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْعُرْفِ النَّاسِخِ لِلُّغَةِ حِينَئِذٍ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا خِلَافَ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي أَنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَةِ إذَا وُجِدَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُءُوسًا فَقَالَ الْأَوَّلُ يَحْنَثُ بِجَمِيعِ الرُّءُوسِ وَقَالَ الثَّانِي لَا يَحْنَثُ إلَّا بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُدْرَكَ أَشْهَبَ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ قَدْ نَقَلُوا هَذَا اللَّفْظَ الْمُرَكَّبَ أَعْنِي أَكَلْت رُءُوسًا لِأَكْلِ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الرُّءُوسِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ فِي هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الرُّءُوسِ وَمُدْرَكَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ وَإِنْ سَلِمَ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ فِي هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَصَلَ إلَى غَايَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّقْلِ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ قَدْ تَقْصُرُ عَنْ النَّقْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ اسْتِعْمَالًا مُثِيرًا وَلَمْ يَصِلْ ذَلِكَ إلَى حَدِّ النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَضَابِطُ النَّقْلِ أَنْ يَصِيرَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَبَادَرُ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى الْقَرِينَةِ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِ الْمَنَاطِ هُنَا وَعَدَمِ وُجُودِهِ.
وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ
كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» فَمَنْ قَصَدَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَمْلَ الْمُطْلَقِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَقَدْ فَاتَهُ الصَّوَابُ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَمْلَ هُنَا يُوجِبُ أَنَّ الْمُقَيَّدَ خَصَّصَ الْمُطْلَقَ وَأَخْرَجَ مِنْهُ جَمِيعَ الْأَغْنَامِ الْمَعْلُوفَةِ وَالْعُمُومُ يَتَقَاضَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهَا فَلَيْسَ جَامِعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ تَارِكًا لِمُقْتَضَى الْعُمُومِ وَحَامِلًا لَهُ عَلَى التَّخْصِيصِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِ التَّخْصِيصِ فَلَا يَكُونُ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مَوْجُودًا هَهُنَا وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ دَلِيلِ الْإِطْلَاقِ وَدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَمَنْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِدُونِ مُوجِبِهِ وَدَلِيلِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ بَلْ هَذَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُنَافِي الْكُلَّ أَوْ مِنْ قَاعِدَةِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ الْحَاصِلِ مِنْ قَيْدِ السَّوْمِ وَفِيهِ خِلَافٌ.
أَمَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَلَا لِأَنَّهُ كُلِّيَّةٌ وَلَفْظٌ عَامٌّ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ فِي الْكُلِّيِّ الْمُطْلَقِ لَا فِي الْكُلِّيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَوْ قَالَ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً كَافِرَةً كَانَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ كَالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَيَكُونُ اللَّفْظُ الثَّانِي لَوْ حَمَلْنَا الْأَوَّلَ عَلَيْهِ مُخَصِّصًا لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» فَمَنْ قَصَدَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَمْلَ الْمُطْلَقِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَقَدْ فَاتَهُ الصَّوَابُ إلَى قَوْلِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الشُّرَّاحِ وَالْفُقَهَاءِ إذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ يَأْكُلُونَ رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا اهـ مَحْمُولٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّى اللَّفْظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفِعْلِيِّ مِنْ جِنْسِ الْبِسَاطِ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَشْهُورُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ فَحَنِثَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعِتْقُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الرَّقِيقِ وَإِنْ كَثُرُوا وَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَفِي كَوْنِهِ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا خِلَافٌ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا الرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَلَا تَرْبِيَةُ الْيَتَامَى وَلَا كُسْوَةُ الْعَرَايَا وَلَا إطْعَامُ الْجِيَاعِ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْقُرُبَاتِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلَاحَظُوا مَا غَلَبَ الْحَلِفُ بِهِ فِي الْعُرْفِ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي صَارَتْ تُسَمَّى كُلُّهَا فِي الْعُرْفِ أَيْمَانًا.
وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَسَمُ فَقَطْ وَلَمْ يُلَاحِظُوا أَنَّ عَادَتَهُمْ يَفْعَلُونَ مُسَمَّيَاتِهَا وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ أَوْ يَحُجُّونَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ نَظَرًا لِلْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ تَقْدِيمُ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ وَعَدَمُ تَقْدِيمِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ.
فَلِذَا صَرَّحُوا وَقَالُوا مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلِفِ بِصَوْمٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَنَةٍ فَجَعَلُوا الْمُدْرَكَ الْحَلِفَ اللَّفْظِيَّ دُونَ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ فِي وَقْتٍ آخَرَ اشْتِهَارُ حَلِفِهِمْ بِنَذْرِهِمْ الِاعْتِكَافَ وَالرِّبَاطَ وَإِطْعَامَ الْجِيعَانِ وَكُسْوَةَ الْعُرْيَانِ وَبِنَاءَ الْمَسَاجِدِ دُونَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَكَانَ اللَّازِمُ لِهَذَا الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ الِاعْتِكَافَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ دُونَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ وَتَبْطُلُ مَعَهَا إذَا بَطَلَتْ كَالنُّقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُيُوبِ فِي الْأَغْرَاضِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فِي النَّقْدِ وَالسِّكَّةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى حُمِلَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى السِّكَّةِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ الْعَادَةُ بِهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ عَيْبًا فِي الثِّيَابِ فِي عَادَةٍ رَدَدْنَا بِهِ الْمَبِيعَ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ وَصَارَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا مُوجِبًا لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ لَمْ نَرُدَّ بِهِ وَبِهَذَا الْقَانُونِ تُعْتَبَرُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ وَهُوَ تَحْقِيقٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ نَعَمْ قَدْ يَقَعُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي تَحْقِيقِهِ هَلْ وُجِدَ أَمْ لَا.
قَالَ الْأَصْلُ وَعُرْفُنَا الْيَوْمَ لَيْسَ فِيهِ الْحَلِفُ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا بِمِصْرَ يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْفُتْيَا بِهِ وَعَادَتُهُمْ يَقُولُونَ عَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَمَالِي صَدَقَةٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَتَلْزَمُ هَذِهِ الْأُمُورُ.
وَعَلَى هَذَا الْقَانُونَ تُرِكَ الْفَتَاوَى عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ فَمَهْمَا تَجَدَّدَ فِي الْعُرْفِ اعْتَبِرْهُ وَمَهْمَا سَقَطَ أَسْقِطْهُ وَلَا تَجْمُدْ عَلَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك بَلْ إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك لَا تَجْرِهِ عَلَى عُرْفِ بَلَدِك وَاسْأَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ وَأَجْرِهِ عَلَيْهِ وَأَفْتِهِ بِهِ دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَدُونَ الْمُقَرَّرِ فِي كُتُبِك فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ.
وَالْجُمُودُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِد عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ أَيْمَانُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَجَمِيعِ الصَّرَائِحِ وَالْكِنَايَاتِ فَقَدْ يَصِيرُ الصَّرِيحُ كِنَايَةً فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَةُ صَرِيحًا فَتَسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ اهـ وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ عُلَيْشٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَا دَخَلَ دَارَ فُلَانٍ