الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّجِسَ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ النَّجَاسَةِ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَفْسَدَةِ الْحَرِيرِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ وَالْمُنَافَاةُ حَاصِلَةً لَكِنْ لِأَمْرٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْحَرِيرِ لَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الشَّيْءِ تَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَمَفْسَدَةُ غَيْرِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اعْتِنَاءَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِمَا تَعُمُّ مَفْسَدَتُهُ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ أَقْوَى وَأَنَّ الْمَفْسَدَةَ أَعْظَمُ وَالْقَاعِدَةُ إذَا تَعَارَضَتْ الْمَفْسَدَةُ الدُّنْيَا وَالْمَفْسَدَةُ الْعُلْيَا فَإِنَّا نَدْفَعُ الْعُلْيَا بِالْتِزَامِ الدُّنْيَا كَمَا نَقْطَعُ الْيَدَ الْمُتَآكِلَةَ لِبَقَاءِ النَّفْسِ لِأَنَّ مَفْسَدَتَهَا أَعْظَمُ وَأَشْمَلُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا مَفْسَدَةُ الْحَرِيرِ أَعْظَمُ وَأَشْمَلُ فَكَانَ اجْتِنَابُهُ أَوْلَى مِنْ اجْتِنَابِ النَّجِسِ قُلْت نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا كَانَتْ أَعْظَمَ وَأَشْمَلَ تَكُونُ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ لَكِنَّ ذَلِكَ حَيْثُ تَكُونُ الْمَفْسَدَةُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الْحَالِ بَلْ هِيَ فِي تِلْكَ الْحَقَائِقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِخُصُوصِ الْحَالِ فَنَمْنَعُ تَقْدِيمَ الْأَعَمِّ وَالْأَشْمَلِ عَلَيْهَا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَتَجَاوَزَ بِهَا تِلْكَ الْبَلْدَةَ مُتَعَدِّيًا فَإِنَّ لِرَبِّهَا تَضْمِينَهُ الدَّابَّةَ وَإِنْ رَدَّهَا سَالِمَةً وَالْغَاصِبُ إذَا تَعَدَّى بِالْغَصْبِ فِي الدَّابَّةِ وَرَدَّهَا سَالِمَةً لَا يَكُونُ لِرَبِّهَا تَضْمِينَهُ إجْمَاعًا وَغَايَةُ هَذَا الْمُتَعَدِّي أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ وَالْغَاصِبُ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَضْمَنُ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُتَعَدِّي وَرَامَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ تَخْرِيجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِأَنْ قَالَ النَّهْيُ عَنْ الْغَصْبِ نَهْيٌ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةٍ وَلَا بِعَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ وَهَاهُنَا فِي هَذَا الْمُتَعَدِّي وُجِدَ نَهْيٌ خَاصٌّ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ لَمَّا آجَرَهُ إلَى الْغَايَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَحَدَّدَ لَهُ الْغَايَةَ فَقَدْ نَهَاهُ أَنْ يُجَاوِزَهَا فَالزَّائِدُ عَلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِيهِ نَهْيٌ يَخُصُّهُ وَيَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ هَذِهِ الدَّابَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِهَذِهِ الْغَايَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ بِالْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ عَامٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْحَالَةِ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ مَعَ الرَّدِّ أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمُتَعَدِّي مَعَ الرَّدِّ لِقُوَّةِ النَّهْيِ فِي حَقِّهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَسْئِلَةٌ أَحَدُهَا أَنَّ الْقَاعِدَةَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ وَنَهْيِ الْعَبْدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فِي غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِنْ صَحِبَهُ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْغَايَةِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» فَاسْتَثْنَى حَالَةَ الطِّيبِ عَنْ النَّهْيِ الْعَامِّ وَبَقِيَ مَا عَدَا حَالَةَ طِيبِ النَّفْسِ مُنْدَرِجًا تَحْتَ النَّهْيِ الْعَامِّ إلَّا أَنَّ نَهْيَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْغَايَةِ هُوَ عَيْنُ نَهْيِ الْغَصْبِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ الْعَامُّ وَهَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُورَةٍ فَتَخَيُّلُ تَعَارُضِ نَهْيَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ بَاطِلٌ فَافْهَمْ
الْوَجْهُ الثَّالِثُ إنَّا إذَا قِسْنَا تَرْكَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى تَرْكِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْغَصْبِ كَانَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَوْ قِسْنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْحَرِيرَ عَلَى النَّجِسِ أَوْ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ فَتَرَكَ الْجَمِيعَ أَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِ الْمُحْرِمِ بِالْجُوعِ وَبَقَاءِ الْمُصَلِّي عُرْيَانًا وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ تُعَارِضُنَا فِي قِيَاسِنَا وَتَمْنَعُ مِنْهُ فَكَيْفَ نُسَوِّي بَيْنَ مَوْضِعٍ لَا مُعَارِضَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مُعَارِضٌ أَقْوَى مِنْهُ أَوْ قَادِحٌ فِيهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِر]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ)
وَتَحْرِيرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ وُجُوهٍ
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الزَّوَاجِرَ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَالْجَوَابِرُ مَشْرُوعَةٌ لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصَالِحِ الْفَائِتَةِ
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مُعْظَمَ الزَّوَاجِرِ عَلَى الْعُصَاةِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَزَجْرًا لِمَنْ يَقْدُمُ بَعْدَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ تَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِصْيَانِ كَمَا فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّا نَزْجُرُهُمْ وَنُؤَدِّبُهُمْ لَا لِعِصْيَانِهِمْ بَلْ لِدَرْءِ مَفَاسِدِهِمْ وَاسْتِصْلَاحِهِمْ وَكَمَا فِي الْبَهَائِمِ وَكَقِتَالِ الْبُغَاةِ دَرْءًا لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَمُعْظَمُ الْجَوَابِرِ عَلَى مَنْ لَا يَكُونُ آثِمًا فَقَدْ شَرَعَ الْجَابِرَ مَعَ الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ وَالْعِلْمِ وَالنِّسْيَانِ وَالذِّكْرِ وَعَلَى الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ
الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ مُعْظَمَ الزَّوَاجِرِ إمَّا حُدُودٌ مُقَدَّرَةٌ وَإِمَّا تَعْزِيرَاتٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ بَلْ يَفْعَلُهَا الْأَئِمَّةُ بِهِمْ وَإِنَّمَا الْجَوَابِرُ فِعْلٌ لِمَنْ خُوطِبَ بِهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَشَاقِّ تَحَمُّلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا أَوْ هِيَ جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّاتٍ وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَاجِرًا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ قُرُبَاتٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ كَمَا عَلِمْت
الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْجَوَابِرَ تَقَعُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الزَّوَاجِرِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَقَعُ فِي الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي لَهَا حُدُودٌ مَشْرُوعَةٌ خَمْسٌ
أَحَدُهَا جِنَايَاتٌ عَلَى الْأَبْدَانِ أَوْ النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْمُسَمَّى قَتْلًا وَجُرْحًا
وَثَانِيهَا جِنَايَاتٌ عَلَى الْفُرُوجِ وَهُوَ الْمُسَمَّى زِنًا وَسِفَاحًا
وَثَالِثُهَا جِنَايَاتٌ عَلَى الْأَمْوَالِ وَهَذِهِ مَا كَانَ مِنْهَا مَأْخُوذًا بِحِرَابٍ سُمِّيَ حِرَابَةً إذَا كَانَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ سُمِّيَ بَغْيًا وَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْخُوذًا عَلَى وَجْهِ الْمُعَافَصَةِ مِنْ حِرْزٍ يُسَمَّى سَرِقَةً وَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْخُوذًا بِعُلُوِّ مَرْتَبَةٍ وَقُوَّةِ سُلْطَانٍ سُمِّيَ غَصْبًا وَرَابِعُهَا جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَهِيَ الْمُسَمَّى قَذْفًا
وَخَامِسُهَا جِنَايَاتٌ بِالتَّعَدِّي عَلَى اسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَهَذِهِ إنَّمَا يُوجَدُ فِيهَا حَدٌّ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي الْخَمْرِ فَقَطْ وَهُوَ حَدٌّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَعْدَ صَاحِبِ الشَّرْعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - اهـ
إنَّمَا هِيَ فِي التَّعَارُضِ وَلَمْ يَقَعْ هَاهُنَا تَعَارُضٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ نَهْيُ الْغَصْبِ وَنَهْيُ التَّعَدِّي وَقَدَّمَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ انْفَرَدَ نَهْيُ الْمُتَعَدِّي وَحْدَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَثَانِيهَا أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ هَاهُنَا نَهْيُ آدَمِيٍّ وَالنَّهْيُ الْعَامُّ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُرَجَّحُ نَهْيُ الْآدَمِيِّ لِخُصُوصِهِ عَلَى نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عُمُومِهِ بَلْ لَا اعْتِبَارَ بِنَهْيِ الْعَبْدِ أَصْلًا وَإِنَّمَا تَنْبَنِي الشَّرَائِعُ عَلَى نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ.
فَإِنْ قُلْت إذَا نُهِيَ الْعَبْدُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فِي غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّ نَهْيَ اللَّهِ يَصْحَبُهُ فِي تِلْكَ الْغَايَةِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَنَحْنُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا رَجَّحْنَا بَيْنَ نَهْيَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى أَحَدُهُمَا خَاصٌّ وَالْآخَرُ عَامٌّ قُلْت هَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ النَّهْيَ الَّذِي صَحِبَ نَهْيَ الْعَبْدِ هَاهُنَا هُوَ نَهْيٌ عَامٌّ وَهُوَ نَهْيُ الْغَصْبِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الِانْتِفَاعَ بِالْأَمْلَاكِ وَالْأَمْوَالِ إلَّا بِرِضَا أَرْبَابِهَا فَأَيُّ حَالَةٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا الرِّضَا يَكُونُ ذَلِكَ النَّهْيُ مُتَحَقِّقًا فَيَكُونُ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْغَايَةِ هُوَ ذَلِكَ النَّهْيُ الْعَامُّ الَّذِي اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ حَالَةُ الرِّضَا دُونَ غَيْرِهَا وَهَذَا هُوَ عَيْنُ نَهْيِ الْغَصْبِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ الْعَامُّ وَهَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِهِ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ عليه السلام «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَاسْتَثْنَى حَالَةَ الطِّيبِ عَنْ النَّهْيِ الْعَامِّ وَبَقِيَ مَا عَدَا حَالَةَ طِيبِ النَّفْسِ مُنْدَرِجًا تَحْتَ النَّهْيِ الْعَامِّ وَهُوَ بِعَيْنِهِ نَهْيُ الْغَصْبِ فَظَهَرَ أَنَّ التَّخَيُّلَ الَّذِي قَالَهُ مِنْ تَعَارُضِ نَهْيَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ بَاطِلٍ وَثَالِثُهَا إذَا قِسْنَا تَرْكَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى تَرْكِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْغَصْبِ كَانَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَوْ قِسْنَا هُنَالِكَ الْحَرِيرَ عَلَى الْجِنْسِ أَوْ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ فَتَرْكُ الْجَمِيعِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِ الْمُحْرِمِ بِالْجُوعِ وَبَقَاءِ الْمُصَلِّي عُرْيَانًا وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ تُعَارِضُنَا فِي قِيَاسِنَا وَتَمْنَعُ مِنْهُ فَكَيْفَ نُسَوِّي بَيْنَ مَوْضِعٍ لَا مُعَارِضَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مُعَارِضٌ أَقْوَى مِنْهُ أَوْ قَادِحٌ فِيهِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ لِلْإِصْلَاحِ فَجَوَابِرُ الْعِبَادَاتِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ وَسُجُودِ السَّهْوِ لِلسُّنَنِ وَجِهَةِ السَّفَرِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْكَعْبَةِ وَجِهَةِ الْعَدُوِّ فِي الْخَوْفِ مَعَ الْكَعْبَةِ إذَا أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا فَاتَهُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِالْإِعَادَةِ فِي جَمَاعَةٍ وَأَخْذِ النَّقْدَيْنِ مَعَ دُونِ السِّنِّ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ أَوْ زِيَادَةِ السِّنِّ فِي ابْنِ اللَّبُونِ مَعَ وَصْفِ الْأُنُوثَةِ الْفَائِتِ فِي بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْإِطْعَامِ لِمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَنْ سَنَتِهِ إلَى بَعْدَ شَعْبَانَ أَوْ لَمْ يَصُمْ لِعَجْزِهِ وَالصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ وَالنُّسُكُ فِي حَقِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوْ الدَّمِ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ أَوْ التَّلْبِيَةِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ مَا عَدَا الْأَرْكَانَ أَوْ الْعَمَلَ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ وَجَبْرُ الدَّمِ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ وَسَبْعَةٍ فِي غَيْرِهِ وَجَبْرُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ بِذَلِكَ لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى وَبِقِيمَتِهِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمَالِكِ فَهَذَا مُتْلَفٌ وَاحِدٌ جُبِرَ بِبَدَلَيْنِ وَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ الْمَجْبُورَاتِ وَلَمْ يُشْرَعْ لِشَجَرِ الْحَرَمِ جَابِرٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّلَاةُ لَا تُجْبَرُ إلَّا بِعَمَلٍ بَدَنِيٍّ.
وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالصَّيْدُ تُجْبَرُ بِالْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ مَعًا وَمُفْتَرِقَيْنِ وَالصَّوْمُ بِالْبَدَنِيِّ بِالْقَضَاءِ وَبِالْمَالِ فِي الْإِطْعَامِ وَأَمَّا جَوَابِرُ الْمَالِ فَالْأَصْلُ أَنْ يُؤْتَى بِعَيْنِ الْمَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَتَى بِهِ كَامِلَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهِ أَوْ نَاقِصَ الْأَوْصَافِ جَبَرَ نَقْصَهَا بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَيْسَتْ مِثْلِيَّةً إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ خَلَلًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجُمْلَةَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَنْ قَطَعَ ذَنَبَ بَغْلَةِ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ رُكُوبُهَا عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ أَصْحَابُنَا الْمَغْصُوبَ لِلْغَاصِبِ إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ أَوْ طَحَنَ الْقَمْحَ أَوْ ضَرَبَ الْفِضَّةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَقَّ الْخَشَبَةَ أَلْوَاحًا أَوْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَوِّتَاتِ فَلِلْغَاصِبِ مَنْعُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِنْ أَخْذِ مَا وَجَدَهُ مِنْ مَالِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَلْ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ وَالْأَوَّلُ أَنْضَرُ وَأَقْرَبُ لِلْقَوَاعِدِ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِأَبِي الْوَلِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ رُشْدٍ مَا لَفْظُهُ وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَحِلَّ مَالَ الْغَاصِبِ مِنْ أَجْلِ غَصْبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَنْفَعَةً أَوْ عَيْنًا إلَّا أَنْ يَحْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» لَكِنْ هَذَا مُجْمَلٌ وَمَفْهُومُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَالِهِ وَبَيْنَ الشَّيْءِ الَّذِي غَصَبَهُ أَعْنِي مَالَهُ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَغْصُوبِ. اهـ.
وَأَمَّا إنْ جَاءَ بِهَا نَاقِصَةَ الْقِيمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْفَائِتَ رَغَبَاتُ النَّاسِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَوَّمَةٍ فِي الشَّرْعِ وَلَا قَائِمَةٍ بِالْعَيْنِ وَتُجْبَرُ الْأَمْوَالُ الْمِثْلِيَّةُ بِأَمْثَالِهَا لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَى رَدِّ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الْقِيمَةِ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي صُورَتَيْنِ فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ لِأَجْلِ اخْتِلَاطِ لَبَنِ الْبَائِعِ بِلَبَنِ الْمُشْتَرِي وَعَدَمِ تَمْيِيزِ الْمِقْدَارِ وَفِيمَنْ غَصَبَ مَاءً فِي الْمَعَاطِشِ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ يُضَمِّنُونَهُ الْقِيمَةَ فِي مَحَلِّ غَصْبِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا تُجْبَرُ الْأَمْوَالُ إلَّا بِالْمَالِ وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فَلَا تُجْبَرُ احْتِقَارًا لَهَا كَالْمِزْمَارِ وَنَحْوِهِ كَمَا لَا تُجْبَرُ النَّجَاسَاتُ مِنْ الْأَعْيَانِ نَعَمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَهْرَ الْمَزْنِيِّ بِهَا كُرْهًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَأْتِ مُحَرَّمًا وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ لِسُكْنَى دَارٍ وَلَمْ يُجْبَرْ اللِّوَاطُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَوَّمْ قَطُّ فِي الشَّرْعِ فَأَشْبَهَ الْقُبْلَةَ وَالْعِنَاقَ وَإِمَّا غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُ جِسْمِ الْحُرِّ
الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ) وَهَاتَانِ قَاعِدَتَانِ عَظِيمَتَانِ وَتَحْرِيرُهُمَا أَنَّ الزَّوَاجِرَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَقَدْ يَكُونُ مَعَهُمَا الْعِصْيَانُ فِي الْمُكَلَّفِينَ وَقَدْ لَا يَكُونُ مَعَهَا عِصْيَانٌ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّا نَزْجُرُهُمْ وَنُؤَدِّبُهُمْ لَا لِعِصْيَانِهِمْ بَلْ لِدَرْءِ مَفَاسِدِهِمْ وَاسْتِصْلَاحِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبَهَائِمُ ثُمَّ هِيَ قَدْ يَكُونُ مُقَدَّرَةً كَالْحُدُودِ وَقَدْ لَا تَكُونُ كَالتَّعَازِيرِ وَأَمَّا الْجَوَابِرُ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصَالِحِ الْفَائِتَةِ وَالزَّوَاجِرُ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّهُ فِي حَقِّهِ الْجَابِرُ أَنْ يَكُونَ آثِمًا وَلِذَلِكَ شُرِعَ مَعَ الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ وَالْعِلْمِ وَالنِّسْيَانِ وَالذِّكْرِ وَعَلَى الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ بِخِلَافِ الزَّوَاجِرِ فَإِنَّ مُعْظَمَهُمَا عَلَى الْعُصَاةِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَزَجْرًا لِمَنْ يَقْدُمُ بَعْدَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ تَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِصْيَانِ كَمَا نُقَدِّمُ تَمْثِيلَهُ بِالصِّبْيَانِ وَكَذَلِكَ قِتَالُ الْبُغَاةِ دَرْءًا لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَشَاقِّ تَحَمُّلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا أَوْ هِيَ جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّاتٍ وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ زَجْرًا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ قُرُبَاتٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ بَلْ يَفْعَلُهَا الْأَئِمَّةُ بِهِمْ ثُمَّ الْجَوَابِرُ تَقَعُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالنُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ وَالْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ فَجَوَابِرُ الْعِبَادَاتِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ وَسُجُودِ السَّهْوِ لِلسُّنَنِ وَجِهَةِ السَّفَرِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْكَعْبَةِ وَجِهَةِ الْعَدُوِّ فِي الْخَوْفِ مَعَ الْكَعْبَةِ إذَا أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ.
وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا فَاتَهُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِالْإِعَادَةِ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَأَخْذِ النَّقْدَيْنِ مَعَ دُونِ السِّنِّ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ أَوْ زِيَادَةِ السِّنِّ فِي ابْنِ اللَّبُونِ مَعَ وَصْفِ الْأُنُوثَةِ الْفَائِتِ فِي بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْإِطْعَامِ لِمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَنْ سَنَتِهِ إلَى بَعْدِ شَعْبَانَ أَوْ لَمْ يَصُمْ لِعَجْزِهِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَالنُّسُكِ فِي حَقِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ أَوْ الدَّمِ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ أَوْ التَّلْبِيَةِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ مَا عَدَا الْأَرْكَانَ أَوْ الْعَمَلَ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ وَجَبْرِ الدَّمِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَلَا تُضْمَنُ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى مَنَافِعِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُ الْأَبْضَاعِ ضُمِّنَتْ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ وَالْإِكْرَاهِ وَلَا تُجْبَرُ بِالْفَوَاتِ تَحْتَ الْأَيْدِي الْعَادِيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَلِيلَ الْمَنَافِعِ يُجْبَرُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْجَابِرِ وَكَثِيرُهَا بِكَثِيرِهِ وَضَمَانُ الْبُضْعِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فَلَوْ جُبِرَ بِالْفَوَاتِ لَوَجَبَ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَضْلًا عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ كُلَّ سَاعَةٍ يَفُوتُ فِيهَا مِنْ الْإِيلَاجَاتِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا وَإِيجَابُ مِثْلِ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ ضُمِّنَتْ بِالْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَالْفَوَاتُ تَحْتَ الْأَيْدِي الْمُبْطِلَةِ.
قُلْت وَأَمَّا النُّفُوسُ وَالْأَعْضَاءُ وَمَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ فَمَا رَتَّبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهَا مِنْ دِيَاتٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ أَوْ حُكُومَةٍ فَجَوَابِرُ وَمَا رَتَّبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهَا مِنْ قِصَاصٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ تَأْدِيبٍ فَزَوَاجِرُ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ وَأَمَّا النُّفُوسُ فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ هَذِهِ الْقَوَانِينِ لِمَصَالِحَ تُذْكَرُ فِي الْجِنَايَاتِ فَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ حَرَامٌ وَقَدْ شُرِعَ فِيهِ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَشَرْطُهُ وَانْتَفَى مَانِعُهُ الْقِصَاصُ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 179] اهـ (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالزَّوَاجِرِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا شَرِبَ الْحَنَفِيُّ يَسِيرَ النَّبِيذِ أَحُدُّهُ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْيَسِيرِ مِنْ النَّبِيذِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الْخَمْرِ لِجَامِعِ الْإِسْكَارِ الْمُقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَعَلَى خِلَافِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَعَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ الْمُقْتَضِيَةِ صِيَانَةَ الْعُقُولِ وَمَنْعَ التَّسَبُّبِ لِإِفْسَادِهَا وَالْحُكْمُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْأُمُورِ إذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ وَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا مَعَ التَّأْكِيدِ لِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا مَعَ عَدَمِ التَّأْكِيدِ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا لَيْسَ فِيهِ تَقْلِيدٌ وَلَا اجْتِهَادٌ مَقْبُولٌ شَرْعًا وَمَنْ أَتَى الْمَفْسَدَةَ بِغَيْرِ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ أَوْ اجْتِهَادٍ مُعْتَبَرٍ فَهُوَ عَاصٍ فَنَحُدُّهُ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِفِسْقِهِ حِينَئِذٍ بِالْمَعْصِيَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ فَلِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ أَوْ مُجْتَهِدٌ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ عَاصٍ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا مَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَأَمَّا حَدُّهُ فَلِدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ فِي التَّسَبُّبِ لِإِفْسَادِ الْعَقْلِ إذْ التَّأْدِيبُ قَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ لِأَجْلِ الْمَفْسَدَةِ كَتَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ وَفِيهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ قَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ حَتَّى تَتِمَّ كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى الْمَشْرُوطَةِ فِي إنْتَاجِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بَلْ التَّأْدِيبُ إمَّا مُقَدَّرٌ وَهُوَ الْحُدُودُ كَمَا هُنَا فَلَا يَكُونُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَإِمَّا غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَيَكُونُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا يُفِيدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ (لَطِيفَةٌ) فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَضَوْءِ الشُّمُوعِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ اشْتَهَرَ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدَبِ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ شَرْعًا عَنْ قِلَّةِ أَدَبٍ. قَوْلُ ابْنِ الرُّومِيِّ كَمَا فِي حَلْبَةِ الْكُمَيْتِ
أَحَلَّ الْعِرَاقِيُّ النَّبِيذَ وَشُرْبَهُ
…
وَقَالَ حَرَامَانِ الْمُدَامَةُ وَالسُّكْرُ
وَقَالَ الْحِجَازِيُّ الشَّرَابَانِ وَاحِدٌ
…
فَحَلَّتْ لَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْلَيْهِمَا الْخَمْرُ
أَرَادَ الْخَمْرَ نَبِيذٌ وَالنَّبِيذُ حَلَالٌ فَالصُّغْرَى مِنْ الِاتِّحَادِ عِنْدَنَا وَالْكُبْرَى مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّمَا فَسَدَ الْقِيَاسُ الْمُشَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ شَرْطَهُ كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى وَالْحَنَفِيَّةِ لَا يَقُولُونَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَخُصُّونَ الْبَعْضَ الَّذِي لَمْ يُسْكِرْ اهـ
بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ فِي غَيْرِهِ وَجَبْرِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ بِذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَبِقِيمَتِهِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمَالِكِ وَهُوَ مُتْلَفٌ وَاحِدٌ جُبِرَ بِبَدَلَيْنِ وَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ الْمَجْبُورَاتِ وَلَمْ يُشْرَعْ لِشَجَرِ الْحَرَمِ جَابِرٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْبَرُ إلَّا بِعَمَلٍ بَدَنِيٍّ وَلَا تُجْبَرُ الْأَمْوَالُ إلَّا بِالْمَالِ وَيُجْبَرُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالصَّيْدُ بِالْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ مَعًا وَمُفْتَرِقَيْنِ وَالصَّوْمُ بِالْبَدَنِيِّ بِالْقَضَاءِ وَبِالْمَالِ فِي الْإِطْعَامِ وَأَمَّا جَوَابِرُ الْمَالِ فَالْأَصْلُ أَنْ يُؤْتِيَ بِعَيْنِ الْمَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَتَى بِهِ كَامِلَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهِ أَوْ نَاقِصَ الْأَوْصَافِ جُبِرَ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَيْسَتْ مِثْلِيَّةً إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ خَلَلًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجُمْلَةَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَنْ قَطَعَ ذَنَبَ بَغْلَةِ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ رُكُوبُهَا عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَكَذَلِكَ ضَمَّنَهُ أَصْحَابُنَا الْمَغْصُوبَ إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ أَوْ طَحَنَ الْقَمْحَ أَوْ ضَرَبَ الْفِضَّةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَقَّ الْخَشَبَةَ أَلْوَاحًا أَوْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَلْ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا لِلْغَاصِبِ مَنْعُهُ مِمَّا وُجِدَ مِنْ مَالِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْأَوَّلُ أَنْضَرُ وَأَقْرَبُ لِلْقَوَاعِدِ وَأَمَّا إنْ جَاءَ بِهَا نَاقِصَةَ الْقِيمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْفَائِتَ رَغَبَاتُ النَّاسِ وَهِيَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فِي الشَّرْعِ وَلَا قَائِمَةً بِالْعَيْنِ.
وَتُجْبَرُ الْأَمْوَالُ الْمِثْلِيَّةُ بِأَمْثَالِهَا لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَى رَدِّ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الْقِيمَةِ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي صُورَتَيْنِ فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ لِأَجْلِ اخْتِلَاطِ لَبَنِ الْبَائِعِ بِلَبَنِ الْمُشْتَرِي وَعَدَمِ تَمْيِيزِ الْمِقْدَارِ وَفِيمَنْ غَصَبَ مَاءً فِي الْمَعَاطِشِ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ يُضَمِّنُونَهُ الْقِيمَةَ فِي مَحَلِّ غَصْبِهِ.
وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَالْمُحَرَّمُ مِنْهَا لَا يُجْبَرُ احْتِقَارًا لَهَا كَالْمِزْمَارِ وَنَحْوِهِ كَمَا لَمْ تُجْبَرْ النَّجَاسَاتُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَهْرُ الْمَزْنِيِّ بِهَا كُرْهًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَأْتِ مُحَرَّمًا وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ لِسُكْنَى دَارٍ وَلَمْ يُجْبَرْ اللِّوَاطُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَوَّمْ قَطُّ فِي الشَّرْعِ فَأَشْبَهَ الْقُبْلَةَ وَالْعِنَاقَ وَغَيْرُ الْمُحَرَّمِ مِنْهُ مَا يُضْمَنُ بِالْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَالْفَوَاتُ تَحْتَ الْأَيْدِي الْمُبْطِلَةِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) اتَّفَقَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ النَّبَاتِ الْمَعْرُوفِ بِالْحَشِيشَةِ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا أَهْلُ الْفُسُوق أَعْنِي كَثِيرَهَا الْمُغَيِّبَ لِلْعَقْلِ وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَوْنِهَا مُفْسِدَةً لِلْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ فَتَكُونُ طَاهِرَةً وَيَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ أَوْ مُسْكِرَةً فَتَكُونُ نَجِسَةً وَيَجِبُ فِيهَا الْحَدُّ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِلْأَصْلِ قَالَ وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّهَا مِنْ الْمُفْسِدَاتِ لَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ فَلَا أُوجِبُ فِيهَا الْحَدَّ وَلَا أُبْطِلُ بِهَا الصَّلَاةَ بَلْ التَّعْزِيرُ الزَّاجِرُ عَنْ مُلَابَسَتِهَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَجِدُهَا تُثِيرُ الْخَلْطَ الْكَامِنَ فِي الْجَسَدِ كَيْفَمَا كَانَ فَصَاحِبُ الصَّفْرَاءِ تُحْدِثُ لَهُ حِدَّةً وَصَاحِبُ الْبَلْغَمِ تُحْدِثُ لَهُ سُبَاتًا وَصَمْتًا وَصَاحِبُ السَّوْدَاءِ تُحْدِثُ لَهُ بُكَاءً وَجَزَعًا وَصَاحِبُ الدَّمِ تُحْدِثُ لَهُ سُرُورًا بِقَدْرِ حَالِهِ فَتَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَدُّ بُكَاؤُهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَدُّ صَمْتُهُ وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالْمُسْكِرَاتُ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا مِمَّنْ يَشْرَبُهَا إلَّا وَهُوَ نَشْوَانُ مَسْرُورٌ بَعِيدٌ عَنْ الْبُكَاءِ وَالصَّمْتِ
وَثَانِيهِمَا أَنَّا نَجِدُ شُرَّابَ الْخَمْرِ تَكْثُرُ عَرْبَدَتُهُمْ وَوُثُوبُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِالسِّلَاحِ وَيَهْجُمُونَ عَلَى الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهَا حَالَةَ الصَّحْوِ حَتَّى إنَّ الْقَتْلَى يُوجَدُونَ كَثِيرًا مَعَهُمْ وَلَا تَجِدُ أَكَلَةَ الْحَشِيشَةِ إذَا اجْتَمَعُوا يَجْرِي مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُسْمَعْ عَنْهُمْ مِنْ الْعَوَائِدِ مَا يُسْمَعُ عَنْ شُرَّابِ الْخَمْرِ بَلْ هُمْ هَمَدَةٌ سُكُوتٌ مَسْبُوتُونَ لَوْ أَخَذْت قُمَاشَهُمْ أَوْ سَبَبْتَهُمْ لَمْ تَجِدْ فِيهِمْ قُوَّةَ الْبَطْشِ الَّتِي تَجِدُهَا فِي شَرَبَةِ الْخَمْرِ بَلْ هُمْ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْبَهَائِمِ فَلِذَا لَا تَجِدُ الْقَتْلَى مَعَهُمْ قَطُّ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَوَافَقَهُ الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ قَالَ وَمِنْهُ أَيْ الْمُفْسِدُ الَّذِي يُغَيِّبُ الْعَقْلَ فَقَطْ لَا يَفْرَحُ وَهُوَ الْمُخَدِّرُ الْحَشِيشَةُ وِفَاقًا لِلْقَرَافِيِّ لِغَلَبَةِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ عَلَى أَهْلِهَا انْتَهَى وَالثَّانِي لِلْمَنُوفِيِّ قَالَ يَبِيعُونَ لَهَا بُيُوتَهُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُمْ بِهَا طَرَبًا وَفَرَحًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ وَفِي الْأَصْلِ وَنُصُوصُ الْمُتَحَدِّثِينَ عَلَى النَّبَاتِيِّ تَقْتَضِي أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ فَإِنَّهُمْ يَصِفُونَهَا بِذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا مِنْ الْمُفْسِدَاتِ كَمَا اخْتَارَهُ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافُ مَا لِلْمَنُوفِيِّ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ لِأَنَّ إتْلَافَ الْأَمْوَالِ فِيهَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِيهَا لَذَّةً مَا وَأَمَّا تَعْيِينُ كَوْنِهَا تُحْدِثُ الطَّرَبَ الْمُمَاثِلَ لِطَرَبِ الْخَمْرِ فَلَا إذْ الْأَعَمُّ لَا إشْعَارَ لَهُ بِأَخَصَّ مُعَيَّنٍ. اهـ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَفِي كَوْنِهَا لَا تُسْكِرُ إلَّا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ النَّارِ أَوْ كَوْنِهَا تُسْكِرُ مُطْلَقًا قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِلْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ قَالَ وَذَلِكَ أَيْ كَوْنُهَا مُسْكِرَةً وَنَجِسَةً بَعْدَ غَلْيِهَا لَا قَبْلَهُ فَظَاهِرُهُ اهـ وَعَلَيْهِ مَا فِي الْأَصْلِ سُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ عَمَّنْ صَلَّى بِالْحَشِيشَةِ مَعَهُ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا فَأَفْتَى أَنَّهُ إنْ صَلَّى بِهَا قَبْلَ أَنْ تُحَمَّصَ أَوْ تُسْلَقَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُعَلِّلًا أَنَّهَا إنَّمَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ بَعْدَ التَّحْمِيصِ أَوْ السَّلْقِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ وَهِيَ وَرَقٌ أَخْضَرُ فَلَا بَلْ هِيَ كَالْعَصِيرِ الَّذِي لِلْعِنَبِ وَتَحْمِيصُهَا كَغَلَيَانِهِ اهـ وَالثَّانِي لِبَعْضِهِمْ قَالَ وَإِنَّمَا تُحَمَّصُ لِإِصْلَاحِ طَعْمِهَا وَتَعْدِيلِ كَيْفِيَّتِهَا خَاصَّةً انْتَهَى وَعَلَيْهِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِهَا مُطْلَقًا كَمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهَا مُطْلَقًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ كَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ وَجَوْزَةِ بَابِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَاعِدَةُ أَنَّ التَّأْدِيبَاتِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَاتِ فَكُلَّمَا عَظُمَتْ الْجِنَايَةُ عَظُمَتْ الْعُقُوبَةُ فَإِذَا فُرِضَ شَخْصٌ