الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَكْسُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فَعَلِمْنَا أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَمْ يُوجِبْ إزَالَةَ الْعِصْمَةِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بَلْ بِالْعُرْفِ الْإِنْشَائِيِّ (فَإِنْ قُلْت) لَيْسَ الطَّلَاقُ وَإِزَالَةُ الْعِصْمَةِ أَمْرًا اخْتَصَّ بِهِ بِالشَّرِيعَةِ بَلْ الْعَرَبُ كَانَتْ تَنْكِحُ وَتُطَلِّقُ، وَقَدْ كَانَتْ تُطَلِّقُ بِالظِّهَارِ وَلَفْظُ الطَّلَاقِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَتَكُونُ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ السَّابِقِ عَلَى الشَّرِيعَةِ لَا بِأَمْرٍ يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الشَّرِيعَةِ.
(قُلْت) مُسَلَّمٌ أَنَّ الطَّلَاقَ وَإِزَالَةَ الْعِصْمَةِ كَانَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالْإِنْشَاءَاتُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَيْضًا تَتَقَدَّمُ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَتَكُونُ عُرْفِيَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّوَايَةَ وَالْبَحْرَ وَالْغَائِطَ وَالْخَلَا أَلْفَاظٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلهَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهَا مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ وَحَقَائِقُ عُرْفِيَّةٌ فَإِنَّ الْعَوَائِدَ قَدْ تَحْدُثُ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا أَمْ لَا فَالْجَاهِلِيَّةُ تَحْدُثُ لَهَا عَوَائِدُ كَمَا تَحْدُثُ لَنَا وَمِنْ هَذَا عُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ كَانُوا يَتَدَاوَلُونَهَا إنْشَاءَاتٌ وَأَلْفَاظٌ عُرْفِيَّةٌ مَنْقُولَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ الْقِسْمِ إنْشَاءٌ عُرْفِيٌّ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ قَوْلِنَا الطَّلَاقُ إنْشَاءٌ عُرْفِيٌّ وَبَيْنَ كَوْنِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ إنَّمَا أَزَالَ الْعِصْمَةَ بِغَيْرِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بَلْ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ عَنْ اللُّغَةِ لَا حَقِيقَةٌ، وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ بِالْعُرْفِ وَالْعَوَائِدِ، وَأَنَّهَا مُدْرَكُ إفَادَتِهِ كَذَلِكَ لِتَنَقُّلِنَا مَعَهَا كَيْفَ تَنَقَّلَتْ؛ لِأَنَّهَا الْمُدْرَكُ، وَإِذَا كَانَ الْمُوجِبُ هُوَ الْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ وَجَبَ الثُّبُوتُ مَعَهُ وَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِهِ حَتَّى تَطْرَأَ عَادَةٌ نَاسِخَةٌ لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ فَيَكُونُ اللُّزُومُ هُوَ الْأَصْلُ حَتَّى يَطْرَأَ النَّاسِخُ الْمُبْطِلُ، وَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تُوجِبُ بِالْعَادَةِ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
عَكْسُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، فَعَلِمْنَا أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَمْ يُوجِبْ إزَالَةَ الْعِصْمَةِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بَلْ بِالْعُرْفِ الْإِنْشَائِيِّ) .
قُلْت كَلَامُهُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى اتِّحَادِ مَعْنَى كُلِّ لَفْظٍ تَصَرَّفَ مِنْ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ، وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ كَمَا سَبَقَ قَالَ فَإِنْ قُلْت إلَى قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْجَوَابِ وَأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ اللُّغَةِ لَا حَقِيقَةٌ قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ مِنْ أَنَّ أَلْفَاظَ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ عُرْفِيَّةٌ مَنْقُولُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رُجْحَانِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ كَمَا سَبَقَ.
قَالَ (وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُفِيدُ إزَالَةَ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِالْعُرْفِ وَالْعَوَائِدِ، وَأَنَّهَا مُدْرَكٌ أَفَادَتْهُ كَذَلِكَ بِتَنَقُّلِهَا مَعَهَا كَيْفَ تَنَقَّلَتْ لِأَنَّهَا الْمُدْرَكُ، وَإِذَا كَانَ الْمُوجِبُ هُوَ الْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ وَجَبَ الثُّبُوتُ مَعَهُ وَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِهِ حَتَّى يَطْرَأَ النَّاسِخُ الْمُبْطِلُ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ كَمَا يَتَبَدَّلُ الْعُرْفُ مِنْ الْعُرْفِ كَذَلِكَ يَتَبَدَّلُ الْعُرْفُ مِنْ اللُّغَةِ، وَإِلْزَامُ الْعُقُودِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى نِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ عَلَى عُرْفِهِ لَا عَلَى اللُّغَةِ وَلَا عَلَى عُرْفِ غَيْرِهِ هَذَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْفَتْوَى.
وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْحُكْمِ فَأَمْرٌ آخَرُ لِمُنَازَعَةِ غَيْرِهِ لَهُ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِعُرْفِهِ لَا بِنِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ النِّيَّةِ فَالْحُكْمُ مُتَرَتَّبٌ عَلَى الْعُرْفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُرْفُ نَاقِلًا عَنْ اللُّغَةِ أَمْ عَنْ عُرْفٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ نَاقِلٍ عَنْ اللُّغَةِ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالِاعْتِبَارُ بِالِاسْتِعْمَالِ الْجَارِي فِي زَمَنِ وُقُوعِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ لُغَةً جَرَى الْحُكْمُ بِحَسَبِهِ، وَإِنْ كَانَ عُرْفًا نَاسِخًا لَهَا أَوْ لِعُرْفٍ نَاسِخٍ لَهَا فَكَذَلِكَ هَذَا إنْ لَمْ يُرِدْ مَا رَأَيْتُهُ فَإِنَّ لَفْظَةَ فِيهِ احْتِمَالٌ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تُوجِبُ بِالْعَادَةِ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ وَحَقَائِقُ عُرْفِيَّةٌ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ قَوْلِنَا الطَّلَاقُ إنْشَاءٌ عُرْفِيٌّ وَبَيْنَ كَوْنِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ إنَّمَا أَزَالَ الْعِصْمَةَ بِغَيْرِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بَلْ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ عَنْ اللُّغَةِ لَا حَقِيقَةٌ وَمِنْ قَبِيلِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي كَوْنِهِ مَجَازًا عَنْ اللُّغَةِ لَا حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى رُجْحَانِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالْقَسَمُ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَدَاوَلُونَهَا إنْشَاءَاتٍ وَأَلْفَاظًا عُرْفِيَّةً مَنْقُولَةً.
فَالْعُرْفُ يَتَبَدَّلُ مِنْ اللُّغَةِ كَمَا يَتَبَدَّلُ مِنْ عُرْفٍ آخَرَ قَبْلَهُ، وَإِلْزَامُ الْعُقُودِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ يَنْبَنِي فِي الْفَتْوَى عَلَى نِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ عَلَى عُرْفِهِ لَا عَلَى اللُّغَةِ وَلَا عَلَى عُرْفٍ غَيْرِهِ وَفِي الْقَضَاءِ لِمُنَازَعَةِ غَيْرِهِ لَهُ إنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى عُرْفِهِ لَا عَلَى نِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ النِّيَّةِ فَالْحُكْمُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْعُرْفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُرْفُ نَاقِلًا عَنْ اللُّغَةِ أَمْ عَنْ عُرْفٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ نَاقِلٍ عَنْ اللُّغَةِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاعْتِبَارُ بِالِاسْتِعْمَالِ الْجَارِي فِي زَمَنِ وُقُوعِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ لُغَةً جَرَى الْحُكْمُ بِحَسَبِهِ وَإِنْ كَانَ عُرْفًا نَاسِخًا لَهَا أَوْ لِعُرْفٍ نَاسِخٍ لَهَا فَكَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِكِ]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْأَصْلُ وَالْقَاعِدَةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا إنَّمَا هِيَ النِّيَّةُ وَالْقَصْدُ مَعَ اللَّفْظِ الْمُشْعِرِ بِذَلِكَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ إشَارَةٍ وَشَبَهِهَا، ثُمَّ اللَّفْظُ إمَّا أَنْ لَا يُشْعِرَ بِالْمَقْصُودِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْوِيهِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ مَعًا، وَإِمَّا أَنْ يُشْعِرَ بِالْمَقْصُودِ لُغَةً أَوْ عُرْفًا وَالْعُرْفُ لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَوَقْتِيٌّ حَادِثٌ فَيُحْمَلُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ تَنْوِيهٍ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ مِنْ عُرْفِيٍّ وَقْتِيٍّ فَشَرْعِيٍّ فَعُرْفِيٍّ لُغَوِيٍّ فَلُغَوِيٍّ أَصْلِيٍّ وَفِي الْفَتْوَى عَلَى التَّنْوِيهِ فَالْعُرْفُ الْوَقْتِيُّ فَالشَّرْعِيُّ فَالْعُرْفِيُّ اللُّغَوِيُّ فَاللُّغَوِيُّ الْأَصْلِيُّ فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي اللَّفْظِ الْأَصْلِيِّ وَالْعُرْفِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَالْوَقْتِيِّ فَالْمُعْتَبَرُ الْوَقْتِيُّ فِي الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَلْفَاظُ الَّتِي ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقَ الطَّلَاقِ أَوْ مُقَيَّدُهُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ ذَلِكَ بِهَا بِاللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ اللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ الشَّرْعِ أَوْ بِعُرْفٍ حَادِثٍ بَعْدُ، فَإِنْ كَانَتْ لُغَوِيَّةً وَضْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعِيَّةً فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَبِكُلِّ مَكَان وَمُسْتَنَدُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ
مِنْ قِبَلِ اللُّغَةِ حَتَّى يَثْبُتَ اللُّزُومُ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ كَمَا فِي مُنْطَلِقَةٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ فَلَا جَرَمَ لَا يَزَالُ يُنْفَى عَنْهُ اللُّزُومُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْفَرْقِ فِيمَا يُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، فَيَكُونُ الْحَقُّ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ حَتَّى يُثْبِتَهُ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْنَا بِاللُّغَةِ كَانَ الْحَقُّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ هُوَ اللُّزُومُ حَتَّى يَثْبُتَ النَّاسِخُ، وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَأَثَرٌ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفَقِيهُ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ لِمَالِكٍ رحمه الله وَلِأَصْحَابِهِ فِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِكِ قَالَ فِيهَا مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ إنْ أَرَادَ أَقَلَّ مِنْهَا وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَائِنَةٌ قَالَ مِنِّي أَوْ مِنْكِ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْ أَبَنْتُكِ أَوْ رَدَدْتُكِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يَنْوِي فِي أَقَلَّ مِنْهَا، وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي طَلْقَةٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَثَلَاثٌ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ الْخَلِيَّةُ وَالْبَرِيَّةُ وَالْبَائِنُ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ مِنِّي بَائِنَةٌ فَلَا يَنْوِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَإِذَا قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَالْبَائِنِ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا فَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ صَدَقَ، وَإِلَّا فَلَا فَهَذَا كُلُّهُ نَقْلُ التَّهْذِيبِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ النِّيَّةُ نَافِعَةٌ فِيمَا يَنْوِيهِ مَنْ تَعَدُّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلَاهُمَا فِي حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ.
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَالْبَائِنِ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَالْبَتَّةَ وَالْبَتْلَةَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِشُهْرَتِهَا، وَيَلْزَمُ بِالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مِنْ قِبَلِ اللُّغَةِ حَتَّى يَثْبُتَ اللُّزُومُ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ كَمَا فِي مُنْطَلِقَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ فَلَا جَرَمَ لَا يَزَالُ يَنْفِي عَنْهُ اللُّزُومَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْفَرْقِ فِيمَا يُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، فَيَكُونُ الْحَقُّ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ حَتَّى يُثْبِتَهُ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَلَا يَلْزَمُ طَلَاقٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْنَا بِاللُّغَةِ كَانَ الْحَقُّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ هُوَ اللُّزُومُ حَتَّى يَثْبُتَ النَّاسِخُ، وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَأَثَرٌ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفَقِيهُ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ) .
قُلْت قَوْلُهُ ذَلِكَ وَتَمْثِيلُهُ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي مُنْطَلِقَةٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ كُلُّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ تَصَرَّفَ مِنْ مَادَّةِ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى إزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا صَحِيحٍ بَلْ لَفْظَةُ " طَالِقٌ " وَإِنْ كَانَتْ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى إزَالَةِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ لُغَةً، وَلَفْظَةُ " مُنْطَلِقَةٌ " وَإِنْ كَانَتْ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ أَيْضًا فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمَسِيرِ، وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ فَلَمْ يَنْتَفِ لُزُومُ الطَّلَاقِ عَنْ لَفْظَةِ " مُنْطَلِقَةٌ " لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ، بَلْ انْتَفَى لِمُغَايَرَةِ حَقِيقَةِ الطَّلَاقِ لِحَقِيقَةِ الِانْطِلَاقِ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ إمَّا إخْبَارٌ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ أَوْ إنْشَاءٌ لَهُ، وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْمَسِيرِ، وَيَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ إنْشَاءً لِلْأَمْرِ بِهِ إنْ قُلْنَا بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ الْخَبَرِيَّةِ فِي الْإِنْشَاءِ قِيَاسٌ، وَإِلَّا فَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاعِ
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
وَقَعَ لِمَالِكٍ رحمه الله فِي الْمَذْهَبِ وَلِأَصْحَابِهِ فِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي الْأَلْفَاظِ.
(قُلْت) جَمِيعُ ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ فَإِنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى عُرْفِهِ أَوْ عَلَى اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ عُرْفِيَّةً بِعُرْفٍ حَادِثٍ فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ بِهَا بِانْتِقَالِ الْعُرْفِ كَبَتَّةٍ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ.
قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَلْزَمُ الْقَائِلَ ذَلِكَ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي دَخَلَ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ نَقَلَهُ عُرْفُ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى الْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الثَّلَاثُ حَتَّى صَارَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ.
وَالْمَجَازُ لَا يَدْخُلُ فِي النُّصُوصِ كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ بَلْ فِي الظَّوَاهِرِ كَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَصِيَغِ الْعُمُومِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَكُلُّ لَفْظٍ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهِ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي صَرْفِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ بُنِيَتْ عَلَى الْأُولَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْبَتَّةِ وَالْبَتْلَةِ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِشُهْرَتِهَا، وَيَلْزَمُ بِحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِك الثَّلَاثُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْقَبَسِ لَهُ الصَّحِيحُ أَنَّ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْبَائِنَ وَالْخَلِيَّ وَالْبَرِيَّةَ وَالْبَتْلَةَ وَالْبَتَّةَ وَاحِدَةٌ لَا تَزِيدُ عَلَى قَوْلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ «ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ فَقَالَ مَا أَرَدْتَ فَقُلْتُ وَاحِدَةً فَقَالَ هِيَ مَا أَرَدْتَ فَرَدَّهَا إلَيَّ» .
(قُلْتُ) قَالَ الْأَمِيرُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَقَدْ تَعَارَفَ الْآنَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فِي مُطْلَقِ الْإِهْمَالِ حَتَّى يُخَاطِبَ الرَّجُلُ ابْنَهُ مَثَلًا انْتَهَى أَيْ فَعَلَيْهِ يَكُونُ كَالْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ يَجْرِي عَلَى قَوْلِهِمْ وَإِنْ قَصَدَهُ بِأَيِّ كَلَامٍ لَزِمَ كَاسْقِنِي فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْآنَ أَنْ يُفْتِيَ فِيهِ بِالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ إلَّا إذَا تَجَدَّدَ بِذَلِكَ عُرْفٌ وَكَحَرَامٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا شَيْءَ عَلَى قَائِلِهِ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ الْكَذِبَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِهَا حَرَامًا وَهِيَ حَلَالٌ حَرُمَتْ وَلَا يَنْوِي قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ فِي الْحَرَامِ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا قَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَ وَاحِدَةً فَتَكُونَ رَجْعِيَّةً.
وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَكُونُ مُوَلِّيًا
وَالْحَرَامِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ وَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَاذْهَبِي فَتَزَوَّجِي وَغَطِّي شَعْرَكِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ الثَّلَاثُ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْقَبَسِ لَهُ الصَّحِيحُ أَنَّ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْبَائِنَ وَالْخَلِيَّةَ وَالْبَرِيَّةَ وَالْبَتْلَةَ وَالْبَتَّةَ وَاحِدَةٌ وَلَا تَزِيدُ عَلَى قَوْلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ فَقَالَ مَا أَرَدْتَ فَقُلْتُ وَاحِدَةً فَقَالَ هِيَ مَا أَرَدْتَ فَرَدَّهَا إلَيْهِ» ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ وَهَبْتُ لَكِ صَدَاقَكِ يَلْزَمُهُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَنْوِي.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ إذَا قَالَ بَائِنٌ مِنِّي أَوْ بَرِيءٌ أَوْ خَلِيَّةٌ لَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ إرَادَتِهِ الطَّلَاقَ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُصَدِّقُهُ، وَإِذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَزْوَاجُهُ نَوَاهُنَّ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُنَّ بِنِيَّتِهِ أَوْ بِلَفْظِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْبَغُ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ أَوْ كُلُّ مَا انْقَلَبَ إلَيْهِ حَرَامٌ كُلُّهُ تَحْرِيمٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي حَرَامٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الطَّلَاقَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ الْكَذِبَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِهَا حَرَامًا وَهِيَ حَلَالٌ حَرُمَتْ وَلَا يَنْوِي. قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ فِي الْحَرَامِ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا قَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَ وَاحِدَةً فَتَكُونُ رَجْعِيَّةً.
وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَكُونُ مُوَلِّيًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مُوَلٍّ، وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ أَوْ الثَّلَاثَ فَالثَّلَاثُ أَوْ يَمِينًا فَيَمِينٌ وَلَا فُرْقَةَ وَلَا يَمِينَ بِكَذْبَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَهُ مَا نَوَى وَإِلَّا فَيَمِينٌ تُكَفَّرُ وَقَالَ إِسْحَاقُ: كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَقِيلَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]«وَكَانَ عليه السلام قَدْ حَرَّمَ سُرِّيَّتَهُ مَارِيَةَ» وَقَالَ الشَّعْبِيُّ تَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ كَتَحْرِيمِ الْمَالِ لَا شَيْءَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] وَقِيلَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمَشْهُورُ لُزُومُ الثَّلَاثِ وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَنْوِي وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَنْوِي وَاحِدَةً فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَعَنْ مَالِكٍ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ: وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الْأَصْحَابِ فِي الْأَلْفَاظِ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ تَضَمَّنَ الْبَيْنُونَةَ وَالْعَدَدَ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَزِمَ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي اتِّفَاقًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا، أَوْ يَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ فَيُنْظَرُ هَلْ تُمْكِنُ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ تَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَارَضَةً فِيهِ خِلَافٌ أَوْ يَدُلُّ عَلَى عَدَدٍ غَالِبًا، وَيُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ نَادِرًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَعَلَى النَّادِرِ مَعَ وُجُودِهَا فِي الْفَتْوَى وَإِنْ تَسَاوَى الِاسْتِعْمَالُ أَوْ تَقَارَبَ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ فَإِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَوَاحِدَةٌ.
وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ مُوَلٍّ وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ سُفْيَانُ إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ أَوْ الثَّلَاثَ فَالثَّلَاثُ أَوْ يَمِينًا فَيَمِينٌ وَلَا فُرْقَةَ وَلَا يَمِينَ بِكَذِبَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَهُ مَا نَوَى وَإِلَّا فَيَمِينٌ تُكَفَّرُ وَقَالَ إِسْحَاقُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَقِيلَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَكَانَ عليه الصلاة والسلام قَدْ حَرَّمَ سُرِّيَّتَهُ مَارِيَةَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ تَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ كَتَحْرِيمِ الْمَالِ لَا شَيْءَ فِيهِ أَيْ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] وَقِيلَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ اهـ.
(قُلْت) وَقَالَ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَضَوْءِ الشُّمُوعِ شَيْخُنَا سَمِعْتُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَرَأَيْتُ فِي الْمَنْقُولِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمَغْرِبِ جَرَى فِي الْحَرَامِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي نَظْمِ الْعَمَلِ الْفَاسِيُّ كَمَا فِي كَنُونٍ بِقَوْلِهِ وَطَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَحَلِفٌ بِهِ لِعُرْفِ الْإِقْلِيمِ لَكِنَّهُ رُبَّمَا خَالَفَ عُرْفَ مِصْرَ فَإِنَّهُ شَاعَ فِي أَلْسِنَتِهِمْ الْحَرَامُ مَجْمَعُ الثَّلَاثِ.
(وَهُنَا مُهِمَّةٌ) وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّخْصِ الْحَرَامُ فَيُرَاجِعُهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا فَيُفْتِيهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِعَدَمِ لُزُومِ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَامَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فَيُجَدَّدُ لَهُ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَهَذَا خَطَأٌ فَإِنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ صَارَ مَعَهَا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ.
وَالطَّلَاقُ يَلْحَقُ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَلْ وَلَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ فَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي لُحُوقَ الطَّلَاقِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجْعِيٌّ مَعَ قَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْجِمَاعَ يَكُونُ رَجْعَةً مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَنَا أَيْضًا كَيْفَ وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ الْحَرَامُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ عِصْمَتِهِ غَايَتُهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِقَّةِ الدِّينِ اهـ.
بِزِيَادَةٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَأَصْلُ اخْتِلَافِ
عُدِمَتْ النِّيَّةُ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ اسْتِصْحَابًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقِيلَ عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا، وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَرَامِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَفِي غَيْرِهَا بِالْوَاحِدَةِ وَلِكَوْنِهَا غَالِبَةً فِي الثَّلَاثِ حُمِلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الثَّلَاثِ وَيَنْوِي فِي الْأَقَلِّ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْبَيْنُونَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا وَوَضْعِهَا لِلثَّلَاثِ فِي الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَالْقَوْلُ بِالْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ، وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ عَدَدًا.
وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَالطَّلَاقِ قَالَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي الْأَلْفَاظِ قُلْت مَعْنَى التَّحْرِيمِ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا مَمْنُوعَةً فَهُوَ كَذِبٌ لَا يَلْزَمُ فِيهِ إلَّا التَّوْبَةُ فِي الْبَاطِنِ وَالتَّعْزِيرُ فِي الظَّاهِرِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ لَيْسَ فِي مُقْتَضَاهَا لُغَةً إلَّا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خَلِيَّةٌ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْخَلَاءِ، وَأَنَّهَا فَارِغَةٌ وَأَمَّا مِمَّ هِيَ فَارِغَةٌ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ اللَّفْظُ لَهُ، وَكَذَلِكَ بَائِنٌ مَعْنَاهُ لُغَةً الْمُفَارَقَةُ فِي الزَّمَانِ أَوَالْمَكَان، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِزَوَالِ الْعِصْمَةِ فَهِيَ إخْبَارَاتٌ صِرْفَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَهِيَ إمَّا كَاذِبَةٌ وَهُوَ الْغَالِبُ وَإِمَّا صَادِقَةٌ إنْ كَانَتْ مُفَارِقَةً لَهُ فِي الْمَكَانِ، وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ كَمَا لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لَهَا أَنْتِ فِي مَكَان غَيْرِ مَكَانِي، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا حَبْلُهَا عَلَى كَتِفِهَا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ يَرْعَى بَقَرَةً وَقَصَدَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهَا فِي الْمَرْعَى تَرَكَ حَبْلَهَا مِنْ يَدِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى غَارِبِهَا وَهُوَ كَتِفُهَا فَتَنْتَقِلُ فِي الْمَرْعَى كَيْفَ شَاءَتْ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نِيَّةً كَانَ إخْبَارُهُ عَنْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ كَذِبًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ قُلْت مَعْنَى التَّحْرِيمِ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا مَمْنُوعَةً فَهُوَ كَذِبٌ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ إلَّا التَّوْبَةُ فِي الْبَاطِنِ وَالتَّعْزِيرُ فِي الظَّاهِرِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ، لَيْسَ فِي مُقْتَضَاهَا لُغَةً إلَّا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خَلِيَّةٌ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْخَلَاءِ، وَأَنَّهَا فَارِغَةٌ، وَأَمَّا مِمَّ هِيَ فَارِغَةٌ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ اللَّفْظُ، وَكَذَلِكَ بَائِنٌ مَعْنَاهُ الْمُفَارَقَةُ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِزَوَالِ الْعِصْمَةِ فَهِيَ إخْبَارَاتٌ صِرْفَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، فَهِيَ إمَّا كَاذِبَةٌ وَهُوَ الْغَالِبُ، وَإِمَّا صَادِقَةٌ إنْ كَانَتْ مُفَارِقَةً لَهُ فِي الْمَكَانِ وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ كَمَا لَوْ صَرَّحَ.
وَقَالَ لَهَا أَنْتِ فِي مَكَان غَيْرِ مَكَانِي وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا حَبْلَهَا عَلَى كَتِفِهَا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ يَرْعَى بَقَرَةً وَقَصَدَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهَا فِي الْمَرْعَى تَرَكَ حَبْلَهَا مِنْ يَدِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهَا فَتَنْتَقِلُ فِي الْمَرْعَى كَيْفَ شَاءَتْ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نِيَّةٌ كَانَ إخْبَارُهُ عَنْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ كَذِبًا) .
قُلْت الْأَصْلُ وَالْقَاعِدَةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا إنَّمَا هُوَ النِّيَّةُ وَالْقَصْدُ مَعَ اللَّفْظِ الْمُشْعِرِ بِذَلِكَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ مِنْ إشَارَةٍ وَشَبَهِهَا، ثُمَّ اللَّفْظُ إمَّا أَنْ يُشْعِرَ بِالْقَصْدِ لُغَةً أَوْ عُرْفًا وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ تَنْوِيَةٍ وَفِي الْفَتْوَى هُمَا، وَإِمَّا مَا لَا يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْوِيَةِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ مَعًا، وَبَعْدَ تَقْرِيرِ ذَلِكَ لَا تَخْلُو الْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقُ الطَّلَاقِ أَوْ مُقَيَّدُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ ذَلِكَ بِهَا بِاللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ اللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ الشَّرْعِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَصْحَابِ فِي أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ تَضَمَّنَ الْبَيْنُونَةَ وَالْعَدَدَ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَزِمَ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي اتِّفَاقًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ قَصَدَ أَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ فِيهِمَا لَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِي الْفَتْوَى نَعَمْ يُصَدَّقُ قَوْلُهُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ نَظَرًا لِلْقَاعِدَتَيْنِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ السَّابِقَتَيْنِ فَقَبِلُوا النِّيَّةَ فِي رَفْعِ الطَّلَاقِ بِجُمْلَتِهِ لِتَحْوِيلِهِ لِجِنْسٍ آخَرَ نَظَرًا لِجَوَازِ دُخُولِ الْمَجَازِ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الظَّوَاهِرِ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا فِي رَفْعِ بَعْضِ الطَّلَاقِ نَظَرًا لِكَوْنِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ نُصُوصًا لَا يَدْخُلُ فِيهَا الْمَجَازُ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ بُطْلَانَ ذَلِكَ وَأَنَّ النِّيَّةَ إذَا قُبِلَتْ فِي رَفْعِ الْكُلِّ فَأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ فِي رَفْعِ الْبَعْضِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَّا عَلَى الْبَيْنُونَةِ نُظِرَ هَلْ تُمْكِنُ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ تَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَارَضَةٌ فِيهِ خِلَافٌ أَوْ يَدُلُّ عَلَى عَدَدٍ غَالِبًا.
وَيُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ نَادِرًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَعَلَى النَّادِرِ مَعَ وُجُودِهَا فِي الْفَتْوَى وَإِنْ تَسَاوَى الِاسْتِعْمَالُ أَوْ تَقَارَبَ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ مَعَ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ فَإِنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ اسْتِصْحَابًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقِيلَ عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَرَامِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَفِي غَيْرِهَا بِالْوَاحِدَةِ وَلِكَوْنِهَا غَالِبَةً فِي الثَّلَاثِ حُمِلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الثَّلَاثِ وَيَنْوِي فِي الْأَقَلِّ.
وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْبَيْنُونَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا وَوَضْعِهَا لِلثَّلَاثِ فِي الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالْقَوْلُ بِالْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا، وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ عَدَدًا أَوْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَالطَّلَاقِ قَالَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي الْأَلْفَاظِ اهـ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أُمُورٍ
أَحَدُهَا أَنَّ نَحْوَ الْحَرَامِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ وَلَا فِي عُرْفِهَا وَلَا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ إمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ الْعُرْفُ الْحَادِثُ الْوَقْتِيُّ مِنْ مَوْضُوعِهِ إلَى الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ
وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِعَارَةَ وَالْمَجَازَ وَالتَّشْبِيهَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَقَرَةِ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ لَا حَجْرَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ الْأَزْوَاجِ بِسَبَبِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَبْقَى الْبَقَرَةُ فِي مَرْعَاهَا كَذَلِكَ فَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَسَائِرِ الْمَجَازَاتِ إذَا فُقِدَتْ فِيهَا النِّيَّةُ كَانَ اللَّفْظُ مُنْصَرِفًا بِالْوَضْعِ لِلْحَقِيقَةِ فَيَصِيرُ كَذِبًا.
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ إنَّمَا تَصِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُوجِبَةً لِمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ رحمه الله بِنَقْلِ الْعُرْفِ لَهَا فِي رُتَبٍ أَحَدُهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ عَنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ.
وَثَانِيهَا أَنْ يَنْقُلَهَا لِرُتْبَةٍ أُخْرَى وَهِيَ زَوَالُ الْعِصْمَةِ بِالْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ خَاصٌّ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْلِهَا لِلْإِنْشَاءِ أَنْ تُفِيدَ زَوَالَ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِنْشَاءِ أَعَمُّ مِنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ فَقَدْ يَصْدُقُ بِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا تَدُلُّ بِنَقْلِهَا إلَى أَصْلِ الْإِنْشَاءِ عَلَى زَوَالِ الْعِصْمَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهَا إلَى خُصُوصِهِ فَتُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ حِينَئِذٍ، وَثَالِثُهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ إلَى الرُّتْبَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْعَدَدِ، وَهِيَ الثَّلَاثُ فَإِنَّ زَوَالَ الْعِصْمَةِ أَعَمُّ مِنْ زَوَالِهَا بِالْعَدَدِ الثَّالِثِ فَهَذِهِ رُتَبٌ ثَلَاثٌ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْعُرْفِ اللَّفْظَ إلَيْهَا حَتَّى يُفِيدَ اللَّفْظُ الثَّلَاثَ فَهَذِهِ الرُّتَبُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ رحمه الله بِقَوْلِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْبَيْنُونَةَ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ أَصْلَ الطَّلَاقِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَوْ بِعُرْفٍ حَادِثٍ بَعْدُ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لُغَوِيَّةً وَضْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعِيَّةً فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَبِكُلِّ مَكَان، وَمُسْتَنَدُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ وَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ فَإِنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى عُرْفِهِ أَوْ عَلَى اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ عُرْفِيَّةً بِعُرْفٍ حَادِثٍ فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ بِهَا بِانْتِقَالِ الْعُرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِعَارَةِ وَالْمَجَازَ وَالتَّشْبِيهَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَقَرَةِ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ لَا حَجْرَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ الْأَزْوَاجِ بِسَبَبِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَبْقَى الْبَقَرَةُ فِي مَرْعَاهَا كَذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَسَائِرِ الْمَجَازَاتِ إلَى قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ) قُلْت قَوْلُهُ هَذَا صَحِيحٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ لَمْ تَصِرْ عُرْفًا قَالَ فَحِينَئِذٍ إنَّمَا تَصِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُوجِبَةً لِمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَقْلِ الْعُرْفِ لَهَا فِي رُتَبِ أَحَدِهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ عَنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ، وَثَانِيهَا أَنْ يَنْقُلَهَا لِرُتْبَةٍ أُخْرَى وَهِيَ إنْشَاءُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ خَاصٌّ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْلِهَا لِلْإِنْشَاءِ أَنْ تُفِيدَ زَوَالَ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِنْشَاءِ أَعَمُّ مِنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ فَقَدْ يَصْدُقُ بِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا تَدُلُّ بِنَقْلِهَا إلَى أَصْلِ الْإِنْشَاءِ عَلَى زَوَالِ الْعِصْمَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهَا إلَى خُصُوصِهِ فَتُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ حِينَئِذٍ. قُلْتُ كَلَامُهُ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَتَأَتَّى أَنْ تَدُلَّ عَلَى مُطْلَقِ الْإِنْشَاءِ دُونَ خُصُوصِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَدُلَّ عَلَى إنْشَاءٍ خَاصٍّ فَالنَّقْلُ إذًا لَيْسَ لَهُ رُتَبٌ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ نَقْلُهُ لِغَيْرِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ أَوْ لِزَوَالِهَا.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَثَالِثُهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ إلَى الرُّتْبَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْعَدَدِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَصْلِ الطَّلَاقِ) .
قُلْتُ وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَصْلِ الطَّلَاقِ فَتَكُونُ إفَادَتُهَا ذَلِكَ بِالْعُرْفِ لَا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ.
وَثَانِيهَا أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ لَا يَكْفِي فِي النَّقْلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ الِاسْتِعْمَالِ بِحَيْثُ يُفْهَمُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ، وَيَكُونُ هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ فَقَدْ يَتَكَرَّرُ اللَّفْظُ فِي مَجَازِهِ وَلَا يَكُونُ مَنْقُولًا وَلَا مَجَازًا رَاجِحًا أَلْبَتَّةَ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَالْبَحْرِ فِي الْعَالِمِ أَوْ السَّخِيِّ وَالضُّحَى أَوْ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ أَوْ الْغَزَالِ فِي جَمِيلِ الصُّورَةِ.
وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ تَكْرَارًا كَثِيرًا، وَمَعَ ذَلِكَ التَّكْرَارِ الَّذِي لَا يُحْصَى عَدَدُهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَارَتْ مَنْقُولَةً بَلْ لَا تُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا أُرِيدَ بِهَا هَذِهِ الْمَجَازَاتُ وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ مَجَازٍ مِنْهَا مِنْ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَى اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِ، فَهَذَا ضَابِطٌ فِي النَّقْلِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِذَا أَحَطْتَ بِهِ عِلْمًا ظَهَرَ لَكَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
وَهُوَ أَنَّا لَا نَجِدُ أَحَدًا فِي زَمَانِنَا يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ عِنْدَ إرَادَةِ تَطْلِيقِهَا حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَلَا أَنْتِ بَرِيئَةٌ وَلَا وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ بَلْ هَذَا لَمْ نَسْمَعْهُ قَطُّ مِنْ الْمُطَلِّقِينَ، وَلَوْ سَمِعْنَاهُ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى سَمْعِنَا لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَنْقُولَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، فَالْمُسْتَعْمِلُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ إيَّاهَا وَلَيْسَ فِيهَا عُرْفٌ وَقْتِيٌّ بَلْ كَانَتْ لُغَوِيَّةً وَضْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعِيَّةً لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَى مُقْتَضَاهَا الشَّرْعِيِّ فَاللُّغَوِيِّ الْعُرْفِيِّ فَالْأَصْلِيِّ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَبِكُلِّ مَكَان إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ إيَّاهَا وَفِيهَا عُرْفٌ وَقْتِيٌّ لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ عُرْفًا لِلْمُسْتَعْمِلِ، وَإِلَّا فَالشَّرْعِيُّ وَإِلَّا فَاللُّغَوِيُّ الْعُرْفِيُّ وَإِلَّا فَاللُّغَوِيُّ الْأَصْلِيُّ فَإِنْ أَفْتَى الْفَقِيهُ عِنْدَ وُجُودِ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ الْعُرْفِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ الْأَصْلِيِّ وَأَلْغَى الْعُرْفَ الْوَقْتِيَّ فَهُوَ مُخْطِئٌ، وَإِنْ أَفْتَى بِالتَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ وُجُودِ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ فَهُوَ مُصِيبٌ.
وَثَالِثُهَا أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْتَفْتِيهِ عَنْ لَفْظَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَكَانَ عُرْفُ بَلَدِ الْمُفْتِي فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يُفْتِيهِ بِحُكْمِ بَلَدِهِ بَلْ يَسْأَلُهُ هَلْ هُوَ مِنْ بَلَدِ أَهْلِ الْمُفْتِي فَيُفْتِيهِ حِينَئِذٍ
غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَغْوَارٌ لَمْ يُفْصِحْ بِهَا، وَهُوَ يُرِيدُهَا وَهِيَ أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عُرْفِيَّةٌ لَا لُغَوِيَّةٌ، وَأَنَّهَا تُفِيدُ بِالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ لَا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَثَانِيهَا أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ لَا يَكْفِي فِي النَّقْلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ الِاسْتِعْمَالِ إلَى غَايَةٍ يَصِيرُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ يُفْهَمُ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ.
وَيَكُونُ هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ فَقَدْ يَتَكَرَّرُ اللَّفْظُ فِي مَجَازِهِ وَلَا يَكُونُ مَنْقُولًا وَلَا مَجَازًا رَاجِحًا أَلْبَتَّةَ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَالْبَحْرِ فِي الْعَالِمِ أَوْ السَّخِيِّ وَالضُّحَى أَوْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْغَزَالِ فِي جَمِيلِ الصُّورَةِ، وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ تَكْرَارًا كَثِيرًا، وَمَعَ ذَلِكَ التَّكْرَارِ الَّذِي لَا يُحْصَى عَدَدُهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَارَتْ مَنْقُولَةً بَلْ لَا تُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا أُرِيدَ بِهَا هَذِهِ الْمَجَازَاتُ، وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ مَجَازٍ مِنْهَا مِنْ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَى اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِ فَعَلِمْنَا حِينَئِذٍ أَنَّ النَّقْلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِتَكَرُّرِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ إلَى حَدٍّ يَصِيرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ لِلذِّهْنِ وَالْفَهْمِ هُوَ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ دُونَ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ فَهَذَا ضَابِطٌ فِي النَّقْلِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِذَا أَحَطْتَ بِهِ عِلْمًا ظَهَرَ لَك الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ أَنَّا لَا نَجِدُ أَحَدًا فِي زَمَانِنَا يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ عِنْدَ إرَادَةِ تَطْلِيقِهَا حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَلَا أَنْتِ بَرِيَّةٌ وَلَا وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ هَذَا لَمْ نَسْمَعْهُ قَطُّ مِنْ الْمُطَلِّقِينَ وَلَوْ سَمِعْنَاهُ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى سَمْعِنَا لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَنْقُولَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَأَمَّا لَفْظُ الْحَرَامِ فَقَدْ اُشْتُهِرَ فِي زَمَانِنَا فِي أَصْلِ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَمَّا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّا لَا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ ذَلِكَ فِي الِاسْتِعْمَالِ هَذَا قَوْلُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمِصْرَ وَالْقَاهِرَةِ.
فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ بَلَدٌ آخَرُ تَكَرَّرَ الِاسْتِعْمَالُ عِنْدَهُمْ فِي الْحَرَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثِ حَتَّى صَارَ هَذَا الْعَدَدُ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ اللَّفْظِ، فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ إلْزَامُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ إنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا رحمه الله قَالَهُ أَوْ لِأَنَّهُ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَهْمُ حَاصِلًا لَكَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ كَمَا يَحْصُلُ لِسَائِرِ الْعَوَامّ كَمَا فِي لَفْظِ الدَّابَّةِ وَالْبَحْرِ وَالرِّوَايَةِ فَالْفَقِيهُ وَالْعَامِّيُّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ سَوَاءٌ فِي الْفَهْمِ لَا يَسْبِقُ إلَى إفْهَامِهِمْ إلَّا الْمَعَانِي الْمَنْقُولُ إلَيْهَا فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ لَا فَهْمُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَإِنَّ النَّقْلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ لَا بِتَسْطِيرِ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ بَلْ الْمُسَطَّرُ فِي الْكُتُبِ تَابِعٌ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ فَافْهَمْ ذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ (غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَغْوَارٌ لَمْ يُفْصِحْ بِهَا وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهِيَ أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنَّ هَذِهِ الْإِفَادَةَ عُرْفِيَّةٌ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا ضَابِطٌ فِي النَّقْلِ لَا بُدَّ مِنْهُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ
قَالَ (فَإِذَا أَحَطْتَ بِهِ عِلْمًا ظَهَرَ لَكَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَى قَوْلِهِ فَحِينَئِذٍ يُحْسِنُ إلْزَامُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ) قُلْتُ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا صَحِيحٌ قَالَ: (وَإِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ إنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَهُ أَوْ لِأَنَّهُ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَهْمُ حَاصِلًا لَكَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ كَمَا يَحْصُلُ لِسَائِرِ الْعَوَامّ إلَى قَوْلِهِ: بَلْ الْمُسَطَّرُ فِي الْكُتُبِ تَابِعٌ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ فَافْهَمْ ذَلِكَ)
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ هُوَ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَيَسْأَلُهُ حِينَئِذٍ عَنْ الْمُشْتَهَرِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيُفْتِيهِ بِهِ.
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُ بِحُكْمِ بَلَدِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّعَامُلُ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْحَاكِمِ حَرُمَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِسِكَّةِ بَلَدِهِ بَلْ بِسِكَّةِ بَلَدِ الْمُشْتَرِي إنْ اخْتَلَفَ السِّكَّتَانِ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا وَبِالْإِحَاطَةِ بِهَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ إجْرَاءَ الْفُقَهَاءِ الْمُفْتِينَ لِلْمَسْطُورَاتِ فِي كُتُبِ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ إنْ كَانُوا فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ عُرْفٍ وَقْتِيٍّ فَفِعْلُهُمْ خَطَأٌ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَهُمْ عُصَاةٌ آثِمُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْذُورِينَ بِالْجَهْلِ لِدُخُولِهِمْ فِي الْفَتْوَى وَلَيْسُوا أَهْلًا لَهَا وَلَا عَالِمِينَ بِمَدَارِكِهَا وَشُرُوطِهَا وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا، وَإِنْ كَانُوا فَعَلُوهُ مَعَ عَدَمِ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ فَلَيْسَ بِخَطَأٍ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَحْقِيقِ وُقُوعِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ هَلْ وُجِدَ فَيُتَّبَعُ أَمْ لَمْ يُوجَدْ فَيُتَّبَعُ مُوجَبُ اللُّغَةِ وَإِذَا وُجِدَ النَّقْلُ فَهَلْ وُجِدَ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ فَقَطْ أَوْ فِيهِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ أَوْ مَعَ الْعَدَدِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ عُرْفِيٌّ وَبَقِيَ مُوجَبُ اللُّغَةِ فَهَلْ يُلَاحَظُ نُصُوصٌ اقْتَضَتْ الْكَفَّارَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ أَوْ لَا أَوْ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ الْمُدْرَكُ هُوَ الْقِيَاسُ لَا النَّصُّ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى هَذِهِ الْمَدَارِكِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَّضِحْ وُجُودُهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَاتَّضَحَ عِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ وَقَعَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْحُكْمِ فَلَوْ وَقَعَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى وُجُودِهَا لَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْحُكْمِ، وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ صِحَّةِ هَذِهِ الْمَدَارِكِ وَبَيْنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُودِهَا، وَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ مُدْرَكُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَالْإِمَامِ مَالِكٍ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالشَّرْعِيُّ وَإِلَّا فَاللُّغَوِيُّ وَإِلَّا فَالْأَصْلِيُّ لَا الْقِيَاسُ وَلَا النَّصُّ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالْإِجْمَاعِ.
أَمَّا الِاسْتِقْرَاءُ فَلَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُدْرَكُهُمْ فِي حَمْلِهِمْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْإِنْشَاءِ لَا عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ مِنْ الْخَبَرِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ أَوْ النَّصُّ فَإِنَّا نَعْلَمُ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ وَشَرَائِطَ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي