الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِذِكْرِ مَسَائِلِهَا وَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ تَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ فَلَوْ صَادَ مَالِكُ الصَّيْدِ أَوْ احْتَشَّ مَالِكُ الْحَشِيشِ أَوْ احْتَطَبَ مَالِكُ الْحَطَبِ أَوْ اسْتَقَى مَاءَ مِلْكِهِ وَتَرَتَّبَ لَهُ الْمِلْكُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ أَوْ قَارَضَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَتَرَتَّبُ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ غَالِبُهَا خَيْرٌ مَحْضٌ مِنْ غَيْرِ خَسَارَةٍ وَلَا غَبْنٍ وَلَا ضَرَرٍ فَلَا أَثَرَ لِسَفَهِهِ فِيهَا فَجَعَلَهَا الشَّرْعُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّهِ تَحْصِيلًا لِلْمَصَالِحِ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا نَافِعَةً مُفِيدَةً غَالِبًا وَأَمَّا الْقَوْلِيَّةُ فَإِنَّهَا مَوْضِعُ الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ يُنَازِعُهُ وَيُجَاذِبُهُ إلَى الْغَبْنِ، وَضَعْفُ عَقْلِهِ فِي ذَلِكَ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ ضَيَاعُ مَصْلَحَتِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَصْلَحَتِهَا بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ وَطِئَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ أَمَتَهُ صَارَتْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ وَهُوَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ يَقْتَضِي الْعِتْقَ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ مَعَ عُلُوِّ مَنْزِلَةِ الْعِتْقِ عِنْدَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا سِيَّمَا الْمُنَجَّزُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا السَّبَبِ الْفِعْلِيِّ وَهَذَا السَّبَبِ الْقَوْلِيِّ أَنَّ نَفْسَهُ تَدْعُوهُ إلَى وَطْءِ أَمَتِهِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى وُقُوعِهِ فِي الزِّنَى وَيَطَؤُهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَيَقَعُ فِي عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا دَاعِيَةَ تَدْعُوهُ لِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ فَإِذَا قُلْنَا لَهُ لَيْسَ لَك ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَحْذُورٌ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْوَطْءَ وَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِاسْتِحْقَاقِ الْأَمَةِ الْعِتْقَ عِنْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ تَامٌّ لِلْعِتْقِ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَدْ أَبَحْنَا لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ وَالسَّبَبُ التَّامُّ إذَا أُذِنَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبِّبُهُ لِأَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ الْمَأْذُونِ فِيهِ دُونَ الْمُسَبِّبِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَالسَّبَبُ الْقَوْلِيُّ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَالسَّبَبُ الْمَعْدُومُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ الْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى أَوْ الْقَوْلِيَّةُ أَقْوَى فَقِيلَ الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى لِنُفُوذِهَا مِنْ الْمَحْجُورِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمُشَابَهَةُ بِأَنْ رَفَضَ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ بَعْدَمَا أَدَّى بِهَا الصَّلَاةَ وَتَمَّ حُكْمُهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَفَضَ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ أَتَى بِهَا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ فَإِنْ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرَّفْضِ فِي مِثْلِ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ ظَاهِرَةٌ فِي خِلَافِ مَا قَالَ. اهـ.
قُلْت وَلَمَّا لَمْ يَجْرِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي الْغُسْلِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ لُزُومَ الْوُضُوءِ لَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ فَقَطْ لِأَنَّ اللُّزُومَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ طَرَءَانِ النَّاقِضِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ جَزَمَ الْفُقَهَاءُ بِعَدَمِ رَفْضِهِ بَعْدَ كَمَالِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ لَمَّا لَمْ يَجْرِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الصَّفْتِيُّ الظَّاهِرُ رَفْضُهُ فِي الْأَثْنَاءِ لَا بَعْدَ الْكَمَالِ وَقَدْ اسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ فِيهِمَا مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَمِيرِ مِنْ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ مَعَ وُجُوبِ إتْمَامِ فَاسِدِهِمَا وَقَضَائِهِ فَافْهَمْ قَالَ عبق وَالرَّفْضُ لُغَةً التَّرْكُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا تَقْدِيرُ مَا وُجِدَ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالْعَدَمِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَضَوْءِ الشُّمُوعِ وَاسْتَظْهَرَ شب جَوَازَ الرَّفْضِ كَالنَّقْضِ وَلَعَلَّ أَقَلَّهُ الْكَرَاهَةُ فَإِنَّ شَأْنَ النَّقْضِ الْحَاجَةُ وَفِي الْمُحَشِّيِّ حُمِلَ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] عَلَى الْمَقَاصِدِ وَظَاهِرُهُ عُمُومُ الْمَقَاصِدِ الَّتِي هِيَ السَّبْعَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِيمَا يَجِبُ مِنْ النَّوَافِلِ بِالشُّرُوعِ
صَلَاةٌ وَصَوْمٌ ثُمَّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ
…
طَوَافٌ عُكُوفٌ وَائْتِمَانٌ تَحَتُّمًا
وَفِي غَيْرِهَا كَالطُّهْرِ وَالْوَقْفِ خُيِّرْنَ
…
فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ وَمَنْ شَاءَ تَمَّمَا
قُلْت أَوْ عَلَى مَا يَعُمُّ الْوَسَائِلَ مَعَ رَفْعِ الْمَقَاصِدِ بِغَيْرِ هَذَا كَالرِّيَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فَجَعَلُوهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264] ثُمَّ إنَّ الرَّفْضَ الْمُضِرَّ الْإِفْسَادُ الْمُطْلَقُ أَمَّا إنْ أَرَادَ حَدَثًا أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَرَفْعِ نِيَّةِ الصَّائِمِ لِأَكْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَجِدْهُ وَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَزَمَ عَلَى إفْسَادٍ لَمْ يَحْصُلْ لَا إفْسَادٍ بِالْفِعْلِ اهـ كَلَامُ الْأَمِيرِ قُلْت.
وَهَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْحَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَنَمْ نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَضَعَّفَ الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلَ مَالِكٍ مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَلَمْ يَنَمْ تَوَضَّأَ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَلَى هَذَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْوَطْءَ فَكَفُّ ابْنُ عَرَفَةَ يُشَبِّهُ إرَادَةَ الْفِطْرِ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ الرَّفْضَ أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ لَا بَعْدَهُ اهـ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ) وَالْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْأَسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقِرَاضِ وَكُلِّ مَا هُوَ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْأَقْوَالِ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَافْتَرَقَتْ هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مِنْ وُجُوهٍ
أَحَدُهَا أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ تَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ الثَّانِي أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ لَا تَقَعُ إلَّا نَافِعَةً مُفِيدَةً غَالِبًا بِخِلَافِ الْقَوْلِيَّةِ الثَّالِثُ أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ قَدْ تَكُونُ لَهَا دَاعِيَةٌ تَدْعُو لَهَا مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ بِخِلَافِ الْقَوْلِيَّةِ الرَّابِعُ أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ لَا تَسْتَعْقِبُ مُسَبِّبَاتِهَا وَالْقَوْلِيَّةَ تَسْتَعْقِبُهَا
الْخَامِسُ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْفِعْلِيَّةِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ضَعِيفٌ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ زَوَالِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَفِي الْقَوْلِيَّةِ قَوِيٌّ لَا يَزُولُ إلَّا بِسَبَبٍ نَاقِلٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ السَّادِسُ أَنَّ قَاعِدَةَ تَقْدِيمِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ إنَّمَا تَأَتَّى فِي
عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِهِ وَقِيلَ الْقَوْلِيَّةُ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْقَوْلِ يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَالْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَالسَّبَبُ الَّذِي يَسْتَعْقِبُ مُسَبَّبَهُ أَقْوَى مِمَّا لَا يَسْتَعْقِبُهُ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا وَثَبَتَ فِيهَا سَمَكَةٌ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ لِأَنَّ حَوْزَهُ أَخَصُّ بِالسَّمَكَةِ مِنْ حَوْزِ صَاحِبِ السَّفِينَةِ لِأَنَّ حَوْزَ السَّفِينَةِ يَشْمَلُ هَذَا الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ وَحَوْزَ هَذَا الرَّجُلِ لَا يَتَعَدَّاهُ فَهُوَ أَخَصُّ بِالسَّمَكَةِ مِنْ صَاحِبِ السَّفِينَةِ وَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُصَلِّي لَا يَجِدُ إلَّا نَجِسًا وَحَرِيرًا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيُقَدَّمُ النَّجِسُ فِي الِاجْتِنَابِ لِأَنَّهُ أَخَصُّ وَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ وَالْمُحْرِمِ لَا يَجِدُ مَا يَقُوتُهُ إلَّا مَيْتَةً أَوْ صَيْدًا يُقَدَّمُ الصَّيْدُ فِي الِاجْتِنَابِ عَلَى الْمَيْتَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ أَخَصُّ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَتَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ يَشْمَلُ الْحَاجَّ وَغَيْرَهُ كَمَا أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَرِيرِ يَشْمَلُ الْمُصَلِّيَ وَغَيْرَهُ فَقَاعِدَةُ تَقْدِيمِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ لَهُ نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْمِلْكُ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ أَضْعَفُ مِنْ تَحْصِيلِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ إذَا زَالَ الْإِحْيَاءُ عَنْهُ بَطَلَ الْمِلْكُ وَلَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ فِي الْقَوْلِيِّ إلَّا بِسَبَبٍ نَاقِلٍ وَالْإِحْيَاءُ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ فَيَكُونُ هَذَا الْفَرْعُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ أَضْعَفُ مِنْ الْقَوْلِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ مَالِكٍ أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِزَوَالِ الْإِحْيَاءِ فَلَا مَقَالَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ يَقُولُ مَالِكٌ إذَا تَوَحَّشَ الصَّيْدُ بَعْدَ حَوْزِهِ أَوْ الْحَمَامُ بَعْدَ إيوَائِهِ أَوْ النَّحْلُ بَعْدَ ضَمِّهِ بِجَبْحِهِ يَزُولُ الْمِلْكُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ السَّمَكَةُ إذَا انْفَلَتَتْ فِي الْبَحْرِ فَصَادَهَا غَيْرُ صَائِدِهَا الْأَوَّلِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى وَهِيَ التَّبْلِيغُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْإِمَامَةِ) اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالْقَاضِي الْأَحْكَمُ وَالْمُفْتِي الْأَعْلَمُ فَهُوَ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ عليه الصلاة والسلام بِالْإِمَامَةِ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْفِعْلِيَّةِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ
(وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِخَمْسِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ لَا تَقَعُ إلَّا نَافِعَةً مُفِيدَةً غَالِبًا جَعَلَهَا الشَّرْعُ مُعْتَبَرَةً حَتَّى فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِسَفَهِهِ أَثَرًا فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ تَحْصِيلًا لِمَصَالِحِهَا وَأَمَّا الْأَسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَوْضِعُ الْمُمَاسَكَةِ وَالْمُغَالَبَةِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ يُنَازِعُهُ وَيُجَاذِبُهُ إلَى الْغَبْنِ وَالْمَحْجُورُ لِضَعْفِ عَقْلِهِ فِي ذَلِكَ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتَبِرْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَصْلَحَتِهَا فَيَمْلِكُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا يَصْطَادُهُ أَوْ يَحْتَشُّهُ أَوْ يَحْتَطِبُهُ أَوْ يَسْتَقِيهِ لِتَرَتُّبِ الْمِلْكِ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ أَوْ قَارَضَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْفَرْقُ بَيْنَ وَطْءِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَمَتَهُ وَهُوَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ يَقْتَضِي الْعِتْقَ وَيُصَيِّرُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَبَيْنَ عِتْقِهِ عَبْدَهُ وَهُوَ سَبَبٌ قَوْلِيٌّ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا سِيَّمَا الْمُنَجَّزُ هُوَ أَنَّ السَّبَبَ الْفِعْلِيَّ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ لَمَّا كَانَتْ نَفْسُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ تَدْعُوهُ إلَى وَطْءِ أَمَتِهِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى وُقُوعِهِ فِي الزِّنَا بِأَنْ يَطَأَهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَيَقَعَ فِي عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَحْذُورُ جَوَّزَهُ الشَّرْعُ لَهُ وَهُوَ سَبَبٌ تَامٌّ لِلْعِتْقِ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَالسَّبَبُ التَّامُّ إذَا أُذِنَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبِّبُهُ لِأَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ الْمَأْذُونِ فِيهِ دُونَ الْمُسَبِّبِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَلِذَا وَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِاسْتِحْقَاقِ أَمَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْعِتْقَ عِنْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا حَيْثُ وَطِئَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ وَأَمَّا السَّبَبُ الْقَوْلِيُّ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا دَاعِيَةَ تَدْعُو الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ مَحْذُورٌ لَمْ يُجَوِّزْهُ لَهُ الشَّرْعُ وَالسَّبَبُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ يَكُونُ كَالْمَعْدُومِ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي كَوْنِ الْفِعْلِيَّةِ أَقْوَى لِنُفُوذِهَا مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِهِ أَوْ الْقَوْلِيَّةِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْقَوْلِ يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَالْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَالسَّبَبُ الَّذِي يَسْتَعْقِبُ مُسَبِّبَهُ أَقْوَى مِمَّا لَا يَسْتَعْقِبُهُ خِلَافٌ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْمِلْكُ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ زَوَالِ الْإِحْيَاءِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَزُولُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ تَوَحُّشِ الصَّيْدِ بَعْدَ حَوْزِهِ وَالْحَمَامِ بَعْدَ إيوَائِهِ وَالنَّحْلِ بَعْدَ ضَمِّهِ بِجَبْحِهِ وَبِمُجَرَّدِ انْفِلَاتِ السَّمَكَةِ فِي الْبَحْرِ فَتَكُونُ لِغَيْرِ صَائِدِهَا الْأَوَّلِ إذَا صَادَهَا وَالْمِلْكُ بِنَحْوِ الشِّرَاءِ قَوِيٌّ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِسَبَبٍ نَاقِلٍ أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِزَوَالِ الْإِحْيَاءِ وَنَحْوِهِ فَلَا مَقَالَ مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ
نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا وَثَبَتَ فِيهَا سَمَكَةٌ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ تَقْدِيمِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ لِأَنَّ حَوْزَ هَذَا الْإِنْسَانِ أَخَصُّ مِنْ حَوْزِ صَاحِبِ السَّفِينَةِ لِأَنَّ حَوْزَ السَّفِينَةِ يَشْمَلُ هَذَا الْإِنْسَانَ وَغَيْرَهُ وَحَوْزَ هَذَا الْإِنْسَانِ لَا يَتَعَدَّاهُ فَهُوَ أَخَصُّ بِالسَّمَكَةِ مِنْ صَاحِبِ السَّفِينَةِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَخَصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْهَا الْمُصَلِّي لَا يَجِدُ إلَّا نَجِسًا وَحَرِيرًا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ فَقَطْ فَيُقَدَّمُ النَّجِسُ فِي الِاجْتِنَابِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ أَخَصُّ مِنْ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ إذْ تَحْرِيمُ الْحَرِيرِ يَشْمَلُ الْمُصَلِّيَ وَغَيْرَهُ وَتَحْرِيمُ النَّجِسِ خَاصٌّ بِالْمُصَلِّي وَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ