الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَكْسِ فَتَفْسُدُ الضَّوَابِطُ وَيَعُودُ اللَّبْسُ وَالسُّؤَالُ كَمَا تَقَدَّمَ قُلْت أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ فُرُوعِ الشَّهَادَةِ فَالْعُمُومُ فِيهَا إنَّمَا جَاءَ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ وَالتَّبَعِ وَمَقْصُودُهَا الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ جُزْئِيٌّ أَمَّا الْوَقْفُ فَالْمَقْصُودُ بِالشَّهَادَةِ فِيهِ الْوَاقِفُ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ يُنْتَزَعُ مِنْهُ مَالٌ مُعَيَّنٌ فَكَانَ ذَلِكَ شَهَادَةً ثُمَّ اُتُّفِقَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ فِيهِ عُمُومٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْوَقْفَ قَدْ يَكُونُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِغَيْرِهِ فَالْعُمُومُ أَمْرٌ عَارِضٌ لَيْسَ مُتَقَرِّرًا شَرْعًا فِي أَصْلِ هَذَا الْحُكْمِ.
وَأَمَّا النَّسَبُ فَالْمَقْصُودُ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْإِلْحَاقُ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ أَوْ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ تَفَرُّعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ التَّابِعَةِ لِلْمَقْصُودِ بِالشَّهَادَةِ كَمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا وَقَعَتْ بِأَنَّ هَذَا رَقِيقٌ لِزَيْدٍ قُبِلَ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ لُزُومَ الْقِيمَةِ لِمَنْ قَتَلَهُ دُونَ الدِّيَةِ وَسُقُوطِ الْعِبَادَاتِ عَنْهُ وَاسْتِحْقَاقِ إكْسَابِهِ لِلسَّيِّدِ مَعَ أَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يَقْصِدْ سُقُوطَ الْعِبَادَاتِ عَنْهُ، وَلَيْسَ سُقُوطُ الْعِبَادَاتِ مِمَّا تَدْخُلُ فِيهِ الشَّهَادَاتُ فَضْلًا عَنْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِتَزْوِيجِ زَيْدٍ الْمَرْأَةَ الْمُعَيَّنَةَ شَهَادَةٌ بِحُكْمٍ جُزْئِيٍّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُوَ جُزْئِيٌّ، وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ تَحْرِيمُهَا عَلَى غَيْرِهِ وَإِبَاحَةُ وَطْئِهَا لَهُ مَعَ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ شَأْنُهُمَا الرِّوَايَةُ دُونَ الشَّهَادَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ فَقَدْ يَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ مَا لَا يَثْبُتُ مُتَأَصِّلًا فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي الضَّوَابِطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا فَهَذَا لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَقْلًا فِيمَا أَظُنُّ.
وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لِخُصُوصِ الْمَحْكُومِ فِيهِ وَهُوَ الْأَرْضُ فَإِنَّهَا جُزْئِيَّةٌ لَا يَتَعَدَّاهَا الْحُكْمُ إلَى غَيْرِهَا فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِمَا الشَّبَهَانِ، وَأَمْكَنَ التَّرَدُّدُ وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُوضِ عَلَى الرِّوَايَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا.
(مَسْأَلَةٌ)
أَخْبَرَنِي بَعْضُ شُيُوخِي الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّهُ رَأَى مَنْقُولًا أَنَّهُ إذَا رَوَى الْعَدْلُ الْعَبْدُ حَدِيثًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ نَفْعُهُ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ مُوجِبٌ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي الْخُصُوصِ مَعَ وَازِعِ الْعَدَالَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ بَعِيدٌ عَنْ التُّهَمِ جِدًّا، وَأَنَّهُ سَبَبُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الشَّهَادَةِ يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ بِالْعَدَالَةِ وَهَلْ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ فِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُوضِ عَلَى الرِّوَايَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا) قُلْت جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ بِالْعَنْوَةِ أَوْ الصُّلْحِ أَنَّ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ وَشِبْهَ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ دُونَ شِبْهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ رَوَى الْعَدْلُ الْعَبْدُ حَدِيثًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ]
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (مَسْأَلَةُ أَخْبَرَنِي بَعْضُ شُيُوخِي إلَخْ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ تَنْبِيهِهَا عَلَى أَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ تَبْعُدُ عَنْهُ التُّهَمُ صَحِيحٌ.
[مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الشَّهَادَةِ]
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (مَسْأَلَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الشَّهَادَةِ يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ بِالْعَدَالَةِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ) قُلْت مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرْجِيحِ بِالْعَدَالَةِ وَالتَّرْجِيحِ بِالْعَدَدِ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ ثَلَاثَ فَوَائِدَ فِي اخْتِتَامِ هَذَا الْفَرْقِ وَمَا ذَكَرَهُ فِيهَا ظَاهِرٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَقْوِيمَ الْمُقَوِّمِ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَفِي مَعْنَى الْقَاسِمِ الْخَارِصُ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ.
(وَخَامِسُهَا) مُخْبِرُ الْمُصَلِّي بِعَدَدِ مَا صَلَّى هَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ أَمْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ، وَشَبَهُهُ بِالرِّوَايَةِ ظَاهِرٌ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِتَعْيِينٍ فَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ إلَّا مَعَ قَرَائِنَ تُوجِبُ الْقَطْعَ، وَكَذَلِكَ فِي الِاثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا لَكِنْ نَقُولُ طَلَبُ الْيَقِينِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِمَّا يَشُقُّ وَيُحْرِجُ، وَالْحَرَجُ مَرْفُوعٌ شَرْعًا وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَفِي مَعْنَى مُخْبِرِ الْمُصَلِّي الْمُخْبِرُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ فَافْهَمْ.
(وَسَادِسُهَا) الْإِخْبَارُ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ قِيلَ لَهُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ اثْنَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَبَهِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْعَامِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَبِهَذَا الْقَرْنِ مِنْ النَّاسِ دُونَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ وَاَلَّذِي يَقْوَى فِي النَّظَرِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرِّوَايَةِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِوَايَةً حَقِيقِيَّةً لِعَدَمِ تَعْرِيفِ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهِ وَلَا شَهَادَةٍ حَقِيقَةٍ لِعَدَمِ تَرَتُّبِ حُكْمٍ وَفَصْلِ قَضَاءٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ، وَهُوَ الْخَبَرُ عَنْ وُجُودِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْمُوجِبِ لِلْعَدَاوَةِ مَا يَتَطَرَّقُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ الدُّنْيَوِيِّ مَعَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِمُعَيَّنٍ لِعُمُومِ الْحُكْمِ فِيهِ جَمِيعَ الْحَضَرِ أَوْ أَهْلَ الْآفَاقِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ أَوْ لَا.
(وَسَابِعُهَا) الْمُؤَذِّنُ يُخْبِرُ عَنْ الْوَقْتِ، وَالْمَلَّاحُ وَمَنْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ يُخْبِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْقِبْلَةِ هَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ عَدْلٌ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ.
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ نَقْلًا وَنَظَرًا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ عَنْ الْوَقْتِ وَعَنْ الْقِبْلَةِ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ احْتِمَالِ قَصْدِ الْعَدُوِّ إلْزَامَ عَدُوِّهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَالتَّشَفِّي مِنْهُ بِذَلِكَ مَا يَتَطَرَّقُ إلَى خَبَرِ الْمُخْبِرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ
أَحْكَامِ الْأَمْوَالِ خَاصَّةً وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ لَا يُقْضَى بِذَلِكَ مُطْلَقًا ثَلَاثُ أَقْوَالٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُكُومَاتِ إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَرْءِ الْخُصُومَاتِ وَرَفْعِ التَّظَالُمِ وَالْمُنَازَعَاتِ، فَلَوْ رَجَّحْنَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ لَأَمْكَنَ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَزِيدُ فِي عَدَدِ بَيِّنَتِي فَنُمْهِلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدَدٍ آخَرَ فَإِذَا أَتَى بِهِ قَالَ خَصْمُهُ: أَنَا أَزِيدُ فِي الْعَدَدِ الْأَوَّلِ فَنُمْهِلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدَدٍ آخَرَ أَيْضًا فَيَطُولُ النِّزَاعُ، وَيَنْتَشِرُ الشَّغَبُ وَيَبْطُلُ مَقْصُودُ الْحُكْمِ.
أَمَّا التَّرْجِيحُ بِالْأَعْدَلِيَّةِ فَلَا يُمَكِّنُ الْخَصْمَ أَنْ يَسْعَى فِي أَنْ تَصِيرَ بَيِّنَتُهُ أَعْدَلَ مِنْ بَيِّنَةِ خَصْمِهِ بِالدِّيَانَةِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضِيلَةِ فَلَا تَنْتَشِرُ الْخُصُومَاتُ وَلَا يَطُولُ زَمَانُهَا لِانْسِدَادِ الْبَابِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَلَيْسَ بَابُهُ مُنْسَدًّا فَيَقْدَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ وَلَوْ بِالزُّورِ وَالْحَاكِمُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَالْأَعْدَلِيَّةُ لَا تُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ الْحَاكِمِ فَلَا تَسَلُّطَ لِلْخَصْمِ عَلَى زِيَادَتِهَا فَانْسَدَّ الْبَابُ.
(فَائِدَةٌ)
الشَّهَادَةُ خَبَرٌ وَالرِّوَايَةُ خَبَرٌ وَالدَّعْوَى خَبَرٌ وَالْإِقْرَارُ خَبَرٌ وَالنَّتِيجَةُ خَبَرٌ وَالْمُقَدِّمَةُ خَبَرٌ وَالتَّصْدِيقُ خَبَرٌ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ تَتَمَيَّزُ مَعَ اشْتِرَاكِهَا كُلِّهَا فِي مُطْلَقِ الْخَبَرِيَّةِ.
وَالْجَوَابُ أَمَّا الشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، وَإِمَّا الدَّعْوَى فَهِيَ خَبَرٌ عَنْ حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُخْبِرِ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْإِقْرَارُ خَبَرٌ عَنْ حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُخْبِرِ وَيَضُرُّ بِهِ وَحْدَهُ عَكْسُ الدَّعْوَى الضَّارَّةِ لِغَيْرِهِ. وَلِذَلِكَ أَنَّ الْإِقْرَارَ مَتَى أَضَرَّ بِغَيْرِ الْمُخْبِرِ أَسْقَطْنَا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ حُرَّانِ، وَيُسَمَّى الْإِقْرَارُ الْمُرَكَّبُ وَالنَّتِيجَةُ هِيَ خَبَرٌ نَشَأَ عَنْ دَلِيلٍ، وَقَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ عَلَيْهِ يُسَمَّى مَطْلُوبًا وَالْمُقَدِّمَةُ هِيَ خَبَرٌ هُوَ جُزْءُ دَلِيلٍ وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الْقَدَرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا يُسَمَّى بِأَحْسَنِ عَارِضَيْهِ لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِقَائِلِهِ صَدَقْتَ أَوْ كَذَبْتَ فَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى تَكْذِيبًا غَيْرَ أَنَّهُ سُمِّيَ بِأَحْسَنِ عَارِضَيْهِ لَفْظًا
(فَائِدَةٌ)
مَعْنَى شَهِدَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُتَبَايِنَةٌ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ بَدْرًا أَوْ شَهِدْنَا صَلَاةَ الْعِيدِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] قَالَ مَعْنَاهُ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ، أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فِي الْمِصْرِ فَلْيَصُمْهُ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ فَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ الْحَاضِرُ الْمُقِيمُ فَهَذَا أَحَدُ مُسَمَّيَاتِ شَهِدَ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي شَهِدَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْ أَخْبَرَ بِمَا يَعْتَقِدُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ شَهِدَ بِمَعْنَى عَلِمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6] أَيْ عَلِيمٌ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عِبَادَهُ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ مَعَانِي شَهِدَ.
(فَائِدَةٌ)
مَعْنَى رَوَى حَمَلَ وَتَحَمَّلَ فَرَاوِي الْحَدِيثِ تَحَمَّلَهُ وَحَمَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّ إطْلَاقَ الرَّاوِيَةِ عَلَى الْمَزَادَةِ الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا الْمَاءُ عَلَى الْجَمَلِ مَجَازٌ مِنْ بَابِ مَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَةَ بِنَاءً مُبَالَغَةٌ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْحَمْلُ وَاَلَّذِي يَحْمِلُ وَيَكْثُرُ مِنْهُ الْحَمْلُ إنَّمَا هُوَ الْجَمَلُ فَهَذَا الِاسْمُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ حَقِيقَةً وَلُغَةً الْجَمَلُ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَزَادَةِ مَجَازٌ مِنْ بَابِ مَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَمَلِ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ أَرْوَى الرُّبَاعِيِّ حَتَّى يَسْتَحِقَّهُ الْمَاءُ دُونَ الْجَمَلِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مِنْهُ مَرْوَ لَا رَاوِيَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْتِي رَاوِيَةً مِنْ الثُّلَاثِيِّ فَهَذِهِ فَوَائِدُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إلَّا اثْنَانِ لَا يُقَالُ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُخْبِرِ عَنْ الْقِبْلَةِ بِأَنَّ الثَّانِيَ مُخْبِرٌ بِحُكْمٍ مُتَأَبَّدٍ فَإِنَّ نَصْبَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ قِيَامًا لِلنَّاسِ أَمْرٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ لَا يَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ وَإِخْبَارُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَشْبَهَ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَصْلُحُ مَا ذُكِرَ فَارِقًا بَلْ الْحَقُّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ اجْتِهَادٍ فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فَلَا فَرْقَ، وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْقِبْلَةِ أَوْ عَدَمِ جَوَازِهِ فِيهِمَا أَوْ جَوَازِهِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَالْأَصَحُّ نَقْلًا وَنَظَرًا جَوَازُهُ فِيهِمَا، وَهُنَا إشْكَالَانِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ
(أَحَدُهُمَا) الْإِجْمَاعُ عَلَى اخْتِصَاصِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِأَقْطَارِهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتَهُمْ هِلَالَ رَمَضَانَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ بَلْ عَمَّمُوا رُؤْيَتَهُ فِي قُطْرِ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ عِنْدَ عُلَمَاءِ هَذَا الشَّأْنِ، فَقَدْ يَطْلُعُ الْهِلَالُ فِي بَلَدٍ دُونَ غَيْرِهِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ عَنْ الْمَشْرِقِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَلَدَ الْأَقْرَبَ إلَى الْمَشْرِقِ هُوَ بِصَدَدِ أَنْ لَا يُرَى فِيهِ الْهِلَالُ، وَيُرَى فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ بِسَبَبِ مَزِيدِ السَّيْرِ الْمُوجِبِ لِتَخَلُّصِ الْهِلَالِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَلَدَ الْمَشْرِقِيَّةَ إذَا كَانَ الْهِلَالُ فِيهَا فِي الشُّعَاعِ وَبَقِيَتْ الشَّمْسُ تَتَحَرَّكُ مَعَ الْقَمَرِ إلَى الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ فَمَا تَصِلُ الشَّمْسُ إلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ إلَّا وَقَدْ خَرَجَ الْهِلَالُ مِنْ الشُّعَاعِ فَيَرَاهُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَرَاهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ هَذَا أَحَدُ أَسْبَابِ اخْتِلَافِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهَا هُنَا، وَلِهَذَا مَا مِنْ زَوَالٍ لِقَوْمٍ إلَّا وَهُوَ غُرُوبٌ لِقَوْمٍ وَطُلُوعٌ لِقَوْمٍ وَنِصْفُ اللَّيْلِ لِقَوْمٍ وَكُلُّ دَرَجَةٍ تَكُونُ الشَّمْسُ فِيهَا فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَقْطَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِذَا قَاسَتْ الشَّافِعِيَّةُ الْهِلَالَ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ اُتُّجِهَ الْقِيَاسُ وَعَسِرَ الْفَرْقُ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلَا يَنْفَعُ فِي دَفْعِهِ أَنَّ الْأَذَانَ عُدِلَ بِهِ عَنْ صِيغَةِ الْخَبَرِ إلَى صِيغَةِ الْعَلَامَةِ عَلَى الْوَقْتِ فَكَمَا كَفَى مَيْلٌ وَاحِدٌ لِلظِّلِّ وَزِيَادَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُ وَآلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ
لَفْظِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِلَفْظَيْ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ حَسُنَ ذِكْرُهَا بَعْدَ تَحْقِيقِ مَعْنَاهُمَا.
(الْفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ)
الَّذِي هُوَ جِنْسُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالدَّعْوَى وَمَا ذَكَرَهَا مَعَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ الْمُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لِذَاتِهِ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ قَوْلُنَا لَهُ صَدَقْتَ وَالتَّكْذِيبُ هُوَ قَوْلُنَا لَهُ كَذَبْتَ، وَهُمَا غَيْرُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ هُوَ قَوْلٌ وُجُودِيٌّ مَسْمُوعٌ وَالصِّدْقُ يَرْجِعُ إلَى مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ، وَالْكَذِبُ يَرْجِعُ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ فَهُمَا نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ وَالنِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ عَدَمِيَّةٌ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ هُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ تَابِعٌ لِلْخَبَرِ وَالتَّصْدِيقَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ، ثُمَّ قَالَ أَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ الْمُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لِذَاتِهِ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ قَوْلُنَا صَدَقْتَ وَالتَّكْذِيبُ هُوَ قَوْلُنَا كَذَبْتَ، وَهُمَا غَيْرُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ قَوْلٌ وُجُودِيٌّ مَسْمُوعٌ، وَالصِّدْقُ يَرْجِعُ إلَى مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ، وَالْكَذِبُ يَرْجِعُ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ فَهُمَا نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ وَالنِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ عَدَمِيَّةٌ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ هُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَرْقَ مَا بَيْنَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَالْخَبَرِ وَالْمُتَعَلِّقِ وَالْمُتَعَلَّقِ بِهِ، وَقَوْلُنَا لِذَاتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فِيهِ لِأَجْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَالْأَوَّلُ كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ خَبَرِ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَذِبَ، وَالثَّانِي كَقَوْلِنَا الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَذِبَ، أَوْ الْوَاحِدُ نِصْفُ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الصِّدْقَ، وَلَكِنْ جَمِيعُ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ تَقْبَلُهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَخْبَارٌ، فَهَذَا هُوَ حَدُّ الْخَبَرِ الضَّابِطُ لَهُ) قُلْتُ: تَفْرِيقُهُ بَيْنَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِأَنَّ أَوَّلَهُمَا وُجُودِيٌّ وَالْآخَرَ عَدَمِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إضَافِيٌّ غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ، وَهَلْ مَا يَلْحَقُ خَبَرَ الْمُخْبِرِ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُصَدَّقِ أَوْ تَكْذِيبِ الْمُكَذَّبِ إلَّا أَمْرٌ إضَافِيٌّ، وَهَلْ خَبَرُ الْمُخْبِرِ إلَّا مُتَعَلِّقٌ لِتَصْدِيقِ الْمُصَدَّقِ أَوْ تَكْذِيبِ الْمُكَذَّبِ وَمُتَعَلِّقَاتُ الْكَلَامِ بِأَسْرِهَا لَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْكَلَامِ إلَّا أَمْرٌ إضَافِيٌّ، فَقَدْ وَقَعَ فِيمَا مِنْهُ فَرْقٌ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ قَوْلٌ وُجُودِيٌّ مَسْمُوعٌ لَا يُفِيدُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي خَبَرِ الْمُخْبِرِ فَيَكُونُ وَصْفًا حَقِيقِيًّا لِلْخَبَرِ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي لِسَانِ الْمُصَدَّقِ وَالْمُكَذَّبِ.
وَمَا وُجُودُهُ فِي غَيْرِ الْمَحْدُودِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّحْدِيدِ بِهِ، بَلْ الصَّحِيحُ حَدُّ الْخَبَرِ أَوْ رَسْمُهُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَقَدْ يَنْفَكُّ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ الْمَسْمُوعَيْنِ لَنَا إمَّا لِلْغَفْلَةِ عَنْ سَمَاعِ الْخَبَرِ، وَإِمَّا لِلْإِضْرَابِ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ مَعَ سَمَاعِ الْخَبَرِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ الْمُوجِبِ لِرُجْحَانِ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْدَ السَّمَاعِ، وَالْحَدُّ وَالرَّسْمُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا هُوَ لَازِمٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ اللَّازِمُ وَصْفًا حَقِيقِيًّا ذَاتِيًّا فَالْقَوْلُ الْمُتَضَمِّنُ لَهُ حَدٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاتِيًّا فَالْقَوْلُ الْمُتَضَمِّنُ لَهُ رَسْمٌ، وَقَوْلُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ هُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ قُلْت فَإِذَا كَانَ صِدْقُ الْخَبَرِ أَوْ كَذِبُهُ مُتَعَلِّقُ التَّصْدِيقِ أَوْ التَّكْذِيبِ، فَالصِّدْقُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
آلَاتِ الْأَوْقَاتِ كَالِاصْطَرْلَابِ وَالْمِيزَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةٌ مُفِيدَةٌ كَذَلِكَ الْأَذَانُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دَلَالَةَ مَيْلِ الظِّلِّ وَزِيَادَتِهِ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ قَطْعِيَّةٌ، وَدَلَالَةَ الْأَذَانِ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَا دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِخِلَافِ مَا دَلَالَتُهُ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ دَلَالَةَ الْأَذَانِ بِجُمْلَتِهِ دَلَالَةٌ عُرْفِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِالْمُطَابَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لِذَلِكَ وَضَعَهُ الشَّارِعُ مَعَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ دَالٌّ عَلَى مُقْتَضَاهُ دَلَالَةً لُغَوِيَّةً بِالْمُطَابَقَةِ أَيْضًا وَمَعْنَى حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَكَذَا حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فِي اللُّغَةِ بِالْمُطَابَقَةِ أَقْبِلُوا إلَيْهَا، وَهُوَ يَدُلُّ الْتِزَامًا عَلَى دُخُولِ وَقْتِهَا فَيَكُونُ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ كَتَقْلِيدِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَصَحِيحِ النَّظَرِ إذَا قَالَ لَنَا مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَهُوَ خَبَرٌ صِرْفٌ فَافْهَمْ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَصَحِيحِ النَّظَرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ أَمَّا إذَا أَخْبَرَ بِدُخُولِهِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ فَالصَّحِيحُ عِنْدِي هَهُنَا أَنْ لَا تَقْلِيدَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَصَبَ دَلِيلًا مُعَيَّنًا فَلَا يُتَعَدَّى مَا نَصَبَ اهـ.
فَتَأَمَّلْ قُلْت لَكِنْ يُؤْخَذُ دَفْعُ هَذَا الْإِشْكَالِ مِنْ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الرُّؤْيَةَ تَثْبُتُ بِالْخَبَرِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ فَهَلْ يُتَعَدَّى ذَلِكَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِأَنْ يَجِبَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ لَمْ يَرَوْهُ أَنْ يَأْخُذُوا فِي ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ بَلَدٍ آخَرَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَمْ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى ذَلِكَ فِي الْبُلْدَانِ النَّائِيَةِ كَالْأَنْدَلُسِ وَالْحِجَازِ وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ تَعَارُضُ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ فَرَوَى مُسْلِمٌ «عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ قَدِمْت الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْتُ رَأَيْتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ
وَالتَّكْذِيبَ تَابِعٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَرْقَ مَا بَيْنَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَالْخَبَرِ وَالْمُتَعَلِّقِ وَالْمُتَعَلَّقِ بِهِ.
وَقَوْلُنَا لِذَاتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فِيهِ لِأَجْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَالْأَوَّلُ كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ خَبَرِ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَذِبَ، وَالثَّانِي كَقَوْلِنَا الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَذِبَ أَوْ الْوَاحِدُ نِصْفُ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الصِّدْقَ، وَلَكِنْ جَمِيعُ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ تَقْبَلُهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ إخْبَارٌ، فَهَذَا هُوَ حَدُّ الْخَبَرِ الضَّابِطِ لَهُ فَإِنْ قُلْتَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ ضِدَّانِ وَالضِّدَّانِ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا فَلَا يَقْبَلُ مَحِلُّهُمَا إلَّا أَحَدَهُمَا أَمَّا هُمَا مَعًا فَلَا، وَإِذَا كَانَ الْمَحِلُّ لَا يَقْبَلُ إلَّا أَحَدَهُمَا كَانَ الْمُتَعَيَّنُ فِي الْحَدِّ هُوَ صِيغَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَالْكَذِبُ أَسْبَقُ لُحُوقًا بِالْخَبَرِ الْمُصَدَّقِ أَوْ الْمُكَذَّبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كَوْنَهُ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا هُوَ السَّبَبُ فِي تَصْدِيقِهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ، فَقَدْ لَزِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ أَوْلَى بِالْخَبَرِ وَأَحَقُّ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَأَنَّ التَّصْدِيقَ أَوْ التَّكْذِيبَ إنَّمَا لَحِقَاهُ لِصِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ، وَقَدْ نَصَّ هُوَ بَعْدَ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَيَّلَ بِهَا الْكَلَامَ عَلَى الْخَبَرِ عَلَى أَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ خَصِيصَةٌ مِنْ خَصَائِصِ الْخَبَرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ كُلُّهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ ضَعِيفٌ سَاقِطٌ وَاضِحُ الضَّعْفِ وَالسُّقُوطِ.
وَقَوْلُهُ وَقَوْلُنَا لِذَاتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فِيهِ لِأَجْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى الْحَدُّ أَوْ الرَّسْمُ بِأَنَّ الْخَبَرَ قَوْلٌ يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ، وَلُزُومُ أَحَدِهِمَا لَهُ لَا يُمْكِنُ سَوَاءً فَقَوْلُهُ لِذَاتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ احْتِرَازٌ مِنْ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فِيهِ لِأَجْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ قُلْت: إذَا حُدَّ أَوْ رُسِمَ بِلُزُومِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّحَرُّزِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ حَدُّهُ الْخَبَرُ بِأَنَّهُ الْقَوْلُ الْمُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ جَمِيعُ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا تَقْبَلُهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَخْبَارٌ قُلْت هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَبُولِ الْخَبَرِ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ مُقْتَضَاهُ أَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ يَقْبَلُ الْكَذِبَ لِذَاتِهِ، وَمَا هُوَ ذَاتِيٌّ لَا يَتَبَدَّلُ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ خَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبَلَ الْكَذِبَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبَلَ الْكَذِبَ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَبُولِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ كَالْجَوْهَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَبُولِ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَسَائِرِ الْأَلْوَانِ، فَإِنَّ الْخَبَرَ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَعْرَى أَلْبَتَّةَ عَنْ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا فَمَا ثَبَتَ صِدْقُهُ لَا يَصِحُّ كَذِبُهُ بَعْدُ، وَمَا ثَبَتَ كَذِبُهُ لَا يَصِحُّ صِدْقُهُ بَعْدُ لِاسْتِحَالَةِ ارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ، وَالْجَوْهَرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عُرْوَةً جَائِزًا، وَإِمَّا مُمْتَنِعًا وَإِمَّا مَشْكُوكًا عَلَى حَسَبِ اضْطِرَابِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَمَا ثَبَتَ سَوَادُهُ يَصِحُّ بَيَاضُهُ بَعْدُ، وَمَا ثَبَتَ بَيَاضُهُ يَصِحُّ سَوَادُهُ بَعْدُ، فَمَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (فَإِنْ قُلْت الصِّدْقُ وَالْكَذِبَ ضِدَّانِ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا فَلَا يَقْبَلُ مَحِلُّهُمَا إلَّا أَحَدَهُمَا، وَإِذَا كَانَ لَا يَقْبَلُ إلَّا أَحَدَهُمَا كَانَ الْمُتَعَيَّنُ فِي الْحَدِّ صِيغَةً)
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ قَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَظَاهِرُ هَذَا الْأَثَرِ يَقْتَضِي أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ وَالنَّظَرُ يُعْطِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ كَالْأَنْدَلُسِ وَالْحِجَازِ لَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِاخْتِلَافِ مَطَالِعِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَبِخَاصَّةٍ مَا كَانَ نَأْيُهُ الْعَرْضَ كَثِيرًا، وَبَيْنَ الْقَرِيبَةِ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهَا فِي قِيَاسِ الْأُفُقِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ مَطَالِعُهَا كُلَّ الِاخْتِلَافِ.
اهـ بِتَلْخِيصٍ وَتَصَرُّفٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَمْ يُعَمِّمُوا رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي قُطْرِ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا زَعَمَ الْمُعْتَرِضُ بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي قُطْرٍ كَالْحِجَازِ لَا تُوجِبُ حُكْمًا عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ بِقَطْرٍ نَاءٍ عَنْ الْحِجَازِ كَالْأَنْدَلُسِ لِاخْتِلَافِ الْمَطْلَعَيْنِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا بِحَيْثُ يَكُونُ الْغُرُوبُ فِي الْحِجَازِ زَوَالًا فِي الْأَنْدَلُسِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ الْحُكْمِ بِرُؤْيَتِهِ فِي الْحِجَازِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ بِقُطْرٍ غَيْرِ نَاءٍ كَالْمَدِينَةِ وَمِصْرَ بِحَيْثُ لَا يُخَالِفُ مَطْلَعُهُ مَطْلَعَ الْحِجَازِ كَثِيرًا بَلْ بِنَحْوِ الدَّرَجَةِ وَالدَّرَجَتَيْنِ، وَعَدَمُ اعْتِبَارِ هَذَا الِاخْتِلَافِ الْيَسِيرِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَاعْتِبَارُهُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ نَظَرًا لِكَوْنِ اعْتِبَارِهِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ يُؤَدِّي لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِخِلَافِهِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ بَلْ قَدْ اسْتَدَلَّ السَّادَةُ الْحَنَابِلَةُ عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ بِمَكَانٍ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا إذَا ثَبَتَتْ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ الصَّوْمُ، وَأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَرَهُ حُكْمُ مَنْ رَآهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ نَصًّا قَالَ أَحْمَدُ الزَّوَالُ فِي الدُّنْيَا وَاحِدٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَهُوَ خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ كَافَّةً، وَبِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْحَقِيقَةِ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا الصَّوْمُ، وَلَوْ فُرِضَ الْخِطَابُ فِي الْخَبَرِ لِلَّذِينَ رَأَوْهُ فَالْغَرَضُ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ وَفَوَائِدِهَا مَا إذَا رَآهُ جَمَاعَةٌ بِبَلَدٍ ثُمَّ سَافَرُوا إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ فَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ بِهِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ الْفِطْرُ وَلَا لِأَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ
أَوْ الَّتِي هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ دُونَ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ لِلشَّيْئَيْنِ مَعًا، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ نَوْعَانِ لِلْخَبَرِ، وَالنَّوْعُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ فَلَوْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ.
قُلْت: الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ رحمه الله فِي صِيغَةِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَنَافِي الْمَقْبُولَيْنِ تَنَافِي الْقَبُولَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُمْكِنَ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِذَاتِهِ، وَهُمَا نَقِيضَانِ مُتَنَافِيَانِ وَالْقَبُولَانِ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْقَبُولَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَلَزِمَ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ الْقَبُولِ ثُبُوتُ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ الْمَقْبُولِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْوُجُودُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ مُسْتَحِيلًا وَالْمُقَرَّرُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ هَذَا خُلْفٌ.
وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْعَدَمُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا مُمْكِنَ الْوُجُودِ هَذَا خُلْفٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِمْكَانُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ وَإِنْ تَنَافَى الْمَقْبُولَانِ فَتَتَعَيَّنُ الْوَاوُ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْتِبَاسُ الْقَبُولَيْنِ بِالْمَقْبُولَيْنِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْمَقْبُولَيْنِ تَعَذُّرُ اجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ نَقُولُ كُلُّ جِسْمٍ قَابِلٍ لِجَمِيعِ الْأَضْدَادِ وَقُبُولَاتُهُ كُلُّهَا مُجْتَمِعَةٌ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُتَعَاقِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ هِيَ الْمَقْبُولَاتُ لَا الْقُبُولَاتُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ وَيَتَّضِحُ بِأَنَّ الْإِمْكَانَ وَالْوُجُوبَ وَالِاسْتِحَالَةَ أَحْكَامٌ وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ لِمَحَالِّهَا لَازِمَةٌ لَهَا، وَالْإِلْزَامُ انْقِلَابُ الْمُمْكِنِ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحِيلًا وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ وَإِذَا كَانَتْ لَازِمَةً لِمَحَالِّهَا وَاللَّازِمُ لَا يُفَارِقُ الْمَلْزُومَ فَالْمَقْبُولَاتُ لَا تُفَارِقُهَا فَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ فِيهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَوْ دُونَ الْوَاوِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ نَوْعَانِ لِلْخَبَرِ. وَالنَّوْعُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ فَلَوْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ.
قَالَ قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي؛ (لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَنَافِي الْمَقْبُولَيْنِ تَنَافِي الْقَبُولَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُمْكِنَ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِذَاتِهِ، وَهُمَا نَقِيضَانِ مُتَنَافِيَانِ وَالْقَبُولَانِ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْقَبُولَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَلَزِمَ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ الْقَبُولِ ثُبُوتُ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ الْمَقْبُولِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْوُجُودُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ مُسْتَحِيلًا، وَالْمُقَرَّرُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ هَذَا خُلْفٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْعَدَمُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا مُمْكِنَ الْوُجُودِ هَذَا خُلْفٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِمْكَانُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ وَإِنْ تَنَافَى الْمَقْبُولَانِ فَتَتَعَيَّنُ الْوَاوُ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْتِبَاسُ الْقَبُولَيْنِ بِالْمَقْبُولَيْنِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْمَقْبُولَيْنِ تَعَذُّرُ اجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ نَقُولُ كُلُّ جِسْمٍ قَابِلٌ لِجَمِيعِ الْأَضْدَادِ وَقُبُولَاتُهَا كُلُّهَا مُجْتَمِعَةٌ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُتَعَاقِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ هِيَ الْمَقْبُولَاتُ لَا الْقُبُولَاتُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ وَيَتَّضِحُ بِأَنَّ الْإِمْكَانَ وَالْوُجُوبَ وَالِاسْتِحَالَةَ أَحْكَامٌ وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ لِمَحَالِّهَا لَازِمَةٌ لَهَا، وَإِلَّا لَزِمَ انْقِلَابُ الْمُمْكِنِ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحِيلًا وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ وَإِذَا كَانَتْ لَازِمَةً لِمَحَالِّهَا، وَاللَّازِمُ لَا يُفَارِقُ الْمَلْزُومَ فَالْقُبُولَاتُ لَا تُفَارِقُهَا فَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ فِيهَا)
قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا هُوَ صِدْقٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ كَذِبًا.
وَمَا هُوَ كَذِبٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ صِدْقًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَنْ الْمُخَالِفِ وَعَنْ صُوَرِهَا مَا إذَا رَآهُ جَمَاعَةٌ ثُمَّ سَارَتْ بِهِمْ رِيحٌ فِي سَفِينَةٍ فَوَصَلُوا إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ فِي آخِرِ اللَّيْلِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ الصَّوْمُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُمْ الْفِطْرُ فِي آخِرِهِ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مُصَادِمٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَأَجَابُوا عَنْ خَبَرِ كُرَيْبٌ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بِقَوْلِ كُرَيْبٌ وَحْدَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ قَالُوا.
وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ الْهِلَالُ يَجْرِي مَجْرَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ فَكَذَا الْهِلَالُ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَتَكَرَّرُ مُرَاعَاتُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فَيُؤَدِّي قَضَاءُ الْعِبَادَاتِ إلَى كَبِيرِ الْمَشَقَّةِ، وَالْهِلَالُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ فَلَيْسَ فِي قَضَاءِ يَوْمٍ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ، وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعُمُومِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ كَذَا فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ شَرْحِ الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْإِشْكَالُ الثَّانِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ وَبَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ مَعَ أَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ عُمُومِ رُؤْيَتِهِ فِي قُطْرِ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ خَبَرُهُ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الْمُؤَذِّنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ الْوَاحِدُ قِيَاسًا عَلَى الْمُؤَذِّنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَا يَنْفَعُ فِي دَفْعِهِ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْكُلِّيَّةَ قَدْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا بَعْضُ أَفْرَادِهَا بِالسَّمْعِ.
وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا» فَاشْتَرَطَ عَدْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَمَعَ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِاشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ لَا يَلْزَمُنَا بِالْعَدْلِ الْوَاحِدِ شَيْءٌ، وَلَا يُسْمَعُ الِاسْتِدْلَال بِالْمُنَاسَبَاتِ فِي إبْطَالِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ إنَّمَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَجِبُ عِنْدَهُمَا مَا ذُكِرَ وَمَفْهُومُهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْطِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكْفِي، وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْطُوقِ اللَّفْظِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْمَفْهُومِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ وَغَيْرَهُ يَقُولُ
وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَدِّ إنَّمَا هُوَ شَرْحُ لَفْظِ الْمَحْدُودِ وَبَيَانُ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ قَوْلَنَا الْإِنْسَانُ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ حَدٌّ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ السَّامِعَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَيَوَانِ وَبِالنَّاطِقِ إلَّا لَكَانَ حَدُّنَا وَقَعَ بِالْمَجْهُولِ، وَالتَّحْدِيدُ بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ فَهُوَ حِينَئِذٍ عَالِمٌ بِالْحَيَوَانِ وَبِالنَّاطِقِ وَمَتَى كَانَ عَالِمًا بِهِمَا كَانَ عَالِمًا بِالْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْإِنْسَانِ إلَّا هُمَا، وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْإِنْسَانِ تَعَيَّنَ انْصِرَافُ التَّعْرِيفِ وَالْحَدِّ إلَى بَيَانِ نِسْبَةِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمِعَ لَفْظَ الْإِنْسَانِ فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ مُسَمًّى مَا مُجْمَلًا لَمْ يَعْلَمْ تَفْصِيلَهُ فَبَسَطْنَا نَحْنُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى أَوْ قُلْنَا لَهُ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ الَّذِي أَنْتَ تَعْرِفُهُ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِالْحَدِّ إلَّا بَيَانُ نِسْبَةِ اللَّفْظِ وَخُرُوجُهُ مِنْ حَيِّزِ الْإِجْمَالِ إلَى حَيِّزِ التَّفْصِيلِ وَالْبَيَانِ كَذَلِكَ هَاهُنَا يَعْلَمُ السَّامِعُ مَعْنَى التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَلَا يَعْلَمُ مَدْلُولَ لَفْظِ الْخَبَرِ فَبَسَطْنَاهُ نَحْنُ لَهُ وَفَصَّلْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ مَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ اللَّذَانِ تَعْرِفُهُمَا فَانْشَرَحَ لَهُ مَا كَانَ مُجْمَلًا.
وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي حَدِّ الْحَدِّ هُوَ الْقَوْلُ الشَّارِحُ وَعَلَى هَذَا يَزُولُ الدَّوْرُ عَنْ جَمِيعِ الْحُدُودِ إذَا كَانَ مُدْرَكُهَا هَذَا الْمُدْرَكَ نَحْوَ قَوْلِهِمْ الْعِلْمُ مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ مَعَ تَوَقُّفِ الْمَعْلُومِ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَالْأَمْرُ هُوَ الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَعَ أَنَّ الْمَأْمُورَ وَالْمَأْمُورَ بِهِ مُشْتَقَّانِ مِنْ الْأَمْرِ فَهَذَا آخِرُ الْقَوْلِ فِي حَدِّ الْخَبَرِ.
وَأَمَّا حَدُّ الْإِنْشَاءِ وَبَيَانُ حَقِيقَتِهِ فَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي بِحَيْثُ يُوجَدُ بِهِ مَدْلُولُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ مُتَعَلِّقُهُ فَقَوْلُنَا يُوجَدُ بِهِ مَدْلُولُهُ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا قَالَ قَائِلٌ السَّفَرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ فَيُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ فَإِنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ مَدْلُولَاتِهَا.
وَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ وَلَا أَمْرٌ آخَرُ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَلَيْسَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَبَرِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَوْهَرِ، فَلَا يَصِحُّ فِي الْخَبَرِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَابِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ كَمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ، فَيُقَالُ هُوَ قَابِلٌ لِلنُّطْقِ وَغَيْرِهِ بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا نَاطِقًا أَوْ غَيْرَ نَاطِقٍ، وَمَا يَكُونُ نَاطِقًا لَا يَكُونُ غَيْرَ نَاطِقٍ، وَمَا يَكُونُ غَيْرَ نَاطِقٍ لَا يَكُونُ نَاطِقًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الشَّيْءِ أَنَّهُ قَابِلٌ أَوْ غَيْرُ قَابِلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَصِحُّ اتِّصَافُهُ بِهِ وَعَدَمُ اتِّصَافِهِ بِهِ، وَيَصِحُّ فِيهِ تَبَدُّلُ ذَلِكَ الِاتِّصَافِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ كَذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَدِّ إنَّمَا هُوَ شَرْحُ لَفْظِ الْمَحْدُودِ إلَى آخِرِ الْجَوَابِ) قُلْت: هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ شَرْحُ لَفْظِ الْمَحْدُودِ يَعْنِي اسْمَهُ هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ الْفَخْرِ وَقَدْ خُولِفَ فِي ذَلِكَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَظَرٌ يَفْتَقِرُ إلَى بَسْطٍ يَطُولُ وَيَعْسُرُ، وَصِحَّةُ الْجَوَابِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَأَمَّا حَدُّ الْإِنْشَاءِ فَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي بِحَيْثُ يُوجَدُ مَدْلُولُهُ بِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ مُتَعَلِّقُهُ فَقَوْلُنَا يُوجَدُ مَدْلُولُهُ بِهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا قَالَ قَائِلٌ السَّفَرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ فَيُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ فَإِنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ مَدْلُولَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ وَلَا أَمْرٌ آخَرُ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ) قُلْت.
أَمَّا قَوْلُهُ وَإِنْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ، وَثَامِنُهَا الْمُخْبِرُ عَنْ قِدَمِ الْعَيْبِ أَوْ حُدُوثِهِ فِي السِّلَعِ عِنْدَ التَّحَاكُمِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ فِيهِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جُزْئِيٌّ عَلَى شَخْصٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إلَّا أَنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُسْلِمُونَ قُبِلَ فِيهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَنَحْوِهِمْ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُ وَنَصُّ خَلِيلٍ وَقُبِلَ لِلتَّعَذُّرِ غَيْرُ عُدُولٍ وَإِنْ مُشْرِكِينَ اهـ.
قَالُوا وَيَكْفِي الْوَاحِدُ لِأَنَّ هَذَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ فِيمَا يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ إذْ كَيْفَ يُصَرِّحُونَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ قَبُولِ الْكَفَرَةِ فِيهَا، وَالْكُفَّارُ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِيهَا عَلَى أُصُولِنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الرِّوَايَةِ أَيْضًا، وَلَا نُسَلِّمُ حُصُولَ الْعُذْرِ بِقَوْلِهِمْ إنَّ هَذَا أَمْرٌ يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ يَعْلَمُونَ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ مَعَ إمْكَانِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ كُلَّ شَاهِدٍ إنَّمَا يُخْبِرُ عَمَّا عَلِمَهُ مَعَ إمْكَانِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. وَتَاسِعُهَا خَبَرُ الْمُخْبِرِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِجُزْئِيٍّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ وَالْمُهْدِي وَالْآذِنِ وَالْمُهْدَى إلَيْهِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ لَا الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ قَضَاءٍ، وَإِنَّمَا جَوَّزَ فِيهِ مَالِكٌ مَا لَا يَجُوزُ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّبِيِّ وَالْأُنْثَى وَالْكَافِرِ الْوَاحِدِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّجْوِيزِ، إذْ لَوْ كَانَ أَحَدُنَا لَا يَدْخُلُ بَيْتَ صَدِيقِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدْلٍ يَشْهَدُ لَهُ بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا يَبْعَثُ بِهَدِيَّتِهِ إلَّا مَعَ عَدْلٍ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ مَعَ نُدُورِ الْخُلُوِّ عَنْ قَرَائِنِ تَحْصِيلِ الظَّنِّ، وَالْقَوَاعِدُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَحَالُّ الضَّرُورَاتِ كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ وَعَاشِرُهَا خَبَرُ الْمُخْبِرِ فِي إهْدَاءِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لَيْلَةَ الْعُرْسِ وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا عَنْ تَعْيِينٍ مُبَاحٍ جُزْئِيٍّ إلَّا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ لَا الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ قَضَاءٍ فَمِنْ هُنَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لَهُ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِيهِ.
(قُلْت) وَالظَّاهِرُ قَبُولُ خَبَرِ الصَّبِيِّ
وَقَوْلُنَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي بِحَيْثُ يُوجَدُ، وَلَمْ نَقُلْ يُوجَبُ احْتِرَازٌ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ إذَا صَدَرَتْ مِنْ سَفِيهٍ أَوْ فَاقِدِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَدْلُولُهَا، وَلَا تُوجِبُ حُكْمًا وَلَكِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا لَكِنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ تُوجَدُ مَدْلُولَاتُهَا فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِحَيْثُ يُوجَدُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ أَوْ يُعَارِضُ مُعَارِضٌ وَقَوْلُنَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتِرَازٌ مِنْ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مَدْلُولَهُ فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ قَامَ زَيْدٌ أَفَادَنَا هَذَا الْقَوْلُ اعْتِقَادَ أَنَّهُ قَامَ، وَلَمْ يُفِدْ هَذَا الْقَوْلُ الْقِيَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ مَدْلُولَاتِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَصَارَتْ خَصِيصَتُهَا هِيَ الْإِفَادَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمَّا فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَهُوَ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ، وَقَوْلُنَا أَوْ مُتَعَلِّقُهُ لِتَنْدَرِجَ الْإِنْشَاءَاتُ بِكَلَامِ النَّفْسِ فَإِنَّ كَلَامَ النَّفْسِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَلَا مَدْلُولَ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُتَعَلِّقٌ وَمُتَعَلَّقٌ خَاصَّةً وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الْإِنْشَاءِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لَمْ تَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ، وَإِلَّا فَقَوْلُ الْقَائِلِ لِزَوْجِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى وَجْهِ الْغَلَطِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ حَائِضٌ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلَاقٌ فِي الْفَتْوَى، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مُخْبِرًا بِأَنَّهَا طَالِقٌ فِي الْحَالِ إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا أَمْرَ آخَرَ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْتِزَامِ مُقْتَضَيَاتِهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بِذَلِكَ، قَالَ وَقَوْلُنَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي بِحَيْثُ يُوجَدُ وَلَمْ نَقُلْ يُوجَبُ احْتِرَازٌ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ إذَا صَدَرَتْ مِنْ سَفِيهٍ أَوْ فَاقِدِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَدْلُولُهَا، وَلَا تُوجِبُ حُكْمًا وَلَكِنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا، لَكِنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ تُوجِبُ مَدْلُولَاتِهَا فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِحَيْثُ يُوجَدُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ أَوْ يُعَارِضُ مُعَارِضٌ قُلْت تَضَمَّنَ كَلَامُهُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ تُوجَدُ بِهَا مَدْلُولَاتُهَا لِذَاتِهَا مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ، وَمَا هُوَ ذَاتِيٌّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْنَعَهُ مَانِعٌ فَكَلَامُهُ هَذَا ضَعِيفٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَتَحَرَّزَ بِذِكْرِ قَيْدِ صُدُورِ هَذِهِ الصِّيَغِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ.
(وَقَوْلُنَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتِرَازٌ مِنْ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ قَامَ زَيْدٌ أَفَادَنَا هَذَا الْقَوْلُ اعْتِقَادَ أَنَّهُ قَامَ، وَلَمْ يُفِدْ هَذَا الْقَوْلُ الْقِيَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ مَدْلُولَتِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَصَارَتْ خَصِيصَتُهَا هِيَ الْإِفَادَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَمَّا فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَهُوَ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ) قُلْت هَذَا الِاحْتِرَازُ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلُّهُ مُسْتَقِيمٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ يُوجِبُ مَدْلُولَهُ فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ إلَّا عِنْدَ اعْتِقَادِ السَّامِعِ صِدْقَ الْمُخْبِرِ.
وَأَمَّا عِنْدَ اعْتِقَادِهِ كَذِبَهُ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ قَالَ، وَقَوْلُنَا أَوْ مُتَعَلِّقَةِ لِتَنْدَرِجَ الْإِنْشَاءَاتُ بِكَلَامِ النَّفْسِ إلَى قَوْلِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الْإِنْشَاءِ قُلْت يَلْزَمُ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا أَنَّهُ جَمَعَ فِي الْحَدِّ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَهُمَا الْقَوْلُ اللِّسَانِيُّ وَالْقَوْلُ النَّفْسَانِيُّ، وَذَلِكَ خَلَلٌ فِي الْحُدُودِ قَالَ (فَيَقَعُ الْفَرْقُ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْكَافِرِ فِيهِ أَيْضًا لِإِلْجَاءِ ضَرُورَاتِ النَّاسِ إلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ مَعَ مَا اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الضَّرُورَةِ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَنُدْرَةِ التَّدْلِيسِ وَالْغَلَطِ فِي مِثْلِ هَذَا مَعَ شُهْرَتِهِ وَعَدَمِ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ الِاسْتِئْذَانُ وَالْهَدِيَّةُ.
وَحَادِيَ عَشَرَهَا خَبَرُ الْقَصَّابِ فِي الذَّكَاةِ هُوَ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ قَضَاءٍ، وَإِنَّمَا جَوَّزَ فِيهِ مَالِكٌ قَبُولَ خَبَرِ الْكِتَابِيِّ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَصَّابِ فِي الذَّكَاةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا وَمَنْ مِثْلُهُ يَذْبَحُ اهـ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ لِلُزُومِ الْمَشَقَّةِ عِنْدَ عَدَمِ التَّجْوِيزِ مَعَ نُدُورِ الْخُلُوِّ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُحَصِّلَةِ لِلظَّنِّ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهَا، فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَرْكَ الْقَصَّابِ وَمَا يَدَّعِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ مَا تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ قَاعِدَةِ: إنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ فَإِذَا قَالَ الْكَافِرُ هَذَا مَالِي أَوْ هَذَا الْعَبْدُ رَقِيقٌ لِي صُدِّقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا قَالَ هَذَا مِلْكِي أَوْ هَذِهِ أَمَتِي لَمْ نَعُدَّهُ رَاوِيًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِلَّا لَاشْتَرَطْنَا فِيهِ الْعَدَالَةَ وَلَا شَاهِدًا بَلْ نَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَفْسَقَ النَّاسِ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا هَلْ يُسْتَبَاحُ أَكْلُهَا بِنَاءً عَلَى خَبَرِ الْقَصَّابِ بِتَذْكِيَتِهَا أَمْ لَا فَافْهَمْ قُلْت وَمِنْ قَبِيلِ قَوْلِ الْقَصَّابِ فِي الذَّكَاةِ قَوْلُ الْقُبْطَانِ وَنَحْوِهِ بِالْوَابُورِ فِي مُحَاذَاةِ الْحُجَّاجِ لِلْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَافِرًا عِنْدَ تَعَذُّرِ غَيْرِهِ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ إلَخْ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ فَانْظُرْهُ، وَثَانِيَ عَشَرَهَا الْخَبَرُ بِكَوْنِ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامُ الصُّلْحِ أَوْ أَحْكَامُ الْعَنْوَةِ مِنْ كَوْنِهَا طَلْقًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ وَقْفًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ الظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ لَا شِبْهَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ.
(تَتِمَّةٌ) : فِي مُهِمَّيْنِ
(الْمُهِمُّ الْأَوَّلُ) : إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَاتُ فِي الشَّهَادَةِ فَفِي قَبُولِ التَّرْجِيحِ بِالْعَدَالَةِ مُطْلَقًا ثَالِثُهَا فِي أَحْكَامِ الْأَمْوَالِ خَاصَّةً وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَقْوَالٌ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ