الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إمَامُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي الْقُضَاةِ وَعَالِمُ الْعُلَمَاءِ فَجَمِيعُ الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ فَوَّضَهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي رِسَالَتِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى مَنْصِبًا مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا مِنْ مَنْصِبٍ دِينِيٍّ إلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ فِي أَعْلَى رُتْبَةٍ غَيْرَ أَنَّ غَالِبَ تَصَرُّفِهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّبْلِيغِ لِأَنَّ وَصْفَ الرِّسَالَةِ غَالِبٌ عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَعُ تَصَرُّفَاتُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا يَكُونُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى إجْمَاعًا وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ رُتْبَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى ثُمَّ تَصَرُّفَاتُهُ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ تَخْتَلِفُ آثَارُهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَكُلُّ مَا قَالَهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا عَلَى الثِّقْلَيْنِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ أَقْدَمَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ اجْتَنَبَهُ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ عليه السلام بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِهِ عليه السلام وَلِأَنَّ سَبَبَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ دُونَ التَّبْلِيغِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم بِوَصْفِ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم بِوَصْفِ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهَذِهِ هِيَ الْفُرُوقُ بَيْنَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَنُحَقِّقُ ذَلِكَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ) قُلْت لَمْ يُجَوِّدْ التَّعْرِيفَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا أَوْضَحَهَا كُلَّ الْإِيضَاحِ وَالْقَوْلُ الَّذِي يُوَضِّحُهَا هُوَ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعْرِيفِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَنْفِيذِهِ فَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعْرِيفِهِ فَذَلِكَ هُوَ الرَّسُولُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُبْلِغَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الرِّسَالَةُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُفْتِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْفَتْوَى وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَنْفِيذِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْفِيذُهُ ذَلِكَ بِفَصْلٍ وَقَضَاءٍ وَإِبْرَامٍ وَإِمْضَاءٍ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ وَتَصَرُّفُهُ هُوَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى الْأَعَمِّ وَمِنْهَا الْمُحْرِمُ لَا يَجِدُ مَا يَقُوتُهُ إلَّا مَيْتَةً أَوْ صَيْدًا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ فَقَطْ فَيُقَدَّمُ الصَّيْدُ فِي الِاجْتِنَابِ عَلَى الْمَيْتَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ أَخَصُّ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَيْتَةِ إذْ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ يَشْمَلُ الْحَاجَّ وَغَيْرَهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى وَهِيَ التَّبْلِيغُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْإِمَامَةِ) لَمَّا كَانَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرَ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامَ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِيَ الْقُضَاةِ وَعَالِمَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ فَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي رِسَالَتِهِ جَمِيعَ الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى مَنْصِبًا مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا مِنْ مَنْصِبٍ دِينِيٍّ إلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ فِي أَعْلَى رُتْبَةٍ نَعَمْ غَالِبُ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّبْلِيغِ لِأَنَّ وَصْفَ الرِّسَالَةِ غَالِبٌ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ رُتْبَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّسَالَةِ هُوَ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعْرِيفِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَنْفِيذِهِ فَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعَرُّفِهِ فَذَلِكَ هُوَ الرَّسُولُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُبَلِّغَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الرِّسَالَةُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُفْتِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْفَتْوَى وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَنْفِيذِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْفِيذُهُ ذَلِكَ بِفَضْلِ قَضَاءٍ وَإِبْرَامٍ وَإِمْضَاءٍ فَذَلِكَ هُوَ الْقَاضِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْقَضَاءُ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ تَنْفِيذُهُ بِفَصْلِ قَضَاءٍ وَإِبْرَامٍ وَإِمْضَاءٍ فَذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْإِمَامَةُ
(فَائِدَةٌ) الرَّسُولُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ الْجَاهِلَ لِيُعْلِمَهُ بِخِلَافِ الْعَالِمِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَى الْجَاهِلِ أَنْ يَطْلُبَ الْعَالِمَ لِيُعْلِمَهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ يُقَرِّرُهَا الرَّسُولُ عَلَى النَّاسِ فَلْيَبْحَثُوا بَعْدُ عَمَّنْ يُعْلِمُهُمْ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ الْإِجَابَةُ بَعْدَ الطَّلَبِ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يُشَاهِدْ مُنْكَرًا مِنْ الْجَاهِلِ فَيَجِبْ حِينَئِذٍ الْمُبَادَرَةُ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّغْيِيرِ حَسْبَ الْإِمْكَانِ أَفَادَهُ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ عَبْدُ السَّلَامِ عَلِيٌّ الْجَوْهَرِيُّ
(وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ عليه الصلاة والسلام بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ الَّذِي هُوَ التَّنْفِيذُ لَا عَلَى وَجْهِ فَصْلِ الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَامِ وَالْإِمْضَاءِ كَبَعْثِ الْجُيُوشِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ وَمَنْ تَعَيَّنَ قِتَالُهُ وَصَرْفِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فِي جِهَاتِهَا وَجَمْعِهَا مِنْ مَحَالِّهَا وَتَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ الْعَامَّةِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَعَقْدُ الْعُهُودِ لِلْكُفَّارِ ذِمَّةً وَصُلْحًا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِهِ عليه الصلاة والسلام وَلِأَنَّ سَبَبَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ دُونَ وَصْفِ التَّبْلِيغِ الَّذِي هُوَ التَّعْرِيفُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ عليه الصلاة والسلام بِوَصْفِ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ التَّنْفِيذُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَامِ وَالْإِمْضَاءِ كَفَصْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي دَعَاوَى الْأَمْوَالِ وَأَحْكَامِ الْأَبَدَانِ وَنَحْوِهَا بِالْبَيِّنَاتِ أَوْ الْأَيْمَانِ وَالنُّكُولَاتِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
بَعْثُ الْجُيُوشِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ وَمَنْ تَعَيَّنَ قِتَالُهُ وَصَرْفُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فِي جِهَاتِهَا وَجَمْعُهَا مِنْ مَحَالِّهَا وَتَوْلِيَةُ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ الْعَامَّةَ وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ وَعَقْدُ الْعُهُودِ لِلْكُفَّارِ ذِمَّةً وَصُلْحًا هَذَا هُوَ شَأْنُ الْخَلِيفَةِ وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَمَتَى فَعَلَ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَمَتَى فَصَلَ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي دَعَاوَى الْأَمْوَالِ أَوْ أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ وَنَحْوِهَا بِالْبَيِّنَاتِ أَوْ الْإِيمَانِ وَالنُّكُولَاتِ وَنَحْوِهَا فَنَعْلَمُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا تَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ دُونَ الْإِمَامَةِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ هَذَا شَأْنَ الْقَضَاءُ وَالْقُضَاةِ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِبَادَاتِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَأَجَابَهُ فِيهِ فَهَذَا تَصَرُّفٌ بِالْفَتْوَى وَالتَّبْلِيغِ فَهَذَا الْمَوَاطِنُ لَا خَفَاءَ فِيهَا وَأَمَّا مَوَاضِعُ الْخَفَاءِ وَالتَّرَدُّدِ فَفِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم فِي هَذَا الْقَوْلِ هَلْ تُصْرَفُ بِالْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إذْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ أَمْ لَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رضي الله عنهما أَوْ هُوَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ عليه السلام بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَأَمَّا تَفْرِقَةُ مَالِكٍ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمَارَةِ فَلَا يُحْيَا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَا بَعُدَ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ بَلْ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْإِمَامَةُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَذَلِكَ هُوَ الْقَاضِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْقَضَاءُ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قُلْت التَّقْسِيمُ الَّذِي ذَكَرْته قَدْ أَتَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِيهَا مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُعْطِي ذَلِكَ الْمَعْنَى لَكِنَّ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّقْسِيمِ أَمَسُّ بِالتَّحْرِيرِ وَأَقْرَبُ إلَى الْإِيضَاحِ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَمَا رَجَحَ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَاجِحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَصْفِ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَكُلُّ مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى الَّذِي هُوَ التَّعْرِيفُ لَا عَلَى وَجْهِ كَوْنِهِ الْمُبَلِّغَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى كَتَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعِبَادَاتِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَأَجَابَهُ فِيهِ يَكُونُ حُكْمًا عَامًّا عَلَى الثِّقْلَيْنِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ أَقْدَمَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ اجْتَنَبَهُ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ لَا خَفَاءَ فِيهَا وَأَمَّا مَوَاضِعُ الْخَفَاءِ وَالتَّرَدُّدِ فَفِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي كَوْنِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» تَصَرُّفًا بِالْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إذْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ أَمْ لَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ إضَافَةَ الدَّائِرِ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالنَّادِرِ إلَى الْغَالِبِ أَوْلَى أَوْ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ تَفْرِقَةَ مَالِكٍ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمَارَةِ فَلَا يُحْيَا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَا بَعُدَ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَلْ هُوَ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمْرَانِ يُؤَدِّي إلَى التَّشَاجُرِ وَالْفِتَنِ وَإِدْخَالِ الضَّرَرِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَظَرِ الْأَئِمَّةِ دَفْعًا لِذَلِكَ الْمُتَوَقَّعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا بَعُدَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي وَوَلَدِي مَا يَكْفِينِي. مَا نَصُّهُ: خُذِي لَك وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» تَصَرُّفًا بِطَرِيقِ الْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ ظَفِرَ بِحَقِّهِ أَوْ بِجِنْسِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ عِلْمِ خَصْمِهِ بِهِ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا بِالْقَضَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ أَوْ جِنْسَهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْ الْغَرِيمِ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَحُجَّتُهُ أَنَّهَا دَعْوَى فِي مَالٍ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا يَدْخُلُهُ إلَّا الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْفَتَاوَى شَأْنُهَا الْعُمُومُ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ غَيْرِ إعْلَامٍ وَلَا سَمَاعِ حُجَّةٍ لَا يَجُوزُ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ فَتْوَى وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَفِي جَعْلِهِ عَدَمَ جَوَازِ أَخْذِ أَحَدٍ حَقَّهُ أَوْ جِنْسَهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْ الْغَرِيمِ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِنْ وَافَقَ ظَاهِرَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا اهـ مُخَالَفَةً لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى شَيْئِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ وَأَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً اهـ قَالَ الْمَوَّاقُ وَحَاصِلُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيُّ تَرْجِيحُ الْأَخْذِ اهـ.
وَفِي مِنَحِ الْجَلِيلِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ عبق وَالْخَرَشِيَّ قَرَّرَا أَنَّ مُرَادَ خَلِيلٍ بِشَيْئِهِ مَا يَشْمَلُ عَيْنَهُ أَوْ غَيْرَ عَيْنِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ خَلِيلٍ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عُقُوبَةٍ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ عَيْنِهَا فَلَوْ أَرَادَ خَلِيلٌ بِشَيْئِهِ عَيْنَهُ خَاصَّةً لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ لِعَدَمِ شُمُولِ عَيْنِ شَيْئِهِ لَهَا فَيُحْمَلُ شَيْؤُهُ عَلَى حَقِّهِ الشَّامِلِ لِعَيْنِ شَيْئِهِ وَعِوَضِهِ فَيُحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْعُقُوبَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْوَدِيعَةَ وَهُوَ