الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِاعْتِبَارِ الرَّبْطِ الْعَادِي لَا الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا الْقِسْمُ لَمْ أَرَ أَحَدًا كَفَرَ بِهِ بَلْ أَثِمَ وَأَخْطَأَ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ لَوْ كَانَ وُقُوعُ ذَلِكَ مَعَهَا أَكْثَرِيًّا غَالِبًا كَالْأَدْوِيَةِ أَمْكَنَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَجَوَازُهُ شَرْعًا لَكِنْ وَجَدْنَا الْعَادَةَ غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ فِي ذَلِكَ وَلَا هِيَ أَكْثَرِيَّةٌ فَكَانَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ خَطَأً كَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ عَقَارًا مُعَيَّنًا يُبْرِئُهُ مِنْ الْحُمَّى وَلَمْ تَدُلَّ التَّجْرِبَةُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً.
(الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَكَذَلِكَ الْحَرَجِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْحَرَجِ وَالْعِلْمِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْعِلْمِ وَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَجَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَالْقَاعِدَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ) وَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ: إذَا قُلْنَا: الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ فَقَدْ أَدْخَلْنَا الْأَلْفَ وَاللَّامَ عَلَى الْبَيْعِ فَحَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعُمُومُ الشَّامِلُ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْعٌ إلَّا دَخَلَ فِيهِ ثُمَّ وَصَفْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِطْلَاقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ بِقَيْدٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَاحِقِ لِلْعُمُومِ مِمَّا يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ مَعَ عُمُومٍ فِي نَفْسِهِ أَمَّا إذَا قُلْنَا: مُطْلَقُ الْبَيْعِ فَقَدْ أَشَرْنَا بِقَوْلِنَا مُطْلَقُ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَنْوَاعِ جَمِيعِ الْبِيَاعَاتِ وَهُوَ مُسَمَّى الْبَيْعِ الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ ثُمَّ أُضِيفَ هَذَا الْمُطْلَقُ الْمُشَارُ إلَيْهِ إلَى الْبَيْعِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَمُطْلَقِ غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتِ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ فَأَضَفْنَاهُ لِلتَّمْيِيزِ فَقَطْ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ خَاصَّةً الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً) قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَلَا صَوَابًا فَلَيْسَ بِخَطَأٍ فَقَطْ بَلْ خَطَأٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الِارْتِبَاطِ وَمَمْنُوعٌ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْأَمْرِ إلَى قَوْلِهِ فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ مَعَ عُمُومِهِ فِي نَفْسِهِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَتَيْنِ عَلَى أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ تَقْتَضِي الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُفَصِّلَ فَيَقُولَ: إذَا قَالَ الْقَائِلُ: الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعَهْدَ فِي الْجِنْسِ أَوْ يُرِيدَ بِهِمَا الْعُمُومَ وَالشُّمُولَ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَقَوْلُهُ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي عَلَى رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَهُ فَلَيْسَا سَوَاءً بَلْ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْعُمُومِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي الْأَمْرِ الْمَوْصُوفِ بِالْمُطْلَقِ لِلْعُمُومِ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا فِي الْأَمْرِ الْمُضَافِ إلَى الْمُطْلَقِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ يَسُوغُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَيَسُوغُ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَيَقَعُ الْفَرْقُ بِالْقَرَائِنِ الْمَقَالِيَّةِ أَوْ الْحَالِيَّةِ.
قَالَ: (أَمَّا إذَا قُلْنَا: مُطْلَقُ الْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ) قُلْتُ: ذَكَرَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِأَنْ يُرَتِّبَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَأَنْ يَنْطِقَ بِلَفْظِ اللَّهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرَ الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام ثَانِيًا فَيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ بِالتَّقْدِيمِ الدَّالِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَدْ فَاتَ بِسَبَبِ جَمْعِهِمَا فِي الضَّمِيرِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ يَعْصِهِمَا كَمَا نَطَقَ بِهَا فِي قَوْلِهِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ فَافْهَمْ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْمُقْرِي: سَمِعْت الْأَيْلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَشِيدٍ يَقُولُ إنَّ خَطِيبًا بِتِلْمِسَانَ يَقُولُ فِي خُطَبِهِ: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشِدَ بِالْكَسْرِ وَكَانَ الطَّلَبَةُ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ فَلَمَّا قَفَلْت مِنْ رِحْلَتِي تِلْكَ دَخَلْت عَلَى الْأُسْتَاذِ ابْنِ أَبِي الرَّبِيعِ بِسِبْتَةَ فَهَنَّأَنِي بِالْقُدُومِ وَقَالَ لِي فِيمَا قَالَ: رَشَدْت يَا ابْنَ رَشِيدٍ وَرَشِدْت لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ حَكَاهُمَا يَعْقُوبُ فِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ: الْمُقْرِي وَهَذِهِ كَرَامَةٌ لِلرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ اهـ نَقَلَهُ التَّنْبَكْتِيُّ فِي تَكْمِلَةِ الدِّيبَاجِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَا حُجَّةَ لِمَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ فِي قَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ صَرَّحَتْ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَلِمَ قَالَ هَذَا الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الْبَدَاءَةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَاوِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ وَضَابِطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَتَحْقِيقُهُ بِحَيْثُ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ) وَذَلِكَ أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ مُهِمٌّ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودٌ حُصُولُهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالْمَفْرُوضِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أُمَّتِهِ أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ عَيْنٍ أَيْ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودٌ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ أَيْ يُقْصَدُ حُصُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى فَاعِلِهِ إلَّا بِالتَّبَعِ لِلْفِعْلِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ فَاعِلٍ سَوَاءً كَانَ دِينِيًّا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ دُنْيَوِيًّا كَالصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا قَالَ الْأَمِيرُ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَيْنِيَّ أَفْضَلُ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ فِيهِ. اهـ.
وَضَابِطُهَا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ شَرَعَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْأَعْيَانِ تَكْثِيرًا لِلْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّلُ لَهُ وَالْمُثُولُ بَيْنَ
فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا إنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَيَصْدُقُ أَنَّ زَيْدًا حَصَلَ لَهُ مُطْلَقُ الْمَالِ وَلَوْ بِفَلْسٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَالُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ جَمِيعُ مَا يُتَمَوَّلُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ مُطْلَقُ النَّعِيمِ وَالنَّعِيمُ الْمُطْلَقُ فَالْأَوَّلُ حَاصِلٌ دُونَ الثَّانِي وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ فِي بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ) فَأَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ مَحْصُورَةٌ شَرْعًا تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّارِعِ وَهِيَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ وَأَدِلَّةُ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ هِيَ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى وُقُوعِ الْأَحْكَامِ أَيْ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا وَحُصُولِ شُرُوطِهَا وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا فَأَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَإِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى رَأْيٍ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالْعِصْمَةُ وَالْأَخْذُ بِالْأَخَفِّ وَفِعْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِجْمَاعُهُمْ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ وَإِجْمَاعٌ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فِيهِ وَقِيَاسٌ لَا فَارِقَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قُرِّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهِيَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ يَتَوَقَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ وُقُوعِهَا فَهِيَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فَالزَّوَالُ مَثَلًا دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ عِنْدَهُ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وَدَلِيلُ وُقُوعِ الزَّوَالِ وَحُصُولِهِ فِي الْعَالَمِ الْآلَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْآلَاتِ كَالْأَسْطُرْلَابِ وَالْمِيزَانِ وَرُبُعِ الدَّائِرَةِ وَالشَّكَّارِيَّةِ والزرقالية وَالْبُنْكَامِ وَالرُّخَامَةِ الْبَسِيطَةِ وَالْعِيدَانِ الْمَرْكُوزَةِ فِي الْأَرْضِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الظِّلَالِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الْمِيَاهِ وَآلَاتِ الطِّلَابِ كَالطِّنْجَهَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الْمَاءِ وَآلَاتِ الزَّمَانِ وَعِدَدِ تَنَفُّسِ الْحَيَوَانِ إذَا قُدِّرَ بِقَدْرِ السَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بَلْ الْمُتَوَقَّفُ سَبَبِيَّةُ السَّبَبِ وَشَرْطِيَّةُ الشَّرْطِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَحَدَ الْمَقْصِدَيْنِ هُنَا وَذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ نَقِيضَهُ لَا نَظِيرَهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ ذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي النَّظِيرَيْنِ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَرْقًا.
قَالَ: (فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا أَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا إلَى قَوْلِهِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ فِي بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ) قُلْتُ لَمَّا ذَكَرَ النَّقِيضَ مَعَ نَقِيضِهِ اسْتَمَرَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ ذَكَرَ النَّظِيرَ مَعَ نَظِيرِهِ لَكَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَلَمْ يَسْتَمِرَّ لَهُ التَّغَايُرُ فِي الْأَحْكَامِ.
قَالَ: (الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ السَّابِعَ عَشَرَ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا كُرِّرَتْ الصَّلَاةُ وَكُلُّ فِعْلٍ لَا تُكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ جَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الْأَفْعَالِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ إذَا شَالَهُ إنْسَانٌ فَإِنَّ النَّازِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَمَّا لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْإِنْقَاذِ مِنْ حِفْظِ حَيَاةِ الْغَرِيقِ لِأَنَّهَا قَدْ حَصَلَتْ لَمْ يُخَاطَبْ بِالْوُجُوبِ إذْ لَوْ خُوطِبَ حِينَئِذٍ لَكَانَ بِلَا مَصْلَحَةٍ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهَا فَيَكُونُ عَبَثًا وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي كِسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامِ الْجَوْعَانِ وَنَحْوِهِمَا.
قُلْت: وَلِهَذَا الضَّابِطِ يَتِمُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَالِدِ صَاحِبِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْجُمْهُورِ.
وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى الْكُلِّ لِإِثْمِهِمْ بِتَرْكِهِ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ لِقَوْلِ السَّعْدِ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ إنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّسْخِ فَيَفْتَقِرُ إلَى خِطَابٍ جَدِيدٍ وَلَا خِطَابَ فَلَا نَسْخَ فَلَا سُقُوطَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَكُونُ التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرَضِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ كَمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ كَانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَاحْتِرَامِ الْمَيِّتِ مَثَلًا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَلِهَذَا يُنْسَبُ السُّقُوطُ إلَى فِعْلِ الْبَعْضِ وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَنْصِبَ الشَّارِعُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَفَرَّقَ سَمِّ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِسُقُوطِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ الْجَمِيعِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ وَالْكَمَالِ بِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ يُقْصَدُ فِيهِ عَيْنُ الْفَاعِلِ ابْتِلَاءً لَهُ بِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ يُقْصَدُ فِيهِ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْفَاعِلِ إلَّا بِالتَّبَعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ فَاعِلٍ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَافْهَمْ.
(وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ لِتَحْقِيقِ الْقَاعِدَتَيْنِ: الْأُولَى الْأَعْيَانُ وَالْكِفَايَةُ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ كَذَلِكَ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ فَاَلَّتِي عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوَتْرِ وَالْفَجْرِ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَاتِ وَاَلَّتِي عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْأَمْوَاتِ
وَمَانِعِيَّةُ الْمَانِعِ أَمَّا وُقُوعُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَا تَنْحَصِرُ تِلْكَ الْأَدِلَّةُ فِي عَدَدٍ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَيْهَا بِالتَّنَاهِي.
(الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحِجَاجِ) أَمَّا الْأَدِلَّةُ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَتَقَدَّمَ انْقِسَامُهَا إلَى أَدِلَّةِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَأَدِلَّةِ الْوُقُوعِ وَأَمَّا الْحِجَاجُ فَهِيَ مَا يَقْضِي بِهِ الْحُكَّامُ وَلِذَلِكَ قَالَ: عليه السلام «فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ» فَالْحِجَاجُ تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ وَالْمَرْأَتَانِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَمُجَرَّدُ التَّحَالُفِ عِنْدَ مَالِكٍ فَيَقْتَسِمَانِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا عِنْدَ مَالِكٍ فَذَلِكَ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْحِجَاجِ هِيَ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ فَالْحِجَاجُ أَقَلُّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ وَأَدِلَّةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ أَقَلُّ مِنْ أَدِلَّةِ الْوُقُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَائِدَةٌ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَنْوَاعُ مُوَزَّعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثِ طَوَائِفَ فَالْأَدِلَّةُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُجْتَهِدُونَ وَالْحِجَاجُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْحُكَّامُ وَالْأَسْبَابُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُكَلَّفُونَ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَنَحْوِهِمَا.
(الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً) أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً فَقِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا النَّظَرُ الْأَوَّلُ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِثُبُوتِ صَانِعِ الْعَالَمِ فَإِنَّ هَذَا النَّظَرَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى التَّقَرُّبُ بِهِ فَإِنَّ قَصْدَ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْفِعْلِ فَرْعُ اعْتِقَادِ وُجُودِهِ وَهُوَ قَبْلَ النَّظَرِ الْمُوَصِّلِ لِذَلِكَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقَصْدُ لِلتَّقَرُّبِ وَهُوَ كَمَنْ لَيْسَ لَهُ شُعُورٌ بِحُصُولِ ضَيْفٍ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى إكْرَامِهِ فَالنَّظَرُ الْأَوَّلُ يَسْتَحِيلُ فِيهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ وَثَانِيهِمَا فِعْلُ الْغَيْرِ تَمْتَنِعُ النِّيَّةُ فِيهِ فَإِنَّ النِّيَّةَ مُخَصِّصَةٌ لِلْفِعْلِ بِبَعْضِ جِهَاتِهِ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ وَذَلِكَ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ بَلْ إنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْهُ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً فَقِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا النَّظَرُ الْأَوَّلُ إلَى قَوْلِهِ فَالنَّظَرُ الْأَوَّلُ يَسْتَحِيلُ فِيهِ الْقَصْدُ إلَى الْقُرْبَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ:
(وَثَانِيهِمَا فِعْلُ الْغَيْرِ تَمْتَنِعُ النِّيَّةُ فِيهِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ إنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْهُ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ) قُلْتُ: لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ أَنَّ نِيَّةَ فِعْلِ الْغَيْرِ تَمْتَنِعُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا أَمَّا عَقْلًا أَوْ عَادَةً فَلَا وَجْهَ لِلِامْتِنَاعِ وَأَمَّا شَرْعًا فَالظَّاهِرُ مِنْ جَوَازِ إحْجَاجِ الصَّبِيِّ أَنَّ الْوَلِيَّ يَنْوِي عَنْهُ وَكَذَلِكَ فِي جَوَازِ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ نَائِبًا عَنْ الْمُسْلِمِ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَفِي عَدِّهِ التَّسْلِيمَ وَالتَّشْمِيتَ مِنْ الْمَنْدُوبِ كِفَايَةً مُخَالَفَةٌ لِعَدِّ الْأَمِيرِ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ بَعْدَ سَمَاعِ حَمْدِهِ وَلَوْ بِمُعَالَجَةٍ وَبِرَدِّ السَّلَامِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَا كَانَ بِصِيغَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا نَحْوُ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك وَإِنْ بِكِتَابَةٍ وَتَعَيَّنَ عَلَى مَقْصُودٍ مِنْ جَمَاعَةٍ اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ ضَوْءِ الشُّمُوعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالتَّسْلِيمِ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ لَا رَدَّهُ وَبِالتَّشْمِيتِ قَبْلَ سَمَاعِ الْحَمْدِ لَا بَعْدَهُ وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالتَّسْمِيَةِ لِلْأَكْلِ مِنْ جِهَةِ جَمَاعَةٍ فِي الثَّلَاثِ مَثَلًا اهـ فَانْظُرْهُ وَحَرِّرْ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَعَلَيْهِ فَفِي كَوْنِ الْمُرَادِ الْكُلَّ إلَّا فُرَادَى نَظَرًا لِكَوْنِ سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْ الْبَاقِينَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّسْخِ بَلْ قَدْ يَكُونُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ هُنَا فَيَكُونُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ لِانْتِفَاءِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَرَاخِي الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ النَّسْخُ أَوْ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ نَظَرًا لِكَوْنِهِ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَكَانَ إسْقَاطُهُ عَنْ الْبَاقِينَ رَفْعًا لِلطَّلَبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْإِيجَابِ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَكُونُ التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرَضِ.
وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ خِلَافٌ وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ أَيْ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْبَعْضِ وَعَلَيْهِ فَالْمُخْتَارُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَيُّ بَعْضٍ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ: مَنْ قَامَ بِهِ لِسُقُوطِهِ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ: مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ النَّاسِ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدِينِ بِأَدَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ اُنْظُرْ التَّحْرِيرَ وَشَرْحَهُ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ وَيَكْفِي فِي سُقُوطِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ ظَنُّ أَنَّ الْغَيْرَ فَعَلَهُ لَا وُقُوعُهُ تَحْقِيقًا فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنَّ تِلْكَ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ هَذِهِ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ تِلْكَ أَنَّ هَذِهِ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ تِلْكَ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْأُخْرَى سَقَطَ الْفِعْلُ عَنْهُمَا وَمَنْ لَمْ يَظُنَّ مِنْهُمَا أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ
وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ تُمْكِنُ نِيَّتُهُ ثُمَّ الَّذِي تُمْكِنُ نِيَّتُهُ مِنْهُ مَا شُرِعَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَمِنْهُ مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ النِّيَّةُ ثُمَّ انْقَسَمَتْ الشَّرْعِيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَطْلُوبٍ وَغَيْرِ مَطْلُوبٍ فَغَيْرُ الْمَطْلُوبِ لَا يُنْوَى مِنْ حَيْثُ هُوَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ يُقْصَدُ بِالْمُبَاحِ التَّقَوِّي عَلَى مَطْلُوبٍ كَمَا يُقْصَدُ بِالنَّوْمِ التَّقَوِّي عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْرَعُ نِيَّتُهُ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْمَطْلُوبُ فِي الشَّرِيعَةِ قِسْمَانِ نَوَاهٍ وَأَوَامِرَ فَالنَّوَاهِي لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ شَرْعًا بَلْ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنْ عُهْدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرُ بِهِ فَضْلًا عَنْ الْقَصْدِ إلَيْهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِتَرْكِهَا وَجْهَ اللَّهِ الْعَظِيمِ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ وَصَارَ التَّرْكُ قُرْبَةً.
وَأَمَّا الْأَوَامِرُ فَقِسْمَانِ أَيْضًا. مِنْهَا: مَا تَكُونُ صُوَرُ أَفْعَالِهَا كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَدَفْعِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَعَلَفِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا الْقِسْمُ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ شَرْعًا فَمَنْ دَفَعَ دَيْنَهُ غَافِلًا عَنْ قَصْدِ التَّقَرُّبِ بِهِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى إعَادَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى نَعَمْ إنْ قَصَدَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ وَإِلَّا فَلَا. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ الرَّبِّ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَالتَّعْظِيمُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ صَنَعَتْ ضِيَافَةً لِإِنْسَانٍ فَأَكَلَهَا غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِك لَكُنْت مُعَظِّمًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِسَبَبِ قَصْدِك فَمَا لَا قَصْدَ فِيهِ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَصْدُ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا ضَابِطُ مَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَمَا لَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَضَابِطُ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ مِمَّا يُمْكِنُ وَمَا لَا يَحْتَاجُ شَرْعًا وَهَذِهِ الْمَبَاحِثُ مُسْتَوْعَبَةٌ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَمَبْسُوطَةٌ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَهُنَاكَ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَهَا أَنَا أُذَيِّلُ هَذَا الْفَرْقَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْوِي إلَّا فِعْلَ نَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ لَهُ وَذَلِكَ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ تُمْكِنُ نِيَّتُهُ ثُمَّ الَّذِي تُمْكِنُ نِيَّتُهُ مِنْهُ مَا شُرِعَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَمِنْهُ مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ النِّيَّةُ إلَى قَوْلِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْمَطْلُوبُ فِي الشَّرِيعَةِ إلَى قَوْلِهِ وَصَارَ التَّرْكُ قُرْبَةً.
قَالَ: (وَأَمَّا الْأَوَامِرُ فَقِسْمَانِ أَيْضًا مِنْهَا مَا تَكُونُ صُوَرُ أَفْعَالِهَا كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَدَفْعِ الدُّيُونِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا عُرِّيَ عَنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ مَعَ أَنَّهُ نَوَى أَدَاءَ دَيْنِهِ كَفَاهُ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِهِ بَعْدُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لَكِنَّهُ لَا يُثَابُ حَتَّى يَنْوِيَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ دَيْنِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ: عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُثَابَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَكْفِيهِ مِنْ النِّيَّةِ كَوْنُهُ قَصَدَ أَدَاءَ دَيْنِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ: فِي الْقِسْمِ الثَّانِي صَحِيحٌ.
قَالَ: (وَهَا أَنَا أُذَيِّلُ هَذَا الْفَرْقَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْوِي إلَّا فِعْلَ نَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ لَهُ وَذَلِكَ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ فَإِنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بَلْ يَجِبُ وَمَنْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا نَقَلَهُ سَحْنُونٌ عَنْ الْمَحَلِّيِّ قَالَ: وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ فَعَلَى أَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ وَعَلَى أَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهُ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْقَرَافِيُّ اهـ.
وَالسُّقُوطُ هُنَا عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِظَنِّهِ فِعْلَ غَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ إنَّمَا هُوَ لِقَاعِدَةِ سُقُوطِ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ عَنْ السَّعْدِ وَالتَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ لَا لِأَنَّ الْغَيْرَ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَرُدَّ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يُجْزِئُ فِيهَا فِعْلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ وَهَاهُنَا أَجْزَأَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ مَثَلًا وَكَيْفَ سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَانْدَفَعَ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ السُّقُوطِ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوُجُوبَ تَوَجَّهَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ السُّقُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَجَازًا اهـ أَيْ إمَّا بِالِاسْتِعَارَةِ لِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِ الْإِثْمِ وَإِمَّا مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ التَّقْيِيدِ ثُمَّ الْإِطْلَاقِ فَافْهَمْ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَيُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: لَا يَكْفِي الظَّنُّ فَإِنْ قِيلَ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ فَالْجَوَابُ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ بِالشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ أَمَّا بِتَحْصِيلِ الْغَايَةِ فَيَتَعَذَّرُ فَهَاهُنَا يَكْفِي الظَّنُّ لَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَبَادِئِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ ذِكْرِي فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ: وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَسُنَّةِ الْكِفَايَةِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ إذَا أَرَادَ فَاعِلُهَا إسْقَاطَ الْحَرَجِ عَنْ حَاضِرِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ كَانَتْ لَهُ أُجُورُهُمْ.
وَإِنْ بَلَغَتْ أَعْدَادُهُمْ مَا بَلَغَتْ اهـ نَقَلَهُ كَنُونِ عَلَى حَوَاشِي عبق وَفِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَهَلْ يَحْصُلُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ ثَوَابٌ كَعِقَابِ الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ أَوَّلًا لِعَدَمِ الْعَمَلِ أَوْ إنْ كَانَ جَازِمًا فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ فَالْأَوَّلُ وَإِلَّا فَالثَّانِي اهـ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْوُجُوبُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ لَمَّا كَانَ مَشْرُوطًا بِالِاتِّصَالِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْفَاعِلِينَ وَمَفْقُودًا عِنْدَ الِانْفِصَالِ وَالِانْفِرَادِ عَنْهُمْ لِقَاعِدَةِ انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ