الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالصُّلْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ وَهُوَ مَالِكٌ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ مَا لَا يَقْصِد لِذَلِكَ وَانْقَسَمَتْ التَّصَرُّفَاتُ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ فَالطَّرَفَانِ: أَحَدُهُمَا مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ فَيُجْتَنَبُ فِيهَا ذَلِكَ إلَّا مَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ عَادَةً كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَهَالَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ فَكَذَلِكَ الْغَرَرُ وَالْمَشَقَّةُ وَثَانِيهِمَا مَا هُوَ إحْسَانٌ صِرْفٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ بَلْ إنْ فَاتَتْ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ بِهَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعَ الْجَهَالَةِ فِيهِ أَمَّا الْإِحْسَانُ الصِّرْفُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى الْإِحْسَانِ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ قَطْعًا وَفِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى تَقْلِيلِهِ فَإِذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدَهُ الْآبِقَ جَازَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَجِدْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا وَهَذَا فِقْهٌ جَمِيلٌ ثُمَّ إنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ يَرِدْ فِيهَا مَا يَعُمُّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ حَتَّى نَقُولَ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ نُصُوصِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَلْ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ فَهُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ مَقْصُودًا.
وَإِنَّمَا مَقْصِدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ وَالسُّكُونُ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا وَمِنْ جِهَةِ أَنْ صَاحِبَ الشَّرْعِ اشْتَرَطَ فِيهِ الْمَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ فِيهِ فَلَوْ وُجِدَ الشَّبَهَيْنِ تَوَسَّطَ مَالِكٌ فَجَوَّزَ فِيهِ الْغَرَرَ الْقَلِيلَ دُونَ الْكَثِيرِ نَحْوَ عَبْدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَشُورَةِ بَيْتٍ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْوَسَطِ الْمُتَعَارَفِ وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ فَامْتَنَعَ وَأَلْحَقَ الْخُلْعَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ الْغَرَرُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ وَإِطْلَاقَهَا لَيْسَ مِنْ بَابِ مَا يُقْصَدُ لِلْمُعَاوَضَةِ بَلْ شَأْنُ الطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ كَالْهِبَةِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالضَّابِطُ لِلْبَابَيْنِ وَالْفِقْهُ مَعَ مَالِكٍ رحمه الله فِيهِ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ) هَذَا الْفَرْقُ جَلِيلٌ عَظِيمٌ دَقِيقُ النَّظَرِ خَطِيرُ النَّفْعِ لَا يُحَقِّقُهُ إلَّا فَحَوْلُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ فَاسْتَقْبِلْهُ بِعَقْلٍ سَلِيمٍ وَفِكْرٍ مُسْتَقِيمٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ الْمَوْجُودَةُ فِي أَفْرَادٍ عَدِيدَةٍ كَالرَّقَبَةِ بِالنِّسْبَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
«وَاَللَّهِ مَا رَأَى مِنِّي وَمَا رَأَيْت مِنْهُ» اهـ فَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ لِذَلِكَ بِأَكْلِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ دُخُولَ الْمَسْجِدِ نَحْوِ الْبَصَلِ النِّيءِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ رَائِحَتَهُ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا تَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ تَأَذِّي غَيْرُهُ وَلَوْ مَلَكًا وُجُودًا وَعَدَمًا لِتَحَقُّقِ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ أَحَدٍ أَوْ اجْتَمَعَ بِمَنْ ضَعُفَتْ حَاسَّةُ شَمِّهِ قَالَ: الْعَلَّامَةُ الصَّفْتِيُّ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ أَكْلَ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَحَرَامٌ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ رَائِحَتَهُ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ رَائِحَتَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ رَائِحَتَهُ فَإِنْ قَصَدَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ فَحَرَامٌ وَإِلَّا فَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَقِيلَ بِالْجَوَازِ وَقِيلَ بِالْحُرْمَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَفَادَهُ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ]
(الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ خَصَّصَ الصَّوْمَ بِإِضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ الْمُوجِبَةِ لِتَشْرِيفِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا عَلَيْهِ الْفَتَاوِي وَحَدِيثُ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَالْأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ إنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ فَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِ الْفَارِقِ الَّذِي أَوْجَبَ هَذِهِ الْإِضَافَةَ وَالتَّخْصِيصَ وَاضْطِرَابَ النَّاسِ فِيهِ فَمِنْ قَائِلٍ: إنَّ الصَّوْمَ لَمَّا كَانَ أَمْرًا خَفِيًّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً إلَّا اللَّهُ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَى شَرَفِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا تَوْضِيحُهُ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ» إلَخْ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ فَقَطْ لَا مَا يَشْمَلُ الْبَاطِنَةَ مِنْ الْإِيمَانِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْحَسَنَةِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهَا كَالصَّوْمِ فِي الْخَفَاءِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ تَخْصِيصِ الصَّوْمِ بِهَذِهِ الْمِزْيَةِ دُونَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مَعَ كَوْنِ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ مِنْهُ إذْ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَفْضُولِ مِنْ الْمَزَايَا مَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَاضِلِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ بَعْدَ هَذَا اهـ وَمِنْ قَائِلٍ إنَّ جَوْفَ الْإِنْسَانِ فِي الصَّوْمِ يَبْقَى خَالِيًا فَيَحْصُلُ لَهُ بِهِ شِبْهُ وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ فَإِنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ عُمُومَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ حَتَّى عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْعُلُومِ وَالِانْتِقَامِ مِنْ الْمُجْرِمِينَ
إلَى أَفْرَادِ الرِّقَابِ وَالْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَشْخَاصِهِ وَكُلُّ مُطْلَقٍ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَمَدْلُولُ كُلِّ نَكِرَةٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَضَابِطُهُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَعْقُولِ مَا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْتُهُ وَإِذَا عَرَفْت حَقِيقَتَهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمُشْتَرَكِ نَفْيُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَإِنَّهُ إذَا انْتَفَى مُطْلَقُ الْحَيَوَانِ مِنْ الدَّارِ فَقَدْ انْتَفَى جَمِيعُ أَفْرَادِهِ مِنْ الدَّارِ وَإِذَا انْتَفَى مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ مِنْ الدَّارِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو وَلَا فَرْدٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَرْبَابِ الْمَعْقُولِ: يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَعَمِّ نَفْيُ الْأَخَصِّ وَإِذَا تَصَوَّرْت ذَلِكَ فِي النَّفْيِ فَتَصَوَّرْهُ فِي النَّهْيِ فَإِنَّ مَعْنَى النَّهْيِ الْأَمْرُ بِإِعْدَامِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ وَأَنْ لَا نَدْخُلَ فِي الْوُجُودِ أَلْبَتَّةَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَدْخُلَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا الْوُجُودَ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فَرْدٌ لَدَخَلَتْ هِيَ فِي ضِمْنِهِ فَصَارَ النَّهْيُ وَالنَّفْيُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ الْأَمْرُ وَالثُّبُوتُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ فَمَتَى كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ كَانَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الدَّارِ وَمُطْلَقُ الْحَيَوَانِ وَجَمِيعُ أَجْنَاسِهِ وَفُصُولِهِ تَحْصُلُ مُطْلَقًا فِيهِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
إلَى قَوْلِهِ وَالْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ: (وَمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَشْخَاصِهِ وَكُلُّ مُطْلَقٍ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ بِمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ الْحَقِيقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا قَالَ: (وَمَدْلُولُ كُلِّ نَكِرَةٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُشْتَرَكَةٌ) قُلْتُ: هَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: الْأَوَّلُ نَكِرَةٌ يُرَادُ بِهَا الْحَقِيقَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَهَذَا الضَّرْبُ قَلِيلٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ، الثَّانِي نَكِرَةٌ يُرَادُ بِهَا فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ الْأَشْخَاصِ الَّتِي فِيهَا الْحَقِيقَةُ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ اشْتَرِ ثَوْبًا وَهَذَا الضَّرْبُ يَكْثُرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَمُرَادُهُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ: (وَضَابِطُهُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَعْقُولِ مَا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ) قُلْتُ: ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي تَحْرِيرِ الْحَقِيقَةِ الْمُشْتَرَكَةِ قَالَ: (وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْتُهُ) .
قُلْتُ: ذَلِكَ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالنَّكِرَةِ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ لَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الضَّرْبَ الثَّانِي.
قَالَ: (وَإِذَا عَرَفْت حَقِيقَتَهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمُشْتَرَكِ نَفْيُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ إلَى قَوْلِهِ فَصَارَ النَّهْيُ وَالنَّفْيُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ) قُلْتُ: بَلْ يُرَادُ بِمُطْلَقِ الْحَيَوَانِ حَقِيقَةُ الْحَيَوَانِ وَهُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَهَذَا الْخِلَافُ مُرَادُهُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ قَبْلَ هَذَا فَإِنَّهُ.
قَالَ: إنَّهُ يَصِحُّ قَوْلُنَا مُطْلَقُ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ مَا أُرِيدَ بِمُطْلَقِ الْحَيَوَانِ أَيْ حَقِيقَتُهُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ بَيْعٍ حَلَالًا.
قَالَ: (فَيَكُونُ الثُّبُوتُ وَالْأَمْرُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ فَمَتَى كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ كَانَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الدَّارِ وَمُطْلَقُ الْحَيَوَانِ وَجَمِيعُ أَجْنَاسِهِ وَفُصُولِهِ تَحَصَّلَ مُطْلَقًا فِيهِ) قُلْتُ: قَدْ عَادَ هُنَا إلَى اسْتِعْمَالِ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ قَبْلُ حَيْثُ تَكَلَّمَ عَلَى
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْإِحْسَانِ إلَى الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْظِيمِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَكُلُّ ذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ فِيهِ كَالصَّوْمِ التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ الرَّبِّ وَمِنْ قَائِلٍ: إنَّ الصَّوْمَ اخْتَصَّ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ يُوجِبُ تَشْرِيفَهُ بِالْإِضَافَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِنْسَانِ لِشَهَوَاتِهِ وَمَلَاذِّهِ فِي فَرْجِهِ وَفَمِهِ وَفِيهِ أَنَّ عُمُومَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ حَتَّى عَلَى الْجِهَادِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّهُمَا أَعْظَمُ فِي ذَلِكَ مِنْهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْجِهَادِ مُؤْثِرٌ مُهْجَتَهُ وَجَسَدَهُ وَحَيَاتَهُ فَتَذْهَبُ جَمِيعُ الشَّهَوَاتِ تَبَعًا لِذَهَابِ الْحَيَاةِ وَفِي الْحَجِّ يَتْرُكُ الْمَخِيطَ وَالْمُحِيطَ وَالطِّيبَ وَالتَّنْظِيفَ وَيُفَارِقُ الْأَوْطَانَ وَالْأَوْطَارَ وَالْأَهْلَ وَالْأَوْلَادَ وَالْإِخْوَانَ وَيَرْكَبُ الْأَخْطَارَ فِي الْأَسْفَارِ وَمِنْ قَائِلٍ: إنَّ تَخْصِيصَهُ بِالْإِضَافَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّبْ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَفِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ أَيْضًا وَقَعَ التَّقَرُّبُ بِهِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ أَرْبَابُ الِاسْتِخْدَامَاتِ لِلْكَوَاكِبِ وَمِنْ قَائِلٍ إنَّ الصَّوْمَ يُوجِبُ تَصْفِيَةَ الْفِكْرِ وَصَفَاءَ الْعَقْلِ وَضَعْفَ الْقُوَى الشَّهْوَانِيَّةِ بِسَبَبِ الْجُوعِ وَقِلَّةِ الْغِذَاءِ.
وَكُلُّ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ يُوجِبُ حُصُولَ الْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ السُّنِّيَّةِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ «لَا تَدْخُلُ الْحِكْمَةُ جَوْفًا مُلِئَ طَعَامًا» وَحَدِيثُ «الْبِطْنَةُ تَذْهَبُ بِالْفِطْنَةِ» وَهَذِهِ مِزْيَةٌ عَظِيمَةٌ تُوجِبُ التَّشْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَفِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَلْ الصَّلَاةُ وَمُنَاجَاةُ الرَّبِّ سبحانه وتعالى وَالْمُرَاقَبَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالْتِزَامُ الْأَدَبِ مَعَهُ وَالْخُضُوعُ لَدَيْهِ مِمَّا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ وَالْمَوَاهِبِ الرَّبَّانِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] وقَوْله تَعَالَى {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِ الْمَوَاهِبِ وَالنُّورِ وَالْهِدَايَةِ وَجَزِيلِ الْفَضَائِلِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُتَرَتِّبُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّلَاةِ إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى وَجْهِهَا أَكْثَرَ مِنْ الْمُتَرَتِّبِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا حَكَاهُ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ «مِنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» وَالْمُصَلِّي يَتَقَرَّبُ أَكْثَرَ فَيَكُونُ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَعْظَمَ وَمِنْ قَائِلٍ كَذَا وَمِنْ قَائِلٍ كَذَا وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ غَيْرُ سَالِمَةٍ مِنْ النَّقْضِ وَأَحْسَنُهَا الْأَوَّلُ وَنَقْضُهُ مَدْفُوعٌ كَمَا عَلِمْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.