الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَبَائِرِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُ شَاقَّةُ الضَّبْطِ عَسِيرَةُ التَّحْرِيرِ وَفِيهَا غَوَامِضُ صَعْبَةٌ عَلَى الْفَقِيهِ وَالْمُفْتِي عِنْدَ حُلُولِ النَّوَازِلِ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَاعْتِبَارِ حَالِ الشُّهُودِ فِي التَّجْرِيحِ وَعَدَمِهِ وَأَنَا أَخُصُّ مِنْ ذَلِكَ مَا تَيَسَّرَ وَمَا لَا أَعْرِفُهُ وَعَجَزَتْ قُدْرَتِي عَنْهُ فَحَظِّي مِنْهُ مَعْرِفَةُ إشْكَالِهِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِشْكَالِ عِلْمٌ فِي نَفْسِهِ وَفَتْحٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَأَقُولُ: إنَّ الْكَبِيرَةَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي أَمْ لَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: إنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٌ نَظَرًا إلَى مَنْ عُصِيَ بِهَا وَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ تُسَمَّى مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ مَعَ أَنَّهُمْ وَافَقُوا فِي الْجَرْحِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ وَأَنَّ مِنْ الذُّنُوبِ مَا يَكُونُ قَادِحًا فِي الْعَدَالَةِ وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ قَادِحًا هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: بَلْ الذُّنُوبُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقَوَاعِدِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] فَجَعَلَ الْكُفْرَ رُتْبَةً وَالْفُسُوقَ رُتْبَةً ثَانِيَةً وَالْعِصْيَانَ يَلِي الْفُسُوقَ وَهُوَ الصَّغَائِرُ فَجَمَعَتْ الْآيَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَتُسَمَّى بَعْضُ الْمَعَاصِي فِسْقًا دُونَ الْبَعْضِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عليه السلام «الْكَبَائِرُ سَبْعٌ» وَعَدَّهَا إلَى آخِرِهَا فَخَصَّ الْكَبَائِرَ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَأَمَّا الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى كَبِيرَةً تَخْصِيصًا لَهُ بِاسْمٍ يَخُصُّهُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْكَبِيرَةُ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهَا وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا فَيَكُونُ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيُلْحَقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَشَدُّ وَمِنْهَا مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَخَفُّ وَمَا أَرَاهُ يُخَالِفُ فِي هَذَا أَيْضًا أَحَدٌ فَلَا خِلَافَ إذًا فَإِنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مُتَغَايِرَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا فِي اللَّفْظِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ تَسْمِيَةِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى مَنْعِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ إلَّا فِي مَحَلِّ تَبَيُّنِ تَفَاوُتِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ وَإِلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ.
قَالَ: (وَقَالَ: بَعْضُهُمْ بَلْ الذُّنُوبُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ تَخْصِيصُ الْكَبَائِرِ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ) قُلْتُ: مَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَوَاهِرُ وَلَعَلَّ الْمَرَامَ الْقَطْعُ فِي الْمَسْأَلَةِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى وَهُوَ تَفَاوُتُ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ.
قَالَ: (وَأَمَّا الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى كَبِيرَةً إلَى قَوْلِهِ وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا) قُلْتُ: الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذُّنُوبِ فِي الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ.
قَالَ: (فَيَكُونُ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَقَطْ كَالِاسْتِبْرَاءِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ عَلَى الْمُسْتَبْرَأَةِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ تُكْرَهُ الزَّوْجَةُ عَلَى الزِّنَا فَيَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الزَّوْجِ خَشْيَةَ اخْتِلَاطِ نَسَبِهِ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الزِّنَا وَلِأَنَّهُ يُلَاعِنُ حِينَئِذٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُلَاعَنَةُ وَمَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ وُجُودِهِ يَمْنَعُ وُجُودَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَالْأَوَّلِ أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ كَالثَّانِي وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ: أَحَدُهَا الْمَاءُ يَمْنَعُ وُجُودَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَفِي مَنْعِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ إذْ طَرَأَ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهَا أَمْ لَا فَلَا يُبْطِلُهَا خِلَافٌ، الثَّانِيَةُ الطَّوْلُ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي مَنْعِهِ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهُ أَوْ لَا فَلَا يُبْطِلُهُ خِلَافٌ، الثَّالِثَةُ الْإِحْرَامُ يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ابْتِدَاءً وَفِي مَنْعِهِ إذَا طَرَأَ عَلَى وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي زَمَنِ الْحِلِّ فَيَجِبُ إرْسَالُهُ أَمْ لَا فَلَا يَجِبُ إرْسَالُهُ خِلَافٌ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ]
(الْفَرْقُ الْعَاشِرُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ) مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ مُعْتَبَرٌ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودُهُ وَلَا عَدَمُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيْضَ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِعَدَمِهِ لَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْإِغْمَاءِ وَأَنَّ عَدَمَ الدَّيْنِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَا تَجِبُ بِهِ لِعَدَمِ النِّصَابِ فَكُلٌّ مِنْ عَدَمِ الدَّيْنِ وَعَدَمِ الْحَيْضِ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ فِقْدَانِهِ الْعَدَمُ فَهُمَا فِي غَايَةِ الِالْتِبَاسِ حَتَّى أَنَّك لَا تَجِدُ فَقِيهًا إلَّا وَهُوَ يَقُولُ: عَدَمُ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّقِيضِينَ فِيمَا إذَا شَكَكْنَا فِي طُرُوءِ الْمَانِعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ النَّقِيضِينَ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي وُجُودِ الْمَانِعِ فَقَدْ شَكَكْنَا فِي عَدَمِهِ بِالضَّرُورَةِ وَعَدَمُهُ شَرْطٌ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ فَيَجْتَمِعُ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ وَالشَّرْطُ وَالْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ مُلْغًى فِي الشَّرِيعَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ أَوْ فِي الشَّرْطِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ حُكْمًا أَوْ فِي الْمَانِعِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ فَإِذَا شَكَّ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ زَوَالَهَا بَلْ نَسْتَصْحِبُ الْحَالَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَكَذَا الشَّكُّ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الظُّهْرِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَإِذَا شَكَكْنَنَا فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَمْ نُقَدِّمْ عَلَى الصَّلَاةِ.
وَإِذَا شَكَكْنَا فِي رِدَّةِ زَيْدٍ قَبْلَ
فَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عليه السلام «قِيلَ لَهُ: مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: عليه السلام أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَوْفَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ» وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَاسْتِحْلَالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ عليه السلام وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ أَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَاوَاهُ فِي الْمَفْسَدَةِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ عليه السلام جَعَلَ الْقُبْلَةَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةً» فَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا فَتَكُونُ صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ.
(سُؤَالٌ) مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً وَمَا عَدَدُ التَّكْرَارِ الْمُحَصِّلِ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ تَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ الْمُخِلَّةِ بِالشَّهَادَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ جَوَابُهُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْكَبِيرَةِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِفَاعِلِهَا ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الصَّغِيرَةِ فَمَتَى حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِهَا مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِهِ فِي دِينِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْمُبَاحَةُ مَتَى تَكَرَّرَتْ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (فَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عليه السلام قِيلَ لَهُ: مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَاوَاهُ فِي الْمَفْسَدَةِ) قُلْتُ: أَمَّا الْحَدِيثَانِ فَلَيْسَ فِيهِمَا حَصْرُ الْكَبَائِرِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الْأَوَّلِ عَنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَمَرَ فِي الثَّانِي بِاجْتِنَابِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا الشِّرْكَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ كَبَائِرُ لِذِكْرِهَا مَعَ الشِّرْكِ وَتَشْرِيكِهَا مَعَهُ فِي كَوْنِهَا مُوبِقَةً وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ أَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ فَهُوَ رَأْيٌ رَآهُ وَإِنَّهُ لَيَظْهَرُ صَوَابُهُ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ النِّزَاعُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ.
قَالَ: (وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عليه السلام «جَعَلَ الْقُبْلَةَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةً» فَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا) قُلْتُ: إذَا ثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فَالْوَجْهُ مَا قَالَ: فَتَكُونُ صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدْلِ إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ.
قَالَ: (سُؤَالٌ مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً إلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: صَحِيحٌ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْمُبَاحَةُ مَتَى تَكَرَّرَتْ) قُلْتُ: قَوْلُهُ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُبَاحَاتِ مَتَى تَكَرَّرَتْ أَوْجَبَتْ عَدَمَ الْوُثُوقِ مِمَّنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ قُلْتُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَا لَا يُبِيحُ الشَّرْعُ فِعْلَهُ بِمَحْضَرِ النَّاسِ فَفِعْلُ هَذَا مَعْصِيَةٌ لَاحِقَةٌ بِسَائِرِ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَفَاتِهِ فَإِنَّا نُلْغِي مَنْعَ الْكُفْرِ مِنْ الْإِرْثِ وَنُوَرِّثُ مِنْهُ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ أَنْ نُرَتِّبَ الْحُكْمَ وَلَا نُرَتِّبَهُ.
وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فَبَطَلَ اعْتِقَادُ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَوَجَبَ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالشَّرْطِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ نَعَمْ مَحَلُّ مُرَاعَاةِ قَاعِدَةِ إلْغَاءِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ إجْمَاعًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ إذَا لَمْ تَتَعَذَّرْ مُرَاعَاتُهَا كَذَلِكَ وَإِلَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا فِي وَجْهٍ لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي وَجْهٍ آخَرَ وَذَلِكَ كَمَا فِي فَرْعِ مَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الطَّهَارَةِ أَوْجَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَجْعَلْ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ الْعَدَمِ وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي الشَّرْطِ كَالطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ ضَرُورَةً كَالصَّلَاةِ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ وَالْبَرَاءَةُ لِلذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ إجْمَاعًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا بِسَبَبِ الشَّكِّ فِي شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ وَجَعَلْنَاهَا سَبَبًا مُبَرِّئًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ إلْغَاءِ كُلِّ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْحَدَثَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا مَشْكُوكًا فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَيْضًا فَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَتَعَيَّنَ الْجَزْمُ بِمُخَالَفَتِهَا وَأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَا يُسَاعِدُ عَلَى إعْمَالِهَا وَاعْتِبَارِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَتِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَمَالِكٌ خَالَفَهَا فِي الْحَدَثِ الرَّافِعِ لِلطَّهَارَةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لَكِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَتْ الْمُخَالَفَةُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
وَكَانَتْ الطَّهَارَةُ مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ وَالصَّلَاةُ مِنْ بَابِ الْمَقَاصِدِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ كَانَتْ الْعِنَايَةُ بِالصَّلَاةِ وَإِلْغَاءُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُبَرِّئُ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ الطَّهَارَةِ وَإِلْغَاءِ الْحَدَثِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ الرَّافِعِ لَهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ لِمُخَالَفَتِهَا فِي هَذَا الْفَرْعِ لِتَعَذُّرِ مُرَاعَاتِهَا فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلِذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا فِي وَجْهٍ لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي وَجْهٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي أَيِّ