الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَرَّحَ بِهَذَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ التَّكْرَارُ بَلْ تَطْلُقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَكَانِ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهَذَا هُوَ الْبَحْثُ الْكَاشِفُ عَنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَالْفُرُوقِ بَيْنَهَا وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ الْفِقْهُ فِيهَا.
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذَا الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا: إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ النِّسَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَأَنَّ الْقَائِلَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ بِزَوَاجِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْعُمُومِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي التَّهْذِيبِ إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَإِنَّكُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ وَمَنْ دَخَلْت مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ وَكُلَّمَا تَزَوَّجْت فَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا هِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكَذَلِكَ أَيَّتُكُنَّ كَلَّمْتُهَا فَهَذِهِ الْفُرُوعُ مُشْتَرَكَةٌ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ فَيَحْتَاجُ إلَى سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَهَا بِاعْتِبَارِ الْقَوَاعِدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ يَثْبُتُ لِأَفْرَادِ الْعُمُومِ كَثُبُوتِ الْقَتْلِ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُشْرِكِينَ وَالْحِلُّ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ.
وَأَمَّا الظِّهَارُ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ لِلنُّطْقِ بِالْكَلَامِ الزُّورِ عُقُوبَةً لِقَائِلِهِ فَإِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ كَذَبَ كَذْبَةً وَاحِدَةً فَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا نَظْهَرُ إلَى الْعُمُومِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْقَوْلِ الْكَذِبِ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ جَمَادٌ فَإِنَّهَا كَذْبَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعُمُومٍ أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ إخْوَتِك فَوَجَدَ الْجَمِيعَ فِيهَا فَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَظَرًا لِاتِّحَادِ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَأَمَّا تَكَرُّرُ الْكَفَّارَةِ فِي كُلَّمَا وَقَوْلُهُ مِنْكُنَّ وَأَيَّتُكُنَّ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.
وَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنْ لَا تَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا اُشْتُهِرَ لَفْظُ الظِّهَارِ فِي مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ لُوحِظَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مَقْصِدِ الْمُظَاهِرِ كَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَكَرُّرُهَا فِي كَلِمَةِ كُلَّمَا وَأَشَارَ بِمِنْ إلَى التَّبْعِيضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيَّ الْكَفَّارَةُ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْكُنَّ وَأَيُّ الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ فِي كُلِّ فَرْدٍ وَأَمَّا كُلٌّ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ وَالْكُلُّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّفْيَ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا كَانَ مَعْنَاهَا الْكُلَّ فَلَوْ قُلْت: مَا قَبَضْت كُلَّ الْمَالِ لَكَانَ مَعْنَى كَلَامِك أَنَّك لَمْ تَقْبِضْ الْجَمِيعَ بَلْ بَعْضَهُ وَكَذَلِكَ مَا كُلُّ عَدَدٍ زَوْجٌ وَمَا كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّك نَافٍ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَيْ فَإِنَّهَا لِلْحُكْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَهَذِهِ كُلُّهَا تَكَلُّفَاتٌ وَالْفِقْهُ يَقْتَضِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
يَتَّضِحُ الْفِقْهُ فِيهَا قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ بِذَلِكَ يُشْكِلُ الْفِقْهُ فِيهَا أَمَّا يَتَّضِحُ فَلَا.
قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: بَنَى جَوَابَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَنَظَرٍ وَمَا ذَكَرَهُ فَارِقًا بَيْنَ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكُلَّمَا تَزَوَّجْت فَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمُقْتَضِي كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهَا إفَادَةَ سَبَبِيَّةِ الِانْتِفَاءِ لِلِانْتِفَاءِ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ تَأْكِيدًا وَإِعَادَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مُجَرَّدَ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إفَادَةً وَتَأْسِيسًا اهـ.
[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ]
قُلْتُ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ أَنَّ لَوْ لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي غَالِبًا وَأَمَّا إنْ فَلِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ غَالِبًا فَافْهَمْ وَهُنَا وَصْلَانِ:
(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَثِيرَ فِي شَرْطِ إنْ وَجَزَائِهِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَا إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ وَالْقَلِيلُ تَعَلُّقُهُمَا بِمَاضٍ عَلَى مَا فِيهِ وَشَرْطُ لَوْ وَجَزَاؤُهُ بِالْعَكْسِ وَكَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ فَلَيْسَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالدُّعَاءِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةِ بَلْ عَدَمُ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ خَاصٌّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِهَذِهِ الثَّمَانِيَةِ فَلَا يَتَصَوَّرُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي مَاضٍ وَلَا حَاضِرٍ وَمَا أَمْرُنَا بِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ إلَّا الصَّلَاةَ الْمُشَبَّهَةَ فَإِنَّهَا الَّتِي وَرَدَتْ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وَقَوْلُنَا اللَّهُمَّ صَلِّ دُعَاءٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِعَطِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْدُومَةٍ وَالْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ لَهُ عليه الصلاة والسلام قَبْلَ دُعَائِنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ طَلَبٌ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَذَلِكَ الْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ مَوَاهِبُ رَبَّانِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمْ يُدْرِكْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَمَا نَطْلُبُهُ لَهُ عليه الصلاة والسلام زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ تَخَيَّلْنَاهُ أَقَلَّ مِنْ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ الْمُشَبَّهِ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَفْضِيلُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلِكَ لَوْ أَعْطَى لِرَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَعْطَى الْآخَرَ مِائَةً ثُمَّ طَلَبْنَا نَحْنُ مِنْ الْمَلِكِ أَنْ يَزِيدَ صَاحِبَ الْأَلْفِ عَلَى الْأَلْفِ مِثْلَ مَا أَعْطَى صَاحِبَ الْمِائَةِ وَأَجَابَ الْمَلِكُ طَلَبَنَا لَكَانَ الْحَاصِلُ مَعَ صَاحِبِ الْأَلْفِ أَلْفًا وَمِائَةً وَمَعَ صَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةً لَمْ يَلْزَمْ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ تَخَيَّلَ أَنَّ مِائَةَ صَاحِبِ الْمِائَةِ أَعْظَمُ مِنْ مِائَةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ إخْلَالٌ مَا بِعَطِيَّةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ فِي أَلْفِهِ بَلْ الْمِائَةُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَقَعَ بِهِ التَّفْضِيلُ أَوَّلًا فَسَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ قَاعِدَةَ الْعَرَبِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ
عَدَمَ التَّكْرَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْمُوجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي فَرْقِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِخْبَارِ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: تَنْحَلُّ يَمِينُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ ثَانٍ وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله إشْكَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَثَانِيهمَا: أَنَّهُ خَصَّصَ الْمُعَلَّقَ بِالطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ لَمْ يَتَقَاضَ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الْمِلْكِ فِي إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمَّا جَعَلَ لِلْمُكَلَّفِ التَّعْلِيقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ جَعَلَ لَهُ حَلَّ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ بِالتَّنْجِيزِ خَاصَّةً فَإِذَا نُجِّزَ بَطَلَتْ شَرْطِيَّةٌ الدُّخُولِ لِلطَّلَاقِ فَبَقِيَ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فَمَا وُجِدَ الْمَشْرُوطُ دُونَ شَرْطِهِ قَطُّ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ يَتَقَاضَى التَّصَرُّفَ فِي الْمَمْلُوكِ فَقَطْ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّا هِيَ مَوْثُوقَةٌ فِيهِ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْثُوقَةٌ فِي عِصْمَتِهِ الْحَاضِرَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَكَانَ الطَّلَاقُ خَاصًّا بِهَذِهِ الْعِصْمَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ التَّعْلِيقُ غَيْرَهَا إلَّا بِدَلِيلٍ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، ثُمَّ يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بِمَا يَرِدُ عَلَى الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَالِكًا لِسِتِّ طَلْقَاتٍ ثَلَاثٍ مُنَجَّزَاتٍ وَثَلَاثٍ مُعَلَّقَاتٍ وَاَلَّذِي أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا فَقَطْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مِلْكِهِ لِلزَّائِدِ فَإِذَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ تَعَيَّنَ إبْطَالُ التَّعْلِيقِ فِي الْمُعَلَّقِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْمُعَلَّقِ بَعْدَ شَرْطٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَإِلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَإِلَى مَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ كَإِعْطَاءِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ.
قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي كِتَابِهِ الْمَحْصُولِ: فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ اُعْتُبِرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ اجْتِمَاعُ أَجْزَائِهِ وَوُجُودُهَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ وَاعْتُبِرَ مِنْ الثَّانِي وُجُودُ آخِرِ أَجْزَائِهِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ فِيهِ أَمَّا وُجُودُ الْحَقِيقَةِ بِجُمْلَةِ أَجْزَائِهَا فَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ عَدَمَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ اعْتَبَرَهُ مِنْ الْجَمِيعِ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْعَدَمِ لِصِدْقِ الْعَدَمِ حِينَئِذٍ عَلَى الْجَمِيعِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَائِلَ إنْ أَعْطَيْتَنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا فَرْقَ فِي الْعُرْفِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَجْمُوعَةً أَوْ دِرْهَمًا بَعْدَ دِرْهَمٍ وَالْأَيْمَانُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَاشْتِرَاطُهُ اجْتِمَاعُ الْجَمِيعِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لَا يَقْوَى وَفِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا نَظَرٌ.
قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ: مَالِكٌ: تَنْحَلُّ يَمِينُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ ثَانٍ وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله إشْكَالَانِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ وَمَا اخْتَارَهُ مِنْ الْجَوَابِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَإِلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَإِلَى مَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ كَلَفْظِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: ذَكَرَ قَوْلَ فَخْرِ الدِّينِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ سُؤَالَيْنِ وَهُمَا وَارِدَانِ كَمَا قَالَ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَكُونُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَهَا هُنَا شَبَّهْنَا عَطِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَطِيَّةِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام فَإِنَّ صَلَاةَ اللَّهِ سبحانه وتعالى مَعْنَاهَا الْإِحْسَانُ مَجَازًا إمَّا بِالِاسْتِعَارَةِ أَوْ مُرْسَلًا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلِّقِ لَا الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ لِاسْتِحَالَتِهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ إحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ إحْسَانِهِ لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَتَشْبِيهُهُ بِهِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ وَلَا حَاجَةَ لِجَوَابِهِ عَنْهُ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ مَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِآلِهِ وَمَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَلِآلِهِ وَآلُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام أَنْبِيَاءُ وَآلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ فَالْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَالْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ الْحَاصِلَةُ لِآلِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام أَعْظَمَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْحَاصِلَةِ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ الْفَاضِلِ لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ نَعَمْ الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الثَّمَانِيَةَ مِنْ الدُّعَاءِ وَمَا مَعَهُ.
وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَعَلَّقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالسِّتِّينَ عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ مِنْ تَشْبِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَسُؤَالُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِلَازِمِ الْوُرُودِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا السُّؤَالَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُشَابَهَةِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ لِلْفِعْلِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُ الدَّاعِي بِقَوْلِهِ أَعْطِ زَيْدًا كَمَا أَعْطَيْت عَمْرًا سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مَعَ مُحَاسِبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي أَرَادَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِفَقْدِ التَّسْوِيَةِ فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَلَا فِي صِفَتِهَا أَوْ أَرَادَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مِنْ غَيْرِ مُحَاسِبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ لَا يَصِحُّ وُرُودُ السُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ نَعَمْ رُبَّمَا يُسْأَلُ عَنْ مُوجِبِ اخْتِصَاصِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام بِذَلِكَ فَيُقَالُ: مُوجِبُهُ نِسْبَةُ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم إلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالْمُوَافَقَةِ فِي مَعَالِمِ الْمِلَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الدَّاعِي الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ وُرُودُ السُّؤَالِ فَجَوَابُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَ مُسْتَدْرَكٌ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ