الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُثُورَ مَرَّةً ثَانِيَةً إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْخُلُوصِ مِنْ الْأُولَى فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ وُقُوعًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَكَذَلِكَ أَنْشَدَ ابْنُ مَالِكٍ النَّحْوِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ:
إنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إنْ تَذْعَرُوا تَجِدُوا
…
مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانَهَا كَرَمُ
وَالِاسْتِغَاثَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الذُّعْرِ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ مَعْنًى فَالْبَيْتَانِ يَشْهَدَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ الْقَائِلُ: إنْ تَتَّجِرْ إنْ تَرْبَحْ فِي تِجَارَتِك فَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ لَكَانَ كَلَامًا عَرَبِيًّا مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُقُوعِ وَكَذَلِكَ إنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُقُوعِ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَوَادُّ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ وَالْجَمِيعُ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ جَعَلَهُ مَالِكٌ سَوَاءً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سَبَبِيَّةِ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ بَلْ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَتِهِ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَادَّةَ وَهِيَ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ قَالَ: الشَّرْطُ الثَّانِي لَا جَوَابَ لَهُ وَإِنَّمَا الْجَوَابُ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَالثَّانِي جَرَى مَعَ الْأَوَّلِ مَجْرَى الْفَضْلَةِ وَالتَّتِمَّةِ كَالْحَالِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْفَضَلَاتِ وَصَدَقَ رحمه الله فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ الثَّانِيَ إنَّمَا اعْتِبَارُهُ فِي الْأَوَّلِ لَا فِي الطَّلَاقِ الَّذِي جُعِلَ مَشْرُوطًا فَذِكْرُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ سَدَّ مَسَدَ جَوَابِهِ.
(فَائِدَةٌ) فَإِنَّ نَسَقَ هَذَا النَّسَقِ عَشَرَةُ شُرُوطٍ فَأَكْثَرُ فَعَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْعَكِسَ هَذَا الْعَدَدُ كُلُّهُ عَلَى تَرْتِيبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السُّؤَالِ وَالْوَعْدِ وَالْعَطِيَّةِ لِأَنَّ الْعَاشِرَ سَبَبٌ فِي التَّاسِعِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَالتَّاسِعُ سَبَبٌ فِي الثَّامِنِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَالثَّامِنُ سَبَبٌ فِي السَّابِعِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ الْبَقِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُهَا هَكَذَا الْعَاشِرُ ثُمَّ التَّاسِعُ ثُمَّ الثَّامِنُ ثُمَّ السَّابِعُ ثُمَّ السَّادِسُ ثُمَّ الْخَامِسُ إلَى الْأَوَّلِ فَيَقَعُ آخِرًا وَمَتَى اخْتَلَّ ذَلِكَ فِي الْوُقُوعِ اخْتَلَّ الْمَشْرُوطُ وَعَلَى رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْجَمِيعِ كَيْفَمَا وَقَعَتْ يَقَعْ.
(تَفْرِيعٌ) أَذْكُرُ فِيهِ الْمَعْطُوفَاتِ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنْ قَالَ: إنْ أَكَلْت وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْفَرْقِ بَلْ أَيُّهُمَا وَقَعَ قَبْلَ صَاحِبِهِ اُعْتُبِرَ وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا مَعًا جُعِلَا شَرْطَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يُجْعَلْ أَحَدُهُمَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ.
وَالْجَوَابُ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْجَوَابُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
إنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إنْ تَذْعَرُوا تَجِدُوا
…
مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانَهَا كَرَمُ
قُلْتُ لَيْسَ كَوْنُ الْمُتَأَخِّرِ فِيهَا مُتَقَدِّمًا مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ جَوَازُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ مَا هُوَ مُتَأَخِّرٌ فِي الْوُجُودِ وَكَوْنُ الذُّعْرِ سَبَبًا فِي الِاسْتِغَاثَةِ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجِيءُ فِي الْمُحْتَمَلِ لِلتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْوِيغِ قَوْلِ الْقَائِلِ إنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ نِكَاحُهَا فَظَهَرَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا سَائِغٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (تَفْرِيعٌ أَذْكُرْ فِيهِ الْمَعْطُوفَاتِ مِنْ الشُّرُوطِ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْجَوَابُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْفَرْقِ بَلْ أَيُّهُمَا وَقَعَ قَبْلَ صَاحِبِهِ اُعْتُبِرَ صَحِيحًا وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ مَعَ صَاحِبِهِ وَقَوْلُهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْإِسْلَامِ وَعَقْدُ الذِّمَّةِ سَبَبَانِ لِعِصْمَةِ الدِّمَاءِ وَالرِّدَّةُ وَالْحِرَابَةُ وَزِنَى الْمُحْصَنِ وَحِرَابَةُ الذِّمِّيِّ رَوَافِعُ وَالسَّبْيُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ رَافِعٌ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ شَرَعَهُ رَافِعًا لِحُكْمِ سَبَبٍ أَنْ يَرْفَعَ حُكْمَ غَيْرِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ شَرَعَهُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالتَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ التَّطْلِيقَ رَافِعٌ لِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرَّوَافِعِ وَلَيْسَ إطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَى الْبَابَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ حَتَّى يَعُمَّ الْحُكْمُ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فِي التَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يُسَمَّى يَمِينًا حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ الْقَسَمُ وَلَوْ أَقْسَمَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
وَإِذَا كَانَ الْبَابَانِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَعُمُّ الْحُكْمُ هَذَا تَحَقُّقُ الْمَقَامِ وَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ مُنَجَّزًا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا وَهَازِلًا إذْ مَشِيئَةُ الْحَجَرِ أَمْرٌ مُمْتَنِعٌ كَلَمْسِ السَّمَاءِ فَيَسْتَوِي مَعَ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا فِي كَوْنِهِ هَزْلًا إلَّا لِقَرِينَةِ صَلَابَةٍ وَنَحْوِهَا وَعَدَمُ اللُّزُومِ نَظَرًا لِكَوْنِ مَشِيئَةِ الْحَجَرِ وَإِنْ كَانَتْ أَمْرًا مُمْتَنِعًا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَرِيقٍ فِي اللَّغْوِ لِكَوْنِ امْتِنَاعِهِ عَادِيًا فَقَطْ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا فَإِنَّهُ عَرِيقٌ فِي اللَّغْوِ لِأَنَّهُ قَلْبُ حَقَائِقَ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا وَعَادَةً رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّانِيَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأُولَى لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي النَّوَادِرِ وَبِهَا قَالَ سَحْنُونٌ وَهِيَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَحَقُّقِ اللَّغْوِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ بِالتَّنْجِيزِ فِي لَمَسْت السَّمَاءَ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بِالْعَرَاقَةِ وَعَدَمِهَا كَمَا قَالَ الْأَمِيرُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ مِنْ تَبَايُنِ حَقَائِقِ أَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى تَمَاثُلِ الْحَقِيقَةِ الْجَوْهَرِيَّةِ فِي الْكُلِّ وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالْعَوَارِضِ كَمَا فِي حَوَاشِي الْكُبْرَى ثُمَّ الْمُسْتَحِيلُ قَلْبُ الْحَقِيقَةِ بِأَنْ تَصِيرَ حَقِيقَةُ الْحَجَرِ نَفْسُهَا هِيَ حَقِيقَةُ الذَّهَبِيَّةِ لِلتَّنَاقُضِ أَمَّا إنْ زَالَتْ الذَّهَبِيَّةُ وَخَلَفَهَا الْحَجَرِيَّةُ فَقَلْبُ أَعْيَانٍ جَائِزٌ نَقَلَهُ حِجَازِيٌّ عَنْهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عبق اُنْظُرْهُ.
[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ]
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ إذَا عَلَّقَ الْمَشِيئَةَ عَلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ وَوُجِدَ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ
فَإِنْ قَالَ: إنْ أَكَلْت فَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَأَخِّرُ مُتَأَخِّرًا وَالْمُتَقَدِّمُ مُتَقَدِّمًا عَكْسُ الْمَنْسُوقِ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] فَالزِّنَى مِنْهُنَّ مُتَأَخِّرٌ كَمَا هُوَ فِي اللَّفْظِ وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلْت ثُمَّ لَبِسْت وَإِنْ أَكَلْت حَتَّى إنْ لَبِسْت يَقْتَضِي اللَّفْظُ تَأْخِيرَ اللُّبْسِ مَعَ تَكَرُّرِ الْأَكْلِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ وَيَتَكَرَّرُ إلَيْهَا وَإِنْ أَكَلْت بَلْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا بِاللُّبْسِ وَقَدْ أُلْغِيَ الْأَكْلُ بِالْإِضْرَابِ عَنْهُ بِبَلْ وَالشَّرْطُ الثَّانِي وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ تَأْكُلِي لَكِنْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ الثَّانِي وَحْدَهُ وَقَدْ أُلْغِيَ الْأَوَّلُ بِلَكِنْ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِدْرَاكِ وَإِنْ أَكَلْت لَا إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِهِ لِأَنَّ لَا لِإِبْطَالِ الثَّانِي وَإِنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ فَأَيُّهُمَا وَقَعَ لَزِمَ بِهِ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمَّا إنْ أَكَلْت وَأَمَّا إنْ شَرِبْت أَيْ تَعْلِيقُ طَلَاقِهِ مُتَنَوِّعٌ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ إلَّا أَمْ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْمُسْتَفْهِمُ غَيْرُ جَازِمٍ بِشَيْءٍ وَالْمُعَلَّقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَازِمًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْفُرُوعَ بِالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ وَصَرَّحَ فِي الْوَاوِ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً قَالَ: لِأَنَّ حُرُوفَ الشَّرْطِ قَدْ تُكَرَّرُ فَوَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ فَتَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً وَمَا قَالَهُ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ يَكُونُ حَرْفُ الْعَطْفِ يَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي هَذَا الْجَزَاءِ وَالتَّشْرِيكُ بِالْعَاطِفِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَصْلَ الْمَعْنَى دُونَ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَظُرُوفِهِ وَأَحْوَالِهِ فَإِذَا قُلْت: مَرَرْت بِزَيْدٍ قَائِمًا وَعَمْرٍو لَمْ يَلْزَمْ أَنَّك مَرَرْت بِعَمْرٍو قَائِمًا أَيْضًا كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِزَيْدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ أَمَامَك وَعَمْرٍو.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّهُ إذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَقَلَّ بِالشَّرْطِيَّةِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ لَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْت وَلَبِسْت فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ جَعْلُ الشَّرْطِ مَجْمُوعَ الْفِعْلَيْنِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا تَكَرَّرَ حَرْفُ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالشَّرْطِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الْآخَرِ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَعْنِي إنْ أَكَلْت إنْ لَبِسْت دُونَ حَرْفِ عَطْفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (فَإِنْ قُلْتُ: إنْ أَكَلْت فَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْمُسْتَفْهِمُ غَيْرُ جَازِمٍ بِشَيْءٍ وَالْمُعَلِّقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَازِمًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ عَكْسُ الْمَنْسُوقِ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَأَخِّرُ فِي اللَّفْظِ مُتَقَدِّمًا فِي الْوُجُودِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ وَالْأَسْبَابُ يَلْزَمُ تَقَدُّمُهَا عَلَى مُسَبَّبَاتِهَا وَذَلِكَ كُلُّهُ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ اصْطِلَاحِيٌّ وَالرَّبْطُ بَيْنَ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ وَمَشْرُوطَاتِهَا وَضْعِيٌّ كَمَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَصِفَةُ الرَّبْطِ مِنْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ مَعِيَّةٍ كَذَلِكَ وَضْعِيٌّ وَالْأُمُورُ الْوَضْعِيَّةُ يَجُوزُ تَبَدُّلُهَا وَتَبَدُّلُ أَوْصَافِهَا بِحَسَبِ قَصْدِ الْوَاضِعِ لَهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَنْسُوقَ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهِ عُرْفًا فَهُوَ صَحِيحٌ.
وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: (وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْفُرُوعَ بِالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ وَصَرَّحَ فِي الْوَاوِ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ طَلْقَةً إلَى آخِرِ قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَصَلَ الدُّخُولُ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَنْفَعُهُ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَفِي اتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمِثَالَيْنِ مَعَ دَعْوَاهُ فِي الثَّانِي رَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْفِعْلِ لَا الطَّلَاقِ بِأَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ جَزَمَ بِجَعْلِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ بِجَعْلِهِ سَبَبًا نَفَعَهُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ إذْ الْفِعْلُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَكِلْهَا لِخِيرَتِهِمْ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالطَّلَاقِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمِثَالَيْنِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا إنْ اُحْتُمِلَ كَالْمِثَالِ الثَّانِي وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ أَقْوَالِ الْأَوَّلِ لِلْقَرَافِيِّ وَتَبِعَهُ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ قَائِلًا وَهُوَ تَفْسِيرٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْمَشَارِقَةِ وَقَالَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّهُ سَاقِطٌ لِمُخَالَفَتِهِ فَهْمَ الْأَشْيَاخِ فِي حَمْلِهِمْ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْخِلَافِ وَالثَّانِي لِلْأَكْثَرِ مَعَ الْمُقَدِّمَاتِ لِابْنِ رُشْدٍ وَالثَّالِثُ لِلْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ وَعَلَى الثَّانِي فَفِي كَوْنِ الْمُرَادِ رُجُوعُهَا لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَ أَوْ مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ وَالرَّبْطُ طَرِيقَتَانِ: الطَّرِيقَةُ الْأُولَى لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالنَّاصِرِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَعَلَيْهَا فَفِي كَوْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ لِتَقْيِيدِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ أَوْ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ رَافِعٌ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ قَوْلَانِ الثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَقَدْ قَالَ فِيهَا الْحَقُّ عَدَمُ اللُّزُومِ قِيَاسًا عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْفِعْلِ فَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُقَابِلُ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا صَرَفَ الْمَشِيئَةَ إلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ هُوَ إنْ امْتَنَعْت مِنْ الدُّخُولِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ دُخُولِي فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ وَقَدْ عُلِمَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ فِي الْوُجُودِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَامْتِنَاعُهُ إذًا مِنْ الدُّخُولِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَدُخُولُهُ فِي الثَّانِي بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي الْتَزَمَهُ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدُّخُولَ وَعَدَمَهُ وَقَعَ.