المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفرق بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع] - الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق - جـ ١

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطْبَة الْكتاب]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَوَى الْعَدْلُ الْعَبْدُ حَدِيثًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقْسَام الْإِنْشَاءُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ الْقَائِلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِكِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْإِنْشَاءَ كَمَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ يَكُونُ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَغِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْإِنْشَاءُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخَبَرَوفيه مَسَائِل]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ التَّمَدُّحِ بِالْوَفَاءِ فِي الْوَعْدِ وَالْعَفْوِ فِي الْوَعِيدِ وَوُجُودُ الْخَبَرِ بِدُونِ خِصِّيصَتِهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ خَبَرٌ كَاذِبٌ مَعَ أَنَّ مُتَقَدِّمَاتِهِ صَحِيحَةٌ فَكَيْفَ يُنْتِجُ الصَّادِقُ الْخَبَرَ الْكَاذِبَ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ كَذِبُ نَتِيجَةِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الصَّادِقَتَيْنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الْمُنْقَسِمَ إلَى شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ يَنْتِجُ قَوْلُهُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الْمُحَالُ فِي النَّتِيجَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَالَ إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَوْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ عَادَا نَفْيَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ عَادَا ثُبُوتَيْنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذَا الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَإِلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ ذِكْر الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا نِسَاءُ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَ حَمْلِ الْعُمُومِ عَلَى عُمُومِهِ دُونَ سَبَبِهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى شَرْطِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَالْعِلَلِ الْمُجْتَمِعَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ جُزْءِ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالْمَانِعِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَالِي أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ تَوَالِي الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا]

- ‌[ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[مَا لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا أَقْسَامٌ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحِجَاجِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْإِنْسَانَ لَا يَنْوِي إلَّا فِعْلَ نَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ لَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّذِي نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ النِّيَّةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ حُكْم دُخُول السنن فِي نِيَّة صَلَاة الْفَرْض]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حُقُوقِ اللَّهِ وَقَاعِدَةِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْآدَمِيِّينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌[الْفَرَق بَيْنَ قَاعِدَة خِطَابِ التَّكْلِيف وَقَاعِدَة خِطَاب الْوَضْع]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ فِي الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَة النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ]

- ‌[الْفَرْق بَيْن قَاعِدَة تَمْلِيك الِانْتِفَاع وَبَيْن قَاعِدَة تَمْلِيك الْمَنْفَعَة]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَة حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ]

- ‌[الْفَرْق بَيْن قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَام مِنْ قِبَل صَاحِب الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَات]

- ‌[الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَة تَقَدُّم الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُون شَرْطِهِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْفِعْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْحُكْمِيَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعْلِيقِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَقَاعِدَةِ تَعْلِيقِ سَبَبِيَّةِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَشِيئَة]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ قَاعِدَة النَّهْيِ الْعَام]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِر]

- ‌[الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُسْكِرَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُرْقِدَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُفْسِدَات]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفَ التَّكْلِيفِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَقَطْ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِلْإِيقَاعِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْجُزْئِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْكُلِّيِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ الشَّرْطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ]

الفصل: ‌[الفرق بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع]

الشَّعِيرِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي ثَوْبِ الْقُطْنِ بِخِلَافٍ إذَا كَانَ لَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الْخُبْزِ وَالثَّوْبِ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ عُرْفٌ مُخَصَّصٌ يُقَدَّمُ عَلَى اللُّغَةِ فَيَحْنَثُ بِعُمُومِ الْمُسَمَّيَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا تَقْيِيدٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُءُوسًا يَحْنَثُ بِجَمِيعِ الرُّءُوسِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ قَدْ نَقَلُوا هَذَا اللَّفْظَ الْمُرَكَّبَ أَكَلْت رُءُوسًا لَا كُلَّ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا بِسَبَبِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ فِي هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الرُّءُوسِ فَهَذَا مُدْرَكُ أَشْهَبَ فَيُقَدِّمُ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُسَلِّمُ اسْتِعْمَالَ أَهْلِ الْعُرْفِ لِذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ يَصِلْ الِاسْتِعْمَالُ عِنْدَهُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّقْلِ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ قَدْ تَقْصُرُ عَنْ النَّقْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ اسْتِعْمَالًا كَثِيرًا.

وَلَمْ يَصِلْ ذَلِكَ إلَى حَدِّ النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَضَابِطُ النَّقْلِ أَنْ يَصِيرَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى الْقَرِينَةِ فَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ الْقَوْلَيْنِ فَاتَّفَقَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَةِ إذَا وُجِدَ وَاخْتَلَفَا فِي وُجُودِهِ هُنَا فَالْكَلَامُ بَيْنَهُمَا فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ وَلَوْ قَالَ الْقَائِلُ رَأَيْت رَأْسًا لَمْ تَخْتَلِفْ النَّاسُ أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَخْتَصُّ بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ بَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ يُسَمَّى رَأْسًا لُغَةً بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ الَّذِي هُوَ رَأَيْت رَأْسًا لَمْ يَكْثُرْ اسْتِعْمَالُهُ فِي نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ غَيْرِهِ حَتَّى صَارَ مَنْقُولًا بِخِلَافِ أَكَلْت رَأْسًا فَيُقَرُّ اللَّفْظُ عَلَى مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَلَا نَاسِخٍ وَكَذَلِكَ خَلَقَ اللَّهُ رَأْسًا وَسَقَطَتْ وَوَقَعَتْ رَأْسٌ وَهَذِهِ رَأْسٌ وَفِي الْبَيْتِ رَأْسٌ جَمِيعُ هَذِهِ التَّرَاكِيبِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَقَعْ فِيهَا نَقْلٌ عُرْفِيٌّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَكَلْت رَأْسًا وَنَحْوَهُ مِنْ صِيَغِ الْأَكْلِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ حَتَّى صَارَ إلَى حَيِّزِ النَّقْلِ فَقُدِّمَ عَلَى اللُّغَةِ عِنْدَ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ النَّقْلُ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَكَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ وَالْفُقَهَاءِ إذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقُولُ فِيهَا لَا يُحْنَثُ بِغَيْرِ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ يَأْكُلُونَ رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا وَلَا تَجِدُ فِي الْكُتُبِ الْمَوْضُوعَةِ لِلشُّرَّاحِ غَيْرَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمْ يُشِيرُونَ إلَى الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ الْمَلْغِيِّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْمُدْرَكُ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُءُوسًا يَحْنَثُ بِجَمِيعِ الرُّءُوسِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ عِنْدَ أَشْهَبَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ)

قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ وَلَا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ الْمَوْضُوعَةِ لِلشُّرَّاحِ غَيْرَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّى اللَّفْظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفِعْلِيِّ مِنْ جِنْسِ الْبِسَاطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِيهِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْرَادِ فَافْهَمْ.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَيُعَيِّنُهُ لِلْعِتْقِ نَظَرًا لِكَوْنِ أَحَدِ الْأُمُورِ عِبَارَةً عَنْ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَلَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْعُمُومِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ مُقْتَضِيهِ وَلَمْ يُنْظَرْ هُنَا لِلِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ لِلْوَطْءِ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ الْبِغْضَةُ الَّتِي لَا تَصْدُقُ إلَّا مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَأَنَّ الْعِتْقَ قُرْبَةٌ فِي جَمِيعِ الْإِعْصَارِ وَالْأُمَمِ إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْعِتْقِ قُرْبَةً لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمًا لِلْوَطْءِ وَأَخْذِ الْمَنَافِعِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبِغْضَةَ فِي الْحَدِيثِ لَا تَصْدُقُ إلَّا مَعَ النَّهْيِ حَتَّى يَتِمَّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَا مَأْمُورٌ بِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَرَّحَ بِإِبَاحَةِ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا وَحِينَئِذٍ فَتَصْدُقُ الْبِغْضَةُ مَعَ الْأَمْرِ وَتُحْمَلُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَرْجُوحِيَّةِ الْأَمْرِ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْبِغْضَةُ وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ وَيَلْزَمُهُ وُجُوبُ التَّرْكِ وَالْعِتْقَ قُرْبَةٌ وَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْأَلْفَاظِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مُطَابَقَةً دُونَ مَا تَقْتَضِيهِ الْتِزَامًا أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ يَلْزَمُهُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ بِنَاءً عَلَى النَّهْيِ وَأَنَّ كُلَّ نَهْيٍ يَلْزَمُهُ الْأَمْرُ بِتَرْكِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ لِلْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى الْأَمْرِ فَلَا تُعْتَبَرُ اللَّوَازِمُ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْحَقَائِقُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَمَدْفُوعَةٌ بِأَنَّ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِتَحْرِيمٍ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا هُوَ الْمُؤَبَّدُ أَمَّا غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ فَلَا.

وَإِنَّمَا هُوَ حِلٌّ لِعَقْدِ النِّكَاحِ وَحِلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ يَسْتَلْزِمُ صَيْرُورَةَ الزَّوْجَةِ أَجْنَبِيَّةً وَصَيْرُورَتُهَا أَجْنَبِيَّةً يَسْتَلْزِمُ تَحْرِيمَهَا كَمَا أَنَّ الْعِتْقَ رَفْعٌ لِلْمِلْكِ عَنْ الْمَمْلُوكَةِ وَرَفْعُ الْمِلْكِ يُصَيِّرُهَا أَجْنَبِيَّةً مَالِكَةً لِنَفْسِهَا وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَحْرِيمُهُمَا فَلَا فَرْقَ قُلْت: نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: الْوَجْهُ فِي نَظَرِ مَالِكٍ فِي الطَّلَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ وَإِنْ لَزِمَهُ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ وَفِي الْعِتْقِ لِمَا اقْتَضَاهُ الْإِجْمَاعُ وَإِنْ لَزِمَهُ مُخَالَفَةُ الِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ هُوَ أَنَّ اسْتِلْزَامَ الطَّلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ لِخُصُوصِ الْوَطْءِ مُطَّرِدٌ إذْ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لَهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَم

[الْفَرَق بَيْنَ قَاعِدَة خِطَابِ التَّكْلِيف وَقَاعِدَة خِطَاب الْوَضْع]

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْوَاقِعَةَ فِي الْوُجُودِ الْمُقْتَضِيَةَ لِأُمُورٍ تُشْرَعُ لِأَجْلِهَا أَوْ تُوضَعُ فَتَقْتَضِيهَا عَلَى الْجُمْلَةِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا خَارِجٌ عَنْ مَقْدُورِ الْمُكَلَّفِ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ سَبَبًا كَالِاضْطِرَارِ فِي إبَاحَةِ الْمَيْتَةِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ وَالسَّلَسِ فِي إسْقَاطِ وُجُوبِ

ص: 175

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ فَحَنِثَ فَمَشْهُورُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعِتْقُ رَقَبَةٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَثُرُوا وَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ وَلَمْ يُلْزِمُوهُ اعْتِكَافَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا الرِّبَاطَ فِي الثُّغُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَلَا تَرْبِيَةَ الْيَتَامَى وَلَا كُسْوَةَ الْعَرَايَا وَلَا إطْعَامَ الْجِيَاعِ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْقُرُبَاتِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَاحَظُوا مَا غَلَبَ الْحَلِفُ بِهِ فِي الْعُرْفِ وَمَا يُجْعَلُ يَمِينًا فِي الْعَادَةِ فَأَلْزَمُوا إيَّاهُ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيُّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ وَيَخْتَصُّ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا الْمُشْتَهِرَةُ وَلَفْظُ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا وَلَيْسَ الْمُدْرَكُ أَنَّ عَادَتَهُمْ يَفْعَلُونَ مُسَمَّيَاتِهَا وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يَحُجُّونَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ بَلْ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي دُونَ غَيْرِهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ صَرَّحُوا وَقَالُوا مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلِفِ بِصَوْمٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَنَةٍ فَجَعَلُوا الْمُدْرَكَ الْحَلِفَ اللَّفْظِيَّ دُونَ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ فَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّحْرِيرِ وَالتَّحْقِيقِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ فِي وَقْتٍ آخَرَ اشْتِهَارُ حَلِفِهِمْ وَنَذْرِهِمْ لِلِاعْتِكَافِ وَالرِّبَاطِ وَإِطْعَامِ الْجِيعَانِ وَكُسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ دُونَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَكَانَ اللَّازِمُ لِهَذَا الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ الِاعْتِكَافَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ دُونَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ. وَتَبْطُلُ مَعَهَا إذَا بَطَلَتْ

كَالنُّقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُيُوبِ فِي الْأَعْرَاضِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَوْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فِي النَّقْدِ وَالسِّكَّةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى لَحُمِلَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى السِّكَّةِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ الْعَادَةُ بِهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّيْءُ عَيْبًا فِي الثِّيَابِ فِي عَادَةٍ رَدَدْنَا بِهِ الْمَبِيعَ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ وَصَارَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا مُوجِبًا لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ لَمْ تُرَدَّ بِهِ وَبِهَذَا الْقَانُونِ تُعْتَبَرُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ وَهُوَ تَحْقِيقٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ قَدْ يَقَعُ الْخِلَافُ فِي تَحْقِيقِهِ هَلْ وُجِدَ أَمْ لَا وَعَلَى هَذَا التَّحْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّ عُرْفَنَا الْيَوْمَ لَيْسَ فِيهِ الْحَلِفُ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا بِمِصْرَ يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْفُتْيَا بِهِ وَعَادَتُهُمْ يَقُولُونَ عَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَمَالِي صَدَقَةٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَتَلْزَمُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونَ تُرَاعَى الْفَتَاوَى عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ فَمَهْمَا تَجَدَّدَ فِي الْعُرْفِ اعْتَبِرْهُ وَمَهْمَا سَقَطَ أَسْقِطْهُ وَلَا تَجْمُدْ عَلَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك بَلْ إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك لَا تَجْرِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ فَحَنِثَ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ وُجُودِ الْخَارِجِ وَزَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا أَوْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي إيجَابِ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ شَرْطًا كَالْحَوْلِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ وَالْبُلُوغِ فِي التَّكْلِيفِ مُطْلَقًا وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالرُّشْدِ فِي دَفْعِ مَالِ الْيَتِيمِ إلَيْهِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ مَانِعًا كَالْحَيْضِ مِنْ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ وَأَدَاءِ الصِّيَامِ وَالْجُنُونِ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعِبَادَاتِ وَإِطْلَاقِ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الضَّرْبُ الثَّانِي مَا لَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ مَقْدُورِ الْمُكَلَّفِ وَلَهُ نَظَرٌ إنْ نُظِرَ مِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ تَحْتَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْ مَأْذُونًا فِيهِ لِاقْتِضَائِهِ لِلْمَصَالِحِ أَوْ الْمَفَاسِدِ جَلْبًا أَوْ دَفْعًا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلِانْتِفَاعِ وَالنِّكَاحِ لِلنَّسْلِ وَالِانْقِيَادِ لِلطَّاعَةِ لِحُصُولِ الْفَوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهُوَ بَيِّنٌ وَنُظِرَ مِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ تَحْتَ خِطَابِ الْوَضْعِ إمَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا كَالنِّكَاحِ سَبَبًا فِي حُصُولِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَحِلِّيَّةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالذَّكَاةِ سَبَبًا لِحِلِّيَّةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَكْلِ وَالسَّفَرِ سَبَبًا فِي إبَاحَةِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَالْقَتْلِ وَالْجُرْحِ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ أَسْبَابًا لِحُصُولِ تِلْكَ الْعُقُوبَاتِ

وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ شَرْطًا كَالنِّكَاحِ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَوْ فِي حِلِّ مُرَاجَعَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْإِحْصَانِ شَرْطًا فِي رَجْمِ الزَّانِي وَالطَّهَارَةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالنِّيَّةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَانِعًا كَنِكَاحِ الْأُخْتِ مَانِعًا مِنْ نِكَاحِ الْأُخْرَى وَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ مَانِعًا مِنْ نِكَاحِ عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَالْإِيمَانِ مَانِعًا مِنْ الْقِصَاصِ لِلْكَافِرِ وَالْكُفْرِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الطَّاعَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِي نَحْوِ النِّكَاحِ لَكِنْ لَا لِحُكْمٍ وَاحِدٍ بَلْ إنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِحُكْمٍ وَشَرْطٌ لِآخَرَ وَمَانِعٌ لِآخَرَ كَمَا عَلِمْت إذْ لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهَا وَلَا اثْنَيْنِ مِنْهَا عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ كَمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّدَافُعِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ

وَيُضْبَطُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ قِيلَ وَالْأَصْلُ فِي لَفْظِهِ التَّكْلِيفُ لِكَوْنِهَا مُشْتَقَّةً مِنْ الْكُلْفَةِ أَنْ لَا تُطْلَقَ إلَّا عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ إذْ لَا تُوجَدُ الْكُلْفَةُ إلَّا فِيهِمَا لِأَجْلِ الْحَمْلِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ خَوْفَ الْعِقَابِ وَالْمُكَلَّفُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَاهُمَا فِي سَعَةٍ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَلَا كُلْفَةَ إلَّا أَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْجَمِيعِ تَغْلِيبًا أَوْ لِكَوْنِهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ

ص: 176

عَلَى عُرْفِ بَلَدِك وَاسْأَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ وَاجْرِهِ عَلَيْهِ وَأَفْتِهِ بِهِ دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَالْمُقَرَّرِ فِي كُتُبِك فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ وَالْجُمُودُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِدِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ أَيْمَانُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَصِيَغُ الصَّرَائِحِ وَالْكِنَايَاتِ فَقَدْ يَصِيرُ الصَّرِيحُ كِنَايَةً يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ.

وَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَةُ صَرِيحًا مُسْتَغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَوْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَسَمُ فَقَطْ ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي النَّذْرِ أَيْضًا وَهُوَ لَيْسَ قَسَمًا بَلْ إطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إمَّا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَوْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَجَمْعُ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهَا تُنْذِرُ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ قَسَمًا وَلَا نَذْرًا يَقْتَضِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ إنْ قُلْنَا إنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ حَقِيقَةً فِي الْجَمِيعِ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ تَجُوزُ أَمْ لَا أَعْنِي هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ كَلَامًا عَرَبِيًّا أَمْ لَا وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي فَتَخَرَّجَ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْحَلِفِ عِنْدَ الْمُلُوكِ الْمُعَاصِرَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَيُّ شَيْءٍ جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مُلُوكِ الْوَقْتِ فِي التَّحْلِيفِ بِهِ فِي بَيْعَتِهِمْ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ بِحَيْثُ صَارَ عُرْفًا وَمَنْقُولًا مُتَبَادِرًا لِلذِّهْنِ مِنْ غَيْرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَةُ صَرِيحًا مُسْتَغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الْأَيْمَانِ لَا بُدَّ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى عَادَةِ الْحَالِفِ أَوْ أَهْلِ بَلْدَةِ تَسْمِيَتِهِ يَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ

(وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَوْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَسَمُ فَقَطْ ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي النَّذْرِ أَيْضًا وَهُوَ لَيْسَ قَسَمًا بَلْ إطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إمَّا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَوْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَجَمَعَ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهَا تُنْذَرُ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ قَسَمًا وَلَا نَذْرًا يَقْتَضِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ صَارَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ كُلُّهَا تُسَمَّى فِي الْعُرْفِ إيمَانًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَةِ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ يَمِينِهِ عَلَى الْعُرْفِ ثُمَّ عَلَى النِّيَّةِ ثُمَّ عَلَى الْبِسَاطِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى يَمِينِهِ تِلْكَ حُكْمٌ أَوْ لَا يَتَرَتَّبُ فَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا حُكْمٌ فَالْمُعْتَبَرُ النِّيَّةُ ثُمَّ السَّبَبُ أَوْ الْبِسَاطُ ثُمَّ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَفِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ إمَّا أَنْ يُفَسَّرَ بِإِلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا يَشْمَلُ النَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ وَإِمَّا أَنْ يُفَسَّرَ بِالطَّلَبِ فَيَشْمَلُهُمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَظْهَرُ مَا رَجَّحَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ تَعَلُّقِ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ بِالصَّبِيِّ كَأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ مِنْ الشَّارِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ أَمْرٌ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَلَيْسَتْ تَكْلِيفًا عَلَيْهِمَا وَعَدُّهَا فِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ إمَّا أَنَّهُ تَغْلِيبٌ أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُكَلَّفِ لِمَا صُرِّحَ بِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ كَالْبَهَائِمِ مُهْمَلَةٌ وَلَا يُقَالُ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَتَقْرِيبُهُ أَنَّ مَعْنَى مُبَاحَةٌ لَا إثْمَ فِي فِعْلِهَا وَلَا فِي تَرْكِهَا وَلَا يُنْفَى الشَّيْءُ إلَّا حَيْثُ يَصِحُّ ثُبُوتُهُ قَالَ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى ظَاهِرِ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ مُكَلَّفٌ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَأَنَّهُمْ حَمَلُوا رَفْعَ الْقَلَمِ عَنْهُ عَلَى غَيْرِ الْإِيمَانِ مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ وَذَلِكَ لِأَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى نَجَاةِ الصِّبْيَانِ مُطْلَقًا وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ نَعَمْ إنْ أَرَادُوا مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْمَالِكِيَّةُ رِدَّةُ الصَّبِيِّ وَإِيمَانَهُ مُعْتَبَرَانِ بِمَعْنَى إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تَتَسَبَّبُ عَنْهُمَا كَبُطْلَانِ ذَبْحِهِ وَنِكَاحِهِ وَصِحَّتُهُمَا رَجَعَ لِخِطَابِ الْوَضْعِ مِنْ حَيْثُ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ وَهُوَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُكَلَّفِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُقْتَلُ قَبْلَ الْبُلُوغِ اهـ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَبَعًا لِابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنَعَ الْإِنْسَانَ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ وَيُوَضِّحُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّاطِبِيُّ فِي الْمُوَافَقَاتِ مِنْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ أَنَّ الشَّرَائِعَ إنَّمَا جِيءَ بِهَا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ

فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّخْيِيرُ جَمِيعًا رَاجِعَةٌ إلَى حَظِّ الْمُكَلَّفِ وَمَصَالِحِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْحُظُوظِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَغْرَاضِ غَيْرَ أَنَّ الْحَظَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا دَاخِلٌ تَحْتَ الطَّلَبِ فَلِلْعَبْدِ أَخْذُهُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ فَلَا يَكُونُ سَاعِيًا فِي حَظِّهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفُوتُهُ حَظُّهُ لَكِنَّهُ أُخِذَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ لَا مِنْ حَيْثُ بَاعِثِ نَفْسِهِ وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ بَرِيئًا مِنْ الْحَظِّ وَقَدْ يَأْخُذُهُ مِنْ حَيْثُ الْحَظِّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الطَّلَبِ فَطَلَبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ صَارَ حَظُّهُ تَابِعًا لِلطَّلَبِ فَلَحِقَ بِمَا قَبْلَهُ فِي التَّجَرُّدِ عَنْ الْحَظِّ وَسُمِّيَ بِاسْمِهِ وَالثَّانِي غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الطَّلَبِ فَلَا يَكُونُ آخِذًا لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لِأَنَّ الطَّلَبَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْغَرَضِ فَهُوَ وَقَدْ أَخَذَهُ إذًا مِنْ جِهَةِ حَظِّهِ فَلِهَذَا يُقَالُ فِي الْمُبَاحِ إنَّهُ الْعَمَلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدُ الْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ خَاصَّةً اهـ أَيْ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتِمَّ فِيهِ الْحَظُّ الْمَذْكُورُ بِوَاسِطَةِ الْحَجْرِ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ إلَّا بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ لَمْ يَخْلُ عَنْ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ

ص: 177

قَرِينَةٍ عَلَى الْقَانُونِ الْمُتَقَدِّمِ حُمِلَ يَمِينُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ أَوْ بِسَاطُ يَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ) هَذَا الْفَرْقُ أَيْضًا ذَهَبَ عَنْهُ كُلُّ مَنْ يُفْتِي مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ فَلَا يَكَادُونَ يَتَعَرَّضُونَ عِنْدَ الْفَتَاوَى لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا جَاءَهُمْ حَالِفٌ وَقَالَ حَلَفْت لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا وَنَوَيْتُ الْكَتَّانَ يَقُولُونَ لَهُ لَا تَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ وَهُوَ خَطَأٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ وَطَرِيقُ كَشْفِ الْغِطَاءِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ إنَّ الْمُطْلِقَ إذَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَنَوَى جَمِيعَ أَفْرَادِهِ بِيَمِينِهِ حَنَّثْنَاهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ لِوُجُودِ اللَّفْظِ فِيهِ وَلِوُجُودِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ هُنَا مُؤَكِّدَةٌ لِصِيغَةِ الْعُمُومِ وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظِ الْعَامَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا بِسَاطٍ وَلَا عَادَةٍ صَارِفَةٍ حَنَّثْنَاهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ لِلْوَضْعِ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَنَوَى بَعْضَهَا بِالْيَمِينِ وَغَفَلَ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ حَنَّثْنَاهُ بِالْبَعْضِ الْمَنْوِيِّ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ وَبِالْبَعْضِ الْآخَرِ بِاللَّفْظِ فَإِنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْحُكْمِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى النِّيَّةِ لِصَرَاحَتِهِ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْعُرْفُ ثُمَّ اللُّغَةُ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمٌ فَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ ثُمَّ اللُّغَةُ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ.

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَى قَوْلِهِ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ)

قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ تَحْنِيثِ الْحَالِفِ الْمُطْلِقِ اللَّفْظَ الْعَامَّ النَّاوِي لِبَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْغَافِلُ عَنْ سِوَاهُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ أَوَّلُ مُعْتَبَرٍ فِي الْحَالِفِ ثُمَّ السَّبَبُ وَالْبِسَاطُ وَالسَّبَبُ وَالْبِسَاطُ إذَا اقْتَضَيَا تَقْيِيدَ اللَّفْظِ أَوْ تَخْصِيصَهُ نَزَلَ لَفْظُ الْحَالِفِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْنَثْ بِمَا عَدَاهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ السَّبَبَ وَالْبِسَاطَ يَدُلَّانِ عَلَى قَصْدِهِ التَّقْيِيدَ أَوْ التَّخْصِيصَ فَإِذَا نَوَى التَّقْيِيدَ وَالتَّخْصِيصَ فَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّبَبُ وَالْبِسَاطُ فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ التَّقْيِيدُ وَالتَّخْصِيصُ الْمَنْوِيَّانِ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِمَا بِالسَّبَبِ وَالْبِسَاطِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَافْهَمْ وَثَانِي الْأُمُورِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ الْفِعْلُ لَا الْكَوْنُ كَذَا وَثَالِثُهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ بِالتَّكْلِيفِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ لِقَوْلِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالصَّوَابُ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ اهـ.

أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي كَالنَّائِمِ وَالسَّاهِي فَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ تَكْلِيفُهُ لَكَانَ مُسْتَدْعِيَ حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى قَصْدِ الطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُ وَأَنَّهُ مُحَالٌ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِالْأَمْرِ قَصْدُ الْفِعْلِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَاسْتِحَالَةُ اللَّازِمِ يَلْزَمُهَا اسْتِحَالَةُ الْمَلْزُومِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَنْ يَدْرِي وَلَا مَنْدُوحَةَ لَهُ كَمَا أُلْجِئَ إلَيْهِ كَالْمُلْقَى مِنْ شَاهِقٍ عَلَى شَخْصٍ يَقْتُلُهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهِ الْقَاتِلِ لَهُ فَامْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِ بِالْمُلْجَأِ إلَيْهِ أَوْ بِنَقِيضِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُلْجَأَ إلَيْهِ وَاجِبُ الْوُقُوعِ عَادَةً وَنَقِيضُهُ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ كَذَلِكَ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ، وَتَكْلِيفُ الْغَافِلِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْخَلَلَ فِي الْأَوَّلِ رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِي الثَّانِي رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُورِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَجْوِيزِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ جَوَازُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ عَلَى أَنَّ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَائِدَةً مَفْقُودَةً فِي تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّخْصِ هَلْ يَمْتَثِلُ بِالْأَخْذِ فِي الْأَسْبَابِ أَوْ لَا نَعَمْ تَكْلِيفُ الْمُلْجَأِ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكْلِيفِ الزَّمِنِ بِالْمَشْيِ وَالْإِنْسَانِ بِالطَّيَرَانِ الَّذِي عَدَّهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ قَبِيل التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَجَوَّزَهُ قَالَ سم إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِمُجَرَّدِ أَنَّ الْمُلْجَأَ سَاقِطُ الِاخْتِيَارِ رَأْسًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ اهـ.

مُلَخَّصًا مِنْ الْمَحَلِّيّ وَالْعَطَّارِ وَالشِّرْبِينِيُّ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُلْجَأِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ جَوَازِ تَكْلِيفِ مَنْ أُزِيلَ رِضَاهُ وَاخْتِيَارُهُ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا قُدْرَةَ لَهُ أَصْلًا بِالْإِلْجَاءِ كَمَا أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْغَافِلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِ تَكْلِيفِهِ مِنْ حَيْثُ غَفْلَتِهِ وَفِي مَسْأَلَةِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ أَيْ مَا لَا يُطَاقُ عَادَةً إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ جَوَازِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا تَصْلُحُ قُدْرَتُهُ لِلْمُكَلَّفِ بِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّكْلِيفِ وَعَدَمِ إكْرَاهِهِ وَإِلْجَائِهِ فَكَلَامُهُمْ فِي كُلٍّ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ لَا مِنْ حَيْثُ عُمُومِ غَيْرِهِ لَهُ أَوْ عُمُومِهِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُمْ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اكْتَفَوْا فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَشَابِهَةِ بِالْقُيُودِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ عُنْوَانِهَا وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ هِيَ مَحَلَّ الْكَلَامِ فِيهَا فَسَقَطَ مَا لسم وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا فَافْهَمْ وَيُضْبَطُ خِطَابُ الْوَضْعِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَيْضًا

أَحَدُهَا أَنَّهُ يَنْحَصِرُ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَالْعَزَائِمِ وَالرُّخَصِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَاحِدًا وَالْعَزَائِمِ وَالرُّخْصِ وَاحِدًا كَمَا فِي الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ وَلَمْ يَعُدَّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشُرُوحِهِ وَحَوَاشِيهِ الْعَزَائِمَ وَالرُّخَصَ بَلْ اعْتَبَرُوا الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ نَوْعَيْنِ لَا نَوْعًا وَاحِدًا بَلْ قَالَ الْعَطَّارُ الْحَقُّ مَا لِلنَّاصِرِ مِنْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ مِنْ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ بِعَرَضِ الْعِبَادَةِ مَثَلًا عَلَى الْأَوَامِرِ فَكَوْنُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلْأَوَامِرِ أَوْ مُخَالِفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ كَكَوْنِهِ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ تَارِكًا لَهَا فَلَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ عَقْلِيًّا وَعَلَى هَذَا فَالْأَحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ ثَلَاثَةٌ اهـ

وَثَانِيهَا أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ

ص: 178

وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَقَالَ نَوَيْتُ إخْرَاجَ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ قُلْنَا لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُخْرَجِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ لَفْظِهِ وَهَذِهِ النِّيَّةُ بِخِلَافِ نِيَّتِهِ الْأُولَى وَهِيَ أَنْ يَقْصِدَ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ بِالْيَمِينِ وَيَغْفُلَ عَنْ غَيْرِهِ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ وَمَتَى لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُنَافِيَةً لَمْ تَكُنْ مُخَصِّصَةً وَكَذَلِكَ الْمُخَصِّصَاتُ اللَّفْظِيَّةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَارِضَةً لَا تَكُونُ مُخَصِّصَةً وَقَصْدُهُ بِدُخُولِ الْبَعْضِ فِي يَمِينِهِ مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ اللَّفْظِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِشَيْءٍ مِنْ اللَّفْظِ بَلْ كَاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَفِي الْبَعْضِ الْمَغْفُولِ عَنْهُ لَا مُؤَكِّدٌ وَلَا مُنَافٍ فَلَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الْمُخَصِّصِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْمُنَافَاةُ وَالْغَفْلَةُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ هِيَ سَبَبُ الْغَلَطِ عِنْدَ مَنْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ فَبِمُجَرَّدِ مَا يَسْمَعُ الْمُسْتَفْتِي يَقُولُ نَوَيْتُ الْكَتَّانَ يَقُولُ لَهُ لَا تَحْنَثْ بِغَيْرِهِ وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إلَّا الْقَصْدُ إلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ الْيَمِينِ فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ إخْرَاجَهُ بَقِيَ مُنْدَرِجًا فِي عُمُومِ اللَّفْظِ وَالنِّيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا إنَّمَا هِيَ مُوَافِقَةٌ لِلَفْظِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَقَالَ نَوَيْتُ إخْرَاجَ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ قُلْنَا لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُخْرَجِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ لَفْظِهِ) قُلْت هَذَا هُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ دُونَ النُّطْقِ وَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مَنْشَؤُهُ النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فَيُجْزِئُ بِالنِّيَّةِ أَوْ النَّظَرِ إلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا نُطْقًا قُلْت فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ التَّخْصِيصَ بِالنِّيَّةِ أَصْلًا وَذَلِكَ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ وَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ فَرْعًا مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ تَخْصِيصٌ عَلَى قَوْلٍ وَعَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى آخَرَ وَذَلِكَ عَكْسُ مَا قَالَهُ شِهَابُ الدِّينِ فَإِنَّهُ سَاقَ التَّخْصِيصَ بِالنِّيَّةِ مَسَاقَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَصَوَّبَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ بِهَا حَمْلًا عَلَى التَّأْكِيدِ وَسَاقَ الِاسْتِثْنَاءَ بِالنِّيَّةِ مَسَاقَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ (وَهَذِهِ النِّيَّةُ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْأُولَى وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ بِالْيَمِينِ وَيَغْفُلَ عَنْ غَيْرِهِ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ وَمَتَى لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُنَافِيَةً لَمْ تَكُنْ مُخَصِّصَةً إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْكَوْنُ كَذَا لَا الْفِعْلُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِطَابِ بِنَصْبِ الْأَسْبَابِ الْوَقْتِيَّةِ كَالدُّلُوكِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ كَالْإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ وَالْخِطَابِ بِنَصْبِ الشُّرُوطِ لِلْحُكْمِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِلْمَبِيعِ أَوْ لِسَبَبٍ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَسَبَبُهَا أَيْ الصَّلَاةِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخِطَابُ بِنَصْبِ الْمَوَانِعِ إمَّا لِلْحُكْمِ كَالْأُبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ أَوْ لِلسَّبَبِ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ وَالْخِطَابُ بِنَصْبِ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ لِلْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ وَكُلٌّ مِنْ لَفْظَيْ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ يُطْلَقُ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَعَدَمِ تَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ فِي الْآخِرَةِ وَعَدَمِ تَرَتُّبِهِ وَالْخِطَابُ بِنَصْبِ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ وَالْعَزِيمَةُ مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ ابْتِدَاءً وَالرُّخْصَةُ مَا شُرِعَ لِعُذْرٍ شَاقٍّ اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيهِ اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ بَعْضِهِ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالثَّمَانِينَ فَتَرَقَّبْ

وَثَالِثُهَا أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَلِذَلِكَ نُوَرِّثُ بِالْأَنْسَابِ مَنْ لَا يُعْلَمُ نَسَبُهُ وَيَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمَوْرُوثُ فِي مِلْكِهِ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ ذَلِكَ وَعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ وَيُطْلَقُ بِالْإِضْرَارِ وَالْإِعْسَارِ اللَّذَيْنِ هُمَا مُجَوَّزٌ عَنْهُمَا وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ الْمَغْفُولِ عَنْهُ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ مَعْنَى خِطَابِ الْوَضْعِ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي السَّبَبِ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ كَذَا فَقَدْ وَجَبَ كَذَا أَوْ حَرُمَ كَذَا أَوْ نُدِبَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَفِي الْمَانِعِ مَتَى وُجِدَ كَذَا فَقَدْ عُدِمَ كَذَا وَفِي الشَّرْطِ مَتَى عُدِمَ كَذَا فَقَدْ عُدِمَ كَذَا وَقِسْ الْبَاقِيَ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِي أَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي هِيَ جِنَايَاتٌ كَالْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ الْمُوجِبَيْنِ لِلْحَدِّ فَلِذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا يَجِبُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمُكْرَهِ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ أَجْنَبِيَّةٌ بَلْ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَسْبَابِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَالْجَعَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ سَبَبُ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ فَمَنْ بَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَوْ هَذَا التَّصَرُّفَ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ عَجَمِيًّا أَوْ طَارِئًا عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا نَحْوُهُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ازْدَوَجَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَالْوَضْعِ لَحِقَهَا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا مِنْ جِهَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ حَتَّى يُقَالَ بِاسْتِثْنَائِهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ نَعَمْ لَمَّا ارْتَفَعَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ مَعَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ ارْتَفَعَ خِطَابُ الْوَضْعِ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالتِّسْعِينَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَانِعِ اُعْتُبِرَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا وَبَيْنَ السَّبَبِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَانِعِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ السَّبَبِ فَتَرَقَّبْ

(وَصْلٌ) فِي ثُبُوتِ الْعَفْوِ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ قَوْلَانِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِهِ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مَعَ الْقَصْدِ إلَى الْفِعْلِ وَأَمَّا دُونَ ذَلِكَ فَلَا وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمٌ مِنْهَا مَعَ وِجْدَانِهِ أَيْ الْحُكْمِ مِمَّنْ شَرَطَ الْحُكْمَ وَبَيَّنَ مَانِعَ السَّبَبِ وَعَدَمُ شَرْطِ شَأْنِهِ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ فَهُوَ مَعْنَى الْعَفْوِ الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ أَيْ لَا مُؤَاخَذَةَ بِهِ

وَالثَّانِي مَا جَاءَ مِنْ النَّصِّ عَلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ عَلَى الْخُصُوصِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا

ص: 179

فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ مُؤَكِّدَةٌ لَهُ فِيهِ لَا مُنَافِيَةٌ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ مُسَمَّى اللَّفْظِ أَلْبَتَّةَ فَالْمُعْتَبَرُ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فِي الْأَيْمَانِ إنَّمَا هُوَ الْقَصْدُ إلَى إخْرَاجِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ عَنْ الْعُمُومِ لَا الْقَصْدُ إلَى دُخُولِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ فِي الْعُمُومِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُنَافٍ وَمُخَصِّصٌ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ مُؤَكِّدٌ فَفَاتَ فِيهِ شَرْطُ التَّخْصِيصِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُخَصِّصًا وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ اللَّفْظِيَّةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى اُقْتُلُوا الْكُفَّارَ وَاقْتُلُوا الْيَهُودَ فَلَا نَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ اُقْتُلُوا الْيَهُودَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ اُقْتُلُوا الْكُفَّارَ بَلْ مُؤَكِّدٌ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَلَوْ قَالَ لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ لَكَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُمْ الْيَهُودُ لِحُصُولِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ النِّيَّةُ.

فَمَتَى قَالَ الْمُسْتَفْتَى نَوَيْتُ كَذَا فَانْظُرْ لِنِيَّتِهِ تِلْكَ هَلْ هِيَ مُخْرِجَةٌ مُنَافِيَةٌ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ أَمْ لَا فَإِنْ وَجَدْتهَا مُنَافِيَةً مُخْرِجَةً فَاجْعَلْهَا مُخَصِّصَةً وَلَا تُحَنِّثْهُ بِمَا نَوَى إخْرَاجَهُ عَنْ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْهَا مُخْرِجَةً فَقُلْ لَا أَثَرَ لَهَا أَلْبَتَّةَ إلَّا التَّأْكِيدَ وَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُخَصِّصَاتِ وَمَتَى لَمْ تَجْرِ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ أَخْطَأْت

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَمَتَى لَمْ تَجْرِ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ أَخْطَأْت) قُلْت أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ فَصَحِيحٌ وَذَلِكَ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ الدَّالِّ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُخَصِّصَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا اُحْتُمِلَ قَصْدُ التَّأْكِيدِ وَقَصْدُ التَّخْصِيصِ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ مُقْتَضَى الْعُمُومِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُنَافَاةُ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّخْصِيصِ لِاسْتِحَالَةِ التَّنَاقُضِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَتَى لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُنَافِيَةً لَا تَكُونُ مُخَصِّصَةً فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ أَنَّ النِّيَّةَ تَكُونُ مُخَصِّصَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَّا عَلَى النِّيَّاتِ وَالْقُصُودِ وَمَا لَيْسَ بِمَنْوِيٍّ وَلَا مَقْصُودٍ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَلَا مُؤَاخَذٍ بِسَبَبِهِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْمِلْ شِهَابُ الدِّينِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ لَا عَنْ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا رَأَيْت قَوْمًا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سَأَلُوهُ إلَّا عَنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً حَتَّى قُبِضَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220]{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلَّا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ يَعْنِي أَنَّ هَذَا كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يَسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ لَمْ يَحْرُمْ فَيَقُولُ عَفْوٌ وَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَ الْعَفْوُ يَعْنِي لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ زَكَاةٌ وَقَالَ عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ أَحَلَّ اللَّهُ حَلَالًا وَحَرَّمَ حَرَامًا فَمَا حَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرُمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ.

2 -

وَالثَّالِثُ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] الْآيَةَ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ فِي الْإِذْنِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ الْعَفْوُ عَنْ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ حَسْبَمَا بَسَطَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]«وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام يَكْرَهُ كَثْرَةَ السُّؤَالِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ حُكْمٌ» بِنَاءً عَلَى حُكْمِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ إذْ هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى هَذَا الْمَعْنَى وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْأَفْعَالَ مَعَهَا مَعْفُوٌّ عَنْهَا وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِمْ فَحَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ وَاَسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِعَدَمِهِ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا

أَحَدُهَا أَنَّ أَفْعَالَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُكَلَّفُونَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِجُمْلَتِهَا دَاخِلَةً تَحْتَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَهُوَ الِاقْتِضَاءُ أَوْ التَّخْيِيرُ أَوْ لَا تَكُونُ بِجُمْلَتِهَا دَاخِلَةً فَإِنْ كَانَ بِجُمْلَتِهَا دَاخِلَةً فَلَا زَائِدَ عَلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً بِجُمْلَتِهَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُكَلَّفِينَ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَوْ فِي وَقْتٍ أَوْ حَالَةٍ مَا لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّا فَرَضْنَاهُ مُكَلَّفًا فَلَا يَصِحُّ خُرُوجُهُ فَلَا زَائِدَ عَلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ

وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا زَائِدٌ إمَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِنْ كَانَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَإِمَّا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنْوَاعُهُ مَحْصُورَةٌ فِي الْخَمْسَةِ وَإِمَّا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَأَنْوَاعُهُ أَيْضًا مَحْصُورَةٌ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأُصُولِيُّونَ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ هَذِهِ وَلَا مِنْ هَذِهِ فَكَانَ لَغْوًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ لَا أَنَّهُ مُسَمًّى بِالْعَفْوِ وَالْعَفْوُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُتَوَقَّعُ لِلْمُكَلَّفِ حُكْمُ الْمُخَالَفَةِ لِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمُكَلَّفِ بِهِ قَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَارَدَ عَلَيْهِ حُكْمٌ آخَرُ لِتَضَادِّ الْأَحْكَامِ وَثَانِيًا أَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ أُخْرَوِيٌّ لَا دُنْيَوِيٌّ وَكَلَامُنَا فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَوَجِّهَةِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذَا الزَّائِدَ أَيْ مَرْتَبَةَ الْعَفْوِ إنْ كَانَتْ رَاجِعَةً إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَهِيَ أَنْ يُقَالَ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَخْلُوَ بَعْضُ الْوَقَائِعِ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ أَمْ لَا فَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَلَيْسَ إثْبَاتُهَا أَوْلَى مِنْ نَفْيِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَدِلَّةُ فِيهَا مُتَعَارِضَةٌ فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهَا إلَّا بِالدَّلِيلِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَدَعْوَاهُ وَأَيْضًا إنْ كَانَتْ اجْتِهَادِيَّةً فَالظَّاهِرُ نَفْيُهَا بِالْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَاجِعَةً إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَلَيْسَتْ بِمَفْهُومَةٍ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى إثْبَاتِ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ لَا دَلِيلَ فِيهِ فَالْأَدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْأَحْكَامِ

ص: 180

فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرْته سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا مَا أَنْكَرْته وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا وَنَوَى الْكَتَّانَ وَغَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ غَيْرِ الْكَتَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ هُوَ مَا ذَكَرْته بَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يُطْلَقَ اللَّفْظُ وَيَخْرُجَ بَعْضُ مُسَمَّيَاتِهِ عَنْ الْحُكْمِ الْمُسْتَنِدِ إلَى الْعُمُومِ أَمَّا قَصْدُ بَعْضِ الْعُمُومِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ الْعُمُومِ فِي الْخُصُوصِ بَلْ اسْتِعْمَالَ الْعُمُومِ فِي الْعُمُومِ وَأَكَّدَ بِالنِّيَّةِ فِي الْخُصُوصِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ حَسَنٌ قَوِيٌّ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَاخْتَارَهُ إلَّا تَوَهُّمُهُ أَنَّ حُكْمَ النِّيَّاتِ كَحُكْمِ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَدْلُولَاتِ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرْته سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا مَا أَنْكَرْته وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا وَنَوَى الْكَتَّانَ وَغَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ غَيْرِ الْكَتَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ) قُلْت السُّؤَالَانِ وَاقِعَانِ لَازِمَانِ قَالَ (قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ إلَى قَوْلِهِ وَأُكِّدَ بِالنِّيَّةِ بِالْخُصُوصِ) قُلْت جَوَابُهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى يُقَابَلُ بِمِثْلِهَا ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ تَجْوِيزُهُمْ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِالْمُنَافِي وَإِطْبَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ أَرَادَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ الْخُصُوصَ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْعُمُومَ ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بِالتَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ نَسْخًا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْته بَلْ كُلُّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَعْنَى النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِ مُخَالِفِهِ وَبَطَلَتْ دَعْوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ

(وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ حَسَنٌ قَوِيٌّ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْخَمْسَةِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ الْعَفْوَ أُخْرَوِيٌّ وَأَيْضًا فَإِنْ سَلِمَ لِلْعَفْوِ ثُبُوتٌ فَفِي زَمَانِهِ عليه الصلاة والسلام لَا فِي غَيْرِهِ وَلِإِمْكَانِ تَأْوِيلِ تِلْكَ الظَّوَاهِرِ وَمَا سَيُذْكَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَفْوِ فَدَاخِلَةٌ أَيْضًا تَحْتَ الْخَمْسَةِ فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى رَفْعِ حُكْمِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْحَرَجِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إمَّا الْجَوَازُ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَإِمَّا رَفْعُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ مِنْ الذَّمِّ وَتَسْبِيبِ الْعِقَابِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعَ رَفْعِ آثَارِهِمَا لِمُعَارِضٍ فَارْتَفَعَ الْحُكْمُ بِمَرْتَبَةِ الْحُكْمِ وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسَةِ وَفِي هَذَا الْمَجَالِ أَبْحَاثٌ أُخَرُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْعَفْوِ فَهَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا احْتِمَالَاتٌ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَرْجِعُ إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ أَمْ إلَى خِطَابِ الْوَضْعِ احْتِمَالَاتٌ جَزَمَ الْأَصْلُ بِالثَّانِي وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ وَالنَّظَرُ فِي هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حُكْمٌ عَمَلِيٌّ لَمْ يَتَأَكَّدْ الْبَيَانُ فِيهِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ أَفَادَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي الْمُوَافَقَاتِ وَلِمَوَاقِعِ الْعَفْوِ عَلَى ثُبُوتِهِ إعْمَالًا لِأَدِلَّتِهِ ضَابِطَانِ

الضَّابِطُ الْأَوَّلُ لِلْأَصْلِ أَنَّهُ التَّقَادِيرُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَتَقْدِيرِ النَّجَاسَةِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي صُوَرِ الضَّرُورَاتِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَوْضِعِ الْحَدَثِ فِي الْمَخْرَجَيْنِ أَوْ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَتَقْدِيرِ الْكُفْرِ الْمَعْدُومِ عِنْدَ قَتْلِ الْمُسْلِمِ لِظَنِّهِ كَافِرًا فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَالضَّابِطُ الثَّانِي لِلشَّاطِبِيِّ فِي الْمُوَافَقَاتِ أَنَّهُ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا الْوُقُوفُ مَعَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ قَصْدَ نَحْوِهِ وَقَدْ قَوِيَ مُعَارِضُهُ كَالْعَمَلِ بِالْعَزِيمَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَإِنْ تَوَجَّهَ حُكْمُ الرُّخْصَةِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَبِالْعَكْسِ فَالرُّجُوعُ إلَى حُكْمِ الرُّخْصَةِ وُقُوفٌ مَعَ مَا مِثْلُهُ مُعْتَمَدٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَصْلُ رَفْعِ الْحَرَجِ وَارِدًا عَلَى أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَوَرَدَ الْمُكَمِّلُ تَرَجَّحَ جَانِبُ أَصْلِ الْعَزِيمَةِ بِوَجْهٍ مَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَخْرِمُ أَصْلَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْمُكَمِّلِ قِيَامَ أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ هَذَا فَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرْدٍ فَظَنَّ أَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ بِهِ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَمَنْ أَفْطَرَ فِيهِ بِتَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَيْرَ عِلْمِيٍّ بَلْ هَذَا جَارٍ فِي كُلِّ مُتَأَوَّلٍ كَشَارِبِ الْمُسْكِرِ يَظُنُّهُ غَيْرَ مُسْكِرٍ وَقَاتِلِ الْمُسْلِمِ يَظُنُّهُ كَافِرًا وَآكِلِ الْمَالِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ يَظُنُّهُ حَلَالًا لَهُ وَالْمُتَطَهِّرِ بِمَاءٍ نَجِسٍ يَظُنُّهُ طَاهِرًا وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ فِي اجْتِهَادِهِ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَسَمِعَهُ يَقُولُ اجْلِسُوا فَجَلَسَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَرَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَهُوَ بِطَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ اجْلِسُوا فَجَلَسَ فِي الطَّرِيقِ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا شَأْنُك فَقَالَ سَمِعْتُك تَقُولُ اجْلِسُوا فَجَلَسْت فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَك اللَّهُ طَاعَةً» وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا يُصَلِّي أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَهُمْ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي وَلَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدَةً مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ» وَيَدْخُلُ هَهُنَا كُلُّ قَضَاءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ خَطَؤُهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ أَخْطَأَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ بَعْضُ الْقَوَاطِعِ وَكَذَلِكَ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ فَإِنَّهُ وُقُوفٌ مَعَ أَحَدِهِمَا وَإِهْمَالٌ لِلْآخَرِ فَإِذَا

ص: 181

بَاطِلٌ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَهِيَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا أَلْحَقَتْ بِلَفْظٍ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَفْظًا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَارَ اللَّفْظُ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ نَحْوَ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَفْظٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ.

فَإِذَا اتَّصَلَ بِلَفْظِ الْعَشَرَةِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَلَا نُقَرِّرُ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ وَنُلْزِمُهُ الْعَشَرَةَ وَيُعَدُّ نَادِمًا بِقَوْلِهِ إلَّا اثْنَيْنِ بَلْ نَقُولُ الْأَوَّلُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا مَعَ الثَّانِي وَالْكَلَامُ بِآخِرِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَسْكُتَ فَيُتِمَّ الْأَوَّلَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَتَعَيَّنَ ضَمُّهُ إلَيْهِ أَمَّا لَوْ جَاءَ بِكَلَامٍ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ وَرَدَدْتهَا إلَيْهِ أَلْزَمْنَاهُ الْعَشَرَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ضَمِّهِ إلَى الْأَوَّلِ وَإِذَا كُنَّا نُبْطِلُ اللَّفْظَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ بِسَبَبٍ إنْ اتَّصَلَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْأَقَارِيرِ الَّتِي هِيَ أَضْيَقُ مِنْ غَيْرِهَا فَأَوْلَى فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَحِقَهُ قَوْلُهُ كَتَّانًا وَهُوَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَبَطَلَ عُمُومُهُ وَصَارَ الْكَلَامُ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَتَقَرَّرْ مِنْ الْأَوَّلِ حُكْمٌ فَلَمْ يَنْطِقْ إلَّا بِالْكَتَّانِ فِي حَلِفِهِ وَبَقِيَ غَيْرُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا نُحَنِّثُهُ بِهِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَلَا تَشْمَلُهَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَلَا تَتَوَقَّفُ الْأَلْفَاظُ الصَّرِيحَةُ عَلَيْهَا وَإِذَا لَحِقَتْ لَمْ تُعَكِّرْ عَلَى عُمُومٍ بِالتَّخْصِيصِ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ إمَّا بِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَلَا لِأَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

بَاطِلٌ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَهِيَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا أَلْحَقَتْ بِلَفْظٍ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَفْظًا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَارَ اللَّفْظُ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَبَقِيَ غَيْرُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَلَا تَشْمَلُهَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَلَا تَتَوَقَّفُ الْأَلْفَاظُ الصَّرِيحَةُ عَلَيْهَا إلَى قَوْلِهِ أَمَّا بِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَلَا لِأَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا دَعْوَى وَهِيَ عَيْنُ رَأْيِهِ وَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فُرِضَ مُهْمِلًا لِلرَّاجِحِ فَذَلِكَ لِأَجْلِ وُقُوفِهِ مَعَ الْمَرْجُوحِ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ دَلِيلٌ يُعْتَمَدُ مِثْلُهُ وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ بِدَلِيلٍ مَنْسُوخٍ أَوْ غَيْرِ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ وُقُوفٌ مَعَ ظَاهِرِ دَلِيلٍ يُعْتَمَدُ مِثْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْعَفْوِ وُقُوفُهُ مَعَ مُقْتَضَى دَلِيلٍ غَيْرِ مُعَارِضٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ أَوْ تَخْيِيرٌ عُمِلَ عَلَى وَفْقِهِ فَلَا عَتَبَ يُتَوَهَّمُ فِيهِ وَمُؤَاخَذَةٌ تَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا مَوْقِعَ لِلْعَفْوِ فِيهِ وَلَا وُقُوفِهِ مَعَ مَا لَمْ يَقْوَ مُعَارِضُهُ لِأَنَّهُ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي

النَّوْعُ الثَّانِي خُرُوجُهُ عَنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ عَنْ قَصْدٍ لَكِنْ بِالتَّأْوِيلِ فَمِثَالُ مُخَالَفَتِهِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ عَمَلًا عَلَى اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ دَلِيلُ تَحْرِيمِهِ أَوْ كَرَاهِيَتِهِ أَوْ يَتْرُكَهُ مُعْتَقِدًا إبَاحَتَهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ دَلِيلُ وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ كَقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمَةٌ فَيَشْرَبُهَا أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَاجِبٌ فَيَتْرُكُهُ وَكَمَا اُتُّفِقَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ حِينَ لَمْ تَعْلَمْ الْأَنْصَارِ طَلَبَ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ يَتَبَيَّنُ لِلْمُجْتَهِدِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى تَخْلِيلَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَيَرَاهُ مِنْ التَّعَمُّقِ حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ» فَرَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ وَكَمَا اُتُّفِقَ لِأَبِي يُوسُفَ مَعَ مَالِكٍ فِي الْمُدِّ وَالصَّاعِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا أَوْ إكْرَاهًا فَفِي الْحَدِيثِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعَفْوُ عَنْ عَثَرَاتِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ إقَالَتُهُمْ فِي الزَّلَّاتِ وَأَنْ لَا يُعَامَلُوا بِسَبَبِهَا مُعَامَلَةَ غَيْرِهِمْ فَفِي الْحَدِيثِ «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ»

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «تَجَافَوْا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ وَالصَّلَاحِ» وَرُوِيَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرُو بْنِ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَضَى بِهِ فِي رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شَبَحَ رَجُلًا وَضَرَبَهُ فَأَرْسَلَهُ وَقَالَ أَنْتَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَفِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ اسْتَأْذَى عَلَيَّ مَوْلًى لِي جَرَحْته يُقَالُ لَهُ سَلَامٌ الْبَرْبَرِيُّ إلَى ابْنِ حَزْمٍ فَأَتَانِي فَقَالَ جَرَحْته قُلْت نَعَمْ قَالَ سَمِعْت خَالَتِي عَمْرَةَ تَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ شُئُونِ رَبِّ الْعِزَّةِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ قَالَ {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31]{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] الْآيَةَ لَكِنَّهَا أَحْكَامٌ أُخْرَوِيَّةٌ وَكَلَامُنَا فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى دَرْءُ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ يَقُومُ هُنَالِكَ مُفِيدًا لِلظَّنِّ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِذَا عَارَضَهُ شُبْهَةٌ وَإِنْ ضَعُفَتْ غَلَبَ حُكْمُهَا وَدَخَلَ صَاحِبُهَا فِي حُكْمِ الْعَفْوِ وَقَدْ يُعَدُّ هَذَا الْمَجَالُ مِمَّا خُولِفَ فِيهِ الدَّلِيلُ بِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا وَمِثَالُ مُخَالَفَتِهِ بِالتَّأْوِيلِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِالدَّلِيلِ مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ حِينَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنْ كُنْتُ شَرِبْتهَا فَلَيْسَ لَك أَنْ تَجْلِدَنِي قَالَ عُمَرُ وَلِمَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ إنَّك أَخْطَأْت التَّأْوِيلَ يَا قُدَامَةُ إذَا اتَّقَيْت اجْتَنَبْت مَا حَرَّمَ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تُكَفِّرُ مَا كَانَ مِنْ شُرْبِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ اتَّقَى وَآمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ وَأَخْطَأَ

ص: 182

فَإِنْ قُلْت فَلِمَ تُجْعَلُ الصِّفَةُ اللَّاحِقَةُ لِلْعُمُومِ مُؤَكِّدَةً لِلْعُمُومِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُوَ الْكَتَّانُ وَيَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ فِي غَيْرِ الْكَتَّانِ فَيَحْنَثُ بِغَيْرِهِ وَالتَّأْكِيدُ كَمَا يُتَصَوَّرُ بِالنِّيَّةِ يُتَصَوَّرُ بِاللَّفْظِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُؤَكِّدُ بِالْأَلْفَاظِ إجْمَاعًا كَذِكْرِ الشَّيْءِ مَرَّتَيْنِ وَقَوْلُهُمْ قَبَضْت الْمَالَ كُلَّهُ نَفْسَهُ وَأَلْفَاظُ التَّأْكِيدِ كَثِيرَةٌ أَسْمَاءٌ وَحُرُوفٌ كَانَ وَأَنَّ وَاللَّامَ نَحْوَ إنَّ زَيْدًا لَقَائِمٌ فَتَكُونُ الصِّفَةُ الْمُؤَكِّدَةُ لِلْعُمُومِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ كَمَا قُلْته فِي النِّيَّةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِنْ جَعَلْتهَا أَعْنِي الصِّفَةَ مُخَصِّصَةً مَعَ صَلَاحِيَّتِهَا لِلتَّأْكِيدِ لَزِمَك أَنْ تَجْعَلَ النِّيَّةَ مُخَصِّصَةً مَعَ صَلَاحِيَّتِهَا لِلتَّأْكِيدِ وَغَايَتُهُ فِي الصِّفَةِ إنْ نَطَقَ بِصِفَةِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ كَمَا نَوَى هَاهُنَا بَعْضَ الْأَنْوَاعِ فَيَكُونُ الْكُلُّ مُؤَكِّدًا أَوْ الْكُلُّ مُخَصِّصًا أَمَّا جَعْلُ الصِّفَةِ مُخَصِّصَةً وَالنِّيَّةُ غَيْرَ مُخَصِّصَةٍ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْكَتَّانِ بِالْإِخْرَاجِ فَتَحَكُّمٌ مَحْضٌ قُلْت هَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ وَقَوِيٌّ وَقَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ إنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ التَّحَكُّمِ بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالنِّيَّةِ أَنَّ الصِّفَةَ لَفْظٌ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ دَلَالَتُهُ عَلَى عَدَمِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ دَالًّا بِمَفْهُومِهِ عَلَى عَدَمِ انْدِرَاجِ غَيْرِ الْكَتَّانِ فِي الْيَمِينِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ الَّتِي هِيَ الْمَفْهُومُ وَالنِّيَّةُ لَيْسَ لَهَا دَلَالَةٌ أَلْبَتَّةَ لَا مُطَابَقَةَ وَلَا تَضَمُّنَ وَلَا الْتِزَامَ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعَانِي وَالْمَعَانِي مَدْلُولَاتٌ لَا دَالَّةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي النِّيَّةِ مَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ غَيْرِ الْكَتَّانِ فَبَقِيَ الْعُمُومُ فِيهِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ وُجِدَ فِيهَا الدَّالُّ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَهُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (فَإِنْ قُلْت فَلِمَا لَا تَجْعَلُ الصِّفَةَ اللَّاحِقَةَ لِلْعُمُومِ مُؤَكِّدَةً لِلْعُمُومِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُوَ الْكَتَّانُ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْت السُّؤَالُ وَارِدٌ قَالَ (قُلْت هَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ وَقَوِيٌّ وَقَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ) قُلْت يَكْفِي اعْتِرَافُهُ بِقُوَّةِ السُّؤَالِ قَالَ (وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ إنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّحَكُّمِ بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالنِّيَّةِ أَنَّ الصِّفَةَ لَفْظٌ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ دَلَالَتُهُ عَلَى عَدَمِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِي التَّأْوِيلِ بِخِلَافِ مَنْ اسْتَحَلَّهَا كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثِ قُدَامَةَ أَنَّهُ حُدَّ وَمِمَّا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ زَمَانًا جَاهِلَةً بِالْعَمَلِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا فِيمَا تَرَكَتْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ طَالَ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالنُّفَسَاءِ الدَّمُ فَلَمْ تُصَلِّ النُّفَسَاءُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَا الْمُسْتَحَاضَةُ شَهْرًا لَمْ تَقْضِيَا مَا مَضَى إذَا تَأَوَّلَتَا فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ دَوَامَ مَا بِهِمَا مِنْ الدَّمِ وَقِيلَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَرَكَتْ بَعْدَ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا يَسِيرًا أَعَادَتْهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ بِالْوَاجِبِ وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا إذَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ جَاهِلَةً لَا تَقْضِي صَلَاةَ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهَا الْقَضَاءَ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْمُسَافِرُ يَقْدُمُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَظُنُّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا صَوْمَ لَهُ أَوْ تَطْهُرُ الْحَائِضُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا حَتَّى تَطْهُرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلَا كَفَّارَةَ هُنَا وَإِنْ خَالَفَ الدَّلِيلَ لِأَنَّهُ مُتَأَوَّلٌ وَإِسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ هُوَ مَعْنَى الْعَفْوِ

النَّوْعُ الثَّالِثُ الْعَمَلُ بِمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْ حُكْمِهِ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْخُلُوِّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ «وَمَا سُكِتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ» وَأَشْبَاهِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُصْرَفَ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ مَعَ وُجُودِ فِطْنَتِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فَإِنَّ هَذَا الْعُمُومَ يَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ مَا ذَبَحُوا لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَإِذَا نُظِرَ إلَى الْمَعْنَى أَشْكَلَ لِأَنَّ فِي ذَبَائِحِ الْأَعْيَادِ زِيَادَةً تُنَافِي أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فَكَانَ لِلنَّظَرِ هُنَا مَجَالٌ وَلَكِنَّ مَكْحُولًا سُئِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ كُلُّهُ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا يَقُولُونَ وَأَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ يُخَصَّ عُمُومُهَا وَإِنْ وُجِدَ هَذَا الْخَاصُّ الْمُنَافِي وَعَلِمَ اللَّهُ مُقْتَضَاهُ وَدُخُولَهُ تَحْتَ عُمُومِ اللَّفْظِ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَحَلَّ مَا لَيْسَ فِيهِ عَارِضٌ وَمَا هُوَ فِيهِ لَكِنْ بِحُكْمِ الْعَفْوِ عَنْ وَجْهِ الْمُنَافَاةِ وَإِلَى نَحْوِ هَذَا يُشِيرُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ لَا عَنْ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» وَحَدِيثُ الْحَجِّ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا حِينَ قَالَ «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَوْ لِلْأَبَدِ» لِأَنَّ اعْتِبَارَ اللَّفْظِ يُعْطِي أَنَّهُ لِلْأَبَدِ فَكَرِهَ عليه الصلاة والسلام سُؤَالَهُ وَبَيَّنَ لَهُ عِلَّةَ تَرْكِ السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا» إلَخْ يُشِيرُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ السُّؤَالَ عَمَّا لَمْ يَحْرُمْ ثُمَّ يَحْرُمْ لِأَجْلِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَأْتِي فِي الْغَالِبِ مِنْ جِهَةِ إبْدَاءِ وَجْهٍ فِيهِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ مَعَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْحِلِّيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فُرُوعُهُ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ دَخَلَهَا مَعْنًى يُخَيَّلُ الْخُرُوجُ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَنَحْوُهُ حَدِيثُ «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ» وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ

الْوَجْهُ الثَّانِي السُّكُوتُ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ مَعَ اسْتِصْحَابِهَا فِي الْوَقَائِعِ كَمَا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى حُكْمِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ حَرُمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَدْرِيجٍ كَالْخَمْرِ فَإِنَّهَا كَانَتْ مُعْتَادَةَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَتُرِكَتْ عَلَى حَالِهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَزَمَانًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُتَعَرَّضْ فِي الشَّرْعِ لِلنَّصِّ عَلَى حُكْمِهَا حَتَّى نَزَلَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219] فَبَيَّنَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ وَأَنَّ الْأَضْرَارَ فِيهَا أَكْبَرُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَتُرِكَ الْحُكْمُ الَّذِي اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا أَرْبَتْ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فَالْحُكْمُ لِلْمَفْسَدَةِ وَالْمَفَاسِدُ مَمْنُوعَةٌ فَبَانَ وَجْهُ الْمَنْعِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ وَإِنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ تَمَسَّكُوا بِالْبَقَاءِ مَعَ الْأَصْلِ الثَّابِتِ لَهُمْ بِمَجَارِي الْعَادَاتِ

ص: 183

فَظَهَرَ الْفَرْقُ.

فَإِنْ قُلْت اعْتَمَدْتُ فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْفَرْقِ بِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَمَنْ قَالَ بِهَا اسْتَقَامَ عِنْدَهُ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَا بَطَلَ عِنْدَهُ الْفَرْقُ وَيَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ هَهُنَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَعِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهَا إنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَبِسْتُ ثَوْبًا كَتَّانًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصِّفَةِ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ الصِّفَةَ هَاهُنَا ظَهَرَ اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ فِيهَا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قُلْت إلْزَامٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْمَفْهُومِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصِّفَةَ هَهُنَا لَمْ تَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهَا فَصُيِّرَتْ مَعَ الْأَصْلِ كَلَامًا وَاحِدًا دَالًّا عَلَى مَا بَقِيَ وَمُخْرِجًا لِغَيْرِ الْكَتَّانِ عَنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِسَبَبِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَهَذَا عُمُومٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَظَهَرَ الْفَرْقُ) قُلْت بُنِيَ جَوَابُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِ الْحَالِفِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبَ كَتَّانٍ وَلَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا وَهُوَ أَضْعَفُ أَنْوَاعِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ.

وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ وَسَمَّاهُ مَفْهُومَ الصِّفَةِ مِنْ حَيْثُ وَجَدَهُ مُتَّبَعًا بِهِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ ثَوْبًا كَتَّانًا وَلَيْسَ بِصِفَةٍ بَلْ هُوَ بَدَلٌ عِنْدَ النُّحَاةِ وَبِالْجُمْلَةِ جَوَابُهُ فِي نِهَايَةِ الضَّعْفِ قَالَ (فَإِنْ قُلْت اعْتَمَدْت فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْفَرْقِ بِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْت هُوَ سُؤَالٌ وَارِدٌ قَالَ (قُلْت إلْزَامٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْمَفْهُومِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصِّفَةَ هَهُنَا لَمْ تَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهَا فَصُيِّرَتْ مَعَ الْأَصْلِ كَلَامًا وَاحِدًا إلَّا عَلَى مَا بَقِيَ وَمُخْرِجًا لِغَيْرِ الْكَتَّانِ عَنْ دَلَالَتِهِ اللَّفْظِيَّةِ بِسَبَبِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ) قُلْت لَا صِفَةَ لِمَوْصُوفٍ إلَّا وَهِيَ غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ بِنَفْسِهَا فَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى مَسَاقِ قَوْلِهِمْ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَفْهُومِ كُلِّ صِفَةٍ وَهَذَا الْإِخْفَاءُ بِبُطْلَانِهِ وَكَوْنُ اللَّفْظِ مُسْتَقِلًّا أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ وَلَا فِي عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ قَالَ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَهَذَا عُمُومٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَدَخَلَ لَهُمْ تَحْتَ الْعَفْوِ إلَى أَنْ نَزَلَ مَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] فَحِينَئِذٍ اسْتَقَرَّ حُكْمُ التَّحْرِيمِ وَارْتَفَعَ الْعَفْوُ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَرُمَتْ قَالُوا كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَشْرَبُهَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَرُفِعَ الْجُنَاحُ وَهُوَ مَعْنَى الْعَفْوِ وَمِثْلُ ذَلِكَ الرِّبَا الْمَعْمُولُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ بُيُوعُ الْغَرَرِ الْجَارِيَةُ بَيْنهمْ كَبَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ كُلِّهَا كَانَتْ مَسْكُوتًا عَنْهَا وَمَا سُكِتَ عَنْهَا فَهُوَ فِي مَعْنَى الْعَفْوِ وَالنَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ هَذَا الْمَعْنَى لِوُجُودِ جُمْلَةٍ مِنْهُ بَاقِيَةٍ إلَى الْآنَ عَلَى حُكْمِ إقْرَارِ الْإِسْلَامِ كَالْقِرَاضِ وَالْحُكْمِ فِي الْخُنْثَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا نَبَّهَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ

الْوَجْهُ الثَّالِثُ السُّكُوتُ عَنْ أَعْمَالٍ أُخِذَتْ قَبْلُ مِنْ شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِمَا إلَّا مَا غَيَّرُوا فَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ وَيُطَلِّقُونَ وَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا وَيَمْسَحُونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُلَبُّونَ وَيَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ وَيَأْتُونَ مُزْدَلِفَةَ وَيَرْمُونَ الْجِمَارَ وَيُعَظِّمُونَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَيُحَرِّمُونَهَا وَيَغْتَسِلُونَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيَغْسِلُونَ مَوْتَاهُمْ وَيُكَفِّنُونَهُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيَقْطَعُونَ السَّارِقَ وَيُصَلِّبُونَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ فِيهِمْ مِنْ بَقَايَا مِلَّةِ أَبِيهِمْ إبْرَاهِيمَ فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَبَقُوا عَلَى حُكْمِهِ حَتَّى أَحْكَمَ الْإِسْلَامُ مِنْهُ مَا أَحْكَمَ وَانْتَسَخَ مَا خَالَفَهُ فَدَخَلَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْعَفْوِ مِمَّا لَمْ يَتَجَدَّدْ فِيهِ خِطَابٌ زِيَادَةً عَلَى التَّلَقِّي مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدْ نَسَخَ مِنْهَا مَا نَسَخَ وَأَبْقَى مِنْهَا مَا أَبْقَى عَلَى الْمَعْهُودِ الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّاطِبِيِّ فِي الْمُوَافَقَاتِ بِتَصَرُّفٍ (وَصْلٌ) فِي بَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا الزِّنَا فَإِنَّهُ خِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حَرَامٌ وَوَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَدِّ وَمِنْهَا السَّرِقَةُ فَهِيَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ التَّحْرِيمِ وَوَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ وَمِنْهَا بَقِيَّةُ الْجِنَايَاتِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَهِيَ أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ وَمِنْهَا الْبَيْعُ فَإِنَّهُ خِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَى قَدْرِ مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي صُوَرِهِ عَلَى مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَوَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ أَوْ التَّقْدِيرِ فِي الْمَمْنُوعِ وَمِنْهَا بَقِيَّةُ الْعُقُودِ فَإِنَّهَا تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَيَنْفَرِدُ خِطَابُ الْوَضْعِ عَنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا الزَّوَالُ وَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَدَوَرَانُ الْحَوْلِ وَنَحْوُهَا فَإِنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَا إذْنٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وُجِدَ الْأَمْرُ فِي أَثْنَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا فَقَطْ وَيَنْفَرِدُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ عَنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ كَإِيقَاعِ الصَّلَوَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ فَإِنَّ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَمْ يَجْعَلْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا لِفِعْلٍ آخَرَ نُؤْمَرُ بِهِ أَوْ نُنْهَى عَنْهُ بَلْ وُقِفَ الْحَالُ عِنْدَ أَدَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ جَعَلَهَا سَبَبًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ وَدَرْءِ الْعِقَابِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَفْعَالًا لِلْمُكَلَّفِ وَنَحْنُ لَا نَعْنِي بِكَوْنِ الشَّيْءِ

ص: 184