الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَامِّ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَالثَّانِي يُسْقِطُهُ) وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ فَجَعَلَ مَا هُوَ حَقٌّ لَهُمْ بِتَسْوِيغِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَتَفَضُّلِهِ لَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِمْ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِي إتْلَافِهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ فِي إتْلَافِهِ أَوْ بِالْإِذْنِ فِي مُبَاشَرَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ كَمَا أَنَّ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى صِرْفٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْعِبَادُ مِنْ إسْقَاطِهِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ بَلْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقَّيْنِ مُوَكِّلٌ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ لَهُ ثُبُوتًا وَإِسْقَاطًا وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
الْوَدِيعَةُ إذَا شَالَهَا الْمُودِعُ وَحَوَّلَهَا لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ انْكَسَرَتْ وَلَوْ سَقَطَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ ضَمِنَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي حَمْلِ ذَلِكَ فِي يَدِهِ فَالْفِعْلُ الَّذِي بِهِ انْكَسَرَتْ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِهِ فَقَدْ وُجِدَ الْإِذْنُ مِمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ قِيلَ الْإِذْنُ الْعَامُّ الشَّرْعِيُّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَامِّ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَالثَّانِيَ يُسْقِطُهُ إلَى قَوْلِهِ وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي الْمَسَائِلِ فَلَيْسَ بِالْوَاضِحِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذُكِرَ لِبَيَانِهِ فِيمَا زَعَمَ لَمْ يَتَوَارَدْ الْإِذْنَانِ فِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بَلْ وَرَدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ فِيهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَمْلُوكِ لِلْآدَمِيِّ وَتَرَتُّبُ الضَّمَانِ إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبَبِ الْفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَكَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْفَرْقِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى تَوَارُدِ الْإِذْنَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَوَرَدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ فِيهَا عَلَى الشَّيْءِ الْمَمْلُوكِ لِلْآدَمِيِّ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي تَصْلُحُ مِثَالًا لِمَحَلِّ هَذَا الْفَرْقِ ثُمَّ إنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَهُ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يَبِيعَ الطَّعَامَ الْمُعَدَّ لِضِيَافَتِهِ وَلَا أَنْ يُمَلِّكَهُ لِغَيْرِهِ بَلْ يَأْكُلَهُ هُوَ خَاصَّةً عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ نَعَمْ لَهُ إطْعَامُ الْهِرِّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا لِشَهَادَةِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا يَقَعُ لَك مِنْهَا وَاحْمِلْ مَسَائِلَ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ عَلَى بَابِهَا وَمَسَائِلَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى بَابِهَا وَمَسَائِلَ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي قَصَرَتْهَا الْعَادَةُ وَأَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ عَلَيْهَا وَأَجْرِ الْمُحْتَمَلَ عَلَى أَصْلِ بَقَاءِ أَمْلَاكِ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِقَالِهِ عَنْ أَمْلَاكِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَة حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ]
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ حَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي الْمُطْلَقِ لَا الْكُلِّيَّةِ وَفِي الْأَمْرِ لَا النَّهْيِ وَالنَّفْيِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَإِنْ حَكَوْا فِي حَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ الْخِلَافَ مُطْلَقًا وَأَنَّ الْحَمْلَ يُفْضِي إلَى الْعَمَلِ بِدَلِيلَيْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ وَأَنَّ عَدَمَ الْحَمْلِ يُفْضِي إلَى إلْغَاءِ دَلِيلِ التَّقْيِيدِ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا قَالُوا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ قَاعِدَةُ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي الْمُطْلَقِ وَفِي الْأَمْرِ تُبَايِنُ قَاعِدَتَهُ فِي الْكُلِّيَّةِ وَالنَّهْيِ وَالنَّفْيِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا هُوَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إذَا قَالَ أَعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ كَانَ مَدْلُولُ قَوْلِهِ رَقَبَةٌ مُطْلَقًا فَيَصْدُقُ كَلَامُهُ مِنْ جِهَةِ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ بِالْأَمْرِ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا أَوْقَعَ وَاحِدًا أَيَّ وَاحِدٍ مِمَّا فِي تِلْكَ الْحَقِيقَةِ أَجْزَأَ وَإِنْ كَانَ الْوُجُودُ يَقْتَضِي التَّعْيِينَ لَا الْوُجُوبَ فَمَنْ أَعْتَقَ سَعِيدًا فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَوَفَّى بِمُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ فَإِذَا أَعْتَقْنَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَقَدْ وَفَّيْنَا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَفْهُومُ الرَّقَبَةِ وَبِمُقْتَضَى التَّقْيِيدِ وَهُوَ وَصْفُ الْأَيْمَانِ فَكُنَّا جَامِعِينَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.
وَإِذَا قَالَ أَخْرِجُوا الزَّكَاةَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ» وَوَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» لَمْ يَكُنْ تَقْيِيدُهُ الْغَنَمَ الَّذِي مَدْلُولُهُ الْكُلِّيَّةُ وَالْعُمُومُ بِمُقْتَضَى كُلٍّ لَا الْإِطْلَاقُ بِالسَّائِمَةِ فَمَنْ حَمَلَ الْإِطْلَاقَ عَلَى التَّقْيِيدِ هُنَا فَقَدْ فَاتَهُ الصَّوَابُ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَمْلَ يَقْتَضِي أَنَّ قَيْدَ السَّائِمَةِ خَصَّصَ لَفْظَ الْغَنَمِ الْعَامَّ وَأَخْرَجَ مِنْهُ جَمِيعَ الْأَغْنَامِ الْمَعْلُوفَةِ وَالْعُمُومُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ جَامِعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ تَارِكًا لِمُقْتَضَى الْعُمُومِ وَحَامِلًا لَهُ عَلَى التَّخْصِيصِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِ التَّخْصِيصِ فَلَا يَكُونُ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ مَوْجُودًا هَهُنَا وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ دَلِيلِ الْإِطْلَاقِ وَدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَمَنْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِدُونِ مُوجِبِهِ وَدَلِيلِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ بَلْ هَذَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ إمَّا تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُنَافِي الْكُلَّ وَإِمَّا تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ الْحَاصِلِ مِنْ قَيْدِ السَّوْمِ فِي اعْتِبَارِهِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ خِلَافٌ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً كَافِرَةً لِأَنَّ لَفْظَ الرَّقَبَةِ الْأَوَّلِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِهِ كَالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَلَوْ حَمَلْنَا لَفْظَ الرَّقَبَةِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي الْمُقَيَّدِ بِالْكَافِرَةِ لَكَانَ مُخَصِّصًا لِلْأَوَّلِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الرِّقَابُ الْمُؤْمِنَةُ عَلَى امْتِنَاعِ الْعِتْقِ وَالْعُمُومُ فِي الْأَوَّلِ يَقْتَضِي عَدَمَ إخْرَاجِهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَمْلِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ الْتِزَامٌ لِلتَّخْصِيصِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَإِلْغَاءٌ لِلْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ بِخِلَافِ هَذِهِ النَّكِرَةِ لَوْ كَانَتْ فِي سِيَاقِ الْأَمْرِ
لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْإِذْنَ الْخَاصَّ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَ وَهَلَكَ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَعَارِ لَهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ وَلَا مُجَاوَزَةٍ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَارِيَّةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي أَعَارَهُ أَذِنَ لَهُ فِيمَا حَصَلَ بِهِ الْهَلَاكُ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَأَهْلَكَهَا ضَمِنَ لِعَدَمِ وُجُودِ إذْنِ صَاحِبِ الْعَارِيَّةِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ الْخَاصِّ وَإِنَّمَا وُجِدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ وَهُوَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
إذَا اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ فَأَكَلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ جَازَ وَهَلْ يَضْمَنُ لَهُ الْقِيمَةَ أَوْ لَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَالِكِ وَالْوَاجِبُ لَا يُؤْخَذُ لَهُ عِوَضٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْهُرُ لِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ لَمْ يُوجَدْ وَإِنَّمَا وُجِدَ إذْنُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ وَالْمُؤَاخَذَةَ بِالْعِقَابِ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمِلْكَ إذَا دَار زَوَالُهُ بَيْنَ الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا وَالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا حُمِلَ عَلَى الدُّنْيَا اسْتِصْحَابًا لِلْمِلْكِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ هُوَ أَدْنَى رُتَبِ الِانْتِقَالِ وَهُوَ أَقْرَبُ لِمُوَافَقَةِ الْأَصْلِ مِنْ الِانْتِقَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ شَرْطِهِ أَوْ شَرْطِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا) وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ إنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ أَوْ كَانَ لَهُ سَبَبَانِ أَوْ أَسْبَابٌ فَتَقَدَّمَ عَلَى جَمِيعِهَا لَمْ يُعْتَبَرْ أَوْ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ اُعْتُبِرَ بِنَاءً عَلَى سَبَبِ الْخَاصِّ وَلَا يَضُرُّ فِقْدَانُ بَقِيَّةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مَنْ يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْ الْمُضْطَرِّ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُسْقِطُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ شَرْطِهِ أَوْ شَرْطِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ عَامَّةً بَلْ مُطْلَقَةٌ فَيَكُونُ حَمْلُهَا عَلَى نَصِّ التَّقْيِيدِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَحَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُطْلَقِ لَا فِي الْعُمُومِ وَلَا فِي الْأَمْرِ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ لَا فِي النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ لِأَنَّ خَبَرَ النَّفْيِ كَقَوْلِنَا لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ يَقَعُ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ فَيَئُولُ الْحَالُ إلَى الْكُلِّيَّةِ وَالْعُمُومِ دُونَ الْإِطْلَاقِ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ نَحْوَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ هُوَ كَالْأَمْرِ لَا تَعُمُّ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِهِ بَلْ تَكُونُ مُطْلَقَةً فَنَصُّ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ
(وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي الْمُطْلَقِ دُونَ الْعَامِّ لَا يَرَاهُ الْحَنَفِيَّةُ وَيَرَاهُ الشَّافِعِيَّةُ وإنَّمَا تَرَكُوا أَصْلَهُمْ فِيمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَوَرَدَ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» لِأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَدَ مُقَيَّدًا بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ لِأَنَّهُ كَمَا وَرَدَ «أُولَاهُنَّ» وَرَدَ «أُخْرَاهُنَّ» وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْأَصْلِ أَنْ يُقَيَّدَ الْمُطْلَقُ بِقَيْدٍ وَاحِدٍ لَا بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ وَإِلَّا تَسَاقَطَا لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا بِاقْتِضَاءِ الْقِيَاسِ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ وَهُنَا لَمْ يَقْتَضِ الْقِيَاسُ الْحَمْلَ عَلَى أَحَدِ الْقَيْدَيْنِ حَتَّى يَتَرَجَّحَ فَوَجَبَ بَقَاءُ الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ فَلَمْ تَتْرُكْ الشَّافِعِيَّةُ أَصْلَهُمْ لِغَيْرِ مُوجِبٍ خِلَافًا لِقَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرِ الدِّينِ الْحَنَفِيِّ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَعْرُجُوا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُطْلَقِ وَلَا عَلَى قَيْدَيْهِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى سَبْعٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ قَالَ الْأَصْلُ وَأَنَا مُتَعَجِّبٌ مِنْ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ حِجَازِيٍّ عَلَى الْمَجْمُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَتْرِيبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ وَمَحَلُّ قَبُولِ زِيَادَةِ الْعَدْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ الَّذِي لَمْ يَزِدْ أَوْثَقَ وَلِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَفِي بَعْضِهَا إحْدَاهُنَّ وَفِي بَعْضِهَا «أُولَاهُنَّ» وَفِي بَعْضِهَا «أُخْرَاهُنَّ» اهـ فَتَأَمَّلْ قُلْتُ وَمِمَّا وَرَدَ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ حَدِيثُ الِابْتِدَاءِ فَقَدْ وَرَدَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَبْتَرُ» وَوَرَدَ بِبَسْمِ اللَّهِ إلَخْ وَوَرَدَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَلِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي ابْتِدَاءِ ذَوَاتِ الْبَالِ مُطْلَقَ الذِّكْرِ فَتَنَبَّهْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» وَخَصَّصَ أَصْحَابُنَا الْمَنْعَ بِالطَّعَامِ خَاصَّةً وَجَوَّزُوا بَيْعَ غَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَخْذًا بِمَا وَرَدَ أَيْضًا مِنْ «نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ» وَلَهُمْ فِي الْأَخْذِ بِهِ مُدْرَكَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْإِطْلَاقِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي الثَّانِي وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَوَّلَ عَامٌّ وَالثَّانِيَ خَاصٌّ وَإِذَا تَعَارَضَ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ قُدِّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَالْمُدْرَكَانِ بَاطِلَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ حَمْلَ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ فِي الْمُطْلَقِ لَا فِي الْعَامِّ وَلَفْظُ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام مَا لَمْ يُقْبَضْ عَامٌّ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى تَقْيِيدِ الثَّانِي لِمَا عَلِمْت وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَذِكْرِ بَعْضِهِ وَالطَّعَامُ هُوَ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ عُمُومُ مَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ بِهِ فَبَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةً عَلَيْنَا وَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الشَّافِعِيِّ