المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فائدة: إذا دفع إليه شيئا بعوض ولم يذكر الثمن - الفواكه العديدة في المسائل المفيدة - جـ ١

[أحمد المنقور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[طريقة المصنف في النقل عن شيخه ابن ذهلان]

- ‌من كتاب الطهارة وكتاب الصلاة

- ‌فائدة من كلام الشافعية:

- ‌ومن كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية:

- ‌فصل: وأما الماء إذا تغير بالنجاسة فإنه ينجس بالاتفاق

- ‌مسألة مهمة عند الحنفية:

- ‌ فصل

- ‌فائدة:

- ‌فصلفيما يقع للانسان: إذا أراد فعل الطاعة

- ‌ فوائد:

- ‌فائدة

- ‌فائدة: خير صفوف الرجال أولها

- ‌فصل: وإن قدم الجمعة فصلاها في وقت العيد

- ‌ فائدة:

- ‌ فائدتان:

- ‌من كتاب الجنائز:

- ‌من كتاب الزكاة

- ‌فصل: ومن زكى ما سبق في هذا الباب من المعشرات مرة، فلا زكاة فيه بعد

- ‌ فصل: وإن رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم

- ‌من كتاب الحج

- ‌من كتاب البيع

- ‌فصل: وإذا وكل شخصاً في بيع عبده

- ‌ فصل: فإن باعه بثمن حال نقده

- ‌ فصل: في العينة وبيع إلى أجل:

- ‌فصل: منه: ولا خير في العينة

- ‌فائدة: إذا دفع إليه شيئاً بعوض ولم يذكر الثمن

- ‌فائدة: في "فتاوى القاضي حسين": لو وكله في بيع شئ فباعه

- ‌فائدة: الذي يظهر لي أن مرادهم في الخشب الذي شرط قطعه

- ‌ فائدة: لو اشترى بمال نفسه سلعة لغيره، ففيه طريقان:

- ‌فائدة: وكذا حكم المساقاة والمزارعة في المسألتين

- ‌ فصل: وإن انتفع بها وردها على صفتها فلا شئ عليه

- ‌بحث في الإجارة

- ‌ فصل: وإذا وكل واحداً في بيع عبده، ووكله آخر في شرائه

- ‌فصل: ويجوز بيع الجوز، واللوز، والفستق، والباقلاء، الرطب في قشرية مقطوعا

- ‌فائدة: في القهوة:

- ‌فائدة: ظهر في هذا القرن أو قبله بيسير شراب يتخذ من قشر البن يسمى قهوة

- ‌من كتاب الوقف

- ‌فائدة:

- ‌فائدة: الودي الخارج من أصل النخلة الموقوفة لا يصح بيعه

- ‌فصل: قال تقي الدين: وإن وكله، أو أوصى إليه أن يقف عنه شيئا

- ‌فائدة: قال ابن رجب في "الطبقات": رأيت في "الفتاوى المنسوبة على تاج الدين الفزاري" الحنبلي واقعة، وهي: وقف وقفه رجل عند الحاكم أنه وقفه في صحة من بدنه وعقله

- ‌فصل: لفظ الرجال والرهط لا يعم النساء ولا العكس

الفصل: ‌فائدة: إذا دفع إليه شيئا بعوض ولم يذكر الثمن

إليه فيه، ولا بأس أن يبيعه من غير بائعه بمثل ثمنه، أو أقل أو أكثر منه، بدليل، ولا يجوز أن يؤخر ثمنه.

ومن باع سلعة إلى أجل، فلا يجوز أن يشتريها نقداً، ولا إلى أجل أدنى من أجلها بأقل من ثمنها الذي باعها به، ولا يجوز أن يشتريها إلى أبعد من أجلها بأكثر من ثمنها، ولا بأس أن يشتريها إلى أبعد من أجلها بمثل ثمنها أو أقل منه.

‌فصل: منه: ولا خير في العينة

وهي: أن يطلب الرجل من الرجل سلعة ليست عنده، فيقول له: اشتراها من مالك بعشرة نقداً، وهي لي باثنى عشر إلى أجل. هذه العينة وما أشبهها. انتهى.

من " حاشية ابن قندس"

‌فائدة: إذا دفع إليه شيئاً بعوض ولم يذكر الثمن

، فعند أبي العباس يصح البيع، ويكون على ثمن المثل.

وذكر ابن القيم في "إعلام الموقعين": الصحة في البيع منصوص أحمد، والمسألة في "المغني" و "الشرحط في الغصب عند قولهم: إنه يضمن بقيمته يوم غصبه.

قال ابن القيم: وإنه مسألة السعر، يريد أن البيع يصح من غير معرفة الثمن، كما صححه شيخنا، ولا فرق أن يقع البيع من غير ذكر الثمن، أو بذكر ثمن مجهول، كا قيل في النكاح. وقد جاء في ذاك رواية عن الإمام أحمد بقوله: على الأصح فيها. فعرف أن ذلك رواية عن الإمام أحمد. انتهى.

إذا باعه شيئاً بشرط أن يبيعه إياه، أو يبيعه لزيد بثمن كذا، أو بالثمن الذي عقدا به أولا، فالشرط فاسد، ولمن فات غرضه، الفسخ.

وإن كان الثمن الذي شرط عليه أن يبيعه المبيع به زائداً عن الثمن الأول، أو ناقصاً ففيها تردد، هل يبطل البيع أو الشرط فقط، ولمن فات غرضه الفسخ؟ من تقرير شيخنا.

ص: 208

قال في "الفروق": ولو باعه شاة على أنها حامل، لم يصح.

ولو باعه أمة بهذا الشرط، صح البيع والشرط، فإن كانت غير حامل، لم يرجع على البائع بشئ. والفرق أن الحمل زيادة في الشاة، والغالب سلامتها فيه، فشرطها في العقد معقود عليه، وبيع الحمل في البطن لا يصح لجهالته. ويبطل في الأم أيضا، لأن الصفقة جمعت معلوماً ومجهولاً، فيبطل فيهما بخلاف الأمة، فإن حملها عيب، لأن تلف الآدميات يكثر. فإذا شرط في البيع، كان كالبراءة من العيب، فكأنه باعها على ما فيها من العيب، فصح، كما لو باعها على أنها عمياء أو عرجاء، فظهر الفرق. انتهى.

ومن قبض قلادة بعقد فاسد، وخلطها بأخرى، فما عرف رده لربه، وما عرفه له أخذه، والباقي يوقف حتى يصطلحا لاحتلاط أحد المالين بالآخر، ولجهالة عينه، فطريقه الصلح، قاله شيخنا.

وإذا باع وكيل اثنين عبديهما صفقة واحدة على اثنين قسط الثمن على قيمتهما إن علمت، وإلا تصالحا، قاله شيخنا.

قال ابن عطوة: سألت شيخنا: إذا كان لي تمر، فجعلت منه في زنبيل، أو خصفة، وعصرت دبسه، هل يجوز أوفي به، أو اشتري به، أم لا؟

فقال: لا يحل أن توفي به، وإن اشتريت به فبينه، أو ارم به في تمر كثير. انتهى.

وإذا اشترى عقاراً، وأقام في ملكه زمناً طويلاً، ثم ظهر أن البائع لا يملك إلا بعضه، ففسخ المشتري لتفريق الصفقة، وقد مات بعض النخل في تلك المدة، فمات فهو من ضمان المشتري، كما لو تلف كله، ولا يضمن نقص الأسعار، كما لو كان غالياً وقت العقد، رخيصاً وقت التلف. وإن نقص بسبب طول النخل، فالظاهر أنه كعيب حدث

ص: 209

عنده. وإن قلع تراب الأرض لم يلزمه رده. لكن إن نقص بسببه، فهو عيب. ولو صح البيع في النخل، وفسد في الأرض، قسط الثمن على قيمتها. فإن اختلفا ولا بينة، فقول المشتري، لانكاره فكأنه أنكر قبض جزء من المبيع، من تقرير شيخنا.

إذا قال: بعتك هذه السلعة، ولم يبين الثمن، قال أبو الخطاب:

لا يصح. وقال أبو العباس: يصح، وينصرف إلى ثمن المثل كالنكاح، وأتى على ذلك بدلائل، آيات وأحاديث. انتهى.

إذا اختلفا المتبايعان في قدر المبيع، وكذب البائع الحس، قبل قول المشتري بيمينه إن صدقه الحس. وإن اختلفا في عينه، تحالفا وبطل البيع. ولو قال مالك نصف دار لآخر: بعتك نصف هذه الدار، صح، ولو لم يقل: نصيبي، قاله شيخنا.

وإن شرط الدابة كثيرة اللبن، صح، والمرجع فيه إلى العرف.

وإن قال: تجيء كل يوم كذا، فشرط فاسد، ولمن فات غرضه الفسخ.

وإذا اشترى عقاراً، وللعقار شرك في بئر خارج عنه يسقى منه بعض الأحيان، دخل في البيع، لأنه من حقوقه، بخلاف الفحال الخارج عن العقار، فلا يدخل إلا بشرط. وشرك البئر المذكور، كالسيل، وطريقه يتبع وهو خارج، وكذا طريقه، من تقرير شيخنا.

قال ابن عطوة: إذا جلب دابة، وذكر صاحبها أنها حامل يذكر ذلك لمن ساومه، ثم باع ولم يشرط ذلك للبائع حين العقد، ثم بانت حائلاً، فلا رد ولا أرش.

ويصح شرط الحوالة قبل البيع بثمن المبيع، لأنها ليست من موجب العقد، ولا مقتضاه ولا حقاً من حقوقه. وكذا لو شرط البائع أن لا يحيله بالثمن، صح الشرط ولزمه به، قاله شيخنا. انتهى.

ص: 210

ومن كلام له أيضا على قوله: أو إلى الحصاد ونحوه. فيلغو ويصح البيع، ولمن فات غرضه، الفسخ، أي في جميع هذه المسائل. فإذا لم يختلفا إلا بعد حضور الأجل، كالحصاد ونحوه، فلا فسخ لأحد منهما، لأنه لم يفت غرضه، ولا أرش، وأما إذا فات الغرض (مثل أن يشتري ما يساوي مئة بمئة وخمسين مؤجلة، فقد فات الغرض) وهو التأجيل، فالخيار هنا للمشتري، فلو أراد البائع الفسخ، لم يكن له ذلك، لأنه ما فات غرضه. وربما تنعكس الصورة، بأن يبيع البائع المبيع بمائة مثل قوله: بعتك بكذا غائباً، ولم يدر ما محله ووقته، فالمشتري مخير الأجل وصح البيع. وقال المشتري: خذ التمر حاضراً، فقد فات غرض البائع، فله الفسخ، أو أرش نقصه حالاً. وإن كان اختلافهما بعد حلول الأجل المجهول، وكان مما يدرك، فلا خيار لأحدهما، والبيع صحيح، ولأنه لم يفت أحدهما غرضه. وأما إذا كان الأجل لا يدرك، بين نقد الثمن حالاً، أو فسخ البيع، وتمامه فيه.

قال في "المغني": فصل: وإن باع مدي تمر رديء بدرهم، ثم اشترى بالدراهم تمراً جنبياً، أو اشترى من رجل ديناراً صحيحا بدراهم، وتقابضا، ثم اشترى منه بالدراهم قراضة من غير مواطأة ولا حيلة، فلا بأس به.

ص: 211

وقال ابن أبي موسى لا يجوز إلا أن يمضي إلى غيره ليبتاع منه فلا يستقيم له، فيجوز أن يرجع إلى البائع فيبتاع منه. قال أحمد في رواية الأثرم: يبيعها من غيره أحب إلي. قلت له: فإن لم يعلمه أنه يبيعها منه؟ قال: يبيعها من غيره فهو أطيب لنفسه، وأحرى أن يستوفي الذهب منه، فإنه إذا ردها عليه، لعله أن لا يوفيه الذهب، ولا يحكم الوزن، ولا يستقصي، يقول: هي ترجع إليه.

فظاهر هذا أن هذا على وجه الاستحباب، لا الإيجاب، ولعل أحمد إنما أراد اجتناب المواطأة على هذا، ولهذا قال: إذا كان لا يبالي اشتري منه أو من غيره، فنعم ثم ذكر الحديثين. انتهى.

قال ابن القيم في "الإغاثة": والصحيح أن البائع يملك حبس السلعة على الثمن حتى يقبضه، وعلى هذا: لو دفع الثمن إلا درهما، فله حبس المبيع كله على باقي الثمن، كما نقول في الرهن. انتهى.

إن أعسر مشتر بالثمن أو بعضه الخ. الظاهر ولو درهما كالصداق، قاله شيخنا.

ما قولكم فيمن أقر أني بعت داري من زيد بئمة، فلما ذكره الشاهد للمقر له، قال: ما شريتها إلا بثمانين. فهل يتحالفان، أم يبطل الإقرار بحلف المقر: ما بعت إلا لما أقررت به، لأنه لم يعلم إلا من جهته؟

فأجاب شيخنا عبد الله بخطه: يتحالفان على ما ذكروه في الاختلاف في قدر الثمن، والله أعلم.

قال شهاب الدين ابن عطوة: إذا باع البستان واستثنى منه نخلة، وشرط على المشتري سقي النخلة وسائر كلفها، فالبيع صحيح، والشرط فاسد فيه أحكام الشروط الفاسدة إذا لم يشترط سقيها والقيام بأمرها مدة معلومة، قاله شيخنا.

ووجدت بخط الشيخ عثمان بن أحمد بن قائد. فائدة: إذا قال:

بعتك نخلي ما عدا هاتين النخلتين، واستأجرتك على سقيهما مدة معلومة،

ص: 212

بكذا، صح، إذ قصاراه أنه جمع بين بيع وإجارة، والجمع بينهما صحيح، ويرجع في السقي على العادة، قاله شيخنا.

ومن كلام أبي العباس ابن تيمية قال: ونص على أنه إذا كان المقصود باشتراط الخيار أن يستوفي المشتري منافعهما، ثم يفسخ البائع العقد، ويرد الثمن، ويسترجع الدار، لم يجز، لأنه بمنزلة أن يدفع إليه المشتري دراهم قرضا، ثم يأخذها منه، ومنفعة الدار ربح. وأطلق في رواية أبي طالب أن الشراء إذا كان بثمن المثل، فهو جائز، وذكر فيما إذا شرط الخيار إلى أجل فهو جائز إن لم يكن أراد حيلة ممن أراد أن يقرضه قرضاً: يأخذ منه العقار أو الشئ فيستغله، ويجعل له فيه الخيار ليرجع. قال الأثرم: ليربح فيما أقرضه، فهذا حيلة، فإن لم يكن أراد هذا فلا بأس. قيل لأبي عبد الله: فإن أراد إرفاقه أن يقرضه مالاً، فخاف أن يذهب فاشترى منه شيئاً وجعل له الخيار، وإنما أراد إرفاقه ولم يرد حيلة الربح، فقال: هذا جائز. انتهى.

شخص أراد بيع عقاره من آخر بشرط الخيار إلى أجل معلوم، فقال المشتري: وكلني أبيع من نفسي، فوكله بناء منه على أنه يثبت له الخيار، فلما اشترى المشتري من نفسه، قال: لا يصح شرط الخيار لك. فالظاهر أم للموكل الفسخ، فيكون كالشرط الفاسد الذي لم يثبت، فله الفسخ لأنه لا يثبت خيار الشرط لمتولي طرفي العقد، كخيار المجلس ذكره في حاشية " الاقناع" من تقرير شيخنا.

ما قولكم في قولهم في الخيار: ولا يصح في عقد حيلة ليربح في قرض، فيحرم ولا يصح. هل من ذلك ما يفعله أهل هذا الزمان: إذا احتاج أحدهم إلى نقد، تواطأ هو وغيره على أن يبيعه عقاره، ويشرط له خياراً معلوماً، وعلى أن له من غلته كذا جزءاً ثم يتعاقدان وربما أن البيع بدون ثمن المثل، هل يكون ذلك من بيع الحيلة أم لا؟ ومع

ص: 213

هذا، إن المشتري إذا أراد رفع يد البائع، وأراد الانتفاع به، واستغلال به في تلك المدة، لم يمكنه البائع من الانتفاع به ولا استغلاله؟ وهل إذا لم يقم بينة بالتواطئ قبل العقد، ووجدت قرينة مثل أن تقوم بينة أن المشتري لو أراد الانتفاع بالمبيع واستغلاله في تلك المدة، أن البائع لم يمكنه من ذلك، ولم يعقد معه، هل تقبل أم لا؟ ومتى قيل بالصحة، إذا تمت شروطها، وتصرف البائع في الثمن، هل يبطل خياره كما صرح به في "المبدع" وأنه أصح الوجهين أم لا؟

الحمد لله الملهم للصواب: العقد المذكور من عقود الحيلة المحرمة، وتقبل البينة بالقرينة المزبورة، الدالة على عدم إرادة العقد الشرعي، وتصرف البائع بالثمن ليس مسقطاً لخياره، كتبه محمد الحنبلي أي الخزرجي. وما في "المبدع": تصرفه في المبيع. والمذهب أن الآخر ليس مسقطاً لخياره. انتهى.

ما قولكم فيمن باع عقاره من آخر بأقل من ثمن مثله بشرط الخيار للبائع مدة، لكن الخيار سبب للتوثق وأخذ مصالح النخل، ثم ساقى المشتري على النخل بجزء من ثمرته بلا إذن البائع، فلما كان قبل الجذاذ، أتى البائع بالثمن، وفسخ الخيار. فهل للعامل شئ من الثمرة، أم يرجع بأجرة عمله على المشتري، وهل تكون الثمرة للمشتري أم لا؟

فأجاب شيخنا: لا تصح المساقاة والحالة ما ذكر، والثمرة لبائع العقار. وظاهر السؤال أن البيع المذكور حيلة، والحيل حرام ولا يصح معها العقد. قال الموفق والشارح: قال أيوب السختياني: إنهم ليخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه، لكان أسهل علي، وهذا والعياذ بالله عادة أهل الشمال، يقول البائع للمشتري صورة: أعطني كذا دراهم أبع عليك بها نخلي، وأعمره منك بكذا

ص: 214

سهماً من ثمرته ربحاً في الدراهم، ولي الخيار إلى مدة كذا. وينظرون إلى غلاء السعر ورخصه، فيجعلون السهم على قدر الأسعار.

قال في "الانصاف": لو شرط خيار الشرط حيلة ليربح فيما أقرضه، لم يجز نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب. قلت: وأكثر الناس يستعملونه ويتداولونه فيما بينهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

انتهى. فمن كان له حجة شرعية في تجويز مثل هذه الحيل، فليبين الحجة، والله أعلم، ومن خطه نقلت بعد المراجعة مراراً.

ومن جواب للشيخ محمد بن اسماعيل بعد كلام له سبق، في مراجعة وقعت بينه وبين تلميذه أحمد بن محمد بن بسام: وقولك وفقك الله:

إنك ساد باب الخيار، فحاشا لله، ومعاذ الله أن أسد بابه، وأنكر صوابه، بل أنا ساد باب فعل أهل هذا الزمان من أهل هذه الديرة، لأني لم أره موافقاً لما ذكره أهل العلم، بل مخالف له شرعاً أصلا وفرعا، فأنت تعلم أن أهل العلم مصرحون في باب الخيار أن البائع بشرط الخيار لا يستحق قبض الثمن إلا بعد انقضاء مدة الخيار، وإن قبضه، حرم عليه التصرف فيه. فإذا كان البائع لا يستحق قبض الثمن، والعقد لا يقتضي إقباضه إياه، ودخل المشتري والبائع البيع مجمعين على إقباضه إياه، والتصرف فيه، قاصدين ذلك، ناويين له قبل العقد فليس المقبوض بثمن ولو سمياه ثمنا، وإنما هو قرض. فإذا انتفع المشتري بغة المبيع، كان هذا هو الذي صرح أهل العلم بتحريمه وبفساد عقده.

وإن أحمد نص على تحريمه إلا في مبيع لا ينتفع به إلا بإتلافه، أو على أن المشتري لا ينتفع بالمبيع في مدة الخيار. فإن طالعت كلامهم وتأملته، رأيت ذلك صريحاً. وأما قولك: إنك لا ترفع إلى قول القائل به رأساه فوالله إن جاءني منك على صحة فعلهم دليل - من كلام أهل العلم - واضح قاطع، وبرهان صريح ساطع، لأقبلنه بالآماق، ناشراً له على الأحداق ولأعلنن بقبوله، ولأعملن بمدلوله فالحق أحق أن يتبع.

ص: 215

وأما قول الشيخ موسى في "مختصره": يحرم تصرف أحدهما بغير إذن الآخر، فهو كذلك والحكم على ذلك. لكن هذا الإذن ونيته حادثان من البائع والمشتري بعد العقد، لم يريداه، ولم ينوياه قبل العقد، بل داخلان البيع على أصله الشرعي، ثم حدث هذا الإذن بعد ذلك. وإلا أراداه ونوياه قبل العقد، ودخلا البيع عليه، وعلى انتفاع المشتري بغلة المبيع، حرم وبطل البيع، لأن الذي يقبضه البائع قرض، فكان هذا هو الخيار المشروط حيلة، لربح في القرض، فحاشا شهاب الدين عن ذلك أن يكون أجازه، وكتب عليه، اللهم إلا أن يكون عقداً علم قاعدة أهله ونيتهم، وأنهم على الأصل الشرعي، أو في مبيع لا يأخذ المشتري له غلة، ألهمنا الله وإياك رشدنا.

وله أيضا بعد كلام له سبق لما راجعه ثانياً، قال: فأما قول سليمان ابن محمد بن شمس: إن الأصحاب قد دونوا صحة بيع الخيار. فأنا لم أنكر صحته، بل أنا مصرح لك في الكتاب الذي جاءك بصحته، موضح لك جوازه إذا كان على القاعدة الشرعية التي صرح بها أهل المذهب وبنوه عليها. وأما قول سليمان: إني قائل: إن الأصحاب مصرحون بعدم قبض الثمن. فأنا لم أقل ذلك، فتدبر كتابي، فأنا لم أقل إلا أن الأصحاب مصرحون بعدم استحقاق البائع قلض الثمن إلا بعد انقضاء مدة الخيار، وليس قولي هذا بالذي نسبه إلي، فإن هذا نفي للوجوب، وليس بنفي للجواز. وأما استدلاله على وجوبه بانتقال الملك إليه، فليس بدليل عليه، فلو انتقل الملك إليه، فالتسليم ليس بواجب، فقد صرح في "الاقناع" وغيره بعدم بعدم وجوب التسليم إلا بعد انقضاء مدة الخيار، فطالعه وتأمله.

وأما قولك: وقوله: إن ما حصل في المبيع من نماء أو كسب، فهو للمشتري. فلا إشكال في ذلك، فإنه صريح واضح، لكن يا أخي

ص: 216

هذا في بيع الخيار الصحيح المعقود على العقد الشرعي الذي أسس على الأساس الشرعي، وليس في كتابي الذي جاءك ما ينفي ذلك إذا كان العقد كذلك.

وأما قولك: ولا - والله - تعجبني إلا جعلك - إذا أراد أن يقرضه شيئاً - مسألة: وما حصل في المبيع من النماء. وأنا لم أجمعهما ولم أجعلهما مسألة واحدة، بل أنا فارق بينهما، ومبعد بعضهما عن بعض، فإن قوله: إذا أراد أن يقرضه شيئا أصل، وقوله: وما حصل في المبيع من النماء فرع. فأنا مانع الثانية إن كان أصلها هو الأولى، ومجيز الثانية إن كان أصلها هو الأصل الشرعي الذي صرح به أهل العلم، وفرعوا عليه خيار الشرط. فإن تدبرت معنى كتابي الذي جاءك، وتأملته بشراشير قلبك، وجدته على ما ذكرت، والذي يجعلهما مسألة واحدة، هو الذي يجيز الثانية وأصلها هو الأولى فلا شك ولا ريب أن البائع والمشتري إذا اتفقا قبل العقد على تسليم الثمن، وعلى تصرف البائع فيه، وقصدا ذلك بعقدهما، فإن ذلك قرض، فإن كان مقصدهما القرض، فالأمر كما ذكرته لك عن أهل العلم في الكتاب الذي جاءك.

وإن كان مقصدهما البيع، فهذا بيع وقرض، وقد صرح أهل العلم بفساد البيع المجموع بينه وبين القرض. قال في "المغني": هو فاسد بغير خلاف.

وأما استدلالك ببيع أحمد بن خيخ للشرح، وشرط الخيار فيه، فمثله ما ذكرت لك جوازه، فإن الشرح باق في يده حتى يمضي الخيار.

ولو لم يكن باقياً في يده وهو عاقد البيع، هو ووكيلك على الأصل الشرعي، ثم استأذنه بعد العقد، فلا بأس بذلك. فسل وكيلك، هل اتفق هو وإياه قبل العقد على التصرف في الثمن، أم لم يستأذنه إلا بعد العقد؟

ص: 217

وأما نفي سليمان لتأثير النية، فليس الأمر كما قال، بل النية هي المؤثرة في الأعمال والأحكام ويترتب عليها العبادات، ويحصل بها الثواب والعقاب. وأصل أعمال الدين كلها النية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جعله البخاري صدر صحيحه المشهور:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى". قال الله تعالى: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" 40/ 19. وقال تعالى: "واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه" 2/ 235.

وقولك: في كتابك غلظ. فإن كان شئ لا يصلح الكلام إلا به، وإلا فوالله لا أزال لك على الوفاء والصفاء برئ من الغلظة والجفاء. انتهى ملخصاً. ومن خطه نقلت. وعرضت هذه الأجوبة على الشيخ أحمد بن محمد فكتب: إن هذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه، وهو الصحيح، ومن خطه نقلت.

ولما نقلت هذين الجوابين المذكورين، وعرضا على الشيخ أحمد ابن محمد القصير لقباً، كتب تحتهما: هذا هو الصواب الصحيح، وقد وافقنا على ما أجاب به، ومن خطه نقلت.

ومن جواب لشيخنا عبد الله بن محمد في ذلك: وأما مسألة بيع العقار بالخيار، فما عندنا فيها زيادة عما قال شهاب الدين أحمد بن عطوة: إن بيع العقار الخيار صحيح إن كان المقصود به طلب خير الأمرين، من إمضاء بيع أو عدمه. وإن كان المقصود ارتفاق البائع بالثمن في مدة الخيار، ثم يرد بدله، فهذا، لا يصح البيع إلا أن يكون المشتري لا ينتفع بالمبيع في مدته، ولأنه إذا انتفع به على هذا الوجه، فحيلة ولو بيع بقدر ثمنه. وكان خيار على ما يفعله غالب الناس، ليس لطلب خير الأمرين، إن لم يكن صريح قرض، ففي حكمه ولو قولب في غير قوالبه، فإن الغريم مثلا يقول: أوفني ديني، وإلا فبعني ما أنتفع به إلى أن تجيئني به وأصبر عليك، والله أعلم.

ص: 218

قال الشيخ ابن عطوة: البيع بشرط الخيار صحيح، إذا كان المقصود طلب خير الأمرين من إمضاء بيع أو عدمه. وإن كان المقصود ارتفاق البائع بالثمن في مدة الخيار، ثم يرد بدله، فهذا لا يصح البيع إلا أن يكون المشتري لا ينتفع به في مدة الخيار. انتهى.

قال شيخنا: وهذا على القاعدة لمن عرفها.

ومن جواب لعبد الوهاب بن عبد الله: الذي صرح به أئمة المذاهب، صحة بيع الخيار إن كان معقوداً مقصوداً به العقد الشرعي المفسر اشتراطه لطلب خير الأمرين، إما الفسخ أو الإمضاء، ولم يقصد البائع طلب الثمن من المشتري، مع أنه صرح في "الاقناع" أن البائع لا يملك مطالبة المشتري بالثمن. وما حصل من نماء فللمشتري حيث أسس العقد المشروط فيه الخيار على الأساس الشرعي، وأما إذا احتاج إنسان إلى نقد، والباعث له على البيع قصد التصرف في الثمن، ولم يقصد بيع المبيع ولو زيد على قيمته لرغبته، وإنما قصد الارتفاق بالثمن المدفوع إليه. ولو قيل: إن الثمن يترك عند المشتري إلى أن تمضي مدة الخيار، لامتنع من البيع، فهذا عقد لا شك في عدم صحته، ويجب على المشتري رد ما استغل من المبيع من ثمرة أو غيرها، لعدم انتقال المبيع إلى المشتري والحالة هذه. وما احتج به المشتري أنه قاصد للمبيع فلا أثر لقصده، فإن من المعلوم أنه إذا بيع عليه بدون ثمن مثله، كان حريصاً على إمضاء البيع. وكذا لو كان بثمن المثل، وكان قصد البائع التصرف في الثمن، فهو عقد غير صحيح ومن قال بصحته، فعليه إقامة البرهان، لأن الأصحاب لم يصرحوا إلا ببيع خيار وصفوه لطلب خير الأمرين، الفسخ أو الإمضاء. ولقد أنكرنا على من فعله، ووافقنا الشيخ محمد على قوله. والذي صرح به الأصحاب عن أحمد في البيع المشروط فيه الخيار: إذا أراد إنسان أن يقترض من آخر قرضا،

ص: 219

وباعه مبيعاً بذلك القرض، فيصح شرط الخيار مع كون البائع غير راغب عن مبيعه، لكن باعه على سبيل التوثق، والمشتري لا يستغل المبيع في مدة الخيار، فهذا العقد الذي صححه، مع أن البائع لم يشترط الخيار لخير الأمرين، وإنما قصد الارتفاق بالقرض، وقصد المشتري التوثق في قرضه مع عدم استغلاله للمبيع، وقد عمت البلوى بعقد بيع الخيار الموصوف بغير ما قرره الأصحاب، وجعلوه وسيلة إلى أخذ ما حرم الله أخذه من استغلال المبيع في مقابلة ما دفعه من المال المسمى ثمناً، وهذا عين الربا المنهي عنه، ونقلته من خطه ملخصاً.

ومن جواب لشيخنا عبد الله بن محمد: من أراد بيع عقاره، وقال: ما أبيع إلا بشرط الخيار. فقال المشتري: ما أشرطه. ثم تراجعا في ذلك، فقال المشتري: متى جئت بالثمن، فنخلك لك، فتبايعا على ذلك؟

فالجواب: إن معنى الشرط إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد - ما فيه له منفعة - صحيحاً أو فاسداً. ولفظة متى من أدوات الشرط المستعملة غالباً. فإن البائع لو باع وقبض الثمن، وشرط على المشتري أنه متى رد الثمن وقت كذا أن لا بيع بيننا، إن هذا صحيح، لأنه في معنى شرط الخيار الصحيح. فالظاهر لنا أن غاية هذا ومعناه أن يكون كشرط خيار مجهول، لمن فات غرضه، الفسخ. وإن كان قصدهما انتفاع البائع بالثمن، والمشتري بالمبيع فهو غير صحيح من أصله، لا سيما والبائع لو زيد على الثمن بلا شرطه المذكور، لم يبع ثم اعلم:

إن كان الشارط لذلك متحذلقا - ليفسخ - نحو بائع ويجعله تواطأ، ثم يعقد ويأخذ بظاهره أنه لم يشرط في العقد، صرنا إلى ما قطع به في "الاقناع" في شروط النكاح: أن الاتفاق يقوم مقام الشرط، فليراجع، ومن خطه نقلت.

وله أيضا: الظاهر أن لذلك صوراً:

ص: 220

أحدها: إذا أقرضه وخاف وعقد فيه البيع لم يؤثر تصرفه في خياره، إذ فائدة القرض التصرف في الثمن.

الثانية: الذي قصده طلب خير الأمرين فهذا من تصرف منهما بطل خياره.

الثالثة: أن يبيع بشرط الخيار، والغالب أنه بدون ثمن المثل، ولا يقع إلا بدونه لفائدة التصرف في الثمن، يعرف ذلك المتعاقدان وغيرهما بتصريح البائع قبل البيع للمشتري. ومن حضره لحاجته للتصرف في الثمن، لا ينفك العقد عنه، لاشك عندهم في ذلك. وإن ترك البائع استئذان المشتري في التصرف في الثمن، فللاستغناء عنه بذلك، لتيقنه الاذن منه القرينة، والعرف والعادة الجارية. والاستئذان نطقاً أحوط.

فهذه الصورة، الذي نفتي به ونعمل عليه، عدم سقوط الخيار فيها.

وقول الشيخ منصور: يسقط. فأطلق في "الرعاية" الوجهين.

وذكر لي أخي عن شيخه البلباني أنه قال: لا نسلم لمنصور في هذه، ولا نعمل إلا بثبوت الخيار والحالة هذه. وفي "القواعد" في بضع وخمسين: عن الإمام ما يفهم منه عدم سقوط خيار البائع بالتصرف في الثمن.

الرابعة: إن كان المقصود ارتفاق البائع بالثمن في مدة الخيار ثم يرد بدله، فهذا لا يصح البيع إلا أن يكون المشتري لا ينتفع بالمبيع في مدته، ولأنه إذا انتفع به على هذا الوجه، فحيلة ولو بيع بقدر ثمنه.

وكل خيار على ما يفعله غالب الناس ليس لطلب خير الأمرين، إن لم يكن صريح قرض، ففي حكمه ولو قولب في غير قوالبه. وإن الغريم مثلاً يقول: أوفني ديني أو بعني ما أنتفع به إلى أن تجئ به، وأصبر عليك والله أعلم، ومن خطه نقلت، هذا ما أشار إليه في "القواعد" في الرابعة والخمسين.

ص: 221

فأما تصرف أحد المتبايعين فيما بيده من العوض إذا استحق الآخر ما بيده لعيب، أو خلف في الصفة فيجوز، ذكره القاضي في خلافه، لأن تصرفه لا يمنع حق الآخر من رد ما بيده، فإذا رده، استحق الرجوع بالعوض الذي بذله إن كان باقيا، وإلا رجع ببدله. وقياس هذا: أن للبائع التصرف في الثمن في مدة الخيار، إلا أن يتخذ حيلة على أن يقرض غيره مالاً، ويأخذ منه ما ينتفع به على صورة البيع، ويشترط الخيار ليرجع فيه. وإن كان على غير وجه الحيلة، فيجوز، ولم يمنعه من التصرف في الثمن. انتهى.

قال في "المطلع": الخيار طلب خير الأمرين، إمضاء البيع أو فسخه. انتهى. وفاوضت شيخنا في المسألة، فأجابني أن لها ثلاث صور:

إن كان لطلب خير الأمرين ففيه الخلاف، هل يبطل الخيار بتصرف المشتري، كما هو ظاهر عباراتهم أم لا، كما نقل عن البلباني وأجاب به شيخنا؟

والثانية: إذا كان القصد توثقه، فلا يبطل بالتصرف، بلا إشكال ولا تردد، ولا للمشتري من الغلة شئ في مدة الخيار.

والثالثة: الحيلة ليربح في قرض، فالبيع غير صحيح، من تقرير شيخنا.

ومن كلامه أيضا: إذا قال: بعتك داري هذه بألف بذمتك، فاشترى، وعلى البائع للمشتري مثلها، فإن البيع صحيح، وللبائع الفسخ بلا رد الثمن.

وإن قال البائع: بعتكها بالألف الذي على ذلك، فاشترى، فهل يجوز للبائع الفسخ بلا رد الألف، أم لا يجوز إلا برده؟

الظاهر جواز الفسخ بلا دفع الثمن، والأولى أقوى. فإن كان قال

ص: 222

للمشتري: ولا فسخ إلا برد الثمن، ولم ينعقد أولاً، ففيها ثقل ولو أوفاه به بعد. والذي عليه فقهاء العيينة والبلباني: جوازه. وقول الشيخ منصور: يسقط الثمن بلا إسقاط، ففيه كلام الشيخ مرعي، ومفهوم عبارة "الاقناع" مع أن البائع ربما يكون غير مليء، فيزول اللبس، ويحتاج للتساقط، من تقرير شيخنا.

وقفت على وثيقة بخط الشيخ ناصر بن محمد بن عبد القادر بن راشد بن بريد، قال فيها: ولفلان البائع المذكور في المبيع المذكور الخيار خمس سنين، ابتداؤها رجب من سنة 983، ثم لورثته من بعده في المدة المذكورة، فكان ذلك صحيحاً شرعياً ثبت عندي بشروطه المعتبرة فأنفذته وحكمت بصحته، وبأنه لا يصح فسخ البائع المذكور، ولا وارثه، إلا برد الثمن المذكور، حرره ناصر بن محمد بن عبد القادر، وتحته رأيته فأمضيته، حرره فقير عفو ربه حسين بن عثمان بن زيد الشافعي، لطف الله بهم وبنا.

ووقفت على وثيقة بخط أحمد بن محمد بن بسام، وفيها: ولا فسخ إلا برد الثمن.

وقال البلباني: إن الشرط: إلا برد الثمن، مؤكد له. وكذا رأيت شيخنا اشترى سلعة من آخر وللبائع الخيار، وشرط أنه لا فسخ إلا برد الثمن. ويمكن حمل كلام من تقدم على أن الثمن منقود، قاله شيخنا.

ومن جواب للشيخ حسين بن عثمان بن زيد الحنبلي أولاً، الشافعي أخيراً، ولم يترك مذهب أحمد إلا بعد تبحره فيه، ووصوله حد التأليف فيه، ثم اختار مذهب الشافعي: كذا نقله شيخنا عن الثقات أهل الخبرة به، والمعرفة في أحواله.

أجاب سليمان بن محمد بن شمس، وهو تلميذ له في مذهب أحمد:

ص: 223

ومذهب إمامنا الشافعي: أن الخيار متى شرط في البيع زائدا على ثلاثة أيام بلياليها بطل البيع، والعقود معتبرة، فلو كان عقد حيلة لطلب الربح، صح جريا على ظاهر الأمر.

وأما عند الحنابلة: فالذي مشى عليه الإمام أحمد سد باب الحيل، فإن كان القصد ربح الثمن والبيع وقع حيلة، والخيار شرط عن الاستلزام، فالظاهر أنه عقد باطل، إذ هو حيلة بلا شك. وأما إن كان القصد هو المبيع، ولا حيلة هنا، فشرط الخيار وبيعه صحيحان، والله أعلم، ونقلته من خط من ذكر حرفاً بحرف بعد معرفته وتعريفه.

قال في "جمع الجوامع": وهل يكون تصرف كل منهما فيما صار إليه رضي البيع، ولزوماً فيه، وفيما خرج فسخا له؟ فيه وجهان، أطلقهما صاحب "الرعاية" وغيره. انتهى.

قوله في الخيار: وإن باعه بدراهم وقبض عنها دنانير إلى آخره.

قدم الشيخ منصور: أنه يبطل خيار كل منهما بتصرفه فيما انتقل إليه، إلا أن يقال: هذا على الوجه المقابل، أو يقال: هذا اقتضاء نقد من آخر ليس تصرفاً. فلو قبضه أي الثمن، ثم صرفه على البائع أو غيره، فهو تصرف بلا تردد، ولا إشكال فيما إذا قضاه به، قاله شيخنا.

ومن كلام شهاب الدين ابن عطوة: الذي يظهر: أن الثمن إذا قبضه البائع ثم ظهر عيب في بعض أجزائه، أنه إذا أخذ من المشتري عوضاً عن ذلك الجزء برضى كل منهما، سواء كان العوض قدر الجزء المعيب، أو أقل منه أو أكثر، أنه جائز ولا ربا فيه، إذ الجزء المعيب باق في ذمة المشتري لم يتسلمه البائع. قال في "المغني": والأصل عدم القبض في الجزء الفائت، فإذا أعطاه المشتري مثله، أو أكثر منه أو أقل عن الجزء الباقي في ذمته، سواء كان الباقي ذاتاً أو صفة، جاز ولا محذور في ذلك. ولا يتوجه كون الزيادة أو النقص فيما يدفعه إلى

ص: 224

البائع عما بقي في ذمته من حق البائع ربا إذ المعاوضة بما دفعه المشتري عن باقي الواجب في ذمته من الثمن، لا عن الجزء المعين، والذي قبضه البائع باق على ملك المشتري، فقبض البائع له كلا قبض، لأنه لم يقبضه، وإذا كان كذلك، فلا تصدر المعاوضة عنه، حرره أحمد ابن يحيى، ومن خطه نقلت.

ومن جواب لشيخنا: وأما مسألة خيار بيع التمر فمن زمن الشيخ محمد ومعاصريه يفتون أولاً بثبوت الخيار مع تلف الدراهم إلى أن بحثنا معهم. ومن صور البيع: أن يبيع الذمة ما عجل مثمنه - وهو المبيع - وأجل ثمنه. والسلم: ما عجل ثمنه وأجل مثمنه. ويميز ذلك بباء البدلية، وصرح به الشيخ ابن عطوة: فإذا قال: بعتك هذه الدراهم بكذا تمراً إلى أجل كذا، فالمبيع الدراهم. قال في "المنتهى": ومعناه في غير خيار الشرط. ويبطل خيارهما - أي البائع والمشتري مطلقاً، أي خيار مجلس أو شرط - بتلف مبيع بعد قبضه. وفي غير "المنتهى" وقبله: وبإتلاف مشتر إياه مطلقاً، وحينئذ يستقر الثمن، وبهذا كفاية عن التطويل، والله أعلم، ومن خطه نقلت، وقد راجعته مراراً، فجزم لي بذلك. قال ابن عطوة: قال شيخنا: الفرق بين السلم والبيع، أن البيع تارة يكون حاضراً، وتارة غائباً، فإن كان حاضراً، فهو بيع الأعيان.

وإن كان غائباً، فهو بيع الصفة، ثم إن كان حالاً، فليس بسلم، وإلا فسلم. وأيضا، إن كان المؤجل الثمن، فليس بسلم، وإن كان المثمن، فهو السلم، والثمن: هو الذي يبدأ به المشتري. والمثمن: هو الذي يبدأ به البائع. ويتميز ثمن عن مثمن بباء البدلية. انتهى.

إذا اشترى ألف وزنة تمراً موصوفاً من آخر بمائة محمدية، فهذا هو السلم، لا يجوز فيه الخيار، من تقرير شيخنا.

قوله: ليربح في قرض، أو فيما أقرضه، ليس ذلك في القرض خاصة،

ص: 225

بل بكل دين إذا لم يكن المراد الخيار الشرعي الذي هو طلب خير الأمرين قاله شيخنا.

قال ابن عطوة: إذا كان العيب لا يخفى، فالقول قول البائع: إن المشتري رآه. والهزال ليس بعيب، وتكفي معرفة ظاهر المبيع دون باطنه، قاله شيخنا.

ومن "المستوعب": فإن اشترى ثوباً فقطعه، أو حيواناً فجنى عليه، أو طعاماً فأكل بعضه، ثم ظهر على عيب ففيه روايتان:

إحدهما: له أرش العيب، ولا يملك الرد. والأخرى: له الرد، ويرد المشتري المعيب وأرش القطع والجناية، وقيمة ما أكل. أو مثله إن كان مثليا، إلا أن يكون البائع دلس العيب، فيكون للمشتري الرد وعوض ما أكل، ولا يلزمه شئ لأجل القطع والجناية. فإن أكل جميعه، أو أتلفه، أو وقفه، أو أعتقه، ثم ظهر على عيب، فله الأرش، رواية واحدة. وإن تلف في ملكه بغير فعله، ولم يكن البائع دلس العيب، لزمه أرشه وحده. انتهى.

إذا تلف المبيع بفعل المشتري كقطع يد العبد، أو أكله الطعام، لم يكن له الأرش ولو دلس البائع، لأنه تلف بفعله. انتهى. هكذا وجدته، فلا أدري هل هذا من تتمة كلام "المستوعب" أو من غيره موافق له؟

قال ابن عطوة: التمر المنتن بعد القبض، إذا علم أنه من فعل البائع، كان رده متوجهاً إذ هو غش وغرور، إذ هو مدلس للعيب، إلا أن تكون العادة الجارية في جميع تمر البلد بذلك، لأنه داخل على بصيرة من أمره.

وأما إذا كان النتن فيه قبل قبضه فعيب له رده.

والسلم لا يصح في المكيل إلا كيلا، فلو قيل: إن العجن لا ينقله من أصله، انسد باب السلم في التمر المعجون. انتهى.

ص: 226

قال في "المستوعب": لا يجوز في البيع غش، لا في طعام ولا في غيره، لا من جنس، مثل أن يخلط جيدا برديء، ولا من غير الجنس، مثل أن يخلط في اللبن ماء، والحنطة شعيراً أو شيلماً، فإن فعل ذلك، بينه، ولا يكتم من أمر المبيع ما إذا ذكره كرهه المبتاع، أو كان أبخس له في الثمن، فإن لم يبينه فحكمه حكم التدليس ولا يجوز في البيع خديعة ولا خلابة. انتهى.

ومن جواب للشيخ سليمان بن علي: بيع الحيوان الذي فيه الدبرة، صحيح وله الرد إن وجد له غوراً لم يعلمه.

وقوله في "الاقناع": وكذا لو أبرأه من جرح لا يعلم عوره، لا تصح البراءة. هذا فيما إذا شاهد ذلك، أو أبرأه قبل العقد. وأما إذا أبرأه بعد العقد، فإنه يبرأ من الجرح ذي الغور والدبرة، صرح بذلك الفتوحي وغيره، لأن البراءة بعد العقد تسقط جميع العيوب وأما الهزال فعيب، والقبرصي الملبس، بيعه باطل إن كان معيناً، وإن كان في الذمة، فله بدله في مجلس العقد. ولا يؤثر على المشتري ظهور العيب بسبب الإيقاد عليه، لأنه تدليس محض، والكي لا يكون عيباً إلا إن نقص القيمة في عرف التجار.

ومن جواب له أيضا: وكسر الحلي للاختبار فيه الأرش على الكاسر، لأنه يلبس مع الغش، بخلاف الدينار إذا كسر كذلك فإنه لا أرش فيه إذا وجد مغشوشاً. انتهى.

إذا قبض ديناراً عن دين، أو بصرف، فأدخله النار فخرج فسلا، رده عليه، ولا شئ عليه، لأن الامتحان من لوزامه عند الشك، فلم تصح معاملة به، ولأنه أي إدخال النار لا يضر صحيحاً.

ويحتمل أن يلزمه النقص بأن يقال: كم يساوي على هذه الحالة قبل دخول النار، والآن بعد إدخاله؟ فيضمنه ما بينهما، والأول أقرب لأنه

ص: 227

لا يفرق بين قيمتيهما بكونه عائباً لم يكسر، وعائباً مكسوراً لا خائناً يريد أن يغش به غيره من تقرير شيخنا. (ومن جواب أيضا: الهزال ليس بعيب. انتهى).

ومن "التحفة" للشافعية: وأفتى البغوي فيمن اشترى أمة يظنها هو البائع زانية، فبانت زانية، أنه يتخير، لأنه لم يتحقق زناها قبل العقد، وأقره غير واحد أن الشراء مع ظن العيب، لا يسقط الرد، ولا يرده قولهم: مظنون نشأ الظن فيه من قضاء عرفي، لأن الظاهر أن المراد ظن أهل العرف لا خصوص العاقد.

وفي "البخاري": إن هيام الإبل عيب، وهو داء يصيبها يسمونه الغدة، لكن يزعمون أنه لا يظهر إلا بعد ذبحها، قدمه وحدوثه. فإذا ثبت قدمه، وجب الأرش فيما يظهر ويحتمل خلافه لأن الحكم بالقدم فيما مضى بعد الذبح أمر ثخين لا يعول عليه، قاله شيخنا.

ولا يقبل قول المشتري في عيب ظاهر لا يخفى عند الرؤية غالباً:

لم أره بخلاف ما لم يعاين كزنا وسرقة لأن ذكره إعلام به، ومعاين أراه إياه لرضاه به. ويؤخذ من هذا رد ما أفتى به بعضهم فيمن أقبضه المشتري ثمنه، وقال: استنقده فإن فيه زيفاً، فقال: رضيت بزيفه.

فطلع فيه زيف، فإنه لا رد له به. ووجه رده أن الزيف قدره في الدراهم بمجرد مشاهدته مجهول، فلم يؤثر الرضى به نظير ما تقرر. انتهى.

الكي ليس إلا أن تنقص القيمة.

والزرع الأخضر لا يصح بيعه إلا لصاحب الأرض أي مالكها أو منفعتها كما ذكره مرعي، قاله شيخنا.

قال أبو العباس في مسودته على "المحرر": ولا يطمع في إحصاء العيوب لكن يقرب من الضبط ما قيل: إن كل ما يوجد بالمبيع مما ينقص العين أو القيمة نقصاً يفوت به غرض صحيح، يثبت الرد إذا كان الغالب في جنس المبيع عدمه. انتهى.

ص: 228

قال ابن عطوة: قال شيخنا فيمن اقترض تمراً، وأقام عنده نحو نصف سنة فتغيرت رائحته: إن أمكن حدوث العيب بعد القبض، فلا رد، وإن لم يمكن، بل كان كامناً ثم ظهر، فله رده، والأولى لا رجوع ولا رد. انتهى.

الهزال: هل هو عيب، أم لا؟ والكي في البداية ولو لم ينقص، هل هو عيب أم لا؟ وإذا خرج المعيب من يد المشتري، وأراد يمين البائع هل تكون على البت، أم على النفي؟

فأجاب الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن ناصر المفتي بالأحساء:

ذكر أئمتنا في ضابط العيب الذي يثبت بظهوره للمشتري الخيار في رد المبيع إذا كان العيب قديماً، إذ التعويل في ذلك عليه، قالوا: هو كل ما ينقص العين أو القيمة نقصاً يفوت به غرض صحيح، إذا غلب في جنس المبيع عدمه. والمراد بغلبه ذلك في العرف العام، لا في محل البيع وحده، كما استظهره الشهاب ابن حجر وتبعه الجمال الرملي.

ومحل الضابط المذكور، فيما لم ينصوا على أنه عيب أو غير عيب، وإلا لم يؤثر فيه عرف بخلافه مطلقاً، أعني سواء كان العرف عاماً أو خاصاً لا يخفى عند الرؤية غالباً، لم يقبل قول المشتري: لم أره، فلا يثبت الرد به وإن كان عيباً في نفسه، وإلا قبل، إذ الذي يظهر فيه أنه عيب ظاهر.

وقد ذكروا أن المشتري يصدق بيمينه في جهله بالعيب - إذا قال له البائع: أنت علمت العيب - إن أمكن خفاء مثل ذلك عليه عند الرؤية. وأنه يصدق بيمينه أيضاً في أنه ظن أن ما رآه به غير عيب، إن كان ممن يخفى عليه مثله.

الثانية: جوابها يعلم مما قبلها، وهو اشتراط نقص العين أو القيمة، على الوجه الذي شمله الضابط المتقدم. فإن كان الكي قد أوجب نقصاً

ص: 229

في القيمة، كأن أحدث شيئاً عرفاً، ثبت الرد به، إذ هو الحالة هذه عيب.

الثالثة: إذا علم بالعيب القديم بعد زوال ملكه عنه، بعوض أو غيره إلى غيره، وهو باق بحاله في يد الثاني، فلا أرش له لعدم أياسه من الرد، لأنه قد يعود له. فإن عاد الملك إليه فله الرد. ولو تعذر عود المبيع إلى المشتري الأول بتلف أو إعتاق رجع المشتري الثاني بالأرش على المشتري الأول، ورجع هو على بائعه. فإن فرض عوده له، فأراد رده بعيبه القديم، أو فرض تلفه، فأراد الرجوع بالأرش، وأنكر البائع قدم العيب حتى لا يستحق المشتري الرد ولا الأرش، فللمشتري تحليفه.

ولا يكفيه الحلف على نفي العلم بالعيب، لأنه إنما يحلف كجوابه، وهو لا يكفيه في الجواب أنه لا يعلم أنه باعه معيباً، إذ لا يستفيد بعدم علمه شيئاً لأن عدم علمه لا يرفع عنه الضمان، فكذا لا يكفيه الحلف على أنه لم يعلم أنه باعه معيباً، أو أنه لا يعلم أن العيب عنده، والله أعلم. ومن خطه نقلت.

وكلامه في الهزال موافق للشيخ سليمان، مخالف لشيخنا (ابن ذهلان) وابن عطوة، وابن عبد الهادي، وموافق لشيخنا في المسألتين، مع أن عنده ثقلاً في الأخير. وميله إلى أن حلف البائع على البت. وشاهدته حكم به في خصومة، وقعت عنده.

ومن كلام ابن عطوة: إذا اشترى ثوباً فقطعه، أو طعاماً فأكل بعضه، ثم ظهر على عيب، ففيه روايتان: إحداهما: له الرد، ويرد الأرش القطع، وقيمة ما أكل أو مثله، إلا أن يكون البائع دلس العيب، فيكون للمشتري الرد وعوض ما أكل، ولا يلزمه شئ لأجل القطع.

والثانية: له أرش العيب، ولا يملك الرد، قاله في "المستوعب". انتهى.

ص: 230

وله أيضاً: إذا باع سلعة وشرط، أن تحيلني بثمنها أو شرط المشتري على البائع: أن أحيلك بثمنها، فالذي يظهر لي أن أن هذا الشرط صحيح إذا كان المحال عليه معروفاً عند العقد، وإن كان مجهولاً، فلا. فإن لم يف بالشرط فله الفسخ بناء على شرط الرهن أو الحميل. انتهى. نقلته من خطه.

ومن جواب لشيخنا: ومن أشهد: إني أبيعه، أو أتبرع به خوفاً وتقية، فالظاهر أن ذلك مع القرينة. فأما لو عامل زيداً، وأشهد بذلك، لم يعمل به. انتهى.

قال اسماعيل بن رميح في "مجموعه": محل الوفاء مع التنازع موضع العقد في البلد. انتهى.

من "جمع الجوامع" التاسع عشر: لو اشترى شيئاً فبان له أنه مغصوب، ولو لم يطالب به ربه، فله رده وأخذ ماله. فإن أنكر البائع أن يكون مغصوباً، لم يثبت عليه رد إلا أن تقوم بينة بغصبه. ولو بان فيه شبهة ببينة، فهو عيب أيضاً له الرد به. ولو شهد بذلك واحد، أو شهد من لا يثبت به ذلك، فهل يكون ذلك عيباً يوجب الرد؟ احتمالان، المختار: نعم. انتهى.

في بعض هذا عند شيخنا تردد، وهو ما إذا ثبت المبيع أنه مغصوب، فكيف يجوز له رده على الغاصب، إلا أن يحمل كلامه على أنه لم يكن بيده بعد، بل كان بيد البائع.

وإذا استعمل المشتري المبيع، من سقي عليه أو نحوه بعد ما رأى العيب، سقط حقه من الرد ما لم يقم بينة أنه أشهد على الرد أو الأرش قبل سقيه عليه، ولا يقبل أنه مطالب بالأرش إلا ببينة، قاله شيخنا.

قوله: والمبيع بعد فسخ أمانة الخ. فلا يضمن ما تلف بلا تعد ولا تفريط، وإن قصر في رده، ضمن ولا نفقة له، لأنه متعد إذا، قاله شيخنا.

ص: 231

إذا خرج المعيب من يد المشتري، ولم يكن له إلا يمين البائع، فالظاهر إن ادعى على البائع: إنك بعتنيه وبه عيب كذا، أن البائع يحلف: لقد بعته بريئاً منه، لقولهم: الأيمان كلها على البت، إلا ما كان على نفي فعل الغير، ولأنه لو قال البائع: ما علمت، لم يكن جواباً صحيحاً. وأما من استدل بقول عثمان: تحلف بالله لقد بعته وما به من داء تعلمه، فهذا يعد براءة مشروطة في العقد، ولأنه لم يكن عليه إلا: أني ما علمت به عيباً، ولو امتنع منها كان مدلساً فلا يبرأ.

قال في "شرح المنتهى" لمؤلفه: ومنها ما قال المجد: وإذا وكل رجلا يسلم لك دراهم في طعام ففعل، ثم أتى المسلم إليه بدراهم زائفة، وردها مدعيا أنها التي أعطاها الوكيل، فإن صدقه، قبل قوله على موكله، وإن قبلها الوكيل ولم يعرفها، لزمته دون الموكل، وإن لم يقبلها، فللمسلم إليه عليه اليمين أنه لا يعلم أنها تلك الدراهم، وكذلك له على البائع يمين، كذلك مذهب مالك وقياس نص إمامنا. انتهى.

والفرق بينها وبين ما ذكرنا أن اختلافهم في هذه الصورة في عين المبيع. ومسألتنا الخلاف: هل هو معيب وقت العقد، أم لا، ما اتفاقهم أنه المبيع وأنه معيب الآن، لكن الاختلاف في تقدمه، أو على القول المقابل، الذي ذكره في "الاقناع" في الوكالة والقسامة؟

ومن مسودة ابن تيمية: قال القاضي في التعليق: ولا يحصل الفسخ من جهة البائع إلا بلفظ الفسخ. انتهى.

وقال أبو البركات: إذا اشترى بشرط الخيار، ثم أراد الفسخ قبل نقد الثمن، نفذ الفسخ على ظاهر كلام الإمام، وصريحه أنه لا يملك الفسخ حتى ينقد الثمن للمشتري.

قال أبو العباس: قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن الرجل يقول: إشهد لي على هذه الدار اشتريها، ولي أوله الخيار إلى كذا، قال:

ص: 232

لا يشهد له، فإنه كل شئ سواء. يشري أحدهما بشئ يسير، وهي تساوي أكثر، قلت: قال اشتراها بما تساوي ثم قال: اجعل لي الخيار إلى كذا وكذا فقال: لا بأس. قلت: ويستغل الدار؟ قال: نعم.

قلت: قال ابن عمر لابن مسعود: لا تفربها ولأحد فيها شرط، قال:

ذلك فرج، وهذا ليس فرجاً إنما هو خيار، فمتى جاء بالمال اردد عليه.

قلت: يقولون: متى قال: اخترت داري، فالخيار له، ويطالب بالثمن.

فقال: ليس هذا بشئ إن أعطاه فله الخيار، وإن لم يعطه ماله، فليس له الخيار. قال أبو العباس: فقد نص أحمد على أنه إن قصد بشرط الخيار للبائع قرضاً يجر منفعة إلى المشتري لم يجز وإن لم يجر إليه منفعة جاز، وعلى أن البائع لا يملك إعادتها إلى ملكه إلا بإحضار الثمن كالشفيع. انتهى. قلت: فكلام الإمام صريح في أن البائع لا يملك إعادتها إلى ملكه إلا بإعطاء المشتري الثمن. انتهى.

وأيضاً فقد تقدم: إذا اختلفا في المبيع، هل هو المردود أم لا؟

فقول البائع: إلا في خيار شرط، ولأنه لا يعلم أنها دراهمه أم لا، مع عدم إمكان حدوث العيب فيها. فالأظهر مع التردد والإشكال المتقدم، أن يمين البائع على البت. فإن نكل زدت عليه، لأن من لزمه الحق مع الاقرار، لزمته اليمين مع الانكار، من تقرير شيخنا.

من "القواعد": ونص أحمد في فسخ البائع، أنه لا ينفذ بدون رد الثمن. قال أبو طالب: قلت لأحمد: يقولون: إذا كان الخيار له، فمتى قال: اخترت داري أو أرضي فالخيار له، ويطالب بالثمن، قال:

كيف له الخيار ولم يعطه ماله؟ ليس هذا بشئ إن أعطاه فله الخيار، وإن لم يعطه ماله، فليس له الخيار، واختار الشيخ ذلك، وقد يتخرج مثله في سائر المسائل، لأن التسليط على انتزاع الأموال قهراً، إن لم يقترن به دفع العوض، وإلا حصل به ضرر وفساد، وأصل الانتزاع القهري

ص: 233

إنما شرع لدفع الضرر، والضرر لا يزال بالضرر. وقد يفرق بين مسألة أبي طالب وبقية المسائل، بأن البائع لو فسخ من غير دفع الثمن، لاجتمع له العوض والمعوض، وذلك ممتنع، ولا يوجد مثله في بقية الصور. انتهى.

ومنها: إذا بان النقد المعين معيباً فله حالتان:

احداهما: أن يكون عيبه من غير جنسه، فيبطل العقد من أصله، نص عليه، وذكره الخرقي والأصحاب، وعللوه بأنه زال عنه اسم الدينار والدرهم بذلك، فلم يصح العقد عليه، كما لو عقد على شاة فبانت حماراً وأومأ إليه أحمد في رواية الميموني، فقال: إن كان ذهب حمل عليه مس، ودخل عليه شئ من الفضة أو النحاس، أو خالطه غيره، فقد زال عنه اسم الذهب لما دخل فيه.

الحالة الثانية: أن يكون عيبها من جنسها، ولم ينقص وزنها كالسواد في الفضة، فالبائع بالخيار بين الإمساك والفسخ، وليس له البدل، لتعين النقد في العقد. ومتى أمسك، فله الأرش لا في صرفها بجنسها. انتهى.

قال في "الرعاية الكبرى": واليمين في العيب، على البت من البائع، فيحلف أنه باعه إياه صحيحاً لا عيب فيه. وعنه: على نفي العلم. وقيل:

يمين المشتري على البت، أنه اشتراه معيباً، ويمين البائع كجوابه. فإن أجاب بنفي الاستحقاق أو بنفي العيب، حلف على ذلك. انتهى.

ومن جواب لشيخنا: ومسألة العيب: فالذي يظهر على الصحيح، لا تكفي النية في الأرش، بل لابد من الإشهار قبل التصرف وهو الذي عليه الشيخ محمد الخزرجي، ويكفي شاهد ويمينه. انتهى.

ومن "روضة ابن عطوة": شرط البراءة من كل عيب، أو من عيب كذا، فاسد لا يبطل العقد ولا يبرأ منه. وإن باعه على أنه به، وأنه بريء منه صح.

ص: 234

ومن باع سلعة من حيوان أو غيره، ثم ظهر بها عيب باطن، فهو على المشتري ولم يكن على البائع غير اليمين إن كان ظهر عنده، ويكون البائع سالماً من الكتم والأرش.

وقال في "المغني": وصفة يمين المشتري، أن يحلف أنه اشتراه وبه هذا العيب، وأنه ما حدث عنده. ويمين البائع على حسب جوابه، إن ما يدعيه من الرد، حلف على ذلك، ويمينه على البت، لا على نفي العلم، لأن الأيمان كلها على البت، إلا في فعل الغير، وبهذا قال أبوحنيفة والشافعي، ولأن المشتري يدعي استحقاق فسخ البيع، وهو ينكره، والقول قول المنكر. انتهى.

ومن "فتاوى النووي": مسألة: فيمن باع شيئاً، وشرط أن ليس له القيام فيه بعيب، ورضي المشتري بذلك، ثم ظهر على عيب فيه قديم، فهل له الرد أم لا؟

الجواب: إن كان عيباً باطناً في الحيوان ولم يعلم به البائع فليس له الرد، وإن كان غير ذلك فله الرد.

مسألة: إذا خلط الزيت بالشيرج، أو دقيق حنطة بدقيق شعير، أو سمن بقر بسمن غنم، ثم باعه على أنه من النوع الجيد أو الرديء، هل يحرم أم لا؟

الجواب: يحرم ما كان غشا من ذلك وغيره. انتهى.

قال في "المغني": والداء الكامن لا عبرة به، وإنما النقص بما ظهر لا بما كمن. انتهى.

ومن "جمع الجوامع": قال أبو العباس: الجار السوء عيب.

قلت: وعدم الجار عيب. انتهى.

قال في "المغني": اختلف الرواية عن أحمد في البراءة من العيوب:

ص: 235

فروي أنه لا يبرأ إلا أن يعلم المشتري بالعيب. والرواية الثانية: أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه، ولا يبرأ من عيب علمه. ويروى ذلك عن عثمان، ونحوه عن زيد بن ثابت، لما روي أن عبد الله بن عمر باع زيد بن ثابت بشرط البراءة بثمانمائة فأصاب به زيد عيباً، فأراد رده على ابن عمر فلم يقبله، فترافعا إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر: تحلف بأنك لم تعلم بهذا العيب؟ فقال: لا. فرده عليه، فباعه ابن عمر بألف، وتمامه فيه. فظهر من هذا مع ما تقدم أنه إذا اشترى سلعة وثبت بها عيب، وكان الاختلاف في حدوثه وتقدمه، ولم يجز الحلف للمشتري لخروجه عن يده، أن له يمين بائع، وتكون على البت، لأن الأيمان كلها على البت، إلا ما كان على نفي دعوى من جهة الغير، إلا أن يقال: إذا خرج المبيع من يد المشتري، لم يجز له دعوى على البائع أصلا. ومن قال: إن يمين بائع على نفي العلم - مستدلا بحديث عثمان هذا - وقد ذكروه في الدعاوى في صفة اليمين - فلا دليل فيه أصلا فقد أورده من أورده مستدلاً به على عدم التغليظ في اليمين مع أنه - والحالة ما ذكرنا - لو يقول بائع: لم أعلم به عيباً وقت البيع، لم يكن جواباً، إذ لا يلزم من عدم علمه عدم الغيب.

والظاهر أيضاً أن ابن عمر قد علم العيب قبل البيع، ولم يذكره للمشتري ظناً أن البراءة تكفيه من ذكره، وأنه يندرج في سائر العيوب، فلا يبرأ منه لعلمه به، مع أنه لا خلاف عندنا في عدم براءة بائع من عيب علمه إذا لم يذكره للمشتري، ولو أبرأه المشتري من جميع العيوب، لأنه يكون مدلساً فلا يبرأ. فلو دفع النزاع في علمه وعدمه، فيمينه على نفي العلم لأنه لا دعوى للمبريء إلا العلم، من تقرير شيخنا.

ذكر القاضي: إن الصنان ليس بعيب في العبد والجارية وفاقا. انتهى.

الحمق: هو أن يستحسن ما يستقبحه العقلاء. انتهى.

ص: 236

قوله: وإن ورث اثنان خيار شرط أو عيب، فأمضى أحدهما لم يكن للآخر الفسخ.

الظاهر: إذا مات، وورث خياره ورثته لشرطه لهم، فأسقطه أحد الورثة، سقط خيار الجميع، لتبعض الصفقة في حق المشتري، قاله شيخنا.

إذا باعه ديناراً بكر حنطة موصوف بشرط الخيار إلى الموسم، صح البيع دون الخيار. لكن إن لم يقع اختلاف إلا بعد مجيء الموسم، فلا فسخ لأنه لم يفت غرض. والظاهر في الموسم العرف، قاله شيخنا.

من الزركشي: روى الخلال بإسناده عن ابن سيرين: أن عثمان قال في رجل اشترى ثوبا ولبسه، ثم اطلع على عيب: يرده وما نقص. فأجاز الرد مع النقصان، احتج به أحمد. انتهى.

قوله: وإن باعه بشرط البراءة من كل عيب إلى آخره. لأن هذا شرط مجهول، والبراءة قبل ثبوت الحق له لا تجدي نفعاً. فأما إذا أبرأه بعد العقد، بريء مطلقا، سواء شرطه عليه قبل العقد أم لا.

وفي بعض نسخ "التنقيح": أو أبرأه بعد العقد، بريء مطلقا من تقرير شيخنا.

وقوله: إن لم يخرج المبيع عن يده إلى آخره. هل هي المشاهدة أو الحكمية؟ الظاهر أنها اليد المشاهدة. فلو دفعه لنحو زوجته لم يجز له الحلف، لاحتمال حدوث العيب في غيبته عنه، كما عللوا به، قاله شيخنا.

قال في "المغني": فأما إن احتلب اللبن الحادث بعد العقد، لم يسقط رده، لأن اللبن له، فملك استيفاءه من المبيع الذي يريد رده.

وكذلك إن ركب الدابة لينظر سيرها، أو ليسقيها، أو ليردها على بائعها، أو استخدم الأمة ليختبرها أو لبس الثوب ليعرف قدره، لم يسقط خياره، لأن ذلك ليس رضى بالمبيع، ولهذا لا يسقط به خيار الشرط. انتهى.

ص: 237

قال في "المبدع": لكن لو حلب المبيع ونحوه، لم يمنع الرد لأنه ملكه فله أخذه. انتهى.

الظاهر أن هذا اللبن حدث بعد البيع وقبل رؤية العيب، وإلا فالموجود وقت العقد مبيع. وما حدث بعد رؤية العيب، إن حلبه فهو دليل رضى إن لم يكن أشهد على الرد. فلو حلبه بعد الإشهاد، لم يمنع، قاله شيخنا.

وقال في "الانصاف" بخط مصنفه: قوله: ومن علم العيب وأخر الرد، لم يبطل خياره، إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضى من التصرف ونحوه على الصحيح من المذهب. ثم قال: قوله: التصرف ونحوه، كاحتلاب المبيع ونحو ذلك لم يمنع الرد. لأنه ملكه فله أخذه، وتمامه فيه. وعلى بعض نسخ "الانصاف" بخط الشيخ يحيى الفومني، أنظر إلى هذه العبارة الركيكة. انتهى.

ومن "جمع الجوامع": والسمن والهزال ليس بعيب في ظاهر كلامهم. انتهى.

قوله: يبطل خياره بما يدل على رضاه، من حلب، وركوب لغير تجربة إلى آخره. وقوله: النماء الحادث بعد العقد للمشتري إلى آخره. في هذه العبارة ثقل واضطراب في "الانصاف" وثقل في غيره.

والذي تحرر لنا عند الشيخ محمد أن حكم تصرف خيار الشرط، كخيار العيب بالتصرف بما يبطل خياره، أو رده، من حلب، وركوب، وبيع، ومساقاة ونحوه.

وقوله: اللبن نماء المشتري. إنه ما دام في ضرع البهيمة، فهو متصل فإذا حلب انفصل. وفي المسألة ثقل عند الشيخ محمد، وكذلك عندنا، قاله شيخنا.

ص: 238

إذا اختلفا في قدر الأرش، ولا بينة، فقول المشتري في قدره لإنكاره جزءاً من المبيع، قاله شيخنا.

قال في "مختصر القواعد المصرية" للشيخ ابن تيمية في باب الإجارة:

إذا دلس المستأجر على المؤجر، مثل أن يكون قد أخبره أن قيمة الأرض والناحية كذا بما ينقص عن قيمتها، ولم يكن الأمر كذلك، فأجره بمال فتبين له، فله الفسخ للإجارة. وكذلك إذا أخبره أنه ليس هناك من يستأجره وكان له طلاب، أو أخبره أن هذا سعره ولم يكن سعره، وأمثال ذلك، ذكره ابن قندس في "حاشيته".

قال في "جمع الجوامع": لو سبق الجلب طائفة منهم، فدخلت البلد، وقالت: لم يقدم غيرنا أحد، فباعوا سلعهم بزيادة، ثم بان كذبهم، ودخل الجلب بعدهم وكثرت السلع، فظاهر كلامهم، لا خيار، ويتوجه: بلى. فإن لم يذكر ذلك، بل سبقت طائفة منهم، وباعوا بزيادة، ثم دخل الجلب بعدهم ونزلت الأسعار، فلا خيار في ظاهر كلامهم.

من "الفروع": لو قال بائع سلعة لمشتر: ليس في السوق غير هذه.

ثم دخل السوق فوجد فيه كثيرا بأقل من ذلك الثمن، فظاهر كلام الأصحاب: لا خيار، ويتوجه: بلى. انتهى. الظاهر موافقة كلام ابن تيمية المتقدم، لتوجيه ابن عبد الهادي، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع" في خيار الشرط: قال في "الرعاية" وغيرها:

ألفاظ الفسخ: فسخت البيع، ورفعته، واسترجعت المبيع. انتهى.

قوله: بحيث لا يسمع كلامه المعتاد. هذا على قول. وأما المذهب فهو أن يمشي أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات، وأقلها ثلاث، قاله شيخنا.

تصح الإقالة بكل ما أدى معناها ذكره ابن عطوة وجزم به في آخر السلم في "شرح الإقناع".

ص: 239

من "القواعد": وأما إن أسقط المشتري خيار الرد بعوض بذل له البائع وقبله، فإنه يجوز على حسب ما يتفقان عليه، وليس من الأرش في شئ، ذكره القاضي وابن عقيل. انتهى.

ومن جواب لشيخنا: وأما الإقالة بلفظ الإرجاع، والنقض، والرد، ونحو ذلك مما يكون عرفا في قصد الإقالة، فذلك صحيح لا ريب فيه. انتهى.

قال في "الشرح الكبير": مسألة: وإن صبغه، أو نسجه، فله الأرش، ولا رد له في أظهر الروايتين، وهو قول أبي حنيفة فيما إذا صبغه ليس فيه ضرر سوى المشاركة، فلم يجز، كما لو فصله وخاطه، أو خلط المبيع بما لا يتميز منه. وعنه: له الرد. انتهى.

فظهر أن قوله: كما لو فصله وخاطه، أصل يقاس عليه، ولا يرد عليها ما ذكر في الغصب، قاله شيخنا.

من "مغني ذوي الأفهام": من خلط ما قبضه، أو تصرف فيه بأن دفعه إلى غيره، ثم رد عليه، امتنع عليه رده إن لم يتحقق أنه هو بعلامة ونحوها. انتهى.

من "جمع الجوامع": السادس عشر: قالوا: فيما إذا دفع أحد النقدين الذي قبضه عن مبيع إلى آخر، ثم رده عليه بعيب، امتنع عليه الرد على الأول. وظاهر كلامهم بل صريحه: ولو كان قد اطلع على العيب قبل أن يدفعه إليه، وهذا فيه إشكال، مع أن ظاهر كلامهم: ولو تحقق أنه هو ما أخذه من الأول بعلامة، من ثقب، أو كتابة، أو غيرها.

ويتوجه: أنه متى تحقق أنه الأول جاز رده.

زلزلة المكيل ومسكه - قال صاحب "الفروع" - مكروهة، نص عليه. قلت: إن كان للبلد عادة بذلك أو زيادة في الثمن لأجلها، لم تكره، وإلا كرهت. انتهى.

ص: 240

قوله في الاختلاف في قدر الثمن: وإن نكل لزمه ما قال صاحبه.

هذا إذا كان التحالف عند حاكم، بدليل قوله: فإن نكلا، صرفهما الحاكم، فكذا لو امتنع من وجبت عليه اليمين عند مفت، لا يعد نكولا، بخلاف الحاكم، قاله شيخنا.

قال ابن عطوة: وسألته عن المصراة، هل تقبل دعواه التصرية بلا بينة؟

فأجاب: لا تقبل إلا ببينة. انتهى.

من "دليل الطالب وشرحه" بعد كلام له سبق: ما لم يكن البائع علم العيب، وكتمه تدليسا على المشتري فيحرم الكتم على البائع لأنه غرر، ويذهب على البائع إن تلف بغير فعل المشتري، كما لو مات. انتهى.

قوله: وإن بان مؤجلا.

الظاهر: إن لم يبن إلا بعد مضي الأجل، وقع الموقع، ولا دعوى للمشتري على البائع وأنه لا يجوز ينقد إلا الحاذق، وإلا ضمن.

فلو قال: أرضاه لنفسي مع عدم حذقه، فهو غار يضمن، لأنه لا يرضى معيباً، قاله شيخنا.

قال في القاعدة التاسعة والخمسين بعد كلام له سبق: وهذا بخلاف أرش العيب الذي يأخذه المشتري من البائع فإنه يأخذه منسوبا من الثمن. واختلف الأصحاب فيه، فمنهم من يقول: هو فسخ للعقد في مقدار العيب، ورجوع بقسطه من الثمن. ومنهم من يقول: هو عوض عن الجزء الفائت. وعلى هذا فهل هو عوض عن الجزء بنفسه، أو عن قيمته؟ ذهب القاضي في خلافه إلى أنه عوض عن العين الفائتة. وينبني على ذلك جواز المصالحة عنه بأكثر من قيمته. فإن قلنا: المضمون العين، فله المصالحة عنها بما شاء. وإن قلنا: القيمة، لم يجز أن يصالح عنها

ص: 241

بأكثر من جنسها. ومنهم من قال: هو اسقاط الجزء من الثمن في مقابلة الجزء الفائت المتعذر تسليمه

إلى أن قال: وينبني على الخلاف في أن الأرش فسخ، أو إسقاط الجزء من الثمن، أو معاوضه، أنه إن كان فسخا أو إسقاطا، لم يرجع إلا بقدره من الثمن، ويستحق جزءاً من عين الثمن مع إبقائه بخلاف ما إذا قلنا: هو معاوضة.

وأما إن أسقط المشتري خيار الرد بعوض بذله له البائع وقبله، فإنه يجوز على حسب ما يتفقان عليه، وليس من الأرش في شئ، ذكره القاضي وابن عقيل في الشفعة، ونص على مثله الإمام في النكاح في خيار المعتقة تحت عبد. انتهى.

قوله: وليس من الأرش في شئ.

أي ليس حكمه حكم الأرش فيجوز بزيادة نقص، سواء قلنا:

إنه فسخ أو إسقاط، أو معاوضة. وأما أنه يأخذ عوضا، ثم يطالب بالأرش فلا وهو الذي تقرر عند الشيخ محمد، قاله شيخنا.

قال في "النكت" لابن مفلح: قوله: ولا يثبت خيار الشرط في بيع القبض شرط لصحته.

قال الشيخ التقي: يعني من الطرفين أو أحدهما، ويفسد العقد باشتراطه، ذكره القاضي في ضمن مسألة خيار الشرط في النكاح. انتهى كلامه.

وفساد العقد يخرج على روايتين في الشروط الفاسدة. انتهى كلام "النكت". وهذا موافق لاتجاه الشيخ مرعي في "غايته".

قوله في "شرح المنتهي": الصغير لوكالة أو ولاية.

فيها إشكال إنه إذا كان ولي يتيمين يشتري لأحدهما من مال الآخر، ونحو ذلك.

قال في "المغني": فصل: والحكم في الحاكم وأمينه، كالحكم في

ص: 242

الوكيل. والحكم في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو ولده الصغير، أو طفل يليله أو لوكيله، أو لعبده المأذون له، كالحكم في بيعه لنفسه، كل ذلك يخرج على روايتين بناء على بيعه لنفسه. انتهى.

ويصح بيع الحب المتنجس لإمكان تطهيره. قاله شيخنا.

مسألة وقعت في زمن تاج الدين الفزاري والشيخ أبي عمرو، وهي:

بينتان تعارضتا بينة تشهد بالسفه، وبينة تشهد بالرشد، فأفتى الفزاري وأبو عمروبتقديم بينة الرشد، وكذا ابن رجب أفتى بذلك. انتهى.

إذا اشترى إنسان عقارا فيه بئر، فوقفه ثم ظهر أن بعين البئر سهماً لغير البائع فالوقف لازم، وللمشتري على البائع قدر السهم بالنسبة إلى الثمن الأول لا للوقف. وإن اختلفا في قدر ما يسقط من الثمن في مقابلة السهم ولا بينة، فقول بائع بيمينه، كتبه أحمد بن محمد، ومن خطه نقلت.

ومن جواب للشيخ عبد الوهاب بن عبد الله: ومن بلغ ولم يعلم رشده، لم ينفك عنه الحجر. والأصل بقاء السفه، إلى أن تشهد بينة برشده.

قال في "الإقناع وشرحه": ولو تبرع من لم يعلم رشده وهو تحت الحجر فقامت بينة برشده إلى آخره، وهكذا سائر عقوده. وهذا فيمن لم يثبت رشده. وكلام الأصحاب: فيما إذا باع ثم ادعى بعد رشده، أنه إذ ذاك سفيه، لم يقبل منه إلا ببينة، والفرق ظاهر جلي، وإقرار من شك في رشده أنه رشيد، لا يلتفت إليه، ولا يثبت رشده بذلك، فإن السفيه يدعي الرشد، والله أعلم. ومن خطه نقلت.

من كلام اسماعيل بن رميح في "مجموعه": البصل موزون، يجوز بيعه بتمر نساء والبطيخ والخوخ لا مكيل ولا موزون.

والحمل في بهيمة الأنعام زيادة، إلا إذا كان غرض للمشتري كما

ص: 243

لو اشتراها سانية فيكون الحمل نقصاً، وقال أيضاً: القرائن ثلاث: فعلية: ما كان بالجوارح، وقولية: ما كان باللسان. وحالية: ما دل عليه المراد والقصد.

قال في "المغني": في مسألة الجائحة: ما كان معلوم الوجود بحكم العادة، فكأنه مشروط.

وقال اسماعيل أيضاً: إذا بعت دراهم بتمر فوزنته أو أكتلته، جاز بيعه علة غريمك الذي أوفاك به إذا لم يكن بينكما رأي عند العقد الأول، وهو التواعد.

ويجوز بيع الخيس في أمهاته لقول الموفق: وكلما كان المقصود منه الظاهر، دخل المجهول منه تبعاً، كالشجر، وأساسات الحيطان. انتهى.

التدليس يثبت بشاهد ويمين. ومن قال: لا خلابة عند البيع، فله الخيار إذا خلب.

ظاهره: ولو كان الغبن يسيرا، ولو كان المقول له جاهلا معناه، مع الثقل عنده فيها، من تقرير شيخنا.

قوله: وإن طلبه الإقالة فأبى، واستأنفا بيعا آخر، جاز إلى آخره.

يحذر مسألة العينة في ذلك، فلا يشتريه بأقل من ثمنه قبل قبضه، ونحو ذلك، قاله شيخنا.

من "روضة ابن عطوة": لو بذل البائع المبيع للمشتري فامتنع من قبضه، فهل يبرأ من ضمانه؟

قال ابن نصر الله: لم أر فيه نقلا، وقد يقال: إنه كما لو أحضر الكفيل المكفول، وأتى على ذلك بقياسات، ثم قال: فأشبه تلف المبيع

ص: 244

بعد عرضه على المشتري، وهذا ظاهر في البراءة من الضمان. انتهى.

من "حاشية التنقيح": قوله: وإن سمى العيب وأبرأه منه، برئ وكذا في "المبدع". وظاهره: ولو لم يوقفه على العيب، وهو غير جيد، على ما فيه من الخلاف. وقال القاضي: إذا باع بشرط البراءة من كل عيب، لم يبرأ، سواء علمه وكتمه، أو لم يعلمه حتى يسمى العيب ويوقف المشتري عليه، كان العيب ظاهراً أو باطنا في أصح الروايتين. وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل وصالح، قال: إذا أبرأه من كل عيب، لم يبرأ حتى يضع يده على العيب، فيقول: أبرئك من ذا. فأما إذا لم يعمد إلى العيب ولم يوفقه عليه، فلا أراه يبرأ برده المشتري بعيبه لأنه مجهول ذكره الشيخ في "شرح المحرر".

إذا نزل البدو بلدا وظهر عليهم شخص فاشترى منهم شيئاً ثم صار فيه غبن، هل للبائع دعوى الغبن والحالة هذه، أم لا لأنهم كالمقيمين بأهاليهم؟

وأما إن كانت قافلة فللبائع الخيار، فإن كان المشتري يقبل معهم ولم يكن قصده الشراء أولاً، بل جاءهم لحاجة أو للشراء منهم بعيدا من البلد، فأقبلوا إلى البلد قافلة فاشترى منهم في طريقه ففيه ثقل، هل للبائع دعوى غبن، أم لا دعوى له؟ والثاني أقرب للفهم، قاله شيخنا.

من الزركشي تنبيه: ليس من صور المسألة: بعتك على أن به عيب كذا وأنا بريء منه، بل هنا يصح الشرط كما لو قال: وبه هذا العيب، وأوقفه عليه. انتهى.

قوله: وإن أشهد: إني أبيعه خوفاً وتقية، عمل به إلى آخره.

أي تقية شر، عمل به أي بقوله ذلك مع القرينة، قاله شيخنا.

إذا اشترى دينارا بكر حنطة بشرط الخيار للبائع في الدينار، وقبضه

ص: 245

المشتري فادعى أنه أتلفه، أو تلف، قبل قوله، لأنه قبضه بإذن صاحبه، وبطل خيارهما، قاله شيخنا.

قال في "جمع الجوامع": التاسع: هل يشترط فيمن باع بالصفة أن يكون قد رأى العين المباعة.

ظاهر كلامهم: لا يشترط ذلك، فلو وصفها على وصف غيره، أو غلبة طنه صح في ظاهر كلامهم. وإنه إذا باع موصوفا في ملكه، يصح ولو لم يكن قد رآه، حتى ولو لم يكن يعرف صفته. وإنه إذا باعه بالصفة، إن ظهر على ما وصف وإلا كان له الفسخ.

وبيع الصفة قريب من السلم، والسلم يصح فيه وصف عين غير معروفة، حتى ووصف عين معدومة، فكذا هنا. انتهى. وهذا موافق لما عليه شيخنا.

إذا دفع لآخر بذرا بعقد فاسد، فالخلاص منه أن يبيعه على مالك الأرض، أو مالك منفعهتا، وإن لم يكن مستوى الأجزاء لاختلاطه بغيره، فعليه قيمته. ومن قال: أعطنا كذا حبا أو تمرا ببيعك، وهو يعلمه، أو أعلمه به، ثم دفعه إليه أو إلى وكيله الرشيد من غير عقد، صح، لأن قبضه له قام مقام القبول. وإن قال: أعطنا كذا ولم يذكر ثمنا مقدرا، فأعطاه فالقبض صحيح، وعليه قيمته إذا لدخولهما عليه، والمسألة في الغصب، قاله شيخنا.

قوله: المبيع بعد الرد أمانة إلى آخره.

فإن رده فتلف في الطريق من نهب أو غيره، هل يضمنه أم لا؟

فيها ثقل. لكن إن سلمه إلى الحاكم بريء من ضمانه، وينظر الحاكم المصلحة من بيعه وحفظ الثمن ومراسلة المالك، أو إرساله إليه. ولو أمكن المشتري المراسلة للمالك فلم يفعل، فلا نفقة له لأنه مقصر، قاله شيخنا.

ص: 246