المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فائدة: قال ابن رجب في "الطبقات": رأيت في "الفتاوى المنسوبة على تاج الدين الفزاري" الحنبلي واقعة، وهي: وقف وقفه رجل عند الحاكم أنه وقفه في صحة من بدنه وعقله - الفواكه العديدة في المسائل المفيدة - جـ ١

[أحمد المنقور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[طريقة المصنف في النقل عن شيخه ابن ذهلان]

- ‌من كتاب الطهارة وكتاب الصلاة

- ‌فائدة من كلام الشافعية:

- ‌ومن كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية:

- ‌فصل: وأما الماء إذا تغير بالنجاسة فإنه ينجس بالاتفاق

- ‌مسألة مهمة عند الحنفية:

- ‌ فصل

- ‌فائدة:

- ‌فصلفيما يقع للانسان: إذا أراد فعل الطاعة

- ‌ فوائد:

- ‌فائدة

- ‌فائدة: خير صفوف الرجال أولها

- ‌فصل: وإن قدم الجمعة فصلاها في وقت العيد

- ‌ فائدة:

- ‌ فائدتان:

- ‌من كتاب الجنائز:

- ‌من كتاب الزكاة

- ‌فصل: ومن زكى ما سبق في هذا الباب من المعشرات مرة، فلا زكاة فيه بعد

- ‌ فصل: وإن رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم

- ‌من كتاب الحج

- ‌من كتاب البيع

- ‌فصل: وإذا وكل شخصاً في بيع عبده

- ‌ فصل: فإن باعه بثمن حال نقده

- ‌ فصل: في العينة وبيع إلى أجل:

- ‌فصل: منه: ولا خير في العينة

- ‌فائدة: إذا دفع إليه شيئاً بعوض ولم يذكر الثمن

- ‌فائدة: في "فتاوى القاضي حسين": لو وكله في بيع شئ فباعه

- ‌فائدة: الذي يظهر لي أن مرادهم في الخشب الذي شرط قطعه

- ‌ فائدة: لو اشترى بمال نفسه سلعة لغيره، ففيه طريقان:

- ‌فائدة: وكذا حكم المساقاة والمزارعة في المسألتين

- ‌ فصل: وإن انتفع بها وردها على صفتها فلا شئ عليه

- ‌بحث في الإجارة

- ‌ فصل: وإذا وكل واحداً في بيع عبده، ووكله آخر في شرائه

- ‌فصل: ويجوز بيع الجوز، واللوز، والفستق، والباقلاء، الرطب في قشرية مقطوعا

- ‌فائدة: في القهوة:

- ‌فائدة: ظهر في هذا القرن أو قبله بيسير شراب يتخذ من قشر البن يسمى قهوة

- ‌من كتاب الوقف

- ‌فائدة:

- ‌فائدة: الودي الخارج من أصل النخلة الموقوفة لا يصح بيعه

- ‌فصل: قال تقي الدين: وإن وكله، أو أوصى إليه أن يقف عنه شيئا

- ‌فائدة: قال ابن رجب في "الطبقات": رأيت في "الفتاوى المنسوبة على تاج الدين الفزاري" الحنبلي واقعة، وهي: وقف وقفه رجل عند الحاكم أنه وقفه في صحة من بدنه وعقله

- ‌فصل: لفظ الرجال والرهط لا يعم النساء ولا العكس

الفصل: ‌فائدة: قال ابن رجب في "الطبقات": رأيت في "الفتاوى المنسوبة على تاج الدين الفزاري" الحنبلي واقعة، وهي: وقف وقفه رجل عند الحاكم أنه وقفه في صحة من بدنه وعقله

قال في "المحرر": والورثة في تنفيذ وصاياه كوصيه. فإن لم تثبت الوصية إلا بشاهد، فحلف الورثة معه، ثبتت - أي أن مورثنا أوصى فلانا بوقف كذا علينا - قاله شيخنا.

‌فصل: قال تقي الدين: وإن وكله، أو أوصى إليه أن يقف عنه شيئا

ولم يعين مصرفا، فينبغي أن يكون كالصدقة فإن المصرف للوقف كالمصرف للصدقة، ويبقى إلى الوكيل والوصي تعيين المصرف. فإن عين صرفا منقطعا، فيكون للوصي تتميمه بذكر مصرف مؤبد، والله أعلم. انتهى.

‌فائدة: قال ابن رجب في "الطبقات": رأيت في "الفتاوى المنسوبة على تاج الدين الفزاري" الحنبلي واقعة، وهي: وقف وقفه رجل عند الحاكم أنه وقفه في صحة من بدنه وعقله

، ثم قامت بينة أنه كان حينئذ مريضا مرض الموت المخوف، فأفتى النووي أنه تقدم بينة المرض، فيعتبر الوقف من الثلث، ووافقه على ذلك ابن الصيرفي وابن عبد الوهاب الحنبليان، وخالف الفزاري، وقال: تقدم بينة الصحة، لأن من أصلهم: إن البينة التي تشهد بما يقتضيه الظاهر تقدم، ولهذا تقدم عندهم بينة الداخل. والأصل والغالب على الناس الصحة، فتقدم البينة الموافقة له. انتهى.

ما قولكم إذا أوصى إنسان في أرض له بثلاثين صاعا حبا مثلا، تؤكل في مسجد معين مثلا كل عام في رمضان، والحاصل أن في بعض السنين أن الأرض لم تزرع، فهل تلزم الوصية كل عام، زرعت الأرض أو لم تزرع، أو يكون مع الزرع فقط؟

الجواب: إن العادة إذا لم تزرع الأرض ولا نخل ونحوه فيها، لا يخرج شئ إلا بنص الواقف، وهو داخل في الخلاف الذي في "الفروع" فيما نقص عما قدره الواقف كل شهر، أنه يتمم مما بعده، وحكم به

ص: 440

بعضهم بعد سنين، ورأيت غير واحد لا يراه. انتهى. فقوله: غير واحد لا يراه، كان الشيخ محمد يقول: هذا يوافق العادة. انتهى من خط شيخنا.

سئل ابن حجر: إذا قال شخص: تصدقت بهذا على الفطور من غير تعيين مكان يفطر فيه، وجرت العادة بإرادة مكان معين أو لم تجر، ما الحكم؟

أجاب بأنه حيث اطردت العادة في زمن الواقف حال الوقف بإرادة مكان معين، حمل الوقف فيه أخذا من قول ابن عبد السلام وغيره:

إن العرف المطرد في زمن الواقف حال وقفه بمنزلة المشروط في وقفه، فلا يعطى إلا من ورد ذلك المكان. وأما إن لم تجر العادة بإرادة مسجد معين ولم يعينه، بطل الوقف. انتهى.

وسئل أيضا عمن قال في وقفه أو وصيته: وقفت أو أوصيت بأرضي الفلانية ليسرج بغلتها، أو للمصباح في رمضان ولم يقل: للمسجد، لكن قرينة الحال تدل على أن المراد الجامع أو غيره، هل يسرج منها جميع الليل، أم لا؟

أجاب: الذي يتجه في ذلك العرف المطرد فيه. فإذا قال: وقفت، أو أصبت بغلة أرضي الفلانية يسرج بها في رمضان واطراد العرف عندهم أن ما يريد السراج في محل مخصوص، حمل عليه ووجب الإسراج فيه، ثم الذي دل عليه كلامه أن جميع غلة الأرض الموصى بها تصرف في السراج، فيجب العمل بها، أعني أنه تؤخذ تلك الغلة وتوزع على جميع ليالي رمضان، ويسرج في كل ليلة بما خصها، سواء كفى بعض الليل أو استغرقه. نعم! إن خص كل ليلة بما يسرج به جميعها في ذلك المحل الذي نزلنا الوقف والوصية عليه، اشترط هنا من ينتفع بالسراج، وإلا لم يسرج إلا القدر الذي يتوقع فيه الانتفاع،

ص: 441

لأن إسراج ما عداه حرام، ويكون الفاضل محفوظا عند الوصي أو الناظر، وإلا فالقاضي على رمضان القابل. وإن لم يخص لياليه بالتوزيع ما يكفي كلا منهما، وجب الإسراج بقدر ما يتحصل ولو زمنا يسيرا من أول كل ليلة، لأن قصد الموصي إحياء ذلك المحل بالإسراج فيه كل ليلة.

فإن لم يتحصل إلا ما يكفي بعض الليالي فقط، لزم إسراجه في ذلك البعض، والله أعلم. انتهى.

من كلام ابن عطوة: لا يصح الوقف على الأغنياء على الصحيح، فلا يصح للأغنياء الصوام في المسجد الفطر. وإن قيل:(ليس) المنع مرادهم بل الإباحة المحضة، فعدم المنع ظاهر، وإلا لزم المنع من الانتفاعات بالأوقاف مطلقا، كالصلاة في المساجد

إلى أن قال:

وقوله عليه السلام: "من فطر صائما". وهو عام. وقول الأصحاب:

لا يصح الوقف على كنيسة بل على المارين بها، عام يشمل الغني وغيره.

ثم ظهر لي في "الرعاية الكبرى" بأن المراد جنس الأغنياء والفسقة لا أفراد الجنس، فظهرت. انتهى. أي ظهر بأن المنع فيما إذا قال:

هذا وقف على إفطار الأغنياء أو الفسقة، بخلاف ما إذا قال: هذا وقف على الصوام، فيشمل الغني والفقير بلا تردد، من تقرير شيخنا.

إذا قال الآخر: افعل بثلث مالي ما شئت، أو هو بحكمك، أو افعل بها ما ترى، أو ما أراك الله، أو أنت أبصر به ونحو ذلك، صح، فيتصدق به على ما يرى أنه وجه بر أو فضل. وإن كان عقارا فرأى الصدقة بنمائه كل عام، جاز، ولا يجوز أن يشتري به نخل يوقفه على أحد، أو يوقف ثلث نخل الميت الموصي، لأنه لم ينص له على الوقف، ولأن عقده لا تتناوله الوصية إلا بإذن، قاله شيخنا.

من "جمع الجوامع": الثالث: إذا وقف على أفقر الناس، أو أضعف

ص: 442

الناس، دفع إلى أفقر أو إلى أضعف من يوجد بالظن أو النية. انتهى.

إذا أوصى بنخلة من عقاره الفلاني لجهة معينة، لم يصح بيع العقار حتى تعين. وإن أوصى بنخلة ولم يقل: من عقاري، أو بحجة، فهي كالدين.

إن باع الورثة التركة ولم ينفذوها، فللوصي أو الحاكم أو الوارث فسخ البيع كالدين في التركة، قاله شيخنا.

ومن جواب للشيخ سليمان بن علي: وبيع العقار الموصى فيه بآصع معلومة لوجهه بر، ونقل ذلك إلى عقار آخر، لا بأس به. لكن إن تعطل المنقول إليه فلم يف، رجعت إلى الأول. انتهى. والذي قرره شيخنا عدم الصحة.

قوله في الزكاة: ولا يقبل قول من عرف بغنى: إنه فقير إلى آخره.

الظاهر أن مثله الوقف على الفقير من أولاده، وأراد الدخول فيه من عرف بغنى. وأما المرأة الفقيرة مع الغني. إذا أرادت التناول منه، تدعي عدم النفقة منه، كفاها شاهدان، قاله شيخنا.

سبلت موزة عقارها على ضناها وما تناسلوا.

الجواب: هذا الوقف مرتب بطنا بعد بطن، كتبه سليمان بن عليو ومن خطه نقلت. الظاهر أن قصد الواقفين بقولهم: لمن في درجته، أنهم إخوة الميت، قاله شيخنا.

إذا وقفت الآيسة على أولادها ونسلهم، وليس لها إذاً الا بنات، فهي قرينة بدخول أولاد البنات، قاله البلباني.

وقف بين إمام مسجد ومؤذنه وصوامه، ولا يعرف قسمته المتيقن لمستحقه، والباقي طريقه الصلح، والحاكم ولي الصوام، فيصالح

ص: 443

الإمام والمؤذن، ولا طريق له إلا ذلك، ويفيده كلام الشيخ تقي الدين، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": الثاني عشر: ليعلم أن شرط الواقف إنما يؤثر إذا وقع منه قبل عقد الوقف، أو حال عقد الوقف، فإن حصل منه بعد الوقف لم يؤثر، وليس له بعد لزوم الوقف وعقده أن يلحق به شرطا ولا حكماً من مستحق ولا ناظر، ولا غير ذلك.

ومنه أيضا ك ولا يجوز أن يصرف - في غير السنة التي كان المغل فيها من مغل - شئ في السنة المستقبلة، إلا ما يفضل عن المستحق في سنة المغل. انتهى.

قال في "الحاوي": إذا وقف وقفا على عمارة المسجد، واكتفى المسجد ببعض غلة الوقف، ففي الفاضل وجهان: أحدهما: وهو قول على أبيس هريرة: إنه يكون محفوظاً للمسجد، لجواز أنه يحتاج إليه في ثاني حال.

والثاني: وهو قول أبي حسن ابن القطان: إنه يشتري به عقارا للمسجد، لأنه أحفظ. انتهى. من "جمع الجوامع" للسبكي الشافعي، ونقله عنه ابن عبد الهادي في كتابه، وهو ما نقل عن "الحاوي".

ولابن عبد الهادي من أثناء جواب لشرف الدين المقدسي: ولا يجوز أن يصرف - في غير السنة التي المغل فيها من مغلها - شئ في السنة المستقبلة، إلا ما يفضل عن المستحق في سنة المغل، ووافقه على الجواب زين الدين بن منجا الحنبلي.

وكتب ابن الحضرمي الحنفي: إذا كان وجود المغل في سنة، مصرفه إلى المستحق في تلك السنة، ولا يجوز صرفه على ما باشر في السنة الثانية إلا بعد كمال شرط الواقف. انتهى.

ص: 444

ومنه التاسع عشر: ما فضل عن المسجد من وقفه ومغله وآلته، جاز صرفه لمثله وفقير، نص عليه. قال الشيخ: وفي سائر المصالح. وفي "الفائق": وكذا الفاضل من جميع ريعه يصرف إلى مسجد آخر، ذكره القاضي في "المجرد".

العشرون: الذي يصرف ذلك، الناظر. فإن لم يكن فالحاكم، أو الإمام أو نائبه. وقيل: إنما يصرفه أولاً الإمام، أو الناظر بإذنه. انتهى.

ومنه أيضا: إن من الأشياء ما لا يحتاج إلى ذكر المصرف كالمسجد، فإنه إذا قال: وقفت هذه الدار مسجدا، صح، ولا يحتاج إلى ذكر المصرف، لأنه معلوم بالضرورة أن المسجد للصلاة. وكذلك إذا قال: وقفت هذا المصحف أو الكتاب، فإنه معلوم بالضرورة أنه موقف للقراءة فيه، وإن لم يذكر على قارئ أو يخصه بمكان، وكذلك إذا قال: وقفت هذا البئر، فإنه معلوم بالضرورة أنها لمن يشرب منها، وإن لم يخص بها قوما من الناس. انتهى.

من شرع مسجداً بأن أذن فيه وأقام، وقف ولو لم ينو الوقف، قاله شيخنا.

ص: 445

شخص قال: هذه الدار وقف لأبي: الابن وضناه، والبنت حياة عينها، قبل قوله على نفسه وعلى من بعده من أولاده، وبعد انقطاعه يكون وقفا منقطعا على ورثته نسبا.

وإن قيل: هذا وقف للمسجد أو على المسجد، فللصوام في عرفنا ما لم يصرفه قرينة، ككونه أثلاً، فلعمارة المسجد، وما فضل بعد عمارة المسجد أو الصوام، جاز دفعه للإمام إذا كان فقيرا، أو وظيفته قليلة لا تقوم به، لقولهم: في سائر المصالح وهو مصلحة، وعلى الفقراء مطلقا. وإذا شهدت البينة التامة بالوقف، قبلت ولو كذبها المستحق.

فإن لم تكمل، لم يثبت إلا بالحلف معه. فلو امتنع ثم حلف البطن الثاني، حكم بها ولو كانت صفة الشهادة أن هذه الدار وقف فقط، وبهذا حكم من مضى من القضاة.

وإذا وقف عقاره المعين وفيه باب لدار له، لم تدخل في الوقف إذا لم يشملها اسمه، لأن حكمها وحدها، ولأنه العرف، من تقرير شيخنا.

ومن جواب للشيخ محمد: ومن أوصى بثلث ماله، وقف بعد ما يخرج منه حج. لم أقف فيه على صريح، وميل القلب إلى صحته وهو الصواب، والله أعلم. قاله شيخنا: فيه نظر، لأنه لا يصح وقف شئ من ماله، ولا قوله: وقف بعد إخراج درهم منه أو دينار

إلى أن قال: يوقف بعد إخراج كذا منه.

وقد قال في "جمع الجوامع": وأما الذهب والفضة، فإن كانت دراهم، لم يصح وقفها مطلقا في الأصح. انتهى.

ومن قال: ثلث مالي يشري به نخل ويوقف على ولدي.

الظاهر أن مراد من غير بيع عقاره، إلا إن نص عليه، بل يشتري بثمن العروض، والنخل يوقف ثلثه، وقد وقع مثل هذا في الدرعية، فأفتينا الوصي بأن يبيع العقار على أجنبي، ثم يشتريه منه الوصي

ص: 446

للوقف احتياطا، وإلا ففيها ثقل من أنه يباع. ولو قال له قائل: يباع ويشري به، قال: لا، ولو أراده لبينه.

وقد وقفنا على ورقة للشيخ ناصر بن محمد - لم ينسبها - بخطه بيده: إذا قال: ثلث مالي وقف على زيد، يوقف منه العقار ونحوه، بخلاف الدراهم، والعروض، فيبطل، وهذا يبعد من فهم العامة، وقد عملنا بخلافه، من تقرير شيخنا.

ومن قال: ثلث مالي يوقفه فلان على ما أراد ونحو ذلك، فالظاهر جوازه على ورثة الموصي، لأن الوقف ليس كالطلق. وإن قال: يفعل به ما أراد، فرأى وقفه عليهم، جاز، قاله شيخنا.

إذا قال: في عقاري الفلاني أضحية كل عام. هل هو العام، أم المغل؟ الظاهر أنه المغل. فإن كانت الثمرة ظهرت، استدان فيها، وإلا فالأحوط إن كان الوارث رشيدا، ضحى من عنده وحده وتركه عن التفاخت. وإن كان قاصرا، ففيها ثقل. وجلدها لا يجوز بيعه على المذهب، ودبغه بجزء منه أو بصوفه، صحيح.

وإن شرى حق الدباغ، صح، وبيعه قبل دبغه، ففيه شئ. وإن كان المدبوغ جدلين وهما ضحايا واحد، فاقتسماها هو والدباغ جاز.

وإن كان المدبوغ جلداً جيدا وأعطاه الدباغ جدلا رديئاً عن نصفه، ففيه الخلاف الذي في بيع كله. وإذا لم يكف الوقف أضحية، أرصد حتى يكفي ولو أعواما، لأنه العرف، قاله شيخنا.

قال في "الانصاف": يحرم بيع الجلد، والحل على الصحيح من المذهب، وعنه: يجوز، ويشري به آلة البيت، لا مأكول. قال في "الترغيب" و "التلخيص": وعنه: يجوز بيعها بمتاع البيت، كالغربال والمنخل ونحوهما، فيكون إبدالا بما يحصل منه مقصودهما، كما أجزنا إبدال الأضحية. انتهى. وقطع به في "القواعد" وقال: نص عليه.

ص: 447

ومن "جمع الجوامع": قال الشيخ في "المغني": وذكر الحارثي:

إذا وقف وقفا واستثنى منه الانتفاع مدة معينة - وقلنا - يصح - فمات في أثنائها، ينبغي أن يكون ذلك للورثة، كما لو باع دارا استثنى لنفسه السكنى سنة فمات في أثنائها. انتهى.

الظاهر: وفاء دينه من ذلك، لأنه تركة بلا تردد، ولم يزل يحكم به من عرفنا، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع" من أثناء جواب للسبكي.

أحدها: أن يتحد الواقف والموقوف عليه والصيغة ولم يفصل، فهو وقف واحد، سواء كان الموقوف عليه جملة أو واحدا.

الثاني: أن يتعدد الجميع، فلا إشكال أنها أوقاف.

الثالث: أن يتعدد الواقف.

الرابع: أن يتعدد الموقوف عليه أو الصيغة فقط، فلا إشكال في تعدد الوقف، كوقفت على زيد داري، ووقفت عليه بستاني بإعادة صيغة الوقف، فهما وقفان، لأنهما صيغتان، كما لو قال: بعتك داري وبعتك بستاني.

ومنه أيضا القاعدة الثالثة والستون: إذا كان الوقف على طائفة، وكان شجرا أو أرضا تزرع، متحصلها ثمر أو زرع، فهو للمستحق. وهل للناظر بيعه ويدفع ثمنه إليهم، أو يدفعه إليهم هو وليس له بيعه إلا بإذنهم؟ أما إذا ذكر الواقف شيئا من ذلك، رجع إليه. فإنه إن جعل لكل واحد منهم دراهم في السنة، فهنا بيعه للناظر قطعا، لأن الواقف جعل له بيعه. وأما إن جعل لكل واحد جزءا منه، كأن جعل لكل واحد قدراً من الشعير أو البر ونحو ذلك، أو جزءاً من المتحصل، كربعه، فهنا لا يبيعه إلا بإذنهم قطعا. وإن أطلق الوقف عليهم، فكذلك ليس للناظر أن يبيعه

ص: 448

ولا شيئا منه إلا بإذنهم. فإن كان الوقف يحتاج إلى عمارة أو نفقة أو مصروف، فله أن يبيع بقدر ذلك فقط.

ومنه أيضا: قال صاحب "الفروع": وللناظر الاستدانة عليه بلا إذن حاكم لمصلحة. قلت: ويتوجه: إن كان على جهة، فبإذن حاكم، أو على مستحقين، فبإذنهم. فإن كان على جهة واحتاجت إلى عمارة ونحو ذلك قبل دخول المغل، استدان لذلك. وإن كان على مستحقين وحصلت حاجة، فهل يستدين لهم على الوقف؟

يتوجه احتمالان: المختار: نعم. فإن نقص مغله سنة، لم يستدن ليكمل للمستحقين. وهل يستدين ليكمل لأرباب الوظائف.

يتوجه احتمالان: المختار: له ذلك.

ومنه أيضا: القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئة: لو مات مؤجر الوقف وانتقل إلى من بعده، لا تبطل الإجارة بموته.

إذا كان نخله سبل على عمارة قدور ففضل منها شئ، صرف في عمارة قدر آخر ووقف كالأول، أو تصدق به، أو اشترى به قدرا آخر، على ما بحثه الشيخ، وفي مصلحة، لأن ذلك من المصالح، قاله شيخنا.

رجل غرس أرضا ولا يعلم كيف حلوله فيها، ثم باعها مع غرسها سوى قطعة معلومة فيها غرس، قال: هذه سبل على قدور، ما الحكم في ذلك؟

الجواب: الظاهر: إن عين قدورا وقفا، جاز وكان في عمارتها، والفاضل يصرف في عمارة مثلها، أو يتصدق به، أو يشتري به قدور على قول الشيخ. فإن لم يعين القدور، أو عين ما لم يكن وقفا، لم يصح وكان طلقا، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": قال علاء الدين: فيما إذا اختلفوا في التسوية والتفضيل مع اتفاقهم على الاستحقاق، كمن شرك بين ولد بعض

ص: 449

بنيه، ورتب بين ولد بعض، ويموت ولده ويوجد من ولد ولده جماعة يختلفون، هل هم من أهل التشريك أو الترتيب؟

فهنا، من حكم له بشئ في يده، ثم حدث من ادعى أنه مشارك له وأنكر من في يده، فالقول قول من في يده.

قلت: فأما إن كان في يد رجل وقف، فادعى أجنبي أنه يستحق فيه، فأنكر من هو تحت يده استحقاقه، مثل أن ادعى أنه موقوف عليه أو على ذريته، فإن كان الواقف موجوداً، عمل بقوله كما هو ظاهر كلام "الكافي". وإن كان غير موجود، فالقول قول من هو في يده إلى أن يثبت الخارج ما ادعاه. انتهى.

فظهر لنا: إذا كان في يد امرأة عقار وقف من أبيها مثلا فماتت، فنازع ورثة أبيها أولادها بأنهم لا يدخلون فيه، لعل الواقف وقفه على أولاده وهم ذكور وإناث، فلا يدخل ولد البنات إلا بنص أو قرينة، مع العلم أنه وقف زيد وجهل المصرف، فقال أولادها: هذا وقف بيد أمنا تستحقه مدة حياتها، فنحن كذلك بعدها، فلا ينزع من يدنا إلا ببينة، فإن القول قول أولاد المرأة، لأن اليد لميتهم ولهم بعده إلا أن يقيم المدعي بينة بدعواه، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": لو وقف على مسجد، أو طريق، أو بئر، صرف في مصالحه دون من سكن فيه، ويصرف لأرباب وظائفه، من المؤذن، والقيم، والإمام من ذلك إن لم يخصه بالمسجد. انتهى.

وقفت امرأة عقارها على أولادها للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم أولادهم، وقادم في غلته عشرة آصع، ثم تقسم في شهر رمضان على فقراء جيرانها. وإن كان أحد من ذريتها محتاجاً، فهو أولى. انتهى كلام الواقف.

فإذا كان ولد البنات فقيراً محتاجاً، هل يدخل في الذي يقسم

ص: 450

لدخوله في أهل الوقف؟ فيه ثقل، لأنهم لا يشملهم لفظ الدرية، ودخولهم أقرب، لأن الظاهر أن قصده بذلك أهل الوقف المستحقين له، لاسيما إن كان كله لأولاد البنات مع حاجتهم إلى ذلك، قاله شيخنا.

فلو كان جيراناً، لم يقع تردد، لأنه أقل الأحوال، قاله شيخنا.

وذكر شيخنا أنه وقف على وثيقة للشيخ محمد بن عبد القادر ابن بريد، تلميذ الشهاب بن عطوة، أن فلاناً ساوم فلاناً في عقاره الفلاني بثمن كذا وأطلقه له بذلك، فقال: أخاف أنك موقفه، فحلف بالله أنه لم يوقفه. فقلت: استرجعه إن كان صار منك شئ، وطيب نفس رفيقك، فقال: أنا مسترجع ومبطل وقفي إن كنت أنا وقفت، فحكمت بصحة رجوعه وبكونه ملكاً طلقاً، فباعه من فلان واشتراه بثمن كذا، وحكمت بصحة البيع. انتهى كلام محمد.

والذي نفعل أنا إذا ذكرنا البيع وشروطه، قلنا: وذلك بعد ما رجع فيه، إن كان صدر منه فيه شئ من أن العقار في يده والحالة هذه، ثم نحكم بصحة البيع، فراجعته أنك لم تحكم بصحة رجوعه كما تقدم محمد، فقال: حكمي بصحة البيع مستلزم صحة رجوعه، وكذا حكمي بموجبه، والأحوط قوله بعد ما سألني الحكم، من تقرير شيخنا.

وقف عقاره على ورثته من كل الجهات، ثم على أولادهم، لا تدخل فيه الزوجة، لأن الجهات، أبوة، وبنوة، وأخوة، وهل ذلك ترتيب جملة أو أفراد؟ بل هو ترتيب جملة طبقة بعد طبقة. وكذا وقفه على ثلاثة نفر ثم أولادهم، يكون ترتيب جملة، قاله شيخنا.

ص: 451

امرأة وقفت عقارها على أولادها وهي شيخة، غلته، تقول:

مرادي أن لي بيعه متى أردت الغلة، بلا شك مستثناة، وربما يظهر منه عدم صحة الوقف مع الثقل، ونحن نعمل بقول الواقف العامي إذا قال:

مرادي كذا في المجلس إذا احتمله لفظه. وكان الشيخ محمد يفتي بقبول الواقف العامي في المجلس: إن قصدي في لفظي كذا، من تشريك أو ترتيب إذا احتمله لفظه، بخلاف ما بعده.

وإذا عمر شخص عمارة في مسجد بنية وقفه للمسجد وفيه مصلحة له، جاز، فلو عمر ليبيعه فغاصب. فلو باعه على من يوقفه، جاز إذا وقفه على المسجد، من تقرير شيخنا.

من "جمع الجوامع": هل يجوز للناظر أن يقرض مال الوقف على

ص: 452

جهة أو مستحقين بغير إذنهم؟

أما لغير مصلحة، فلا. والمصلحة كخوف عليه من ذهاب، أو فساد، أو قبض، أو خاف عليه الطريق، فالظاهر جوازه.

قال في "الفروع": يتوجه في قرض الناظر مال الوقف، أنه كفرض الولي مال الولي عليه. انتهى.

ومن جواب للبلباني: إذا وقف آخر على أبيه إن احتاج، فالوقف صحيح، ويكون لأولاد الواقف بعد أبيه. انتهى. ومن خطه نقلت، قال شيخنا: قد رجع البلباني عن ذلك، لكن وقع ما يشبه لذلك أن ابن مجلي وقف على والده إن احتاج حياة عينه، ثم بعده على أولاده فقلنا بصحته وأنه لمن بعده، لكن هل هم أولاد الواقف أو أولاد الأب، لقوله على أولاده فصارت مجملة.

اشتبه علينا، هل هم أولاد الأب أم الابن؟ فالمتبادر إلى الفهم أنه لأولاد الواقف بدليل قوله: إن احتاج حياة عينه. فإذا قيده على أبيه بالحاجة، فكيف يطلقه بلا شرط على أولاد أبيه وهم إخوة الواقف؟ ! وكيف يقدم إخوته على أولاده وقد علمنا أنه لأولاد الواقف؟ من تقرير شيخنا.

الثاني والثلاثون: إذا شرط الواقف في وقفه قراءة القرآن، أو قراءة حديث، أو تدريس فقه بمسجد، أو بيت، أو مدرسة، أو رباط، أو مكان، أو بلد، تعين القرآن أو التدريس في العلم الذي عينه، وهل يتعين المكان؟ يتوجه احتمالات:

أحدها: يتعين وهو ظاهر كلام بعض أصحابنا.

والثاني: لا.

والثالث: إن كان للواقف قصد في وقوعه في المكان، أو علم ذلك

ص: 453

بقرينة، كمن بنى مدرسة وجعل فيها درساً ونحو ذلك لقيام شعائر مدرسته، تعين المكان. انتهى.

ومنه أيضا: وفي أثناء جواب للسبكي: القسم السابع: أن يجهل الحال ولا يعلم منه غير ما عادة مباشر به.

فهاهنا لا يغير شئ من تلك العادة، ولا يتجاوزها، بل يتبع تلك العادة ولو كتابا يقتضي أنه وقف وسكت عن السبيل مثلا.

ويجوز ذلك - لا نغيره - إلا إذا اعتقدنا بطلانه، لاحتمال أن يكون حاكم حكم بذلك، واليد دليل عليه، فيبقى على ما هو عليه لدلالة اليد مع الاحتمال. ويحتمل أيضا أن يكون له كتاب آخر، أو سبب آخر، فاليد دلالة على الاستحقاق، والأسباب كثيرة لا تنحصر. انتهى.

ومن قال: في هذه الأرض كل سنة كذا، سواء كان مقدماً في غلة وقف، أو هو وصية على جهة بر، وفي بعض السنين لم تزرع، فهل يلزمهم - أي المستحقين - الاخراج كل سنة، أم في السنة التي تزرع فيها دون غيرها؟

الظاهر: ولو كان المفرط ناظر وقف، فالضمان على الوقف لا على الناظر إلى آخره.

هذا كلام ابن نصر الله، وهو صحيح، فإذا فرط الناظر بأن طلب منه هدم جدار الوقف المائل ونحوه، ففرط بتركه، فالضمان على الوقف كما تقدم أنه على المالك. فإن فرط بفعل فعله، فالضمان عليه لأنه المباشر، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": ومن أثناء جواب للسبكي في الفرق بين أوقاف المصريين والشاميين.

ص: 454

فالشام يكون في الوقف جماعة، لكل منهم اسم، أحدهم ناظر، والآخر شاهد، والآخر مشارف، والآخر شاهد، والآخر عامل، وربما يكون آخر صاحب ديوان، وآخر مستوفيا ونحو ذلك، فيترتب على ذلك مفاسد، وتمامه فيه.

وإذا وقف شخص عقارين له على أولاده مثلا بلفظة واحدة، وقادم عليهم في غلته شئ معلوم لجهة بر، فإن استولى على أحد العقارين غاصب، فالظاهر لنا، وإليه ميل الشيخ محمد، وأجاب به عبد الرحمن مفتي الأحساء، أن الوصية تقسط بينهما، فلا يكون على الأولاد إلا قدر ما بأيديهم فقط، لأن كل واحد منهما على حدته واسمه وحده ولو كانا في وقف واحد، فأما إن كانا وقفين، فلا أشكال أن كل عقار وحده، فلا يلزمهم اخراج عما في يد الغاصب بلا تردد، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": ذكر القاضي علاء الدين بن اللحام، قال في الكافي: إذا اختلف أرباب الوقف فيه، رجع إلى الواقف، لأن الوقف ثبت بقوله: فإن لم يكن الواقف موجوداً، تساووا فيه، لأن الشركة تثبت ولم تثبت التفضيل، فوجبت التسوية كما لو شرك بينهم بلفظه. انتهى.

ومن "جمع الجوامع": قال في "الفروع": يصح في معين جائز بيعه، فظاهره لا يصح فيما لا يصح بيعه، وإنه لابد من العلم به.

ومنه أيضا: قلت: التحرير في وقف الماء إن كان محوزاً في إناء، أو قربة، أو مصنع، إنه لا يصح، وهو سبيل لا وقف. وأما البئر، فإن كان ماؤها نابعاً، صح وقفها ووقف مائها. وإن كان مستنقعاً يجمع فيها، صح وقفها دون مائه. انتهى.

إذا قال: هذا وقف على زيد، فإن رزقني الله ولدا فهو أحق به، فالظاهر صحته، فإن جاءه ولد فهو أحق به، وحكم به ناصر بن محمد،

ص: 455

وسليمان بن شمس، ووافقهما الشيخ محمد، وهو الذي نفهم، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": من أثناء كلام نقله عن الفتاوى المصرية قال: وإذا كان عزل الناظر واستبداله موافقا لأمر الله ورسوله، لم يكن للمعزول ولا غيره رد ذلك، ولا يتناول من الوقف شيئا والحالة هذه.

وإن اشتبه الأمر وكان الناظر عالماً عادلا، سوغ له اجتهاده. انتهى.

وإذا وقف عقاريه على أولاده في وقتين، فكل وقف وحده يقسم على حدته، وقال عبد الوهاب: وقف واحد إذا كانت الجهة واحدة والموقوف واحد. وإذا قال ثلث مالي يشري به عقار يوقف على زيد، صح ذلك، من تقرير شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": من جواب للسبكي: المسألة الأولى في اتحاد الوقف وتعدده مسائل.

أحدها: أن يتحد الواقف والموقوف عليه والصيغة ولم يفصل، فهو وقف واحد، سواء كان الموقوف عليه خمسة أو واحداً، كقوله:

وقفت داري على الفقراء، أو داري وبستاني على الفقراء، أو على زيد، فهذا وقف واحد بلا خلاف.

وفائدة اتحاد الوقف وتعدده تظهر في مسائل، منها في استحقاق أهله عند موت بعضهم، ومنها في العمارة. فإذا كانت أماكن موقوفة، واحتاج بعضها إلى عمارة - وكثيرا ما تقع هذه المسألة ونسأل عنها - ويكون الواقف واحداً والموقوف عليه واحداً، كأوقاف الصدقات.

والذي يظهر أن العمارة إنما تجب من الوقف الواحد بعضه لبعض، فمتى تعدد، لم تجب عمارة أحد الوقفين من الآخر، سواء اتحد الواقف والموقوف عليه، كما إذا وقف على شخص واحد في وقتين وقفين، أم تعدد أحدهما.

ص: 456

نعم! إذا تعدد الوقف واتحد الموقوف عليه، وكان معيناً، فله أن يعمره منه أو من غيره كسائر أمواله. وإن كان من جهة، فيظهر أن يكون للناظر في أمرها أن يفعل المصلحة، وليس هو الناظر في الوقف، بل الناظر على تلك الجهة من كان إن كان لها ناظراً، وقد يتعذر ذلك في بعض الأوقات، بل تكون للفقراء أو حاجتهم خاصة، فتقدم على عمارة الوقف الآخر. وإن كانت لا تقدم على عمارة ذلك الوقف، وقد يسوغ بأن يكون صرف ذلك القدر إلى تلك العمارة لا يعوق عليهم أمراً هم محتاجون إليه، ويحصل له بذلك مصلحة.

الثانية من صور العقد: أن يتعدد الجميع، فلا إشكال أنها أوقاف متعددة كوقفين من واقفين على شخصين.

الثالثة: أن يتعدد الواقف فقط، كما لو وقف زيد داره على عمرو وعلى الفقراء، أو وقف خالد داره عليه.

الرابعة: أن يتعدد الموقوف عليه أو الصيغة فقط، فلا إشكال في تعدد الوقف، كقول زيد: وقفت على عمرو داري، وعلى خالد بستاني، أو قوله: وقفت على زيد داري، ووقفت عليه بستاني بإعادة صيغة الوقف فيهما وقفان، لأنهما صيغتان، وتمامه فيه.

قال في "الانصاف": تنبيه: محل الخلاف إذا كان الموقوف عليه معيناً، أو جمعاً محصوراً. فأما إن كان الموقوف عليهم غير محصورين كالفقراء والمساكين، أو على مسجد، أو مدرسة، أو قنطرة، أو رباط ونحو ذلك، فالنظر فيه للحاكم قولاً واحداً. انتهى.

إذا قامت بينة أن هذه الدار وقف، ولا نعلم شرط الواقف، عمل بالعادة الجارية من ترتيب أو تشريك، وإلا فهو كوقف منقطع، قاله شيخنا.

وقف عقاره على بعض ورثته وريعه لا يقوم بعمارته، وأوصى

ص: 457

بعمارته في ماله، فالظاهر صحة هذه الوصية لأنها عمارة لوقفه الذي لا يقوم به ريعه لقلته، وبه حكم ناصر وابنه، ونقل عن البلباني، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": بعد السؤال: إذا كان الناظر الثاني يعرف الأماكن الموقوفة، صح التفويض إليه. وإن لم يحددها في المكتوب وإن لم يعرفها، فلابد من التحديد، كتبه عبد الكريم الأنصاري.

قلت: النزول والتفويض والتقرير في نظر وقف، لا يحتاج إلى معرفة الجهات ولا تحديدها. انتهى.

ومنه: إذا وجدنا وقفاً ولم نجد له ناظراً، إن النظر يكون للحاكم.

وإن كان أحد ثم من ذرية الواقف، فلا مدخل له في الوقف. ومنها:

إذا جعل نظره للحاكم أو القاضي، وكان ثم من لا يصلح للقضاء كجاهل وفاسق، فالذي ينبغي أن ليس له النظر، ولا الولاية عليه، لاسيما على قاعدة مذهبنا من أن ولايته غير صحيحة. انتهى.

قال في "الانصاف" الثانية: قال المصنف والشارح وغيرهما:

والحكم في الرهن، والهبة، وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز، كالحكم في البيع، إلا أن الظاهر فيها الصحة، لأنها ليست عقود معاوضة فلا يوجد جهالة العوض فيها. انتهى.

قال في "القواعد": والحكم في الرهن، والهبة، والوقف، وتمامه فيه.

فظهر أنه إذا أقام زيد بينة بوقف زيد عقاره الفلاني، ثم ظهر أنه خرج منه سهم ولم تحد البينة الخارج كم هو، فالوقف صحيح، وقال بعض الناس ببطلانه، ثم رجع ووافق وحكم بالصحة، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": ومنها: إنما فضل عن الموقوف عليهم، أو عن مصلحة الجهة الموقوف عليها.

ص: 458

مثال الأول: وقف وقفا حاصله كل سنة مائة على عشرة من الفقراء أو الفقهاء، فتحصل منه في سنة أو سنتين زيادة على المائة، أو وقف على مصلحة مسجد أو رباط ونحو ذلك، فمتى زاد الوقف بأن صار يتحصل منه ما يزيد مصلحته، فالمرجع فيه إلى الناظر، وفيما يفعل يتوجه احتمالات:

أحدها: يصرفه إلى أقرب الأشياء شبهاً. فإن كان على مسجد، صرف الفاضل عنه إلى أقرب المساجد إليه

إلى أن قال: ومنها:

إذا وجدنا مسجداً أو جهة من جهات الخير قد فضل بعض متحصل وقفها عنها، ووجد أمر مهم غيرها يحتاج على صرف، سواء عليه وقف لم يقم به أو ليس عليه وقف، يتعلق بجميع المسلمين أو بعضهم، كمسجد، وطريق، وعقبة وغير ذلكو جاز الصرف إليه.

ومنه أيضا: ليس للناظر أن يفعل شيئاً في أمر الوقف إلا بمقتضى المصلحة الشرعية، وعليه أن يفعل الأصلح فالأصلح، وهذا في كل من تصرف لغيره بحكم الولاية، كالإمام، والحاكم، والواقف، وناظر الوقف وغيرهم إذا قيل: هو مخير بين كذا وكذا، أو يفعل ما شاء، أو ما رأى، فإنما ذلك تخيير مصلحة لا تخيير شهوة. انتهى.

ومنه: الناظر بشرط الواقف، أو بتقرير، لا يحل له عزل نفسه عن النظر إذا علم أن الوقف يفسد، أو يتجرأ عليه من يأكله بيد أو نظر. انتهى.

ومنه: الثالثة: في ثمرة الموقوف، وهي منقسمة إلى فوائد ومنافع.

فالمنافعو كالصوف، والوبر، واللبن، والثمار، والنتاج، والغلة.

والمنافع كل ذلك للموقوف عليه، يتصرف تصرف الملاك في أملاكهم بلا خلاف إلا النتاج، ففيه خلاف. ثم الموقوف إن كان شجراً، ملك ثمرها دون أغصانها، لأن الأغصان جزء الذات الموقوفة، فلا تدخل في

ص: 459

الملك إلا أن تكون مقصودة في العادة، كأغصان الخلاف، فتكون كثمر غيرها، وتمامه فيه.

وعبارة "التوضيح": ويملك الموقوف عليه الوقف، صوفه، ولبنه، وثمرته، ونفعه، ونتاجه، وأرش جناية عليه. انتهى.

فقولهما: ونتاجه. هذا على غير المذهب، لكن العسبان اليابسة والكرب، يملكهما موقوف عليه، بخلاف الرطبة، قاله شيخنا.

من "جمع الجوامع": وفي فتاوى ابن الصلاح مسألة: في ناظر وقف أجره من غير إشهار، هل تصح إجارته؟

فأجاب: لا تصح من غير إشهار، إلا إذا أجره بما يغلب على ظنه أنه لا يزاد عليه بالاشهار شء، والأمر بالاشهار مسطور أيضا في مال المفلس. انتهى. وهذا لا يتأتى على قواعدنا، فإن عندنا لا يجب الإشهار على الناظر، وإنما عليه أن ينظر المصلحة، ولو قيل باستحباب الاشهار لم يبعد. انتهى.

ثم قال: قال أبو العباس: من قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع فمراده أنها كالنصوص

إلى أن قال: أي يستفاد مراد الواقف من ألفاظه المشروطة، كما يستفاد مراد الشارع من ألفاظه، فكما يعرف العموم والخصوص، والاطلاق والتقييد، والتشريك والترتيب في الشرع من ألفاظ الشارع، فكذلك يعرف في الوقف من ألفاظ الواقف، مع أن التحقيق في هذا أن لفظ الواقف، ولفظ الحالف، والبائع، والموصي، وكل عاقد، يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها، سواء وافقت اللغة العربية العرباء، أو العربية المولدة، أو العربية الملحونة، أو كانت غير عربية، وسواء وافقت لغة الشارع أو لم توافقه، فإن المقصود من الألفاظ دلالتها على مراد الناطق بها، فنحن نحتاج في معرفة كلام الشارع إلى معرفة لغته، وعرفه، وعادته، وكذلك

ص: 460

في خطاب كلامه. وكل قوم فإذا تخاطبوا بينهم في البيع، والإجارة أو الوقف، أو الوصية، أو النذر أو غير ذلك بكلام، رجع على معرفة مرادهم إلى ما يدل على مرادهم من عادتهم في الخطاب، وما يقترن بذلك من الأسباب. وأما أن يجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها، فهذا كفر بالاتفاق، إذ لا يطاع أحد من البشر في كل ما يأمر به بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اتفق المسلمون على أن شروط الواقف تنقسم إلى قسمين صحيح وفاسد، كالشروط في باقي العقود. فالشروط أن وافقت كتاب الله كانت صحيحة. وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة.

ثم قال: وأتتني عدة مرار صورة مسألة من حلب، في وقف شرط واقفه أن لا يؤجر أكثر من سنتين، فأجره الناظر عشرين سنة، وحكم حاكم حنبلي بصحة الإجارة، وقال: مذهب أحمد يجوز مخالفة شرط الواقف في ذلك، فأجبت عليها بأن هذا القول من هذه الحاكم على الإطلاق خطأ وافتراه على مذهب أحمد بغير علم، والصواب في ذلك، متى كان في الإيجار مصلحة أكبر من مراعاة شرط الواقف، فهنا قال بعض الأشياخ: حفظ عين الوقف أولى، وتجوز مخالفة شرط الواقف، واعتمدت في ذلك على ما سمعته من شيخنا، ومن القاضي برهان الدين ابن مفلح، ولم يحضرني فيها نقل، ثم رأيت كلام "الفروع" وقد صرح بها غيره أيضا.

وقد قال العلامة بن القيم في "إعلام الموقعين" بعد كلام له سبق:

هذا من أبطل الباطل، وأقبح الحيل، وهو مخالفة شرط الواقف ومصلحة الموقوف عليه، وتعرض لإبطال هذه الصفة.

ثم قال: فلا يحل لمفت أن يفتي بذلك، ولا لحاكم أن يحكم به، ومتى حكم به، نقض حكمه، اللهم إلا أن يكون فيه مصلحة للوقف،

ص: 461

بأن يخرب ويبطل نفعه، فتدعو الحاجة إلى إيجاره مدة طويلة يعمر فيها بتلك الأجرة، فهنا يتعين مخالفة شرط الواقف تصحيحا لوقفه، واستمراراً لصدقته.

ثم قال: رأيت المسألة بعينها في الفتاوى المصرية، وصورتها في وقف شرط واقفه أن لا يؤجر أكثر من سنتين، فهل للناظر أن يؤجره أربع سنين، أم لا؟

فأجاب: إذا لم يمكن الانتفاع به إلا على هذا الوجه، جاز ذلك، وإن كان فيه مخالفة للشرط المطلق. انتهى.

ومنه عن "الاختيارات": العادة المستمرة العرف المستقر في الوقف، يدل على شرط الواقف: أكثر مما يدل لفظ الاستفاضة. انتهى.

ومنه: الثاني عشر: ذكر في "المغني" وذكره الحارثي: إذا وقف وقفاً واستثنى منه الانتفاع مدة معينة - وقلنا: يصح - فمات في أثنائها، ينبغي أن يكون ذلك لورثته، كما لو باع داراً واستثنى لنفسه السكنى سنة فمات في أثنائها. انتهى.

وسئل العلامة ابن حجر عمن وقف داراً على نفسه، ثم على أولاده، وشرط النظر لنفسه، ثم لولده للأرشد فالأرشد، وحكم بموجب الوقف وبلزومه وبصحته حنفي، وشرط أن يبدأ بعمارته من إجارته بنظر ولده، فبعد موته وضع الولد المذكور يده عليه وأجره مائة سنة من غير احتياج لعمارته، وحكم بصحة الإجارة شافعي، فهل حكم الحنفي يتناول الحكم ببطلان هذه الإجارة، فإن مذهبه لا يجوز إجارة الوقف أكثر من ثلاث سنين؟

فأجاب: الحكم بالموجب متضمن للحكم بجميع الآثار التي يراها الحاكم، بشرط أن يدخل وقت الحكم بها. مثاله: أن يحكم حنفي بموجب تدبير، فمن موجبه عنده منع بيع المدبر، فقد حكم به في وقته

ص: 462

لأنه منع السيد منه فامتنع عليه، فإذا أذن له شافعي فيه، لم يعتد به لأن فيه نقصاً للحكم الأول، وليس للشافعي أيضا الحكم بصحة بيعه لو وقع، فإن حكم، وقع باطلا بقضية الحكم الأول.

إذا تقرر ذلك، علم منه أن حكم الحنفي بموجب هذا الوقف متضمن لحكمه بامتناع إجارته مدة لا يجيزها الحنفي، لأن هذا أثر من آثار حكمه، وقد دخل وقته فصار كأنه وجه حكمه إليه. وحينئذ فليس لشافعي الحكم بما يخالف ذلك، لأن فيه نقضا لحكم الحنفي وعلى التنزل، وإن حكم الحنفي لا يشمل ذلك، فإجارة الناظر الوقف مائة سنة من غير احتياج لذلك باطلة، كما حرره الولي أبو زرعة في فتاويه حيث قال: وما يفعله حكام مكة من إجارة دور الوقف الخربة الساقطة مائة سنة أو نحوها عند الاحتياج لأجرة المدة المذكور لأجل العمارة، حسن يسوغ اعتماده إذا لم يكن للوقف حاصل يعمر به، ولا وجد من يقرضه القرض المحتاج إليه للعمارة بأقل من أجرة المدة المذكورة، فإنه لا معنى لإجارته مدة مستقلة بأجرة حالة من غير احتياج لذلك. انتهى.

فإجارة المدة المذكورة باطلة عند الشافعي أيضاً، على أن الأذرعي قال: لا تجوز إجارة الوقف مائة سنة مثلاً مطلقاً، لأنه يؤدي إلى استهلاك الوقف. فالحاصل إجارة الوقف المدة المذكورة باطلة عند الحنفي على كل تقدير، والله أعلم.

ومنه: واستفتي في هذا الحكم، إذا رفع إلى حاكم آخر، هل يسوغ له نقضه - يعني حكم الأذرعي - أو تنفيذه؟

فأجاب جماعة من جميع المذاهب بأنه ليس له نقضه، ومنهم من الحنابلة من علل بأنه من المختلف فيه، والحاكم إذا حكم في مسألة الخلاف يرتفع الخلاف، وكتبه يوسف بن محمد.

قلت: لعله القاضي جمال الدين المرداوي. ثم قال: وقال السبكي:

ص: 463

وإن حكم فيها بحكم ولم يكن عليه دليل، ينبغي جواز نقضه. وإن كان عليه دليل، لم ينقض

إلى أن قال: وإن بين المستند، ورأيناه غير صالح، ولا تشهد قواعد الصحة بصحته، فينبغي أن ينقض، ويحكم حكما مستنداً إلى دليل صحيح. لكن أرى من باب المصلحة أن لا ينقض، وينفذ لئلا يجسر الناس على نقض أحكام الحكام، ويجعل التنفيذ كأنه حكم مبتدءاً مستقلاً، ولو حكم الحاكم المنفذ بحكم مستنداً إلى دليل موافق للأول، وبقي الأول على حاله، كان أولى وأجمع للمصالح. انتهى كلامه. وفيه تعصب على الحنابلة، وكلام لا يليق. فقوله: إن الفتوى لم ينسبوا فيها المستند، فإن رفعة الفتوى لا تليق بذكره، وأيضا فإن غالب من يفتي في هذه الأزمنة إنما هو مقلد، فليس عليه معرفة المستند، ويكفيه النقل من مذهبه. وقوله: إن حكم الحاكم إن لم يكن عليه دليل، جاز نقضه، فغير مسلم.

والحاكم إن كان مقلداً ليس عليه للحكم دليل، بل عليه اتباع مذهب إمامه والحكم به. وإذا حكم بمذهبه، لا يجوز لأحد نقضه. وإن كان مجتهداً، لم يكن له الحكم إلا باجتهاد ودليل. وإذا اجتهد وحكم، لم يكن لأحد نقض حكمه، سواء اطلع على دليله أو لا، إلا أن يخالف نصاً أو اجماعا، وكلامه تحمل بغير وجه.

وإذا حدثت مسألة للمتأخرين لا دليل عليها من الكتاب والسنة لواحد منهم. فإن وقع ذلك للمقلدين، لم يجز لأحد احداث قول ولا حكم فيها. وإن كان قد تقدمهم فيها كلام مجتهد، وجب اتباعه

إلى أن قال: وكلامه هذا كلام فقيه نفس عالم بالأصول، أي أصول الفقه، وليس بفقيه نقل، فإنه في باب الفقه النقلي يدل كلامه على أنه قاصر فيه، فإنك لا تجد له فقها نقليا في مسألة. انتهى.

ومن أجوبة البلقيني في الحادي بعد المائتين: بعد كلام له سبق:

ص: 464

ولا ينظر في ذلك إلى البدل من ضمير الغائب، ولا إلى بدل بعض من كل، فإن الألفاظ من المقرين والمنشئين لوقف، أو وصية، أو إعتاق، تحمل على ما فهمه أهل العرف، لا على دقائق العربية، فإن الواقف قد لا يكون له معرفة بشئ من لغة العرب ولا دقائقها، ولا البدل من المبدل، ولا البعض من الكل، فتنزيل كلامه على ما لا يعرفه لا يستقيم.

ولو لحن في الاعتاق بتذكير أو تأنيث، لم يؤثر في الإعتاق عملا بالعرف.

ولو كان الواقف يعرف العربية، فإنه لا يقضي على لفظه الذي له محتملان من جهة العربية بأحد المحتملين، إلا أن يثبت بينة إرادة ذلك. انتهى.

ومنه السادس والستون والمئة: قد ذكر في القواعد المجهولة فيما إذا قبض سلما بقول المسلم إليه، ثم أقر بقبضه، أو وقعت قسمة بينه وبين شريكه، ثم أقر أنه صار إليه حقه، ثم بان الأمر بخلاف ما أقر به، لم يؤاخذ بإقراره.

قال: وهل يكون من هذا لو أقر أن هذه الدار بيني وبين فلان أثلاثا، ظنا منه أن الواقف وقفها كذلك عليهما؟ فتبين أن الواقف وقفها بينهما نصفين، بمعنى أنه لا يؤاخذ بإقراره، قال: وفيه نظر يشير إلى تردد عنده في المسألة - أي في مسألة الواقف - فيحتمل وجهين:

فظاهر كلام بعضهم: يؤخذ بإقراره، والمختار: لا. ثم قال:

وأما من وقف شيئا كقطعة أرض أو دار فسماها ثم قال: غلطت فيها، إنما أردت غيرها. فهل يقبل قوله في الغلط، أو أقر أن داراً أو قطعة موقوفة على كذا، ثم تبين أن الوقف غرها؟ لم يؤاخذ بإقراره ولا وقفه. انتهى.

ومن "قواعد ابن رجب" الثانية والثمانون منها: الموصى بوقفه إذا نما بعد الموت وقبل إيقافه، فأفتى الشيخ تقي الدين أنه يصرف

ص: 465

مصرف الوقف، لأن نماءه قبل الوقف كنمائه بعده. ونقل يعقوب ابن بختان وإبراهيم بن هانئ عن أحمد فيمن جعل مالا في وجوه البر فاتجر به الوصي، قال: إن ربح جعل ربحه مع المال فيما أوصى به. وإن خسر كان ضامنا، وتمامه فيه.

ومن "الانصاف" بعد حكاية كلام الشيخ المتقدم ذكره، قال:

وأفتى به العماد الشافعي، قال الدميري: وهو الظاهر.

وأجاب بعضهم بأنه للورثة. انتهى. وقطع في "المنتهى" بالثاني في آخر الموصى له.

قال في "شرحه" لمؤلفه: ولا يعطى إلى أيام الحج، قاله أحمد.

نقل أبو طالب: اشترى به عقارا يتجر به، قال: لا يجوز. قد خالف ما لم يقل: اتجر به، ذكرهما في "الفروع". وفي "شرح الاقناع" في كتاب الزكاة: كمال موصى بع في وجوه البر، أو يشرى به ما يوقف

إلى أن قال: وإن خسر المال، ضمن الوصي النقص لمخالفته إذا. انتهى.

وظاهر ما تقدم: أن الوصي لا يتجر به. فإن فعل مع التحريم، فالربح للوصية كمال مغصوب ربح. وإن خسر، ضمن الخسارة _ أي الوصي _ وسواء كان في حجة لم يحصلها، أو يشري به عقارا يوقف على جهة، سواء كان الوقف على الورثة أو غيرهم، خلاف ما اتجه الشيخ مرعي، من تقرير شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": هل يجوز للناظر أن يصالح في الوقف، أو عن الوقف بمال يرجع به عليه أو ببعضه؟

قد أطلق بعض المتفقهة في زمننا أنه ليس للناظر ولا الوصي المصالحة، وهو عين الخطأ. والصواب في ذلك الجواز مع المصلحة، وأن يقال فيه بالتفصيل، وهو أن المصالحة لا تخلو من أحوال:

ص: 466

أحدها: أن يكون بمال من ريعه خوفا من ذهاب عين الوقف، فهذا لاشك في جوازه. وكذلك إذا صالح الوصي عن عقار الصغير، عند الخوف من ذهابه.

والثاني: أن يصالح ببعض الوقف عند الخوف من ذهاب جملته، فهذا أيضا لا شك في جوازه.

والثالث: إذا كان الأمر بالعكس، وهو أن يصالح بأن يأخذ هو الدراهم عوضا من الوقف أو بعضه مع إمكان الانتفاع به، فهذا لا يجوز. وأما مع عدم إمكان الانتفاع به، فيجوز. وأما المصالحة لإجراء ماء في الوقف ونحو ذلك بمال، فإن كان في ذلك مصلحة للوقف، جاز، وإلا فلا. انتهى.

ومنه، الثالث: إذا مات شخص من مستحقي الوقف وجهل شرط الواقف، صرف نصيبه إلى جميع المستحقين بالسوية، ذكره أبو العباس.

فإن كان كل فخذ منهم له نصيب أبيهم لهم دون غيرهم، ومات شخص من أحد الأفخاذ، قسم نصيبه لفخذه بالسوية دون غيره من الأفخاذ.

فإن كانت العادة بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، قسم كذلك. انتهى.

ومنه، القاعدة الثالثة والسبعون في فتاوى الشاميين: وقف ثبت عند حاكم من الحكام وحكم به، وولي عليه ناظرا يصرف أجوره في المصارف المذكورة في كتاب الوقف، فباشر الناظر ذلك مدة بأمر الحاكم، ثم ظهر استحقاق الوقف وأنه ملك للغير، فإذا ثبت ذلك وبطل الوقف، هل يرجع على الناظر بما صرفه في مصارف الوقف أم لا؟

عرضت على شيخنا تاج الدين، فتوقف فيها وأقامت مدة لا يكتب عليها أحد، ثم عرضت عليه ثانيا، فكتب أنه لا يرجع عليه بما صرفه في ذلك، وخرجه على أصل مذكور في الغصب في المشتري من الغاصب جاهلا بالغصب جامعا بينهما، بأن كل واحد منهما تصرف تصرفا مأذونا

ص: 467

فيه ظاهرا، ثم بان خلاف ذلك. ولا شك أن ناظر الوقف لم يلتزم ضماناً. انتهى.

ومنه فرع: رأيته بخط القاضي علاء الدين بن اللحام فيمن وقف على تربة ابنته بستانا، وشرط أن يكون عليهما فيه مقرئ كل شهر بثلاثين درهما، والبستان له ريع كثير، فهل يجوز صرف الفاضل إلى أخ الواقف وهو فقير؟

فأجاب الفركاح، وشرف الدين المقدسي، وعمر بن مكي الشافعيون:

إن كان شرط أن الفاضل صدقة، صرف إلى الأخ المذكور. وأجاب محمود المراغي الحنفي بجواز الصرف ولم يقيد بشئ. انتهى.

ومنه أيضا، الثالثة: إذا وقف ولم يذكر مصرفا، صح. وذكره أبو عبد الله بن حامد، والقاضي وأصحابه ومن تلاهم وفاقا لمالك والشافعي في أحد قوليه.

والثاني عنه: لا يصح، وهو أصح عند أكثر أصحابه. انتهى.

إذا ثبت الوقف وجهل شرط واقفه ولا عادة جارية بين أهل الوقف، فهو بينهم بالسوية، الذكر كالأنثى، قاله شيخنا.

قال في "الانصاف" الرابعة: قال في "التلخيص": إذا جهل شرط الواقف وتعذر العثور عليه، قسم على أربابه بالسوية. فإن لم يعرفوا، جعل كوقف مطلق لم يذكر مصرفه. انتهى.

قال في "الكافي": إذا اختلف أرباب الوقف فيه، رجع إلى الواقف. فإن لم يتساووا فيه لأن الشركة ثبتت ولم يثبت التفضيل، فوجبت التسوية، كما لو شرك بينهم بلفظه. انتهى.

وقال ابن رزين في "شرحه": إذا ضاع كتاب الوقف وشرطه واختلفوا في التفضيل وعدمه، احتمل أن يسوى بينهم، لأن الأصل عدم التفضيل، واحتمل أن يفضل بينهم، لأن الظاهر أن يجعله على حسب

ص: 468

إرثهم منه. وإن كانوا أجانب قدم قول من يدعي التسوية وينكر التفاوت. انتهى.

قوله: رجع إلى الواقف في مصرفه وشرطه، سواء كان عدلا أو فاسقا، لقولهم في الرجعة في "شرح المنتهى" وغيره كالنية من الإنسان حيث اعتبرت، وهو صريح مذهب الشافعي، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": العشرون بعد المائتين: صرة تأتي المدينة المنورة من الشام مكتوب عليها: أولاد محمد بن داود الحسيني، ولها مدة سنتين تصل المدينة كذلك، وليس بها هذا الاسم - أي المدينة - ولا هذه النسبة، بل هناك أولاد محمد الحسيني بن بنت محمد بن داود المذكور، فهل يستحقها أولاد محمد الحسيني، أم أولاد بنت محمد ابن داود، أم لا يستحقها أحد منهم؟ وإذا لم يستحقها أحد منهم، فما حكم ما تناولوه في الماضي؟

أجاب البلقيني: لا يستحق الصرة واحد من الفريقين بمجرد ما ذكر، والأمر في ذلك للناظر، أو لمن له الناظر في صرف ذلك ممن رآه مستحقا. وإذا رأى الناظر أو القائم عنه في ذلك صرفها لأولاد بنت محمد بن داود، فإنها تصرف لهم. وإن رأى صرفها لأولاد محمد الحسيني، فإنها تصرف إليهم، وما تناولوه قبل ذلك. إن كان بإعطاء مستقل من الناظر أو من المتكلم في ذلك عن الناظر من غير نظر إلى الذي كتب على الصرة، فإنه قد وقع الموقع. وإن لم يكن بإعطاء مستقل، وإنما هو إعطاء على الوجه الذي كتب على الصرة، فما دفعه المفرق على غير ذلك المكتوب لا يقع الموقع، ويكون ضامنا له. وكذا المفرق على غير المكتوب لا يقع الموقع، ويكون ضامنا له. وكذلك يكون آخذه ضامنا له. وإذا أخذ صرف على ما يقتضيه شرط الواقف.

وإن كان في شرط الواقف ما يقتضي أن من وقعت الصرة في يده من فقراء

ص: 469

الحرم المذكور أو مساكنيه، فإنها تقع الموقع، فلا ضمان على أحد ممن ذكر. انتهى.

ومن "فتاوى السبكي" في الخامس والخمسين بعد المائة: هل تولية التدريس وما أشبهه للناظر الخاص أو الحاكم؟

أجاب: رأيت جماعة من الفقهاء الشاميين يثبتون بأنها للحاكم

إلى أن قال: وكلام الرافعي محمول على ذكر غالب التصرفات. ولو حمل على الحصر لكان محله فيما هو من الأوقاف التي ليس فيها إلا ذلك. وغالب الأوقاف الموقوفة على معين أو موصوفة بصفة، لا تحتاج إلى اجتهاد، أو تحتاج إلى اجتهاد ولكنها ليست مما يقتضي تولية ولا عزل، وفيما يقتضي ذلك ولكنه دخل بجنب قولهم، صرفه إلى المستحق، لأن استحقاقه إنما يكون بعد التعيين. فإذا فوض إليه الصرف، فقد فوض إليه ما يستلزمه وهو تولية المدرس الذي أبهمه الواقف، لأنه بمنزلة تعيين الفقير الذي أبهمه من يقول: تصدق بهذا على فقير. ليس المأمور بذلك أن يعين أي فقير اختاره ويتصدق به عليه، وكذلك هذا ليس معنى تولية المدرس الذي أبهمه في كلامه. ولا شك أن ذلك وظيفة الواقف، لأنه المتصدق بماله، والذي اشترط له النظر مثله، لأن الناظر يستفيد من التصرفات كل ما كان للواقف قبل وقفه ما لم يخرج عن مصرفه بالوقف. وليس للحاكم مع الناظر الخاص ولاية على ذلك، كما ليس له ولاية على وكيل المتصدق.

نعم! للحاكم النظر في نصيب المدرسين على الاطلاق، فإن ذلك من الأمور العامة، وهو العالم بمن يصح ومن لا يصلح، وهو المفوض إليه من جهة الشرع النظر في ذلك، فهما أمران لا يدخل أحدهما في الآخر، أحدهما للحاكم وهو نصب المدرسين والمفتين، والمتصدرين، وغير ذلك مما هو من الأمور العامة في الإسلام، ولا مدخل للناظر

ص: 470

الخاص، ولا للواقف في ذلك. والثاني: تعيين واحد من هؤلاء لأن يكون مصرف هذا الوقف ومحله، وهو إلى الواقف والناظر الذي نصبه، ولا مدخل للحاكم فيه، وهذا على قسمين: أحدهما: لا يكون رتبة في الدين، مثل تولية قيم، وفراش ونحوه، فهذا لا شك أنه للواقف والناظر، اللهم إلا أن يرى الحاكم أن ذلك الشخص الذي اختاره الواقف أو الناظر لا يوافق هذا المكان لأمر شرعي ظهر له، فله الاعتراض عليه ومنعه. حتى لو كان مشروطاً في أصل الوقف، لم يلتفت إليه مع ما ظهر للحاكم مما يقتضي منعه، لا أقول قادحاً، بل مصلحة خاصة تظهر وهو المؤتمن على ذلك فيما بينه وبين الله تعالى، ليس بالتشهي، ولا بالميل والهوى، بل يقصد الحق، وهو مقام خطر لا يتخلص عنه إلا الموفقون. فإذا لم يمنع الحاكم من ذلك، وعين من له النظر في ذلك الوقف واحداً، تبع تعيينه، وجاز للناظر الصرف إليه، لا أشك ولا أرتاب في ذلك

إلى أن قال: فقد بان بهذا أن النائب الخاص إذا ولى المدرس صح، وان الحاكم لا يوليه إلا إن أظهر له تعيين توليته وامتناع الناظر الخاص منها، فحينئذ يتعاطاها الحاكم، أو يجبر الناظر عليها. وإذا رأى الحاكم منع ذلك المدرس من دخول تلك المدرسة لغرض شرعي، امتنع على الناظر توليته، فيجب أن يولي غيره. فإن امتنع ولاه الحاكم. ويجب على الناظر الخاص أن لا يولي إلا من يعرف أهليته. ومعرفته بأهليته، إما بنفسه إن كان من أهل المعرفة، وإما بغيره. وإما أن يراجع الحاكم في ذلك

إلى أن قال: لأن الواقف إنما يثبت له النظر بالشرط على المذهب، ومتى كان للواقف، كان للناظر كما قلناه. فإن قلت: لو ولي الحاكم في ذلك مع عدم امتناع الواقف أو الناظر من التولية، قلت: لا يصح، والحاكم أولى من اتبع الحق، ونقض ما لعله منه على غير وجهه الشرعي، وكذلك الإمام الأعظم، وكل ناظر عام، وتمامه فيه.

ص: 471

ومن جواب له أيضا: إن الواقف إذا لم يشترط ناظراً فحكم الشرع أن النظر للقاضي، فتولية القاضي فيه إنما هي عنه لا عن الواقف، وتمامه فيه.

والنظر للحاكم في الأوقاف كما صرحوا به، فيبيع عند التعطل، أو يوكل من يبيع بشرطه، قاله شيخنا.

قوله: يشترط أهلية النائب لما تولاه. وقولهم في الجهاد: وإن نزلوا على حكم حاكم

إلى أن قال: من أهل الاجتهاد في الجهاد.

ولا يشترط كونه مجتهداً في غيره. وقولهم في عامل الزكاة: ويشترط علمه بأحكام الزكاة أن يكون مجتهداً في جميع الأحكام من عمال التفويض، لأنه إذا لم يكن عالماً لم يكن فيه كفاية.

وإن كان منفذاً قد عين له الامام ما يأخذه، جاز أن لا يكون عالماً بأحكام الزكاة، قاله القاضي في "الأحكام السلطانية". وقولهم في الناظر: وخبرة به، أي بالتصرف.

وقال القاضي في التعليق: من شرط العامل معرفة ما تجب فيه الزكاة وجنيه، كما يحتاج الشاهد إلى معرفة كيف يتحمل. انتهى. فيما ذكر دليل على أنه لا يجوز لأحد يتصدر في شئ لا يعلم حكمه، فلا يجوز أن يصرف مثل الأوقاف التي على الجهات المتعطلة على المساجد والقناطر، على غيرهما من شبههما، إلا من هو عالم بأحكام الصرف والمصالح، إلا أن كان يتصرف بإذن عام، ويفعل ما أمره به، فهو إذاً كالمنفذ لأمره، من تقرير شيخنا.

من "جمع الجوامع": لو أجر الناظر من غير إشهار، أو بدون ما بلغ في الإشهار، صح. لكن إن كان في ذلك مصلحة، لم يكن عليه شئ

وإن لم يكن فيه مصلحة، ضمن النقص. وكذلك الحكم في بيع

ص: 472

غلة الوقف، عليه أن يراعي في ذلك المصلحة. فإن باع بثمن المثل، فلا ضمان عليه. وإن كان بدون ثمن المثل ولا مصلحة في ذلك، ضمن النقص. انتهى.

أخوان أرادا قسمة عقار لهما، فقال أحدهما: إني وقفت نصيبي من هذه القطعة على كذا وأنت كذلك وقفته، فقال الآخر: لم أوقف ولم أعلم، ثم وقعت القسمة بينهما بعد ذلك، فصارت القطعة التي ذكر الأخ أنه وقفها هو وأخوه على جهة معلومة قسمة للمقر، فما الحكم؟

الظاهر جواز القسمة، لكن إن ادعى المنكر للوقف بعد ذلك، أو الموقوف عليه الوقف المذكور، وصدقوه، انتزعوا منه نصفه بإقراره السابق. وهل يرجع على نصيبه مما في يد الأخ الذي صار له قسمة لفساد القسمة بثبوت الوقف الآن، أم لا؟

فيها ثقل، ورجوعه أقرب، قاله شيخنا.

إذا وقف نخلة من عقاره، وشرط أن عمارتها مقدمة في عقاره، صح ذلك، ويكون كالوصية، فيؤخذ منه أي العقار قدر سقيها.

والساقي والبركة لا يزالان عن مكانهما إن كان فيه مصلحة للوقف، لأنه حق له، قاله شيخنا.

ومن كلام الشيخ أبي العباس بن تيمية، بعد كلام له سبق:

قلت ك في صلح الإنكار من الولي لليتيم، وللوقف، ومن الوكيل ونحوهم ممن لا يملك التبرع مثل أن يدعي عيناً موقوفة فيدعيها آخر ناظر لوقف آخر، فالطالب إذا أمكنه تخليص الحق لم يكن له أن يتركه. وإن غلب على ظنه أن لا يخلص أو تكافأ الظنان، جاز له أن يصالح عنه ببدل، ويكون بمنزلة أن يتلفه متلف، فيؤخذ منه عوضه، لأن الاتلاف الحكمي كالاتلاف الحسي، كما قلنا في مسألة الحيلولة، لا سيما على أصلنا في أنه يجوز بيعه إذا تعطل نفعه. فإن تعذر تخليصه لعدم بينة شاهدة به

ص: 473

ونحو ذلك مع تقادم عهده، كأن قد تعطل نفعه. وكذلك يجوز الصلح عنه ببعضه، بمنزلة بيع بعضه، لعمارة باقية. والمدعى عليه إذا غلب على ظنه أن الوقف ينزع منه، أو تكافأ الأمران، جاز له أن يدفع بعضه أو بعض ريعه ليحفظ به الباقي، بمنزلة الظالم من الملوك والقطاع الذين لا يمكن دفعهم عنه إلا بمال. ويكون ذلك بمنزلة استهدامه وتداعيه للخراب، والدفع عنه بمنزلة إصلاحه ورم شعثه، إذ حفظ الملك فيه أولى من عمارة عينه. وإذا كان هذا في الوقف، ففي مال اليتيم أولى، والوكيل أولى، لأن رقبته تقبل النقل، ويظهر لي لزوم ذلك في حق اليتيم والموكل، لأن عليه نوع معاوضة، أو دفع ضرورة.

قال: ومثل هذا لازم من جهة المتصرف. فأما في الوقف، فقد يقال: لا يلزم في حق بقية البطون لتعلق حقهم بالرقبة. فإذا تركت أو بذلت لغيرهم، كان لهم الطلب فيما بعد. وقد يقال: بل هذا من المعاوضة الضرورية، كالمعاوضة عن بعضه بعمارة باقية، والمعاوضة به إذا تعطل نفعه، وكمبادلة المسجد بمسجد آخر، وهذا أشبه بأصلنا فإنا نصحح مصير الوقف طلقا في مواضع الحاجة.

وأما في مواضع المصلحة، ففيه خلاف، أعني خروج العين الموقوفة عن الوقف، بأن تصير ملكا أو وقفاً آخر، ونقل حكمها إلى عين أخرى إن أمكن، وهذا يكون لأسباب: منها: بيعه عند الحاجة أو المبادلة به، وكذلك عند المصلحة على قول. ومنها: إتلافه أو تلفه تحت اليد العادية، فينتقل الحكم إلى بدله ضرورة، كما لو قتل الحيوان الموقوف، أو تلف المنقول، أو البناء، أو الغراس، بل نفس الأرض الموقوفة، كالموقوفة على جانب نهر كبير، إذا أدخل في ذلك النهر، فإن العقار يمكن اتلافه، ولهذا قلنا: يضمن بالغصب، ففي القسم الأول حصل العوض عنه بالشرط، وهنا بالشرع، وهنا فات عينه، وهناك عينه قد تكون باقية.

ص: 474

ومنها أن يستولي الكفار على الموقوف ولا يعرف صاحبه إلى أن يقسم.

ومنها أن الأوقاف إذا تقادم عهدها، مثل اربعمائة سنة، أو خمسمائة سنة وأقل من ذلك، تختلف الأيدي عليها وتبقى بأيدي ناس آخرين يتصرفون فيها تصرف الملاك كالوقوف التي كانت للصحابة بالمدينة، والبقيع، وخيبر، بل وكسائر المسلمين قديما، فإن أكثر تلك الأوقاف لم تبق معروفة العين، مع القطع بأنها موجودة في أرض محدودة، فالمجهول كالمعدوم، فما جهل عينه أو وصفه، صار بمنزلة عدم الوقف فيه، كالعين المقلوطة. وكذلك لو عرف عين الأرض بأنها كانت وقفا، وقد انقطعت حجة ثبوت ذلك، صار ذلك عند حكام المسلمين.

وما جهل عند الحكام، لم يحكمه به، وصار هذا بمنزلة الملتقط لو سقط من صاحبه بعد. وإن غيره كان حلالا للملتقط، وهذا كما قلنا: إن القذف الذي لا يثبت عند الحاكم، يكون صاحبه كما قال الله تعالى:"لولا جآؤا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون" 24/ 13 فقدم الحجة تجعل المطابق غير مطابق في حكم الله، وكذلك تجعل المملوك غير مملوك في حكم الله باطناً وظاهرا، وإلا فتحريمه على المسلمين باطناً وجعله شبهة، نوع فساد، فإنه لا يباح إلا لمن كان وقفا عليه أو ملكا له. فإذا لم نبحه لغيره كان حراما على جميع الناس، وهذا خلاف قواعد الشريعة. انتهى.

من فتاوى الشهاب ابن حجر: إذا شرط الواقف أن يفرق كذا يوم عاشوراء، فهل يلزم؟ وإذا تعذر التفريق فيه يؤخر لعاشوراء الثاني، أم لا؟

ص: 475

فأجاب: يجب أن يفرق يوم عاشوراء. فإن اتفق تأخيره عنه، فرق عند الامكان، ولا يؤخر إلى عاشوراء الثاني. انتهى.

قال في "الفروع": وللناظر الاستدانة عليه بلا إذن حاكم، كشرائه للوقف نسيئة، أو بنقد لم يعينه، ويتوجه في قرضه مالا، كولي. انتهى.

أي فيجوز للناظر أن يقرض من مال الوقف لمصلحة، كما يجوز لولي القاصر ذلك، قاله شيخنا.

قوله: وغير تام الملك كالموقوف عليه الخ. أي لا يتملك إلا بشرط ناظر أو رضى مستحق. فإن كان الموقوف عليه هو الناظر، فله التملك على القولين، قاله شيخنا.

المسقاة التي عليها أكثر من قيامها، النظر للحاكم في ذلك ومثله، فيصرف منه قدر قيامها، وبقيته إلى أخرى محتاجة، وإلا فإلى فقير أو في مصلحة. وإذا تعطل فنظر الصرف للحاكم يصرفه للجهة المماثلة المحتاجة، وإلا تصدق به أو صرفه في مصلحة للمسلمين، قاله شيخنا.

إذا قيل له: وقفت دارك على زيد فقال نعم، صح لأنه صريح، ذكره في "مغني ذوي الأفهام".

وكذا قوله بعد السؤال إيه، لأنه عرفنا، قاله شيخنا.

إذا أقر بوقفيته داراً بيده، صح وكانت لورثته نسباً. فإن عين المصرف، من ترتيب أو ضده، عمل له، قاله شيخنا.

قال أبو العباس بن تيمية: الوقف على من يعمل أعمالا، مثل أن يوقف على من يؤذن، أو يؤم في هذا المسجد الفلاني، أو يتعلم أو يعلم، أو يرابط أو يجاهد في المكان الفلاني

إلى أن قال: فلو وقف على إمام، أو مؤذن، أو مقرئ، كل يوم، أو متعلم كل يوم، فإذا ترك العمل بعض الأيام لعذر، فلا ريب أنه يستحق بقسط ما عمل، لا يستراب فيه.

ص: 476

وإذا كان الرزق على من يؤم في هذا المسجد، أو يؤذن، فعرض له مانع شرعي فاستخلف، فمن المستحق للرزق؟ هل هو الخليفة أو المستخلف؟ قيل: هو للمباشر. وقياسه بالجعالة والإجارة يقتضي أنه للمستخلف لأن عمل هذا النائب يقع عنه

إلى أن قال:

قلت: فإن كان الوقف على طبقات، فالذي ينبغي أنه لا يجوز أخذ فائدته قبل وقت استحقاقها، مثل قبض الأجرة قبل استيفاء المنفعة، وقطع الثمر قبل بدو صلاحه، لأن الموقوف عليه لم يستحق بعد، ولا يعلم هل هو المستحق للمستقبل أو البطن الثاني، بخلاف ما إذا كان على جهة، كالفقراء، فإن الاستسلاف لهم يشبه استسلاف الزكاة لأهل السهمان.

وإذا كان على جهة يراد عملها، كالإمام والمتعلمين، فالاشبه أنه لا يجوز الاستسلاف إلا لضرورة إبقاء العمل بحيث لا يوجد متبرع

إلى أن قال: فلو وقف رجل أماكن متعددة على جهة واحدة، صرف من فوائد بعضها في عمارة بعض. ولو وقفها على جهات، لم يجز ذلك، لأن المستحق متعدد.

ولو وقف رجال أملاكاً على جهة مثل أن يوقفوا على مسجد، فهل يجب أو يجوز أن يعمر بعضها من فائدة بعض؟ الذي ينبغي جواز ذلك بل وجوبه، لأن المستحق واحد. وإذا اتحد فلا اعتبار بعدد المتصدق، وقد يقال: هذا مستلزم أن يعمر وقف الانسان بوقف غيره، ومثل ذلك إنشاء عمارة للجهة من وقفه، فهل يجوز أن يبتدأ من فائدة الوقف عمارة. فإن لم يجز ذلك، فعمارة وقف الانسان بالنسبة إلى وقفه ابتداء عمارة، لأن هذا المال قد وجب صرفه في الجهة، فصرفه في العمارة صرف له في غير وجهه، ولأن بعض الناس قد يقف أصولا ضعيفة، فيجب صرف فائدة وقف غيره إلى وصول وقفه. وقد يقال: على هذا يجوز

ص: 477

صرف العمارة من أحد الوقفين على الآخر، ولا يجب بل يكون بحسب المصلحة. انتهى.

هذه صفة الوثيقة التي وقع فيها النزاع بين الشيخ ناصر بن محمد ابن عبد القادر بن بريد، وبين زامل بن سلطان، تلميذ بن النجار، والحجاوي، هذا صفة ما نقله ناصر المذكور مضمون هذه الصحيفة، يشتمل ويدل شرعاً أن جليلة بنت عبد المحسن بن سعيد وقفت خمس حديقتها المسماة بالكبيشية الكائنة في مقرن مشاعاً، وشهرتها تغني عن حدها، وهي يومئذ في ملكها على أختها مريم، وعلى نسلها وما تناسلوا. ومن مات منهم رجع نصيبه على شركته في الخمس إن لم يكن له وارث. فإن انقطعوا (ولم يبق منهم أحد)، رجع ذلك إلى أهل الأخماس الباقية، وهم مذكورون في وثيقة غير هذه على ترتيب معلوم، وشاهد الوقف المذكور إبراهيم بن فاضل، وابنه، ومحمد بن مغامس، وذلك سنة 969 من الهجرة، ومريم المذكورة، نسلها ابنان، عساكر وراشد فقط، ونسل عساكر المذكور بنون وبنات، وكذلك راشد المذكور، ثم ولد لبنات عساكر أولاد، وحضر عندي راشد المذكور.

ودهمش بن زغبة وله أولاد من بنت عساكر يختصمان، ادعى دهمش المذكور أن أولاده من بنت عساكر شاملهم الوقف المذكور، وداخلون فيه، وقال راشد: لا يدخلون فيه، وسألاني الحكم بينهم في ذلك، فحكمت بدخول أولاد بنات عساكر المذكور في ذلك الوقف، وألزمته وأمضيته، لشموله لهم، ولدخولهم فيه بالقرينة الصريحة الدالة على دخولهم، وذلك باجماع أهل العلم الذين لا خلاف بينهم فيه، وإنما الخلاف بينهم في دخولهم في مطلق الاولاد، والذرية، والعقب، والنسل فقط بلا قرينة ممن اطلع عليه، كاتبه ناصر من أهل العلم الشافعي،

ص: 478

وأبو يوسف، وأحمد في إحدى روايتيه التي اختارها من أصحابه جماعة، قال في "الانصاف": هي رواية منصوصة من رواية منصوصة من رواية حرب.

قال الشارح: القول بأنهم يدخلون أقوى دليلا، فهذا ما اطلع عليه كاتبه في دخولهم بلا قرينة. والرواية الأخرى عن أحمد وهي المذهب عند أصحابه، أنهم لا يدخلون إلا بقرينة، ومثل أكثرهم القرينة بقوله: من مات عن ولد، فنصيبه لولده ونحوه، ونحو الشئ ما شابهه، فنسل بنات عساكر المذكور داخل في الوقف المذكور بلا ريب ولا شك، بالاجماع والقرينة المذكورة الموجودة في الوقف المذكور (وهي) قول الموقفة: ومن مات منهم رجع نصيبه على شركته إن لم يكن له وارث، فذلك دليل صريح على أنه إذا كان له وارث لا يرجع إلى شركته، بل يكون لوارثه وهو ولده على لغة الموقفة وأمثالها، فإنهم في خطابهم وعادتهم لا يعرفون الوارث إلا الأولاد، وإنها وأمثالها يحمل وقفهم، وأيمانهم ووصيتهم، ونذرهم على لغتهم وخطابهم، ولو خالفت لغة العرب ولغة الشارع، قال ذلك في "الانصاف" و "الاقناع" وغيرهما.

وقولي: يدخلون في الوقف مع القرينة لا خلاف، قاله في "المغني" و "الانصاف".

قال في "المغني" بعد ذكره الخلاف: وهذا الخلاف فيما إذا لم يوجد ما يدل على تعيين أحد الأمرين. فأما إن إن وجد ما يصرف اللفظ إلى أحدهما، انصرف إليه.

ثم مثل ذلك، ومنه: إذا وقف على أولاده ومن مات منهم، فنصيبه لولده ونحو ذلك. وقال في "الانصاف": محل الخلاف مع عدم القرينة. أما إن كان معه ما يقتضي الدخول، فإنهم يدخلون بلا خلاف، كقوله: من مات منهم، فنصيبه لولده ونحو ذلك.

وقال في "التنقيح": وإن وقف على عقبه، أو ولده، أو ذريته،

ص: 479

لم يدخل ولد البنات نصاً إلا بقرينة، كقوله: من مات منهم، فنصيبه لولده ونحو ذلك.

وعنه: يدخلون، اختارها جماعة، وعليه العمل. وكذا عبارة "التوضيح" و "المنتهى" و "الاقناع".

وقولي: يدخل أولاد البنات في الوقف على الذرية والنسل بلا قرينة على مذهب الإمام الشافعي، وأبي يوسف، قاله في "المغنى".

ثم طالعت بعض مصححات مذهب الشافعية، فوجدته كذلك.

قال النووي في "المنهاج": ويدخل ولد البنات في الوقف على الذرية والنسل، والعقب، وأولاد الأولاد، إلا أن يقول: على من ينتسب إلى منهم.

وقال في "شرح منهج الطلاب" للقاضي زكريا مثله وزاد: إلا إن قال: على من ينتسب إلى منهم، نظراً للقيد المذكور إن كان الواقف رجلا. فإن كان الواقف امرأة، دخلوا بجعل الانتساب إليها لغوياً لا شرعيا، وبذا كفاية لمن له بصيرة، حرره كاتبه ناصر بن محمد بن عبد القادر، ومن خطه نقلت.

وهذا صفة كلام زامل: وقفت جليلة بنت عبد المحسن خمس الكبيشية في مقرن على أختها مريم، وعلى نسلها ما تناسلت، وماتت مريم وبقي بعدها ولداها راشد وعساكر ونسلها، فحكمت بصحة الوقف المذكور على راشد وعساكر وعلى نسلهما، ولا يدخل في الوقف المذكور أولاد بناتهما، وكتبه زامل بن سلطان، ومن خطه نقلت ملخصاً وتحته: نظرت هذه الحفيظة فألزمتها وأنفذتها، كتبه سليمان بن محمد ابن شمس.

ثم تحته أيضا: نظرت هذه الحفيظة وتأملتها فإذا هي على الصواب، فأنفذتها وألزمتها، كتبه موسى بن عامر.

ص: 480

ثم تحته أيضاً تأملت مضمون هذا السجل وفهمت مقتضاه، لرأيته صواباً فألزمته وأنفذته، كتبه اسماعيل بن رميح في سنة 969، ونقلته من خطوط من ذكر بعد معرفتها، والذي قرر شيخنا ويميل إليه أن الصواب هو قول ناصر، وذكر عن شيخه أحمد بن ناصر أن زامل ابن سلطان رجع إليه مع أن في خط ناصر زيادة: إن لم يكن له وارث، ولم يذكرها زامل في وقته.

من "جمع الجوامع": صورة فتوى وردت من حلب، رجل وقف جهات متعددة معلومة محدودة على نفسه أيام حياته، ثم بعده على أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم على نسله وعقبه، ثم على أولادهم

إلى أن قال: وقامت بينة وشهدت بأن العين الموقوفة ملك الواقف، وبيده وتحت تصرفه وحوزه، وثبت ما قامت به البينة من الوقف والملك والحيازة لدى حاكم حنفي، وحكم بموجبه وصحة وقف الانسان على نفسه، ووقف الشارع، ووقف الابنية مع العلم بالخلاف، وسجل ونفذ، ثم مات الواقف

إلى أن قال: فهل ترتيب الواقف وتصرفه على مذهب الامام أبي حنيفة لثبوته والحكم فيه على يد حنفي، أم يعدل إلى غيره من المذاهب الثلاثة؟ وهل حكم الحنفي في ذلك، رافع للخلاف أم لا؟

وهل يعمل بالمفهوم في قول الواقف: إن من مات من غير ولد إلى آخره، وإن مات عن ولد يعود نصيبه إلى ولده، وما الحكم في ذلك؟

فأجاب القاضي برهان الدين بن مفلح: الأشهر في المذهب أن الوقف المذكور مرتب ترتيب جملة على جملة، ومعناه أن البطن الثاني لا يستحق شيئاً مع البطن الأول، حتى لو بقي منهم واحد استحق الوقف كله.

فإذا انقرضوا أي البطن الأول عاد ذلك إلى البطن الثاني، ولا عبرة

ص: 481

بالمفهوم حينئذ، وقيل: هو ترتيب أفراد، فعلى هذا ينتقل نصيب كل واحدة إلى أولادها. فإذا حكم به حاكم مطلع على المأخذ أهلا للنظر، ساغ ذلك، وبالجملة فالعبرة في ذلك بمذهب الحاكم في الوقف، وهو قول أبي حنيفة فإن حكمه شمل جميعه والحالة هذه.

وأجاب شيخنا أبو الحسن: كل ما شمله حكم الحنفي في كتاب الوقف، فالمرجع في ذلك إليه وإلى مذهب الحنفية، فيعمل به وإن خالف بقية المذاهب أو بعضهم فإن حكمه يرفع الخلاف ما لم يشمله حكمه فلا يرجع إليه.

فقول الواقف: على أولاده، ثم أولاد أولاده، ونسله وعقبه.

اختلف العلماء في ذلك، هل هو من ترتيب الجملة على مثلها، أو من ترتيب الأفراد؟

على قولين في مذهبنا، فالأكثر من الأصحاب قالوا: إنه من ترتيب الجملة على مثلها، فعلى هذا لا يستحق البطن الثاني شيئاً من الوقف مع وجود أحد من البطن الأول. فإذا مات انتقل الوقف من الواقف إلى البطن الثاني، فيستحقونه على عددهم، لكن للذكر مثل حظ الأنثيين كما شرطه الواقف.

وذهب جماعة من محققي أصحابنا إلى أن هذا من ترتيب الأفراد لا من ترتيب الجمل، فعلى هذا تستحق كل بنت ما كانت تستحق أمها.

وأما كلام الواقف في قوله: ومن مات منهم عن غير ولد ولا ولد ولد، فها هنا نقص من الكاتب، وهو لفظة عن أي ومن مات منهم عن غير ولد، بدليل السياق والسباق، ولكن عادة الواقف والشهود أن يكتبوا هنا أيضاً.

ومن مات منهم عن ولد أو ولد ولد، فنصيبه لولده أو ولد ولده، ولكن لم يذكره الواقف، ولا كتبه الشهود في الوقف، فلا يحكم بذلك والحالة هذه.

ص: 482

وأجاب الشيخ زين الدين بن العيني الحنفي: الذي دل عليه لفظ الواقف كما صرح به الخصاف في قوله: إن الوقف يكون لأولاد الواقف لصلبه، ولا يشاركهم فيه أولادهم حتى ينقرضوا فإذا انقرضوا انتقل إلى أولادهم، وكذا الحكم في أولاد الأولاد ومن بعدهم.

وأما حكم الحنفي فيعمل به إذا وقع بشروطه وليس للمخالف إلا إمضاؤه.

وقد حكى في "الغنية" قولان: إن الأولى يصرف نصيب الميت إلى أولاده دون من بقي من البطن الأول، والراجح ما ذكرناه.

وأجاب عز الدين بن الحمراء بموافقة ما كتبه العيني، وزاد: وإذا كان كذلك وقد حكم الحنفي بموجبه، فليس لغيره من المذاهب النقض لما هو موجب حكم الحنفي.

وأجبت عنها: أي المؤلف وهو ابن عبد الهادي: المسألة مختلف في أصلها وفرعها. أما أصلها وهو حكم الحاكم، هل يزيل الشئ عن صفته؟

وهل يرفع الخلاف؟

وهذا محل مختلف فيه في مذهبنا وغيره. وأما فرعها، وهو هل ذلك ترتيب جملة أو أفراد؟ وهل يستحق كل ولد نصيب أبيه، أو يسوى بين أفراد الدرجة الثانية؟

فيها خلاف عندنا، فاختار جماعة من المتقدمين والمتأخرين أنه ترتيب أفراد، فيستحق كل واحد نصيب إليه، وهذا القول اختاره الشيخ تقي الدين، وذكره في "الفتاوى المصرية" أنه أظهر.

وكذا قال صاحب "الفروع": واختاره ابن قاضي الجبل في "الفائق" وقواه.

وقال ابن أبي المجد: إنه أقوى من جهة المعنى. وقال ابن اللحام في "الاختيارات": إنه أظهر والحالة هذه، وكنت أجبت عنها بجواب

ص: 483

مطول، منه حكم الحنفي، هل وقع على صحة الوقف بمفرده، أو على صحة الوقف وما اشتمل عليه كتاب الوقف من موجبات الوقف؟

وما يترتب عليه صحة الوقف، تارة بقول الحاكم في الحكم ليشهد بثبوته والحكم بصحة الوقف فقط، وتارة بقول والحكم بموجبه. فإن حكم بموجبه، دخل ما هو متفرع عليه في حكمه. وإن لم يحكم بالموجب بل بصحة الوقف فقط، فهذا محل تردد.

وقال لي بعض فقهاء الحنفية: إنه، أي حكم الحاكم يرفع الخلاف عندهم

إلى أن قال: الخامس: إن الحاكم إذا حكم في مسألة، هل يجوز لحاكم آخر من مذهبه، أو غير مذهبه أن يحكم بما يخالفه؟ أما إذا تعدد محل الحكم، فيجوز إن كان مجتهدا، وكذا إن لم يكن مجتهدا وحكم بالصحيح من مذهبه. وأما إذا اتحد محل الحكم، فينبني على أن حكمه بخلاف حكم من قبله، هل هو نقض له أم لا؟

فإن قلنا: نقض له، فلا، إلا أن يخالف نصا أو إجماعا. وإن قلنا: ليس بنقض له، فله أن يحكم. انتهى.

إذا قال: هذا وقف على أولادي الموجود والحادث، للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم أولادهم. ومن مات عن ولد فنصيبه لولده، ولا لضنى البنات شئ، إلا من الواقف جده، ثم بعده البنات وضناهن على أولاد أولاده.

فماتت البنات وأولادهن، وللواقف ابن وبنت وأولاد ابن مات قبل موت البنات، فمن يكون العائد له؟ الظاهر أنه لأولاده لصلبه، لأنهم الأعلون.

وإن قيل: بدخول أولاد الأولاد، فلهم مثل ما لآبائهم لو كانوا موجودين، مع كونه لأولاد الصلب فقط أقرب إلى الفهم وأولى. ولا يتصور أنه يحرم أولاده لصلبه، ويجعله لأولاد أولاده، ويفهم هذا من كلام البلقيني في قوله: النظر لولدي، ثم لأولاد أولاد أولادي، قاله شيخنا.

وذكر زامل بن سلطان عن شيخه الفتوحي بن النجار في قول

ص: 484

الواقف: على أولاده، ثم أولادهم، ومن مات فنصيبه لولده، ومن مات عن غير ولد فنصيبه لأخيه لأبيه، فمات أحد الأولاد ولا ولد له وله أخ لأب وآخر شقيق، فأجاب الشيخ الفتوحي المذكور: إن الأخ الشقيق يستحق مع أخ لأب، لأنه يصدق عليه أنه أخ لأب، والأم زيادة له، قاله شيخنا.

وإذا وقف على أولاده، ثم أولادهم، والبنت حياة عينها، فماتت، صار نصيبها لأهل الوقف إن تساووا في الطبقة. فإن كان فيهم أعلى، فهو له دونهم، ثم بعده لولده دون أهل الوقف. إلا على قول الشيخ أبي العباس، وصوبه في "الانصاف": إنه للأعلى حياته، ثم بعده لجميع أهل الوقف، والأول المذهب، قاله شيخنا.

وقف على أربعة أولاده، فمات أحدهم ببلده ولا ولد له، والآخر مات ببغداد وله ولد، فهل يكون نصيب الذي لا ولد له لأخوته فقط، والذي له ولد نصيبه لولده بعده لأنه لا يعلم السابق ثم منهما، أي الأخوين بالموت، ولم يأت علم موته إلا بعد موت أخيه؟ فيهما ثقل عنده، والأقرب للفهم: إن ورثنا الغائب من أخيه، أن جميع ما بيده الأصلي والعائد يكون لولده، أي المتوفى ببغداد، قاله شيخنا.

وقف على أولاده، ثم أولادهم، ولضنى البنات نصيب أمهم بعد موتها حياة أعينهم، الذي الواقف جدهم، أو قال: على أولادي، ثم أولادهم، وورثة البنت يقومون مقامها، فالظاهر أن مات من أولاد الذكور حل ولده مكانه، ونصه على البنت في المسألتين أن ضناها لا يدخلون إلا بنص أو قرينة، ولا يكون أن أولاد البنت أقرب من أولاد الذكور، وأن يدخل أولادها بعدها، وأولاد الذكور لا يدخلون بل دخولهم أولى وأقرب، وفيها ثقل عنده أيضا، من تقرير شيخنا.

وقف على أولاده: فلان، وفلان، ثم أولادهم، ومن مات من كل

ص: 485

طبقة قام ولده مقامه. هذا نص على دخول أولاد البنات من الأولاد بقوله:

من كل طبقة قام ولده مقامه، والولد يشمل الذكر والأنثى، ويكاد يفهمه كلام "المنتهى وشرحه" في قوله: على ولده، ثم أولادهم من ولد الظهر، ثم أولادهم ومن مات فنصيبه لولده. قاله شيخنا.

وقف على أولاده، ثم أولادهم، ومن مات عن غير ولد نصيبه لمن في درجته، فمات أحدهم وفي درجته أخوان، ومن أهل الوقف أولاد أخ له، فصار العائد للأخوين على نص الواقف. فمات أحدهم، وصار الذي بيده الأصلي والعائد لولده. وهذا هو الذي فهمناه، وكذا نقل لنا عن الشيخ البلباني، بخلاف قول القائل: لا يكون لولده إلا الأصلي، ويفهمه كلام "المغني". ثم إن المخالف سلم بعد ذلك. قاله شيخنا.

وهو قوله، أي صاحب "المغني": ومن مات عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف، إن من صار له شئ صار لولده. انتهى.

وقف على أولاده الذكور: ومن مات عن ولد فنصيبه لولده، لا يدخل في ذلك ولد البنات. قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": ومن أثناء جواب للتقي السبكي سماه "موقف الرماة في وقف حماة" بعد كلام له سبق:

وأطال ابن تيمية أمثلة في مقابلة الجمع بالجمع ولسنا في ذلك ولم يذكر هو مثالا واحدا مما فيه عطف كمسألتنا مع وجوده في القرآن، وهذا الرجل كنت رددت عليه في حياته في إنكاره السفر لزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي إنكاره وقوع الطلاق إذا حلف به وحنث،

ص: 486

ثم ظهر لي من حاله ما يقتضي أنه ليس ممن يعتمد عليه في نفل ينفرد به، لمسارعته إلى النقل بفهمه، كما في هذه المسألة. ولا في بحث ينشئه لخلطه المقصود بغيره، وخروجه عن الحد جداً. وهو، وإن كان مكثرا من الحفظ، لم يتهذب بشيخ، ولم يرتض في العلوم، بل أخذها بذهنه مع جسارته، واتساع خياله، وسعة كثيرة. ثم بلغني من حاله ما يقتضي الإعراض عن النظر في كلامه جملة. وكان الناس في حياته ابتلوا بالكلام معه للرد عليه، وحبس بإجماع العلماء وولاة الأمور على ذلك، ثم مات ولم يكن لنا غرض بعد موته في ذكره لأن تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، ولكن له أتباع ينعقون ولا يعون، ونحن نتبرم بالكلام معهم ومع أمثالهم.

ولكن للناس ضرورات إلى الجواب في بعض المسائل كهذه المسألة، فإنه تبعه فيها بعض الحنابلة فيما قاله فيها

إلى أن قال: سبحان الله! شخص حنبلي يصنف على مذهبه يأخذ من كتب الشافعية، ثم أخرجت النقل من "المجرد" للقاضي أبي يعلى "المستوعب""الفصول" لابن عقيل كما في "المغني" فهذه أربع أمهات من كتب الحنابلة وليس في غيرها مما وقفت عليه ما يخالفها فعلم أنه لا خلاف في ذلك.

ومن البلية أن هذا الحنبلي لما أفتى بذلك، تبعه جماعة من الحنفية، وواحد من المالكية، وواحد من الشافعية، وقاضي الحنابلة وليس هو من غلط الفقهاء بل هوس وهذيان، فليس من جنس غلط بن تيمية، وفي آخر الكلام يأتي بيانه. انتهى كلام السبكي ملخصا.

وتعقبه ابن عبد الهادي بكلام طويل انتصارا للشيخ، ورداً لكلام السبكي، فقال بعد كلام سبق:

الثالثة قوله: إن ابن تيمية أخطأ في مذهبه، وغلط فيه، فغير مسلم، ومن أين له المعرفة بمذاهب الناس؟ وهذه مسألة مشهورة عندنا في قول

ص: 487

الواقف: على أولادي، ثم أولادهم. هل ذلك ترتيب جملة على جملة أو ترتيب أفراد على أفراد؟ فإن قلنا: ترتيب جملة على جملة، انتقل نصيب الولد إلى أخيه. وإن قلنا: ترتيب، انتقل إلى ولده. والعجب منه أن قوله: إن كلام صاحب "الرعاية" في قوله: يحتمل وجهين، ليس بمنقول. وأما قوله: إن الشيخ في "المغني" والقاضي في "المجرد" قطعوا بغير ذلك، فهو قطع بأحد الوجهين، ولا يلزم منه أن لا يكون في المسألة خلاف. وكلامه يدل على تعصب زائد يظهر من قوله: وهذا الرجل كنت رددت عليه في حياته، فإن هذا مما يظهر منه التعصب لكل واحد. وقوله: ثم ظهر لي من من حاله ما يقتضي أنه ليس ممن يعتمد عليه في نفل ينفرد به، هذا القول لا يقبل منه، وقول الخصم في خصمه غير مقبول، ولم نر له نقلا قط أخطأ فيه، بل إذا تأمل المنصف نقله، وجده كما نقل، وقد تتبعت ذلك. وإن الذي لا يعرف مظان نقله، من عنده قصور غلي الاطلاع، ومعرفة المنقول. والسبكي الغالب عليه معرفة المعقولات، وأما في النقل والمنقولات، فعنده قصور فيها.

ومن تأمل جميع كلامه وجده مديد الباع في المباحث والعقليات، دون النقل.

وقوله عنه: لمسارعته إلى النقل بفهمه، وقد اتفق الكل على جودة فهمه، وحذقه، ومعرفته بالنقل والنقل. وقوله: إنه لا يعتمد عليه في بحث ينشئه لخلطه المقصود بغيره، وخروجه عن الحد جداً، كل هذا لقصوره عن مقامه، ثم اعترف بكثرة حفظه. وقوله: إنه لم يتهذب بشيخ، هذه حجة كل من لم يبلغ درجة خصمه قديما وحديثاً، إذا رأى نفسه لا تصل إليه يقول: ما له شيخ، فلم يزل مقصر يقول ذلك لمن سبقه، وقوله: إن لم يرتض في العلوم بل يأخذها بذهنه مع جسارته

ص: 488

واتساع خياله، هذا والله ليس بذم، إنما هو مدح، فإن العلوم كلها إنما تدرك بهذه الأمور.

وقوله: ثم بلغني من حاله ما يقتضي الإعراض عن النظر في كلامه جملة، هكذا كلام الخصوم والأعداء.

وقوله: وكان الناس في حياته ابتلوا بالكلام معه، والرد عليه وحبس بإجماع العلماء، غير مسلم ذلك له، ومن نظر في الدرج الذي كتب له في حياته وهو محبوس، وهو عندي بخط غالب الشافعية وغيرهم، علم أن هذا الكلام غير صحيح، وهو كلام تعصب وحمية.

وقوله: ولكن له أتباع ينعتقون ولا يعون، كيف يسعه أن يقول هذا عن أهل العلم؟ وهذا من أعظم الأدلة على تعصبه. وقوله: وكنا تتبرم بالكلام معهم ومع أمثالهم، هذا دليل البغض والعداوة، وقد ظهر ما عنده ولم يعلم بذلك، ولا يقبل قول خصم في خصمه. والله الموفق

إلى أن قال: وقول السبكي في المسألة السادسة من الجواب المذكور: والمسألة محتملة عندي، أعني استحقاق الولد نصيب والده من سائر البطون من هذا الوقف، وقلبي يميل إليه لإشعار كلام الواقف بالميل إليه، ولا أجد له دليلا عليه إلا تعميم الموقوف عليه مع العمل بمفهوم الأولى، وهو اللفظ عنه، فإني فيه متوقف، أعني في نصيب من مات عن ولد من البطن الثاني فمن بعده. انتهى كلامه.

قلت: وما ذكره أن قلبه يميل إليه، هو محض كلام ابن تيمية الذي أنكره عليه فيما تقدم، ولكنه وضعه في غير قوالبه، ووجهه بغير ما وجهه، فليحظ ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من النظر بعين البغض، وتعصباً لهوى

إلى أن قال: قال مصنفه: فرغت من كتابته في ليلة يسفر

ص: 489

صبحها عن يوم الاربعاء الثاني والعشرين من صفر سنة 775، بظاهر دمشق المحروسة. وقد قال في أول جوابه: فكتب عليها جماعة كتابة لا يعبأ بها، وترك حكايتها، وترك ذكر أسمائهم أجمل بأهل العلم وأستر لهم. ونحن لا ننكر أن يقع الخطأ من بعض أهل العلم، ويرجع وإنما ننكر التصميم على الخطأ بعد ظهور، أو ما يقتضي الظهور، ويستمر من وقع منه ذلك عليه، ويستند في بعضه إلى من هو أكبر منه ممن ليس بقدوة ممن رأيناه وعاصرناه، وترك ذلك أجمل. فوسعت النظر في المسألة إذا كانت تستمد من مسائل كل مسألة منها قاعدة في باب الوقف، وقل من ذكرها فأحببت أن أكتب ما عندي منها ليستفاد، وإن كانت هذه المسألة لا تحتمل ذلك. انتهى.

وللسبكي أيضا في جواب آخر: ووسع ابن تيمية في ذلك جدا في التصنيف المطول، وظن كثير من الناس أنه أجاد في ذلك، والذي أقول:

إن كلام ابن تيمية إنما يتم لو اتفقا على أن القسمة شملت جميع ذلك، وأن المتنازع فيه أخذه الذي بيده بحق القسمة، وأنها وقعت غلطا. وإذا صور الأمر كذلك، فالحق ما قاله القاضي شهاب الدين، ولا يحتمل الحال أكثر من ذلك. انتهى كلامه.

ولا يخفى تعصبه في غالب المسائل، على أقوال الشيخ بغير حق.

وهذا معلوم بالضرورة: إن عين من لا يحب الإنسان يجعل الحق من كلامه باطلا كما قيل:

وعين الرضى عن كل عيب كليلة

كما أن عين السخط تبدي المساوئا

انتهى. ومنه أيضا القاعدة الثامنة والعشرون: إذا اعتبر الواقف وصفا، أو شرطا شرطه في الأولاد اعتبر في جميعهم نحو أن يقف على ولده الفقهاء، أو المقيمين بمكان كذا، أو المتصفين بصفة كذا. فإن جعل

ص: 490

النظر للأرشد اعتبر الرشد في كل من يأخذ النظر، وتمامه فيه، وهو موافق، لكن لو عدمت الصفة في الولد، انتقل الشرط إلى ولد الولد.

فإن عدم في الكل، فوقف منقطع لورثة الواقف نسباً. قاله شيخنا.

ومن "شرح الجراعي على الفروع" قوله: وقول الواقف: من مات، فنصيبه لولده. قال الطوفي في "قواعده": وقعت مسألة اختلف الفقهاء فيها في القاهرة وهي: رجل وقف وقفاً على زيد، ثم على بنيه الثمانية المعنيين، وشرط أن من مات من ولد زيد، فنصيبه لولده إن كان له ولد، وإلا فهو لبقية إخوته وأولادهم. فمات أحد بني زيد في حياة زيد، وترك ولداً، ثم مات زيد بعد ذلك. فقال بعض الفقهاء: يستحق ولد ابن زيد نصيب أبيه الثابت له على تقدير موته بعد زيد، وقال بعضهم: لا يستحق شيئاً، وإنما شرط الواقف أن له نصيب أبيه، ولا نصيب له. وفي المسألة إشكال يستحق التوقف. وأصحاب القول الأول تمسكوا بقرينة حال الواقف، قالوا: المعقول من حاله أنه أراد نفع زيد وولده ولده. فإذا تعذر ولده بموته قبل استحقاقه له، وجب نفع ولد الولد عملا بمقتضى إرادة الواقف، ويجعل له نصيب أبيه المقدر حيث تعذر المحقق. والآخرون اعتمدوا على ظاهر لفظ الواقف، فإنه إنما جعل له نصيب أبيه، ولا نصيب له. قال: وسمعت بعضهم يقول: إن قلنا: يتلقوه عن الواقف، استحق كما لو وقف عليه ابتداء. انتهى.

قال ابن أبي المجد: في هذه المسألة قولان، وكذا إن قال: على أن من توفي منهم، فنصيبه لولده. فتوفي الولد في حياة أبيه، وترك ابنه، ثم مات الجد، استحق ما كان يستحقه أبوه لو كان حياً في الأصح. أصلهما في تلقي الوقف، وهو من الواقف في الأصح اختاره شيخنا. انتهى.

ص: 491

سأل شيخنا شيخه محمد: ما قولكم في شخص وقف على أولاده، ثم على ما تناسلوا من مات منهم قام أولاده مقامه، وللواقف حين الوقف أولاد ولد مات أبوهم قبل الوقف، هل يدخلون في الوقف أم لا؟

الجواب: مصرف الوقف المذكور من أولاد الواقف هم الأحياء حالة وفقه، ومن مات منهم وله أولاد، قام أولاده في استحقاق نصيبه مقامه، حيث صرح الواقف بجميع ذلك. فمن مات من أولاد الواقف الأحياء حالة الوقف وله أولاد، استحق أولاده نصيبه. والله أعلم، وكتبه محمد ابن اسماعيل ومن خطه نقلت.

والذي تحرر لنا دخول أولاد الابن الذي مات أبوه قبل استحقاقه.

وهو الذي قرره لنا الشيخ محمد. قاله شيخنا. ولعل ذلك لا يخالف كلامه المذكور لأن الوقف صدر منه بعد موت الابن، والثانية صدر قبله، لكن لم يستحق منه أبوه بعد. والله أعلم.

ومن "جمع الجوامع": وقال صاحب "الفروع" بعد القول بأنه ترتيب أفراد: فعلى هذا الأظهر استحقاق الولد وإن لم يستحق أبوه. قاله شيخنا. انتهى.

إذا وقف على ولديه نصفين ثم أولادهما، وأولاد أولادهما، وعقبهما بعدهما بطنا بعد بطن، فالأظهر أنه ينتقل نصيب كل واحد إلى ولده، ثم ولد ولده. ومن ظن أن الوقف كالإرث، فإن لم يكن والده أخذ شيئا، لم يأخذ هو، فلم يقله أحد من الأئمة، ولم يدر ما يقول. ولهذا لو انتفت الشروط في الطبقة الأولى أو بعضهم، لم تحرم الثانية مع وجود الشرط فيهم، ولا فرق. قاله شيخنا.

وفي كتاب "الاختيارات" لأبي الحسن بن اللحام: ويستحق ولد الولد وإن لم يستحق أبوه شيئاً. والأظهر: فمن وقف على ولديه نصفين، ثم على أولادهما، وأولاد أولادهما، وعقبهما بطنا بعد بطن،

ص: 492

أنه ينتقل نصيب كل واحد منهما إلى ولده وإن لم ينقرض جميع البطن الأول. وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد، وهو مأخوذ من كلام صاحب "الفروع" المتقدم. قال صاحب "الفروع": وقول الواقف، من مات فنصيبه لولده، يعم ما استحقه. وما يستحقه مع صفة الاستحقاق بعد موته لا يستحقه، ولأنه المفهوم عند العامة الشارطين، ويقصدونه لأنه يتيم لم يرث هو ولا أبوه من الجد، ولأن في صورة الاجماع ينتقل مع وجود المانع إلى ولده. قال: لكن هل يعتبر هنا موت الوالد؟ يتوجه الخلاف. قال: وإن لم يتناول إلا ما يستحقه فمفهوم خرج مخرج الغالب. وقد تناوله الوقف على أولاده، ثم أولادهم.

قال صاحب "الفروع" وقوله: من مات عن ولد فنصيبه لولده، يشمل الأصلي والعائد. وقال: واختار شيخنا الأصلي لأن والديهما لو كانا حيين اشتركا في العائد، فكذا ولدهما. ومنه أخذ ابن اللحام. وقول الواقف: من مات عن ولد فنصيبه لولده، يشمل الأصلي لا العائد، وهو أحد الوجهين في المذهب. انتهى.

ومنه أيضا، ومن "الفتاوى المصرية" بعد كلام سبق: وإنما يغلط من يغلط في مثل هذه المسألة حين يظن أن الطبقة الثانية تتلقى من التي قبلها.

فإن لم تستحق الأولى شيئا، لم تستحق الثانية. ثم يظنون أن الولد إذا مات قبل الاستحقاق لم يستحق ابنه، وليس كذلك، بل هم يتلقونه من الواقف، حتى لو كانت الطبقة الأولى محجوبة بمانع من الموانع، مثل: أن يشترط الواقف في المستحقين أن يكونوا فقراء، أو علماء، أو عدوك، أو غير ذلك. ويكون الأب مخالفاً للشروط المذكورة وابنه متصفا به، فإنه يستحق الابن، وإن لم يستحق أبوه. وكذلك إذا مات الأب قبل الاستحقاق فإنه يستحق ابنه.

ص: 493

وهكذا جميع الترتيب في الحضانة، وولاية النكاح والمال، وعصبة النسب، والولاء، وسائر ما جعل المستحقون فيه درجات، فإن الأمر فيها على ما ذكر. وهذا المعنى هو الذي يقصده الواقفون إذا سئلوا عن مرادهم. ومن صرح منهم بمراده فإنه يصرح بان ولد الولد ينتقل إليه ما ينتقل إلى والده لو كان حيا، لاسيما والناس يرحمون من مات والده ولم يرث، حتى أن الجد قد يوصي لولد ولده. ومعلوم أن نسبة هذا الولد ونسبة ولد ذاك الولد إلى الجد سواء. فكيف يحرم ولد ولده اليتيم، ويعطى ولده ولده الذي ليس بيتيم؟ فإن هذا لا يقصده عاقل. ومتى لم نقل بالتشريك، بقي الوقف في هذا الولد وولده دون ذرية الولد الذي مات في حياة أبيه. والله أعلم. انتهى.

ومنه أيضا أي من "الفتاوى" أيضا: الثالثة: رجل وقف وقفا على زيد، ثم على ثمانية أولاد لزيد معينين، وعلى من يحدث لزيد من الأولاد، ثم أولاد أولادهم، على أن من مات من أولاد زيد، أو أولاد أولاده، وترك ولدا أو ولد ولد، كان نصيبه له. فمات واحد من الثمانية في حياة زيد، وترك ولدا، ثم مات زيد، فهل ينتقل إلى ولد ولد زيد ما يستحقه ولد زيد لو كان حيا، أم يختص الجميع بأولاد زيد؟

أجاب: نعم يستحق ولد الولد كما يستحق والده. وهذا المعنى هو المراد في صورة السؤال قطعاً، إذ قد صرح الواقف بأن من مات من هؤلاء عن ولد، انتقل نصيبه إلى ولده، فصار المراد ترتيب الأفراد في هذه الصورة المقيدة بلا خلاف، إذ الخلاف إنما هو على الاطلاق. وإذا كان كذلك، فالاستحقاق المرتب في الشرع، والشرط والوصية، والوقف، ونحو ذلك، إنما يشترط في انتقاله إلى الثاني عدم استحقاق الأول، سواء قد وجد واستحق، أو وجد ولم يستحق، أو لم يوجد بحال، كما هو في قول الفقهاء في العصبات، وأولياء النكاح، وغيرهم: يستحقه

ص: 494

ذلك الابن، ثم ابنه وإن سفل. فإن الأقرب إذا عدم، أو كان ممنوعا بكفر، أو رق، انتقل الحق إلى من يليه، ولا يشترط في انتقال الحق إلى من يليه أن يكون الأول قد استحق.

ولو وقف على أولاده، وأولاد أولاده طبقة بعد طبقة، على أن يكونوا عدولا، أو فقراء، أو غير ذلك، وانتقى الشرط المذكور في واحد من الطبقة الأولى، أو كلهم، انتقل الحق عند عدم استحقاق الأولى إلى الطبقة الثانية إذا كانوا متصفين بالاستحقاق. وذلك أن الطبقة الثانية تتلقى الوقف من الواقف لا من الطبقة الأولى، لكن تلقيهم ذلك مشروط بعدم الأولى.

وإنما يغلط ذهن بعض الناس في مثل هذا حيث يظن أن الولد يأخذ هذا الحق إرثا عن أبيه، أو كالإرث، يظن أن الانتقال إلى الثانية مشروط باستحقاق الأولى، كما ظن ذلك بعض الفقهاء. وهذا غلط. ولهذا اتفق المسلمون في طبقات الوقف أنه لو انتفت الشروط في الطبقة الأولى، أو بعضهم لم يلزم حرمان الثانية إذا كانت الشروط موجودة فيهم.

وإنما نازع بعضهم فيما إذا عدموا قبل زمن الاستحقاق، ولا فرق بين الصورتين، فيتعين أن ينتقل نصيبه إلى ولده. وفي الجملة: فهذا مقطوع به لا يقبل نزاعا فقهيا، وإنما يقبل نزاعا غلطيا.

وقول الواقف: من مات من أولاد زيد، وأولاد أولاده، وترك ولدا كان نصيبه لولده، يقال فيه:

إما أن يكون قوله: نصيبه، يعم النصيب الذي يستحقه إن كان متصفا بصفة الاستحقاق، سواء استحقه أو لم يستحقه، أو لا يتناول إلا ما استحقه. فإن كان الأول فلا كلام، وهو الأرجح، لأنه بعد موته ليس هو في هذه الحال مستحقا له، ولأنه لو كان الأب ممنوعا لانتفاء صفة مشروطة، مثل أن يشترط فيهم الإسلام، أو العدالة،

ص: 495

أو الفقر، كأن ينتقل مع عدمه، ولأن الشئ يضاف إلى الشئ بأدنى ملابسة، فيصدق أن يقال: نصيبه بهذا الاعتبار، ولأن حمل اللفظ على ذلك يقتضي أن يكون كلام الواقف متناولا لجميع الصور الواقعة، فهو أولى من حمله على الإخلال بذكر البعض، ولأنه يكون مطابقا للترتيب بكلامه، ولأن ذلك هو المفهوم عند العامة الشارطين مثل هذا. وهذا أيضا موجب الاعتبار والقياس النظري. بل عند الناس في شروطهم أن استحقاق ولد الولد، وإن مات أبوه في حياة الجد، أوكد عندهم لأن ولد الولد يكون يتيما، لم يرث هو ولا أبوه من الجد شيئا. فيرى الواقف أن يجبره بالاستحقاق حينئذ فإنه يكون أحق من ورث أبوه من التركة، وانتقل إليه الارث. وهذا الذي يقصده الناس موافق لمقصود الشارع أيضا، ولهذا يوصون كثيرا لمثل هذا الولد.

وإن قيل: إن هذا الولد لا يتناول إلا ما استحقه أبوه، كان هذا مفهوم منطوق، خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له. وإذا لم يكن مفهوما ما كان مسكوتا عنه في هذا الموضع، ولكن قد تناوله في قوله: على زيد، ثم على أولاده، ثم على أولاد أولادهم، فإنا ذكرنا أن موجب هذا اللفظ مع ذكر ما بعده من أن الميت ينتقل نصيبه إلى ولده صريح في أن المراد ترتيب الأفراد على الأفراد. والتقدير: على زيد، ثم على أولاده، ثم على ولد كل واحد بعد والده. وهذا اللفظ يوجب أن يستحق كل واحد ما كان أبوه يستحقه لو كان متصفا بصفة الاستحقاق، وكما يستحق ذلك أهل طبقاته. وهذا متفق عليه بين المسلمين في أمثال ذلك شرعاً وشرطاً، وإن كان هذا موجب استحقاق الولد. وذلك التفصيل إما أن يوجب استحقاق الولد أيضا، وهو الأظهر، ولا يوجب حرمانه بغير العمل بالدليل السالم عن المعارض المقاوم، والله أعلم. انتهى.

ومن "جمع الجوامع" أيضا: امرأة وقفت حصة في مكان على جهة

ص: 496

بر، وثبت ذلك على قاض شافعي، وحكم بموجب ذلك، ثم بعد مدة وقع نزاع فيها؟

فأجاب بعد كلام له سبق: وبكل حال فالمرجع فيه إلى مذهب الشافعي. انتهى.

ومنه أيضا القاعدة السادسة عشرة: قال في رواية أبي داود: في رجل بنى مسجدا، فأراد رجل أن يهدمه ويبنيه بناء أجود من ذلك، فأبى عليه الأول، وأحب الجيران أن يتركه يهدمه، فقال: لو تركه وصار إلى أرض، لم يكن به بأس.

قال: فهذا نص يرفع اللبس عن إبدال بناء المسجد، لظهور المصلحة في جودة البناء، واعتبار رضى الجيران الذين هم أحض. انتهى.

وقف شخص على أولاده الأربعة، ومن مات عن ولد فنصيبه لولده، ولا لضنى البنات شئ إلا من كان نسل أولاد زينب. هذا كلام الواقف، فمعناه أنه إن تزوج أحد أولاد زينب، أو أولادهم من بنات الواقف، أو بنات أولاده إنه يستحق من الوقف، كقوله: ولا يدخل ولد البنات إلا من كان هاشميا، لأنه بعد انقطاع ولده يكون على نسل أخته زينب، كما فهمخ بعضهم. ولا دليل على ذلك، لا بالمفهوم ولا بالمنطوق، بل يكون لورثة الواقف نسبا بعد انقطاع أولاده، قاله شيخنا.

قال في "المنتهى": وإن وقف على عدد معين، ثم على المساكين، فمات بعضهم، رد نصيبه على من بقي. فلو مات الكل فللمساكين، وإن لم يذكر له مالا فمن مات منهم، صرف نصيبه إلى الباقي. ثم إن ماتوا جميعا صرف مصرف المنقطع. وعبارة "الاقناع": ويرجع نصيبه إلى من بقي. وعلى هامشه بخط الشيخ منصور بيده، قاله في "القواعد". قال المنقح: وهو قوي. وعند الحارثي: يصرف

ص: 497

مصرف المنقطع، كما لو مات جميعهم. انتهى.

وأفتى به الشيخ ناصر بن محمد بن عبد القادر مرة، وكذا أفتى الشيخ البلباني بذلك، أي من مات من أهل الطبقة، يصرف نصيبه مصرف المنقطع، فيكون لورثة الواقف حينئذ. وهذا معنى كلام "المنتهى".

وأجاب الشيخ ناصر ثانيا بما حاصله: أقر غانم ابن أبي نهيد أنه وقف ملكه المعروف في قرية صبيخ فقط، ولم يعلم له مالا فيكون الوقف صحيحا على ورثة الواقف نسبا على قدر الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين.

وفي كل زمان يراعى فيه ورثة غانم المذكور. هذا صفة كلام الشيخ ناصر ونقله شيخنا من خطه وأقره واعتمد عليه. وهذا مفهوم كلام "المنتهى" وميل شيخنا إليه، وهذا أيضا صفة وقف الدراعي في صبيخ الذي توقف شيخنا عن الإجابة فيه إلى الآن.

وقف فلان عقاره على أولاده بكر وسعيد وخالد، ومن مات منهم فنصيبه لولده، فمات أحدهم عن بنت، ثم ماتت عن ولد، هل يدخل في الوقف؟ كما لو قال: وقفت على أولادي فشمل الابن والبنات، ومن مات فنصيبه لولده، فيشمل أولادهن، أم لا يدخل أولادها في الوقف، لأن الوقف أولا على ذكور فقط، ولا إناث معهم؟ فيها إشكال، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع": السادس والأربعون: فرع: ذكر القاضي علاء الدين بخطه: لو وقف ثلثي داره على ولده فلان، والثلث على أولاده الباقين. ثم قال: ومن مات عن ولد فنصيبه لولده، ومن مات عن غير ولد، فنصيبه لمن في درجته من أهل الوقف، فهل يرد على من في الدرجة من أهل الثلثين والثلث، أو يختص به أهل النصيب الذي هو منهم

ص: 498

مبني على أن هذا، هل هو وقف واحد أو وقفان؟

قال: وبالأول أفتيت أنا وجماعة من كبار الشافعية والحنفية وقال:

لو قال في هذا الوقف: من مات عن ولد فنصيبه لولده، وسكت.

فمات منهم واحد عن غير ولد، فهل يعود نصيبه إلى من في درجته إن جعلناهما وقفين بعد ذلك؟ وإن قلنا: هو وقف واحد، فهل يقال: تقديره النصيب أحدهما بالثلثين يمنعه من الزيادة عليه أم لا، كما لو قال: للذكر مثل حظ الأنثيين؟ .

ويؤيده أنه قد وقفه على ولده، ثم ولد ولده طبقة بعد طبقة، فلا تستحق الثانية شيئاً قبل انقراض الأولى. خرج من ذلك من له ولد، بقي ما عداه على العموم، لكن المخالف سلم أن الثانية لا تستحق إلا بعد الأولى، لكن نصيب المتوفى عن غير ولد لا يستحقه من في درجته لأنه قدر له نصيب معين، فلا يستحق خلافه، ولا تستحق الطبقة الثانية، فيصرف مصرف المنقطع، يحققه أنه إذا وقف على ولده فلان، ثم على ولده، فكل واحد منهم يستحق الجميع عند الانفراد، ولا يستحقونه كلهم عند الاجتماع. فإذا زال أحدهم أخذ نصيبه الباقون بالمقتضي الموجود فيهم لاستحقاقه، بخلاف ما إذا قدر لكل واحد منهم شيئا معينا أنه لا يستحق أكثر منه. انتهى.

ومن أجوبة البلقيني في الحادي بعد المائتين: بعد كلام له سبق:

ولا ينظر في ذلك في ذلك إلى البدل من ضمير الغائب، ولا إلى بدل بعض من كل، فإن الألفاظ من المقرين أو المنشئين، بوقف أو وصية أو اعتاق تحمل على ما فهمه أهل العرف، لا على دقائق العربية، فإن الواقف قد لا يكون له معرفة بشئ منها، أي العربية، ولا دقائقها ولا البدل، ولا البعض من الكل، فتنزيل كلامه على مالا يعرفه لا يستقيم. ولو لحن في الإعتاق بتذكير أو تأنيث لم يؤثر في الإعتاق عملا بالعرف، ولو كان

ص: 499

الواقف يعرف العربية، فإنه لا يقضى على لفظه الذي له محتملان من جهة العربية بأحد المحتملين، إلا أن يثبت ببينة إرادة ذلك. انتهى.

وقف إبراهيم على أولاده الذكور، ثم أولادهم أبداً، إلا أن كل من مات من كل طبقة وله أولاد، فإن أولاده يحلون محله في الوقف، الموجود والحادث من أولاده، ووقف إبراهيم خاصته من المريح على بنته كلثم حياتها، ثم بعدها حكمه حكم العقارات المذكورة يرجع إلى أهل الوقف المذكورين، ثم إن انقرض نسل إبراهيم وما تناسلوا فعلى الأقرب. انتهى كلام الواقف.

فهل يدخل أولاد البنات من أولاد الذكور أم لا؟

الجواب: مراد الواقف بقوله: الذكور من أولاده لصلبه، وقوله:

ثم أولادهم، صريح في دخول أولاد البنات من الذكور لأنهن من أولاد الذكور. وقوله: إلا أن من مات من كل طبقة وله أولاد فإن أولاده يحلون محله. هذا ظاهره دخول ولد البنات من أولاد الذكور، ولاسيما والحاكم به شافعي، مذهبه دخول ولد البنات في الوقف على فلان ثم أولاده ونحوه. ولو أعقب لفظه: الذكور بعد قوله: ثم أولادهم، احتمل القول بأنه لم يدخلوا وإفراد البنت قد يكون لزيادة منه بنحو جهاز، فأخرجها وذريتها من الوقف كما هو عادة كثير من العامة مع ما سبق. ولعل في كلام بعضهم ما يفيده أي ولد البنات المذكورين.

قال في "المنتهى": ومن وقف على أولاده، ثم أولادهم الذكور والاناث، ثم أولادهم الذكور من ولد الظهر فقط، ثم نسلهم وعقبهم، على أن من مات منهم عن ولد وإن سفل فنصيبه لولده. فمات أحد الطبقة الأولى عن بنت، ثم ماتت عن ولد، فله ما استحقته قبل موتها.

فانظر إلى إخراجه ولد البنات صريحا بقوله: ثم أولادهم الذكور من ولد الظهر فقط، ثم نسلهم وعقبهم، وبقاؤه بقوله: على أن من مات منهم

ص: 500

عن ولد وإن سفل فنصيبه لولده، وأدخل ولد البنات، وهذا ما ظهر لنا. وتقدير عبارة الواقف: أنه وقف على أولاده الذكور الموجود والحادث، ثم أولادهم. ومن مات من كل طبقة فنصيبه لولده، قاله وكتبه الفقير إلى الله عبد الله بن محمد بن ذهلان ومن خطه نقلت، أي شيخنا، حرفاً بحرف بعد المراجعة فيها مشافهة فأجابني بما هذا حاصله.

رفع هذا السؤال للشيخ من عنيزة.

وحاصله: وقف إبراهيم بن محمد على ابنيه، سيف وجمعة، وعلى أولاد ابنه محمد، وهم: عبد الله، وعمر، وموزة أثلاثا: لسيف ثلث، ولجمعة ثلث، ولأولاد محمد ثلث، أخماساً بينهم: لعبد الله خمسان ولعمر خمسان، ولموزة خمس. وهذا الوقف المذكور على هؤلاء المذكورين ثم على أولادهم، ثم على أولاد أولادهم وعقبهم أبداً، مرتباً بطناً بعد بطن، للذكر مثل حظ الأنثيين. الذكر نسله، والبنت حياة عينها، فإن انقرضوا آل محمد والعياذ بالله، فعلى آل راجح. فإن انقرضوا فعلى المساكين، أفتونا مأجورين.

الجواب: ظاهر قصد الواقف أن ذلك ترتيب أفراد. من مات من أولاده، أو أولاد ابنه، فنصيب من مات لأولاده مرتب ترتيب أفراد بينهم، لا يدخل فيه ولد البنات. وإن قيل: إن ظاهر اللفظ أنه ترتيب جملة بين جميع المسلمين وأولادهم فهو وإن كان له وجه، فيبعده ظاهر قصد الواقف، والله أعلم، كتبه عبد الله بن محمد بن ذهلان، ومن خطه نقلت بعد مراجعته فيه.

ص: 501

قوله: فإن امتنع البطن الأول حال استحقاقهم من اليمين مع شاهد لهم بالوقف لثبوت الوقف فلمن بعدهم من البطون الحلف، زاد في "شرح المنتهى": ولو قبل استحقاقهم للوقف. انتهى.

وظاهره: وليس لمن حلف شئ من النماء حتى ينقرض البطن الذي فوقه، لأنه لا يستحقه إلا بعده، قاله شيخنا.

ومن "جمع الجوامع" بعد كلام (له) سبق عن ابن تيمية: ولهذا جاءت الشريعة عند تعارض المصالح والمفاسد بتحصيل أعظم المصلحتين، بتفويت أدناهما، وباحتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما. فمتى لم يندفع الفساد الكثير عن هذه الأموال الموقوفة ومصارفها الشرعية إلا بما ذكر من احتمال المفسدة القليلة، كان ذلك هو الواجب شرعا. انتهى.

ومنه، من أجوبة البلقيني: القاعدة الرابعة والتسعون: مسألة في مساجد في قرى دثرت، ودثرت المساجد لدثورها، ولها أرض موقوفة عليها، وتعذر صرفها في مصالح المساجد المذكورة، وليس لها واقف معلوم يعود الوقف عليه لانقطاع مصرفه، فهل يعود إلى بيت المال فيصرف في المصالح، أم لا؟ وإذا جاز صرفه، هل للإمام أن يرزقها لأحد المسلمين أم لا؟ وإذا جاز صرفها، فهل لأحد منازعته أم لا؟

أجاب: يصرف ريع ما ذكر من الأوقاف على الفقراء والمساكين.

وإن رأى الإمام صرفه إلى المصالح، عمل بمقتضاه. وقد قال بذلك جمع من العلماء، وهو قوي، ولكن لا يعود ذلك ملكا لبيت المال. وإذا صرفه الإمام لمن ذكر، فإنه يعمل به بمقتضى ذلك، وليس لأحد غيره أن يتعدى بمنازعته. انتهى.

ومنه، جواب له أيضا، أي البقليني: حوض خراب معطل من كذا

ص: 502

وكذا سنة ولا يعرف له واقف، وأرضه وقف، هل يجوز أن تحتكر أرض الحوض ويصرف الريع في مصالح مسجد بجوار الحوض، أو هل ينقل الحوض إلى مكان ينتفع به فيه، أم لا؟

الجواب: يجوز أن تحتكر أرض الحوض ممن له الكلام بالطريق الشرعي وهو الناظر الخاص. فإن تعذر فالناظر العام، وأما الريع، فإن للناظر أن يصرفه لمصالح عامة. فإن رأى صرفه على مصالح المسجد المذكور، كان له ذلك، وتمامه فيه.

ومن جواب للبلقيني أيضا: مسألة: بيت سطح جامع وهو موقوف، فهدمت طاقة في جدار البيت مطلة على الجامع فأعيدت بزيادة، فأراد شخص سدها، هل له ذلك، أم لا؟

فأجاب: إن لم يكن للشخص حديث في ذلك، فلا أثر لإرادته.

وإن كان متكلماً في الجامع في وقفه، ورأى المصلحة في سدها، فله ذلك.

وإن رأى سد القدر الزائد، فله ذلك. انتهى.

ومنه أيضا، من أجوبة البلقيني: مسألة: مسجد تعذر الانتفاع به في موضعه، فهل يجوز نقله من مكانه أم لا؟

الجواب: نعم يجوز نقل المسجد المذكور من مكانه إذا خاف المتكلم عليه على آلته من السرقة وتعذر الانتفاع به في موضعه. انتهى.

قال في "شرح المنتهى" لمؤلفه: ولم ير شريح الوقف، وقال:

لا حبس عن فرائض الله. وقال أحمد: هذا مذهب أهل الكوفة. وذهب أبو حنيفة إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده، وللواقف الرجوع فيه، إلا أن يوصي به بعد موته، فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم، وحكاه بعضهم عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وتمامه فيه.

قال في "الإنصاف": قال في "التبصر": إذا خرب الوقف فلم يرد شيئاً، أو خرب المسجد وما حوله ولم ينتفع به، فللإمام بيعه وصرف

ص: 503

ثمنه في مثله. انتهى. وقدمه في "الفروع" ونصره شيخنا، وعمل الناس عليه، واختاره الحارثي. انتهى.

إذا قامت بينة أن هذه الدار وقف، ولم نعلم شرط الواقف فيها، أو علمناه ونسيناه. فإن كان عادة عمل بها، من تشريك أو ترتيب أو مساواة، أو تفضيل، وإلا فهو كوقف (ما) وقفه وسكت، قاله شيخنا.

ذكر شيخنا أن الشيخ ناصر بن محمد أبطل وقفاً بثلاث:

الأولى: لم يخرج عن يده، وفيها قول في المذاهب. ومتى حكم به حاكم لم ينقض لقوة الخلاف فيه.

الثانية: إذا لم يرد به القربة، وفيها من الكلام ما ذكره في "شرح المنتهى" للمؤلف. وظاهر الشيخ منصور في "شرحه للمنتهى " اشتراط ذلك.

والثالثة: باستثناء الغلة، وهي مبطلة عند الشافعية، قاله شيخنا.

قال في "شرح مختصر التحرير" لابن النجار في باب التخصيص:

وقف الانسان على جمل أجنبيات، كوقفه على أولاده، ثم أولاد فلان، ثم المساكين، على أنه لا يعطي منهم إلا صاحب تقوى. اختصاص الشرط بالجملة الأخيرة، لأنها أجنبية من الأولى، قاله الشيخ تقي الدين.

فيفهم من هذا أنه لو وقف على أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن انقرضوا فعلى أولاد أخيه، فإن الشرط خاص بالجملة الأولى دون الثانية، أي أولاد أخيه، لأنها أجنبية، فيكون لهم إذا استحقوه، الذكر كالأنثى، قاله شيخنا.

إذا قال: هذا وقف على أولادي فقط، فالظاهر أنه يكون مرتباً، قاله شيخنا.

ص: 504