الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن "شرح مختصر التحرير" أيضا.
فصل: لفظ الرجال والرهط لا يعم النساء ولا العكس
، ويعم نحو لفظ والقوم، كالإنس والآدميين الكل، أي الرجال والنساء، ثم رهط ما دون العشرة خاصة. وفي مدلول القوم ثلاثة أقوال:
قال في "القاموس" القوم: الجماعة من الرجال والنساء، أو من الرجال خاصة، أو يدخل النساء على التبعية ويؤنث له. انتهى.
ويستأنس للأول بقوله تعالى: "يا قومنا أجيبوا داعي الله " فدخل النساء في ذلك. ونحو المؤمنين والمصلين (والمشركين كالمسلمين).
ونحو فعلوا كأكلتم وشربتم. وكذا اللواحق كذلكم وإياكم ونحو ذلك مما يغلب فيه المذكر، يعم النساء تبعاً له عند الأكثر من أصحابنا، والحنفية، وبعض الشافعية، وهو ظاهر كلام أحمد
…
إلى أن قال: ومما يخرج على هذه القاعدة مسألة الواعظ المشهورة، وهي قوله للحاضرين: طلقتكم ثلاثاً، وامرأته فيهم وهو لا يدري، فأفتى أبو المعالي بالوقوع. قال الغزالي: وفي القلب منه شئ.
قلت: والصواب عدم الوقوع. قال الرافعي والنووي، وينبغي أن لا يقع، ولهم فيها كلام كثير.
وتعم من الشرطية المؤنث، لقوله تعالى:"ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى" وتمامه فيه. (من جواب للشيخ سليمان بن علي:
وأما بيع الوقف إذا تعطل فيما على غير معين، يختص بيعه بالحاكم، ومع عدم الحاكم يتعين بيع عدل. وأما الوقف على معين، فالأحوط في بيع الموقوف عليه إذن الحاكم، ويصح البيع من الموقوف عليه مع التعطل
ولو لم يأذن فيه الحاكم. لكن ترك الأحوط، ومع تركه البيع صحيح.
ولا يشترط عدالة البائع إذا كان هو الموقوف عليه، ومتى باعه على وفق الشرع ثم لم يشتر به، حرم ذلك عليه، ومع تحريمه لا يؤثر في بيع الوقف الذي تعطل، ولا تبعة على المشتري. لكن إن غاب بعض المستحقين، لم يصح البيع بدون إذنه. انتهى.
قوله: في "الاقناع" بنو عم أبيه، وبنو عمه. في "شرح منصور" نقص رتبة عن "شرح المصنف" و "الاقناع".
ومن "جمع الجوامع": الحادي والعشرون من "فتاوى السبكي" صورة: وقف على أولاده، ثم أولاد أولاده، وكان من أولاده من مات قبل الوقف وخلف ولدا، فإذا انقرض أعمامه، وانتقل الوقف لأولادهم، هل يشاركهم لأنه من أولاد أولاده، أم لا لأن أباه لم يستحق شيئا على ما تقرر في المسألة الأولى؟
والذي أقطع به أنه يستحق لأنه من أولاد أولاده. ولم يرد دليل على استحقاق أبيه، فوجب عدم اعتباره والعمل بالعموم. انتهى كلامه. وقد صرح بذلك أبو العباس من أئمة أصحابنا وغيره. انتهى.
ونسلها من الذكور والأناث ولا يدخل فيه نسل الإناث من نسل بنتها، ونسلها، هل يدخل في الوقف نسل الأناث، أم يختص به نسل الذكور؟
الجواب: الذي يظهر في وقف المرأة المذكورة كونه على على بنتها ونسلها من الذكور والأناث، ولا يدخل فيه نسل الإناث من نسل بنتها.
كتب محمد بن اسماعيل.
وتحته جوابي، كما أجاب به الشيخ الأمين والشامة البيضاء في العالمين، قاله كاتبه سليمان بن علي، وتحتهما جوابي، كما أجاب به الشيخان ألبسهما الله التقوى والإيمان.
كتبه أحمد بن محمد البجادي.
ومن قال: هذا وقف على أولادي ثم أولادهم ومن مات منهم عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته من أهل الوقف، فهو كذلك.
وإن حدث له حادث بعد الموت، كما لو كان حين الموت له أخوان، ثم حدث له أخ ثالث، فله ثلث ولو مات أحد الأنثيين. وموضع الإشكال إن مات قبل حدوثه، وانتقل إلى من بعدهم من أولادهم ثم حدث، فهل ينتزعه منهم لأنه من أهل درجة الميت الأول، أم لا، لأنه حين الموت لم يكن في الدرجة أحد، فيكون الشرط معدوما ولم يذاكروا إلا إذا بقي في الدرجة أحد؟
وميل الشيخ محمد مع الاشكال أنه لا يستحق، قاله شيخنا.
ومن شهد بوصية وقف أو غيره، فلابد أن يشهد أنه يعقلها، قاله شيخنا.
من القاعدة الرابعة عشرة بعد المئة: الثانية: أن يقف على قوم معينين أو موصوفين، ثم على آخرين بعدهم، فإن كل واحد من الطبقة الأولى مستحق لجميع الوقف بانفراده حتى لو لم يبق في الطبقة سواه لاستحقه كله. كذا ذكره القاضي والأصحاب، وقد نص عليه أحمد في رواية يوسف بن محمد، ومحمد بن عبد الله المنادي فيمن وقف ضيعة على ولده وأولادهم، وأولاد أولادهم ما تناسلوا أبدا. فإن حدث بواحد منهم حدث الموت، دفع ذلك إلى ولد ولده، - يعني الواقف - وولد أولادهم يجري ذلك عليهم ما تناسلوا، وقد ولد لهؤلاء القوم الذين وقف عليهم أولاد يدخلون مع آبائهم. ومن مات منهم ولم يخلف ولدا أيرجع نصيبه على أخوته أم لا؟
قال: يجري ذلك على الولد، وولد الولد، يتوارثون ذلك حتى لا
يكون للميت ولد فيرد على الباقين من إخوته. فيعني به إن مات عن غير ولد، فنصيبه لإخوته. وهذا يدل لما ذكره الاصحاب أن من مات من طبقة، انتقل نصيبه إلى الباقين منها بإطلاق الوقف، وتمامه فيها.
قال في "المغني" فصل: وإن قال: وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي، على أنه من مات من أولادي عن ولد، فنصيبه لولده، أو فنصيبه لإخوته، أو لولد ولده، أو لولد أخيه، أو اخوته، فهو على ما شرط.
وإن قال: من مات منهم عن ولد فنصيبه له. ومن مات عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف، وكان له ثلاثة بنين فمات أحدهم عن ابنين، انتقل نصيبه إليهما، ثم مات الثاني عن غير ولد، فنصيبه لأخيه وابني أخيه، لأنهم أهل الوقف. وإن كان الوقف على البطن الأول على أنه من مات منهم عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته، فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون نصيبه لأهل الوقف يتساوون فيه
…
إلى أن قال:
فإن كان في درجته من النسب من ليس من أهل الاستحقاق بحال، كرجل له أربعة بنين، ووقف على ثلاثة منهم على هذا الوجه المذكور، وترك الرابع، فمات أحد الثلاثة عن غير ولد، لم يكن للرابع فيه شئ، لأنه ليس من أهل الاستحقاق أشبه إذا ابن عمهم. انتهى.
وعلى "هامشه" بخط ناسخه: فعلى هذا لو مات الثلاثة عن غير ولد وكان موجوداً، احتمل أن يصرف له بقية الوقف، لأنه في درجة من مات أخيراً منهم. كما أشار إليه المصنف في بعض الصور المتقدمة. انتهى.
وإن وقف على ولديه زيد وخالد، ومن مات فنصيبه لولده، هل يدخل في الوقف أولاد بنات الأولاد؟ الظاهر لا يدخلون. قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع": ومنها: إذا وجدنا وقفا، ولم نجد له
ناظرا، إن النظر يكون للحاكم. وإن كان ثم أحد من ذرية الواقف فلا مدخل له في الوقف.
ومنها: إذا جعل نظره للحاكم أو القاضي، وكان ثم من لا يصلح للقضاء كجاهل وفاسق، فهل له أخذ النظر؟ فالذي ينبغي أنه ليس له أخذه، ولا الولاية عليه، لاسيما على قاعدة مذهبنا من أن ولايته غير صحيحة. انتهى.
فائدة من "بعض شروح الخرقي" من خط الشيخ عثمان بن قائد:
وألفاظ الجموع على أربعة أضرب:
أحدها: ما يشمل الذكر والأنثى بوضعه، كالأولاد، والذرية، والعالمين، وشبهه.
والثاني: موضوع للذكور، ويدخل فيه الإناث إذا اجتمعوا كلفظ المسلمين، والمؤمنين، والقانتين، والصابرين، والصادقين، والذين، والمشركين، والفاسقين، ونحوه. وكذا ضمير المذكر، كالواو في قاموا، والهاء والميم في منهم، وهم مفردة موصولة، والكاف والميم في لكم وعليكم، ونحوه. فهذا متى اجتمع فيه الذكور والإناث، غلب لفظ التذكير، ودخل فيه الذكر والأنثى.
والثالث: ضرب يختص الذكور، كالبنين، والذكور، والرجل، والرجال، والعلماء ولا يدخل فيه إلا الذكور.
والرابع: لفظ يختص بالنساء، كالنساء والبنات، والمؤمنات، والصادقات، والضمائر الموضوعة لهذا فلا يتناول غير النساء. انتهى.
ومن جواب للشيخ محمد بعد كلام له سبق: وكل ما ذكرته فيه من دخول أولاد البنات في الوقف على الأولاد، أو النسل، أو الذرية، إذا كان البطن الأول من الموقوف عليهم كلهم بنات، أو دخولهم في الوقف إذا قال الواقف، على أولادي فلان وفلان وفلانة وأولادهم، فالصواب
الذي لا شك فيه ولا ريب، وقد صرح بدخول أولاد البنات في الوقف في المسألتين المذكورتين، لاسيما أهل الترجيح فلا إشكال في ذلك. انتهى جوابه.
ومن سؤال لأحمد بن بسام أرسله لأحمد بن محمد بن خيخ ووافق الشيخ منصور فأجاب عليه، وصورته:
شخص وقف عقاره، وله ثلاثة أولاد على ولديه فلان وفلان، وسكت عن ثالث، ومات الجميع الموقوف عليهم، والمسكوت عنه، وخلف الكل أولاد الموقوف عليه والمسكوت عنه، ورفع الأمر إلى خويدم نعالكم، وأفتيت بدخول أولاد الجميع المسكوت عنه والموقوف عليه، على ما صرح به في "المغني" و "الانصاف" و "الفروع" و "شرح المنتهى" وخالف في ذلك آخر، ونقل عن "الاقناع" عبارة توهم من ليس له ممارسة بمذهب أحمد، وأفتاه شافعية بغير الفهم الواضح، حتى إبراهيم بن حسن مفتي الاحساء فهم كما فهموا ولما نقلت له العبارة قال: والله فتيا الرجل في غير مذهبه يؤدي إلى الزلل، وأنا راجع. فقد قال عمر على المنبر: أصابت الجارية وأخطأ عمر، ولم تأخذه العزة.
فأجاب الشيخ منصور: قد سر الفقير بما أفتيتموه وأوضحتموه، وأن الحق لأولاد الجميع لا يختص به أولاد أحدهم، لأن هذا منقطع الآخر، وهم ورثة الواقف، ينصرف المنقطع عليهم على قدر إرثهم من الواقف وقفا. ومسألة "المغني" و "الاقناع" و "المنتهى" إن كانت هي عبروا عنها بقولهم: وإن قال: هذا وقف على ولدي فلان وفلان وولد ولدي، وله ثلاثة بنين، كان على المسمين وأولادهما وأولاد الثالث دونه. وليست هذه المسألة لأن الواقف في هذه المسألة له مآل.
وولد ولدي مفرد مضاف لمعرفة، فيعم. وفي المسألة المستفتى فيها
ليس له مآل بالكلية، لكن جاء الاشتراك بينهم من حيث أن الكل من ورثة الواقف، وإن المنقطع يصرف لورثته نسبا وقفا على قدر إرثهم.
كتبه منصور البهوتي عفا الله عنه، ومن خطه نقلت.
ما قول العلماء فيمن وقف عقاره على أولاده، ثم أولادهم، ومن مات فنصيبه لولده. ومات الواقف وله ثلاثة بنين، ثم مات أحدهم عن ابنين ثم مات الثاني من الابنين على أخيه وأعمامه، فهل يكون نصيبه والحالة هذه لأخيه، أم لأعمامه؟ وهل إن قال قائل: إنه لأعمامه، هل هو مصيب أو مخطيء؟ بينوا تؤجروا.
الجواب: إذا كان الأمر كما في السؤال، فالمستحق لذلك هو أخ الميت، ولا يستحق أعمامه معه شيئا. ومن قال: إنه لأعمامه فقد غلط.
قاله كاتبه سليمان بن علي.
وتحته موافقة له بخط جماعة من فقهاء مكة، وهم: عبد الله بن سعيد باقشير الشافعي، وأبو الكرم محمد الزنجبيلي الحنفي، وعبد الله بن محمد المكي الحنفي، وأحمد بن تاج الدين المالكي الأنصاري الخطيب والإمام ببلد الله الحرام، وجمال الدين بن ظهيرة الحنبلي.
وهذا بعد ما أجاب الشيخ سليمان أولا أنه لأعمام الميت، ثم ظهر له أنه لأخيه ورجع إلى ذلك، وأجاب بما ترى.
ومن "جمع الجوامع" القاعدة الثالثة والسبعون: في فتاوى الشاميين: وقف ثبت على عند حاكم من الحكام، وحكم به وولي عليه ناظراً يصرف أجوره في المصارف المذكورة في كتاب الوقف، فباشر الناظر ذلك بأمر الحاكم مدة، ثم ظهر استحقاق الوقف، وأنه ملك للغير. فإذا ثبت ذلك وبطل الوقف، فهل يرجع على الناظر بما صرفه في مصارف الوقف أم لا؟ عرضت على شيخنا تاج الدين فتوقف عن الجواب فيها، وأقامت مدة لا يكتب عليها أحد. ثم عرضت عليه ثانيا، فأجاب: إنه لا
يرجع عليه بما صرفه في ذلك، وخرجه على أصل مذكور في الغصب في المشتري من الغاصب جاهلا بالغصب جامعا بينهما، بأن كل واحد منهما تصرف تصرفا مأذونا له فيه ظاهرا، ثم بان خلافه، ولاشك أن ناظر الوقف لم يلتزم الضمان. انتهى.
ما قولكم فيمن وقف على أولاده. ومن احتاج من أولاد إخوانه، دخل مع أهل الوقف. واحتاج من أولاد إخوان الواقف المذكور، ومن أنزل منهم درجة فهل يستحقون شيئا مع من فوقهم أم لا؟
الجواب: الظاهر أن الأعلى من أولاد الأخ أحق، إذ يبعد إرادة الواقف غير ذلك.
وأما من وقف على أولاده على فرائض الله، ولا لنسل البنات شئ، فالذي عرفنا من الفقهاء الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب، وابن بسام، وأظن الشيخ محمد يفتون بأنه بطن أعلى. واستمر عليها أحمد بن موسى الباهلي مع قوة فهمه وفقهه. وكتبه عبد الله بن ذهلان ومن خطه نقلت.
قال في "شرح المنتهى " لمؤلفه: قال في "حاشية على التنقيح":
قال ابن مغلى في واقف وقف وقفا، وشرط فيه أن من مات انتقل نصيبه إلى من درجته وفيهم من هو أعلى منه وأنزل، أنه ينتقل إلى أعلى درجة موجودة حال وفاته، وليس في درجته أحد، فالحكم في ذلك أنه كما لو لم يذكر الشرط. قاله الأصحاب.
قلت: صرح به في "المغني" و "الشرح" وقد رتب الواقف، فيعمل بمقتضاه حيث لم يوجد الشرط المذكور فيستحقه الأعلى فالأعلى. وقد أفتينا بذلك غير مرة وبينا بطلان قول من زعم أن الوقف والحالة هذه منقطع.
وقال القاضي علاء الدين بن اللحام البعلي: بعض الفقهاء يقول: هو وقف منقطع الوسط، وبعضهم يقول: يكون لأقرب الموجودين من أهل
الوقف إلى الواقف عملا بعموم الكلام الأول، حيث جعله مرتبا ترتيب بطون فاقتضى أنه لا يأخذ أحد من بطن مع وجود أحد من بطن أعلى منه، لكن استثنى من ذلك شيئين:
أحدهما: من مات عن ولد.
والآخر: من مات عن غير ولد.
بقي الباقي على همومه، فيرجع هذا النصيب إلى أعلى البطون الموجودة من أهل الوقف، عملا بعموم الكلام الأول. وفي كلام "المغني" إشارة إلى ذلك. انتهى.
وهذا كتبه الشيخ عبد الله للشيخ سليمان، ومن خطه نقلت في مسألة وقف، وهي هذه:
ما تقول فيمن وقف عقاره على أولاده، ثم على نسلهم، ومن مات منهم فنصيبه لولده، إلا البنات فما لنسلهن شئ. وللواقف أربعة بنين مات كل منهم عن أولاد، وأولاد أحد البنين الأربعة ثلاث بنات، ومات منهن بنت في حياة عمين لها وأختيها، فهل يكون نصيبها لأختيها، أو لعميها؟ وإن قلتم: للعم اعتمادا على قولهم فإن لم يوجد في درجته أحد، فكما لو لم يذكر الشرط، فيشترك الجميع في مسألة الاشتراك، ويختص به الأعلى في مسألة الترتيب، وفي "شرح المنتهى" عن ابن اللحام، وابن مغلى ما يؤيده، ولم يجعلوا ذلك لمن هو أنزل من الميت كابن أخيه مع أبيه أخي المتوفى، وبعض الناس يقول: إن لأخ المتوفى، لأن الواقف قال: من مات فنصيبه لولده، وهذا من الولد، ومعلوم أن ابن الأخ من الولد، لكن الترتيب منعه، والوقف يتلقاه كل بطن عن الواقف، فإذا لم يوجد لمن مات ولد، ولم يشترط الواقف أن من مات عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته، فإن الباقي في حقه على عمومه، فيكون نصيبه لأعلى طبقة موجودة وذكرنا للقائل ذلك، وأخبرنا بأنه رجع.
وإذا قال الواقف: على ولدي فلان، وفلان، ثم أولادهم ومن مات فنصيبه لولده، هل كل أولاد ولد فخذ مستقلة بحيث لو مات أحد من أهل فخذ ولا ولد له عن ابن أخ وعمين هما أعلى منه من فخذ أخرى، يكون نصيبه لابن الأخ، أم لا فلا تفيد تسمية الأولاد شيئا؟
الجواب: إذا وقف على أولاده ثم على نسلهم ومن مات فنصيبه لولده إلا البنات فلا لنسلهن شئ. ثم إنه ماتت بنت من بنات بعض ذكور الواقف، ولها أختان وعمان، فنصيبهما للعمين بلا إشكال.
والقول بأنه لأختي الميتة بعيد من الصواب. وأما إذا وقف على أولاده فلان وفلان وفلان، ثم أولادهم، ومن مات منهم فنصيبه لولده، فليس كل أولاد رجل فخذ مستقلة، بل إذا مات واحد من الذي الواقف جد أبيه مثلا، ولا ولد له، وفي درجته إخوة أو بنو عم، وله عم أو أعمام، ونحو ذلك، كان الوقف للأعلى لأنه الذي يصدق عليه الشرط بهذا. وكتبه سليمان بن علي ومن خطه نقلت.
وهذا كله في وقف السعدوني في العيينة، والقائل بذلك - أي بأنه للإخوة - عبد الوهاب بن عبد الله ثم بعد ذلك رجع لقول الشيخين عبد الله وسليمان بأنه للعم كما أجابا. ثم إن الشيخ عبد الله والشيخ سليمان رجعا وأفتيا بأنه للأخ موافقة لقول عبد الوهاب الأول أنه لإخوة الميت، ووافقهم على ذلك فقهاء مكة كما تقدم. وإلى الآن شيخنا عبد الله يقول: إنه لإخوة الميت، كما قال عبد الوهاب أولا، وأبى ألا يرجع إلى قوله الأول: إنه لإخوتها، وقال: بل هو للعم، مع أن ظاهر الدليل معه كما تقدم عن "شرح المنتهى" لكن دليلهم يبعد إرادة الواقف أنه إذا مات شخص ينتقل نصيبه لعمه دون أخيه، بل القصد والعرف أنه لأخيه، والحق أحق أن يتبع، مع أن لهما من الاطلاع ما لا يكون لغيرهما، وكفى بهم قدوة، ولنا بهم أسوة، مع أنه الآن موافق لقولهم الأول.
وقف عقاره على اولاده ولزوجته حياتها كثمن، ومن مات فنصيبه لولده، وإلا فلمن في درجته. فمات أحد الأولاد عن غير ولد، فهل تدخل الزوجة في نصيبه لأنها من أهل الوقف وتدخل في قول الدرجة لأن الدرجة المساواة في الاستحقاق لا أعلى ولا أنزل؟
والظاهر دخولها مع الثقل. أما لو قال: على أولادي، ثم أولادهم، ومن مات فنصيبه لولده، أو عن غير ولد لمن في درجته، ولزوجتي كذا سهم حياتها، فمشكلة. وميله مع الثقل أنها لا تدخل. وكذا عن الشيخ محمد مثل ذلك الجواب، من تقرير شيخنا.
وقف على أولاده، الموجود والحادث، وله مثلا أربعة بنين، ومن مات فنصيبه لولده. ثم مات واحد أو أكثر، فحل ولده محله، ثم حدث للواقف ولد أو أكثر، فدخل معهم في الوقف بقدر نصيبه، ثم مات الحادث فهل يكون ما بيده لأهل الطبقة العليا وهم أولاد الواقف وإخوان الميت والوقف مرتب، أم يكون بين أهل الوقف كما كان قبل حدوث الحادث لأنهم تناولوه قبله، ثم دخل الحادث عليهم فشاركهم، فإذا مات فكأنه لم يخلف فيها؟
عنده تردد، والأقرب عنده والأظهر له، إنه يكون لأهل الوقف، لأنه العرف، وقصد الواقفين التسوية، ولأنه إن قيل: إنه للأعلى، أفضى ربما إلى انحصار الوقف في واحد. وسئل عنها الشيخ محمد وميله إلى ذلك، من تقرير شيخنا.
من "جمع الجوامع": سئل أبو العباس عمن توفي من أهل الوقف عن ولد وأخ شقيق فيشهد قوم أن الوقف يختص بالولد دون الأخ بمقتضى شرط الواقف مع عدم تحقيقهم لحقوق الوقف، هل يجوز لهم ذلك، ويحكم الحاكم بشهادتهم من غير استفصال أم لا؟
فأجاب: الشهادة في الوقف بالاستحقاق غير مقبولة، وكذلك في
الأرض وما أشبه ذلك من الأحوال الاجتهادية، كطهارة الماء ونجاسته، ونحو ذلك. لكن الشاهد يشهد بما علمه من الشروط، والحاكم يحكم بمجرد اجتهاده. انتهى.
إذا قال: وقفت على ولدي فلان وفلان وفلان، ومن مات عن ولد فنصيبه لولده، وعن غير ولد فكمعدوم فإذا مات أحدهم وخلف ابنين، كان لهما ما كان لأبيهما. فإذا مات أحدهما عن غير ولد فكمعدوم، أي فكما لو لم يكن أصلا، فيكون نصيبه لأخيه الذي لأخيه الذي هو ابن الميت الثاني، لأنه إذا كان معدوما صار ما بيد الأب لولده. وكل أولاد رجل يستحقون - والحالة هذه - ما بيد أبيهم. ومن مات منهم رجع نصيبه لإخوته دون أهل الوقف، كالوقف المستقل. وإن مات أحد أولاد الواقف عن غير ولد، صار كمعدوم، ويكون الوقف بين أخويه. فإن كان أحدهما قد مات عن ولد فله مثل ما لأبيه لو كان فيكون لأخ الميت نصف ما بيده، ولابن أخيه نصفه، لأنه إذا عدم أصلا كان كذلك، وكما لو لم يخلف الواقف إلا ابنين، وابن الابن كأنه أبوه، فيحل محله في الأصلي والعائد كهذه بخلاف ما إذا لم يقل: كمعدوم فإنه يكون لأخيه، أي أخ الميت، لأنه الأخ، وهو الأعلى طبقة. من تقرير شيخنا.
وإذا قال: هذا وقف على الضعيف من أولادي أو أولاد زيد، فللبطن الأعلى فالأعلى، والذكر كالأنثى، أي كل ضعيف منهم. وإن قال: من آل فلان فالظاهر أنه يعني من أولاد فلان، لأنه العرف لا القبيلة، ويكون ذلك مشتركا بين أولاد فلان الضعفاء، ولو مع وجود أبيه لا مرتباً. والضعيف كل من تختل كفايته عاما كالمسكين، فلو كان له عقار لا يكفيه نفقة العام، استحق. قاله شيخنا.
إذا قال: هذا وقف على أولادي فلان وفلان وفلانة، ومن مات من الأبناء قام ابنه مقامه. فماتت البنت بعد ما مات أحد الابنين، وانتقل
نصيبه لولده، فهل يشترك فيما بيدها أخوها، وأولاد أخيها الميت لأنهم أهل الوقف، ولقوله: يقوم ولده مقامه، أم يختص به الأخ فقط؟
الأظهر كونه للأخ فقط، لقوله: يقومون مقامه - يعني فيما بيده - بخلاف ما لم يصل إلى بيده، كذا قرر لنا الشيخ محمد. قاله شيخنا.
وقف شخص على أولاده وأولادهم، وحكم بصحة الوقف ولزومه حنبلي حاكم، ثم عرضت على مرشد بن دبيان الشافعي، فحكم بدخول أولاد البنات، لأن مذهب الشافعية أن أولاد البنات يدخلون في مسمى الأولاد والنسل إذا لم يحكم بتخصيص خروجهم حاكم.
ووقفت على جواب للشيخ محمد بن عبد العزيز الزمزمي، وقد سئل عن امرأة وقفت على أولاد أختها وما تناسلوا وهم موجودون حين الوقف بنين وبنات وشرطت أن من مات من أهل الوقف قام وراثه مقامه، فهل يختص بالوقف ذرية البنين، أم يشترك فيه ذرية البنين وذرية البنات؟
فأجاب الشيخ المذكور: يدخل في قولها أولاد الذكور وأولاد الإناث، هذا إن حكم بصحة الوقف قاض شافعي. فإن حكم به غير شافعي، فيرجع إلى مذهبه، هذا جوابه بالحرف. فكان كلامه يخالف قول مرشد.
فأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسين المفتي بالاحساء، الجواب:
يرجع في حكم الحنبلي إلى مذهبه. والحكم الصحيح بشروطه يرفع الخلاف، ومذهب الشافعي أن الوقف على النسل والعقب والذرية وأولاد الأولاد، يدخل فيه أولاد البنين والبنات، إن حكم به شافعي. وإن حكم بالوقف حنبلي، رجع إلى مذهبه في ذلك. فقول مرشد: إذا لم يحكم بتخصيص خروجهم حاكم، فيه ما فيه. وقول الزمزي ظاهر. وكتبه عبد الرحمن بن عبد الله الشافعي ومن خطه نقلت.
وقف داره على ولديه فلان وفلان، ومن مات منهما فنصيبه لولده.
هل يدخل ولد بنت الولد أم لا؟ فيها عنده ثقل. ولو قال: على أولاده، من مات فنصيبه لولده، دخلوا. قاله شيخنا.
وقف على ولديه فلان وفلان، ومن احتاج من من بنتيه فلانة وفلانة، زنزلت حوياً معلوما بجانب العقار، فهي أحق منهما.
فالظاهر لو انتقل الوقف لأولاد الابنين حال غنى البنتين، ثم احتاجتا أو احداهما، ونزلتا الحوي المذكور قدمت على أولاد الابناء بطريق الأولى. قاله شيخنا.
وقف على بنتيه ونسلهما، وكان لإحداهما ابن، فله النصف. وماتت الاخرى عن بنت، فلها النصف. ومن مات فنصيبه لولده إذا لدخول أولاد البنات إلى انقراضهم وذريتهم. قاله شيخنا.
قوله: ومن وقف على ولده ثم المساكين
…
إلى أن قال: كوصية أي كقوله: أوصيت لأولادي ثم أولادهم، كل سنة بكذا، لا مطلقا، صرح به في "القواعد". قاله شيخنا.
أثبت الشيخ ناصر وقفاً بشهادة شاهد، ولم يحكم به. ثم بعد زمن كان مستحقه ابن بنت للقاضي المذكور لا يحكم بها، لأن الثبوت ليس بحكم، بخلاف ما لو حكم بشهادته. قاله شيخنا.
الوقف المنقطع إذا كان لورثته نسبا، فكانوا إذاً بنتاً، وابن ابن، وبنت ابن، فللبنت النصف، والباقي لأولاد الابن. فإن مات الابن، فظاهر قول الشيخ ناصر: يكون لأخته وعمته على قدر سهامهما: لأخته ربع، ولعمته ثلاثة. وعلى ظاهر كلام البلباني: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، والباقي للعاصب إن كان، وإلا رد عليهم فيقسم الفاضل على أربعة. من تقرير شيخنا.
أقر بوقف داره فقط، وأقر بعض أولاده أنه وقفها أبي على أولاده،
ثم أولادهم بإقرار أبيه له، فالظاهر صحة الإقرار، لأن إقرار الابن يصح على نفسه. وإن كان عدلا فشهد به، صح ولاشك في ذلك، لأنه يقبل من الواقف إذا لم يعين مصرفا بعينه أيضا، كما صرح في "الكافي" و "الرعاية" و "جمع الجوامع" وغيرهم، ولأن من سمع الانشاء سمع منه الإقرار. قاله شيخنا.
إذا اقتسم اثنان عقارا وقفا عليهما، وحكم بالقسمة حاكم يراها، فمات أحدهما والوقف مرتب، فانتقل إلى شريكه الذي هو أخوه، ثم مات المنتقل إليه وخلف ابنا، وللميت الأول ابن، فكان الوقف بينهما، فهل ينتقل مقسوما، فيكون لكل واحد ما لأبيه، أم مشاعا؟ الأظهر أنه مشاع، لتلقيهم له من واقفه، لا من آبائهم. قاله شيخنا.
قوله: فلمن يؤول الوقف عليه قبل استحقاقه الحلف مع الشاهد إذا نكل الأول. فلو نكل البطن الأول عن الحلف، وحلف الذي بعده مع الشاهد، ثبت الوقف. لكن هل يكون النماء في مدة حياة الناكل لصاحب اليد، لأن الحالف لم يستحقه بعد، لأن استحقاقه بعد موت البطن الأعلى لكن لا يتصرف في الرقبة بما يضرها، لأن حق الحالف في الرقبة لا في النماء الموجود، لأن النماء للناكل، وقد ذكورا أن النكول كإقامة البينة أم يستحقه الأعلى تبعا لثبوت الوقف بالحلف من البطن الثاني؟
فيها تردد. وميله أنه لا يستحقه بل يكون لصاحب اليد. وأفتى به، ووافقه على ذلك غيره. من تقرير شيخنا.
أوصى بأضحية يضحى له بها، أو قال: له أضحية، ولأبويه لكل واحد أضحية، وهما حيان، ففعل الوصي وسلم ذلك قبل الذبح أو بعده لورثته أو لأبويه، أو فرقه بنفسه، صح ذلك كله، ووقع الموقع. قاله شيخنا.
وقف داره على أولاده على فرائض الله، فهو مرتب على ما عرفنا من
فتاوى الفقهاء قبلنا، وفيها عنده ثقل. قاله شيخنا.
قوله: وتسجيل كتاب الوقف من الوقف، وكذا اثبات وصية من المال الموصى به. الظاهر أن ذلك من نمائه إن كان، وإلا فمن الوقف نفسه.
قال شيخنا: وقف على أولاده الموجود والحادث وفيهم بنات، أو كلهم، ثم على أولادهم، فالظاهر دخول ولد البنات للقرينة المذكورة. قاله شيخنا.
وقفت امرأة على أخيها، ثم مات ولد أربعة أبناء، فكان الوقف لمنقطع يتلقونه من الواقف، وهي عمتهم، ثم مات الأربعة وخلف بعضهم بنين وبعضهم بنات فهل يشتركون فيه، أم يختص به الذكور لأنهم ورثة الواقفة إذاً دون أخواتهم؟
أجاب الشيخ سليمان بن علي: يختص به الذكور - كما في "الرعاية" - دون أخواتهم، ولا يقول بالاشتراك فيه إلا جاهل. ومن خطه نقلت.
من "جمع الجوامع" القاعدة الثالثة والثلاثون: إذا لم يخرب المسجد، ولكن خرب ما حوله من بلد أو قرية أو محلة، ولم يبق من يصلي فيه، جاز بيعه، وصرف ثمنه في مسجد، وإذا كان لا ينتقع به، إما بقرب مسجد كبير، ونحو ذلك، بيع وصرف في مسجد.
الخامس والعشرون: ذكر في "الرعاية" وغيرها: أن من وقف دابة على سقي الماء في مسجد، لم يجز استعمالها في غيره، ولا في عمل غيره.
ومنه أيضا: الرابع: أن يقف ناجزاً، فإن علقه على شرط غير الموت، لم يصح. انتهى.
فائدة: نص الإمام أحمد على جواز تجديد بناء المسجد لمصلحة.
وعنه: يجوز برضى جيرانه
…
إلى أن قال: وقال الشيخ فيمن وقف كرماً على الجيران، ويحصل على جيرانها بها ضرر: يعوض عنها بما لا ضرر فيه على الجيران، ويعود الأول ملكا، والثاني وقفاً. انتهى.
أفتى الشيخ محمد بن اسماعيل: يجوز بيع تيس سبيل ينطح الناس
وأنه يشترى بثمنه آخر. وأقل ما فيه كم أبي العباس هذا. قاله شيخنا.
قال في "الزركشي": قال: وكذا المسجد إذا ضاق بأهله، أو كان في مكان لا ينتفع به، كأن ينتقل أهل قرية عنه، أو يخاف في الذهاب إليه من اللصوص، ونحو ذلك فإنه يجوز بيعه على المذهب المشهور.
وإذا لم يمكن إنشاء مسجد بالثمن، صرف في شقص مسجد.
تنبيه: ويكون البائع لذلك الإمام أو نائبه. نص عليه. وكذلك كل وقف لا ناظر له. انتهى.
لو مات مؤجر الوقف وانتقل إلى من بعده، لا تبطل الإجارة بموته. انتهى.
ومن "جمع الجوامع": وفي "الأحكام السلطانية": يعمل والي المظالم في وقف عام بديوان حاكم أو سلطنة أو كتاب قديم، يقع في النفس صحته. انتهى.
قوله: لو حكم حاكم بمحضر بوقف فيه شروط إلى آخره. الظاهر تقدير العبارة. ولو حكم حاكم بمحضر بوقف فيه شروط شرطها الواقف، ثم ظهر كتاب للوقف أسبق، وهو - أي الكتاب الظاهر - صحيح، صار الذي حكم به غير ثابت، وما ظهر وجب ثبوته، أي العمل به، وترك ما يخالفه إن أمكن، أي كملت شروط الصحة فيه ولم يوجد ما يرده. كتبه عبد الله بن ذهلان، ومن خطه نقلت.
إذا باع الحاكم العقار تحوطا بعد بيع مالكه له، أو بوكله - أي وكل المالك - وكان عدلا، أو يوكل المالك والحاكم عدلا، فباعه خوفا أن يظهر كونه وقفا، أو مال غائب، ثم ظهر كذلك، وقد حكم الحاكم فيه بالصحة أو الموجب، لم ينقض، ولو لم يذكر أنه متعطلة مصالحه إذا كان كذلك، إذ العبرة بما في نفس الأمر، ولأن الحكم مستلزم ذلك، وهو يرفع الخلاف. قاله شيخنا.
ومنه: لا يسوغ استعمال صغير ولو برضاه إلا بإذن وليه.
ويتوجه: يسوغ استعمال مميز. ويتوجه: يجوز إن كان قريبا. ولا يركبه دابة. ولا يصعده نخلة، ولا ينزله بئرا، أو ماء. فإن فعل فتلف ضمنه. انتهى.
الخامس عشر: إذا عمر البطن الأول من أهل الوقف فيه أو غرسوا من مالهم، ثم ماتوا، ثم انتقل الوقف إلى البطن الثاني، كان ذلك لورثة البطن الأول. انتهى.
ومنه أيضا: قال بعد السؤال: جواب لأبي العباس في المغارسة في الأرض الوقف: وفي هذا الفرع أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن الأرض إذا كانت موقوفة على شخص أو جماعة، وهو أهم النظار بالاستحقاق، إن لهم غرس الأرض لأنفسهم لا لجهة الوقف، ويكون الغرس ملكا لهم، سواء وقع الغرس من مالهم أو من ريع الوقف الذي يستحقونه. والأمر في هذا صحيح. فأما إن كان للناظر غير المستحقين، أو هو أحد المستحقين، أو النظر لكلهم، فليس له ولا لغيره أن يغرس إلا بإذن الجميع. وإن غرس فحكمه حكم غرس الشريك بغير إذن شريكه.
وحكم ذلك حكم غرس الغاصب. فلو وقعت القسمة بينهم، وقلنا بصحة قسمة الوقف فهل يسوغ لمن له قطعة أن يغرس أو يبني فيها؟ نعم له ذلك، وحكمهال حكم الوقف المختص به. انتهى.
والمسجد الذي تعطل وبيع بشرطه ثم وقفه مشتريه، لم يعد لما كان عليه أولا بذلك الوقف لأن هذا أمر جديد، ما لم يبع، ثم زال تعطله، فإن وقفه، يرجع عليه. وإن اشتراه الولي من مشتريه بمثل الثمن أو غيره، ثم أوقفه فالظاهر لا يرجع الوقف عليه أيضا على حاله أولا، لأن هذا ابتداء وقف ثان، إلا أن يسبله المشتري عليه.
وقد وقع عندنا كذلك فأمرنا المشتري بوقفه عليه، والثواب له لأنه ملكه. قاله شيخنا.
وأما المسقاة التي بقي من سبلها شئ مدة تعطلها، فيجوز دفعه
لمن يعمرها زيادة على وقفها الأول إذا كان لا يكفي. ويجوز أن يصرف في دلو أخرى، وأن يتصدق به، وأن يشتري به نخلة توقف على المسقاة المذكورة. ويفيد ذلك كله كلام أبي العباس وبناء المساكن، قاله شيخنا.
من "جمع الجوامع": وذكر أبو العباس في "الفتاوى المصرية":
أرض موقوفة على جماعة معينين ولهذا الوقف ناظر. فأذن الرجل أن يغرس في الأرض الموقوفة، على أن يكون النصف من الغراس للمغارس، والنصف للموقوف عليهم أبدا ما بقي، لما رأى المصلحة في ذلك لأرباب الوقف. ثم إن الناظر باع النصف من الغراس المختص بأرباب الوقف لأمر خارج عن مصلحة الوقف، وآخر نصف الأرض لابقاء هذا النصف من الغراس، فهل يصح هذا البيع والإيجار، أم لا؟ وهل لمستحقي الوقف استرجاع هذا البيع من يد المشتري أم لا؟
أجاب: إن كان غرسه لنفس الوقف، فحكمه حكم سائر الغراس الموقوف، لا يباع إلا لمصلحة الوقف. وإذا باعه الناظر بيعا مطلقا حمل على الصحة حتى يقوم حجة بالفساد. وأما إن كان غرسه لنفسه بحكم استحقاقه للمنفعة كالزرع، فهو له يملك بيعه، ويستحقه المشتري ما دامت المنفعة للبائع. فإذا انتقل إلى البطن الثاني، فلهم تملكه بالقيمة، ولهم إبقاؤه بأجرة المثل، ولا يجب عليهم إبقاؤه بلا أرجة، ولهم مطالبة هذا بأجرة الأرض، فإنه قائم مقام بائعه الذي كان يستحق جميع المنفعة
…
إلى أن قال: وإن الأرض إذا كانت موقوفة على شخص أو جماعة، وهو أوهم النظار بالاستحقاق، ان لهم غرس الأرض لأنفسهم لا لجهة الوقف، ويكون الغرس ملكا لهم، والأمر في هذا صحيح. انتهى.
ومنه أيضا: وهل إذا فضل من وقفه شئ بعد العمارة ومعلوم
الامام والمؤذن يجمع ويشرى به الوقف أو يصرف إلى المحدث أم لا؟
قال: أجبت إذا كان ذلك وقفا على المسجد فتقدم عمارته وعمارة المسجد، ولا يجوز الصرف إلى المحدث. وما فضل من ريعه عن العمارة، وما يسوغ صرفه يدخر منه ما يكفي العمارة. وما فضل يشتري به عقارا ويقفه على المسجد المذكور. فإن حصل من ريعه شئ، صرف إلى المحدث المذكور بما ذكر. انتهى.
ومنه أيضا: الثالث عشر: ما يحتاج إلى صرف فيه، كشهود ودلال ونحو ذلك، يصرف من الثمن ولا يجوز صرف برطيل للقاضي من الثمن. انتهى.
إذا وقف عقارين على جهة، فتعطل أحدهما، هل يعمر من الآخر مع حاجة المستحق له، أم يباع كله ويشرى به بدله، أو يباع منه بقدر العمارة؟
فيها إشكال والأقرب بيعه أو بعضه، ولا يعمر وقف من آخر لأدائه إلى منع المستحق مع حاجته. قاله شيخنا.
من "جمع الجوامع": قال أبو العباس: الجمع بينهما بحسب الإمكان أولى، بل قد يجب. وظاهر هذا من كلامهما تقديم العمارة على المستحقين لأن أرباب الوظائف أولى بالأخذ منهم. وظاهر ذلك إن لم يفضل من العمارة شئ، فلا شئ للمستحقين، ولا لأرباب الوظائف.
وقال بعض المتفقهة في زمننا: المستحقون أحق من العمارة لأن عمارة الأبدان أولى من عمارة الجدران. انتهى.
ومنه: قال ولد البلقيني: وجدت هذه المسألة بخط الخطيب الأنباري نقلها عن الوالد.
إذا قام من له وظيفة نائبا، فمن يستحق معلوم الوظيفة، الغائب أم المستنيب؟
فأجاب: إن كان في شرط الواقف ما يقتضي جواز الاستنابة، فالمعلوم كله لصاحب الوظيفة - أي الأصيل - إن حصل القيام بالوظيفة على مقصدو الأمر بين النائب والأصيل على ما اتفقا عليه مما يسوغ شرعا.
وإن لم يكن في شرط الواقف تعرض لذلك، وكان هناك عذر يبيح الاستنابة فالأمر كذلك. انتهى.
ومنه: أجاب أبو العباس: إذا كان قلع الأشجار مصلحة للأرض بحيث يريد الانتفاع بالأرض إذا قلعت، فإنها تقلع، وينبغي للناظر أن يقلعها، ويفعل ما هو الأصلح للوقف، ويصرف ثمنها فيما هو الأصلح للوقف من عمارة الوقف أو المسجد إن احتاج إلى ذلك. انتهى.
شخص أوصى بجراية كذا تمر أو بر في عقار له طلق، أو وقفه وقدم ذلك في غلته، صح ذلك ويخرج ذلك منه لا من غيره لأنه ربما له فيه قصد. قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع" في أثناء كلام لأبي العباس: وإذا خرب مكان من موقوف فتعطل نفعه، بيع وصرف ثمنه في نظيره، أو نقلت آلته إلى نظيره. وكذا إذا خرب بعض الأماكن الموقوف عليها كمسجد ونحوه، على وجه تتعذر عمارته، فإنه يصرف ريع الوقف عليه على نظيره، وما فضل من ريع الوقف عن مصلحته، صرف في نظيره، أو مصلحة المسلمين من أهل ناحيته، وتمامه فيه.
وفي كتاب ابن أبي المجد: لا يصح وقف مجهول، وفيه احتمال. انتهى.
فقوله: ويحرم صرفه بلا موجب شرعي، أي من قرر في وظيفة.
وظاهره: ولا يصح تقرير أحد فيها، والوظيفة للأول. قاله شيخنا.
قوله: كالعقار لم تجب عمارته على أحد. هذا إذا كان وقفا على معين، كولده، بخلاف الوقف على الفقراء ونحوهم، وكذا إن كان على
مؤذن أو مقيم، أو إمام بهذا المسجد، فعمارته مقدمة من ريعه على مستحقيه. فإن لم يكن له ريع لم تجب عمارته على أحد. ويحمل كلامهم على ذلك. وللحاكم بيع بعضه ويعمر باقيه. قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع": إذا خرب الوقف ولم يمكن للموقوف عليه عمارته، ولم يمكن عمارته من ريع ولا غيره يدفع إلى من يعمره ببعضه، بالنصف أو الربع ونحو ذلك، وهو أولى من البيع للعمارة، ومن بيع البعض لعمارة البعض
…
إلى أن قال: أحدها: أن يعطى الوقف لمن يعمره بجزء منه كالنصف مثلا، ويقولون: لذلك دفع إليه البعض في عمارة البعض، وتمامه فيه. وإذا صرف وقف نحو مسجد على آخر، وفيه ثمرة موجودة تبعت في الصرف للمستحق. وإذا نزل التعطل مع بقاء المسجد الأول، رجع إليه وبطل الصرف. ولابد للصرف من حاكم أو عدل يعرف أحكام الصرف يوليه شيخ البلد. وإن بيعت بقعة المسجد عند التعطل بشرطه، ثم زال لم يرجع عليه، ولو وقف ثانيا لأنه ابتداء وقف آخر، فلا يستحق شيئا مما كان عليه أولا قبل الصرف، ولأنه بيع بشرطه، وذلك بلا تردد. قاله شيخنا.
وإذا أكل إمام مسجد من وقف آخر متعطل بلا صرف. فإن كان فقيرا، فإن أخذه الحاكم منه ثم رده عليه جاز. والظاهر أنه يجوز له مطلقا. وإذا كان الوقف في بلد، فولايته لحاكمه. ولا يتعين صرفه عند تعطله إلى مساجد القرية التي هو فيها، أو المسجد، بل يفعل الحاكم ما رآه مصلحة، وفيه قول: إن الأقرب أولى. قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع" عن "الفتاوى المصرية": وقف على الفقراء، وفيه أشجار زيتون وغيره، يحمل بعض السنين ثمرا قليلا وانقطعت، وبيعت، وشرى بثمنها ملك يغل أكثر منها، فهل للناظر ذلك؟ وإن طالبه بعض المستحقين بقطع الشجر وبيعه وقسم ثمنه عليهم، هل له ذلك؟ أم يشتري به ملكا يكون وقفا؟
فأجاب أبو العباس: يجوز بيع تلك الأشجار، ويشري بها ما يكون مغله أكثر فإن الشجر كالبناء، وللناظر أن يغير صورة الوقف من صورة إلى صورة أصلح منها. كما غير الخلفاء الراشدون صورة المسجدين اللذين بالحرمين، وكما نقل عمر رضي الله عنه مسجد الكوفة من موضع إلى آخر، وأمثال ذلك. ولا يقسم ثمن الشجر بين الموجودين لأن الشجر كالبناء لا يختص به الموجودون، وليس هو بمنزلة الثمر والزرع، والمنافع التي تختص أهل الوقف كل طبقة بما يوجد في زمنها. انتهى.
ومنه بعد كلام سبق: أو تعذر نفع الوقف بخراب، أو غصب، أو غيره، أو تعذر عوده إلى حالته الأولى، أو عود أكثره، أو خيف أن يتعطل نفعه، وقيل: أو أكثره. انتهى.
ومن "مغني ذوي الأفهام": واقع الوقف لازم ولو لم يحكم به حاكم. فإن لم يخرجه الواقف من يده لما هو موقوف عليه لا يلزمه. انتهى.
ومن "جمع الجوامع": وتغيير صورة البناء لمصلحة من غير عدوان، فينظر في ذلك إلى المصلحة، فإن كانت هذه أصلح للوقف وأهله، أقرت. وإن كانت إعادتها إلى ما كانت عليه أصلح أعيدت. وإن كان بناء ذلك على صورة ثالثة أصلح للوقف، بنيت، فيتبع في صورة البناء المصلحة للوقف، ويدار مع المصلحة حيثما دارت. وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين كعمر وعثمان أنهما قد غيرا صورة الوقف للمصلحة، وتمامه فيه.
ومن "الانصاف": الفائدة الرابعة: اقتصر المصنف، والشارح، والزركشي، وجماعة على ظاهر كلام الخرقي: أنه لا يشترط أن يشترى به من جنس الوقف الذي بيع، بل أي شئ اشترى بثمنه مما يرد على
أهل الوقف جاز. والذي قدمه في "الفروع": أنه يصرف في مثله، أو بعض مثله. انتهى.
ومن "مغني ذوي الأفهام": وإذا خرب الوقف، وتعطلت منافعه، أو تعطلت من غير خراب كجلاء أهل محلته، ونحو ذلك، أو باستيلاء من لا يمكن رده، جاز بيعه، وصرف ثمنه في مثله، أو دونه، أو المناقلة به. وكذا الفرس الحبيس، والمسجد غير الثلاثة إذا لم ينتفع به في موضعه، باعه حتى الأرض وجاز الانتفاع بها في كل شئ، وبيع آلته ويشرى بثمنه مكان يبني مكانها، في مكان ينتفع به. وساغ بيع بعض آلته وصرفها في عمارته. انتهى.
ومن "حاشية ابن قندس": فإن لم يكن له ناظر خاص، فعل ذلك الإمام، أو نائبه، وقيل: يفعله الموقوف عليه. قال المؤلف: إن قلنا: يملكه، وإلا فلا. قال ابن أبي المجد: فيبيعه ناظره. واقتصر عليه، ولم يزد على ذلك.
وفي "الزركشي" فإن الناظر يبيعه، ولم يذكر سواه مع كثرة نقله.
وفي "التلخيص": ويكون البائع الإمام، أو نائبه. نص عليه.
وكذا الشراء بثمنه. وهذا إذا لم يكن للوقف ناظر، لكن قد يقال: ظاهر كلام "التلخيص" يشعر بما قدمه المصنف، لأنه قال: ويكون البائع الإمام، أو نائبه. نص عليه.
وظاهره أن المنصوص بيعه للإمام، أو نائبه. وأما قوله: هذا إن لم يكن له ناظر، فالظاهر أنه من عنده. ثم قال: واعلم أن كون الذي يبيعه هو الحاكم، دون الناظر، ظاهر من جهة النظر، لأن الناظر في عرف الواقفين هو الذي ينظر في تنمية الوقف، بل لفظهم غالبا ظاهره المنع من ذلك، لأنهم يعينون في شروطهم عدم البيع، ولأن في بيعه بيع على الغائبين،
وهو الذي يستحقونه بعد انقراض ذلك الناظر، وليس له كلام عليهم، فيكون الأمر في ذلك من له الكلام في الجملة على الحاضرين والغائبين، وهو الحاكم. إذا تقرر أن البيع ليس على الموجودين حالة البيع فقط، بل عليهم، وعلى غيرهم ممن يستحق الوقف، إلى من لا يتحقق حصره، علم بذلك أن الذين يباع عليهم هذا الوقف ليسوا معينين بأجمعهم. وإذا كان كذلك، كان حكمه حكم الوقف على غير معين في البيع. ولا شك أن الوقف على غير معين إنما يبيعه الحاكم، فكذلك هذا، وتمامه فيه.
ومن "جمع الجوامع": القاعدة الثالثة والثلاثون ك لو كان بمسجد أو جامع خلاوي للفقراء، فتعطلت منهم، ولم يوجد من يسكنها ممن شرطت له، فهل يسوغ أن تؤجر، وترد الأجرة على مصالح المسجد أو المدرسة؟
أما إذا لم يحتج إليها، فإنها تبذل لفقير محتاج مجانا. وإن احتاج إلى أجرة العمارة ونحوها، جاز أن تؤجر، وتصرف الأجرة في ذلك. انتهى.
قال في "الرعاية الكبرى": وما فضل من حصره وزيته عن حاجته، صرف إلى مسجد آخر محتاج، وجاز صرفه لمسلم فقير. وقيل: بقربه. وقيل: وفقير بعيد. انتهى.
والذي ظهر لنا: أن الصرف على المحتاج من مساجد البلد متعين، وكذا حكم القناطر، والمساقي، والمدارس، والباطات. قاله شيخنا.
ومن "التحفة" للشافعية: لو أكره مستحق على عدم مباشرة وظيفة، استحق المعلوم كما أفتى به التاج الفزاري. وقال الرملي: وفي معنى الإكراه لو عزل عن وظيفة بغير حق، وقرر فيها غيره، فيستحق المعلوم، إذ لا ينفذ عزله. نعم إن تمكن من مباشرتها، فينبغي توقف استحقاقه المعلوم عليها. انتهى.
والظاهر عندنا كذلك. قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع": قال أبو الحسن ابن اللحام في "الاختيارات":
قال أبو العباس: والمكوس إذا أقطعها الإمام الجند، فهي حلال لهم إذا جهل مستحقها. وكذلك إذا رتبها للفقهاء وأهل العلم. انتهى.
فظهر من هذا: إذا جهل ملاك أرض، فأقطعها الإمام لأحد ممن ذكره أو لى عليها عدلا فباعها وصرف ثمنها للمساكين، أو لمن ذكر أو في مصالح عامة، صح ذلك. قاله شيخنا.
وذكر السبكي: أكثر ما يسأل عن إمام مسجد يستنيب، أفتى ابن عبد لسلام، والنووي، أنه لا يستحق معلوم إمامه، لا المستنيب ولا المباشر. أما المستنيب فلعدم مباشرته. والنائب فلعدم ولايته.
واستنبطه السبكي من استعانة المجعول له، بأن ذلك جائز. والمستنيب يستحق جميع المعلوم إذا قصد النائب إعانته وتمامه فيه.
وإذا كان وظيفة مسجد قليلة، فجميع الجماعة للإمام شيئا، جاز سواء كان في المسجد، أو يتناظرون فيه، وإنه مباح للإمام، ولم يزل يفعل ذلك من غير نكير. قاله شيخنا.
سئل ابن حجر عن التحشية على الكتب الموقوفة، فأجاب: القياس منع ذلك، إلا أنه إذا اقتضت المصلحة خلافه، فحينئذ لا يبعد حوازه إن اقتضتها المصلحة، لأن كان الخط حسناً، وعاد منها مصلحة على الكتاب المحشى عليه لتعلق الحواشي بما فيه، تصحيحاً، أو بياناً، أو إيضاح، أو نحو ذلك، مما يكون سببا لكثرة المطالعة فيه للناس، وانتفاعهم به، لأن الواقف لو اطلع على ذلك لأحبه لما فيه من تكثير الثواب له بتعميم النفع لوقفه. ومتى انتفى شرط ما ذكرت لم تجز التحشية وهذا كاه وإن لم أره منقولا، لكن كلامهم يدل عليه، وتمامه فيه.
ومن "جمع الجوامع": سئل أبو العباس عن إمام قرية يعمل فلاحوها،
ويؤم وتوفي في أثناء الحول، فكم يستحق ورثته؟
أجاب: يستحق ورثته أجرة عمله في الأرض، كما لو كان الفلاح غيره، ويستحقون أيضا من المغل المختص بالمسجد بقدر ما باشر الإمام من الإمامة. انتهى.
ما قولكم في وقف على صوام في مسجد معين وقت الوقف، وليس فيها غيره وقت الوقف، فحدث فتنة في البلد، وبنى بعضهم لهم مسجدا في ناحية، وجعل فيه إماما للعذر، فهل يستحق الصوام الذين يفطرون في الجديد شيئا من الوقف المذكور، يفطرون به في مسجدهم كما قيل بدليل أن الواقف وقفه، والبلد واحد، والجماعة واحدة، والمسجد واحد، ولعل قصده صوام البلد لا البقعة؟
فأجاب الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن ناصر المفتي بالأحساء الشافعي: الوقف المذكور يختص به من يفطر من صوام رمضان بالمسجد المعين القديم، وليس لأهل المسجد الجديد مشاركتهم في ذلك لاختصاص الوقف بجهته التي عينها واقفه، ألا ترى أنه لو أراد أهل المسجد المعين أن يفطروا به خارجه، لا يجوز لهم ذلك، فأولى غيرهم. وليس ما ذكره القائل مستدلا به صالحاً اما ادعاه من أن قصده على صوام البلد، لا نفس البقعة، فلا التفات لذلك، ولا يصار إليه، إذ لاعتبار عليه، لعدم مساعدة مدلول اللفظ له، وعدم تعدد المساجد حين الوقف لا يصلح بمجرده أن يكون قرينة على أن مراد الواقف غير أهل البقعة، لا خصوص جماعة المسجد، خصوصا وللواقف غرض، أي غرض في تعيين المسجد، لا يخفى والله أعلم. ومن خطه نقلت.
وسئل أيضا: إذا كان نخل وقف على الصوام في مسجد معين، وأتى رمضان وقد بدا صلاح الثمر لكن لم يرطب، ولم يأت أوان جذه، هل يجوز بيعه، ويشرى به ما يأكلون أو يستدان عليه ما يفطرون به
الآن أم لا لأنه يؤكل في رمضان المقبل، مع أنه بيعه يؤدي إلى الحاجة في المستقبل؟
وإذا انهدمت محلة فيها مسجد، وانتقل أهلها إلى غيرها من البلد، وأحدثوا فيها مسجداً، وصلى بهم فيه إمام المسجد الأول، فهل يستحق وظيفة المسجد الأول بلا صرف، وينتقل ما كان عليه بانتقال أهله وإمامه، أم لابد من صرفه؟ ومن يتولى ذلك؟
فأجاب: الذي يظهر أنه حيث كان النخل المذكور وقفا على من يفطر به في رمضان بالمسجد الذي عينه، وكان الحال كما ذكر، تعين حفظه للافطار به في رمضان الآتي بالمسجد المذكور، وهو الأقرب إلى غرض الواقف. ولم يجز لناظره بيعه، وشراء بثمنه شيئا للإفطار به هذه السنة، أو ليستدين عليه لذلك المعنى الذي أشار إليه السائل، زاده الله توفيقا. وما تقرر من تعيين حفظه لإفطار صوام رمضان به في العام المقبل بالمسجد المعين، محله ما لم يخش التلف قبله، وإلا فللناظر بيعه، ويشرى بثمنه مثله، ويحفظ إلى ذلك الوقت. فإن كان قرضه أصلح لهم، لم يبعد جوازه، كما أفتى بمثل هذا في نظير ذلك العلامة المحقق ابن حجر.
وأما الثانية: فالمتبادر إليه من لفظ السؤال فيها بإطلاق الانهدام شموله لمسجد المحلة، وحينئذ فالذي رجحه المتأخرون من علماء الشافعية في ريع وقف المسجد المتهدم: أنه إن توقع عوده، حفظ له، وإلا صرف لمسجد آخر، فإن تعذر صرف للفقراء، ووقع لبعضهم التعبير بأقرب المساجد إليه، ولعله على وجه الأولوية ليوافق الإطلاق السابق، إذا تقرر ذلك، علم أنه لابد في ريع وقف المسجد المذكور في السؤال من الصرف، وأنه لا يتعين صرفه إلى المسجد الذي أشار إليه السائل بكون الإمام إمام الأول، اللهم إلا إن خص بطائفة، خص بها المتهدم، فلا يبعد تعيينه، وإن بعد.
وقول السائل: ومن يتولى صرفه؟
فجوابه: يتولاه من له النظر في الوقف من خاص أو عام. والله أعلم. ومن خطه نقلت.
وذلك كله حاصل ما أجاب به شيخنا عبد الله بل الله ثراه في كل المسائل الثلاث، لكن شيخنا قال في الأولى: ومع التنزل للقائل بجوازه، مع البعد في ذلك، بأن قصد الواقف صوام البلد، لا نفس بقعة المسجد، فكل من لا عذر له من أهل البلد مع جميع الحادث من ضيف ونحوه، لا يستحقون شيئا إلا في المسجد الأول. فمن تركه سقط حقه بتركه الذي له عذر يخاف. ويقسط كل ليلة على قدر الاشخاص بكثرة من يفطر في المسجد وقلته، فإذا كان الذي يفطر فيه مثلا ألفاً ومائتين، والذين لهم العذر مائتين، أعطوا سبع تلك الليلة. فإذا كان الليلة الأخرى أنهم ألف فقط، وهؤلاء بحالهم، فلهم فيها سدس مع الثقل عليه في ذلك. قاله شيخنا.
قال في "مغني ذوي الأفهام": فإن وقف على قراءة أو صدقة ونحوها، وشرط كونه بمكان معلوم فإن كان القصد القراءة أو الصدقة فيه، حازت بكل مكان، ولما هو أكثر نفعا منه. وإن كان لقصدهما كمن عمر مسجدا، أو مدرسة، وجعل ذلك به، أو بمكان يكثر الانتفاع فيه، أو حاجة أهله إلى ذلك، لم يجز مخالفته. انتهى.
عقار وقف قسم، وبيع بشرطه، هل يشرى به عقار واحد، أم يشرى لكل أهل سهم عقار مفرز؟
الظاهر: يشرى كل شئ على حدة، ولأنه ربما في الاشاعة ضرر. قاله شيخنا.
إذا كان في عقار نخلة أو نخلات وقف واحتاج البئر إلى عمارة، فعليهن قسطهن، لأن فيه مصلحة للجميع. وأما الجدار إذا انهدم، هل يلزمهن منه شئ، أم لا؟ فيها ثقل. قاله شيخنا.
وسئل عنها الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله المتقدم ذكره، وصورة السؤال: إذا انهدم حائط عقار، وفيه نخلات وقف لأرض لهن، فهل على مستحقهن من أجرة الحائط شئ، أم لا؟
فأجاب: ليس للشريك إجبار شريكه على العمارة، لنحو جدار أو بيت، وإن تعذر بهدمه، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه" ولأن في ذلك إضرار له. ومن القواعد المقررة في الفقه أن الضرر لا يزال بالضر. ويجري ذلك في نهر وقف، وبئر مشتركة، واتخاذه سترة بين سطحيهما، ونحو ذلك.
ومنه: ما ذكر في السؤال، ويجري ذلك أيضا في زراعة أرض مشتركة، وسقي مقات، لكن ما ذكر كله مقيد بمطلق التصرف، فلو كان للمحجور عليه مصلحة في العمارة، وجب على وليه الموافقة، ومحله في غير الوقف.
أما هو فيجب على الشريك فيه العمارة. فلو قال أحد الموقوف عليهم:
لا أعمر، وقال الآخر: أنا عمر، أجبر الممتنع عليها، لما فيه من بقاء عين الوقف. وفي غير ذلك يجبر الممتنع على إجارة الأرض المشتركة، وبها يندفع الضرر. كذا قالوه.
ومن خلال ذلك يؤخذ الحكم عن صورة السؤال المسؤول عنه. إذا علمت هذا، فإن كان في إعادة الحائط عمارة للنخلات الوقف كما هو الغالب، وجب على الموقوف عليه موافقة شريكه على ذلك، لما تقرر. انتهى.
إذا غرس إمام مسجد أرضا وقفاً على الإمام، أو غارس غيره عليها، ومات الإمام، أو عزل، فهو محترم، والثاني أجرة الأرض على الأول. قاله شيخنا.
والشراء بثمن العقار الوقف المبيع بشرطه، يجوز في غير مدينته باتفاق مستحقيه. قاله في "شرح الاقناع". قال ابن رجب: ويجوز
في أظهر الروايتين عن أحمد أن يباع ذلك المسجد، ويعمر بثمنه مسجد آخر في قرية أخرى، إذا لم يحتج إليه في القرية الأولى. والوقف على قوم بعينهم أحق بجواز نقله إلى مدينتهم من المسجد. انتهى. قاله شيخنا.
وصرف الثمن والمناقلة به للمصلحة على الوجه المذكور لم يظهر فيه منع. أشار إليهما في "الفروع". الأولى في الحج، والثانية في الوقف. انتهى. قاله شيخنا.
يجوز شركة اثنين في إمامة مسجد بحسب اتفاقهما، وكل يصلي قدر حقه أياما أو صلوات. قاله شيخنا.
ومن "شرح الكنز" للحنفية: وإذا جعل شئ من الطريق مسجداً، صح. معناه إذا بنى قوم مسجدا، واحتاجوا إلى مكان ليتسع فأدخلوه من الطريق في المسجد، وكان ذلك لا يضر بأصحاب الطريق، جاز. وكذا إذا ضاق المسجد على الناس، وبجنبه أرض لرجل، يؤخذ بالقيمة كرها، لما روي أن الصحابة رضي الله عنهم لما ضاق المسجد الحرام أخذوا أرضين بكره من أصحابها وزادوها في المسجد الحرام.
كعكسه أي كما يجوز عكسه، وهي ما إذا جعل في المسجد ممر للناس، لتعارف أهل الأمصار في الجوامع، وجاز أن يمر فيه حتى الكافر، لا الجنب، والحائض، والنفساء، كما عرف في مواضعه. انتهى.
إذا قال: عقاره سبل على المسجد، يفعل به فلان ما رأى فقد جعل المصرف إلى فلان، فيفعل الأصلح من جعله على إمام أو مؤذن أو غيرهما.
وإن مات فلان قبل ذلك، فمشكل. والظاهر كون ذلك - أي الصرف - للورثة. قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع": الثاني: ذكر جماعة على هذا، النزول عن
الوظائف وأخذ مال على النزول عن الوظائف، هل يجوز أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: يجوز أخذ مال على النزول عن الوظائف، وأخذ المال على ذلك، وعليه عمل الناس، وهو قريب من أمر الشرع، بل هو يشبه ما نص عليه.
والثاني: لا يجوز أخذ مال عليه. انتهى.
قال ابن أبي المجد: التوجيه المذكور: إذا كان النزول متوقفا على الإمام بشرط واقف أو غيره، فإن النزول حينئذ لم ينبرم، ولم يتم، فهو شبيه بالمتحجر لايتم ملكه إلا بإحياء. والنزول لا يتم إلا بالإمضاء. فما بين المتحجر والاحياء كما بين النزول والامضاء. فكما أن المبادر إلى الاحياء فيما بين ذلك لا يملكه، ولا يبطل حق المتحجر في المحيا، بل حقه قائم على المذهب، فلذلك المبادر إلى التقرير في الوظيفة المنزول عنها، لا يستحقها، ولا يبطل حق المنزول له فيما نزل عنه، بل حقه قائم متوقف لزومه على الإمضاء. فإن وجد، انبرم، وتم للمنزول له، وإلا كان للمنزول عنه، ولم يحصل لغيره.
وليس للناظر التقرير في مثل هذه الوظيفة، إنما يقرر فيما هو خال عن يد مستحق، أو في يد من يملك انتزاعه منه لمقتضى شرعي، فحينئذ يكون تقريره تاما، ويكون من أطلق القول: بأن الناظر يقرر من شاء، محمولا على من رغب عنه رغبة مطلقة، أو لم يكن المنزول له أهلا، ففي هذا يتجه القول به. وأما إذا لم يكن النزول مشروطا بالامضاء، وكان المنزول له أهلا، فلا ريب أنه ينتقل إليه عاجلا بقبوله، ولا يتوقف على تقرير ناظر، ولا مراجعته، إذ هو حق له نقله إلى غيره، وهو مطلق التصرف في حقوقه ليس محجورا عليه في شئ منها، أشبه سائر حقوقه، إذ لا فرق. وله شواهد من كلامهم. انتهى.
قال في "جمع الجوامع": قال أبن أبي المجد في نسخته "الفروع" عقب توجيهه وذكره كلام أبي العباس: قال كاتبه، يعني نفسه: ليس لتخريج المؤلف هنا وجه أصلا، فإن هذا النازل عن الوظيفة لا يخلو:
إما أن يكون نزوله لغيره بعوض، أو تبرعا، وعلى كل تقدير، فإنه لم يحصل منه رغبة مطلقة عن وظيفته، وإنما نزل عنها لمعين بشرط حصولها له، فإذا تقرر فيها المنزول له بكونه أهلا لها، أو بتقرير متول شرعي عند بعضهم، وإن كان ليس شرطا في صحة الولاية، كما يدل عليه كلام شيخنا وغيره، وإلا، فهو باق على وظيفته، فبأي طريق يقرر فيها غيره بمجرد نزوله لمعين؟ ! هذا لا وجه له من العلم أصلا. قال: وإنما تمسكه بما ذكره عن شيخنا، فليس الحجة تعضد تخريجه بوجه له أصلا، فإن كلام شيخنا قضية في عين، يحتمل أن يكون هذا المنزول له ليس أهلا لذلك، ويحتمل أن يكون أهلا لها. والاحتمال الأول موافق لقواعده، دون الثاني بلا ريب، فإن قواعده تحض على حسم مواد المكر والخداع، والحيل، ومنعه وسده بكل طريق ممكن شرعي. وهذا الباب متى فتح، خصوصا من جهة مذهب من لا يراه، انفتح على الناس ضرر وفساد لا يطاق حمله، وفي الإشارة ما يغني عن العبارة. وهذا هذا، والله أعلم.
سئل ابن حجر الهيثمي: إذا شغرت وظيفة نحو تدريس مدة، فهل يستحق معلوما من قرر في الوظيفة؟ أو ما يفعل به؟
فأجاب: بحث اليمانيين على أنه يصرف إلى من تصدى بعد، أخذا من قولهم في الحاصل من ريع المسجد: إنه إذا خرب، يصرف لعمارة مسجد آخر، وفيه حكما وأخذ النظر. والقياس صرفه لمصالح المسجد الذي فيه تلك الوظيفة، فإن كان في غير مسجد، فمحل نظر. وقياس مسألة المسجد الذي خرب: أنه يعطيه مدرسي البلد، وإلا فمدرس أقرب البلاد إليهم. انتهى.
ومن "جمع الجوامع": الرابع: من طرق الناس في زمننا أن يدفع الأرض الموقوفة إلى رجل يغرسها بالنصف، أو الثلث، وحينئذ يكون النصف، أو الثلث الذي جعل له ملكا له، والجزء الآخر وقفا لأهل الوقف. لكن هنا أمر ينبغي التنبه له، وهو أن الجزء الذي غرس هل يلزمه فيه أجرة مدة مقامه في الأرض الوقف، أم لا؟ أما إذا شرط عليه أجرة فيه فيكون ذلك بإجارة، فهي إجارة، وتلزم الأجرة مدة مقامه فيها.
وأما إذا لم يشترط عليه أجرة، لم يلزمه أجرة، ويكون في مقابلة بقاء غرسه في أرض الوقف عمله وقيامه بنصف الغرس الذي لأرض الوقف.
وأما إذا أطلق ذلك، فهل تلزمه الأجرة؟ يتوجه احتمالان: أحدهما:
يلزمه الأجرة. والثاني: لا، وهو المختار. انتهى.
ومنه: الحادي عشر: لا يحتاج بيع الوقف إلى حاكم يحكم بجواز البيع قبل وقوعه كما يفعله الناس اليوم، سواء وقع البيع من الحاكم، أو الناظر، أو الموقوف عليه. لكن إذا صدر البيع، يحتاج إلى حكم بصحة البيع، أو بموجبه. فإذا حكم حاكم بذلك، لم يسغ لأحد نقضه، وإبطاله، إذا كان مذهب الحاكم ذلك. فأما إن حكم الحاكم بغير الصحيح، كأن باع وحكم بصحة البيع مع وجود النفع، وعدم تعطله فإنه يسوغ نقض حكمه، والغاؤه، وعلى كل أحد إنكار ذلك، إلا أن يكون الحاكم مجتهدا، ويرى ذلك. انتهى.
ومنه بعد كلام سبق: ولذلك يسوغ كثير من أصحاب مالك وبعض الحنفية أن يؤخذ من الطريق للمسجد، ومنه لها، إذا احتيج إلى ذلك.
وقال أصحاب مالك: وإن كانت الدور المحبسة حول المسجد، فاحتاج إلى سعة، فلا بأس أن تشترى دور الحبس ليوسع بها المسجد والطريق، لأنه نفع عام أعم من نفع الدار المحبسة. قال ابن حبيب عن مالك: ثم اختلف أصحاب مالك، هل ذلك مختص بالجوامع الكبار، أو عام في
كل مسجد؟ على قولين لهم: فقصره ابن الماجشون، ومطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ على المساجد الكبار. وقال الباقي: أما على تجويز مالك في الطرق، فيصح ذلك في مساجد القبائل. قال ابن رزقون، عن مالك في النوادر: إن ذلك في كل مسجد. وفي "كتاب ابن حبيب":
وقد أدخل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم دور محبة كانت حوله.
واختلف المتأخرون من المالكية: إذا أبوا من بيعها للمسجد، هل تؤخذ منهم بالقيمة قهرا؟ على قولين مشهورين عنهم
…
إلى أن قال:
قال ابن قاضي الجبل من أصحابنا: الثاني في كلام الإمام أحمد في استبدال الوقف، وبيعه، ونقل المساجد، وما اقتضاه، وقوله: وقيس على نصوصه، ويدل على مذهبه ما نذكره من نصوصه، وإيماؤه من مذهبه في الوقف تغييره وتبديله، وتحويله، وإزالته عن هيئته ووضعه منوطا بالمصلحة الراجحة للوقف وأهله من وجوه:
أحدها: أنه نص على نقل المسجد عند رجحان المصالح. قال صالح: سألت أبي عن رجل بنى مسجدا، ثم أراد تحويله إلى موضع آخر؟ قال:
إن كان الذي بنى المسجد يريد أن يحوله خوفا من اللصوص، أو يكون موضعه قذرا، فلا بأس أن يحول.
وشرط القاضي في قوله: قذرا، أن يكون قذارة تمنع من إتيان المسجد. وليس هذا الشرط في كلام الامام. قال عبد الله: سألت أبي عن مسجد يخرب، ترى أن تباع أرضه وينفق على مسجد آخر أحدثوه؟
قال: إذا لم يكن له جيران، ولم يمكن أحد أن يعمره فلا ارى بأسا أن يباع، وينفق على الآخر. وقال صالح: قلت لأبي: المسجد يخرب، ويذهب أهله أتراه يحول إلى مكان آخر؟ قال: نعم. قلت: المسجد يحول عن مكان إلى مكان؟ قال: إذا كان يريد منفعة الناس، فنعم،
وإلا فلا، ابن مسعود قد حول الجامع إلى المسجد من التمارين. فإن كان على المنفعة فلا بأس. قال: وإذا كان هذا نصه على نقل المساجد عند رجحان المصالح، بحيث يشرع ذلك تارة لعلة قذارة طريقه، وتارة لضيق المسجد بأهله مع إمكان أن يبنى إلى جنبه مسجد آخر، . وفي حالة خوف من اللصوص، فقد جوز ذلك لهذه المصالح المقتضية من التحويل، مع كونها أوقافا معتبرة، كان هذا قطعا من نصه لا محالة، وحيث اعتمد في نصه على ما رواه عن عمر من أمره بنقل المسجد، وصار موضعه سوقا للتمارين. وهذا من أعظم المناقلات.
ولا يقال: نقل المسجد لا يدل على خروج الأول عن كونه مسجدا، لأنه يقال: هذا اعتراض ضعيف، لأنه زال عن الأول مسمى المسجد.
فحيث أمر ابن مسعود بنقل المسجد، ونقله، وحيث نص أحمد على نقل المسجد فقد تضمن ذلك زوال كون المنقول مسجدا، وانتقال عرصته إلى حكم آخر يحققه وجهان:
أحدهما: أن المسجد الذي نقله ابن مسعود صار موضعه سوقا للتمارين، وهذا يحيل بقاء عرصة الأول على حكم المسجد، لتنافي اجتماع الأسواق مع المساجد كما هو معروف.
الثاني: إن أصحاب أحمد سوغوا بيع المسجد لعلة ضيقة كما سنذكره من أقوالهم. ومحال أن يبقى حقيقة المسجد وقفا بعد بيعه.
الوجه الثاني: إن الإمام أحمد لا خلاف عنه في مذهبه أنه يجوز بيع الأوقاف غير المساجد عند تعطل منافعها.
الثالث: إن هذا سبب ممنوع لم يذكر على ذلك نص عن صاحب المذهب، ولا حجة يجب المصير إليها، بل قد دلت أقوال الصحابة ونصوص الامام على أن ذلك متبع به رجحان المصالح، نقلا وتحويلا، ومبادلة، ونحو ذلك كما ذكرناه عن الإمام. ومن أساغ نقله لعلة ضيقة بأهله،
وضيقه، لم يعطل، ونفعه باق كما كان، ولكن المصلين زادوا، وقد أمكن أن يبني لهم مسجداً آخر، وأن يوسع الذي ضاق. وليس من شرط المسجد سعته جميع الناس، ولا الجيران، ومع هذا جوز تحويله إلى موضع آخر
…
إلى أن قال: التاسع: وقوله: أرأيت إن كانت دارا، أو ضيعة، وقد ضعفوا أن يقوموا عليها؟ قال: لا بأس أن يبيعوها، ويجعلوها في مثلها. وهذا نص من الإمام على جواز بيع الرباع، وضيعة الوقف لمجرد المصلحة، فإنه جوز ذلك لضعف أهل الوقف عن القيام لمصلحته أرجح وأدل، فيسوغه لذلك. وهذا من أظهر نصوصه في المسألة. انتهى.
ومن جواب للشيخ عبد الوهاب بن عبد الله: لا يصح بيع ثمرة النخل الموقوف على صوام رمضان، بل ما وافق الشهر منها، أكل. وإن كان رطبا، أفطر به الصوام، وما بقي يرصد إلى رمضان ثان. وما استدل به على بيع الثمرة من كلامهم، وللناظر الاستدانة إلى آخره، فغير مطابق، لأن الاستدانة شئ آخر، والمراد بها أنه متى احتاج الوقف إلى عمارة، أو كلف سلطانية، أو أجرة بناء يحتاج إليه لحفظ الوقف، أو غير ذلك، قبل حصول الثمرة جاز للناظر الاستدانة على الوقف بلا إذن حاكم، وكذا كلام الشيخ لا يستدل به. ولو عطل مغل مسجد سنة إلى آخره، فإن ذلك غير تلك المسألة. وكتبه وقاله عبد الوهاب بن عبد الله. ومن خطه نقلت.
وله أيضا بعد السؤال: فيمن قال: مقدم في غلة هذه الأرض آصع بر معلوم تؤكل في المسجد برمضان، هل يجوز بيعها بدراهم ويشرى بثمنها تمر أم لا؟
الثانية: محل موقوف على مسجد معين للصوام فيه، في رمضان،
وأتى رمضان وهو لم تحصل ثمرته، هل يجوز بيعه بدراهم، ويشرى بها تمر يؤكل في المسجد أم لا؟
فأجاب: لا يصح بيع الآصع المذكورة لتعينها. والثانية: لا يصح بيع ثمرة النخل ويشرى بثمنها تمر، بل ما وافق الشهر أكل فيه ولو رطبا. والله أعلم. وكتبه عبدالوهاب بن عبد الله. ومن خطه نقلت.
الحمد لله، مقتضى قولهم: ومن وقف على ثغر فاختل، صرف في مثله، وقياسه مسجد ورباط، ونحوهما. لابد من صرف ذلك الوقف المتعطل على مثله ممن له ولاية صرف ذلك، يفعل فيه الاصلح والأرضى لله تعالى. ولا يجوز ذلك بلا صرف ممن له الولاية، وولاية صرفه للحاكم أو نائبه، إن لم يكن له ناظر خاص. وكل متصرف بولاية من إمام، وحاكم، ووصي، ووكيل، يلزمه فعل الأصلح. وكل أمين أمكنه فعل الأصلح ولم يفعل، كان متعديا. والله أعلم. وكتبه عبد الله ابن ذهلان، ومن خطه نقلت.
الصريح من كلامهم: لابد من صرف وقف المسجد الأول لما ذكر من إمام، أي والي البلد، أو نائبه القاضي. فإن عدما، فأمين يعرف المصلحة في الصرف. وكتبه عبد الله بن أحمد ابن شويهين، ونقلته من خطه.
قولهم: يشترط في الناظر كفاية في التصرف وخبرة به. وقالوا في عامل الزكاة: يشترط علمه بأحكام الزكاة. وقولهم: إن نزلوا على حكم حاكم عدل من أهل الاجتهاد في الجهاد، ويعتبر له من الفقه ما يتعلق بهذا الحكم، فتحرر ذلك أن الذي يلي الصرف هو الحاكم، أي القاضي أو العدل العارف بأحكام الصرف إذا عدم الحاكم. قاله شيخنا.
قال في "الحاوي": إذا وقف وقفا على عمارة مسجد، واكتفى المسجد ببعض غلته، ففي الفاضل وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة: إنه يكون محفوظا للمسجد لجواز أن يحتاج إليه في ثاني الحال.
والثاني: وهو قول أبي الحسن بن القطان: إنه يشرى به عقارا للمسجد، لأنه أحفظ وأعلى. انتهى. أظنه حاوي للشافعية.
ومن "أعلام الساحل": إذا تعطل المسجد بتفرق الناس عن البلد بخرابها، أو بخراب المسجد، فلا يعود مملوكا، خلافا لمحمد بن الحسن، ولا يجوز بيعه بحال
…
إلى أن قال: والحاصل من ريع وقف عمارة هذا المسجد، يصرف إلى عمارة مسجد آخر، وكذا يفعل الحاكم بما في المسجد الخراب من حصر، وقناديل، ونحوها، ينقلها إلى غيره عند الخوف عليها. وقال في "الحاوي": ريع المسجد الذي خربت محلته يصرف إلى المساكين لأنه مصرف لا ينقطع لعامتهم على الأبد. انتهى.
ومن جواب للشيخ سليمان بن علي: ونوى التمر المنبوذ رغبة، مباح ولو كان له قيمة، يملكه أول من يأخذه. انتهى. ومن خطه نقلت.
إذا كان وقفا على الصوام من أشخاص شتى، فكل وقف وقف بمفرده لا يعمر من الآخر. قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع": وقع لي عدة مرار: أشترى كتباً موقوفة بكتابة عليها لم تثبت وقفيتها، ثم أعيدها إلى ما هي عليه من الوقفية. انتهى.
الظاهر أن المؤذن الذي لا يدعو إلى جماعة، كمن يؤذن في مسجد متعطل لا إمام به، لا يستحق وظيفة المؤذن، فهو إذاً كالمتعطل يصح صرف ما على مؤذنه على مؤذن مسجد آخر له إمام، وفيه جماعة، ولو مع قيام هذا المؤذن، لأن قيامه كعدمه. قاله شيخنا.
لا يصح بيع الوقف على مذهب ولو مصلحة إلا عند تعطل مصالحه، إلا على قول الشيخ ومن تبعه. قاله شيخنا.
إذا كان مؤذن متقرر في وظيفة الأذان، وقال: من أذن بعد دخول الوقت فقد أذنت له، صح ذلك، والوظيفة له. وإن ترك الأذان، لم يستحق ما عليه. والمدرس لو درس بالمسجد، استحق الوظيفة كالمدرسة، لاسيما إن كان في بعض الأحوال. قاله شيخنا.
قال ابن قندس ك والحكورة المشهورة، يريد بذلك أن كثيرا من الأوقاف كان بساتين فأحكروها، وجعلت بيوتا وحوانيت، ولم يذكر ذلك العلماء الأعيان، ومن ذلك وقف المسمارية بالشام، كان بساتين فأحكروها بيوتا وحوانيت، ولم ينكره علما، ذلك الزمان. انتهى.
قال في "البزازية": إذا خرب المسجد، ولا يحتاج إليه، للقيم أن يصرف أوقافه إلى مسجد آخر. وفي "الظهيرية": مسجد عتيق لا يعرف بانية، لأهل المحلة بيعه وصرف ثمنه إلى مسجد آخر. وقال في "البحر": الباني للمسجد أحق بالإمامة والأذان. وولده من بعده، وعشيرته أولى بذلك من غيرهم. وفي "المجرد" عن أبي حنيفة: إن الباني أولى بجميع المصالح للمسجد، ونصب الامام والمؤذن إذا تأهل للإمامة. وفي "الأشباه والنظائر" لابن نجيم: الاستدانة على الوقف لا تجوز، إلا إذا احتيج إليها لمصلحة الوقف كتعميره، فتجوز بشرطين: الأول: إذن القاضي. الثاني: أن لا يكون له أجرة يحصل الصرف من أجرته. وليس من الضرورة الصرف على المستحقين، والاستدانة والقرض، أو الشراء بالنية.
وشرط الواقف يجب اتباعه إلا في مسائل منها: شرط أن يتصدق على من يسأل في مسجد كذا كل يوم يراعي شرطه. وللقيم التصدق على
سائل غير ذلك المسجد، أو خارج المسجد. انتهى.
سئل ابن حجر: هل تجوز الاستنابة لعذر؟ وإذا عطله أياما يحسب عليه من جامكيته؟ وهل يعمل بالعادة في البطالة؟
أجاب: تجوز الاستدانة لعذر. ومن عطل ما ذكر، قطع من جامكيته بنسبته كما أفهمه كلام النووي في "فتاويه"، وصرح به ابن الصلاح، وما نقل عن ابن عبد السلام بخلافه، ضعيف. وترك التدريس في الأشهر الثلاثة، يعمل فيه بالعادة المطردة في زمن الواقف. فإن جهلت، لم تجز. انتهى.
ومن "مجموع" اسماعيل بن رميح: ما فضل عن فطر الصوام، صرف على فطر صوام الست بعده. انتهى.
ومن "جمع الجوامع": الخامس: إذا صار الوقف إلى حال يجوز بيعه، تجوز المناقلة به وإبداله بغيره بما ينتفع به. لكن هل البيع والشراء أولى، أو المناقلة؟ يتوجه أوجه:
أحدها: البيع والشراء أولى، لما يظهر في البيع من الثمن ثم يشترى به، فإن الشراء بالأثمان يقع فيه الرخص والحض أكثر من ذلك.
والثاني: المناقلة أولى، لأنه لا يقع فيه بيع الوقف بدراهم.
والثالث: ما كان من ذلك أصلح وأنفع، فهو أولى. وهو المختار.
وفي رسالة أبي محمد: الربع الخرب الحبس لا بأس أن يعاوض به. انتهى.
إذا مات مستحق الوقف، وهو على بطون، أو مات إمام مسجد أو عزل وصار وقف أيلا، وقد أدرك قطعه عادة كالجوز إذا أتى أوان قطعه، فهو للميت والمعزول، ويرجع في ذلك إلى قول أهل الخبرة.
فإن ترك قطعه بعد الموت فزاد، فالأقرب إلى الفهم مع الإشكال أنه يقوم
وقت الموت ووقت القطع، والزيادة نصفان، كما لو أخر المشتري قطعه. قاله شيخنا.
قوله: وأفتى عبادة الخ. يعني إن كان مستحق الوقف مالك ريع ملكا مطلقا، لأنه ملكه. أما إن كان ناظراً، لزمه فعل الأصلح، ويفهمه كلام السبكي في "جمع الجوامع". قاله شيخنا.
قوله: وإلا يكن على سبيل الخيرات، بل على شخص معين، أو من يؤم، أو يؤذن إلى آخره. هذا يفيد أن الإمام كالمؤذن معين تجب عليه الزكاة، فيما حصل له من غلة الوقف إن كان أنصابا، ولملكه الثمن بالظهور، وجواز الحلف مع الشاهد بالوقف مع التردد في بعض الأحيان. قاله شيخنا.
قوله: يصرف إلى مثله، فيصرفه الحاكم كما يفهمه، كلام الخرقي كغيره بقوله: ويشتري بثمن الوقف ما يجعل وقفا. قال في "شرحه":
ظاهر كلام الخرقي لابد من توقيفه، لقوله يجعل وقفا. قاله شيخنا.
إذا حصل من ريع الوقف شئ في مدة تعطل جهته، جاز صرفه إلى مثله، وشراء ما يوقف على مثل الجهة لكونه مصلحة. قاله شيخنا.
إذا كان أرض وقف على جهة كمسجد، وأراد شخص غرسها ليوقفه على تلك الجهة، فالأولى وقفه قبل الغرس، ثم يغرسه لأنه يكون إذا في جهته. ولو غرسه أولا، ثم وقفه عليها، جاز. لكن نفس الوضع أولا فيه شئ. ولا يجوز وقفه في غير الجهة. قاله شيخنا.
من "جمع الجوامع": إذا بنى مسجداً في الطريق، فإن كان واسعا ولم يضر بالمارة، وقال أكثر الأصحاب: وأذن فيه الإمام جاز.
وإلا فروايتان. إلى أن قال: وقال اسماعيل الشالنجي: سألت أحمد عن طريق واسع للمسلمين عنه غنى وبهم إلى هناك حاجة المسجد، هل يجوز أن يبنى هناك مسجد؟ قال: لا بأس بذلك إذا لم يضر بالطريق. ونقل
عبد الله: أكره الصلاة فيه إلا أن يكون بإذن الإمام. انتهى.
ومن "الفروع": وإن حفر بئرا في سابلة للمسلمين لنفعهم، ولا ضرر، لم يضمن. وعلله أحمد بأنه ينتفع به للمسلمين، وكموات. وعنه:
بإذن حاكم. وعنه: بلا. وكذا حكم البناء في مساجد وغيرها لنفع المسلمين. ونقل المروذي: حكم هذه المساجد التي بنيت في الطريق أن تهدم. ونقل اسماعيل الشالنجي: لا بأس به. ونقل عبد الله: أكره الصلاة فيه إلا بإذن إمام. انتهى.
ومن "الانصاف": الثانية: حكم ما لو بنى فيها مسجداً وغيره كالخان لنفع المسلمين، نقل اسماعيل بن سعيد، لا بأس به إذا لم يضر بالطريق. انتهى.
ومن "القواعد": ومنها: إذا بنى مسجدا في طريق واسع، ولم يضر بالمارة، وقال الأكثرون من أصحاب أحمد: إن كان بإذن الإمام، جاز. وإلا فروايتان. وقال أحمد في رواية ابن الحكم: أكره الصلاة في المسجد الذي يؤخذ من الطريق، إلا أن يكون بإذن الإمام. ومنهم من أطلق الروايتين. وكلام أحمد أكثره غير مقيد. قال في رواية المروذي:
المساجد التي في الطرقات حكمها أن تهدم. وقال اسماعيل: سألت أحمد عن طريق واسع للمسلمين عنه غنى وبهم إلى هناك حاجة مسجد؟ قال:
لا بأس بذلك، إذا لم يضر بالطريق. قال: وسألت أحمد: هل يبنى على خندق مدينة المسلمين مسجد للمسلمين عامة؟ قال: لا بأس بذلك، إذا لم يضر بالطريق. انتهى.
ومن كلام أبي العباس: الوقف على من يعمل أعمالا مثل أن يوقف على من يؤذن، أو يؤم في المسجد الفلاني، أو من يعلم العلم، أو يتعلم، أو يرابط، أو يجاهد في المكان الفلاني
…
إلى أن قال: فلو وقف على إمام، أو مؤذن كل يوم، أو مقرئ، أو متعلم كل يوم، فإذا ترك
العمل بعض الأيام لعذر، فلا ريب أنه يستحق بقسط ما عمل لا يستراب فيه. وإذا كان الرزق على من يؤم في هذا المسجد أو يؤذن، فعرض له مانع فاستخلف فمن المستحق للرزق؟ هل هو الخلفة أو المستخلف؟ قيل هو للمباشر، وقياسه بالأجارة، والجعالة، يقتضي أنه للمستخلف، لأن عمل هذا النائب يقع عنه
…
إلى أن قال: قلت: فإذا كان الوقف على طبقات معينة، فالذي ينبغي أن لا يجوز أخذ فائدته قبل وقت استحقاقها، مثل قبض الأجرة قبل استيفاء المنفعة، وقطع الثمرة قبل بدو صلاحها، لأن الموقوف عليه لم يستحق بعد، ولا نعلم هل هو المستحق أو غيره للمستقبل، أو البطن الثاني، أو الثالث، بخلاف ما إذا كانت على جهة كالفقراء، فإن الاستسلاف لهم يشبه استسلاف الزكاة لأهل السهمان. إذا كان على جهة يراد عملها كالإمام والمتعلمين، فالأشبه لا يجوز الاستسلاف إلا لضرورة ابقاء العمل، بحيث لا يوجد متبرع
…
إلى أن قال: فلو وقف رجل أماكن على جهة واحدة، صرف من فوائد بعضها في عمارة البعض. ولو وقفها على جهات، لم يجز ذلك، لأن المستحق متعدد. ولو وقف رجال أملاكا على جهة، مثل أن يوقف على مسجد، فهل يجوز، أو يجب أن يعمر بعضها من فائدة بعض؟
الذي ينبغي جوازه بل وجوبه لأن المستحق واحد، وإذا اتحد فلا اعتبار بتعدد المتصدق. وقد يقال: هذا يستلزم أن يعمر بوقف الإنسان وقف غيره، ومثل ذلك إنشاء عمارة للجهة من وقفه، فهل يجوز ن يبتدأ من فائدة الوقف عماره؟ فإن لم يجز ذلك، فعمارة وقف الإنسان بالنسبة إلى وقفه ابتداء اعماره، لأن هذا المال قد وجب صرفه في الجهة، فصرفه في العمارة صرف له في غير وجهه، ولأن بعض الناس قد يقف أصولا ضعيفة فيجب صرف فائدة غيره إلى أصول وقفه، وقد يقال: على
هذا، يجوز صرف العمارة من أحد الوقفين على الآخر، ولا يجب بل يكون بحسب المصلحة. انتهى.
ومن كلامه أيضاً: فأما المبادلة بالوقف من غير بيع له فلا نزاع أن من يجوز البيع يجوزها عند ظهور رجحان المصلحة. والمبادلة كالبيع بل أولى منه. وإن لم يكن متعطل المصلحة. فإن كانت المبادلة مرجوحة فلا مساغ في الجواز عند أحد، وإن كانت لمصحلة في ذلك فقد جوزها الإمام أبو ثور، وذكرها بعض الحنفية مجوزاً لها. انتهى.
ومن جواب لشيخنا: وصل السؤال في شأن وقف باعه مستحقه وقبض ثمنه، ثم أراد فساد البيع الصادر منه، وأنه أكل الثمن أو بعضه، وتتاركت عن تصريح الجواب خوف انتشار فساد عندكم في مثل هذا الزمن الفاسد، ثم جاء هذا، ومورد السؤالين واحد، وحاصل ما تتكلم به: أنه إذا باع إنسان عقارا لا يعلم مشتريه كونه وقفا، ثم ادعى بائعه وقفيته، أن دعواه لا تسمع، ولا بينة، إلا أن تشهد له البينة بنحو ذهول، أو نسيان لذلك على ما في (الغاية). وإن كان ثابت الوقفية، وإنما بيع لتعطل منافعه المقصودة بخراب أو غيره؛ وصحيح المذهب الذي صرح به في (الإنصاف) وقطع به في (الإقناع): أن الذي يلي بيعه ناظره الخاص، أي المشروط له النظر. فإن عدم؛ فالحاكم، أي حاكم الشرع، وبيع الموقوف عليه مع وجود الناظر الخاص أو الحاكم؛ فعله مرجوح يعرفه من طالع (الإنصاف)، و (شرح المنتهى). ثم الذي الآن نعمل به مع عدم الناظر وحاكم الشرع أنه إذا وكل والي البلد عدلا مع توكيل للوقف المستحق له في بيعه، وكان المستحق عدلا وتولى البيع بتوكيل شريكه إن كان مع توكيل الوالي له؛ فهذا هو المستطاع، وهو صحيح. وإن تعذر ذلك، فانتصب لبيعه مستحقه مع عدالته الظاهرة؛ فنافذ أيضا. أو انتصب لبيعه عدل بإذن المستحق
الرشيد، أو باعه العدل والمستحق نحو صغير بشرط. وإن تعذر ذلك كله، ولم يوجد إلا المستحق غير العدل، وتصرف في الوقف؛ لم نجزه، لإمكان المشي على أحد الوجوه المذكورة حسب الإمكان. وقد علمتم الخلاف المشار إليه في تولي غير الموقوف عليه لبيعه، وقد حكم به بعض القضاة فيما تقدم، ولا نتعرضه لاتصال الحكم به. ولو أن المسؤول عنه اتصل به حكم، فأقل ما يفعل املتورع عدم التعرض له. انتهى. ومن جوابه نقلت. وله أيضا: لقد جاءنا منكم رسالة في آخر رمضان من سنة ثلاث وثمانين، وذكرنا لكم الذي نعمل به في مثل ذلك، حتى جاءني رسالة في صفر هذه السنة الرابعة أظنها من مدعي الفساد، وكتبت لهم بالحوالة على اكلتاب الذي جاءكم وأشرنا لكم فيه على الخلاف في المسألة من غير ذكره مفصلا. وحاصل الأمر ما قلنا لكم فيه، وذلك بعد تحرير أولا وآخرا بحمد الله. ثم ذكر كلام (الإنصاف) في آخر الوقف في بيع الوقف وطرقه، ثم قال في أحد الطرق: وهذا حاصل متن عبارة (الإقناع) و (شرحه) وهو ملخص المذهب على ما في (الإنصاف)، وحيث قالوا: الناظر الخاص، فهو المشروط له النظر. وقولهم: ووظيفة الناظر إلى آخره. وقولهم: فإن لم يشترط ناظرا؛ فالنظر للموقوف عليه إلى آخره؛ لا يفيد في ذلك شيء من بيعه عند تعطله لمن تأمل.
وله أيضا من جواب له في المسألة: آخر ما أقول كأوله. إن كان بائع الوقف ظاهر العدالة؛ فالبيع صحيح، وقبض الثمن فرع لذلك صحيح أيضا، وضمانع عليه، أي على متلفه، ولا تبعة على المشتري. وإن كان غير ذلك؛ فأنتم أشرفتم على ما فيه من الخلاف المفصل. واعلم أن من تعرض للعقد بفساد؛ فالقبض غير صحيح. ولا يمكن أن يقال بتمام العقد، وقبض الثمن غير صحيح؛ إلا أن يكون قابضه حين قبضه له ليس أهلا لقبضه. وأما التوسع بالمداخل في أشياء ليست عندنا، ولا حولنا، فهذا يفضي إلى كثرة القيل والقال بما لا يجدي. ثم اعلم أن بكل
حال لا أتعرض حكم الحاكم فيه بنقض له، من حيث إن الشيخ سليمان بن علي أمر به، وأجهد. ثم عند العقد بكل ممكن كما ذكرتم. قاله وكتبه الفقير إلى عفو ربه عبد الله بن محمد بن ذهلان. ومن خطه نقلت.
وقف بيع، وهو بين اثنين نصفين؛ لم تجز قسمة الثمن بينهما، إذا كان كل منهما يريد الشراء بحقه في بلد آخر. وكذا لا يجوز بيع أحدهما حقه مشاعا. لكن إن باعاه جميعا، وأراد كل منهما الشراء في بلد؛ فالحكم أن يشتريا العقارين بينهما، ثم يقتسماها، لكل واحد ما في بلده. وإن قسماه أولا، ثم باع أحدهما ما بيده بعد القسمة: صح ولو لم يبع شريكه، هذا مع جواز بيع الوقف. قاله شيخنا.
ومن (روضة) ابن عطوة: سألت شيخنا عن مسجد الحوضية: إذا خافوا أن يرقى عليه إلى منزلهم؟ فأجاب: بأن المسجد يقصر، فإذا لم يزل الضرر بقصره؛ هدم. والحال أن الضرر مظنون، أو متوهم، أو مشكوك؛ فقد أجاز هدمه، فغيره أولى بالهدم. قلت: وليس للضرر ضابط ينتهي إليه، بل وجوده مطلقا كاف. انتهى.
جزم في (الفروع): إن بيع الوقف إلى الحاكم مطلقا، وكذا شراء بدله، وقواه ابن قندس. قاله شيخنا.
قال السامري في (فروقه): إذا وقفت جارية، فحملت وولدت، فولدها وقف معها، حكمه حكمها. ولو وقف نخلا، أو شجرا فأثمرت لم تكن الثمرة وقفا، بل يملكها الموقوف عليه، والفرق بينهما أن ولد الجارية يصح وقفه ابتداء؛ فدخل في وقف أمه، لأنه جزء منها يصح وقفه، فدخل في الوقف كسائر أجزائها، ولأن كل حكم ثبت للأم يتبعها الولد فيه، كحرمة الاستيلاد في أم الولد، وكولد الهدي، والأضحية والمكاتبة والمدبرة، وليس كذلك ثمرة النخل والأشجار؛ فإنها لا
يصح وقفها ابتداء، فلذلك لم يدخل في الوقف كغيرها من المأكولات والمشروبات، ونحوها. وهكذا الحكم فيما إذا وقف غنما، أو غيرها من بهيمة الأنعام؛ فأولادها وقف معها. ولبنها وصوفها وشعرها ووبرها؛ لا يكون وقفا معها. والفرق بينهما ما بيناه. انتهى.
ومن حاشية ابن قندس على المحرر: الذي يظهر أنه متى وقع الشراء لجهة الوقف على الوجه الشرعي ولزم العقد أنه يصير وقفا؛ لأنه كالوكيل في الشراء. والوكيل يقع شراؤه للموكل، فكذلك هذا يقع شراؤه للجهة المشترى لها الوقف. لكن هنا سؤال وهو: هل أنه يصير وقفا قبل انقضاء مدة الخيار، خيار المجلس، أو خيار الشرط، أم لا؟ وتمامه فيه.
ومن القاعدة الرابعة والأربعين: إبدال الهدي، والأضاحي بخير منها جائز. نص عليه. وكذلك إبدال الوقف إذا خرب، والمسجد إذا باد أهله. وفي إبدال الوقف مع عمارته روايتان. ولو أبدل جلود الأضاحي بما ينتفع به في البيت من الآفة جاز. نص عليه، لأن ذلك يقوم مقامه الانتفاع بالجلد نفسه في متاع البيت. انتهى.
لو ادعى دارا بيد آخر أنها وقف عليه، وأنكر صاحب اليد، ولم تقم بينة، ثم صالحه بعوض عن دعواه وعن يمينه؛ لم يجز له أن يدعي عليه ثانيا، ولو أقام بينة لإكذابه نفسه بدخول في الصلح. قاله شيخنا. وهذا فيما إذا كذب نفسه بالوقف، وإلا فلا. والله أعلم.
ومن جواب للشيخ سليمان: إذا وقف نخلة من عقاره وشرط أن الساقي والبركة لا يحول عن مكانه؛ فشرط صحيح لازم لا يجوز تغييره للمالك الحادث بعده بإرث أو شراء. انتهى.
وله أيضا: والمرصد من غلة المدرسة وقت تعطلها، ثم حدث مدرس في بعض العام، ودرس وأخذ الثمرة المتشققة ولم يطلب المرصد، ولم
يدفع له، ثم حدث آخر؛ فإنه يدفع إليه لأنه مستحقه، ويلزم من بيده دفعه إليه. انتهى.
هل يجوز دفع جلد الأضحية لمن يدبغه بصوفه أو جزء منه؟ الظاهر جوازه، كما يجوز إصلاح بعض الوقف ببعضه. قاله شيخنا.
عمل مصلى عند لزي له، يصلي فيه ومن حضره، لكن لم يشرعه تشريع عام؛ فالظاهر لا يقف. والعقار الذي لا يقوم نماؤه بعمارته، فبيع بعضه وجوعل به على سقي مدة صحيحة؛ صح ذلك. وإن رأى الحاكم أو الناظر أو ولي القاصر بيع جميعه أصلح؛ فعل وشرى بثمنه ما ينمى. فلو فعل ثم وقع النزاع في المصلحة فلا بد من بينة على مدعي الفساد أن الأصلح وقت العقد كذا. وينقض العقد إن خالف تصرف الولي. قاله شيخنا.
ومن وقف آنية أو وصى بها لإعارة نفع المسلمين، جاز نقلها إلى بلد آخر إذا لم يعين بلدا. قاله شيخنا.
أرض وقف، أو أرض مال يتيم، وفي قلع ترابها مصلحة، فالظاهر جوازه مع إذن المتكلم على ذلك من ناظر أو ولي. والأحوط أن يجاعل على قلع ذلك بجعل معلوم. فإذا قلع باعه عليه بذلك. قاله شيخنا.
دفع إلى أهل بيت شيء، وقيل: هذا لكم، وليس لهم أولا؛ فالظاهر أنه يصير لهم، لأن هذا إباحة، وبابها أوسع من الهبة. قاله شيخنا.
ومن جواب للشيخ عبد الوهاب بن عبد الله: الثانية: حكم الإمام للمسجد، حكم الموقوف على معين يثبت بشاهد ويمين المدعي. الثالثة: تقبل شهادة المرأة بعارية ووديعة، في حمام، وعرس، مما لا يحضر فيه رجال، مقبولة مع اليمين. ومن خطه نقلت. انتهى.
ومن جواب شيخنا: ووقف الإنسان على ابنه إلى آخره. فهذه
المسألة فيها اضطراب من زمن طويل. وشيخنا محمد حريص على نص يجده فيها إلى أن مات. ثم ج اءنا فيها جواب للبلباني: فيمن وقف وسكت وله ابن وبنتان، ثم مات الابن؛ أن نصيبه يصرف مصرف المنقطع. انتهى.
ونقل الشيخ منصور ما صفته: وإذا صرف إليهم يعني ورثته، فماتوا، فهل ينتقل إلى ورثتهم، أم لا؟ وفي (شرح الخرقي): وحيث قلنا: يصرف إلى الأقارب، فانقرضوا ولم يوجد قريب، فإنه يصرف إلى كذا، انتهى. قال منصور: فيؤخذ منه أنه إذا مات ورثته ينتقل إلى ورثتهم من أقاربه، وهكذا حتى ينقضي أقاربه، هذا ملخص الكلام.
وأفتى الشيخ ناصر بن محمد، ووافقه أهل زمنه في وقف لرجل اسمه غانم، وقف ولم يعرف له مآل: إنه في كل زمان يراعى فيه ورثة غانم، كلما مات طبقة من ورثته، صار للطبقة الأخرى على قدر ميراثهم من غانم المذكور. وتحالاه الشيخ محمد لما ذكرناه له. والله أعلم. ومن خطه نقلت.
بئر انهدمت وعليها دلو، وتعطلت الدلو؛ صرف وقف الدلو لأخرى محتاجة، ولو في غير البلد. ومع تعذر الدلو المحتاجة، فلا إشكال في جوازه. وإذا غلب على الظن أنه إذا صرف على دلو محلها في قرية أخرى أكله الظلمة، جاز صرفه إلى جهة فيها نفع للمسلمين ولو غير دلو. قاله شيخنا.
وما ذكر ثم في وقف على مؤذن في مسجد، ثم تعطل بحيث لا تقام فيه الجماعة ولا يقصد لصلاة؛ ساغ صرف ريع ذلك الوقف إلى مؤذن آخر في مسجد تقام فيه الجماعة، ويقصده الناس إذا سمعوا النداء. وقد صرح بجواز صرف ريع ذلك إذا اختلفت الجهة إلى مثلها غير واحد
من العلماء؛ فجوازه مما لا شك فيه. وكتبه عبد الوهاب بن عبد الله. ومن خطه نقلت.
ومن جواب له أيضا: وإذا كان ثم أرض موقوفة يصرف من ريعها على دلو يقوم بها لنفع المسلمين، والبقية لورثة الواقف، ويمضي سنين لا تزرع، وإن زرعت فبجزء قليل، وحصل من يستأجرها يبني فيها دورا بأجرة للجهة المذكورة على الدوام؛ صح ذلك، وهو أصلح من تركها على صفتها ولو ظاهرا، والمؤجر لها عدل المذكور حين عقد الإجارة، ولو طرأ على المستأجر عسرة بعد العقد، فلا تبعة على العدل الذي آجر. ومن خطه نقلت.
ومن (فتاوى النووي): إذا أعار كتابا، ثم طلبه من المستعير فمنعه، هل يحل مطالعته له بعد طلب ربه؟ وهل يفسق بمنعه؟
الجواب: لا تحل مطالعته له بعد طلبه، ويفسق بذلك إذا منعه بلا عذر. انتهى.
من (المغني): لو خلف ثلاثة بنين وأبوين، فادعى الأبناء أن أباهم وقف داره عليهم في صحته، وأقاموا بذلك شاهدا واحدا، وحلفوا معه، صارت وقفا عليهم. وإن لم يحلفوا معه وحلف الأبوان على نفي علمه، صار نصيبهما طلقا، ونصيب الأبناء وقفا عليهم بإقرارهم. وإن حلف أحدهما، كان له ثلث الدار وقفا عليه. فإن امتنع البطن الأول من اليمين، فقد ذكرنا نصيبهم، يكون وقفا عليهم بإقرارهم. فإذا انقرضوا صار وقفا على من بعدهم على مقتضى إقرارهم، أي الأبناء المذكورين. فإن كان الإقرار أنها وقف عليهم، ثم على أولادهم، فقال أولادهم: نحلف مع الشاهد ليكون جميع الدار وقف لنا، فلهم ذلك؛ لأنهم يتلقون الوقف من الواقف، فلهم إثباته على البطن الأول، فإن حلف واحد ونكل الآخرون، ثم مات الحالف، نظرت، فإن مات في حياة أخويه، ففيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: يصرف إلى أخويه؛ لأنه لا يثبت للبطن الثاني إن بقي من البطن الأول أحد.
والثاني: ينتقل إلى أولاده، لأن أخويه أسقطا حقهما، فصارا كالمعدومين.
والثالث: يصرف إلى أقرب عصبة الواقف؛ لأنه لا يمكن صرفه إلى الأخوين، ولا إلى البطن الثاني كما ذكرنا، فيصرف إلى أقرب عصبة الواقف، إلا أن يموت الأخوان ثم يعود إلى البطن الثاني.
والأول أصح؛ لأن الأخوين لم يسقطا حقوقهما، وإنما امتنعا من إقامة الحجة عليه.
وكذلك لو اعترف لهما الأبوان، ثبت الوقف من غير يمين. وهاهنا قد حصل الاعتراف من البطن الثاني، فوجب أن يصرف إليهما لحصول الاتفاق من الجميع على استحقاقهما. انتهى. من المغني لابن قدامة رحمه الله تعالى.
إذا وقف نخلة على الحرم الشريف، فالعرف إرسال نمائها إليه، فيؤجر عليه بسهم منه. وإن قال: يباع ثم يقسم ثمنه، صح ذلك. قاله شيخنا.
الحمد لله. مقتضى كلامهم: أن حيث ذكروا غير المعين كالفقراء والمساكين، لا يثبت الوقف عليهم إلا بشاهدين. إن ما وقف على إمام مسجد، أو مدرس، أو مؤذن، يثبت بشاهد ويمين، لكون كل منهم يملك ما وقف على تلك الجهة، وتجب عليه زكاة ما حصل له من ثمرة ذلك الوقف إذا كمل النصاب مع عدم المانع. وذكر في (شرح المنتهى) في آخر الوقف ما يفيد: بأن الوقف على الإمام حكم المعين، وتبعه الشيخ منصور في (شرحه).
وإذا مرض الإمام، وكان وقت ظهور الثمرة غير قائم بالوظيفة،
لا بنفسه ولا نائبه، لم يستحق الثمرة، لعدم قيامه بالوظيفة. والأحسن أن غلة الوقف تقسم بينه وبين الإمام الثاني على حسب الزمان، كما ذكره أبو العباس: أنها تقسم مع عدم الموت، لا يختص بها من ظهرت الثمرة وهو متصف بالإمامة ثم ترك الإمامة باختياره.
وإذا كان سبل على ملء بكرة مشرعا للمسلمين، والفعل غير سائغ بر، فلا يصح على مباح: وإذا تعطل مثلا لدلو أو غيرها، وليس في البلد مثلها محتاج لذلك، وإن صرف إلى مثلها في غير البلد آل إلى أكل الظلمة له، جاز صرفه في غير مثله من المصالح، كإمام ونحوه. وكتبه عبد الوهاب بن عبد الله.
ما قولكم: وثيقة وجد فيها وقف محمد بن أحمد عقاره الفلاني على الأضعف من آل أحمد، ثم الأضعف من آل فلان، انتهى. فهل يكون الأضعف من آل أحمد بالنسبة إلى حالهم وإن لم يسمى فقيرا لكونهم ورثة الواقف، أم لا بد من كونه فقيرا؟ وإن لم يكن فقيرا في الكل، فهل يكون كوقف منقطع؟
الجواب: الوقف يكون لأضعف آل أحمد بمعنى الأحوج، وهو من يستحق أخذ الزكاة لحاجة، اللهم إلا أن يكون عرف مطرد في بلد الواقف بخلافه، رجع إليه. فإن لم يكن فيهم فقير فهو لورثة الواقف نسبا. وكتبه عبد الوهاب بن عبد الله. ومن خطه نقلت.
ومن جواب له في (المغني): ولا مدخل للأغنياء في ذلك، اللهم إلا أن يكون قصد الواقف الأضعف فالأضعف من آل أحمد، فلا يستحق الأضعف من آل عبد الله شيئا إلا بانقراض جميع آل أحمد؛ لأن
الغني يصدق عليه الضعف إلى من أغنى منه. ومن خطه نقلت.
أوصت امرأة بكذا ثلثا على إمام المسجد الفلاني، وثلثا على الصوام فيه، وثلثا على معين غيرهما. والحال أن الإمام من البينة، وأنه سألها بعض من حضر: هل وقف ثلث الثلث على الإمام الفلاني؟ فقالت: نعم وسألها عن وقف الصوام؟ فقالت: نعم، فهل تقبل شهادة الإمام والحالة هذه، أم لا؟
الجواب: يقبل الشاهدان بما عين للصوام، وتقبل شهادة الإمام بما أوصت به لمعين مع يمينه؛ لأن هذه وصايا متعددة الجهات. ولا يمنع ذلك قولهم: ومن شهد بحق مشترك بين الشاهد وغيره؛ لم تقبل شهادته، لأن الشهادة لا تتبعض، وما ذكر من الوصية لآخر، غير تلك. كتبه عبد الوهاب بن عبد الله.
أرض في غلتها آصع بر معلومة، تؤكل في مسجد معين، هل يجوز بيعه مع قول الواقف: تؤكل ويشتري بثمنها تمرا، أم لا؟
الثانية: نخل موقوف على مسجد معين، يؤكل ثمره فيه فيه رمضان وأتى رمضان وهو لم يحصل الثمرة، هل يجوز بيعها ويشري بذلك تمرا يفطر به، أم لا؟
الثالثة: أرض موقوفة على مسجد معين، هل إذا حصل منها عيش يجوز بيعه ويشرى به تمر يفطر به لأن هذه التمرة متعينة بالعام الآتي، أم لا؟
الرابعة: وجدت أرض في قرية، إذا حصل منها عيش سواه بعضهم وجعله في المسجد، وأكل فيه، ولا يعلم ترتيبه ولا سببه، ولا شرطه، هل يجوز بيعه ويشتري به تمرا، أم لا؟
الخامسة: شخص قال: في هذه الأرض عشرون صاعا تصرف في
جهة بر، ولم يقل تمرا ولا برا، وهل إن ذكر الجنس كفى عن النوع، أم لا؟
السابعة: وقف نخلة على ثلاثة قدور، ولم يبين وزن كل قدر، وأي شخص، فشرى ثلاثة وفضل من الغلة شيء، فهل يشتري به قدور، أم يدفع إلى ورثة الواقف، أم يتصدق به على الفقراء؟
الثامنة: رجل في يده أرض ونخل، وقال: هذه النخلات وقف على قدور، فهل يصح ذلك، أم لا بد من كونها معلومات؟
الجواب: الأولى: لا يصح بيع الآصع المذكورة وشراء بثمنها تمرا، لتعينها.
الثانية: لا يصح بيع ثمرة النخل وشراء بثمنها تمرا، بل كل ثمرة تصرف فيما وافقها.
الثالثة: ما حصل من العيش في الحالة الثالثة والرابعة، يجوز بيعه وشراء بثمنه تمرا لعدم تعين العيش، لكون الأرضين المذكورين أو أجِّرتا إجارة فاسدة، أو زرعهما إنسان غصبا، تعين عليه أجرة المثل من النقدين، ثم للناظر أن يشتري به تمرا.
الخامسة: إن كانت الأرض المقدم فيها ما ذكر وقفا، لم يثبت ما ذكر لجهالته. وإن كانت طلقا، صح ذلك لصحة الوصية بالمجهول، وكان التعيين إلى الوارث.
والسابعة، والثامنة: لم يظهر لي الآن فيهما شيء، وكتبه عبد الوهاب بن عبد الله، ومن خطه نقلت.