الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موجودة، لا دليل له من كلامهم. ومما يؤيد ما ذكرنا غلبة وقوع هذه المسألة في العادة، ومثلها مما يكثر وقوعه، ويكون العمل ساقطا عن العامل بالنسبة لما يحمل، أو لما حمل ثم تلف، ولا يمكن أن يغفلوا عن ذكر ذلك، لاسيما والحق لآدمي مبني على الشح والضيق، فخلو النخل عن حيل بعضه أو تحيل بعضه، لا تخلو العادة منه، والله أعلم، كتبه من خطه ملخصا.
ومن جواب للشيخ أحمد بن محمد القصير لبقا، بعد كلام له سبق: فأما إن ادعاه، فقال: أدعي عليك في البقرة التي بعت - أو باع وكيلك - على عيب كذا ويسميه، فأنكرته وتعذر عليه البينة، فله يمينك، وصفتها: والله الذي لا إله إلا هو، لقد باعت عليك زوجتي تلك البقرة، وإنها بريئة من العيب الذي تدعي فيها، أو لقد باعتها عليك وهي سليمة منه. ذكر ذلك في "المستوعب" و "المغني" و "الانصاف" و "الاقناع" في القسامة. وكلام الشيخ منصور في "الإقناع" في هذه المسألة، لا أدري يتم أم لا؟ فيه تأمل.
والكي، فليس عيبا مطلقاً، لكن إن كان على مفصل، فهو عيب، واعلم أن فصل الخطاب في الكي وغيره، أنه ما نقص عين المبيع أو قيمته في عرف التجار، وتمامه فيه. أجاب به مسند بن محمد في "المجمعة" ومن خطه نقلت.
قال في "الشرح الكبير":
فصل: ويجوز بيع الجوز، واللوز، والفستق، والباقلاء، الرطب في قشرية مقطوعا
وفي شجره، وبيع الطلع قبل تشققه مقطوعا وفي شجره. انتهى.
الفحال المشترك إذا طلب أحد الشركاء سقيه، أجبر الممتنع بشرط
كون السقي يزيد في ذاته قوة، أو نمائه. فإن اختلفا ولا بينة، فقول طالب السقي، لأن الظاهر معه، كتبه أحمد بن محمد، ومن خطه نقلت. انتهى.
الذي استقر عندنا لزوم المساقاة بالظهور. ويلزم سقي النخل الحائل كالحامل، كتبه عبد الله بن محمد بن ذهلان، ومن خطه نقلت.
وإذا أكل الجراد بعض الثمرة بعد الظهور، لزم العامل إتمام العمل بسقي النخل الذي بقيت ثمرته، والذي تلفت ثمرته، وكلام "الرعاية" و "الاقناع" كالصريح في ذلك، ودليله واضح بأنه بظهور الثمرة يلزم العامل تمام العمل، بقيت الثمرة أو تلفت، كلا أو بعضا، لأن ملك العامل تام على نصيبه. إن بقي، فله، وإن تلفت فمن ماله. ولا يلزم من صحة فسخ المساقاة بعد الظهور عدم لزوم العامل إتمام العمل.
والظاهر أن من فوائده عدم ملك العامل لشئ مما يحدث بعد فسخه من الثمرة مما لم يظهر منها، وعدم إلزامه بالعمل بعد الفسخ لما يستقبل من السنين الآتية فيما إذا كانت المساقاة غير موقتة، وما قلنا، هو الذي كان يعتمده ويفتي به شيخنا عبد الله بن محمد بن ذهلان عفى الله عنه وسامحه، كتبه عبد الله بن أحمد، ومن خطه نقلت. ومن جواب للشيخ عبد الوهاب في ذلك: ظاهر كلام الأصحاب حيث أطلقوا أن العامل يلزمه تمام العمل بظهور الثمرة، فإنه يلزمه سقي جميع ما في البستان الذي وقعت في المساقاة سواء أطلع جميعه، أو حال بعضه، أو تلف بعض ثمر الشجر، لزم العامل سقي الجميع إلى أن تكمل الثمرة، لأن المساقاة على الكل لا على أعيان كل شجرة أو نخلة، ومن المعلوم أن الثمر لا يتناهى كما له في وقت متحد، فإن بين مباكير النخل الذي في البستان الشهر وأكثر نجدها قبل هذه، ولم يفصل الأصحاب أن كل نخلة جذ ثمرها، أو حالت، تنفسخ، أو له الفسخ قبل كل الثمرة، أي ثمرة جميع
البستان، بل أطلقوا أن العامل عليه تمام العمل إلى كمال الثمرة، فسخ أم لا، فإن من النخل ما يباطن فيحمل سنة ويحيل أخرى. وصرحوا أن المساقاة تصح على دوي مغروس وغير مغروس مدة يحمل فيها غالبا بجزء ثمره، ومن المعلوم أنه لا يحمل في سنة واحدة. وما أجاب به الشيخ محمد، وهو الصواب لا يجوز العدول عنه. انتهى ملخصا. ومن خطه نقلت. فراجعه بعض الإخوان في ذلك، فكتب عبد الوهاب ما ملخصه:
وبعد، فقد وقفت على ما ذكرت من التمثيل بما لا طائل فيه. واعلم أن المفهوم حل العبارات بالمفهوم الموافق للمنقول، وأما القياس فممنوع محرم، فوظيفة متفقه الزمان الإخبار بما رآه مسطوراً لمن سأله، وما سواه يكف عنه، وإلا كان آثماً خائنا، مع أن ما ذكرتم غير مطابق لحكم المساقاة، ولا موافق، فكيف يصدر هذا من متفقه، سبحانك! هذا افتراء على مذهب الإمام أحمد، فإن العامل في المضاربة يجب عليه التنضيض وإن لم يكن في المال ربح، بخلاف المساقاة إذا لم تظهر الثمرة. والأصحاب أطلقوا أن العامل في المساقاة إذا فسخت بعد الظهور للثمرة، بأنه يجب على العامل إتمام العمل، فيجب على العامل سقي النخل الحائل، وما تلفت ثمرته، وما جذت، إذ الثمرة لا تتكامل في وقت واحد، ولم ينقل خلف عن سلف أن رب البستان يكلف سقي ما حال، أو تلفت ثمرته، أو جذت من أوائل النخل، وأنه لا يجب على عامل إلا سقي ما عليه ثمرته فقط. هذا خلاف ما أطلق الأصحاب.
وقد صرحوا بجواز المساقاة على ودي نخل مغروس من ثمرته مدة يحمل فيها غالبا، ومن المعلوم أنه لا يتكامل حمله في سنة واحدة بل في سنين عديدة، فإن العامل في البستان متعلق استحقاقه لنصيبه من ثمرة
كل شجرة بسقي جميع البستان حيث أطلقت، بخلاف قوله: ساقيتك على كل نخلة بنصف نمائها، لكن لما قلتم وجه، لكونها على أعيان النخل. ومسألتنا على جميع البستان، هذا هو الذي عليه قدماء متفقهة قطرنا، ومن عرفنا وعرفه غيرنا، فأنت تدارك نفسك. انتهى ملخصا.
فروجع ثالثا، فكتب ما ملخصه: لقد وقفت على هذا الجواب وما تضمنه من زكاة الخطاب، من استدلاله بكلام الأصحاب، وحمله على غير الصواب، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فهذه مصيبة في الدين. وكيف تنقل كلام ابن حمدان وابن عطوة ولم تمتثل مقالهما، وكذا غيرهما من الأصحاب. ولا يخفى على متفقه أن المساقاة عقد جائز، فمع الفسخ بعد ظهور الثمرة، ولو ثمرة شجرة على ما ذكره الشيخ مرعي، أنه يجب على العامل تمام العمل، وقد عومل على جميع البستان، فيجب عليه إتمام العمل، فمن أين وجدتم هذا التفصيل؟ من أي كتاب؟ وعمن أخذتم؟ فلم نجد من فصل لا في كتب الترجيح ولا الخلاف، بل أطلقوا:
حيث فسخت المساقاة بعد ظهور الثمرة، وجوب إتمام العمل على العامل.
ومعلوم أنهما دخلا على ذلك في شجر معلوم، فإذا عمل في البعض، فما أتم العمل. ويجب على القائل بالتفصيل إقامة البرهان على ذلك، وإلا وجب الكف. وأوهمكم قولهم: وعلى عامل ما فيه نمو إلى آخره.
إن هذا إذا وقع على شجر له ثمر موجود وقت عقد المساقاة، وليس الأمر كذلك، فإن الثمرة لا تخلق ولا تنمو إلا بالسقي وذلك واجب على العامل. وقد صرح في "الإقناع" أن العامل إذا شرط له من كل نوع جزءاً آخر، أن ذلك بمنزلة المساقاة على بساتين، بمعنى أنه لا يجب على العامل سقي النوع الآخر إذا جذ. وما استدل به من قولهم: وإن ساقاه على مدة تكمل فيها الثمرة غالبا إلى آخره، فهذا دليل واه، هذا في بستان لم يحمل منه شئ. ومسألتنا حمل بعضه أو تلف، فيجب
على العامل سقي جميع ما في البستان حيث كان نصيب العامل متحداً من الجميع إلى جذاذ الجميع، ولايجوز التفصيل إلا بدليل، وأئمة المذهب مطلقون وأنتم تفصلون، ليت ما كان منكم ما كان، وكانت حالكم عندنا مستورة، وليت لكم سلف في القضية. وقد أرسلت إليكم رسالة نصيحة فقابلتموها بهذه المفاهيم الواهية، والله أعلم، ومن خطه نقلت.
ومن جواب له أيضا: إذا ملك العامل نصيبه من الثمرة في المساقاة بالظهور، ثم رهن نصيبه رهنا مقبوضاً في دين معلوم، ثم عجز العامل عن إتمام العمل، قدم الحق السابق وهو إتمام العمل، وليس للمرتهن إلا ما فضل عن العمل، والله أعلم، ومن خطه نقلت.
ومن جواب لعبد الله بن أحمد بن شويهين: ومسألة المساقاة: إذا أكل الجراد بعض الثمرة بعد ظهورها، فما عندنا فيها زيادة عما علمتم فيها: بأنه يلزم العامل إتمام العمل بسقي النخل الذي بقي ثمره، وسقي النخل الذي تلفت ثمرته. وكلام "الرعاية" صريح في عدم بطلان عقد المساقاة بتلف الثمرة بعد الظهور، وأنه يلزم العامل إتمام العمل. وكلام "الإقناع وشرحه" صريح في عدم بطلان العقد بتلف البعض. والظاهر أنها لا تبطل بتلف الكل، ودليله واضح بأن ظهور الثمرة يلزم العامل إتمام العمل، بقيت الثمرة أو تلفت، كلا أو بعضا، لأن ملك العامل تام على نصيبه، إن بقي، فله، وإن تلف، فمن ماله. ولا يلزم من صحته فسخ المساقاة بعد الظهور عدم لزوم العامل. والظاهر أن من فوائد صحة الفسخ عدم ملك العامل لشئ مما يحدث من الثمرة مما لم يظهر منها، وعدم إلزام العامل بالعمل بعد الفسخ لما يستقبل من السنين الآتية فيما إذا كانت غير موقتة. وإن ظهرت والحالة هذه، لم يملك العامل منها شيئا لبطلان المساقاة بفسخها، وهذا هو الذي يعتمده شيخنا ويفتي به، ومن خطه نقلت.
قوله: وإن كانت الأرض أو السطح الذي يجري عليه الماء مستأجراً الخ.
الظاهر أن الأرض إذا كانت وقفاً، لم يجز الصلح على إجراء ساقية فيها، لانفساخ الإجارة بموت المؤجر، قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع": الخامس: لو دخل لص إلى ملك رجل من ملك غيره، فلا ضمان على صاحب الملك ولو تهاون في عمارته.
السادس: هل للإمام أن يؤجر شيئاً من طريق المسلمين؟
يتوجه أوجه: الأول: لا يجوز، كالبيع، الثاني: الجواز. الثالث: إن كان لمصحلة، جاز، وإلا فلا. انتهى.
ومن جواب لمحمد بن عثمان الشافعي: الودي النابت في الأرض، فهو لمالكها لا للمستأجر وإن حصل نموه بفعل المستأجر من سقيه ومعاهدته. انتهى.
في القاعدة الخمسين ما يشعر أن تملك زرع الغاصب كفسخ الخيار، لا ينفذ بدون نقد الثمن وقت التملك، وكالشفعة، هل يملكه بالشفعة، أم لابد من نقد الثمن؟ فليراجع. قال في "الانصاف":
الثالث: ظاهر كلام ابن عقيل السابق أنه لا يجوز إجارة العين إذا كانت مشغولة، وقد قال في "الفائق": ظاهر كلام أصحابنا عدم صحة إجارة المشغول بملك غير المستأجر، وقال شيخنا: يجوز في أحد القولين، وهو المختار. انتهى.
وقال أبو العباس: فيمن استأجر أرضا من جندي وغرسها قصبا، ثم انتقل الإقطاع عن الجندي، إن الجندي الثاني لا يلزمه حكم الإجارة الأولى، وإنه إن شاء، يؤجرها لمن فيها له القصب، أو لغيره. انتهى.
قلت: قال شيخنا البعلي: ظاهر كلام الأصحاب صحة إجارة المشغولة بملك لغير المستأجر، من إطلاقهم جواز الإجارة المضافة، فإن عموم
كلامهم يشمل المشغولة وقت الفراغ، بغراس، أو بناء أو غيرهما. انتهى.
وقال في "الفروع" ك ولا يجوز للمؤجر إجارة المشغولة بغراس الغير أو بنائه بعد فراغ مدة صاحب الغراس والبناء. وقال أيضا:
لا يجوز إيجاره لمن يقوم مقام المؤجر كما يفعله بعض الناس. قال:
وأفتى جماعة من أصحابنا وغيرهم في هذا الزمان أن هذا لا يصح، وهو واضح، ولم أجد في كلامهم ما يخالف هذا. قال: ومن العجب قول بعضهم في هذا الزمان الذي لم يخطر بباله من كلام أصحابنا: إن هذه الإجارة تصح، كذا قال. انتهى.
وقد قال تقي الدين في "الاختيارات": ويجوز للمؤجر إجارة العين المؤجرة من غير المستأجر في مدة الإجارة، ويقوم المستأجر الثاني مقام المالك في الاستيفاء من المستأجر الأول، وغلط بعض الفقهاء، فأفتى في نحو ذلك بفساد الإجارة الثانية ظنا منه أن هذا كبيع المبيع، وأنه تصرف فيما لا يملك، وليس كذلك، بل هو تصرف فيما يستحقه على المستأجر. انتهى.
ومن كلام تقي الدين، قال: وأفتيت أميرا مقدما على عسكر كبير، في الحرامية إذا نهبوا أموال المسلمين فلم ينزجروا إلا بالقتل، أن يقتل ما ينفكون بقتله ولو أنهم عشرة، إذ هو من باب دفع الصائل. وأمرت أميراً آخر خرج لكف الفتنة بين قيس ويمن - وقد قتل بينهم ألفان - أن يقتل من يحصل بقتله كف الفتنة ولو أنهم مائة. انتهى.
ومن جواب لسليمان بن علي: ومسألة إجارة العقار الموقوف، فإن كان المؤجر الناظر الخاص أو الحاكم، لم تنفسخ، وإن كان المؤجر غير الناظر، لم تنفسخ في وجه، قال "المنقح": وهو أشهر، وعليه العمل. انتهى.
فمتى حكم به حاكم، لزم ولم تنفسخ، ومتى قلنا بالانفساخ،
خير مالك الأرض بين تملك الغراس بالقيمة أو تركه بالأجرة، أو قلعه وضمان نقصه. وكذلك لو قلنا بفساد العقد لتضمنه إذنا. انتهى.
ومن "حاشية ابن قندس على الفروع" بعد كلام له سبق: والظاهر أن المصنف وافق أبا العباس على قوله، فإنه حكاه ولم يخالفه، فالظاهر أنه يقول به، فإن هذه طريقة المصنف إذا حكى عن قول غيره ولم يخالفه، فالظاهر أنه يقول به، فإنه ذكر في "الفروع" هذا المعنى
…
إلى أن قال: وقد عرف من عادته أنه إذا نقل عن شخص شيئا وفيه له معارضة، عرضه وبين ما فيه، إما بطريق التفصيل، أو بطريق الإجمال، كقوله:
كذا قال: فمع سكوته يكون فيه إشارة على إقراره وموافقته. ولقد ذكر المصنف عن شخص أنه ذكر قول شخص آخر ثم قال: والظاهر أنه يقول به، وهذا قوي جدا. انتهى.
ومنها قوله: قالوا: إنما تشترط القدرة على التسليم عند وجوبه.
لا يلزم منه عدم صحة إجارة المشغول إذا كانت المنفعة للمؤجر، لأنه إذا كانت مملوكة له، فهو قادر على التسليم لعدم وجود ما يمنع ذلك، وإنما يمتنع إذا كانت المنفعة مملوكة لمن هي مشغولة بملكه والمسألة مفروضة في غير ذلك. وإذا كان كذلك، لم يبق للمصنف فيما ذكر دليل. فإن اتضح لذلك ما يصححه، عمل به، وإلا تعين العمل بما ذكر من تصحيح إجارة المشغول، كما ذكره أبو العباس في مسألة الغصب، واختاره في "الفائق".
وقوله في "الفائق": ظاهر كلامهم أنه لا يصح.
لم يذكر دليلا، لكنه موافق لما ذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين"، والخلاف في المسألة معروف، وإنما المراد في كلام الأشياخ، هل يقتضي صحة ذلك أو عدمه؟ والذي ظهر لي الصحة.
وقوله في "الفصول": لا يتصرف مالك العقار في المنافع بإجارة
ولا إعارة. إلا بعد انقضاء المدة واستيفاء المنافع.
ظاهره أن بعد انقضاء المدة واستيفاء المنفعة المستحقة بعقد الإجارة، لأنه يتصرف ولو كانت مشغولة بغراس الأول أو بنائه. فهو يدل عليه عكس قول المصنف، لأن المصنف جعله دليلا على عدم إجارة المشغول.
والذي يظهر كما ترى في كلامه عكس ذلك. نعم! فيه دليل على أن إجارة العين المؤجرة في مدة إجارة الأول لا تصح، فظاهره أن إجارة المضاف في مثل هذه الصورة لا تصح.
وقوله: وأفتى جماعة من أصحابنا وغيرهم في هذا الزمان أن هذا لا يصح.
قول الشيخ تقي الدين في مسألة الغصب يخالف ما أفتى به الجماعة، ويصحح إيجاره لمن يقوم مقامه.
وقوله: هذا واضح لم يظهر وضوحه، بل الواضح خلافه، لما ذكروه في مسألة المضاف، واختاره صاحب "الفائق" وذكر أبو العباس في مسألة القصب أنه الصحيح.
فقوله: لم أجد في كلامهم ما يخالف هذا. فهذا كلام الشيخ في مسألة القصب يخالفه، وظاهر كلامهم في إجارة المضاف يخالفه، لأنهم لم يشترطوا فراغها عند أول مدة الثاني، مع أن اللازم غالبا في الغراس والبناء أنها تكون مشغولة عند فراغ مدة الأول. فإذا كانت مدة الثاني تلي مدة الأول، لزم أن تكون مشغولة أيضا، وليس في كلامهم ما يمنع من إجارة المضاف في مثل هذه الصورة.
وقوله: ومن العجب قول بعضهم في هذا الزمان الذي يخطر بباله من كلام أصحابنا: إن هذه الإجارة تصح.
هذا الذي خطر ببال هذا القائل، هو مقتضى ما حكاه المصنف في قوله: وقد قال شيخنا إلى آخره.
وقد صرح في "الاختيارات" ف نقل هذه المسألة عن الشيخ أنه قال: ويقوم ذلك الغير فيها مقام المؤجر، وهذا القول هو اختيار صاحب "الفائق" فإنه قال: ظاهر كلام أصحابنا عدم صحة إيجار المشغول بملك غير المستأجر، وقال شيخنا: يجوز في أحد القولين، وهو المختار.
وصرح ابن القيم بعدم الصحة، ذكره في كتاب الحيل في "إعلام الموقعين" وهو مخالف لما ذكره شيخه في مسألة القصب. ولعل ما خطر ببال هذا القائل من كلام الأصحاب، حصل من قولهم: يصح إجارة المضاف، سواء كانت مشغولة أو لا، ولم يفرقوا بين كونها مشغولة بملك المستأجر أو غيره، ولم يصرحوا أنه يشترط فيما إذا كانت مشغولة فراغها عند دخول مدة الثاني، وإذا جاز عند دخول مدة الإجارة أن تكون مشغولة بملك غيره، ويكون الحكم فيما إذا عقد عليها وهي مشغولة، ويكون ما قاله الشيخ في مسألة القصب: إن المستأجر يقوم مقام المؤجر، والذي ينبغي حيث قلنا بالصحة أنه لابد من قدرة المستأجر على أخذها ممن هي مشغولة لملكه، كما قالوا في بيع المغصوب من غير غاصبه: إنه لا يصح إلا إذا كان قادرا على أخذه منه، وأقل أحوال هذا أن يكون كذلك، فتلخص أن في المسألة خلافاً، واختلفوا في الراجح، فالمصنف يقول بعدم الصحة وأنه مراد الأصحاب، وفي "الفائق" هو ظاهر كلامهم، والثاني: يصح، وهو الذي خطر ببال بعضهم من كلام الأصحاب على ما ذكره المصنف، وقال في "الفائق": وهو المختار، وهو مقتضى كلام أبي العباس في مسألة الغصب، وكذا قد ذكر في "الاختيارات" هذه المسألة، إلا أنه قال: وله أن يؤجرها لمن له فيها القصب، وكذا لغير على الصحيح، ويقوم ذلك الغير فيها مقام المؤجر.
وظاهر كلام أشياخ مذهب أحمد في إجارة المضاف، أن الأرض إذا كانت مؤجرة للغراس مدة، وأجرها لغير صاحب الغراس المدة التي تلي
مدة صاحب الغراس، أن الإجارة تصح مع أنها تكون غير فارغة غالبا. انتهى.
قال ابن عطوة: من أقر بأخذ مال غيره، لم يبادر بإيجاب ضمانه حتى يفسر صفته، أعداؤنا الأخذ أو مباحا؟ وإن بادرنا، فلأن الأصل فيه صفة العدوان، كاليد دليل الملك، إلا أن يقوم دليل عليه. وذكر في "المعتمد": من أخذ ما يقع عليه اسم مال من غيره قل أو كثر، فإنه يفسق به. انتهى.
قوله: ولا يصح استئجار دابة بعلفها إلا أن يكون إلى آخره.
فيقول: لها كل يوم صاع بر أو صاع شعير صفته كذا وكذا، أو خمس وزان عرفج صفته كذا، ومثلها تبن صفته كذا وكذا، قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع": المثال الخمسون: يجوز استئجار الأجير بطعامه وكسوته عندنا، وكذلك الدابة بعلفها، وكذلك المرضعة، وفاقا لمالك. ثم قال: ثم إن خاف أن يرفعه إلى حاكم يرى بطلانها فيلزمه بأجرة مثله، فالحيلة في تصحيح ذلك أن يستأجره بنقد معلوم يكون بقدر الطعام والكسوة، ثم يشهد عليه أنه وكله في إنفاق ذلك على نفسه وكسوته، وكذلك الدابة. انتهى.
قال في "الاختيارات": ومن كسب مالا حراما برضى الدافع ثم تاب، كثمن الخمر، ومهر البغي ونحوهما، فالذي يتلخص من كلامه أن القابض إن لم يعلم بالتحريم ثم علم، جاز له أكله، وإن علم تاب، فإنه يتصدق به، وله أكله إن كان فقيرا، فله قدر كفايته. وإذا عرف ربه، هل يلزمه رده، أم لا؟ على قولين. انتهى.
ومن "جمع الجوامع": وأما المضار العامة، فالكلام فيها على مقامين:
الأول: الإجارة على رفعها وردها، فيجوز ذلك
…
إلى أن قال:
الثاني: من المضار العامة العواني الذين يتعاونون على الناس إلى الظلمة، فيحرم أن يؤجر دابة يركبها ليتقوى بها على الاطلاع على أمور الناس، وأن يؤجر ما يستعين به في ذلك، أو أن يساعده أحد على ذلك بأجرة.
الرابع: من المضار العامة: الظلم، فلا يجوز الاستئجار على الظلم، ولا لأحد أن يؤجر نفسه للظلمة بجميع الظلم، ولا يكتبه، ولا يحملولا يعين عليه بوجه من الوجوه، ولا تصح على ذلك. انتهى.
قوله: يوصله إلى مقره.
أي مقر البلد، وهو ربضه، ومناخه، وموضع سوقه الذي عادة القوافل الإناخة فيه. وإذا استأجر أرضا مدة فمات المستأجر في أثنائها وله أولاد وصغار، فللولي إجارتها مدة طويلة لأن ملكهم المنافع لا الرقبة، قاله شيخنا.
الظاهر صحة الإجارة على سقي أحواض النخل المعلومة بالمشاهدة وكذا الزرع، لأن اختلافه يسير. ولقد رأيت في بعض نسخ "المغني" وهي نسخة قديمة صحة الإجارة على سقي الزرع. وقيل: تصح الإجارة على سقي النخل عاما، والمرجع في السقي للعرف، قاله شيخنا. وقد تقدم ما يشعر بذلك.
قال في "شرح المنتهى": قال في "الفروع": وظاهره ولو ظن عدم العاقد ولو مدة لا يظن فناء الدنيا فيها، وفي طريقة بعض أصحابنا:
الشرع يراعي الظاهر، ألا ترى لو اشترط أجلا تفي به مدته، صح، ولو اشترط مائتي سنة أو أكثر، لم يصح. انتهى.
قال في "جمع الجوامع": لو دخل لص إلى مالك رجل من ملك غيره، فلا ضمان على صاحب الملك ولو تهاون في عمارته أو عمارة بعضه، وكذلك إن دخل عليه منه كلب أو سبع أو غيرهما، لكن إن
كان لا يمكنه زوال ضرر نفسه إلا بعمارته، فعليه أن يزيل ضرره بعمارته، أو بيعه إن عجز عنه.
وإذا وضع نعله أو قبقابه في المسجد، جاز. فإن تلف به شئ لم يضمن في قياس المذهب.
وإذا وضع في المسجد سطلا أو جرة ونحو ذلك ليشرب منه الناس، جاز.
الثالث عشر: إذا وضع عشبا لقتل بهيمة بمكان فأكلته بهيمة الغير (فماتت) فلا ضمان عليه إلا أن يضعه لها قصد قتلها، فإنه يضمن. انتهى.
إذا كان عنده دين أو وديعة لمجهول الآن، فدفعه إلى الحاكم، برئ ..
فلو رده إليه الحاكم لمعنى فيه، كفقر ونحوه، جاز له، قاله شيخنا.
قال في "الإنصاف": فإذا اكترى حنطة، فله زرع شعير ونحوه، ولا يملك الغرس ولا البناء. فإن فعل لزمه أجرة المثل.
وإن اكترى لأحدهما، لم يملك الآخر. وإن اكتراهما للغرس، ملكه للزرع وهذا المذهب.
وإذا استأجر دابة لحمل قفيز فزاد عليه وتلفت، ضمنها مطلقا، ولو بعثور أو عدو، ولو كان مالكها معها، لأنه لم يرض بالزيادة، والظاهر ولو قلت الزيادة. وإن أجره في الذمة على حمل القفيز، فأتى له ببعير فزاد عليه وتلف، فهل يضمن كالأولى، أو لا؟
فيها ثقل، وضمانه أقرب كالأولى، قاله شيخنا.
قال في "المنتهى": ولو شرط عليه مدة تعطيلها. في هامشه بخط الشيخ منصور ذكر أنه من خط مؤلفه.
قوله: لم يصح. أي الشرط، وبطلت الإجارة لأدائها إلى الجهالة. انتهى.
الخسارة المطلوبة من محلة أو قرية تكون على قدر الأموال من نقد وحيوان وعقار وغيرها. ويجب التساوي فيها على عدد الرؤوس، كتبه البلباني. انتهى.
وله أيضا: الوقف على جماهة لا يمكن حصرهم، ولاية إيجاره للحاكم، سواء كان لا يمكن حصرهم أولا، أو ثاني حال وليس له حد يعرف به، أما ضابطه، عدم الامكان، كتبه محمد الحنبلي.
قوله: ولا يجعل في الدار رمادا ولا زبالة إلى آخره.
هذا شئ يأتي به من خارج، وما حصل من رماد بسبب وقود الساكن فيها، فالظاهر جوازه لأنه العرف، فإذا خرج لزمه نقله، قاله شيخنا.
قوله: وإن استأجر الدابة للسقي، فلابد من معرفة الغرب إلى آخره.
هذا على ظاهره، فإذا تلف ذلك الغرب، فهل تبطل أم لا؟ الظاهر بطلانها، قاله شيخنا.
من "القواعد": وأما المساقي، إذا ظهر الشجر مستحقا بعد تكملة العمل، فللعامل أجرة المثل، لعمله على الغاصب. والأموال المغصوبة، أو المنهوبة، أو المسروقة، كلموجود مع اللصوص، وقطاع الطريق ونحوهم، يكتفى فيها بالصفة. انتهى.
إذا استأجر أرضا وأجرها آخر، وظهر فساد الإجارة الأولى، فالمالك يطالب كلا منهما، قاله شيخنا،
ما قولكم في قرية قريبة من البادية، ويرد على ماء منها ضوال الإبل، وعادة العرب إذا وجدوها أخذوها، بحيث أن ربها من حيث يفقدها
يحصل له الأياس منها، (هل) يجوز لأهل القرية امساكها، ولهم أن يتملكوها بعد التعريف أم لا؟
أجاب محمد الرملي: نعم! لهم أخذها إذا خيف امتداد الأيدي لها، وتعريفها ثم تملكها بعد ذلك بشرطه. انتهى.
ومن "جمع الجوامع": ومنه ما في "الصحيحين" من لعب الحبشة بدرقهم وحرابهم، قد يؤخذ منه جواز رقص في عرس ونحوه، ولعب بسيف ونحوه. قال صاحب "الفروع" بعد كلام له سبق: اختار شيخنا ذلك، وقال: إنه أحد الوجهين معتمدا على ما ذكره ابن البنا، قال: فظاهره جواز الرهان في العلم وفاق للحنفية، لقيام الدين بالجهاد والعلم. وقال أبو الحسن ابن اللحام: قلت: وظاهر ذلك جواز الرهان في العلم، ولا وجه لقوله. قلت: لكون صاحب " الفروع" سبقه إلى ذلك القول.
ما قولكم في المكس الذي يؤخذ من جدة مثلا من التجار بغير طيب أنفسهم، هل يفصل فيه بين أن يجهل ملاكه ويحصل اليأس من معرفتهم فيصير من أموال بيت المال، فيحل لمن رتب فيه أخذه والانتفاع به إذا كان ممن يستحق في بيت المال، وبين أن لا يجهل ملاكه، أو يجهل لكن لم يحصل اليأس من معرفتهم، فلا يصير من أموال بيت المال، ولا يحل لمن رتب فيه شيئا أخذه ولا التصرف فيه. وهل من القسم الثاني - وهو الحرام - ما لو أمكن معرفتهم بسؤال متولي قبض المكس، أو شهود القبض، أو مراجعة دفتر القبض إذا حصل العلم منهم بواسطة ولو بالقرائن؟
وهل منه أيضا ما لو شك هل حصل اليأس من معرفتهم، أو لا لأن الأصل احترام مال الغير وحرمة التعرض له حتى مسوغه؟ وهل إذا علم بعض ملاكه وأمكن علمه، وأيس من علم الباقين، ودفع متولي قبضه
لمن رتب له فيه ما رتب له، يمتنع عليه التصرف في جميعه، أو يلزمه اجتناب قدر حصة من علم منهم، أو أمكن علمه؟ وحيث حرم أخذه، فأراد رجل رتب له فيه قدر معلوم أن يتورع عن أكله، فاقترض مبلغا من شخص ليأكله ثم قضاه مما قبضه من مرتبه، هل ينفعه ذلك وتبرأ ذمته من دين القرض بهذا القضاء؟ وهل يلزمه عند القضاء منه إعلام المقرض بأن هذا المدفوع من المكس، وأنه حرام إذا كان المقرض ممن يجهل حرمة المكس ويظن جوازه ولو علم الحال ما قبله، أم لا؟ وهل تبرأ ذمته بهذا الإعلام إذا طابت نفس المقرض بهذا الأخذ من ذلك، أو لا تبرأ ولا عبرة برضاه مع حرمة المأخوذ؟ وهل يحرم على من رتب له القبض منه ويصير غاصبا بوضع يده عليه من ضمان المغصوب، أم لا؟ وهل إذا قبض شيئا منه، وعلم أربابه أو بعضهم، أو أمكن علمهم بالسؤال والبحث، ليتخلص من عهدة ما قبضه بدفعه إلى ملاكه، أم لا؟ أوضحوا لنا الجواب مفصلا عما في السؤال ببيان شاف كاف بصريح المقال، أثابكم الله الجنة وحسن المآب.
فأجاب سيدنا عمر بن عبد الرحيم الحسيني الحسني الشافعي:
الحمد لله في "شرح المنهاج للشمس الشربيني" ما حاصله:
خربت قرية وتعطلت ولم يعرف مالكها، هل للإمام إعطاؤها لم يعمرها؟ زجهان: نعم! أخذ من قول السبكي: كل ما لا يعرف مالكه ولا يرجى ظهوره، فلبيت المال، يجوز للإمام التصرف فيه كسائر أموال بيت المال، ويؤخذ منه ما عمت به البلوى من أخذ العشور والمكوس من نحو جلود البهائم التي تذبح وغير ذلك، تؤخذ من ملاكها قهرا ثم تصير بحيث لا يعرف مالكها، أي فتصير لبيت المال. انتهى.
وقوله: يؤخذ إلى آخره.
في "شرح المنهاج" للجمال الرملي: أيضا: ثم عقبه بقوله: وأفتى
به الوالد رحمه الله، إذا تقرر هذا، فحكم المال المفروض في السؤال أخذا مما ذكر، إن ما أيس من معرفة أربابه، صار لبيت المال، فيحل لمن هو بيده التصرف فيه حيث صرفه في مصارفه مراعيا محل الاستحقاق وقدره، ويحل لمن دفع له تناوله والتصرف فيه بالشرط المشار إليه.
وما لم يحصل فيه اليأس من معرفتهم، فموقوف إلى تحقق معرفتهم، أو اليأس حيث لم يعلموا في الحالة الراهنة، وواجب الدفع إليهم حيث علموا فيها قول السائل كثر الله فوائده.
وهل من القسم إلى آخره.
جوابه: إن اعتراف من بيده مال المكس، يثبت به، لأنه إقرار من له اليد، وهو مقبول عدلا كان أو فاسقا. وأما ثبوت استحقاق مدعيه بشهادة شهود المكس، فلا يتخرج على أصل المذهب من اعتبار العدالة في الشهود والرواة. نع! إن حصل العلم بأخبارهم لوصولهم عدد التواتر، وحصول الوثوق بقولهم، ووقوع صدقهم في القلب، وجب على من حصل له العلم بخبرهم العمل بقضية علمه، والثبوت بدفاترهم أولى بعدم القبول، لأن خط العدل لا يثبت به حكم فكيف بغيره؟ ! وهذا بالنسبة لظاهر الحكم، وإلا فالورع غير خاف، لاسيما عند توفر القرائن، ووجود مخائل الصدق.
وقوله: وهل منه إلى آخره.
هو كذلك، لما أشار إليه السائل أن المسوغ للتصرف صيرورته لبيت المال، وإنما يتحقق عند العلم باليأس، أو غلبة الظن الملحقة بالعلم حكما. وأما عند الشك والتردد ولو كان ناشئا عن نحو إخبار ممن تقدم ممن لم يثبت قوله في ظاهر الحكم، فالأمر فيه الوقف، كما علم مما تقدم.
وقوله: وهل إذا علم بعض ملاكه إلى آخره.
جوابه: ينبغي على تفصيل متفرع على اختلاف أحوال العمال، فقد يجمعون جميع المتحصل في وعاء واحد، وقد يوزعون على أوعية متعددة بحيث لا ينتقلون إلى الوعاء الثاني إلا بعد استيفاء الأول، ما جرت به عادتهم من المقادير وهكذا، وهذا القسم الثاني هو الواقع المأخوذ بالبندر المذكور من المراكب الهندية، كما هو المسموع من أهل الخبرة المشاهدين لصورة الحال. وحينئذ، فإن كانت صورة السؤال في القسم الأول أو الثاني، وقد علم اشتمال كل وعاء على ما أيس من معرفة أربابه، وم نلم يؤيس، فهي مسألة من خلط المال المغصوب بمال آخر ولم يتميز، فالمعتمد فيها أنه يمتنع على الغاصب التصرف في الجميع، فيحجر عليه في الجميع حتى يوصل القدر المستحق إلى مستحقه.
هذا ما أطبقت عليه كلمتهم، وإن حصل بينهم اختلاف في حصول الملك بالخلط، أعرضنا عنه خوف الإطالة.
وأفتى الإمام النووي فيمن خلط الحرام بماله، بأنه يكفيه عزل قدر الحرام، ثم يجوز في بعض الأوعية أن يكون جميع ما فيه من المال يؤيس من معرفة أربابه، فهي مسألة معاملة من اشتمل ماله على حلال وحرام، والمذهب المعتمد المعول عليه في الإفتاء، جواز معاملته والأخذ منه وإن كان أكثر ماله الحرام، ما لم يعلم المعامل أن المأخوذ من عين الحرام.
وقد أشار السيد السمهودي في كتاب "شفاء الأشواق في بيان حكم ما يباع في الأسواق" إلى مزيد بسط فيها.
ومنه ما حاصله: وإذا اشتمل السوق على حلال وحرام واشتبه، ولم يتميز عين الحرام، لم يحرم الشراء منه، وإن كنا نعلم أن الكثير في الأسواق الحرام، لفساد المعاملات، وإهمال شروطها، وكثرة الربا، والنهب والظلم وغير ذلك. وفي الصحيح:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند يهودي على شعير لأهله" ومعلوم أنهم
لا يتحرزون عن الربا، وثمن الخمور والمعاملات الفاسدة، مع أن الأصح إذا رأى ذميا باع خمرا مثلا وقبض ثمنها وأراد دفعها عما عليه، لا يحل للمسلم، لبطلان اعتقادهم وإن كانوا يقرون عليه، كما قاله شيخنا.
ونقل في "الخادم": والتعقيبات عن النص موافقة ذلك، بخلاف إذا لم يعلم المسلم حال ما أتاه.
وقد روى الترمذي، وقال: - حسن غريب - عن علي رضي الله عنه: "أن كسرى أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فقبلها منه، وأن الملوك أهدوا له فقيل منهم": وقد اشتهر أن مارية رضي الله عنها كانت من هداياهم، فلم يجتنب ذلك صلى الله عليه وسلم، مع العلم بعدم تحرزهم عن ذلك.
وكان الصحابة رضي الله عنهم في زمنه صلى الله عليه وسلم لا يتوقون معاملة الكفار والمنافقين، ولم يخل عصرهم من السرقة والغلول في الغنيمة، ولم يجتنبوا لأجل ذلك الشراء من أسواقهم. وقد روى جماعات من حديث معمر عن سليمان، قال: إذا كان لك صديق عامل، فدعاك إلى طعامه، فاقبله فإنه مهنأة لك ومأتمة عليه. قال معمر: وكان عدي بن أرطأة عامل البصرة يبعث إلى الحسن كل يوم بجفان من ثريد فيأكل منها ويطعم أصحابه، قال: وسئل الحسن عن طعام الصيارفة، فقال: قد أخبركم الله عن اليهود والنصارى أنهم يأكلون الربا، وأحل لكم طعامهم. وقال منصور: قلت لإبراهيم النخعي: عريف لنا يصيب فيدعوني فلا أجيب، فقال إبراهيم: الشيطان يحرص في هذا ليوقع العداوة، وقد كان العمال يهمطون، أي يظلمون، ثم يدعون فيجابون.
وسألته عن صاحب الربا، فقال: اقبل ما لم تره بعينك.
وفي "فتاوى قاضي خان" عن بعض المشايخ: الأفضل أن لا يقبل جائزة السلطان، فإن كان له أموال ورثها، يجوز أخذ جائزته. قيل له:
لو أن فقيرا أخذها مع علمه بأنها غصب، تحل له؟ ! قال: إن كان خلط بعض الدراهم ببعض، فلا بأس، وإن دفع عين الغصب من غير خلط، لم يجز. قال أبو الليث: هذا الجواب مستقيم على قول أبي حنيفة، لأن عنده إذا غصب الدراهم من قوم وخلط بعضها ببعض، يملكها الغاصب. أما على قولهما، فلا يملكها، بل تكون على ملك صاحبها. انتهى.
ورأيت في "تذكرة السراج بن فهد": إن القطب القسطلاني استفتى عن قوم من المسلمين عرفوا بعدم توريث البنات، ما الحكم في تناول ما بأيديهم؟
فأجاب بما حاصله: إن لهم أحوالاً: منها أن يكون لهم مال اكتسبوا بوجه حل، فلا يحكم على ما بأيديهم بالحرمة للاختلاط، فهو كمعاملة آكل الربا من أهل المسلمين، وأهل الذمة الذين يستحلون بيع الخمور. قال: رأى هذه الفتيا ثم شافهه فيها صاحبها القطب، قال: فزادني بسطا ورخصة في أحوال الزمان، وقال: متى ضاق الأمر وسعه الدين، إذ لا حرج في الدين، وإنه رأى في تاريخ البلاد أن الإمام مالك أخذ من خزانة المنصور ما كان يطلقه من الأموال التي باع بها عقار عبد الله بن الحسن وماله، فإنه كان قد اصطفى أمواله. انتهى كلام السيد السمهودي.
وأما ما أشار على ما نقله عن "فتاوى قاضي خان" فيه سعة زائدة على ما عند الشافعية، فينبغي لمن ابتلي وخاف على نفسه الوقوع في ورطة الحرمة على طريق الشافعية في بعض الصور التي تقدمت الإشارة إليها، أن يقلل هذا الإمام الجليل بعد البحث والفحص عن صحة هذا النقل
بمراجعة أئمة المذهب المعول عليهم في إتقانه، فإن المذاهب لا ينبغي أخذها إلا عن أربابها، ويخلص نفسه من اقتحام الحرام في معتقده.
وأما ما نقل عن الإمام مالك على تقدير صحته، وكونه أخذه لنفسه لا ليعيده لأربابه كما يقضي به حسن الظن اللائق برفعة مقامه، فلعله محمول على أن الاثمان خلطت، وأن رأيه فيها بعد الخلط كرأي النعمان، أفاض الله على ضريحهما شآبيب الرحمة والرضوان.
ولعل هذه السعة المفهومة مما يحكي عن هذين الإمامين الجليلين مجمل قول: "التحفة" قيل ك كيف يستبعد القول بالملك، يعني في مسائل الخلط، وهو موجود في المذاهب الأربعة، بل اتسعت دائرته عند الحنفية والمالكية؟ ! انتهى.
هذا، وجميع ما تقرر من البسط في هذه المسألة إنما هو لبيان الحل الذي يخرج الإنسان من ورطة الفسق والعصيان، وإلا فاجتنابه من أجل القربات، وأعظم الوسائل في امتطاء أسنى المراتب، وفي شهرة ما ورد من الأحاديث والآثار ما يغني عن التطويل بإيرادها.
وما ورد من الاحتجاج به عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه وورثته كالحسن وأحزابه رضي الله عنهم، فخرج مخرج التشريع، وبيان الأحكام التي قد يصير بها المكروه واجبا. وأما غيرهم من عامة الخلق الذي لم يكلف إلا بخويصة نفسه كأمثالنا، فالحكم في حقه إنما هو الكراهة، وتأكد ندب الاجتناب، ففي "التحفة" في صدقة التطوع فرع: قال في "المجموع" عن الشيخ أبي حامد، وأقره:
يكره الأخذ ممن بيده حلال وحرام كالسلطان الجائر. وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها، ولا يحرم إلا أن يتقين أن هذا من الحرام الذي تمكن معرفة صاحبه. انتهى.
وفي "الرسالة السمهودية" المشار إليها سابقا ما ملخصه: ولا نقاء
الشبهات أثر عظيم في صلاح القلب وتنوره، كما أن تناوله يكسب إظلامه، وإليه يشير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:"ألا وإن في الجسد مضغة" الحديث. ولهذا كان الأرجح لمن في يده مال في بعضه شبهة، أن يصرف لقوته ما لا شبهة فيه، ويجعل الآخر لنحو كسوة إن لم يف الأول بالجميع، لما في أكل الشبهة من التأثير في قساوة القلب، لامتزاج القوت باللحم والدم، فليحذر سالك طريق الآخرة الشبهة. انتهى.
وقول السائل كثر الله فوائده: وحيث حرم أخذه، فأراد رجل رتب له إلى آخره.
جوابه: إنه لا تبرأ ذمته به.
قوله: وهل يلزمه الإعلام إلى آخره.
جوابه: إنه إذا أعلمه بحقيقة الحال، وأبرأه براءة إسقاط لا براءة استيفاء، برئت ذمته من دين القرض لا من دين الغصب، وحاله حينئذ شبيهة بحالة من أصابته نجاسة مخففة فحاول إزالتها بملابسة ما هو أغلظ منها، لأن دين القرض ثبت برضى مالكه، بخلاف دين الغصب، فإنه بوضع يده عليه يصير ضامنا ضمان الغصب.
وقوله: وهل إذا قبض شيئا وعلم أربابه إلى آخره.
جوابه: إنه حيث علم، وجبت المبادرة بالدفع لهم، وحيث رجي العلم، وجب البحث عنهم حسب الطاقة، لأنه طريق إلى براءة ذمته الواجبة عليه، ووسائل حكم المقاصد، ونسأل الله التوفيق لمزاولة مناصحة النفس قبل مشارفة الحلول بالرمس، والله أعلم. انتهى.
إذا كان عليه دين وأوفاه من مال حرام، فأبرأه صاحب الدين ولم يعلم أن المال الذي استوفاه حرام، هل تصح براءته ويسقط، أم لا؟
أجاب الإمام النووي: إن أبرأه براءة استيفاء، لم يصح ولم تبرأ ذمته. انتهى.
ومن أجوبة له أيضا: وقد اتفق أصحابنا ونصوص الشافعي عليه فيما إذا غصب حنطة أو زيتاً أو غيرهما وخلطه بماله، قالوا: يدفع إليه من المختلط قدر حقه، ويحل الباقي للغاصب. وأما ما يقوله بعض العوام: اختلاط الحلال بالحرام يحرمه، فهذا باطل لا أصل له. وإذا أخذ مكاس من إنسان دراهم فخلطها بدراهم المكس، ثم رد عليه قدر دراهمه من ذلك المختلط، لا يجوز له ذلك إلا أن يقسم بينه وبين الذي أخذت منه بالنسبة.
وإذا سرق صبي مالا وسلمه لأبيه، ومات أبوه ولم يخلف شيئا، وبلغ الصبي وليس لأبيه تركة يؤخذ منها بدل المسروق، وجب على الابن ضمانه، لأنه من أهل الضمان في غرامة المتلفات. انتهى.
ما يقول السادة العلماء في مدينة لا يذبح فيها شاة إلا ويأخذ المكاس سقطها ورأسها وكوارعها مكسا، ثم يضع ذلك ويبيعه في الأسواق، وفي المدينة من لا يمتنع عن شراء ذلك وأكله من أهل المدينة وغيرهم، وليس يباع في المدينة رؤوس وأكارع وأسقاط غير هذا ولا يمكن غير ذلك، فهل يحرم شراء ذلك وأكله والحالة هذه أم لا؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب أبو العباس تقي الدين بن تيمية: هذه الأمكاس التي ذكرتم، حكمها حكم ما يأخذه الملوك من الكلف التي ضربوها على الناس، فإن هذه في الحقيقة تؤخذ من أصحاب الغنم الذين يبيعونها للقصابين وغيرهم، فإن المشتري يحسب أنه يؤخذ منه السواقط فيسقط من الثمن بحسب ذلك، وهكذا جميع ما يؤخذ من الكلف، فإنها وإن كانت تؤخذ
من المشتري، فهي في الحقيقة من مال البائع، وهذه الكلف دخلها التأويل والشبهة، ومنها ما هو ظلم محض ولكن تعذرت معرفة أصحابه ورده إليهم، فوجب صرفه في مصالح المسلمين، وولاية بيعها وصرفها لهم، فالمشتري لذلك منهم إذا أعطاهم الثمن لم يكن بمنزلة شراء المغصوب المحض الذي لا تأويل فيه ولا شبهة، وليس لصاحبه ولاية بيعه حتى يقال: إنه فعل محرما يفسق بالإصرار عليه، وفي المنع من شرائها - أي الأسقاط والأكارع والرؤوس - إضرار بالناس، وإفساد للأموال من غير منفعة تعود على المظلوم، فالمظلوم له أن يطالب ظالمه بالثمن الذي قبضه إن شاء، أو بنظير ماله. والتورع عن هذه من التورع عن الشبهات، ولا يحكم بأنها حرام محض، ومن اشتراها وأكلها لم يجب الإنكار عليه، ولا يقال: إنه فعل محرما لا تأويل فيه، فإن طائفة من الفقهاء أفتوا طائفة من الملوك بجواز وضع أصل هذه الوظائف، كما فعل ذلك أبو العباس الجويني في كتابه " غياث الأمم"، وكما ذكر ذلك بعض الحنفية. وما قبض بتأويل، فإنه يسوغ للمسلم أن يشتريه ممن قبضه وإن كان المشتري يعتقد ذلك العقد محرما، كالذمي إذا باع خمرا وأخذ ثمنها، جاز للمسلم أن يعامله في ذلك الثمن، وإن كان المسلم لا يجوز له بيع الخمر، كما قاله عمر رضي الله عنه: ولوهم بيعها، وخذوا أثمانها. وهذا كان سببه أن بعض العمال أخذ خمرا في الجزية وباع الخمر لأهل الذمة، فبلغ عمر ذلك فأنكر ذلك، وقال: ولوهم بيعها - أي الخمر - وخذوا ثمنها. وهذا ثابت عن عمر، وهو مذهب الأئمة. وهكذا من عامل معاملة يعتقد جوازها في مذهبه، وقبض المال، جاز لغيره أن يشتري منه ذلك المال وإن كان هو لا يرى جواز تلك المعاملة. فإذا قدر أن الوظائف قد فعلها من يعتقد جوازها لافتاء بعض الناس له بذلك، أو لاعتقاده أن أخذ هذا المال وصرفه في
الجهاد أو غيره من المصالح جاز لغيره أن يشتري منه ذلك وإن كان لا يعتقد جواز أصل القبض. وعلى هذا، فمن اعتقد أن لولاة الأمور فيما فعلوه تأويلا سائغا، جاز له أن يشتري ما قبضوه وإن كان لا يجوز هو ما فعلوه، مثل أن يقبض ولي الأمر عن الزكاة قيمتها فيشتري منه، أو مثل أن يصادر بعض العمال مصادرة يعتقد جوازها، أو مثل أن الجهاد وجب على الناس بأموالهم، وإن ما أخذوه من الوظائف هو من المال الذي يجوز أخذه وصرفه في الجهاد، ونحو ذلك من التأويلات التي قد تكون خطأ، ولكنها مما قد ساغ فيها الاجتهاد. فإذا كان قبض ولي الأمر المال على هذا الوجه، جاز شراؤه منه، وجاز شراؤه من نائبه الذي أمره بقبضه وإن كان المشتري لا يسوغ قبضه. والمشتري لم يظلم صاحبه، فإن شراءه بماله ممن قبضه قبضا يعتقد جوازه، وما كان على هذا الوجه، فشراؤه حلال في أصح الوجهين، وليس من الشبهات، فإنه إذا جاز أن يشتري من الكفار ما قبضوه بعقود يعتقدون جوازها وإن كانت محرمة في دين الإسلام، فلأن يجوز أن يشتري من المسلم ما قبضه بعقد يعتقد جوازه أولى، وإن كنا نراه محرما بطريق الأولى والأحرى، فإن الكافر تأويله المخالف لدين الإسلام باطل قطعا، بخلاف تأويل المسلم، ولهذا إذا أسلم الكفار وتحاكموا إلينا وقد قبضوا أموالا بعقود يعتقدون جوازها، كربا، وثمن خمر وخنزير، لم تحرم عليهم تلك الأموال، كما لا تحرم معاملتهم فيها قبل الإسلام، لقوله تعالى:" اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا". فأمرهم بترك ما بقي في الذمم، ولم يحرم عليهم ما قبضوه. وهكذا من الربا، من كان قد عامل معاملات ربوية يعتقد جوازها، ثم تبين له أنها لا تجوز وكانت من المعاملات التي
تنازع فيها المسلمون، فإنه لا يحرم عليه ما قبضه بتلك المعاملات على الصحيح، والله أعلم.
والذي ظهر لنا أن ثواب الرؤوس ونحوها للمشتري لا للبائع، لأنه اشتراها كلها ولم يستثن عليه، وربما أنه يبيعها قبل الذبح، أو لا يذبح، وتقدم فيه كلام عن الشيخ ابن عطوة موافق لما قاله شيخنا.
قال ابن قندس في "حاشيته على المحرر" بعد كلام له سبق: وهذا معروف في الأمناء وهو فعل الأصلح، كالوكيل، والمضارب، والشريك، ولأن الأمين متى قدر على فعل الأصلح ولم يفعل، كان متعديا بلا شك ولا ريب. انتهى.
قوله: أو إلى من يحفظ مال ربها عادة، كزوجته إلى آخره.
قال في "جمع الجوامع": قلت: ويتوجه: إن كان يعلم منه الرضى بالدفع إليهم، وليس من عادتهم إفساد ماله، جاز، وإلا فلا. وظاهر كلامهم: لا يجوز إلى ولده، ويتوجه: بلى، وأنه كالعبد والزوجة وأولى. انتهى.
قوله: ويكفي في ثبوته الاستفاضة.
ثم ذكر كلام ابن القيم في شرحه بأن الحاكم أن يحكم بعلمه بالاستفاضة في هذه وغيرها، ونقلها في "شرح المنتهى" الصغير في طريق الحكم. والظاهر من الشارح أنه معتمدها، ولا نعلم نصا يخالفه، قاله شيخنا.
قوله: ثم علمت تلفها.
لم يقبل قوله. وصرح في "المنتهى" في الإقرار بقبوله قوله، قاله شيخنا.
قوله: وإن كان لم يرج وجود صاحبها - أي اللقطة - لم يجب تعريف في أحد الوجهين الخ.
مثله من وجد لقطة يعلم أنها للمسلمين لأن عليها سكة الإسلام، ولا يرجو معرفة مالكها لكونها قديمة، فلا تعريف، قاله شيخنا.
إذا كان مع أمين شاة، وهو غير عدل، فولدت ثم ماتت الأم فغذي الأمين البنت من غنمه، صح، وله أجرة المثل إن كان نوى الرجوع، والقول قوله في ذلك، لأنه أمين، وتركها يؤدي إلى موتها. فلو غاب ففعله ولده القائم بأمره، أو وكيله، أو زوجته، أو راعيه، فكذلك، لأنهم كالوكلاء للأمين، ولو دفعها الأمين أو من يقوم مقامه إلى آخره بجزء منها، صح أيضا، قاله شيخنا.
قوله في "المنتهى": ولا يضمن دابة عليها مالكها الكبير إلى آخره.
إن كان لم يرد عن قصده، فظاهر. وإن صده إلى طريق آخر، ففي النفس منها شئ، لكن لا نجسر أن نخالفها إلا أن يعثر على دليل يخالفه، قاله شيخنا.
قال في "جمع الجوامع" فروع: إذا كان فيما أحياه شجر بري لم يغرسه، فهو أحق به، وهل يملكه، على روايتين:
إحداهما: لا يملكه وهي الصحيحة، فليس له منع الناس من أخذه، وعليه أن يأذن لم يستأذنه في الأخذ منه، وعنه: يجوز الدخول لأخذه من غير إذن، والثانية: يملكه. انتهى.
قال في "الإنصاف": قوله: فإن أراد إنسان إحياء أرض يسقيها منه، جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه.
إذا كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل، فجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم، لم يكن له أن يسقي قبلهم على المذهب، واختار الحارثي أن له ذلك، وقال: وظاهر الأخبار المتقدمة وعمومها يدل على اعتبار السبق إلى أعلى النهر مطلقا، قال: وهو الصحيح. انتهى.
ومن "جمع الجوامع": وفي "الأحكام السلطانية" الثالث:
ما جرى عليه ملك المسلمين ثم خرب حتى صار مواتا عاطلا، ففيه روايتان:
إحداهما: لا يملك بالإحياء عرف أربابه أو لم يعرفوا.
والثانية: إن عرف أربابه، لم يملك باحياء، فإن قلنا: لا يملك بالإحياء، فهل يجوز إقطاعه؟ إن عرف أربابه، لم يجز إقطاعه، وإن لم يعرفوا، جاز إقطاعه وكان الاقطاع كافياً، وتمامه فيه.
قال في "الرعاية": وما فضل في بئره من ماء عد عن حاجته لشرب زرع وغيرهما، بذله لبهائم غيره مجانا، وعنه: وزرعه مع قرب المرعى وعدم ماء غيره. انتهى.
سئل السيد عمر بن عبد الرحيم عن ساقية لأراضي متعددة، لكل منها منفذ يجري منه الماء، وبعض منافذها مرصد بوضع أحجار فيه، ولا يسد شئ من المنافذ لشرب الآخر، وأراد صاحب المنفذ الذي لا رصد عليه أن ينحت تراب أرضه وينقله لينخفض ويأخذ الماء على أصحابه لانخفاض أرضه اللازم معها انخفاض منفذها، فهل لصاحب الأرض المرصدة بالأحجار منعه، والحال أن منافذها متساوية الاتساع، أو متفاوتة؟ وهل لو اطردت عادة بأن الذي لا رصد عليه فعل ذلك، هل لهذه العادة أثر، أم لا؟
فأجاب بقوله: وقد صرحوا بأن من أراد حفر نهر فوق نهر غيره، إن ضيق عليه، منع، وإلا فلا، وبأنه لو أراد من أرضه أسفل توسيع فم النهر، وأراد الأولون تضييقه، أو أراد أحدهم بناء قنطرة أو رحى عليه، أو غرس شجرة على حافته، أو تقديم رأس ساقيته أو تأخيره، لم يجز إلا برضى الجميع، وبذلك يعلم أن نحت الرتاب ونقله إن كان يضر بأخذه ماء كثيرا أو بغيره، منع منه مطلقا.
من "فتاوى ابن حجر" قوله: وإن حفر نهر صغير إلى آخره.
هذا يفيد في السيل، لأن هذا مملوك ومعد له، والسيل من المصالح العامة فلا يكون ملكا، لكن الأول أحق بالتقدم كما قرروه، قاله شيخنا.
قال في "الهداية": في ماء المطر يسقي الأعلى إلى الكعب، ثم يرسله إلى الأسفل إلى من بعده، ثم هو إلى من بعده، فإذا انتهى كعب وأخذ من لا منفذ بعده كعب أيضا، حبسه الأعلى كعباً أيضا، ثم أرسله كالأولى على من بعده طعباً ثانيا وهلم جرا. فلهذا يحتاج إلى ثقوب بعضها فوق بعض، كل مرة يرسله من أعلى من الأول وبين النقبين بقدر الكعب من الأرض. انتهى. نقلتها من خط أحمد البجادي، وذكر أنه عرضها على الشيخ محمد فأعجبته، وقال: هذا هو الصواب، وبه قال شيخنا. وقال: الظاهر أن الشرب يكون كعباً، لأن الماء لا يملك، لكن للأول حق التقدم. والوادي الذي وقع في زمنه النزاع في سبله وهو مهروز بالمدينة، قضى فيه بالكعب، وهو ثابت قبله بلا تردد، فلا يقال: إنه محدث وقت النزاع. قاله شيخنا.
وهذه مسألة وجدتها بخط شيخنا، وأشار لنا بكتابتها، وقال: العمل عليها، لكن لا نقدر على العمل بها، لأن عادات أهل نجد في السيل بخلاف الشرع فنترك الكلام بسبب ذلك.
اعلم أيها السائل عن حكم المياه أنها لا تخلو من حالتين:
إما أن تكون في نهر، أو واد كبير لا يتشاح الناس في الشرب منه، فكل من الناس أن يسقي ما شاء كيف شاء. وأما مياه الأمطار والأنهار الصغار، فلمن في أعلاه أن يسقي ويحبس الماء إلى الكعب، ثم يرسله إلى جاره الأعلى فالأعلى على هذه الصفة. وإذا أحيا سابق في أسفله، ثم ثان فوقه، ثم ثالث، سقى المحيي أولا، ثم الثاني بعده، ثم الثالث. ولو كان أقرب إلى فوهة النهر، فالمحيي أولا أولى، ولا يملكه بالسبق،
لأن الماء لا يملك، لكنه أحق بالبداية بالشرب منه لأجل سبقه، فلا يملك إجارة فضله، ولا يخرجه على مشيئته، بل يجب لمن أحيا بعده أن يشرب الفاضل عنه بغير خلاف في المذهب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الناس شركاء في ثلاث: الماء والهواء والكلأ". لا يملك منه إلا ما قبضه وحازه. فإن استوى اثنان في القرب، اقتسما على قدر الأرض إن أمكن، وإلا أقرع، وعلى كل وجه لا يملك المحيي أولا من هذا الماء غير شرب أرضه منه، وزرعه، ثم هو للآخر. قال المنقح:
ولا يملك ما قرب من العامر إلى آخره، فليس لأهل هذا السيل إلا ممر سيلهم من غير ملك، وهذا بغير خلاف علمته في المذهب، والله أعلم.
كتبه وصح عنده إسماعيل بن رميح.
الحمد لله، جوابي كما قال إسماعيل، لأنه على قاعدة صحيح المذهب، ذكره شيخاي ابن النجادي والحجاوي في كتابيهما على هذا الترتيب المذكور من سجله، كتبه زامل بن سلطان. نظرت في هذه الفتيا فإذا هي على ضابط الشرع الشريف، موافقة للصواب، كتبه سليمان بن محمد بن شمس، والله أعلم.
ومن "جمع الجوامع": ذكر جماعة على هذا النزول عن الوظائف، وأخذ مال على النزول، هل يجوز أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: يجوز أخذ المال على ذلك، وعليه عمل الناس، وهو قريب من أمر الشرع، بل يشبه ما نص عليه.
والثاني: لا يجوز أخذ المال على الوظائف. انتهى.
إذا كان عقار يمر منه السيل إلى من خلفه، فارتفع بسبب الزراعة والسيل، فقال الذي خلفه هذا الارتفاع منع وصول السيل إلينا، فأزل ما زاد على القديم.
أفتى فيها الشيخ محمد بن منصور بحضرة الشيخ محمد وأقره
عليه، أن عليه أن يرده على حاله أولا، فإن أبى فللأسفل أخذ قدر مجرى السيل ليزول ضرره، قاله شيخنا. وفيها بعض الثقل.
من "جمع الجوامع": في اللقطة: وأن تكون بمهلكة، كما قيده في "تجريد العناية" وغيره، وكذلك إذا كانت في مكان يتحقق أخذ اللصوص ونحوهم لها، ولم تكن بمفازة لا ماء فيها تموت من العطش غالبا، ولم تكن قد ضعفت ضعفاً لا يمكنها الامتناع معه، أو أصابتها زمانة ونحو ذلك، ولها ما تأكل وتشرب، للحديث، فمتى وجد لها شئ من أسباب التلف متحققا أو مظنونا، لم يحرم الأخذ.
وقد سمعت جماعة من أهل الخبرة أن الحمار لا يمتنع من الذئب، ثم قال:
الثاني: إذا كانت مسبعة، يجوز أخذها للحفظ.
الثالث: أنه إذا كان لا ماء بها ولا مرعى، يجوز أخذها للحفظ. انتهى.
الظاهر أن مثل بلدنا يجوز التقاطها ولو مع الامتناع لمن يأمن نفسه عليها، للحفظ، لأن تركها يؤدي إلى تلفها بأخذ الظلمة لها وقطاع الطريق، ويرجع على ربها بما أنفق عليها، لأنه محسن، قاله شيخنا.
ومنه أيضا الثامن: لو قال له: إن وجدت العبد ورددته فلك عشرة، وإن لم تجده فلك خمسة، صح. وإن جئت به اليوم أو في هذا الشهر فلك عشرة، وغدا أو بعده فلك خمسة ونحو ذلك صح، وكان على ما قال قياسا على قوله في الإجارة: إن خطته اليوم فلك درهم، وغدا فلك نصفه.
التاسع: إذا جعل له جعلا على أن يذهب إلى بلد آخر ليأتيه بدابة له شردت، أو هي عند شخص، فهل له أن يركبها في رجوعه
…
إلى أن قال: إن كانت تصلح له، وإلا فلا، وليس له تحميلها قولا واحدا.
العاشر: إذا قال: من أكل هذا الرغيف، أو الرطل اللحم، أو شرب هذا الكوز الماء، أو الرطل الدبس ونحوه من شراب مباح، أو صعد هذه الشجرة ونحو ذلك فله درهم، فمن فعله استحق ذلك. ومما يجعل في عصرنا أن يجعل على أكل كثير من الحلوى أو الفاكهة، أو شرب كثير من الفقاع، أو صعود موضع عسر أو خطر ونحو ذلك، أن يقال: من أكل رمانة ولم يرم حبة فله كذا، فيصح ذلك، ومن فعله استحق الجعل.
فإن قال: إن فعلت فلك كذا، وإن لم تفعل فعليك كذا، وإن أكلته فلك كذا وإن لم تأكله فعليك كذا، لم يجز. انتهى.
قوله في "شرح الاقناع": وإذا أنفق الملتقط أو غيره نفقة المثل بإذن الحاكم ليرجع، رجع الخ.
الظاهر أن مثله إذا أنفق على قاصر بنية الرجوع عليه إذا أيسر، أنه يرجع. وكذا بناء الشريك بنية الرجوع على شريكه الحاضر المعسر، فله الرجوع بإذن الحاكم، فإن عدم، فأمين يقوم مقامه، كما أشار إليه مرعي، قاله شيخنا.
إذا وجد لقطة في خربة غير محوطة ولا يعلم لها رب، ثم بعد ذلك جاء لها مدع لطلب اللقطة، فكونها لبيت المال أولى، لكون الدار - والحالة هذه - لبيت المال، فكذا ما وجد فيها، فيخاصمه الحاكم، فإن ثبتت له الدار فهو، وإلا فلا كلام. والظاهر أنه لا بد من بينة عليه كما اشترطت في اللقطة التي عنده. فإذا كان سبب وجودها حرث ترابها وأخذه، فالدخول مباح، وأما اللقط فممنوع، فيكون فيها إشكال، هل يملكها الملتقط لأنه لم يتعد بالدخول لإباحته، أم لا لأن سبه ممنوع منه؟ قاله شيخنا.
الذي يظهر أن الأمين إذا حلف عند الإكراه من سلطان، أنه لا يقع قل الضرر أو كثر، لإطلاقهم ذلك، إلا على قول الحارثي، والمقدم خلافه، قاله شيخنا وتقدم.
ومن أحيا شعبة وسقي منها عقاره بذلك السيل، ثم أظهره على من بعده، فله الانتفاع في أرضها بما شاء من غرس وزرع وغيرهما بلا ضرر على ممر السيل، لأن حقهم في المرور لا في رقبة الأرض، قاله شيخنا.
قوله: ولا يملك ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه إلى آخره.
زاد في "الرعاية": ولم يستغن عنه. والذي تحرر لنا من كلامهم أن مثل قرى نجد يملك ما حولها بالإحياء، لأن إحياءها شيئا فشيئاً، ويعلم من حال المحيي لها أولا أنه يود أن يحيي ما حولها لطلب قوتها، فيمكن حمل ذلك على ما يضر بالبلد إحياؤه.
قوله: وتسقط الشفعة إلى آخره.
ظاهره أن الغدر ليس عذراً في ذلك، لكن يحرم ذلك على فاعله لأنه خديعة لأخيه، قاله شيخنا.
ما قولكم في قوله في اللقطة: ما لا تتبعه همة أوساط الناس.
ما الوسط، هل هو الخيار، لقوله صلى الله عليه وسلم:"بعثت من أوسط قومي" أي خيارهم؟ أم الذي بين الطرفين لا شريف ولا وضيع، ولا غني ولا فقير، لتمثيلهم بالحبل والشسع؟
فأجاب عبد الرحمن بن عبد الله بن ناصر المفتي بالأحساء: المراد بالوسط - كما هو ظاهر - ما ذكره السائل آخر كلامهم، لما أشار إليه من تمثيلهم بما ذكره، كثر الله من أمثاله. انتهى.
هل يحصل إحياء أرض بنحو ساقي يدور عليها فيه ماء أم لا؟
الذي تقدم من القضاة يجيزونه، والظاهر أن لا يكون إحياء، قاله شيخنا.
ومن "حاشية ابن نصر الله" وفي "الرعاية": من أوسط الناس.
ومرادهما من رجل وسط، ولا عبرة بمفرط الطول ولا مفرط القصر.
انتهى. وفي " البخاري" في قوله تعالى: "أمة وسطاً". قال: الوسط العدل. انتهى.
قال في "الشرح " وقال ابن عقيل: إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس، فلا عبرة بالقصابين ولا بالموسوسين، كما رجع في يسير اللقطة إلى نفوس الأوساط. انتهى.
وكذا في "المغني" والزركشي، وفي "حاشية المحرر لابن قندس": الاعتبار في الفاحش، في نفوس أكثر الناس وأوساطهم، لا بالقصابين ولا بالموسوسين، كما رجعنا في تحديد الوجه بمنابت الشعر إلى أوساط الناس، وفي يسير اللقطة إلى ما تتبعه نفوس أوساطهم. انتهى.
وفي "الإغاثة" لابن القيم: خير الناس النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تفريط المفرطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين، وقد جعل الله تعالى هذه الأمة وسطاً، وهي الخيار العدل لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل، هو الوسط بين طرفي الجور، والتفريط، قال الشاعر:
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا
انتهى.
ومن "شرح المنتهى" لمؤلفه: قال ابن نصر الله: لو مات المشتري وانتقل الشقص إلى وارثه، هل تسقط الشفعة؟
لم أجد من صرح بذلك
…
إلى أن قال: هذا يدل على أنه لم يطلع على كلام "المغني" وهو: لو اشترى شقصا ثم اريتد أو مات، فللشفيع أخذه بالشفعة، كما لو مات على الإسلام فورثه ورثته، وقوة كلام الموفق تعطي أنه لا خلاف فيه، لأنه جعله أصلا وقاس عليه مسألة المرتد. انتهى.
فظهر أن قوله في "الشرح": كما لو فصله وخاطه، أنه لا خلاف فيه أنه لا يملك الرد بعد التفصيل والخياطة، لأنه جعله أصلا قاس عليه المسألة كما هنا، قاله شيخنا.
قال في "الإنصاف": وإن تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب بوقف أو هبة، سقطت، وكذا لو أعتقه، نص عليه، وهذا المذهب في الجميع، نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب
…
إلى أن قال: وقال في "الفائق": خص القاضي النص بالوقف، ولم يجعل غيره مطلقا مسقطا، واختاره شيخنا. انتهى.
وقال في "القاعدة": صرح القاضي بجواز الوقف والاقدام عليه، وظاهر كلامه في مسألة الشفعة تحريمه، وهو الأظهر. انتهى.
قوله آخر الفصل الثالث من "شرح الاقناع": وإذا رفع الأمر إلى الحاكم فباع عليه، فللوصي الأخذ حينئذ لعدم التهمة. والذي ظهر أن الحاكم إذا باع لامتناع الولي أو غيبته، وهو - أي الولي - شريك القاصر الذي هو وليه، فللولي الأخذ بالشفعة من المشتري حينئذ، وكذا إن كان الولي أمين الحاكم على القاصر، وامتنع فباع الحاكم، فكذلك، قاله شيخنا.
من "جمع الجوامع" بعد كلام له سبق: فعلى هذا، الأصح يؤخذ بها موقوفا جاز بيعه للوقف ثلاث صور:
الأولى: إذا كان البعض وقفا، والبعض ملكا فبيع الملك، هل يأخذ رب الوقف بالشفعة؟ على وجهين:
والثانية: إذا كان كذلك وبيع الوقف حيث جاز بيعه، هل يأخذ الشريك بالملك؟ على وجهين. المختار: نعم.
الثالث: إذا كان الكل وقفا، وبيع البعض حيث جاز بيعه، فهل يجوز لرب الوقف الآخر الأخذ بها؟ على وجهين. الصحيح: لا يجوز.
انتهى.
وفي "الغاية" توجيه: يجوز الأخذ بالشفعة لشريك الوقف.
قال في "الانصاف": قوله: ولا شقعة بشركة الوقف في أحد الوجهين. ثم قال: إن قلنا: يملكه، وهو المذهب على ما يأتي، فالصحيح من المذهب هنا أنه لا شفعة له. وإن قلنا: لا يملكه الموقوف عليه، فلا شفعة له أيضا على الصحيح من المذهب. وقيل: له الشفعة. انتهى.
ومن "المغني" فصل: وحكم الشفيع في الرد بالعيب، حكم المشتري من المشتري، وإن علم المشتري بالعيب ولم يعلم الشفيع، فللشفيع رده على المشتري، أو أخذ أرشه منه، وليس للمشتري شئ، ويحتمل أن لا يملك الشفيع أخذ الأرش، لأن الشفيع يأخذ بالثمن الذي يستقر عليه العقد .. إلى أن قال: فأما إن اشتراه بالبراءة من كل عيب، فالصحيح أنه لا يبرأ، وفي رواية أنه يبرأ، إلا أن يكون البائع دلس. فإن علم الشفيع باشتراط البراءة، فحكمه حكم المشتري، لأنه دخل على شرائه. وأن يعلم ذلك، فحكمه حكم ما لو علم المشتري دون الشفيع. انتهى.
وإن أخذ الشفيع أرشه من المشتري، أخذه المشتري من البائع، وإلا فلا شئ للمشتري، ويحتمل أن يملك أخذه ويسقط عن الشفيع بقدره من الثمن. وإن كان أسقطه عن المشتري، توفر عليه، كما لو زاده على الثمن باختياره. انتهى.
فظهر أن المشتري إذا أبرأ البائع من العيوب بعد البيع، فللشفيع الرد أو الأرش، وإذا أخذ المشتري الأرش بأن لم يبرئه، وذلك قبل طلب الشفيع، سقط عن الشفيع من الثمن بقدره، وإن لم يأخذ شيئا، فللشفيع أخذ الأرش من المشتري. وإن لم يأخذ الشفيع من المشتري،
لم يأخذ المشتري من البائع إلا على الاحتمال الذي ذكره الموفق، والمقدم خلافه، قاله شيخنا.
من "الانصاف" قوله: وإن عجز عنه أو بعضه سقطت شفعته، ولو أتى برهن أو ضامن، لم يلزم المشتري، ولكن ينظره ثلاثا على الصحيح من المذهب حتى يتبين عجزه، نص عليه. انتهى.
وفي "المنتهى" بعد كلام سبق في شرحه: والمذهب الاكتفاء بالقدرة على الثمن الحال ولو بعد ثلاثة أيام كما يأتي. ثم قال: ويملك الشقص المشفوع بالأخذ شفيع مليء بقدر ثمنه الذي استقر عليه الشراء، ثم قال: وإن عجز عن دفع الثمن أو بعضه
…
إلى قوله: والعجز المسقط لها بعد إنظاره - أي الشفيع - بالثمن من حين أخذه بالشفعة ثلاثا - أي ثلاث ليال بأيامهن - قال في "الانصاف": على الصحيح من المذهب، ثم لمشتر لم يرض بتأخير الثمن الفسخ من غير حاكم، وقيل: بل بان بطلانها، فلا يحتاج إلى فسخ، وعلى المذهب: للمشتري الفسخ. انتهى ملخصا.
وعبارة "الاقناع": وإن عجز عن الثمن أو بعضه، سقطت إلى آخره.
والظاهر أن المقدم لابد من الفسخ، فلا تسقط بلا فسخ لقوله آخراً: فإن طلب الإمهال، أمهل يومين أو ثلاثة، فإذا مضت ولم يحضره، فللمشتري الفسخ من غير حاكم. انتهى. والذي تحرر لنا أنه إن طلب الشفيع الإمهال، أمهل ثلاثا، فإن مضت قبل دفعه الثمن، فللمشتري الفسخ، سواء كان الشفيع موسرا أو معسرا. وإن لم يطلبه فإن كان موسرا، ملكه بالثمن، ويكون بذمته دينا يطالب به، فلا يتوقف ملكه على دفعه إلا على قول أبي العباس الذي ذكره في الخيار. وإن كان معسراً، أمهل ثلاثا من وقت الطلب، فإن لم يحضره، فللمشتري الفسخ.
وقد وقع في زمن شيخنا أن رجلا من أهل ثرمدا - أظنه من آل أبارويا - شرى بعض عقار تجب فيه الشفعة، فطلبها شريكه وهو مليء قادر، وتمادى بدفع الثمن بعد أخذه الشقص وإشهاده على ذلك، طلبه المشتري الثمن، أم لا، ولم يطلب الإمهال فيمهل، ومضى مدة زادت على الثلاث؟ فقيل: للمشتري الفسخ بذلك، لعدم تسليم الثمن، ومال إليه الشيخ محمد وأن فسخه صحيح والحالة هذه. فذاكرنا الشيخ في ذلك، وعرضنا عليه عبارة "شرح المنتهى" لمؤلفه، فوافق ورجع عن القول الأول، وأفتاه بعدم الفسخ إذا كان مليئاً ولم يطلب الإنظار، قاله شيخنا.
قوله في الحجر في الحكم الثاني: وكذا لو أسقط الشفيع أو المرتهن حقه إلى آخره.
مفهومه إذا باع شقصا تجب فيه الشفعة فأفلس المشتري - أي حجر عليه - فليس للبائع الرجوع في الشقص، لأن حق الشفيع تعلق بالشقص إلا إن عفا الشفيع، قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع": ومما يعد أهل الفضل من عواقب النرد والشطرنج: أن صاحبه ينسى الشهادة عند الموت، وعد عن بعض من اعتنى به أنه لقن عند الموت لا إله إلا الله يقول: شاه ونحو ذلك. انتهى.
وسئل الشيخ سليمان بن علي عن عقار بين أقوام مشاعا، ثم قسموه قسمتين، وكان أحدهما يفيض فيه سيل الحديقة ثم يجري إلى الأخرى، فحصل في العليا رمل، فقال ربها: هذا الرمل حصل من السيل المشترك فأريد عليك حقاً منه، ولكون أصل الملك واحدا.
فأجاب: إذا كان السيل موجودا في الدمنة قبل القسمة ثم حدثبت، لم يزل على حكم الاشاعة في السيل في غنمه وغرمه، وما حدث منه من تراب بعد القسمة، فحكمه حكم ما لو كان حادثا قبل القسمة، فيلزم
رفع ذلك الرمل الذي أحدثه سيلهما عليهما جميعا.
وفي جواب له آخر: وإذا كان الارتفاع مما أحدث السيل، فرفعه على جميع أهل السيل. وإن كان بسبب ارتفاع الأرض، فلللأعلى كما له أولا، فيضع على الحجر القديم حجرا حتى يكون السيل على كيفيته الأولى.
وله أيضا: وأما الحائط المشترك فإذا قسم وعرف كل نصيبه، فالحكم فيهما كالحائطين لا يعين الأسفل صاحب الأعلى على تراب السيل، بل لا يلزم الأسفل إعانة الأعلى، لأن القسمة صيرتهما ملكين.
وله أيضا: وأما الملك المذكور الذي منه علوي، وسفلي، وحصل في لعلوي تراب بسبب السيل، وكانت قبل ذلك مشاعا ثم وقعت القسمة، فالقسمة صيرتهما ملكين فلا يغرم صاحب القطعة السفلى شيئا من التراب الحاصل بسبب السيل.
وأما إحداث الأعلى في ملكه شعبة بطلب الأسفل لذلك، أو إحداث الأعلى في ملكه شعبة لتضرره بالتراب أو غير ذلك، فلا يجوز لأحد منهما شئ من الاحداث إلا برضى صاحبه.
وله أيضا: والأرض التي أعلى من الأرض الأخرى، وارتفعت العليا بسبب الزراعة والسماد ونحوه حتى منع ذلك الارتفاع الحادث جريان السيل، جاز للأسفل أن يحفر من الأرض حفرا على القدر المعهود. انتهى.
وهذه فيها تناقض لا يخفى، وتحتاج إلى نظر، وذلك يجيب به على حسب ما يظهر له وقت الجواب إذا وقعت المراجعة من السائل، مع أن الظاهر أنها مسألة واحدة تكرر السؤال عنها، وقد نقلته من خطه بيده.
ومن جواب للشيخ محمد: سألتم عن أرض بين اثنين، كل عارف
نصيبه منها، والسيل يدخلها من نصيب أحدهما ويفرش جميع الأرض، ثم غرس كل منهما نصيبه وحدده، فهل حكم الأرض واحد قبل التحديد وبعده؟
فأجاب الشيخ محمد: الحكم واحد، ويلزم مالك الأرض التي يدخل عليها السيل أن يزيل ما يمنع السيل عن الآخر إلى أن تواسى أرضهم جميعهم كما كانت قبل التحديد، كتبه إبراهيم ابن الشيخ محمد، ومن خطه نقلت.
قوله في الصلح: يجوز بين أهل عدل وبغي إلى آخره.
الظاهر أن ما يطلب السلطان والإخوان من البلدان، يجوز جمعه ودفعه الارتكاب أدنى المفسدتين، ويتحرى فيه العدل، قاله شيخنا.
من "جمع الجوامع": أرض بين قريتين ليس فيها زرع ولا عيون ولا أنهار، يزعم أهل كل قرية أنها لهم في حرمهم، فنقل عنه أبو الصقر أنها ليست لأحد منهم حتى يعلم أنهم أحيوها، ومعناه نقل ابن القسم.
ومنه أيضا: "قضى صلى الله عليه وسلم في مهروز وادي بني قريظة أن الماء إلى الكعب يحده الأعلى عن الأسفل".
قال القاضي في "الأحكام السلطانية": وقد قيل: إن هذا القضاء ليس على العموم في الأزمان البلدان، وإنما هو مقدر بالحاجة. وقد يختلف من خمسة أوجه:
أحدها: باختلاف الأرضين، فمنها ما يرتوي باليسير، ومنها ما لا يرتوي إلا بالكثير.
الثاني: باختلاف ما فيها، فإن للزرع من الشرب قدر، وللنخل والأشجار قدر.
الثالث: باختلاف الصيف والشتاء.
الرابع: اختلافهما في وقت الزرع وقلته.
الخامس: باختلاف حال الحال في بقائه وانقطاعه، فإن المنقطع يؤخذ منه ما يدخر، والدائم يؤخذ منه ما يستعمل. واختلافه في هذه الخمسة، لا يمكن تحديده بما قضاه صلى الله عليه وسلم في أحدها، فكان معتبرا بالعرف والعادة المعهودة عند الحاجة إليه، فإن سقى رجل أرضه وبحرها فسال من مائه إلى أرض جاره فغرقها، لم يضمن، لأنه تصرف في ملكه بمباح، وقد نص أحمد على نظير هذا في رواية البرزاطي. انتهى.
ومنه نقل يعقوب: قطائع الشام والجزيرة مكروهة. مراده أنما يعمل فيه بأغراض أنفسهم والتشهي، وهذا لا يجوز، وإنما الإقطاع للمسلمين ولمصالح المسلمين. فإذا رأى من يستحق ذلك لدفع عن المسلمين أو لنفع المسلمين من قضاء أو فتوى، فأقطع جاز. ولا يجوز أن يقطع بغير استحقاق، ولا بمجرد الأغراض، هذا مراد أحمد. انتهى.
أما إذا كان التراب في المسيل حادثاً على أصل الأرض القديم، فلمالكه رفعه حيث كان من حركة السيول والرياح، فهو شبه الكري في الأنهار، لا اعتراض لأحد عليهم ولو أضر به رفعه، لأنه حادث.
وإن كان من أصل الأرض، فمع ضرره له منعهم، وإلا فلا. وإن اختلف في حدوثه، فالأصل عدمه، واليمين على منكر حدوثه، كتبه أحمد بن محمد، ومن خطه نقلت.
ما قولكم في أرض وآبار عادية لا يعرف أربابها وهي تحت يد المسلمين فأقطعها الإمام مجانا لمسلم بغير مصلحة لعامة المسلمين وحكم بها الحاكم، هل يصح حكمه أم لا؟ والمصلحة المشروطة من يكون مصرفها إليه؟
الجواب: ليس للإمام اقطاعها لغير مصلحة، وحكم الحاكم حينئذ
غير نافذ، لعدم المصلحة، وللإمام أو نائبه النظر فيها بحسب المصلحة، من جعل خراج عليها يصرف في مصالح المسلمين أو اقطاعها لمصلحة بحسب ما يراه اجتهاده.
ومن المصالح العامة رزق الفقهاء والمؤذنين، ومن فيه نفع للمسلمين كتبه نصور البهوتي، ومن خطه نقلت.
أجاب النووي: إن للغارس ثواباً مستمراً من حين غرسه إلى فناء الغرس، وللوارث ثواب ما أكل من ثمره في مدة استحقاقه بغير معاوضة، وما أخذ من ثمره فأبرأه منه، أفضل من تركه في الذمة، وإذا لم يبرأ، فلكل واحد من الميت والوارث ثواب حق متصل بالأخذ في مدة استحقاقه. وأما المطالبة بأصل المأخوذ يوم القيمة، فللمغصوب منه أولاً على الأصح، وقيل: للوارث الأخير من المتوارثين بطنا بعد بطن، ولا يختص هذا بالغرس بل لكل دين تعذر أخذه، فهذا حكمه. انتهى.
قال ابن نجيم في "قواعده": وأما مسألة ما إذا اختلط الحرام بالحلال، فإنه يجوز الشراء والأخذ، إلا أن تقوك دلالة أنه من الحرام، كما في "البزازية". انتهى.
من "جمع الجوامع" قال أبو العباس: من ثبت دينه باختياره، وتمكن منه فلم يستوفه حتى مات، طالب به ورثته، وإن عجز أو وارثه، فالمطالبة له يوم القيامة في الأشبه، كما في المظالم للخبر، ولو كان للناس على إنسان ديون أو مظالم بقدر ما له على الناس من الديون والمظالم، كا يسوغ أن يقال: يحاسب بذلك فيؤخذ حقه من غريمه هذا ويصرف إلى غريمه، كما يفعل في الدنيا بالمدين الذي له وعليه، يستوفي ماله ويوفي ما عليه. انتهى.
غنم غضبت ثم أديت على الأمين الذي غصبت منه، وأخذ الحسيب
الثلث بأن قاسمه الوكيل أو الأمين، صح ذلك. فإذا كان أخذ من الثلاث واحدة وهي - أي الثلاث لثلاثة أنفس - فيرجع صاحب الشاة المأخوذة على كل واحد بثلث شاته، أو يكون له ثلث الشاتين. فإن كان الأمين لم يعاوض الحسيب، بل أخذ الحسيب بنفسه، فمن جاءه ماله ظفر به، وما تلف فمن مال ربه، قاله شيخنا.
لا تصح إجارة العين المشاعة بين اثنين، بأن أجر أحدهما نصيبه لغير شريكه، فإن طلب أحدهما إجارتها بأجرة المثل وامتنع شريكه، أجبره الحاكم، قاله شيخنا.
ومن "مغني ذوي الأفهام": وإجارة المستعارة والموقوفة فإن مات المؤجر وانتقلت العين إلى غيره، لم تنفسخ الإجارة، ملكا كان أو وقفا، ولا يعتبر إن تلي العقد، ولا أن تكون فارغة إذا كانت ستفرغ في أول المدة. فأما المشغولة بملك الغير من غرس أو بناء وما لا يمكن تفريغها منه في المدة، هل يجوز إجارتها؟ إن كان غير محترم جازت.
وإن كان محترماً، فهل يجوز؟ على قولين:
عندنا المختار: لا، وهو المعروف من مذهب الشافعي، وأبي حنيفة واختاره جماعة من أئمة أصحابنا، وذكر صاحب "الفائق": ظاهر كلام أصجابنا.
والثاني: يجوز، اختاره صاحب "الفائق" وأبو العباس. والمستأجر يقوم مقام من أجره في بقائها مع من له ذلك وعدمه، وهو المعروف عند المالكية، وفائدة الحكم باحترام الغراس والبناء، ليس لمتقدمي أصحابنا فيه كلام. واختلف المتأخرون فقيل: عدم القلع والازالة مطلقا، وقيل:
بل عدمه مجانا، والأول المختار. انتهى.
الذي يظهر: إذا مات المؤجر، أنه ليس لمن بعده إلا أجرة المثل، كما قاله أبو العباس آخر الإجارة في "الاقناع". ولا يسع الناس العمل
بغيره، ولا ينقض حكم من حكم به، قاله شيخنا.
ومن "جمع الجوامع": قال صاحب "الفائق": فلو حكم ببقائه بعد المدة قسرا بأجرة مثله، لم يصادف محلا - يعني الحكم - قال:
ولو كان قبل الانتهاء، كتعليقه فباطل أيضا، يعني لو حكم قبل انتهاء المدة ببقاء الغراس والبناء، إذا فرغت المدة، فباطل أيضا كذا ذكر مع أن المشهور عن الحنابلة الحكم باحترام الغرس والبناء. وقد رأينا غير واحد من قضاة زماننا قد حكم بذلك في مطلق الاستئجار للغرس والبناء.
وقد رأيت القاضي برهان الدين حكم بذلك، وحكم به أيضا شيخنا أبو الحسن، ووالدي، وهو ممن يذهب إلى مذهب أحمد وإلى الحنابلة قديما وحديثا. وقد جرى الناس على ذلك، وأنه متى حكم ببقائه واحترامه، لم يقلعه أحد، ولم يتعرض إليه أحد، والقول بذلك هو المختار. انتهى.
قال ابن عطوة في "روضته": إذا عمل الأجير الخاص لغير مستأجره فأضر به، فله قيمة ما فوته عليه، وقيل: يرجع بقيمة ما عمل لغيره.
وقال القاضي: بالأجر الذي أخذه، قاله في "الفروع".
وسألت شيخنا جمال الدين يوسف بن عبد الهادي، فلم يجزم لي فيها بشئ قبل أن أطلع على كلام صاحب "الفروع". وسألت شيخنا العسكري، وزدت أن عمله له بأوقات لم تجر فيها العادة بعمله.
فأجاب بأنه لا يدخل لأجره الأول إلا المعتاد. انتهى.
قوله: ولا تصح الإجارة بري أرض إلى آخره. بأن يؤاجره على سقي أرضه حتى تروى لأنه لا حد له ينتهي إليه. وأما على سقي أرض معلومة، فالظاهر جوازه، ويسقيها العرف. وإن شرط المالك على العامل في المساقاة الزرع فلم يفعل، فالأقرب أن ينقص من نصيب العامل بقدر تفاوته، لأن فيه مصلحة للنخل وقد فات، قاله شيخنا.
من "التبصرة" لابن فرحون: وقد قال مالك: لا بأس لولي اليتيم أن يتناول المسكين من مال اليتيم الكسرة، وخلق الثوب، والفلوس، أو يمر به سائل وهو في حائطه أو حرثه فيناوله الثمرات، أو القبضة من الطعام، أو الشربة من اللبن وما أشبه ذلك، حسن يرجى بركة ذلك لليتيم ولماله، من "مختصر الواضحة" لفضل بن سلمة. انتهى.
إذا أراد ولي اليتيم إعطاءه من الزكاة، فوكل من يقبض له فدفعه له، ثم بعد قبضه أخذه منه الولي، جاز. ثم إن كان خلطه بنفقته أصلح خلط، وإلا فلا. وإن قبض من نفسه، جاز على قول "المغني" والمقدم خلافه، قاله شيخنا.
قال ابن عطوة: وسألته عمن عليه دين وأراد وفائي بمال يقول: إنه حلال.
فاجاب: إذا لم تعلم، فالقول قول المالك بلا يمين. انتهى.
مسألة وقعت في زمن تاج الدين الفزاري والشيخ ابن أبي عمرو:
وهي بينتان تعارضتا، بينة تشهد بالسفه وبينة تشهد بالرشد، فأفتى الفزاري وشمس الدين بن أبي عمرو بتقديم بينة الرشد، وكذلك ابن رجب أفتى بذلك. انتهى.
ما قولكم إذا حكم شافعي (بمسألة) على مذهب أحمد مخالفة لمذهب الشافعي، مقلداً فيها الإمام أحمد وقلنا بصحة تقليده، فهل المرجع إلى مذهب الشافعي أو أحمد، وبيع الأرض التي في غلتها كل عام مائة صاع أو قيمتها، هل يصح من ذلك شئ؟ وقولهم: والحيل التي تحل حراما أو تحرم حلالا كلها محرمة، ثم ذكر حديث خيبر أنه يجوز
…
إلى أن قال: لأن القصد هنا بالذات تحصيل أحد النوعين دون الزيادة. فإن قصدت، حرمت الحيلة جمعا بين الأخبار. فاعلم أنه كل ما قصد التوصل إليه من حيث ذاته لا من حيث كونه حراما جاز.
وإلا فحرم، فأخبرني بما يدخل في هذه القاعدة من الصواب.
الجواب: إنا حيث فرعنا على صحة الحكم المذكور كان كأنه حكم من حاكم حنبلي، حتى لو كان حكمه بالموجب، جاز بيعه عند خرابه، كما هو رأي الأئمة الحنابلة.
الثانية: إذا صحت الوصية فيما ذكر، امتنع جميع ما ذكره السائل، إذ قد لا يفي ما يترك للوصية في بعض السنين بها.
الثالثة: إن الضابط أن ما كان المقصود أحد النوعين من جنس ربوي دون الزيادةو يحل تعاطيه. وإن كان بأحد الطرفين زيادة على الآخر، وما كان المقصود منه الزيادة، فلا. مثاله: نقدان من فضة، كصحاح ومكسرة، أحدهما يزيد وزنا على الآخر، حيث كان المقصود عين أحدهما دون زيادته، جاز ابتياعه بالآخر، هذا ما تفهمه هذه العبارة المشار إليها، فإن حصل تصريح من كتب المذهب بخلافه، وإلا عمل به.
والفهم الذكي يدرك بنظر واحد ما لا يدركه البليد بألف شاهد، كتبه عبد الرحمن بن عبد الله بن ناصر. ومن خطه نقلت.
ومن جواب للشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان: وحاصل مسألة الغصب أنه إن اشتراه لنفسه، أخذه مالكه، ولا يرجع بشئ على مالكه، وإن كان استنقاذا له لمالكه، فقال شيخ الاسلام: ومن لم يخلص مال غيره إلا بما أدى عنه، رجع به. انتهى.
قال ابن عطوة: قال في "القواعد": لو تصرف الوالد في مال ولده الذي يباح له تملكه قبل التملك، لم ينفذ، ولم يكن تملكا على المعروف من المذهب، فإن تملكه لا يحصل بدون القبض الذي يراد به التملك فقط، فيأتي قول شيخنا: الظاهر أن القول قوله في وقت التملك ما لم يتعلق حق الغير، قلت: فلو مات ولم تعلم نيته، فلا عبرة بمجرد التصرف، إذ الاملاك لا تنتقل عن أيدي ملاكها إلا بأمر متيقن،
وزواله مشكوك فيه، ولا يزول متيقن بمشكوك فيه. انتهى.
قوله في باب الموصى إليه ومقاسمته للورثة على الموصى له: لا تجوز إلى آخره.
فيها إشكال: لأنه لا ولاية له على رشيد، ومقاسمته للقاضرين لا تصح إلا أن يقال: يقاسم نفسه بالولاية، والمقدم أنه لا يصح أيضا، قاله شيخنا.
قوله: وإذا تصرفا إلى آخره.
الظاهر صدور الأمر عن رأيهما، ومثله لو وصى بالنظر للمصلح من أولاده فكانا اثنين، قاله شيخنا.
قال في "جمع الجوامع": وفي "الفروع": وعاء هدية كهي مع عرف. قلت: للناس في ذلك عوائد، فما يدفع في صواني النحاس ونحوها، وفي الطياسي، أو في الطسال ونحوها، وفي الأقفاص المتخذة للحمل ونحوها، من العادة رد وعائه، وأوز ودجاج، من العادة رد قفصه، وما في الصحون والزبادي، العادة رد وعائه، والعجوة ونحوها، (العادة) عدم رد قفافها وقواصرها. انتهى.
من "شرح الأنوار" للشافعية: وفي "فتاوى القاضي حسين":
رجل في يده مال لنافلته، فأنفق عليه من مال نفسه بنية الرجوع، لا يرجع عليه لأن عليه أن ينفق من مال النافلة، إلا أن يكون للصبي مصلحة في أن لا يباع ماله في ذلك الوقت، فحينئذ يرجع. انتهى.
ومنها أيضا: وفي "فتاوى القاضي حسين": مات رجل عن ثلاثة بنين من أمهات ثلاث، وهم أطفال وقد ماتت أم أحدهم قبل موت الأب، وعاد مالها إلى طفلها، ثم مات الأب واشتبه على الحاكم أن الأب أنفق على الطفل من ماله أو مال نفسه، قال ينبني الأمر على أنه أنفق