الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الثاني
التحكيم
ومن المسائل التي تتعلق بهذا الأصل ما يلي:
أولاً: التقاضي.
ثانياً: طلب الصلح.
(ت) طلب الصلح دون الحكم.
(ث) استيفاء الحقوق، وفيه مسائل:
1 -
الطلاق الذي يوقعه القاضي الكافر في بلاد الكفار.
2 -
اعتبار المراكز الإسلامية في مقام الحاكم الشرعي.
3 -
نصائح لمسلمي الأقليات.
ثالثاً: من أين يستقي المسلم المقيم هناك الفتاوى؟ وماذا يتبع؟
أولاً: التقاضي
وذلك بإقامة الدعاوى وإحضار البينات وطلب الحكم.
فلقد أجمع المسلمون أنه لا يحل الترافع إلا إلى من يحكم بشريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع، وأنه لا يحل التحاكم إلى غيرها سواء كان الحاكم مسلماً أو كافراً، قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]، وقال:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)} [الشورى].
وقد ذُكرت لي قصة طريفة تتعلق بهذه المسألة، مفادها باختصار: أن رجلاً من أهل التوحيد كان مبنياً على قبر أبيه قبة، فلما عرف الحق قام بهدمها فخاصمه بعض الجهلة الذين يعظمون تلك القباب، فتحاكم وإياهم إلى قاضٍ نصراني إذ لا يوجد قاضٍ مسلم لأنه في بلد كفر فاحتج عليهم بأن هذه القبة لأبيه وهو أولى به منهم، وبأنه وإياهم يرجعون إلى شريعة واحدة وهي شريعة الإسلام والحكم فيها تحريم البناء على القبور، والأمر بهدمها، فحكم له القاضي النصراني عليهم.
وقد جرى البحث في استثناء حالتين:
الأولى: حالة الضرورة: سئل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن هذا الموضوع، فقال للسائل: أشير إلى استفتائك المقيد بإدارة
البحوث العلمية والإفتاء برقم (2151) وتاريخ 6/ 6/1407 هـ الذي تسأل فيه عن حكم التحاكم إلى من يحكم بالقوانين الوضعية إذا كانت المحاكم في بلدة كلها تحكم بالقوانين الوضعية ولا يستطيع الوصول إلى حقه إلا إذا تحاكم إليها، هل يكون كافراً؟
وأفيدك بأنه إذا اضطر إلى ذلك لا يكون كافراً، ولكن ليس له أن يتحاكم إليهم إلا عند الضرورة إذا لم يتيسر له الحصول على حقه إلا بذلك، وليس له أن يأخذ خلاف ما يحله الشرع المطهر"
(1)
.
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، يقول السائل: هل يجوز أن نتحاكم إلى من يحكمون بالقانون الوضعي إذا كنا محقين، أو نترك حقوقنا للضياع؟
الجواب: ذكر ابن القيم في أول كتاب (الطرق الحكمية) أن من الفقهاء من قال لا نتحاكم إليهم، وقال: هذا لا يمكن أن تصلح به أحوال الناس لا سيما مع كثرة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، فلك أن تتحاكم إليهم، لكن لو حكم لك بغير ما أنزل الله فرده، وأما أن تضيع حقوق الناس فلا؛ لأنه ربما تكون أملاك فيها ورثة كثيرون، فلا يجوز أن تضيعها من أجل أن هذا يحكم بالقانون، بل نتحاكم إليه فإن حكم بالحق فالحق مقبول من أي إنسان، وإلا فلا
(2)
.
(1)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله (23/ 214).
(2)
الشرح الممتع (4/ 244).
وسُئلت اللجنة الدائمة: ما حكم تحكيم القضاء الأمريكي في النزاع بين المسلمين في أمور الطلاق، والتجارة، وغيرها من الأمور؟
الجواب: لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة إذا لم توجد محاكم شرعية، وإذا قضى له بغير حق فلا يحل له أخذه
(1)
.
"ويتقيد هذا اللجوء إلى القانون الوضعي بمقيدات حاكمة وقواعد ضابطة، منها:
1 -
تعذر استخلاص الحق أو الوصول إليه إلا بهذه الطريقة فحسب.
2 -
الاقتصار على المطالبة بالحق فحسب وأخذه عند الحكم به من غير زيادة.
3 -
كراهة القلب للاحتكام إلى غير القضاء الشرعي.
4 -
بقاء هذا الترخص في دائرة الضرورة بالمعنى العام، والذي يشمل الضرورة والحاجة.
وأمَّا ما يدل على القيد الأول: تعذر استخلاص الحقوق أو دفع المظالم عن طريق القضاء الشرعي، فهو أنه إذا أمكن استخلاص الحق أو دفع المظلمة عن طريق القضاء الشرعي لم
(1)
فتاوى اللجنة الدائمة (23/ 502) س 13 برقم 19504.
تكن هناك ضرورة تُلجئ إلى التحاكم إلى القانون الوضعي الذي حكمه التحريم - كما تقدم - لغير الضرورة.
وأما ما يدل على القيد الثاني: معرفة حكم الشرع في النازلة وعدم المطالبة بزيادة، فهو أن المطالبة بزيادة على حكم الشرع ظلم، والظلم حرام، دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، فمن أدلة الكتاب قوله تعالى:{أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)} [الأعراف]. ومن أدلة السنة، الحديث القدسي:«إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّمَاً، فَلَا تَظَالَمُوا»
(1)
، ومن دلائل ذلك: أن المسلم يجب عليه في حالة سلوك الوسيلة المباحة - وهي التحاكم إلى الشرع - ألا يأخذ مال غيره وإن حكم له به الحاكم الشرعي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأتِينِي الخَصْم، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِك، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِم، فَإِنَّمَا هِي قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا، أَوْ لِيَتْرُكهَا»
(2)
، فمن باب أولى ألا يبيح له حكم الحاكم غير الشرعي أن يظلم غيره.
ومن دلائل ذلك أيضاً: القاعدة الفقهية (الضرورة تُقَدَّرُ بقدرها) ودلائلها المعروفة؛ ولأن الضرورة أباحت سلوك وسيلة محرمة لاستخلاص الحق ورفع الظلم، ولم تُبِحْ سلوكها لظلم الآخرين وأخذ ما ليس بحق.
(1)
صحيح البخاري برقم (2458)، وصحيح مسلم برقم (2577).
(2)
صحيح البخاري برقم (6967) وصحيح مسلم برقم (1713).
ومن أدلة القيد الثالث - وهو كراهة القلب للتحاكم إلى القانون الوضعي-: قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل].
ومنها: حديث: «000 فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»
(1)
(2)
.
وأما ما يدل على القيد الرابع فهو قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} [البقرة]. وقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} [الأنعام].وقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)} [النحل]. كما يُستفاد ذلك من القاعدة الفقهية (الضرورات تبيح المحظورات).
كما يدلُّ على ذلك أيضاً قصة لجوء الصحابة رضي الله عنهم للمثول أمام النجاشي الكافر - يومئذٍ- مرتين بسبب مطالبة كفار قريش بهم، وللذود عن حقهم في إبطال مزاعم قريش الباطلة فيهم.
ومن قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بشأن الرواية التي كتبها المدعو سلمان
(1)
صحيح مسلم برقم (49).
(2)
صحيح مسلم برقم (1854).