المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: الزواج من نسائهم - المسلمون في بلاد الغربة

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الأصل الأولالجنسية والإقامة

- ‌أولاً: الجنسية

- ‌ثانياً: الإقامة

- ‌ثالثاً: إسلام الكافر

- ‌رابعاً: حجاب المرأة المسلمة

- ‌خامساً: الاختلاط

- ‌سادساً: القروض

- ‌سابعاً: التأمين

- ‌ثامناً: البطاقات الائتمانية

- ‌تاسعاً: تربية الأسرة

- ‌عاشراً: اللباس

- ‌الحادي عشر: اقتناء الكلاب

- ‌(أ) الذبائح:

- ‌(ب) دخول المحرمات في المأكولات أو المشروبات

- ‌ج-الأكل في أواني الكفار

- ‌الرابع عشر: صرف أموال الزكاة في الدعوة إلى الله

- ‌الخامس عشر: صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم من الكفار

- ‌السادس عشر: زكاة الفطر

- ‌(أ) العدد المطلوب لصلاة الجمعة:

- ‌(ب) أداء المرأة لصلاة الجمعة:

- ‌(ج) ترجمة خطبة الجمعة:

- ‌(د) صلاة الجمعة قبل الزوال:

- ‌الثامن عشر: قبول المسلمين من الكفار التبرعات لمشاريع خيرية

- ‌التاسع عشر: السكن في بلاد الكفار أو البلاد التي ينتشر فيها الفساد والانحلال

- ‌العشرون: الزواج الصوري

- ‌(أ) في حال استمرار الليل أو النهار أربع وعشرين ساعة فأكثر

- ‌(أ) الرؤية في دخول شهر رمضان وخروجه

- ‌(ج) تحديد زمن الإمساك في رمضان حال الغيم

- ‌(د) فتاوى متفرقة في الصيام

- ‌الثالث والعشرون: خوف المسلم من إظهار دينه

- ‌الخامس والعشرون: الصلاة خلف الإمام المبتدع

- ‌السادس والعشرون: دفن المسلم في مقابر الكفار

- ‌الأصل الثانيالتحكيم

- ‌الثانية: طلب الصلح دون الحكم:

- ‌الأصل الثالثالولاء والبراء

- ‌أولاً: الزواج من نسائهم

- ‌ثانياً: بعض أحكام الأولاد

- ‌ثالثاً: التحاق أطفال المسلمين في بلاد الغرب بالمدارس النصرانية

- ‌رابعاً: العمل أو الدراسة لدى الكفار

- ‌خامساً: العمل في الوظائف العسكرية:

- ‌سابعاً: تحية غير المسلمين والسلام عليهم

- ‌ثامناً: حكم مصافحة المرأة الأجنبية والخلوة بها

- ‌تاسعاً: تعزية الكافر وحضور جنازته

- ‌عاشراً: حكم حضور أعياد الكفار وتهنئتهم بها

- ‌الثاني عشر: حكم قبول هداياهم بالمناسبات الدينية وغيرها

- ‌الثالث عشر: قبول دعوة الكافر إلى الطعام

- ‌الرابع عشر: عيادة مريضهم ورقيته

- ‌(أ) دخولها والصلاة فيها:

- ‌(ج) شراء الكنيسة لتكون مسجداً:

- ‌(أ) مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين

- ‌(ب) التصويت في انتخاباتهم:

- ‌الثامن عشر: السكن مع العائلة الكافرة

- ‌التاسع عشر: إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر

- ‌العشرون: معاملة الرجل المسلم أو المرأة المسلمة لأهلها الكفار

- ‌الحادي والعشرون: الأحزاب والجماعات الإسلامية وماذا يتبع المسلم منها

- ‌الملحق

- ‌المسألة الأولىوحدة الأديان

- ‌المسألة الثانيةميراث الكافر

- ‌المسألة الثالثةإذا أسلم الكافر في أيام رمضان، فما الحكم

- ‌المسألة الرابعةتنظيم النسل

- ‌المسألة الخامسةالتشبه بالكفار

- ‌المسألة السادسةالابتعاث وخطورته

- ‌المسألة السابعةحضانة غير المسلم للطفل المسلم

- ‌المسألة الثامنةالحلف بالإنجيل

- ‌المسألة التاسعةالشهادة لليهود والنصارى وغيرهم من الكفار

- ‌المسألة العاشرةإذا أسلم النصراني، هل يلزم بتغيير اسمه

- ‌المسألة الحادية عشرةحكم التعبير عن غير المسلمين بلفظ الأخوة

- ‌المسألة الثانية عشرةحكم وقوف ساعة حداد على المسلم وغير المسلم

- ‌المسألة الثالثة عشرةهل يقال للنصراني مسيحي

- ‌المسألة الرابعة عشرةإرضاع المرأة الكافرة للطفل المسلم

- ‌المسألة الخامسة عشرةمشاركة المسلم في حفلات توديع غير المسلم

- ‌المسألة السادسة عشرةالمعاملات المحرمة مع الكفار

- ‌المسألة السابعة عشرةالصلاة في القاعات التي أُعدت للهو

- ‌المسألة الثامنة عشرةطلب الرزق بالطرق المحرمة

- ‌المسألة التاسعة عشرةالتحذير من الصلبان في المفارش وغيرها

- ‌المسألة العشرونإشهار عقد النكاح في الكنيسة

- ‌المسألة الحادية والعشرونتمكين الكافر من المصحف المترجم

- ‌المسألة الثانية والعشرونحكم تمريض الكافر للنساء المسلمات

- ‌المسألة الثالثة والعشرونصلة القريب الكافر

- ‌المسألة الرابعة والعشرونالتحذير من القعود مع اليهود والنصارى وسماع كلامهم

- ‌المسألة الخامسة والعشرونهل يقال لليهودي أو النصراني الذي بلغته الدعوة أنه في النار

- ‌المسألة السادسة والعشرونرجل ارتد إلى النصرانية ثم تاب فما الحكم

- ‌المسألة السابعة والعشرونإذا كانت الأرض ثلج، كيف يدفن الميت فيها كما هو الحال في شمال كندا

- ‌المسألة الثامنة والعشرونجمع الأموال لنقل جثث المسلمين إلى بلاد الإسلام

- ‌المسألة التاسعة والعشرونإحراق جثة المسلم

- ‌المسألة الثلاثونإعطاء الذي يشهر إسلامه هدايا ترغيبًا له

الفصل: ‌أولا: الزواج من نسائهم

‌أولاً: الزواج من نسائهم

ذهب جماهير أهل العلم إلى حل الزواج بالكتابية، وخالف في ذلك بعضهم واستدلوا بما رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال:«إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئاً أكبر من أن تقول المرأة ربها عيسى وهو عبد من عباد الله»

(1)

.

واستدلوا بقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]. ووجه الدلالة أن الله تعالى حرم نكاح المشركات، والكتابية مشركة، فيحرم نكاحها.

وبقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]. وهذا نهي عن إبقاء الكافرة في عصمة المسلم، فاقتضى النهي عن ابتداء نكاحها، والكتابية داخلة في مسمى الكوافر.

وقالوا أنه يُشترط بأن توحد الله عز وجل ولا تشرك به شيئاً، ولكنها لا تتبع إلا موسى عليه الصلاة والسلام، إن كانت يهودية، أو عيسى عليه الصلاة والسلام، إن كانت نصرانية، فإن خالفت الإسلام وأشركت فإنها لا تحل، وهؤلاء راموا الجمع بين آية

(1)

برقم (5285).

ص: 209

المائدة وهي قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]. وبين آية البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221].

فقالوا: إذا أشركت بالله ولو كانت يهودية أو نصرانية فلا تحل، وأما إذا كانت غير مشركة بالله، وإن لم تدن بالإسلام الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام فإنها تحل، وتكون الفائدة من قوله:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] أنها غير مسلمة وحلت لا أنها مشركة وحلت.

وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم من السلف والخلف، وعلى هذا الرأي إذا كانت النصرانية تقول بأن الله ثالث ثلاثة فإنها لا تحل ولو تدينت بدين النصارى، وكذلك اليهودية إذا قالت عزير ابن الله فإنها لا تحل لأنها مشركة.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] عامة فكل من انتمى إلى دين أهل الكتاب فهو منهم، وقالوا: إن هذا مخصص لقوله تعالى في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]. لأن آية البقرة متقدمة على آية المائدة، ثم هذا التعليل في الحقيقة عليل، لأن التخصيص لا فرق فيه بين المتقدم والمتأخر، لكن الدليل الواضح هو أن الله ذكر في سورة المائدة حل نساء أهل الكتاب، وحكى عنهم الشرك وكفرهم أيضاً، قال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]. وقال تعالى: {لَقَدْ

ص: 210

كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17]. وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)} [التوبة] "

(1)

.

قال ابن كثير: "وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأساً، أخذاً بهذه الآية الكريمة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]، فجعلوا هذه مخصصة للآية التي في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]. إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها وإلا فلا معارضة بينها وبينها؛ لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع، كقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)} [البينة]. وكقوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} [آل عمران: 20] "

(2)

.

"فالحاصل والذي عليه جمهور أهل العلم أن من تدين بدين أهل الكتاب وانتسب إليهم ولو كان يقول بالتثليث فإنه تحل ذبيحته ويحل نكاحه"

(3)

.

وهذا مشروط بما في الآية الكريمة {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا

(1)

الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (12/ 147 - 148).

(2)

تفسير ابن كثير (5/ 83 - 84).

(3)

الشرح الممتع (12/ 148).

ص: 211

الْكِتَابَ} [المائدة: 5]، وقد اختلف أهل العلم في المراد بالإحصان، فقيل: أراد بالمحصنات الحرائر دون الإماء، وقيل المراد: العفيفات.

قال ابن كثير: "والقول الأخير هو قول الجمهور، وهو الأشبه لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية، وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل (حشفا وسوء كيله)، والظاهر من الآية: أن المراد بالمحصنات: العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الآخرى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25] "

(1)

.

"والذي يطلع على حقوق الزوجين في الغرب يخجل في الحقيقة من هذا القانون، ويترفع عن مقارنته، لا بالإسلام الذي هو شريعة ربانية، بل بالنظم البشرية في العصور الحجرية إذ كلها تأنف من جعل الزوج ديوثاً يرى من يجامع زوجته فيباركه، أو يرى من يحبلها ولا حق له سوى نفقات الولادة، في الحقيقة أن الغرب فرغوا الزواج من معناه الحقيقي، وجعلوه رسماً بلا معنى وصورة بلا روح، وإلا فقولوا لي: بماذا تمتاز الزوجة عن الأجنبية بالنسبة للرجل؟

فالزوجة لا يلزمها في القانون الغربي أن تقدم لزوجها فنجاناً من القهوة والأجنبية كذلك، ولا يمكن لزوجها أن يجامعها إلا برضاها والأجنبية كذلك، وليس عليه أن يملي عليها رأيه والأجنبية

(1)

تفسير ابن كثير (5/ 82).

ص: 212

كذلك، وليس له أن يمنعها الخروج من البيت والأجنبية كذلك، وليس له أن يمنعها معاشرة الرجال والأجنبية كذلك.

وليس له أن يمنعها استضافة عشيقها في البيت والأجنبية كذلك، ولها أن تدعي أن هذا الولد من عشيقها لا من زوجها فينسب للعشيق، فأين حقوق الزوج في الغرب.

كل هذا سببه نظريتهم في المساواة بين الرجل والمرأة ونظريتهم في احترام الحرية الشخصية، إضافة إلى أن القوانين الغربية فتحت باباً عظيماً من أبواب الفساد في صميم الجالية المسلمة، فإن الرجل لم يعد يستطيع أن يكلم زوجته كلمة واحدة إذ بيدها تطليقه، وأخذ نصف ثروته، وأكثر من نصف راتبه الشهري، إلى جانب استئثارها بحضانة أولاده وإذلاله في المحاكم.

هذا بالنسبة للزوج، أما بالنسبة للأولاد، فإن الرجل مهما دفع لهم فإنه أبوهم ومسؤول عنهم، وعن تأمين العيش الكريم لهم، ولكن المشكلة لا تكمن هنا، وإنما صلب المشكلة أن هذا الأب ليس له حظ من أولاده إلا أن يراهم ساعة في الأسبوع، ثم تستأثر الأم بسائر أوقاتهم وتكون المشكلة أعظم إن كان المطلق مسلماً والمطلقة كتابية، فإنها ستتأثر بتربيتهم على الكفر وعادات الكافرين فيدفع هذا المسكين نصف ثروته لامرأته الكافرة، وينفق عليها أكثر من نصف راتبه الشهري لتربي أولاده على الكفر وعلى عداوة أبيهم وبغضه وهو محروم من رؤيتهم وتربيتهم ومن أنسهم

ص: 213

ومودتهم، حقاً إنها طامة لا يعرفها إلا من ذاقها.

وللأسف هذا حال كثير من المسلمين في أوروبا الذين بادروا بالزواج من كتابيات طمعاً بالإقامة والجنسية والعمل، ورغبة بجمالها وشقارها، فانقلبوا بعد حين ليذوقوا مرارة الطلاق ويدفعوا مالهم ودين أولادهم ثمناً لهذا الزواج.

ومنهم من تورط في الزواج ثم أدرك مغبة الطلاق وما يجره عليه من خسارة في ماله وولده، فآثر الصبر على أخلاق الزوجة الغربية وصار خادماً عندها تسيره كيف تشاء، يتجرع كأس الذل والمهانة كل يوم، ولا يستطيع أن يشكو همه لأحد.

لقد رأيت في ألمانيا من مآسي المسلمين العرب ما يبعث على الحزن ويوجع القلب، ولقد رأيت من يرى ابنته تصاحب الألماني الكافر، ولا يستطيع أن يتدخل في شأنها، ومن تأتي ابنته والصليب على رقبتها ولا يستطيع أن يتكلم، ومن تزوجت ابنته من كافر وليس له إلا أن يبارك هذا الزواج، ومن اتخذت امرأته عشيقاً ولا يستطيع إلا أن يكرمه.

نعم يا إخواني إن ما أخذه الغرب من المسلمين المهاجرين، كان أكثر مما أعطاهم، ولو بدا لهم لأول وهلة أنه أعطاهم الكثير، وإن من ارتد وانحرف من أولاد المسلمين أكثر من الغربيين الذين دخلوا في الإسلام، وكان تأثيرهم فينا أكثر من تأثيرنا فيهم، وإن كان ديننا أعظم من دينهم لأننا جعلنا الدين من غير صدق، وهم صدقوا من غير دين.

ص: 214

ومن القصص المحزنة في ذلك: قبل حوالي شهر حصل في برلين أن صاحب محل تجاري من المسلمين انتحر بسبب الطلاق، فرضت عليه المحكمة أن يدفع أكثر من نصف مدخوله الشهري لمطلقته وأولاده، كما فرضت عليه أن يتخلى عن محله التجاري، حتى يباع وتأخذ مطلقته نصيبها، أي تقسيم ثروته المالية بينه وبينها على السواء، فلم يستطع تحمل هذا الأمر فأقدم على الانتحار. إنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن هذه الحالات: صديق لي تزوج بامرأة نصرانية، ولم يكن حسن الالتزام بدينه، وكانت هي أيضاً بعيدة عن دينها، ويسر الله لهذا الرجل أن تعرف على المسلمين الملتزمين على المسجد حتى أصبح من رواده، وأصبح داعية للإسلام، وكان له من زوجته خمسة أولاد لا تتجاوز أعمارهم السبع سنوات، وصار يحضرهم إلى المسجد ويعلمهم الإسلام، وبدأت العداوة تكبر في صدر امرأته حتى اشتعل صدرها ببغض هذا الدين، ودفعها هذا البغض إلى الاقتراب من الكنيسة والدفاع عنها، وكانت تثور في البيت المجادلات الدينية والتي لم تنته إلا بطلب المرأة الطلاق، وصدر الحكم بالطلاق، وكانت الأم قد أطلعت القاضي على سبب العداوة بينها وبين زوجها الذي انقلب إلى رجل متعصب - بزعمها - ويريد أن يربي أولاده على الإسلام ويأخذهم إلى المسجد، فمال القاضي إليها وحكم لها بحضانة الأطفال الخمسة، ولم يعد يسمح للأب أن يزور أولاده إلا مرة واحدة في الأسبوع.

ص: 215

وحرصت الأم بعد ذلك على غرس الكفر في نفوس الأطفال، فصارت تصحبهم إلى الكنيسة بعد أن كانت الكنيسة لا تعني شيئاً لها، وبدأت تطبخ لهم الخنزير وتنفرهم من الإسلام، وكان الأب في غضون زيارة الأولاد له يحرص على تعليمهم الصلاة ويحببهم فيها، فلما علمت الأم بذلك أخبرت القاضي الذي قام بإنذار الأب بحرمانه من زيارة أطفاله له إذا حدثهم عن الإسلام أو الصلاة أو حتى صلى إحدى الصلوات أمامهم.

وهذا غيض من فيض مما يجري في بلاد الغرب، من حرب على الإسلام وأهله، والاعتداء على أبناء المسلمين لإبعادهم عن دينهم.

ومنذ أيام قلائل اتصل بي أحد الأخوة، وأخبرني أن صديقاً له من المسلمين العرب توفي وله زوجة ألمانية، فأراد أهله وأصدقاؤه دفنه في مقبرة المسلمين فرفضت زوجته، وأصرت على أن يدفن في مقابر النصارى، فذهب بعض الأخوة يترجونها للسماح بدفنه في مقابر المسلمين، فلم تقبل ودُفن في مقابر النصارى.

فالزوجة في القانون الألماني هي التي تأخذ هذا القرار، وليس لأهله أو أسرته أي حق في التدخل بهذا الشأن.

والذي أنصح به أنه لا ينبغي الإقدام على الزواج من الكتابية إلا إذا رجى إسلامها، وغلب ذلك على ظنه بما يتوسمه من حسن صفاتها، وحبها للخير؛ لأنه حين يعقد عليها في بلاد الغرب

ص: 216

يخضع زواجهما للقوانين الغربية، وفي هذه القوانين من السوء والعار ما لا يجوز للمسلم أن يرضى به، كانعدام قوامة الرجل في بيته، وحرية الزوجة في معاشرة الأجانب، واصطحاب العشيق إلى البيت .. وغير ذلك من المخازي.

والإسلام حين أجاز الزواج بالكتابية كان ذلك مبنياً على الخضوع لأحكامه، فالرجل هو القوام على المرأة وعلى البيت، ولا يدع للمرأة تأثيراً في تسيير البيت وتوجيهه نحو الانحلال أو تربية الأطفال على الكفر وعادات الكافرين، فبهذه القوامة التي منحه الشارع إياها، يزول المحذور الذي يخشى وقوعه من قبل امرأته الكافرة، وأما مع عدم الخضوع لأحكام الإسلام وعدم القوامة فالأمر يختلف.

فينبغي على المسلم أن ينظر في المحذورات المتوقعة من هذا الزواج، ويتفق مع المرأة على تفاديها، كأن يتفق معها على قوامته على البيت، وتربية الأولاد وفق شرع الله، وفي حال الطلاق تكون حضانتهم له، فإن وافقت أقدم على الزواج بعد توثيق هذا الاتفاق في المركز الإسلامي، وإن أبت فلا يقدم عليه؛ لأن في الإقدام عليه تفريطاً في حق نفسه وحق أولاده، وتضييع للأمانة التي حمَّله الله إياها، وسيسأل عن ذلك يوم القيامة"

(1)

.

(1)

أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب، د. سالم الرافعي، (ص 416 - 418، 606 - 608) بتصرف.

ص: 217