المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌22 - باب فضل الذكر بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس - المطالب العالية محققا - جـ ٤

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌3 - بَابُ مَتَى يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى

- ‌5 - بَابُ التَّأْمِينِ

- ‌6 - بَابُ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الإِمام وَالْمَأْمُومِ، وَمَنْ أَسْقَطَ الْقِرَاءَةَ عَنِ الْمَسْبُوقِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ خَاصَّةً

- ‌7 - بَابُ الْقُنُوتِ

- ‌9 - باب الخشوع

- ‌10 - بَابُ التَّبَسُّمِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌11 - بَابُ النَّهْيِّ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌12 - بَابُ الطَّمَأْنِينَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ

- ‌13 - بَابُ مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ

- ‌14 - بَابُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالذِّكْرِ فِيهِمَا

- ‌15 - باب التَّكْبِيرِ

- ‌16 - بَابُ الْفِعْلُ الْيَسِيرُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ

- ‌17 - بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ

- ‌18 - بَابُ التَّشَهُّدِ

- ‌19 - بَابُ الدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ

- ‌20 - بَابُ التَّسْلِيمِ

- ‌21 - بَابُ الْقَوْلِ عَقِبَ الصَّلَاةِ

- ‌22 - بَابُ فَضْلِ الذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ

- ‌25 - بَابُ صَلَاةِ الْمَعْذُورِ

- ‌26 - بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ

- ‌27 - بَابُ الْحَثِّ عَلَى سَجْدَتَيْنِ عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌28 - بَابُ مَا يَفْعَلُ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ

- ‌29 - بَابُ فَضْلِ الْمَشْيِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ

- ‌7 - كِتَابُ النَّوَافِلِ

- ‌1 - بَابُ إِكْمَالِ الْفَرْضِ مِنَ التَّطَوُّعِ

- ‌2 - بَابُ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ

- ‌3 - بَابُ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى

- ‌4 - بَابُ التَّهَجُّد

- ‌5 - بَابُ قِيَامِ رَمَضَانَ

- ‌6 - بَابُ الْأَمْرِ بالتَّنَفُّلِ فِي الْبُيُوتِ

- ‌7 - بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ

- ‌8 - بَابُ كَرَاهِيَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ

- ‌9 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّكَلُّفِ وَالْمَشَقَّةِ فِي الْعِبَادَةِ

- ‌10 - بَابُ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ

- ‌11 - بَابُ رَوَاتِبِ الصَّلَاةِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا

- ‌12 - بَابُ الوِتْر

- ‌13 - بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى

- ‌14 - بَابُ حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌15 - بَابُ السَّهْوِ

- ‌8 - أَبْوَابُ الْجُمُعَةِ

- ‌2 - بَابُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ

- ‌3 - بَابُ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ

- ‌4 - بَابُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ

- ‌5 - بَابُ آدَابِ الْخُطْبَةِ

- ‌6 - باب اتخاذ المنير

- ‌7 - بَابُ الْأَمْرِ بِالتَّجَمُّلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

الفصل: ‌22 - باب فضل الذكر بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس

‌22 - بَابُ فَضْلِ الذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ

(23)

حَدِيثٌ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَلَاةِ الضُّحْىَ (1).

543 -

وَقَالَ مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ (2)، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ (3)، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي دَارِمٍ (4)، قَالَ:(تَزَوَّجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما امْرَأَةً مِنَّا (5)، فَسَكَنَ فِينَا، فَصَنَعَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ طَعَامًا، فَدَعَا الْحَيَّ وَدَعَا الْحَسَنَ رضي الله عنه قَالَ: فَلَمْ أَرَ الْحَسَنَ رضي الله عنه أَجَابَهَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْحَسَنَ رضي الله عنه يُشِيرُ إِلَى مَوْلًى لَهُ، فَلَمَّا قَامَ الْحَسَنُ رضي الله عنه (6) فَانْصَرَفَ: جِئْتُ (7) لِأَسْأَلَ مَوْلَاهُ عَمَّا بَطَّأَ بِهِ عَنِ الدَّعْوَةِ، وَعَمَّا كَانَ يُشِيرُ إِلَيْهَا (8) قَالَ: فَلَقِيتُ الْحَسَنَ رضي الله عنه، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ وَحَيَّانِي، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا فُلَانُ؟ أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ (9): يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ (10): جِئْتُ لِأَسْأَلَ مَوْلَاكَ عَمَّا بَطَّأَ بِكَ عَنِ الدَّعْوَةِ، وَعَمَّا كُنْتَ تُشِيرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ الْحَسَنُ رضي الله عنه:"أَنَا أُحَدِّثُكَ ذَلِكَ (11): أَمَّا الَّذِي بَطَّأَنِي (12) عَنْهَا، فَكُنْتُ صَائِمًا، وَأَمَّا الَّذِي كُنْتُ أُشِيرُ إِلَيْهِ فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ (13): أَطَلَعَتِ الشَّمْسُ أَمْ لَا؟ ثُمَّ حَدَّثَ الْحَسَنُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "من صَلَّى الصَّبْحُ ثُمَّ جَلَسَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حتى تطلع الشمس: كان له سترًا أو حجابًا من النار".

(1) برقم (645).

(2)

في (مح) و (حس) و (سد): "حجارة"، وما أثْبَتُّه من (عم)، وهو المطابق لكتب التراجم.

(3)

في (عم): "عيينة".

(4)

في (سد): "أرم".

(5)

قوله: "منا" ساقط من (عم).

(6)

في (حس): "قام الْحَسَنَ رضي الله عنه: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ علي وحيا، فانصرف

" بزيادة ما بين الأقواس الصغيرة.

(7)

في (سد): "حيث".

(8)

كذا في النسخ.

(9)

قوله: "قلت" ليس في (حس).

(10)

في (سد): "حيث".

(11)

في (عم): "ذاك"، وفي (سد):"ذاكاك".

(12)

في (عم): "أبطأني" بزيادة همزة في أوله.

(13)

في (عم) و (سد): "أسأل" بدون هاء.

ص: 255

543 -

تخريجه:

ذكره البوصيري في الإِتحاف (1/ ق 212/ ب)، باب في الذكر والتسبيح والدعاء بعد الصلاة: بمثله.

وفي المجردة (ق/ 81)، باب ما يقال بعد الصلاة من ذكر وتسبيح ودعاء وغير ذلك: بمثله ثم قال: (رواه مسدد عن حفص بن سليمان وهو ضعيف). اهـ.

وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص 75/ 146)، باب فضل الذكر بعد صلاة الفجر، مقتصرًا على المرفوع منه: قال: (أخبرني أبو عروبة، حدثنا المنذر بن الوليد الجارودي، حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن أبي جعفر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عتيبة، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قال:"سمعت جدي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ عبد صلى صلاة الصبح ثم جلس يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس إلَّا كان له حجابًا من النار أو سترًا".

والطبراني في المعجم الصغير (2/ 401: 1109) قال: حدثنا يعقوب بن=

ص: 256

= مجاهد البصري، حدثنا المنذر بن الوليد الجارودي، حدثنا الحسن بن أبي جعفر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عتيبة، عن الحسن بن علي قال: سمعت جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يصلي صلاة الصبح ثم يجلس يذكر الله حتى تطلع الشمس إلَّا كان ذلك له حجابًا من النار".

ثم قال الطبراني: "لم يروه عن محمد بن جحادة إلَّا الحسن، تفرد به المنذر.

ولا يروى عن الحسن بن علي إلَّا بهذا الإِسناد) اهـ.

قلت: ولم يتفرد به الحسن عن محمد بن جحادة، فقد رواه عنه حفص بن سليمان كما تقدم عند مسدد وفي إِسناده عنده رجل من دارم بين الحكم والحسن رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 404)، باب من كان إذا صلى جلس في مصلاه قال: حدثنا غندر عن شعبة، عن الحكم، قال: بلغني عن رجل من بني تميم أنه دخل على الحسن بن علي، وهو قاعد في مصلاه وقال: ما من مسلم يصلي الصبح ثم يقعد في مصلاه إلَاّكان له حجابًا من النار".

وسيأتي في هذا الحديث بنحو هذا السند برقم (645).

وعمير قال فيه الحافظ مقبول وهو إلى الضعف أقرب.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 106) بمثل لفظه عند الطبراني دون قوله له: ثم قال: (رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه الحسن بن أبي جعفر الجفري، وهو ضعيف من قبل حفظه، وهو في نفسه صدوق، وبقية رجاله رجال الصحيح). اهـ.

وهو في المطبوع من المطالب (1/ 82: 284)، بَابُ فَضْلِ الذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى أن تطلع الشمس، بمثله وعزاه لمسدد.

وعزاه المحقق للبوصيري، وابن السني، ثم قال:(وعند مسدد بينهما رجل من بني دارم). اهـ.=

ص: 257

= الحكم عليه:

إِسناده ضعيف جدًا من طريق مسدد لحال حفص بن سليمان وجهالة الرجل الدارمي، فأما حفص: فقد تابعه عليه الحسن بن أبي جعفر الجفري عند الطبراني، وابن السني. وهو كما قال الهيثمي: ضعيف من قبل حفظه وهو في نفسه صدوق، وعليه فالإِسناد ضعيف لحاله وجهالة الرجل الدارمي -إن لم يكن ابن مأموم-.

وله شواهد يرتقي بها إلى الحسن لغيره، لكن دون القصة التي في أوله.

فقد أخرجه الترمذي في جامعه (1/ 481: 586) قال: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي البصري، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، حدثنا أبو ظلال عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة"، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: (تامة، تامة، تامة").

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب: وسألت محمد بن إسماعيل، عن أبي ظلال؟ فقال: هو مقارب الحديث. قال محمد: واسمه هلال. اهـ.

فهو بهذا الإِسناد ضعيف. لضعف أبي ظلال كما في التقريب (576: 7349).

لكن قال الشيخ أحمد شاكر (ص 482): هامش (3): (وأبو ظلال هو القسملي البصري، الأعمى، اختلفوا فيه اختلافًا كثيرًا، فبعضهم ضعفه جدًا، وبعضهم جعله مقارب الحديث، وقد حسن الترمذي حديثه كما ترى، وذكر ابن الجوزي في الموضوعات حديثًا آخر من طريقه رواه أحمد في المسند (3/ 230: 13444)، ودافع عنه الحافظ في القول المسدد (36، 37).

وقال المباركفوري في التحفة (3/ 194): (حسنه الترمذي وفي إِسناده أبو ظلال، وهو متكلم فيه، لكن له شواهد، فمنها حديث: أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: "من صلى الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة" أخرجه الطبراني، قال المنذري في=

ص: 258

= الترغيب: إِسناده جيد، ومنها حديث أبي أمامة وعتبة بن عبد مرفوعًا:"مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ ثبت حتى يسبح لله سُبحة الضحى، كان له كأجر حاج ومعتمر تامًا له حجة وعمرة" أخرجه الطبراني.

قال المنذري: وبعض رواته مختلف فيه.

قال: وللحديث شواهد كثيرة، انتهى وفي الباب أحاديث عديدة ذكرها المنذري في الترغيب. اهـ.

قلت: ويضاف إلى هذه الشواهد أيضًا: ما أخرجه الترمذي وصححه (2/ 480: 585) قال: (حدثنا قتيبة، حدثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جابر بن سمرة قَالَ:" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. اهـ.

قال الشارح: (وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي). اهـ.

وسماك بن حرب: صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره فكان ربما تلقن، وروايته هنا ليست عن عكرمة، ورواية أبي الأحوص عنه قد أخرج له عنه مسلم كما تقدم، وصحح له الترمذي عنه كما في هذا الحديث، وانظر أيضًا جامعه (2/ 156 - 158: 235).

وكذا صحح له عنه الشيخ أحمد شاكر: انظر مسند أحمد (1/ 218: 217)، وعليه فإِن: ما كان من حديث أنس دالًا على المكوث في المصلى بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس يذكر الله، لا يقل عن الحسن لغيره.

وفي تشبيه أجره بأجر الحاج والمعتمر قال المباركفوري (3/ 194): (قال الطيبي: شبه استيفاء أجر المصلي تامًا بالنسبة إليه باستيفاء أجر الحاج تامًا بالنسبة إليه، وأما وصف الحج والعمرة بالتمام إشارة إلى المبالغة). اهـ.

ولم أجد في شيء من الروايات فيه "كان له سترًا أو حجابًا من النار" كما في حديث الحسن رضي الله عنه هنا.

ص: 259

544 -

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ مِقْدام، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّهُ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ إِيَاسِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ: فِي مَسْجْدِهِمْ فَقَالَ: أَقْبِلْ عَلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ: أَلَا أُحَدِّثُكَ عَنْ أَبِي، عَنْ رَسُولٍ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"لأن أُصَلِّي الصَّبْحُ ثُمَّ أَجْلِسُ فِي مَجْلِسِي أَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الشَّدِّ عَلَى جِيَاد الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ حِينِ أُصَلِّى الصَّبْحُ إِلَى أن تطلع"(1).

(1) هنا في (عم): زيادة "الشمس".

ص: 260

544 -

تخريجه:

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 530: 2027) قال: حدثنا محمد بن أبي حميد، قال: أخبرني حازم بن تمام، عن عباس بن سهل الأنصاري ثم الساعدي كذا قال: عن أبيه أو جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: "لَأَن أُصَلِّي الصَّبْحُ ثُمَّ أَجْلِسُ فِي مَجْلِسِي فأذكر الله حتى تطلع الشمس أحب إلى من شد على جياد الخيل في سبيل الله". اهـ.

وحازم بن تمام تصحيف صوابه: أبو حازم التمار، وفي قوله عباس نظر أيضًا، ومحمد بن أبي حميد: ضعيف كما تقدم.

والطبراني في المعجم الكبير (6/ 125: 5638)، قال: حدثنا عبيد بن غنام، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مصعب بن المقدام، قال: حدثني محمد بن إبراهيم المدني، عن أبي حازم به بنحوه باختلاف يسير.

ونقل المحقق قول الحافظ في الإصابة والذي تقدم في ترجمة إياس.

وأخرجه أيضًا في (6/ 168: 5761)، قال: حدثنا المقدام بن داود، حدثنا خالد بن نزار، حدثنا حماد بن أبي حميد عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أن=

ص: 260

= رسول الله-صلى الله عليه وسلم قال: "لأن أشهد الصبح ثم أجلس أذكر الله حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَحْمل على جياد الخيل في سبيل الله حتى تطلع الشمس".

وفي (6/ 158: 5737) حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن محمد بن أبي حميد، حدثنا حازم ابن تمام عن عياش بن سهل الأنصاري ثم الساعدي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لأن أصلي الصبح ثم أجلس مجلسي فأذكر الله حتى تطلع الشمس أحبّ إليّ من شَدَّ على جِيَاد الخيل في سبيل الله". هكذا قال الدبري: عياش وإنما هو عباس. انظر: التدريب (2/ 377).

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 105، 106): بمثل اللفظ الثاني. عند الطبراني بزيادة فاء قبل قول (وأذكر).

ثم قال: رواه الطبراني بأسانيد في الكبير والأوسط، وأسانيده ضعيفة، وفي بعضها محمد بن أبي حميد، وفي بعضها المقدام بن داود وغيره، وكلهم ضعفاء. اهـ.

وذكره البوصيري في الإِتحاف (1/ ق 212/ ب)، باب في الذكر والتسبيح، والدعاء بعد الصلاة بنحوه باختلاف يسير.

وابن حبان في الثقات (4/ 36): في ترجمة إياس.

قال: يروي عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَأَن أُصَلِّي الصَّبْحُ ثُمَّ أَجْلِسُ في مجلسي أذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس أحب إلي من شد على جياد في سبيل الله".

وذكره أبو نعيم في المعرفة فذكر سنده دون متنه في ترجمة إياس (1/ 144).

وتقدم أن الحافظ قد ذكره في الإصابة في (3/ 143)، وذكره أيضًا في (1/ 91: 474) في ترجمة إياس: قال: وروى مصعب بن المقدام عن محمد بن إبراهيم المدني عن أبي حازم أنه جلس إلى إياس بن سهل الأنصاري في مسجد بني ساعدة فقال لي: أقبل علي أبا حازم أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم.=

ص: 261

= قلت: فيه محمد بن إبراهيم وهو ابن أبي حميد أحد الضعفاء. اهـ.

وهو في المطبوع من المطالب (1/ 82: 285) في الباب نفسه، وعزاه لابن أبي شيبة.

ص: 262

الحكم عليه:

حديث الباب إِسناده ضعيف؛ لحال محمد بن إبراهيم المدني، ومصعب بن المقدام. لكن معنى المكوث في المصلى للذكر بعد صلاة الصبح قد ثبت في الذي قبله فإِنه يشهد له.

أما كونه أفضل مِنَ الشَّد عَلَى جِيَادِ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ الله فهذا ما لا أعرف له شاهدًا. وعليه فإِنه يبقى على ضعفه.

ص: 262

23 -

بَابُ الِانْصِرَافِ (1) مِنَ الصَّلَاةِ

545 -

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ -هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ-، عَنْ عُمَيْرِ (2) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الطَّائِفِيِّ، عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (3)"فَرَأَيْتُهُ يَنْفَتِلُ (4) عَنْ يَمِينِهِ، وعن يساره".

(1) في (عم):االانحراف" بالحاء المهملة.

(2)

وقع في نسخ المطالب: "عمر" بدون ياء، والصواب:"عمير" بالتصغير، وهو كذا في المسند وكب التراجم.

(3)

هنا في المسند: زيادة "في وفد ثقيف، فأقمنا عنده نصف شهر

".

(4)

في (عم): "منفتل" باسم الفاعل، بدلًا من صيغة المضارع.

ص: 263

545 -

تخريجه:

هو في مسند أبي داود الطيالسي (ص 151: 1112): قال: حدثنا قيس، عن عمير بن عبد الله به مثله بالزيادة التي تقدمت.

وفي المنحة (1/ 103: 465): باب ما جاء في كيفية الانصراف عن الصلاة ومتي ينصرف.

قال: حدثنا قيس عَنْ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الطَّائِفِيِّ، عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، به مثل لفظ أبي داود.=

ص: 263

= وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 219: 596) في مسند أوس بن أوس قال: حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا قيس ابْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الطَّائِفِيِّ، عَنْ أوس بن أوس الثقفي قال: (أقمنا عند النبي صلى الله عليه وسلم نصف شهر فرأيته ينفتل عن يمينه ورأيته ينفتل عن يساره، ورأيت نعليه له قبالان".

وبرقم (597): قال حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ومحمد بن عبد الله الحضرمي قالا: أخبرنا يحيى الحماني، ثنا قيس بن الربيع، عن عمير بن عبد الله الخثعمي، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الطَّائِفِيِّ، عَنْ أوس بن أوس قال: أقمت عند النبي صلى الله عليه وسلم نصف شهر فرأيته يصلي وعليه نعالان مقابلتان، ورأيته يبزق عن يمينه وعن شماله".

قوله (نعلاه له قبلان): أي زمامان: قال ابن الأثير في النهاية (4/ 8): ("كان لنعله قبالان" القِبَال: زِمَام النعل، وهو السَّيْر الذي يكون بين الأصبعين وقد أَقْبَل نعله وقابلها.

ومنه قَابِلوا النعال أي اعمَلُوا لها قبالًا، ونَعْل مقبلة إذا جعلت لها قبالًا، ومقبولة إذا شددت قبالها). اهـ.

وكلا الطريقين عند الطبراني: فيهما عبد الملك بن المغيرة الطائفي؛ فالإسنادان ضعيفان.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 146): بنحو لفظ الطبراني الأول ثم قال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون، ومع ذلك في بعضهم خلاف. اهـ. وزاد محقق المعجم بعد أن نقل قول الهيثمي:(وإسماعيل بن عمرو البجلي ضعفه أئمة الحديث، ولا اعتبار بتوثيق ابن حبان. قاله شيخنا محب الله شاه)، قلت: وفيه عبد الملك بن مغيرة أيضًا.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 55): باب الصلاة في النعلين: عن=

ص: 264

= أوس بن أوس أيضًا قال: أقمت عند النبي صلى الله عليه وسلم نصف شهر فرأيته يصلي وعليه نعلان متقابلتان، ورأيته يبزق عن يمينه وعن شماله، ثم قال:

قلت: روى ابن ماجه منه في الصلاة في النعلين، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. اهـ.

قال محقق المعجم: قلت: ويحيى الحماني ضعيف. اهـ.

وذكره البوصيري في الإِتحاف (1/ ق 214/ أ): باب صفة الانصراف من الصلاة بلفظ: (قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فأقمنا عنده نصف شهر "فرأيته ينفتل عن يمينه، وعن يساره"). اهـ.

ص: 265

الحكم عليه:

حديث الباب إِسناده ضعيف لحال عبد الملك، وقيس بن الربيع.

لكن:

أخرج الحميدي في مسنده (2/ 438: 997): قال: (ثنا سفيان قال: ثنا عبد الملك بن عمير قال: سمعت رجلًا يقول: سمعت أبا هريرة يَقُولُ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلي قائمًا، وقاعدًا، وحافيًا، وناعلًا، ورأيته ينفتل عن يمينه، وعن شماله" قال سفيان: قالوا: هذا أبو الأوبر).

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 295): قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف أنبأ أبو سعيد بن الأعرابي، ثنا سعدان بن نصر، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الأوبر، عن أبي هريرة قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "يصلي حافيًا وناعلًا، وقائمًا وقاعدًا، وينفتل عن يمينه، وعن شماله".

وهذا الشاهد إذا ما ضم لحديث الباب فإِنه يرتقي إلى الحسن لغيره.

ص: 265

546 -

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، ثنا يَزِيدُ بن هارون، أخبرنا (1) يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بن حَبَّان (2): أخبره (3)[أن عمه واسع بن حَبَّان](4) كان قائمًا يصلي في المسجد، و"ابن"(5) عمر رضي الله عنهما مسندًا ظهره إلى قبلة المسجد، فلما انصرف واسع (6)، (7) انْصَرَفَ عَنْ يَسَارِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، فَجَلَسَ إِلَيْهِ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ (8) رضي الله عنهما: مَا يَمْنَعُكَ (9) أَنْ تنصرف عن يمينك؟ قال (10): لأني رأيتك فانصرفت إليك، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: "إِنَّكَ قَدْ أَحْسَنْتَ!، إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا كُنْتَ تُصَلِّي فَانْصَرَفْتَ:

فَانْصَرِفْ عَنْ يَمِينِكَ، قَالَ ابن عمر رضي الله عنهما:"إذا كُنْتَ تُصَلِّي فَانْصَرَفْتَ، فَانْصَرِفْ إِنْ شِئْتَ عَنْ يمينك، وإن شئت عن يَسَارك"(11).

(1) في (مح) و (حس) و (سد): "أنا"، وفي (عم):"أنبأنا"، وفي مسند أبي يعلى:"أخبرنا"، وهو ما أثبته هنا.

(2)

في (مح) و (حس): "حيان" بالياء التحتية المثناة، والصواب:"حبان" بالباء الموحدة كما سيأتي في ترجمته.

(3)

في (عم) و (حس) و (سد) ومسند أبي بعلى: "أخبره" بزيادة الهاء، وهي غير مرجودة في (مح).

(4)

ما بين المعكوفتين زيادة من مسند أبي يعلى، وهي ضرورية، والطبقة تقتضيها، فإِن محمدًا من الرابعة، على ما قرره الحافظ وعليه فلم يَلْق ابن عمر، وإنما أخذ عن عمه واسع: عنه، وليست هي في شيء من نسخ المطالب (الأربع).

(5)

زيادة: "وابن" في مسند أبي يعلى و (عم) و (سد)، بخلاف (مح) و (حس)، وسيأتي من السياق أيضًا ما يوضح أنَّ الصواب هو كونه "ابن عمر".

(6)

في النسخ الأربع "واتبع"، والصواب:"واسع"، وهو كذا في مسند أبي يعلى ومنه أثبته، والسياق أيضًا يقتضيه.

(7)

في (سد): "وانصرف" بزيادة واو.

(8)

في (سد): زيادة "ابن الخطاب".

(9)

في (سد): "ما منعك" بصيغة الماضي.

(10)

في (سد): "لا أني"، وفي مسند أبي يعلى:"لا، إلَّا أني

".

(11)

في النص طول وفيه بعض الزيادات عند أبي يعلى.

ص: 266

546 -

تخريجه:

الحديث في مسند أبي يعلى (10/ 108: 5741): في مسند ابن عمر بلفظ أطول قال: حدثنا زهير، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بن حبان أن عمه واسع بْنِ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا يُصَلِّي في المسجد وابن عمر مستقبله، مسندًا ظهره إلى قبلة المسجد، فلما انصرف واسع، انصرف عن يساره إلى ابن عمر، فجلس إليه. فقال له ابن عمر: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِكَ؟ قَالَ: لا، إلَّا أني رأيتك فانصرفت إليك.

قال: فقال ابن عمر: فإِنك قَدْ أَحْسَنْتَ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا كُنْتَ تُصَلِّي فَانْصَرَفْتَ، فَانْصَرِفْ عَنْ يَمِينِكَ.

قَالَ ابْنُ عمر: إذا كُنْتَ تُصَلِّي فَانْصَرَفْتَ، فَانْصَرِفْ إِنْ شِئْتَ عَنْ يمينك، وإن شئت عن يسارك. قال ابن عمر: ويقول ناس آخرون: إذا جلس للغائط فلا يستقبل القبلة، ولا بيت المقدس، ولقد صعدت يومًا على بيتنا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-على حاجته- شك أبو يعلى مستقبل بيت المقدس".

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 145): مقتصرًا. على ما ذكره الحافظ في المطالب بمثله بدون فاء في قوله: (إنك).

ثم قال: (رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات). اهـ.

وفي المقصد (1/ 345: 295): بمثل ذكره في مجمع الزوائد.

وذكره البوصيري في الإِتحاف (1/ ق 214/ ب): باب صفة الانصراف من الصلاة: بنحوه ثم قال: هذا إِسناد رجاله ثقات. اهـ.=

ص: 267

= الحكم عليه:

إِسناده صحيح لذاته. وقد:

أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 250) من البخاري مع الفتح مقتصرًا. على الجزء الخاص باستقبال القبلة عند قضاء الحاجة: بنحوه.

وأخرجه غير البخاري أيضًا من أصحاب السنن والمسانيد بمثل ما أخرجه البخاري.

وأخرج البخاري في صحيحه (2/ 337): من البخاري مع الفتح: باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال: من حديث عبد الله بن مسعود قال: "لا يجعل أحدكم للشيطان شيئًا من صلاته، يرى أن حقًا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ينصرف عن يساره".

وأخرجه أبو يعلى (105/ 5174): بنحوه وزاد في آخره: قال عمارة: فأتيت المدينة فرأيت منازل رسول الله-صلى الله عليه وسلم عن شماله".

وإسناده عند أبي يعلى صحيح. وأخرجه مسلم. انظر: (5/ 219، 220).

كما أخرج مسلم في صحيحه (5/ 220): مع شرح النووي، في باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال: قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن السدي قال: سألت أنسًا كيف أنصَرِف إذا صليت: عن يميني وعن يساري، قال: أما أنا فأكثر مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه".

فائدة: ظاهر هذه الأحاديث الصحيحة التعارض:

وقد جمع بينها النووي فقال في شرحه لصحيح مسلم (5/ 220): (

وجه الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يفعل تارة هذا، وتارة هذا فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، فدل على جوازهما، ولا كراهة في واحد منهما، وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود، فليست بسببِ أصلٍ للانصراف عن اليمين أوالشمال، وإنما هي في حق من يرى أن ذلك لا بد منه فإِن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين=

ص: 268

= مخطيء ولهذا قال: (يرى أن حقًا عليه) فإنما ذم من رآه حقًا عليه، ومذهبنا أنه لا كراهة في واحد من الأمرين لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته سواء كانت يمينه أو شماله فإِن استوى الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها). اهـ.

وحكى البيهقي ما يشبه هذا عن الشافعي فقال (2/ 295): (

قال الشافعي: فإِن لم يكن له حاجة في ناحية وكان يتوجه ما شاء: أحببت أن يكون توجهه عن يمينه لما كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ من التيامن غير مضيق عليه في شيء من ذلك). اهـ.

وجمع الحافظ في الفتح (2/ 338): فمما قال -بعد أن ساق قول النووي السابق ذكره-:

ويمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر، وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد، لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره، ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر.

ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس

إلخ.

كذا في الفتح، وليس المقصود الاعتقاد الذي هو علم التوحيد كما هو بين من السياق والصحابة رضي الله عنهم متفقون في أمور الاعتقاد لا خلاف بينهم فيها.

ثم ظهر لي أن يمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن من قال كان أكثر انصرافه عن يساره، نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومن قال كان أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حالة استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة،

ثم ذكر نحو ما نقله البيهقي عن الشافعي. اهـ.

وحكى التخيير صاحب المغني (1/ 599)، والكاساني في بدائع الصنائع (1/ 160)، والذي يظهر لي أن الأول والثاني أقوى وجوه الجمع.=

ص: 269

= أما الثالث ففيه تقديم اعتقاد ابن مسعود على أنس عن التعارض، والذي يظهر لي أنه حتى وإن كان على ما وصف الحافظ من كونه أعلم، وأسن، وأجل، وأكثر ملازمة، فإِنه لا تعارض، فأنس خادمه في البيت يراه وهو يصلي السنن من الليل والنهار، وابن مسعود يراه في المسجد، وابن مسعود رضي الله عنه خفيت عليه سنة القبض على الركب وإنها ناسخة للتطبيق مع أنها في المسجد، ولا حاجة للترجيح فلا تعارض بحمد الله، وقد جمع النووي والحافظ رحمهما الله جمعًا جيدًا كما تقدم.

ص: 270

24 -

بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْره، وَجَوَازِ الركوع عند سجود (1) التِّلَاوَةِ

547 -

قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال (2): سمعت الأسود يحدث عن عبد الله رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي السُّورَةِ يَكُونُ آخِرَهَا السُّجُودُ قَالَ: "اقْرَأْ وَاسْجُدْ، ثُمَّ قُمْ فَاقْرَأْ وَارْكَعْ، وَإِنْ شِئْتَ: فَارْكَعْ فِي الْأَعْرَافِ، وَالنَّجْمِ، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَأَشْبَاهِهِنَّ".

* هَذَا إِسناد صَحِيحٌ موقوف.

(1) في (ك): "سجدة".

(2)

قوله: "قال" ساقط من (عم) و (سد).

ص: 271

547 -

تخريجه:

الحديث أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/ 347: 5918): قال أخبرنا معمر عن أبي إسحاق: سمعته يقول: قال ابن مسعود: (إذا كانت السجدة آخر السورة فاركع إن شئت أو اسجد فإِن السجدة مع الركعة). قلت: من حدثك هذا يا أبا إسحاق؟ قال: أصحابنا علقمة والأسود، والربيع بن خثيم.

وبرقم (5919) قال: عن الثوري عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله قال:"إذا كانت السجدة خاتمة السورة فإِن شئت ركعت، وإن شئت سجدت".=

ص: 271

= وهو من طريق عبد الرزاق: صحيح.

والبيهقي في الكبرى (2/ 323) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ العباس بن الفضل، ثنا يوسف بن موسى، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله في الرجل يقرأ السورة آخرها السجدة قال:"إن شاء ركع وإن شاء سجد".

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 286) بألفاظ متعددة عن ابن مسعود وعزاه للطبراني في الكبير قال:

وعن عبد الله بن مسعود: "أنه كان يسجد في النجم واقرأ باسم ربك الذي خلق". رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

وعنه قال: "من قرأ سورة الأعراف أو النجم أو اقرأ باسم ربك أو إذا السماء انشقت أو بني إسرائيل فشاء أن يركع بآخرهن ركع أجزأه سجود الركوع، وإن سجد فليضف إليها سورة أخرى".

وعنه قال: "من قرأ الأعراف والنجم واقرأ باسم ربك الذي خلق، فإِن شاء ركع بها وقد أجزأ عنه وإن شاء سجد ثم قام فقرأ السورة وسجد".

رواهما الطبراني في الكبير ورجالهما ثقات إلَّا أنهما منقطعان بين إبراهيم وابن مسعود.

وعن ابن مسعود قال: "إذا كانت السجدة آخر السورة فاركع إن شئت أو اسجد فإِن السجدة مع الركعة".

رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. اهـ. بتصرف.

وهو في المطبوع من المطالب (1/ 127: 466) في الباب نفسه.

هذا فيما يتعلق بالشق الأول من الحديث.

أما قوله: (وإن شئت

الحديث).

فإِن السجود في النجم قد أخرجه البخاري: انظر صحيحه مع الفتح (2/ 553):=

ص: 272

= قال: باب سجدة النجم. قاله ابن عباس رضي الله عنهما عن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ (1070):) حدثنا حفص بن عمر، قال حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق عن الأسود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سورة النجم فسجد بها، فما بقي أحد من القوم إلَّا سجد، فأخذ رجل من القوم كفًا من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا، فلقد رأيته بعد قتل كافرًا"). اهـ.

والأعراف من طريق ابن مسعود هذا، وسورة "اقرأ" في شرح معاني الآثار للطحاوي عن ابن عمر (1/ 356، 357)، وعن أبي هريرة من طرق متعددة.

ص: 273

الحكم عليه:

الحديث إِسناده صحيح لذاته موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه كما وصفه الحافظ.

ص: 273

548 -

وَقَالَ مُسَدَّدٌ: أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَجُلَيْنِ: كِلَاهُمَا خَيْرٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: (أَنَّ احدَهُما سَجَدَ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (1)، أو في (2){اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (3)، ولم يسجد الآخر، فكان الذي سجد (4) أَفْضَلَ مِنَ الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ، فإِن لَمْ يكن [عمر رضي الله عنه] (5) فهو: خير من عمر رضي الله عنه.

(24)

وحديث عمر رضي الله عنه في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} (6) تقدم في القراءة في الصلاة (7).

(1) سورة الانشقاق: الآية (1).

(2)

في (عم): "أفي" بدون واو، وفي (حس):"وفي".

(3)

سورة العلق: الآية (1).

(4)

في (ك): "يسجد".

(5)

ما بين المعكوفتين ساقط من (عم) و (سد).

(6)

في (ك): زيادة "وفي الحج".

(7)

انظر الحديث رقم (429).

ص: 274

548 -

تخريجه:

أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 358) قال: (حدثنا ابن أبي داود، قالا -كذا فيه-: ثنا مسدد، قال: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ محمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (عَنِ رَجُلَيْنِ، كِلَاهُمَا خَيْرٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَحَدَهُمَا سَجَدَ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} وَفِي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} وكان الذي سجد أَفْضَلَ مِنَ الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ، فإِن لَمْ يكن عمر، فهو خير من عمر). اهـ.

وشيخ الطحاوي هنا هو: إبراهيم بن سليمان بن سليمان بن داود: أبو إسحاق بن أبي داود الأسدي المعروف بالبرلسي: ثقة له ترجمة في المباني=

ص: 274

= (1/ 119)، وقد أكثر الطحاوي عنه وكان راويًا حافظًا.

والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 323) قال: (أخبرنا أبو سعيد ابن أبي عمرو، ثنا أبو عبد الله الصفار، ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ثنا مسلم (ح وأخبرنا) أبو نصر بن قتادة، أنبأ أبو علي حامد بن محمد الرفاء، أنبأ علي بن عبد العزيز، أنبأ مسلم بن. إبراهيم، ثنا عبد الله بن بكر المزني، ثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "حدثني رجلان كلاهما خير مني -إن لم يكن أظنه قال: أبو بكر أو عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فلا أدري من هو- أَنَّ أَحَدَهُمَا سَجَدَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وفي اقرأ باسم ربك الذي خلق.

قال وكان عبد الله بن مسعود: إذا قرأ النجم مع القوم سجد، وإذا قرأها في الصلاة. وكان ابن عمر: إذا وصل إليها قرآنا سجد، وإذا لم يصل إليها قرآنًا ركع.

وكان عثمان رضي الله عنه إذا قرأها سجد، ثم يقوم فيقرأ بالتين والزيتون أو سورة تشبهها. قال: وسجد بها النبي صلى الله عليه وسلم. وفي حديث البرتي: إِنْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أو عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. اهـ.

وأخرجه النسائي (2/ 161): بنحوه مختصرًا، قال: أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا قرة بن خالد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: سجد أبو بكر وعمر رضي الله عنه في إذا السماء انشقت ومن هو خير منهما.

وفي (2/ 162) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا المعتمر، عن قرة، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سجد أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما ومن هو خير منهما صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك.

وأصل هذين الحديثين موجود في الصحيحين وغيرهما: انظر صحيح البخاري مع الفتح (2/ 559)، وصحيح مسلم بشرح النووي (5/ 76 - 78)، وجامع الترمذي (2/ 462)، وما بعدها (573)، وسنن أبي داود مع العون (4/ 283) وما بعدها (1394).=

ص: 275

= وأخرجه البيهقي في الكبرى (2/ 316) قال: أخبرنا أبو بكر بن فورك، أنبأ عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا قرة، ثنا محمد بن سيرين به بمثل لفظ النسائي إلَّا أنه جمع بين الروايتين عنده في سياق وإسناده واحد.

وهو في المطبوع من المطالب (1/ 128: 567) في الباب نفسه، وقدم باب سجود التلاوة على باب التسليم، ذكره بنحوه باختلاف يسير.

ثم قال المحقق في الهامش: قال البوصيري: رواه مسدد موقوفًا بسند صحيح. اهـ.

ص: 276

الحكم عليه:

الحديث -كما قال البوصيري رحمه الله إِسناده صحيح لذاته موقوف عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما.

ص: 276

549 -

أخبرنا (1) يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه النَّجْمَ، فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ سُورَةً أُخْرَى".

(1) القائل أخبرنا: هو مسدد.

ص: 277

549 -

تخريجه:

الحديث أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 355) قال: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رأيت عمر رضي الله عنه يسجد في "النجم" في صلاة الصبح، ثم استفتح في سورة أخرى.

وقال أيضًا: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أنا مالك، عن الزهري، عن الأعرج به بلفظ "صلَّى بنا عمر رضي الله عنه فقرأ النجم، فسجد فيها".

والبيهقي في الكبرى (2/ 314) قال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأ أبو عمرو بن نجيد، ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا ابن بكير، ثنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج به، بنحو لفظ مسدد باختلاف يسير.

وهو في المطبوع من المطالب (1/ 128: 468): بمثله ثم قال المحقق: قال البوصيري: بسند الصحيحين. اهـ.

ص: 277

الحكم عليه:

إِسناده صحيح لذاته، مسلسل بالثقات الأثبات.

ص: 277

550 -

حَدَّثَنَا (1) عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ الْبَاهِلِيِّ، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنه، قَالَ:"إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ جَلَسَ لَهَا".

(1) القائل حدثنا: هو مسدد.

ص: 278

550 -

تخريجه:

الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 5) قال: حدثنا وكيع عن أبي العوام، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"إِنَّمَا السجدة على من جلس لها" وإِسناده صحيح. وأخرجه أيضًا في موضع آخر قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عباس به بمثله، وإسناده صحيح.

وعبد الرزاق في المصنف (3/ 345: 5908) قال: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عباس به بمثله وزاد:"فإِن مررت فسجدوا فليس عليك سجود".

والبيهقي في الكبرى (2/ 324) قال: وعن سفيان، ثنا ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فذكره بمثل لفظه عند مسدد وابن أبي شيبة.

وهو في المطبوع من المطالب (1/ 128: 469) بمثله.

ص: 278

الحكم عليه:

إِسناده من طريق مسدد صحيح لذاته إن كان عبد الله هو الخريبي، وحسن لذاته إن كان ابن أبي كثير.

وبمتابعاته عند ابن أبي شيبة وعبد الرزاق يرتقي إلى الصحيح.

وقد روى نحوه عنه سلمان الفارسي، وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهم عند عبد الرزاق وغيره.

ص: 278

551 -

[1] وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا عِيسَى بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ رَجُلٍ يُقَالَ لَهُ: حُمَيْدٌ: أَبُو (1) عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "سَجَدَ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} عَشْرَ مَرَّاتٍ".

[2]

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أبو بكر فذكره.

(1) كذا وقعت: "أبو"، ولعلها:"ابن".

ص: 279

551 -

تخريجه:

هو في مسند أبي يعلى (2/ 162: 854) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا بكر بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى، عن حميد بن أبي عبد الله، عبد أبي سلمة، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"رأيته يسجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} عشر مرار".

أخرجه البزار في مسنده. انظر كشف الأستار (1/ 360: 752) باب سجود التلاوة، قال: حدثنا محمد (قال محققه: صوابه: محمود) بن بكر بن عبد الرحمن، ثنا أبي بكر بن عبد الرحمن، عن عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن حميد بن عبد الله، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبيه، قَالَ:"رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}، عَشْرَ مَرَّاتٍ".

قال البزار: هكذا رواه ابن أبي ليلى، ورواه الثوري عن حميد عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

وزوائد البزار لابن حجر (ص 1147/ 509) قال ابن حجر بعد ما ساقه: ونقل كلام البزار: (قلت: حديث أبي هريرة في الصحيح من غير عدد). اهـ.

وبمقارنة إِسناده عند أبي يعلى مع إِسناده عند الحافظ في المطالب، وعند البزار يتبين أنه قد سقط من إِسناده عند أبي يعلى: عيسى بن المختار. نبه على هذا محقق=

ص: 279

= زوائد البزار لابن حجر فقال (ص 1148): (قلت هكذا الإِسناد عند أبي يعلى، وقد سقط منه راويان كما يظهر من سنده عند البزار، ولأن بكر بن عبد الرحمن متأخر لا يروي عن ابن أبي ليلى مباشرة؛ حيث كانت وفاة ابن أبي ليلى (148)، وتوفي بكر عام (219) كما في التهذيب، ولم ينتبه لهذا الأمر محقق المقصد العلي). اهـ.

وذكره الهيثمي في المقصد العلي (1/ 416: 416) بمثله دون قوله عشر مرار، وقال:(ليس في إِسناد أبي يعلى مجهول). اهـ.

وقد تقدم أن حميد بن عبد الله مجهول وصفه بذلك الحافظ وغيره، ولينه بعضهم.

وحكلى ذلك الذهبي في المغني فقال (1/ 196: 1789): حميد الشامي روى عنه ابن جحادة خبرًا منكرًا في ذكر فاطمة، لا يعرف: ولينه بعضهم. اهـ.

قلت: وهو بلا شك مجهول. نص على هذا الإِمام أحمد وغيره كما تقدم في ترجمته. ومقتضى كونه مجهولًا أن يُلَيَّن فلا تعارض.

وذكره في مجمع الزوائد (2/ 286) دون قوله: (عشر مرات) ثم قال: رواه أبو يعلى، والبزار. وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام، وأبو سلمة: لم يسمع من أبيه رضي الله عنه. اهـ.

وهو في المطبوع من المطالب (1/ 128: 470) وقال المحقق: أخرجه أبو يعلى والبزار، وليس عندهما:"عشر مرات" كما في الزوائد (2/ 286).

قال البوصيري: رواه أبو يعلى بسند ضعيف لجهالة بعض رواته، وفي سند البزار محمد بن أبي ليلى.

ص: 280

الحكم عليه:

إِسناده من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ضعيف لحال ابن أبي ليلى، وجهالة حميد، وانقطاعه بين أبي سلمة وأبيه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

على أنه يظهر لي -والله أعلم- أن إضافة عبد الرحمن رضي الله عنه وهم=

ص: 280

= وغلط من ابن أبي ليلى رحمه الله، وقد أخرجه جمع من الأئمة وعلى رأسهم البخاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، انظر صحيحه مع الفتح (2/ 556: 1074)، دون قوله عشر مرات.

وقد أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 358) له طرقًا عدة عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنِ عطاء بن مينا عن أبي هريرة، ليس في شيء منها ابن أبي ليلى.

ومداره في الطرق التي تقدمت في تخريجه عليه.

ومجرد السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} قد مضى ما يشهد له، وكذا ما تقدم عند البخاري، والطحاوي وغيرهما.

أما كونه عشر مرات فهذا ما لم أجد ما يشهد له.

وطريقه عند أبي يعلى إضافة إلى ما تقدم من علله عند ابن أبي شيبة فإِن فيه سقطًا كما تقدم. فإِسناده عنده ضعيف أيضًا.

وبشواهده يرتقي دون قوله عشر مرات إلى الحسن لغيره.

وانظر في شواهده: صحيح مسلم بشرح النووي (5/ 76)، سنن النسائي (2/ 161)، وجامع الترمذي (2/ 462: 573)، والكبرى للبيهقي (2/ 315)، وغيرها.

ص: 281

552 -

[1] وَقَالَ مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عن الحسن وأبي قِلَابَةَ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: "لَيْسَ فِي المُفَصَّلِ (1) سُجُودٌ".

[2]

حَدَّثَنَا (2): حَمَّادٌ عن أيوب (3) عن أبي قلابة مثله.

(1) في (عم) و (سد): "الفصل" بدون ميم.

(2)

القائل حدثنا: هو مسدد.

(3)

في (عم) و (سد): "أبيه" بدلًا من "أيوب".

ص: 282

552 -

تخريجه:

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 6) قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن خالد، عن أبي قلابة والحسن قالا: قال عمر: "ليس في المفصل سجود".

وقال: حدثنا هشيم أنا خالد عن الحسن كان يقول: "ليس في العربي سجود يعني المفصل".

حدثنا عبدة عن سعيد عن قتادة، عن ابن المسيب وعكرمة والحسن قالوا:"ليس في المفصل سجود".

حدثنا الفضل بن دكين عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يسار قال: "سألت أبي بن كعب في المفصل سجود؟ قال: لا".

ونفي السجود فيه مروي عن طاوس، ومجاهد.

وإِسناده إلى أُبَيّ صحيح.

ومن حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 354) قال: حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أحمد بن الحسين اللهبي، قال: حدثني ابن أبي فديك، قال: حدثني داود بن قيس، به بمثله.

ثم نقل الطحاوي عن المعترض على وجود السجود في المفصل قال: قال: فأبي بن كعب قد قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كله، فلو كان في المفصل سجود إذًا لعله سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيه لما أتى عليه في تلاوته.=

ص: 282

= ثم قال الطحاوي: (ولا حجة له في هذا -عندنا- لأنه قد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك فيه، لمعنى من المعاني التي ذكرناها في الفصل الأول). اهـ.

والمعاني التي قصدها الطحاوي هي ما ذكره (ص352) وأذكر منها واحدًا هو الذي يبدو أنه أظهرها وهو قوله: (

ويحتمل أن يكون تركه، لأن الحكم كان عنده في سجود التلاوة أن من شاء سجد، ومن شاء تركه). اهـ.

وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/ 343: 5900) من حديث ابن عباس موقوفًا عليه، قال عبد الرزاق: عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عباس قال:"ليس في المفصل سجدة".

وعن معمر، عن أبي جمرة، الضُّبعي عن ابن عباس مثله.

وعن معمر، عمن سمع أنسًا والحسن يقولان:"ليس في المفصل سجدة".

وإِسناده عن ابن عباس صحيح من كلا الطريقين.

وعن أنس والحسن فيه مبهم.

وفي جامع الأصول (5/ 561: 3801) ذكر عن ابن عباس وعزاه لأبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة".

قال المحقق (هامش 2): وفي إِسناده ضعف.

قلت: وإسناده عنده: حدثنا محمد بن رافع، أخبرنا أزهر بن القاسم -قال محمد: رأيته بمكة- أخبرنا أبو قدامة عن مطر الوراق، عن عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة".

قال في عون المعبود (4/ 280): قال التوربشتي: هذا الحديث إن صح لم يلزم منه حجة: لما صح عن أبي هريرة قال: "سجدنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} وَفِي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} وأبو هريرة متأخر".

قال ابن عبد الملك: ولأن كثيرًا من الصحابة يروونها فيه فالإِثبات أولى بالقبول.=

ص: 283

= قال النووي: هذا حديث ضعيف الإِسناد، ومع كونه ضعيفًا مناف للمثبت المقدم عليه، فإِن إسلام أبي هريرة سنة سبع، وقد ذكر أنه سجد مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الانشقاق، واقرأ، وهما من المفصل. وعلى أن الترك يحتمل أن يكون لسبب من الأسباب. اهـ.

وبنحوه قال المنذري إذا استدل بتأخر إسلام أبي هريرة وقدومه سنة سبع من الهجرة، وانظر عون المعبود (4/ 280، 281).

وقال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن ط مع عون المعبود (4/ 280): وقال الإِمام أحمد: أبو قدامة مضطرب الحديث. وقال يحيى بن معين: ضعيف. وقال النسائي: صدوق، عنده مناكير. وقال البستي: كان شيخًا صالحًا ممن كثر وهمه.

وعَلَّله ابن القطان بمطر الوَرّاق، وقال: يشبه في سوء الحفظ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لِيَلَى، وقد عيب على مسلم إخراج حديثه، وضعف عبد الحق هذا الحديث. اهـ. وهو في المطبوع من المطالب (1/ 128: 471) بمثله وعزاه لمسدد.

وقال في الهامش (6): قال البوصيري: رجاله ثقات. اهـ.

قلت: لكنه منقطع بين الحسن البصري وأبي قلابة وبين عمر رضي الله عنه.

ص: 284

الحكم عليه:

إِسناده ضعيف لانقطاعه.

وما صح عن بقية الصحابة، فتقدم أنه نافٍ، والمثبت مقدم عليه، على أن ما ورد عن زيد بن ثابت: كان يقرأ والنبى صلى الله عليه وسلم يستمع فلما لم يسجد لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يشعر أيضًا قول أبي داود بعد سياقته للحديث (قال أبو داود: كان زيد الإِمام فلم يسجد فيها). اهـ.

انظر: السنن مع عون المعبود (4/ 281). فتبعه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ؛ لأنها لا تلزم وإنما هي مستحبة.

وقول عمر الذي تقدم إيراده عند البخاري يشعر بهذا أيضًا.

ص: 284

553 -

وقال الحارث: حدثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن ابن خُزَيمة، عن عمه قال:"أَنَّ خُزَيْمَةَ رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ: أَنَّهُ سَجَدَ (1) عَلَى جَبْهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فاضْطَجَع له (2) صلى الله عليه وسلم وقال: (صَدَّق رُؤْيَاك"، فسجد على جبهته".

(1) في (عم) و (سد): "يسجد" بصيغة المضارع.

(2)

في (عم) و (سد) لا يوجد قوله: "له".

ص: 285

553 -

تخريجه:

أخرجه الإِمام أحمد في مسنده (5/ 216) قال: ثنا سكن بن رافع أبو الحسن الباهلي، ثنا صالح يعني ابن أبي الأخضر، عن الزهري، أخبرني عمارة بن خزيمة، رأى في المنام أنه يسجد على جبهة رسول الله-صلى الله عليه وسلم قال:"فأتى خزيمة رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ قال: فاضطجع رسول الله-صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: صدق رؤياك فسجد على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وأخرجه أيضًا في (5/ 216) قال: ثنا عامر بن صالح الزبيري، حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري به بنحوه.

وشيخه هو: عامر بن صالح الزبيري قال فيه الحافظ في التقريب (287: 3096): عامر بن صالح بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ القرشي الأسدي الزبيري أبو الحارث المدني، نزل بغداد، متروك الحديث أفرط فيه ابن معين، فكذبه، وكان عالمًا بالأخبار. اهـ.

وفي (5/ 214): قال: ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، أنا أبو جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة بن ثابت أن أباه قال:(رأيت في المنام أني أسجد عَلَى جَبْهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فأخبرت بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الروح لا تلقى الروح"، وأقنع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه هكذا فوضع جبهته عَلَى جَبْهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم).

كذا في المسند "لا تلقى"، وفي معرفة الصحابة وفي الفتح الرباني (ليلقى الروح)، وهو أولى، انظر: الفتح الرباني (17/ 217).=

ص: 285

= وفي (5/ 215) قال: ثنا عثمان بن عمر-هو ابن فارس-، أنا يونس عن الزهري، عن ابن خزيمة بن ثابت الأنصاري -صاحب الشهادتين- عن عمه أن خزيمة بن ثابت الأنصاري: "رأى في المنام أنه سجد على جبهة رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

" الْحَدِيثَ.

قال الشيخ أحمد البنا رحمه الله: تقدم في الطريق الأولى أن ابن شهاب قال: أخبرني عمارة بن خزيمة عن عمه، عن خزيمة بن ثابت، وفي هذا الطريق قال: أخبرني عمارة بن خزيمة أن خزيمة رأى في المنام

إلى آخره. ولا بأس بذلك:

فإِنه يجوز أن عمارة روى هذا الحديث مرتين، مرة عن خزيمة بواسطة عمه، ومرة عن خزيمة مباشرة بغير واسطة، فروى ابن شهاب الروايتين عنه كما سمع، والله أعلم. اهـ.

قلت: هذا لا يستقيم إذ من شرط هذه الصورة أن يرد في موضوع الزيادة في الطريق الخالي منها بصيغة أداء تدل على الاتصال كحدثني أو حدثنا، أو سمعت، أو أخبرنا، أو نحوها، وهنا لم يرد شيء من هذا بل قال "أن" وحكمها كـ"عن" على رأي الأكثرين، وعليه فالطريق الخالي من عمه منقطع وإن كان الواسطة صحابيًا هنا، وقد عرف.

وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (ق 211): قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ ثنا الْحَارِثُ بن أبي أسامة، ثنا عثمان بن عمر، ثنا يونس بن يزيد به بمثله. ثم قال: ورواه حماد بن سلمة: حدثناه سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن العباس، ثنا سريج بن النعمان ح.

وحدثنا ابن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا عفان، قالا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الخطمي، عن عمارة بن خزيمة أن أباه قال: (رأيت في المنام

) فذكر نحوه، وَزَادَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم:"الروح لا تلقى الروح. فأقنع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه هكذا، وأمره أن يسجد من خلفه على جبينه".=

ص: 286

= ورواه شعبة عن أبي جعفر الخطمي فقال: سمعت عمارة عن يحيى بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خزيمة.

وقوله فأقنع رأسه: أي رفعه. انظر: مفردات الراغب (413)، مادة:(ق ن ع).

وذكره الهيثمي في بغية الباحث (2/ 325: 2238): باب في السجدة الواحدة قال: حدثنا عثمان بن عمر به بمثله.

وفي مجمع الزوائد (9/ 320): في المناقب: باب ما جاء في خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: بنحوه ثم قال: (رواه أحمد عن شيخه عامر بن صالح الزبيري، وثقه أحمد وغيره وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات. وقد تقدمت له طرق في التعبير). اهـ.

وهو في المطبوع من المطالب (1/ 128: 472): بمثله وعزاه للحارث.

ص: 287

الحكم عليه:

الحديث إِسناده صحيح لذاته.

ويونس وإن كان قد استنكر الأمام أحمد وغيره بعض حديثه إلَّا أن الإِمام أحمد أخرج حديثه هذا في غير ما موضع من مسنده.

يضاف إلى هذا أنه قد توبع عليه ووافقه غيره كما مر من عرض طرقه عند الإِمام أحمد، ومنها متابعة صالح بن أبي الأخضر له -وهو كما تقدم ضعيف يعتبر به-، وحماد بن سلمة، وغيرهما.

ص: 287

554 -

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا الْيَمَانُ بْنُ نَصْرٍ (1): صَاحِبُ الدَّقِيقِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ (2) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف (قَالَ) (3): سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ رضي الله عنه يَقُولُ: (رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي تَحْتَ شَجَرَةٍ، وَكَأَنَّ الشَّجَرَةَ (4) تَقْرَأُ (ص)، فَلَمَّا أَتَتْ عَلَى السَّجْدَةِ: سَجَدَتْ فَقَالَتْ فِي سُجُودِهَا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي بِهَا ذَنْبًا (5)، اللَّهُمَّ حُطَّ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَأَحْدِثْ لِي بِهَا شُكْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي: كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ سجدتَهُ. فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: سَجَدْتَ أَنْتَ يَا أَبَا سعيد (6)؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّكَ (7) أَحَقُّ بِالسُّجُودِ مِنَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةَ (ص)، ثم أتى على السجدة، (و)(8) قال فِي سُجُودِهِ مَا قَالَتِ الشَّجَرَةُ فِي سُجُودِهَا".

(1) في النسخ الأربع للمطالب: "نفير" بالنون الموحدة والفاء الموحدة، وزيادة ياء تحتية مثناة، وما أثبته من مسند أبي يعلى وكتب التراجم.

(2)

في النسخ الأربع (سعيد) بزيادة ياء، وما أثبته من مسند أبي يعلى.

ونسبته هنا ليست في شيء من النسخ، وفي المسندة المزي بالزاي والذي يظهر لي أنه المدني.

(3)

في مسند أبي يعلى (عم) و (حس) و (سد): زيادة "قال"، وهي ضرورية.

(4)

في (حس): "شجرة" بالتنكير بدون الألف واللام، وفي المسند وبقية النسخ بإثباتها.

(5)

قوله: "ذنبًا" ليس في مسند أبي يعلى.

(6)

في (سد): "يا سعيد" بدون لفظ الكنية "أبا".

(7)

في مسند أبي يعلى: "فأنت" بدلًا من: "فإنك".

(8)

الواو ليست في نسخ المطالب الأربع، وهي في مسند أبي يعلى، وهي ضرورية.

ص: 288

554 -

تخريجه:

هو في مسند أبي يعلى (2/ 330: 1069): قال: حدثنا الجراح بن مخلد به بمثله.=

ص: 288

= وذكره الهيثمي في المقصد العلي (1/ 415: 414): في باب سجود التلاوة سجدة (ص). بنحوه باختلاف يسير.

وفي مجمع الزوائد (2/ 284): في الباب الثالث من سجود التلاوة بنحوه باختلاف يسير. ثم قال: (رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط إلَّا أنه قال: قالت: اللهم اكتب لي بها أجرًا، والباقي بنحوه، وفيه اليمان بن نصر: قال الذهبي: مجهول). اهـ.

وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/ 337: 5869): قال: عن ابن عيينة عن عاصم بن سليمان، عن بكر بن عبد الله بن المزني "إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! رأيت كأن رجلًا يكتب القرآن وشجرة حذاءه فلما مر بموضع السجدة التي في (ص) سجدت، وقالت: اللهم أحدث لي بها شكرًا، وأعظم لي بها أجرًا، واحطط بها وزرًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنحن أحق من الشجرة".

وقد أرسل بكر عن أبي ذر رضي الله عنه. انظر: جامع التحصيل (150: 65).

وله رواية عن عدد من الصحابة، ولم يذكر المزي فيهم أبا سعيد الخدري.

انظر: (1/ 157). وأبو سعيد رضي الله عنه توفي سنة ثلاث، أو أربع، أو خمس

وستين على الصحيح وقيل أربع وسبعين، في حين توفي بكر سنة (106)، والفرق بين الوفاتين قرابة 42 سنة فيبعد أن يكون قد روى عنه.

وممن رجح انقطاعه البيهقي فقد:

أخرجه في معرفة السنن والآثار (1/ 5: 242/ ب) من نسخة أحمد الثالث، وفي (ص 479) من النسخة الأخرى: باب السجود في (ص): قال: (أخبرنا إبراهيم ابن محمد، قال أخبرنا شافع، قال: أخبرنا أبو جعفر، قال: حدثنا المزني، قال: حدثنا الشافعي، قال: أخبرنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: حدثنا الشافعي، قال: أخبرنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: "رأيت كأن رجلًا يكتب القرآن:=

ص: 289

= فلما مر بالسجدة التي في (ص) سجدت الشجرة فقالت: "اللهم أعظم لي بها أجرًا، واحطط بها وزرًا، وأحدث بها شكرًا". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق بالسجود من الشجرة. فسجدها وأمر بالسجود".

ثم قال البيهقي: (هذا منقطع، ورواه حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال: أخبرني مخبر عن أبي سعيد الخدري قال: رأيت في المنام كأني أقرأ سور (ص) فلما أتيت على السجدة سجد كل شيء رأيت: الدواة والقلم واللوح، فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأمر بالسجود فيها".

أخبرناه: أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق [الفقيه قال: أخبرنا يوسف بن يعقوب، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا هشيم]، قال: أخبرنا حميد: صح). اهـ.

ومن قوله الفقيه إلى هشيم سقط من نسخة أحمد الثالث وتم استدراكه من حاشية النسخة الأخرى من كتاب المعرفة.

وممن نبه على الانقطاع أيضًا الدارقطني، في العلل (4/ ق 2/ أ): عندما (سئل عن حديث بكر بن عبد الله المزني، عن أبي سعيد قال: "رأيتني في المنام كأني أتيت على السجدة في (ص) فسجد كل شيء رأيته، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بالسجدة فيها".

فقال: يرويه حميد الطويل، وعاصم الأحول، ومحمد بن جحادة عن بكر، واختلفوا فيه:

فرواه حميد الطويل واختلف عنه:

فقال هشيم: عن حميد، عن بكر، عن أبي سعيد.

وقال مسدد عن هشيم، عن حميد، عن بكر، عن رجل، عن أبي سعيد أرسله ابن أبي عدي.

وحماد بن سلمة، عن حميد، عن بكر أن أبا سعيد رأى فيما يرى النائم.=

ص: 290

= وقال ابن جحادة عن بكر أن أبا موسى الأشعري: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال عاصم: عن بكر إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمه. وقول مسدد: عن هشيم: أشبهها بالصواب). اهـ.

فترجيح الدارقطني لطريق مسدد وفيه وجود رجل بين بكر وأبي سعيد: مصير منه إلى القول بانقطاعه في الطرق التي خلت منه.

وهذه الرواية الأخيرة عن أبي سعيد والتي فيها سجود الدواة واللوح والقلم والتي رجحها الدارقطني، أخرجها عدد، منهم:

البيهقي في السنن الكبرى (2/ 320): قال:

أخبرنا أبو الحسن: علي بن محمد المقري، أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاق، ثنا يوسف بن يعقوب، ثنا مسدد، ثنا هشيم، نبا حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال: أخبرني مخبر عن أبي سعيد فذكره بمثله، إلَّا أنه قال: رسول الله، بدلًا من النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن حديث ابن عباس:

أخرجه الترمذي في جامعه (2/ 472: 579): باب ما يقول في سجود القرآن قال: (حدثنا قتيبة، حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس، حدثنا الحسن بن محمد بن عبيد الله بن يزيد، قال: قال لي ابن جريج: يا حسن: أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة، فَسَجَدْتُ، فَسَجَدَت الشجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول:

"اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود".

قال الحسن: قال لي ابن جريج: قال لي جدك، قال ابن عباس: فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد، قال فقال ابن عباس فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عند قول=

ص: 291

= الشجرة".

قال: وفي الباب عن أبي سعيد.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث ابن عباس، لا نعرفه إلَّا من هذ الوجه). اهـ.

قال الشيخ أحمد شاكر: (وهو حديث صحيح). اهـ. وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي. وستأتي طرقه عندهم.

وحسنه النووي في الخلاصة (ق 90/ أ):

وأما ابن خزيمة فقد أخرجه في صحيحه (1/ 282: 562): باب الذكر والدعاء في السجود عند قراءة السجدة قال: نا الحسن بن محمد، نا محمد بن يزيد بن خنيس، قال: قال لي ابن جريج، قال: حدثني ابن عباس: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي رأيت في هذه الليلة فيما يرى النائم: كأني أصلي خلف شجرة، فرأيت كأني قرأت سجدة فسجدت، فرأيت الشجرة كأنها تسجد بسجودي، فسمعتها، وهي ساجدة، وهي تقول: "اللهم اكتب لي عندك بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وضع عني بها وزرًا، واقبلها مني كما قبلت من عبدك داود".

قال ابن عباس: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ السجدة ثم سجد، فسمعته -وهو ساجد- يقول مثل ما قال الرجل عن كلام الشجرة". وانظر: رقم (563) عنده.

قال المحقق: إِسناده صحيح، وعزاه للترمذي.

ومن طريقه:

أخرجه ابن حبان في صحيحه: انظر: الإحسان (4/ 189: 2757): باب ذكر ما يدعو المرء به في سجود التلاوة في صلاته: قال: أخبرنا ابن خزيمة قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح به بنحوه باختلاف يسير.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 219): باب التأمين قال: أخبرنا=

ص: 292

= عبد الصمد بن علي بن مكرم البزاز، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا محمد بن يزيد بن خنيس به بنحوه. ثم قال: (

هذا حديث صحيح، رواته مكيون لم يذكر واحد منهم بجرح، وهو من شرط الصحيح، ولم يخرجاه). اهـ.

ووافقه الذهبي فقال: "صحيح. ما في رواته مجروح). اهـ.

وأشار إليه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 147): قال: (محمد بن عبد الرحمن بن عوف، سمع أبا سعيد الخدري: سجد النبي صلى الله عليه وسلم في (ص). قاله لي عمرو بن علي قال: حدثنا يمان بن نصر، قال: حدثنا عبد الله المدني، قال: حدثنا محمد بن المنكدر، عن محمد).

قال: (وروى عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن: أن عبد الرحمن قال: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِي سجدة الشكر). اهـ. فهذا الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه في السجود في (ص)، من حمل السجدة على أنها سجدة شكر لا سجدة تلاوة استدلالًا بقوله صلى الله عليه وسلم في سجدة (ص):"سجدها داود توبة، وسجدتها شكرًا" أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن عمر بن ذر عن أبيه به.

انظر: المصنف (3/ 338: 5870)، وأخرجه أبو داود من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:

"قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سورة (ص)، وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة نزل فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تَشَزَّن الناس للسجود، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزنتم فنزل فسجد وسجدوا". وانظر: جامع الأصول (5/ 556: 3792)، والمعر فة (1/ ق 243/ أ).

وأخرج النسائي (2/ 159) في باب سجود القرآن: السجود في (ص): قال: أخبرني إبراهيم بن الحسن المقسمي، قال: حدثنا حجاج بن محمد عن عمرو ابن ذر، عن أبيه، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:"سَجَدَ في (ص) وقال سجدها داود توبة ونسجدها شكرًا".=

ص: 293

= وإسناده صحيح، وقال النووي في الخلاصة بعد أن ساقه: رواه أبو داود بإِسناد صحيح على شرط البخاري. انظر: الخلاصة (ق 89/ ب): باب عدد السجدات.

وقد استدل قوم بهذا الحديث برواياته المتعددة على أن سجدة (ص) ليست من سجود التلاوة في شيء وإنما هي سجدة شكر. على أن الذي يظهر لي هو كونها سجدة شكر وتلاوة أيضًا فقد روى البخاري في صحيحه. انظر: الصحيح مع الفتح (2/ 552): باب سجدة ص: من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "ص ليس من عزائم السجود، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: يسجد فيها". وأخرجه الترمذي في جامعه (2/ 469: 577)

والإمام البخاري يبرز فقهه في تراجمه وقد جعل باب سجدة ص أحد أبواب سجود التلاوة لكنها كما يشعر به معنى الحديث ليست من العزائم قال الحافظ في الفتح (2/ 552): (المراد بالعزائم ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلًا بناءً على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب). اهـ. ومن حملها على أنها سجدة شكر مقتصرًا. على هذا أي عدم اعتبارها سجدة تلاوة وقع في بعضهم في الخلط بين هذا المتن وبين متن حديث عبد الرحمن بن عوف في سجود الشكر وقد نبه على هذا ابن أبي حاتم في العلل (1/ 196): نقلًا عن أبيه قال: (سمعت أبي وذكر حديثًا رواه عمرو بن علي الصيرفي عن علي بن نصر عن عبيد الله المديني عن محمد بن عبد الرحمن بن عوف سمع أبا سعيد الخدري قال: "سجد النبي صلى الله عليه وسلم سجدة فأطال السجود حتى ظننت أن الله قبض روحه ثم رفع رأسه فسألته عن ذلك فقال: إن جبريل عليه السلام لقيني فقال: "من صلى عليك صلى الله عليه، ومن سلم عليك سلم الله عليه" أحسبه قال عشرًا فسجدت لله شكرًا.

ورواه عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فسمعت أبي يقول: حديث أبي سعيد وهم، والصحيح حديث عبد الرحمن بن عوف). اهـ.=

ص: 294

= أي أن هذا المتن إنما هو من حديث عبد الرحمن بن عوف.

وهذا السند هو سند حديث أبي يعلى ومتنه على الصحيح هو ما ورد عند أبي يعلى وغيره في السجود ص.

وثبوت السجود في ص استنبط أيضًا من قوله {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} .

روى البخاري في صحيحه بسنده إلى مجاهد قال: "سألت ابن عباس من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ

} الآية.

فكان داود ممن أُمِرَ نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يَقْتَدِى به، فسجدها داود فسجدها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".

انْظُرْ: الصحيح مع الفتح (8/ 554: 4807).

قال الحافظ في الفتح (2/ 553)، معلقًا على سبب الخلاف في مشروعية السجدة:

(وسبب ذلك كون السجدة التي في ص إنما وردت بلفظ الركوع فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة). اهـ.

والحديث ذكره الحافظ بمثله في المطالب -المطبوع- بمثله، وعزاه لأبي يعلى. انظر:(1/ 129: 473).

والهيثمي في مجمع البحرين (1/ ق 53/ أ): من طريق محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري بنحوه، ثم قال:(لا يروى عن أبي سعيد إلَّا بهذا الإِسناد).

ص: 295

الحكم عليه:

الحديث الباب إِسناده من طريق أبي يعلى ضعيف لجهالة اليمان بن نصر، وعبد الله المدني، وقد تقدم من متابعته وشواهده ما يرتقي به إلى الصحة.=

ص: 295

= وبمقارنة الروايات ببعضها يتبين أمور، منها:

1 -

قراءة الشجرة لسورة ص ليست إلَّا في طريق أبي يعلى، وعليه فإنها لا تثبت. ويؤيد هذا أيضًا أنه قال:"وكأن الشجرة تقرأ ص" فشبه ولم يجزم.

2 -

رواية أبي يعلى، وعبد الرزاق والبيهقي في المعرفة فيها زيادة "وأحدث لي بها شكرًا"، وهي ثابتة لوجود ما شهد لها.

3 -

في رواية أبي يعلى أن الشجرة تقرأ، وفي رواية عبد الرزاق والبيهقي في المعرفة: "أن رجلًا يكتب القرآن وشجرة حذاءه فلما مر بموضع السجدة التي في ص سجدت وقالت: اللهم

" الحديث.

وفي رواية الترمذي وطائفة أن رجلًا قال: "يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة، فسجدْتُ فسجدَتِ الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول

الحديث".

ففي الأولى قرأت الشجرة، وفي الثانية استعمت للقراءة ثم سجدت ودعت، والثالثة ائتمت بالقراءة والسجود، وأْتَمَّ الصحابي بالدعاء الذي قالته.

4 -

اتفقت الروايات تقريبًا في الباقي.

ص: 296