الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 - بَابُ مَا يَفْعَلُ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ
560 -
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا جَعْفَرٌ الْأَحْمَرُ، عَنْ أَبِي هَارُونَ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ".
* أَبُو هَارُونَ ضَعِيفٌ.
560 -
تخريجه:
أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 1733): قال:
ثنا الحسن، ثنا محمد بن عبيد، ثنا حماد بن زيد، ثنا أبو هارون العبدي به بمثله.
وذكره الهيثمي في مجمع البحرين (1/ ق 37/ ب): بسند الطبراني قال: أحمد بن القاسم بن مشاور، ثنا محمد بن إبراهيم أخو ابن معمر، ثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن أبي هارون العبدي به بمثله.
الحكم عليه:
وإِسناده ضعيف جدًا لحال أبي هارون العبدي.
لكن قد صح متنه بمثله عند البخاري وغيره من حديث أبي هريرة وغيره، أذكر هنا حديث أبي هريرة فقد:
أخرجه البخاري انظر صحيحه مع الفتح (3/ 77): باب التصفيق للنساء، قال:=
= حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:"التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء".
وفي الباب والصفحة أخرج أيضًا من حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه مثله.
ومن حديث أبي هريرة: أخرجه مسلم، انظر صحيحه مع شرح النووي (4/ 148)؛ وأبو داود، انظر سننه مع عون المعبود (3/ 316: 927)؛ والترمذي، انظر جامعه مع تحفة الأحوذي (2/ 366: 367)؛ ومسند أحمد (2/ 261)؛ والفتح الرباني (4/ 110)؛ وعبد الرزاق في المصنف من طرق عنه (2/ 456).
قال الترمذي -بعد أن ساق حديث أبي هريرة-: وفي الباب عن علي، وسهل بن سعد، وجابر، وأبي سعيد، وابن عمر
…
إلى أن قال:
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق. اهـ.
تتمة: هنا مسائل ثمان متعلقة بهذا الحديث:
المسألة الأولى:
حكم التصفيق في الصلاة لمن نابه شيء
اتفق الفقهاء على أن الرجل لو نابه شيء في صلاته فإِنه يشرع له التسبيح، أي يقول:"سبحان الله". وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء"(1) متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه سهل بن سعد رضي الله عنه:"إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء"(2).
وقد خالف في هذا الإِمام أبو حنيفة رحمه الله فيما لو كان التسبيح جوابًا، فإِنه=
(1) أخرجه البخاري، باب (التصفيق للنساء) 3/ 93، ومسلم في باب (تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة) 4/ 148.
(2)
أخرجه أبو داود والدارمي، وأصله في الصحيحين.
= يرى أنه يقطع الصلاة (1)، وسيأتي بحثه إن شاء الله.
أما التصفيق للنساء فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: ذهب الجمهور إلى مشروعية التصفيق للمرأة إذا نابها شيء في صلاتها.
أدلتهم:
1 -
ما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء"(2).
2 -
ما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ"(3).
3 -
ما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال"(4).
4 -
ما رواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: "رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للنساء في التصفيق وللرجال بالتسبيح"(5).
فقد دلت الأحاديث السابقة بمنطوقها على جواز التصفيق للمرأة.
القول الثاني: ذهب المالكية في المشهور عنهم إلى كراهية التصفيق للمرأة في الصلاة، وأن المشروع في حق الجميع التسبيح دون التصفيق.
دليلهم: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله"(6).=
(1) المغني، لابن قدامة 2/ 54.
(2)
أخرجه أبو داود والدارمي، وأصله في الصحيحين.
(3)
أخرجه البخاري، ومكانه في الفتح 3/ 93؛ وشرح مسلم للنووي 4/ 148.
(4)
انظر: الفتح الرباني 4/ 109.
(5)
الفتح الرباني مع شرحه 4/ 111.
(6)
المرجع السابق.
= وجه الدلالة: قوله صلى الله عليه وسلم: "من" فهي من صيغ العموم، فتشمل الرجال والنساء في التنبيه بالتسبيح في الصلاة. ولذا قال خليل -وهو من المالكية-: ولا يصفقن، أي النساء في صلاتهن لحاجة (1).
وقد أجاب أصحاب القول الثاني عن حديث: "التصفيق للنساء"، فقالوا: هو من شأنهن في غير الصلاة، وهو على جهة الذم له، ولا ينبغي فعله في الصلاة لرجل ولا امرأة (2).
مناقشة الجمهور لأدلة المخالفين وتأويلاتهم
1 -
رد الجمهور على استدلال أصحاب القول الثاني بحديث: "من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله" بأن دلالة العموم لفظية ووضعية، ودلالة المفهوم من لوازم اللفظ عند الأكثرين، وقد قال في الحديث:"التسبيح للرجال والتصفيق للنساء"، فكأنه قال: لا تسبيح إلا للرجال، ولا تصفيق إلا للنساء، وكأنه قدم المفهوم على العموم للعمل بالدليلين، لأن في إعمال العموم إبطالًا للمفهوم، ولا يقال إن قوله:"للرجال" من باب اللقب، بل نقول: هو من باب الصفة لأنه في معنى الذكور البالغين" (3).
إضافة إلى أن الأحاديث قد دلَّت بمنطوقها على تخصيص كل من المرأة والرجل بما شرع له.
2 -
تعقب أصحاب القول الأول تأويل القول الثاني لحديث: "التصفيق للنساء" برواية حماد بن زيد عن أبي حازم في الأحكام: "فليسبح الرجال ولتصفق النساء" حيث ورد بصيغة الأمر، وهذا نص يدفع ما تأوله أهل هذه المقالة (4).=
(1) الموسوعة الفقهية 12/ 79.
(2)
فتح الباري 3/ 93، باب (التصفيق للنساء).
(3)
فتح الباري 3/ 91، باب (ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال).
(4)
فتح الباري 3/ 93، باب (التصفيق للنساء).
= والراجح -والله تعالى أعلم- هو القول الأول، هو مشروعية التصفيق للمرأة إذا نابها شيء في صلاتها.
قال القرطبي رحمه الله: القول بمشروعية التصفيق للنساء هو الصحيح نظرًا وخبرًا (1)، وفي هذه الأحاديث أبواب كثيرة من الفقه لا تخفى على متأمل فطن". اهـ. (2).
علَّة منع النساء من التسبيح
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "وكأن منع النساء من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقًا لما يخشى من الافتتان، ومُنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء"(3). اهـ.
وقال القرطبي في المفهم بعد أن حكى رأي المالكية: "
…
وعللوا اختصاص النساء بالتصفيق، لان أصواتهن عورة كما ينبغي من الأذان، ومن الجهر بالإقامة والقراءة، وهو معنى مناسب شهد الشرع له بالاعتبار" (4).
وقال فضيلة الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: "والتفريق بالحكم بين الرجال والنساء ظاهر لأن المرأة لا ينبغي لها أن تظهر صوتها عند الرجال لا سيما وهم في صلاة، لأن هذا قد يؤدي إلى الفتنة، فإِن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فلو سبحت المرأة فربما يقع في قلب الإنسان فتنة، لا سيما إذا كان صوت المرأة جميلًا وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وأنه ما ترك فتنة أخبر على=
(1) فتح الباري 3/ 93، باب (التصفيق للنساء).
(2)
المفهم 1/ 258، باب (من نابه شيء في الصلاة).
(3)
فتح الباري 3/ 93، باب (التصفيق للنساء).
(4)
المفهم في شرح تلخيص مسلم 1/ 258، باب (من نابه شيء في الصلاة).
= الرجال من النساء" (1).
*هل يختلف الحكم في مشروعية التصفيق للمرأة فيما إذا كانت المرأة مع نساء لا رجال معهن، أو كانت مع رجال؟
قال الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله: ظاهر كلامه -أي المؤلف- العموم سواء كانت امرأة مع نساء لا رجال معهن أو مع رجال، فإنها لا تسبح، وإنما تصفق.
وقال بعض العلماء: إذا لم يكن معها رجال فإنها تسبح كالرجال، وذلك لأن التسبيح ذكر مشروع جنسه في الصلاة، بخلاف التصفيق، فإِنه فعل غير مشروع جنسه في الصلاة، ولجأت إليه المرأة فيما إذا كانت مع رجال؛ لأن ذلك أصون لها وأبعد عن الفتنة، ودليل هذه المسألة قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال ولتصفق النساء"، وفي رواية:"ولتصفح النساء" وإذا رأينا إلى عموم الحديث قلنا إن ظاهره أنه لا فرق بين أن يكون مع المرأة رجال أو لا. وإذا تأملنا قلنا بل ظاهر الحديث أن هذا فيما إذا كانت المرأة مع الرجال، لأنه قال:"فليسبح الرجال ولتصفق النساء"، وظاهر الحديث أن المسألة مسألة اجتماع رجالٍ ونساء، فوظيفة الرجال التسبيح، ووظيفة النساء التصفيق. والمسألة محتملة، فمن نظر إلى ظاهر العموم قال: تصفق، ومن نظر إلى ظاهر السياق قال: هذا فيما إذا كان معها رجال لا سيما إذا أخذنا بالتعليل الذي ذكرنا أن التسبيح ذكر مشروع جنسه في الصلاة، بخلاف التصفيق. اهـ (2).=
المسألة الثانية: المراد بالتصفيق، وهل التصفيق والتصفيح بمعنى واحد؟ وبيان الصيغ الواردة فيه.
(1) مذكرة كتاب الصلاة، صفة الصلاة، من زاد المستقنع شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ص 160.
(2)
المرجع السابق ص 160 - 161.
= للتصفيق في اللغة معانٍ عدة، ومنها:
الضرب الذي يُسمع له صوت، وهو كالصفق في ذلك. والتصفيق باليد:
التصويت بها، كأنه أراد معنى قوله تعالى:{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} ، فقد كانوا يصفقون ويصفرون، وقد كان ذلك عبادة في ظنهم. وقيل في تفسيرها أيضًا: أنهم أرادوا بذلك أن يشغلوا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في القراءة والصلاة .. وصفّق يديه بالثقيل: ضرب إحداهما على الأخرى.
وهو في الاصطلاح: لا يخرج عن هذا المعنى (1).
* هل التصفيق والتصفيح بمعنى واحد؟
في المسألة قولان:
القول الأول: أنهما بمعنى واحد.
1 -
ورد في بعض الروايات كرواية سهل بن سعد عن البخاري:
…
فأخذ الناس بالتصفيح، قال سهل: هل تدرون ما التصفيح؟ هو التصفيق
…
" (2) الحديث.
2 -
قال الحافظ العراقي في حديث أبي هريرة: التصفيق بالقاف، وفي حديث سهل بن سعد التصفيح بالحاء، والمشهور أن معناهما واحد (3).
3 -
قال ابن الأثير: "
…
التصفيق والتصفيح واحد، وهو ضرب صفحة الكف على صفحة الكف الآخر، يعني إذا سهى الإِمام نبّهه المأموم، إن كان رجلًا قال: سبحان الله، وإن كان امرأة ضربت كفها على كفها عوض الكلام" (4). اهـ.=
(1) الموسوعة الفقهية 12/ 77 - 78.
(2)
من حديث أخرجه البخاري، باب (ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال) في الفتح (3/ 91).
(3)
شرح الترمذي 2/ 339.
(4)
النهاية 3/ 33 مادة (ص. ف ح)
= وبه صرح الخطابي وأبو علي القالي والجوهري وغيرهم (1).
القول الثاني: أنهما مختلفان في المعنى.
(أ) قيل: إن التصفيح: الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى. والتصفيق: الضرب ببطان إحداهما على باطن الأخرى. حكاه صاحب الإكمال وصاحب المفهم (2).
(ب) قيل: إن التصفيح: الضرب بأصبعين للإِنذار والتنبيه، وبالقاف: بالجميع للهو واللعب (3).
دليلهم: عن عيسى بن أيوب قال: قوله: "التصفيح للنساء" تضرب بأصبعين من يمينها على كفها اليسرى.
*وما جاء عن الصحابي سهل بن سعد رضي الله عنه، وأخرجه البخاري، وقال به أئمة اللغة من أنهما بمعنى واحد هو الصواب إن شاء الله.
الصيغ الواردة في كيفية تصفيق المرأة في الصلاة
1 -
أن تضرب بأصبعين من يمينها على كفها اليسرى. وذلك للأثر المروي عن عيسى بن أيوب، وهو قوله:"التصفيح للنساء تضرب بأصبعين من يمينها على كفها اليسرى"(4)، وهو الأولى؛ وبه قال غير واحد من أهل العلم، وحكاه العراقي والقرطبي وابن عبد البر في الاستذكار. وهذا ليس على جهة الالزام، وقد لا يحصل التنبيه به فيحتاج إلى هيئة أخرى لا تخرج صفتها عن التصفيق.=
(1) انظر: المفهم في شرح تلخيص مسلم، للقرطبي 1/ 258، باب (من نابه شيء في صلاته).
(2)
الفتح 3/ 92، باب (ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال).
(3)
أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود 3/ 220.
(4)
نيل الأوطار، للشوكاني 2/ 327، وتقدَّم تخريج الأثر.
= 2 - أن تضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، وهو الأيسر والأقل عملًا، وهذا هو المشهور عن الحنفية والشافعية.
3 -
أن تضرب بأكثر أصابعها اليمنى على ظهر أصابعها اليسرى.
4 -
أن تضرب بأصبعين على ظهر الكف.
5 -
أن تضرب بظهر أصبعين من يمينها على باطن كفها اليسرى (1).
6 -
أن تضرب بباطن إحدى يديها على باطن الأخرى.
وفي هذا قال الرافعي رحمه الله: "ولا ينبغي أن تضرب بطن الكف على بطن الكف وإن كان ذلك قليل، لان اللعب ينافي الصلاة. اهـ.
وقوله هذا فيه نظر، فلو فعلته على وجه التنبيه فإِنه لايبطل صلاتها، إذ إن المعنى اللغوي للتصفيق لا زال يشمله، وقال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: تضرب بطن كفها على بطن الأخرى. وقال بعض العلماء: بظهر كفها على بطن الأخرى.
وقال بعض العلماء: ببطن كفها على بطن الأخرى كما هو المعروف عند النساء الآن.
على كلٍ، المسألة ما هي مشكلة، سواء كان التصفيق بالظهر على البطن، أو بالبطن على الظهر، أو بالبطن على البطن؛ فالأمر في هذا واسع، المهم أن لا تسبح بحضرة الرجال (2). اهـ.
وعلى هذا، فلا بأس بفعل أيٍ من الأوجه المذكورة ما كان أيسر في العمل وأدعى للتبيه.
7 -
حكى الماوردي في الحاوي وجهًا وهو: التصفيق بالظهر على الظهر، وهر بعيد.=
(1) الموسوعة الفقهية 12/ 81 - 82، شرح العراقي، لسنن الترمذي 2/ 340.
(2)
مذكرة كتاب الصلاة (صفة الصلاة) من زاد المستنقع شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 161.
= 8 - الضرب بالأكف على الأفخاذ. قال ابن حجر رحمه الله: وأغرب الداودي، فزعم أن الصحابة ضربوا بأكفهم على أفخاذهم.
قال عياض رحمه الله: كأنه أخذه من حديث معاوية بن الحكم الذي أخرجه مسلم، وفيه:"فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم"(1).
وهذه الكيفية فيها نظر؛ لأنها صدرت من الرجال والمشروع في حق الرجال التسبيح لا التصفيق. ولذا قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث:
وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته (2).
قال الشوكاني رحمه الله: ولا يقال إن ضرب اليد على الفخذ تصفيق، لأن التصفيق إنما هو ضرب الكف على الكف، أو الأصابع على الكف.
قال القرطبي رحمه الله: ويبعد أن يسمى من ضرب على فخذه وعليها ثوبه مصفقًا، ولهذا قال: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ولو كان يسمى هذا تصفيقًا لكان الأقرب في اللفظ أن يقول: يصفقون لا غير (3).
المسألة الثالثة: الأمر بالتسبيح للرجال، والتصفيق للنساء هل هو على سبيل الندب أو الإباحة أو الوجوب؟
نقل العراقي عن الشيخ تقي الدين السبكي قوله: "إنما يكونان سنتين إذا كان التنبيه قربة، فإِن كان مباحًا كانا مباحين وقياس ذلك: إن كان التنبيه واجبًا كإيذان الأعمى من الوقوع في بئر أن يكونا واجبين إذا تعين طريقًا وحصل المقصود بهما"(4). اهـ.=
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/ 92.
(2)
شرح صحيح مسلم للنووي 5/ 20، باب (تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته).
(3)
نيل الأوطار، للشوكاني 2/ 321، باب (النهي عن الكلام في الصلاة).
(4)
الشرح الكبير 2/ 339.
= وما قاله السبكي من أن مدار حكمهما على السبب جيد والوسائل تأخذ أحكام المقاصد.
المسألة الرابعة: إذا كان التسبيح أو التصفيق جوابًا فهل يؤثر في الصلاة؟ ومثال ذلك: "كان يستأذن عليه إنسان في الصلاة أو يكلمه أو ينوبه شيء فيسبح الرجل ليعلم أنه في صلاة أو يخشى الوقوع في شيء فيسبح ليوقظه أو يخشى أن يتلف شيئًا فيسبح به ليتركه"(1)، فهل يؤثر ذلك في الصلاة أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك:
القول الأول: وهو قول أكثر أهل العلم، منهم الأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور، أن هذا لا يؤثر في الصلاة (2).
أدلتهم:
1 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا نابكم أمر فليسبح الرجال ولتصفق النساء"(3).
وجه الدلالة: قوله "أمر" نكرة في سياق الشرط تفيد العموم، فهو عام في كل أمر ينوب المصلي.
2 -
ما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنه التسبيح، وإذا استؤذن على المرأة فإذنها التصفيق"(4).
3 -
لأنه نبّه بالتسبيح أشبه ما لو نبّه الإِمام ولو كان تنبيه غير الإِمام كلامًا لكان تنبيه الإِمام كذلك (5).=
(1) المغني 2/ 54.
(2)
المرجع السابق.
(3)
متفق عليه.
(4)
رواه البيهقي وقال: رواته كلهم ثقات.
(5)
المغني 2/ 55.
= القول الثاني: حكي عن أبي حنيفة أن من أفهم غير أمامه بالتسبيح فسدت صلاته.
العلة في ذلك: قالوا: لأنه خطاب آدمي، فيدخل في عموم أحاديث النهي عن الكلام (1).
ومن أدلتهم: حديث زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكل الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} ، فأُمِرنا بالسكوت ونُهِينا عن الكلام (2).
والراجح -والله تعالى أعلم- هو القول الأول، فأي شيء ينوب المصلي في صلاته ويحتاج معه إلى التسبيح بالنسبة للرجال والتصفيق بالنسبة للنساء، وهذا عن الشافعية والحنابلة. أما المالكية، فيقولون بالتسبيح مطلقًا (3)، فإِن هذا لا يؤثر في الصلاة ولا تنقطع بسببه خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، فإِنه يرى أن ما كان جوابا فإِنه يقطع.
(1) المغني 2/ 55.
(2)
رواه الجماعة إلا ابن ماجه. قال الشوكاني رحمه الله: قوله "نهينا عن الكلام" هذه الزيادة ليست للجماعة كما يشعر به كلام المصنف، وإنما زادها مسلم وأبو داود. انظر: نيل الأوطار (2/ 319)، باب النهي عن الكلام في الصلاة، ح.
(3)
الموسوعة الفقهة ج 12 (تشبيه- تعليل).
561 -
حدثنا (1) عبيدة (2) بن حميد، ثنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي (3) الزُّبَيْرِ، عَنْ جابر رضي الله عنه مثله.
(1) القائل حدثنا: هو أبو بكر بن أبي شيبة.
(2)
في (مح) و (حس): "عبد"، والصواب ما أثبته. وهو من (عم) و (سد) والمصنف وكتب التراجم.
(3)
في (مح) و (حس): "ابن".
561 -
تخريجه:
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 342): باب من قال: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء: قال:
حدثنا عبيدة بن حميد، عن ابن أبي ليلى، به مثله.
والإمام أحمد في المسند (3/ 357): قال:
ثنا عبيدة بن حميد، حدثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لِيَلَى به مثله إلا أنه زاد:(في الصلاة)، والمتن الذي أحال عليه الحافظ هنا ليس فيه هذه الزيادة، ويبدو أنه أورده في الزوائد لهذا السبب.
وأخرجه في (3/ 348): قال:
حدثنا موسى، حدثنا ابن لهيعة.، عن أبي الزبير به نحوه بزيادات يسيرة.
قال الحافظ العراقي في شرحه على الترمذي (2/ ق / 339 أ): (
…
اختلف في رفعه، ووقفه على أبي الزبير). اهـ. ثم وضح بعدُ أنه روي مرفوعًا، وفي هذا الطريق صرح أبو الزبير بالسماع من جابر، وابن لهيعة سيء الحفظ.
وذكره الهيثمي في مجمع البحرين (ق 37/ ب): قال:
أحمد بن القاسم، ثنا عيسى بن مشاور، ثنا مروان بن أبي معاوية، عن أشعث، عن أبي الزبير به مثله، وزاد: في الصلاة.
ثم ساق قول الطبراني: لم يروه عن أشعث إلا مروان: تفرد به عيسى. اهـ.
وأخرجه الحافظ أبو القاسم: تمام الرازي في الفوائد، انظر الروض البسام=
= (1/ 367: 366): قال:
حدثني أبي رحمه الله نا أبو عبد الله محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الرازي، أنا يحيى بن المغيرة الرازي، أنا زافر بن سليمان، عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير به مثله.
الحكم عليه:
إِسناده من طريق أبي بكر ضعيف بسبب عنعنة أبي الزبير، وقد صرح بسؤاله لجابر رضي الله عنه في أحد طريقيه عند أحمد، ومضى ما يشهد له في الصحيح، فهو بهذا الإِسناد حسن لغيره.
562 -
وقال أبو يعلي: حدثنا إسحاق -هو ابن أَبِي إِسْرَائِيلَ-، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ (1)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ:"كُنْتُ اسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فإِن كَانَ فِي الصَّلَاةِ سَبَّحَ، وَإِنْ كَانَ في غير صلاة (2) أذِن لي".
(1) في (عم): "زجر" بالجيم المعجمة.
(2)
في (سد) و (عم) و (حس): جاءت بأل التعريف.
562 -
تخريجه:
أخرجه الإِمام أحمد في مواضع من مسنده من حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه. ففي (1/ 98) قال:
ثنا يحيى بن آدم، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ ابن الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ علي رضي الله عنه قال:"كنت إذا استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان في صلاة سبح، وان كان في غير ذلك أذِن".
وفي (1/ 79): من زيادات عبد الله بن أحمد قال:
حدثني أبو كريب محمد بن العلاء، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن زحر، به -مع وجود علي رضي الله عنه في الإِسناد، بنحوه قريبًا من لفظ أبي يعلى.
قال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (2/ 597: 598): إِسناده ضعيف جدًا. اهـ.
قلت: وهذان الطريقان فيهما زيادة صحابي كما ترى وهو الظاهر؛ فقد روي متنه بلفظ قريب جدًا من رواية أبي يعلى من غير حديث أبي أمامة عن علي رضي الله عنهما فهو معروف عنه.
ويبدو أن الحافظ أورده هنا في الزوائد لخلو إِسناده من ذكر علي رضي الله عنه. =
= والصواب هو وجوده كما في رواية الإِمام أحمد التي تقدمت.
وقد أخرج الإِمام أحمد في (1/ 77): قال:
ثنا أبوسعيد، ثنا عبد الواحد بن زياد الثقفي، ثنا عمارة بن القعقاع عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْعَكَلِيِّ، عَنْ أَبِي زرعة، عن عبد الله بن نجي قال: قال علي: "كانت لي ساعة من السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإِن كان قائمًا يصلي سبح بي، فكان ذاك إذنه لي، وإن لم يكن يصلي أذِن لي".
قال الشيخ أحمد شاكر في (2/ 568: 570): إِسناده ضعيف: عبد الله بن نُجَي، بالتصغير، ابن سلمة الحضرمي: ثقة، وثقه النسائي، وابن حبان، ولكنه لم يسمع من علي، بينه وبينه أبوه، كما جزم بذلك ابن معين، فهذا منقطع). اهـ.
وأشار إلى رواية النسائي له.
فقد أخرجه في (3/ 12): باب التنحنح في الصلاة: قال:
أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني شرحبيل: يعني ابن مدرك، قال: حدثني عبد الله بن نجي عن أبيه قال: قال لي علي: كانت لي منزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الخلائق، فكنت آتيه كل سحر فأقول: السلام عليك يا نبي الله: فإِن تنحنح انصرفت إلى أهلي، وإلا دخلت عليه.
ورواه بنحوه مطولًا الإِمام أحمد في المسند (1/ 85):
وصحح إِسناده الشيخ أحمد شاكر. انظر (2/ 647).
الحكم عليه:
الحديث إِسناده ضعيف لحال علي بن يزيد، وعبيد الله بن زحر، ويحيى بن أيوب. وهو منقطع بين أبي أمامة والنبي صلى الله عليه وسلم، وبينهما علي رضي الله عنه، فهو مرسل صحابي، وقد عرفت الواسطة فيه أيضًا، وقد تقدم ما يشهد لهذا الحديث.
فيكون بذلك حسنًا لغيره.