المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشأم أو من عمل الفنانين اليونان، واستورد من هنا: فنصب - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١١

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الحادي عشر

- ‌الفصل الحادي والستون: أديان العرب

- ‌الفصل الثاني والستون: التوحيد والشرك

- ‌مدخل

- ‌ظهور الشرك:

- ‌عبادة الكواكب:

- ‌الشفاعة:

- ‌الأصنام:

- ‌عبادة الأصنام:

- ‌الأصنام:

- ‌الوثن:

- ‌الصلم:

- ‌هيأة الأصنام:

- ‌عبادة الأصنام:

- ‌الحلف بالأصنام والطواغيت:

- ‌الفصل الثالث والستون: أنبياء جاهليون

- ‌الفصل الرابع والستون: الله ومصير الإنسان

- ‌مدخل

- ‌الله الخالق:

- ‌الاعتقاد بإله واحد:

- ‌الجبر والاختيار:

- ‌الموت:

- ‌البعث:

- ‌البلية والحشر:

- ‌الفصل الخامس والستون: الروح والنفس والقول بالدهر

- ‌مدخل

- ‌الرجعة:

- ‌الزندقة:

- ‌القضاء والقدر:

- ‌القدرية:

- ‌الحظ:

- ‌الطبع والطبيعة:

- ‌الفصل السادس والستون: الألهة والتقرب إليها

- ‌مدخل

- ‌الآلهة:

- ‌صفات الآلهة:

- ‌الثواب والعقاب:

- ‌التطاول على الأرباب:

- ‌الفصل السابع والستون: التقرب إلى الآلهة

- ‌مدخل

- ‌القرابين:

- ‌الترجيب:

- ‌البحيرة والسائبة والوصيلة والحام:

- ‌حمى الآلهة:

- ‌الفصل الثامن والستون: رجال الدين

- ‌مدخل

- ‌التبرك برجال الدين:

- ‌تنفيذ الأحكام:

- ‌كسور رجال الدين

- ‌الفصل التاسع والستون: الأصنام

- ‌مدخل

- ‌اللات:

- ‌العزى:

- ‌مناة:

- ‌هبل:

- ‌أصنام قوم نوح:

- ‌ود:

- ‌سواع:

- ‌يغوث:

- ‌يعوق:

- ‌نسر:

- ‌عميأنس:

- ‌إساف ونائلة:

- ‌رضى:

- ‌مناف:

- ‌ذو الخلصة:

- ‌سعد:

- ‌ذو الكفين:

- ‌ذو الشرى:

- ‌الأقيصر:

- ‌نهم:

- ‌عائم:

- ‌سعير:

- ‌الفلس:

- ‌أصنام أخرى:

- ‌المحرق:

- ‌الشمس:

- ‌الفصل السبعون: أصنام الكتابات

- ‌مدخل

- ‌الآلهة التي ورد ذكرها في النصوص:

- ‌الفصل الحادي والسبعون: شعائر الدين

- ‌مدخل

- ‌الصوم:

- ‌التحنث:

- ‌الاختتان:

- ‌الحلال والحرام:

- ‌الفصل الثاني والسبعون: الحج والعمرة

- ‌مدخل

- ‌الحمس والطلس والحلة:

- ‌التلبية:

- ‌التجارة في الحج:

- ‌العمرة:

- ‌الأعياد:

- ‌الفصل الثالث والسبعون: بيوت العبادة

- ‌مدخل

- ‌الاستفسار عن المغيبات:

- ‌تكليم الأصنام:

- ‌أشكال المعابد:

- ‌السقاية:

- ‌المذابح:

- ‌المحارق:

- ‌البخور والمباخر:

- ‌سدنة الآلهة:

- ‌فهرس الجزء الحادي عشر:

الفصل: الشأم أو من عمل الفنانين اليونان، واستورد من هنا: فنصب

الشأم أو من عمل الفنانين اليونان، واستورد من هنا: فنصب في جوف الكعبة. استورده أحد سادة "مكة" وهو "عمرو بن لحي" على رواية أهل الأخبار، أو غيره، لما رأى فيه من حسن الصنعة ودقة النحت. فوضعه في موضعه. ولم يذكر أهل الأخبار سبب كسر اليد اليمنى للصنم، هل كان ذلك بسبب حادث، أو بسبب أسطوري. وأما "اللات" فصخرة بيضاء منقوشة1، في رواية أكثر الأخبار. وتمثال من حجر على رواية2. وأما العزى، فهناك رواية تذكر أنها كانت صنمًا، أي تمثالًا، ولكنها لم تعين صورته على نحو ما تحدثت عنها في الفصل الخاص بالأصنام. وأما "ود" فقد كان تمثال رجل كأعظم ما يكون من الرجال، قد ذبر عليه حلتان، متزر بحلة، مرتد بأخرى، عليه سيف قد تقلده، وقد تنكب قوسًا، وبين يديه حربة فيها لواء، ووفضة فيها نبل3.

وأما سواع، فكان صنمًا على صورة امرأة ولا يستبعد أن يكون من بين الأصنام الباقية ما كان على صورة حيوان. فقد كان الصنم "نسر" يمثل النسر.

وأقصد بالأصنام في هذا المكان أصنام المعابد، أي الأصنام التي كان الناس يتقربون إليها بالتعبد والنذور. وأما الأصنام الصغيرة، وهي التماثيل التي كان يتعبد لها الناس في بيوتهم أو يحملونها معهم في أسفارهم أو يحملونها معهم حيث ذهبوا تبركًا بها فقد كانت كثيرة لا يخلو منها إنسان، وكانوا يتقربون بها إلى الأصنام الكبيرة. وقد عثر المنقبون على عدد كبير منها وهي متفاوتة في الحجم وفي الروعة ودقة الصنع والإتقان.

1 تفسير ابن كثير "4/ 253 وما بعدها".

2 تفسير أبي السعود "5/ 112".

3 الأصنام "56"، "35""روزا".

ص: 76

‌عبادة الأصنام:

ونظرية "ابن الكلبي" ومن لف لفه من الأخباريين أن نسل إسماعيل بن إبراهيم لما تكاثر بمكة حتى ضاقت بهم. وقعت بينهم الحروب والعداوات، فأخرج بعضهم بعضًا، فتفسحوا في البلاد التماسًا للمعاش وكان كلما ظعن من مكة ظاعن حمل معه حجرًا من حجارة الحرم؛ تعظيمًا للحرم وصبابة بمكة.

ص: 76

فحيثما حلّوا، وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة، تيمنًا منهم بها وصبابة بالحرم وحبًّا له. وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة، ويحجون ويعتمرون، على إرث إبراهيم وإسماعيل.

"ثم سلخ بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم، وانتجثوا ما كان يعبد قوم نوح منها، على إرث ما بقي فيهم من ذكرها، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها: من تعظيم البيت، والطواف به، والحج والعمرة، والوقوف على عرفة ومزدلفة، وإهداء البدن، والإهلال بالحج والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه"1.

فكان أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وبحر البحيرة، وحمى الحامية، عمرو بن ربيعة، وهو لحي بن حارثة بن عمرو بن عامر الأزدي، وهو أبو خزاعة.

وكانت أم عمرو بن لحي، فهيرة بنت عامر عمرو بن الحارث بن عمرو الجرهمي، ويقال: قمعة بنت مضاض الجرهمي2.

وكان الحارث هو الذي يلي أمر الكعبة. فلما بلغ عمرو بن لحي، نازعه في الولاية، وقاتل جرهمًا ببني إسماعيل، فظفر بهم، وأجلاهم عن الكعبة، ونفاهم عن بلاد مكة، وتولى حجابة البيت بعدهم.

ثم إنه مرض مرضًا شديدًا، فقيل له: إن بالبلقاء من الشأم حمة إن أتيتها، برأت. فأتاها، فاستحم بها، فبرأ. ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو. فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا. فقدم بها مكة، ونصبها حول الكعبة. ثم أخذ عمرو بن لحي في توزيع الأصنام على القبائل. وبذلك شاعت عبادة الأصنام بين الناس3.

1 الأصنام "ص6 وما بعدها"، ابن هشام "1/ 82"، الروض الأنف "1/ 61".

2 الأزرقي، أخبار مكة "1/ 46".

3 الأصنام "ص6 وما بعدها"، الاشتقاق "276"، البلدان "8/ 408 وما بعدها"، "ود"، مروج الذهب "2/ 227""ذكر البيوت المعظمة، والهياكل المشرفة"، سبائك الذهب "101"، الروض الأنف "1/ 64"، البلدان "4/ 652 وما بعدها""طهران 1935".

ص: 77

هذه رواية شهيرة معروفة بين الأخباريين عن منشإ عبادة الأصنام وانتشارها عند العرب. وفي رواية أخرى: "كان أول من اتخذ تلك الأصنام، من ولد إسماعيل وغيرهم من الناس، وسموها بأسمائها على ما بقي فيهم من ذكرها حين فارقوا دين إسماعيل، هذيل بن مدركة"1. فنسبت هذه الرواية اتخاذ الأصنام إلى هذيل.

وهناك روايات أخرى في هذا المعنى تتفق مع الرواية الأولى من حيث الجوهر ولا تختلف معها إلا في بعض التفاصيل، ففي رواية أن "عمرو بن لحي" حينما قدم "مآبًا" من أعمال البلقاء، وهي يومئذ بأيدي العماليق، ووجدهم يتعبدون للأصنام، سألهم أن يعطوه صنمًا منها ليسير به إلى أرض العرب ليعبدوه، فأعطوه الصنم هبل، فأخذه، وقدم به إلى مكة فنصبه. وأمر الناس بعبادته2. فعينت هذه الرواية القوم الذين ذهب إليهم "عمرو بن لحي"، والموضع الذي نزل به، وثبتت اسم الصنم الذي أخذه منهم. وهي زيادات لم نجدها في كتاب الأصنام غير أن تشابه عبارات هذه الرواية التي ذكرها "ابن هشام" مع رواية "ابن الكلبي" يدل على أن المنبع واحد، وإنما الخلاف هو في ذكر بعض الفروع، وفي اختصار بعض المواضع، والإطناب في مواضع أخرى.

وفي رواية أخرى عن "ابن الكلبي" كذلك، وهي في كتابه الأصنام، ترجع أيضًا عبادة الأصنام إلى عمرو بن لحي، غير أنها تروي الخبر في صيغة أخرى، فتقول:

"وكان عمرو بن لحي، وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد، وهو أبو خزاعة. وأمه فهيرة بنت الحارث، ويقال إنها كانت بنت الحارث بن مضاض الجرهمي، وكان كاهنًا. وكان قد غلب على مكة وأخرج منها جرهمًا، وتولى سدانتها.

1 الأصنام "ص9"، نسب عدنان وقحطان، للمبرد "22 وما بعدها" المختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء "1/ 94" ابن هشام "1/ 78"، "البابي"، البلدان "4/ 652""طهران" ابن خلدون "2/ 686"، مروج الذهب "2/ 56 وما بعدها""محمد محيي الدين عبد الحميد"، أبو الفداء "1/ 76".

2 ابن هشام "ص62"، حاشية على الروض الأنف، ابن هشام "1/ 82"، ديوان حسان "11.P"، "هرشفلد" ابن هشام "1/ 78 وما بعدها، 120".

ص: 78

وكان له رئي من الجن، وكان يكنى أبا ثمامة، فقال له: عجل بالمسير والظعن من ثمامة، بالسعد والسلام! قال: جير، ولا إقامة.

قال: ايت ضف جدة، تجد فيها أصنامًا معدة، فأوردها تهامة ولا تهاب، ثم ادع عبادتها قاطبة.

فأتى شط دجلة، فاستشارها، ثم حملها حتى ورد تهامة، وحضر الحج، فدعا العرب إلى عبادتها قاطبة.

فأجابه عوف بن عذرة بن زيد اللآت بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلون بن عمران بن الحاف بن قضاعة، فدفع إليه ودًّا. فحمله إلى وادي القرى، فأقره بدومة الجندل. وسمى ابنه عبد ود. فهو أول من سُمي به، وهو أول من سُمي عبد ود، ثم سمعة العرب به بعد1.

فهذه الرواية هي على شاكلة الرواية الأولى في منشإ عبادة الأصنام بين العرب قبل الإسلام بحسب رأي الأخباريين بالطبع، سوى اختلافها عنها في المكان الذي أخذت الأصنام منه. فهنا "جدة" على ساحل البحر الأحمر، وهناك البلقاء من أعمال الشأم. والموضعان، وإن كان يختلفان موقعًا، يتفقان في شيء واحد هو وقوعهما على حد مقصود، يرده الأجانب منذ القديم للإتجار. فهل يعني هذا استيراد تلك الأصنام من الخارج، من بلاد الشأم أو من مصر، وأنها كانت من عمل أهل الشأم أو أهل مصر أو من عمل الروم أو الرومان؟ وتذكر رواية أخرى أن "عمرو بن لحي" إنما جاء بالصنم "هبل"، من "هيت" بالعراق حتى وضعه في الكعبة2.

وعمرو بن لحي هو على اختلاف الروايات أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة وحمى الحامي. فقأ عين عشرين بعيًرا، فصارت العادة أن يفقأ عين الفحل من الإبل إذا بلغت الإبل ألفًا. فإذا بلغت ألفين، فقئت العين الأخرى. وقد نسب إليه كلام طويل. وزُعم له عمر مديد، وقصص أخرجه من عالم الواقع إلى عالم القصص والأساطير، ورجع عصره إلى أيام "العماليق" وإلى أيام "سابور ذي الأكتاف". وذكر أن العرب.

1 الأصنام "ص54 وما بعدها".

2 الأزرقي "1/ 73 وما بعدها"، الروض الأنف "1/ 65".

ص: 79

جعلته "ربًّا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة؛ لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم، فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة"1، وذكروا أنه كان ملكًا على الحجاز، وكان كبير الذكر في أيامه، إلى غير ذلك من قصص يروونه عنه2.

وذكر "المسعودي" أن "عمرو بن لحي" حين خرج إلى الشأم ورأى قومًا يعبدون الأصنام، فأعطوه منها صنمًا فنصبه على الكعبة، وأكثر من الأصنام، وغلب على العرب عبادتها، انمحت الحنيفية منهم إلا لمامًا، ضج العقلاء في ذلك، فقال "شحنة بن خلف" "سحنة بن خلف الجرهمي":

يا عمرو إنك قد أحدثت آلهة

شتى بمكة حول البيت أنصابا

وكان للبيت رب واحد أبدًا

فقد جعلت له في الناس أربابا

لتعرفن بأن الله في مهلٍ

سيصطفي دونكم للبيت حجابا3

وكان "عمرو بن لحي" كاهنًا على ما يذكره أهل الأخبار4، وهو من "خزاعة"، التي انخزعت من اليمن. ثبت حكمه على مكة، بعد أن انتزع الحكم من جرهم، وغلب قومه عليها، فصاروا يطيعونه ويتبعون ما يضعه لهم. وقد نسبوا إليه وضع بقية الأصنام، مثل اللات وإساف ونائلة، فهو على رأي أهل الأخبار مؤسس هذه الأصنام التي بقيت إلى أيام النبي، والتي حطمت بأمره عام الفتح، وباستيلاء المسلمين على المواضع الأخرى.

وذكر أهل الأخبار أن "عمرو بن لحي" كان أول من غير تلبية "إبراهيم". وكانت: "لبيك لا شريك لك. لبيك"، فجعلها:"لبيك اللهم لبيك، إلا شريك هو لك، تملكه وما لك"، وقد كان "إبليس" قد ظهر له في صورة شيخ نجدي على بعير أصهب، فسايره ساعة، ثم لبى إبليس، فلبى "عمرو" تلبيته حتى خدعه. فلباها الناس على ذلك5.

1 الروض الأنف "1/ 62" البداية والنهاية "2/ 188".

2 المختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء "1/ 94".

3 مروج الذهب "2/ 29 وما بعدها".

4 مروج الذهب "2/ 303".

5 الأزرقي "1/ 126 وما بعدها"، "1/ 26 وما بعدها"، ابن هشام "1/ 79 وما بعدها".

ص: 80

وقد قيل إنه بلغ بمكة وفي العرب من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده في الجاهلية مبلغه1. ويظهر أنه كان من أصحاب الحول والسلطان والجاه، ولذلك ترك هذا الأثر في روايات أهل الأخبار. وإني أرى أنه لم يكن بعيد عهد عن الإسلام، وإلا لم حفظت ذاكرة أهل الأخبار أخبارها عنه. والظاهر أنه كان كاهنًا من الكهان، ورجلًا كبيًرا من رجال الدين.

وروي أن الرسول ذكر أن" عمر بن لحي بن قمعة" كان أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة2.

ولست أظن أن الرواة قد أقحموا اسم "عمرو بن لحي" في قصة انتشار الأصنام في جزيرة العرب إقحامًا من غير أصل ولا أساس، فلا بد من أن تكون للرجل صلة ما بعبادة الأصنام عند الجاهليين، ولا بد أن يكون من الرجال الذين عاشوا في عهد غير بعيد عن الإسلام، لا قبل ذلك بكثير كما يدعي الأخباريون، فما كان خبره ليصل إليهم على هذا النحو لو كان زمانه بعيدًا عنهم البعد الذي تصوروه. وأنا لا أستبعد احتمال شراء "عمرو بن لحي" للأصنام من بلاد الشأم ومجيئه بها إلى الحجاز، ونصبه لها في الكعبة وفي مواضع أخرى، لما وجده من حسن صنعة التماثيل في تلك البلاد ومن جودة حجارتها، فاشترى عددًا منها؛ لتنصب في المحجات، فنسبت عبادة الأصنام إليه.

وزعموا أن "ابن أبي كبشة": "جزء بن غالب بن عامر بن الحارث بن غبشان الخزاعي"، كان ممن أدخل الشرك إلى العرب، وخالف دين التوحيد. لقد ذكروا أنه دعا إلى عبادة "الشعرى العبور"3.

وليست عبادة الأصنام والأوثان عبادة خاصة بالعرب، بل هي عبادة كانت معروفة عند غيرهم من الشعوب السامية، وعند غير الساميين، كما أنها لا تزال موجودة قائمة حتى الآن.

وكانت قريش تتعبد وتتقرب إلى أصنام قبائل أخرى. على شرط المثل، أي أن تتقرب تلك القبائل وتتعبد لأصنام قريش. فقد ذكر "السكري" أن قريشًا.

1 أخبار مكة "54".

2 الاستيعاب "1/ 120".

3 تاج العروس "4/ 341".

ص: 81