الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المذابح:
وتلحق بالمعابد مذابح تذبح عليها القرابين التي يتقرب بها المؤمنون إلى آلهتهم، ويقال للواحد منها، مذبح" و"نصب" و"مصب" و"غبغب". وقد وردت لفظة "مذبح" و"مذبحت"، أي "المذبحة"، في طائفة من الكتابات. وهي مواضع الذبح، حيث يكون تقريب القرابين إلى الآلهة.
وقد ذهب علماء اللغة مذاهب في تحديد معنى "النصب" فرأى بعضهم أن النصب كل ما عبد من دون الله، وذهب بعض آخر إلى أن النصب صنم أو حجر كانت الجاهلية تنصبه، وتذبح عنده، فيحمر للدم، وذهب آخرون إلى أن الأنصاب حجارة كانت حول الكعبة تنصب، ويذبح عليها لغير الله تعالى1. وعرفها بعضهم بقوله:"النصب الأوثان من الحجارة، جماعة أنصاب كانت تجمع في الموضع من الأرض، فكان المشركون يقربون لها وليست بأصنام"، "قال ابن جريج: النصب ليست بأصنام. الصنم يصور وينقش، وهذه حجارة تنصب ثلاثمائة وستون حجرًا. منهم من يقول ثلاثمائة منها بخزاعة. فكانوا إذا ذبحوا نضحوا الدم على ما أقبل من البيت وشرحوا اللحم وجعلوه على الحجارة. فقال المسلمون: يا رسول الله؟ كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم، فنحن أحق أن نعظمه"2. ولو أخذنا برواية "ابن جريج". خلصنا إلى أن هذه
1 اللسان "1/ 760""صادر"، "2/ 259""بولاق" القاموس "1/ 132"، تاج العروس "1/ 486"، الأصنام "97" تفسير الطبري "6/ 44"، الأصنام "33"، "المطبعة الأميرية 1964".
2 تفسير الطبري "6/ 48".
الأنصاب، كانت بعدد أصنام الكعبة، أي أنهم كانوا قد خصصوا بكل صنم نصبًا، يذبحون عليه ما يتقربون به إليه من عتائر. فقد كان عدد أصنام الكعبة ثلاثمائة وستون حجرًا عام الفتح على ما يذكره أهل الأخبار، إلا إذا اعتبرنا ما ذكروه عن عدد الأصنام وهمًا، وأخذنا برواية "ابن جريج" التي هي دون الرواية الأخرى في الشهرة والذكر.
وأشير إلى "النصب" في شعر ينسب على "الأعشى"، يقال إنه قاله في مدح الرسول. هو:
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه
…
لعاقبة والله ربك فاعبدا1
وعلى كل، فنحن لو أخذنا بالروايتين، أو برواية واحدة منهما، فإن العدد "360" يلفت النظر حقًّا. فلمَ خصص رواة الخبرين عدد الأصنام أو الأنصاب بهذا الرقم، وهل يمثل ذلك شيئًا له صلة بالفلك، أو بأسطورة دينية قديمة كانت عند أهل مكة؟
وقد وردت كلمة "النصب" في آية اللحوم المحرمات التي لا يجوز أكلها في القرآن الكريم: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} 2. فجعلت الذبائح التي تذبح على النصب للأصنام في جملة التي لا يحل للمسلم أكلها، فيفهم من هذه الآية أن النصب مواضع تذبح عليها القرابين. كما وردت في موضع آخر من سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} 3. وقد ذكر علماء التفسير، أن الأنصاب التي يذبحون عندها4.
وقد ذكر علماء التفسير، أن أهل الجاهلية كانوا قد وضعوا حول الكعبة
1 تاج العروس "1/ 486"، "نصب".
2 المائدة، الآية 3.
3 المائدة، الرقم "5"، الآية 90.
4 تفسير الطبري "7/ 21".
أنصابًا، أي حجارة كانوا يذبحون عليها، فكانوا إذا ذبحوا نضحوا الدم على ما أقبل من البيت وشرحوا اللحم: وجعلوه على الحجارة. وكانوا يبدلونها إذا شاءوا بحجر هو أحب إليهم منها1. كما كانوا قد وضعوا الأنصاب في بيوت الأصنام الأخرى، يذبحون عليها ذبائحهم لهما. وقد أشير إلى "المائرات"، أي الدماء، دماء الذبائح لـ"رشيد بن رميض العنزي":
حلفت بمائات حول عوض
…
وأنصار تركن لدى السعير2
و"عوض" صنم لبكر بن وائل، و"السعير" صنم لعنزة خاصة. و"نصب" هي "نصب" و"مصب" في اللهجات العربية الجنوبية، و"نصب" و"مصبت" في الفينيقية، و"مصبه" Masseba في العبرانية ويراد بها مذبح، تذج عليها القرابين والضحايا التي يقدمها المتعبدون إلى معبودهم Deity ويعرف بـ Altar أي مذبح في الإنكليزية. وهو من حجر واحد في الأصل، قد يذبح عليه، فيسيل الدم فوقه ويتلطخ به، وقد يكون في نظرهم بمثابة المعبود الذي تقدم الضحية إليه. وقد يذبح عليه. فيسيل الدم من فتحة تكون فيه إلى بئر تتجمع فيها دماء الذبائح، تكون عند قاعدة النصب.
وقد تخصص المذابح بحرق لحم الذبيحة كله أو بعضه عليها؛ تقربًا إلى الأصنام، كالذي كان يفعله العبرانيون3.
وقد عثرالمنقبون على أحجار عديدة اتخذت أنصابًا لذبح القرابين عليها أو عندها، عثر عليها في العربية الجنوبية بصورة خاصة. وفي بعضها فتحة على هيئة ثقب تسيل منه دماء القرابين إلى موضع تتجمع فيه. وفي بعض آخر مسايل جانبية، تسيل الدماء منها إلى الخارج. وهذه الأنصاب هي "مذابح" ويقال للواحد منها "مذبحم" في العربيات الجنوبية أي "مذبح". ولذبح القرابين "ذبحن" و"ذبحم"، أي "الذبح" و"ذبح".
1 تفسير الطبري "6/ 48 وما بعدها"، "وهي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام"، إرشاد الساري "6/ 172".
2 تاج العروس "3/ 268"، "سعر"، "3/ 550"، "مور".
3 Hastings، p. 23.
فالنصب إذن، الأحجار التي تذبح عليها القرابين وما يهل للأصنام. والعادة أن تكون أمام الصنم، وعلى مقربة منه فإذا ذبح القربان سال دمه على النصب إلى ثقب يؤدي إلى حفرة يتجمع فيها الدم. هي "الغبغب". و"النصب" هو "مصبه" Massebah في العبرانية، حيث كانوا يذبحون عليها القرابين. ولكثرة ما كان يذبح عليها صارت تبدو حمراء من لون الدم، وقد أشير على الحمرة في حديث إسلام "أبي ذر الغفاري"، إذ ذكر أنه وصف تعذيب قريش له بقوله:"فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر"1.
وليس لأهل الأخبار رأي واحد في "الغبغب"، وإنما ذهب بعضهم على أن الغبغب هو المنحر، وذهب بعض آخر إلى أنه خزانة المعبدة، يلقي الناذرون فيها ما عندهم من نذور وقربان، وذهب فريق آخر إلى أنه بيت كان الناس يحجون إليه كما يحج إلى البيت بمكة2. وقيل إنه كان لمعتب بن قيس بيت يقال له غبغب كانوا يحجون إليه3.
والذي عليه أكثر أهل الأخبار أن "الغبغب" المنحر. وقد صرح بذلك "ابن الكلبي" في كتاب "الأصنام": وهو يتحدث عن "العزى" فقال: "ولها منحر ينحرون فيها هداياها، يقال له الغبغب"4. كما صرح بذلك علماء اللغة إذ عرفوا الغبغب بأنه المنحر، أو نصب كان يذبح عليه في الجاهلية، أو كل مذبح بمنى. وقد خصصه بعضهم بمذبح منى5. أو هو حجر ينصب بين يدي صنم، وكان لمناف مستقبل ركن الحجر الأسود غبغب، وقيل كانا اثنين ويظهر من شرح علماء اللغة للمثل: "رب رمية من غير رامٍ"، ينسب قوله إلى الحكم بن عبد غوث أن الغبغب هو المذبح، أي المنحر الذي ينحر عليه6.
1 الإصابة "4/ 93"، "الرقم "384"، "فخررت مغشيًّا علي، ثم ارتفعت كأني نصب أحمر"، الأصنام "111".
2 مراصد الاطلاع "2/ 983"، البلدان "4/ 185"، اللسان" 1/ 637"، تاج العروس "1/ 403"، البلدان "6/ 112"، الأصنام "111"، ابن هشام "1/ 55".
3 ابن هشام "1/ 55"، البلدان "6/ 122".
4 الأصنام "13""روزا".
5 اللسان "1/ 637".
6 اللسان "1/ 637""صادر"، "2/ 128 وما بعدها""بولاق"، تاج العروس "1/ 403"، "غب"، البلدان "6/ 265"، "الغبغب".
ويظهر من روايات أهل الأخبار عن "بيوت" الآلهة أنه كان لكل "بيت""غبغب"، تذبح فيه هداياها، أي ما يهدى إلى تلك البيوت من قرابين وقيل: الغبغب: المنحر، وهو جبيل بمنى، فحصص. وقيل كل منحر بمنى غبغب. قال الشاعر:
والراقصات إلى منى فالغبغب1
ويذكر علماء اللغة أن "الغبغب""العبعب" كذلك2. وأن العبعب موضع الصنم. وصنم لقضاعة ومن داناهم3. وبيت كان لمعتب بن قيس، كانوا يحجون إليه كما يحجون إلى البيت4. ويظهر من هذا الشرح أن "الغبغب" و"العبعب"، كلمة واحدة، لشيء واحد.
و"الغبغب""الحب" كذلك وهو حفرة يجمع فيها دم البدن، والجمع "الجباجب" قال "الزبير بن بكار: الجباجب جبال مكة حرسها الله تعالى، أو أسواقها أو منحر. وقال البرقين حفر بمنى كان يلقى به الكروش، أي كروش الأضاحي في أيام الحج، أو كان يجمع فيها دم البدن والهدايا، والعرب تعظمها وتفخر بها"5.
ويفهم أحيانًا أن "الغبغب"، حفرة أو بئر، كان المتعبدون للاصنام يرمون بها نذورهم وهداياهم وما يتقربون به إلى أصنام من نذور نفيسة، من ذهب أو فضة أو حجارة كريمة فكانت تحت صخرة "اللات" حفرة عرفت بـ"الغبغب" حفظت فيها الهدايا والنذور والأموال التي كانت تقدم إلى الصنم. فلما هدم الصنم أخذت من الغبغب تلك الأموال6. ويرادف الغبغب "الجب"، الذي يقال له "الأخسف" و"الأخشف"، وهو بئر في جوف الكعبة نصب "هبل" عليه. كان الناس يرمون فيها نذورهم وهداياهم. وتقع على يمين من يدخل البيت، وكان عمقها ثلاث أذرع7.
1 تاج العروس "1/ 404"، "غب".
2 تاج العروس "1/ 403"، "غب".
3 تاج العروس "1/ 363"، "عب" البلدان "6/ 112"، الأصنام "111".
4 البلدان "4/ 185".
5 تاج العروس "1/ 174"، "جبب".
6 الطبري "3/ 99" وما بعدها".
7 أخبار مكة، للأرزقي "1/ 66 وما بعدها".