الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهي أبيات ينسبها بعض الرواة إلى امرئ القيس. وكان أبوه قتل، فأراد الطلب بثأره، فأتى ذا الخلصة، فاستقسم عنده بالأزلام، فخرج السهم ينهاه عن ذلك، فقال هذه الأبيات التي تتحدث عن غضب الشاعر على هذا الصنم، لنهيه إياه عن الأخذ بالثأر. ولو كانت النتيجة كما يشتهي، لما قال الشاعر هذه الأبيات بالطبع، وتجاسر على الصنم1.
ولما كانت الحروب والغزوات من القضايا المهمة، كانت استشارة الأصنام والاستقسام بشأنها من الأمور المألوفة، فكان أهل مكة إذا أرادوا الحرب أو عقد هدنة أو إبرام أمر خطير أتوا "هبل" يستقسمون عنده ليعطيهم الرأي المصيب في هذا الموضوع.
والغالب أن يكون الاستقسام أمام الصنم؛ ليقع في روع طالب الاستقسام أن ما يجري إنما هو بعلم الصنم وبوحيه، فيكون ذلك أوكد في نفسه وأعمق تأثيرًا.
1 الأصنام "35، 47".
أشكال المعابد:
هذا ولا بد لي أن أشير إلى أننا لا نملك حتى الآن رأيًا واضحًا قاطعًا في شكل المعابد عند الجاهليين. ولا يمكن تكوين رأي واضح عن هذا النحو إلا بعد قيام علماء الآثار المتخصصين بدراسة آثار المعابد والكشف عنها ورسم مخططات صحيحة لقواعدها وأسسها. ولذلك لا بد من مرور زمن، حتى يتمكن العلماء من تكوين رأي في أصول المعابد وكيفية إقامتها من الوجهة الدينية الأصولية عند العرب قبل الإسلام.
وإذا كان في استطاعتنا تجديد شكل "بيت الله" بمكة، و"كعبة نجران" و"كعبة سنداد"، أو "كعبات سنداد"، كما يسميها البعض، فإن من الصعب علينا تحديد هيئة بيوت الأصنام في المعابد الأخرى، لعدم ورود نص يعين صفة تلك البيوت في أخبار أهل الأخبار. فلا ندري أكانت مكعبات، أم على أشكال أخر.
ولما كانت المعابد بيوت الأرباب، صارت لها حرمة خاصة وقدسية في كل
دين، فلا يجوز انتهاك حرمتها، ولا القيام بأعمال شائنة دنسة فيها، خاصة بالقياس إلى الأماكن المقدسة جدًّا التي تعد محجة للناس، وقد اتخذت حول البيوت مواضع عدت جزءًا من المعبد حددت بحدود، فما كان داخلًا عد حرمًا آمنًا، وما كان خارج الحد كان خارجًا عن المعبد، فليست له تلك الحرمة التي عينتها شريعة القوم للمعابد.
وأقدس مكان في المعبد هو "البيت"، أي الغرفة التي تضم الصنم أو الأصنام. فقد كانت البيت، وهو المسمى الكعبة في مكة، أقدم موضع عند قريش وعند غيرهم من عبدة الأصنام الذين كانوا يقدسون "البيت الحرام"، وذلك بسبب وجود الأصنام فيه.
ويعبر في العربية الجنوبية عن البيت الذي توضع فيه الأصنام، بـ"مختن"1. فهو إذن بمثابة الكعبة بمكة.
ويقال للأرض الحرام المقدسة التي تحيط بـ"البيت"، "الحرم" قيل سمي "الحرم" حرمًا لتحريم الناس فيه كثيرًا مما ليس بمحرم في غيره من المواضع2. وقد وردت اللفظة في الكتابات النبطية. فوردت في كتابة نبطية عثر عليها في "بطرا" علمًا لحرم الإله ذي الشرى، قصد به الأرض المقدسة المحيطة ببيت ذلك الصنم، والمعبد كله؛ لأنه مرحم ومقدس:"حرم ذي الشرى الإله ربنا"3.
ولا يجوز لأحد انتهاك حرمة الحرم والاعتداء عليه. وإذا دخل إنسان الحرم صار آمنًا منطمئنًا، لا يجوز أن يُعتدى عليه، ولا أن يمس بسوء، وإن كان قاتلًا، وحدود الحرم أنصابه، وهي علاماته، فمن اجتازها وصار في داخلها، دخل في حرمة الحرم.
وما كان خارج الحرم، هو من الحل، أي من المنطقة الخارجة عن حرمة المعبد. فلا تشملها الأحكام المفروضة على الحرم.
وكان الرجل في الجاهلية إذا أحدث حدثًا ولجأ إلى الكعبة، لم يهج، فكان إذا لقيه ولي الدم في الحرم، قيل له: هو صرورة ولا تهجه4.
1 Grohmann، s. 249.
2 المفردات "113".
3 Lidzbarski، nord semi، Epigra، s. 280. CIS، II، p. 350. G. A. Cooke، North Semi، Inscriptions، Oxford، 1903.p. 79. Ency. Religi، 6.p. 753.
4 تاج العروس "3/ 331"، "صرر".
ولمكانة الحرم في نفوس الجاهليين ولأنه موطن آمن من دخل فيه صار آمنًا، كان لا بد من تحديده ووضع معالم تشير إلى نهايته، إما بوضع أنصاب على أطرافه من تجاوزها إلى داخله صار آمنًا فلا يخاف على نفسه، وإما ببناء حائل كجدار أو سياج أو أمثال ذلك ليكون إشارة على حرمة ما وراءه في الداخل. وقد جعل أهل مكة حدود حرم البيت أنصابًا من تجاوزها إلى الداخل صار في حرمة الحرم وفي حماية رب البيت.
وكانت أرض المعابد، أي حرمها، واسعة في الأصل، ذات ماء وأشجار وحمى، ثم تقلصت وضيقت وحددت بحدود، بسكن الناس حولها، وبتقربهم من المعبد، وبزيادة عدد عبَّاده فعندما يتألق نجم معبد ويكثر المؤمنون بصاحبه، يكثر زواره، ويتسابق الناس إلى السكن بجواره والتقرب منه جهد إمكانه، إذ يكون ذلك شرفًا لهم. شرف مجاورة البيت، كما يكون مكسبًا وموردًا طيبًا للمال، لرغبة الزوار في مجاورة المعبد، فيدفع هذا الطمع، أصحاب النفوذ والجاه على اختلاس الأرض والتجاوز على حدود الحروم فتضيق. كالذي حدث بمكة، إذ كان الحرم واسعًا كبيًرا، يشمل الوادي كله، فلما هبط "قصي" به وابتنى البيوت، اعتدى من جاء بعده على الحرم حتى صغر، مما دفع الخلفاء على شراء البيوت المجاورة وهدمها لإعادة أرضها إلى الحرم ليتسع صدره للناس.
وتلحق بالمعابد أرضون، يقال لها "حمى" لأنها في حماية الأرباب والأصنام ورعايتها، فلا يُعتدى عليها، ولا يُقطع شجرها ولا يُرعى فيها ولا يُسمح بصيد الحيوان فيها والاعتداء عليه في أرض الحمى1. فكان في الطائف "حمى"، وهو "حمى اللات"، وقد خصص به، وكان حمى في جرش2. بل كان وادي مكة الذي أقيم البيت به "حمى" لرب البيت، ولم يكن يسمح لأحد قبل "قصي" بقطع شجره، ولا التجاوز على ما فيه من نبت. وقد كان "قصي" كما يقول أهل الأخبار أول من اقتطع شجره، وأقام البيوت لسكناه وسكنى قريش في ذلك الوادي.
ويفهم من كلام "نيلوس" Nilus أن العرب لم يكونوا يحيطون مواضعهم.
1 اللسان "14/ 199"، العرب في سوريا قبل الإسلام "111".
2 Ency، Religi، 6، p. 753.
المقدسة التي فيها أصنامهم بأسوار، وإنما كانوا يجعلون لحرمها حجارة تكون حدًّا وعلامة للحرم. ويتبين من كلام هذا المؤرخ الذي أسر العرب ابنه وأرادوا تقديمه إلى الزهرة قربانًا على حد قوله، أنه قصد بالعرب الأعراب، ولا سيما أعراب طور سيناء، وقد كانوا أشداء غلاظًا يلقون الرعب في النفوس، وكانوا يتاجرون بالرقيق يقبضون على من يقع في أيديهم ويبيعونه في أسواق الرقيق. وجماعة هذا شأنها لا تستقر في مكان، لا يمكن بالطبع أن يكون لها معبد ثابت، وإنما يكون معبدها الموضع الذي يوضع صنم القبيلة فيه. ولتعيين الأرض الحرام توضع تلك الحجارة.
إلا أن هذا لا يعني أن معابد أهل المدر كانت مسورة أو ذات حائل دائمًا، فقد ذكرت أن حرم بيت الله بمكة لم يكن مسورًا، بل كان معلمًا بأنصاب ومكة موضع حضر. أما حرم معبد "المقه" بمأرب وكذلك أكثر معابد أهل اليمن، فقد كانت مسورة بأسوار عالية قوية، لها أبواب يدخل المتعبدون منها، تفتح وتغلق كما نفعل هذا اليوم في دور العبادة عندنا.
ومن المعابد الشهيرة: "البيت الحرام"، أي "الكعبة" بمكة، وسأتكلم عليه في موضع خاص. ومعبد "ذو الشرى" Dushare بمدينة "بطرا"، و"كعبة سنداد"، و"كعبة نجران"، ومعابد عديدة في مواضع أخرى من جزيرة العرب، ولا سيما اليمن.
والفضل في ظفرنا ببعض المعارف عن "بيت الرب" بمدينة "بطرا"، يعود إلى الكتابات النبطية، وإلى ما كتبه بعض الكتبة اليونان والسريان عنه. وقد خصص هذا البيت بعبادة الإله "ذي الشرى"، الذي هو "رب البيت"1 التي أطلقها النبط على إلههم، تذكرنا بجملة أخرى معروفة في الجاهلية عند أهل مكة، كما هي معروفة عند المسلمين حتى اليوم، هي جملة:"رب البيت"، التي تعني إله البيت، وهو الكعبة، وقد أقرها وثبتها الإسلام. وقد نعت "رب البيت"، "رب بيت ذي الشرى" بـ"الذي يفرق الليل عن النهار"2 وهو نعت له أهمية كبيرة في تكوين فكرة عن وجهة نظر عباده إليه.
1 CIS، II، 235، Res، 1088.
2 RES، 1102. Ency. Religi، p. 122.
وقد نصب في هذا المعبد الصنم "ذو الشرى" على قاعدة مكسوة بالذهب، في بيت موشى بالذهب وبالصور التي تمثل مشاهد تقديم القرابين إليه. وهو في موضع مرتفع على صخرة عالية، يحج إليه الناس من مواضع بعيدة؛ للتقرب إلى ذلك الإله الذي يقابل الإله "باخوس" و"ديونسيوس""Dionysos- Bacchus" في رأي الكتبة اليونان واللاتين1.
وكان لهذا المعبد حج يقع في اليوم الخامس والعشرين من شهر كانون الأول من كل عام، فيفد إليه الناس من أماكن بعيدة للتقرب إلى "رب البيت"، فينحرون ويقضون الأيام المعينة، ثم يعودون إلى ديارهم. والظاهر أن هذه الكعبة لم تكن خاصة بأهل "العربية النبطية"، إنما كانت محجة لغيرهم من العرب، كما يتبين ذلك من تصريحات بعض الكتبة "الكلاسيكيين" عنها.
وقد عرف بعض معابد الجاهليين بـ"الكعبات" ويدل ذلك على أن بناءها كان على هيئة مكعب كشكل بناء الكعبة، وعلى أن العرب كانوا يبنون بيوت الأصنام الكبرى على هذا النحو. من هذه كعبة "سنداد" على ما يذكره الأخباريون، وهي قصر كانت العرب تحج إليه فيطوفون حوله، وقد عرف بـ"الكعبات" جمع كعبة وهو البيت المربع والمرتفع، وبـ"ذات الكعبات" و"ذي الكعبات" وكان مركز حج قبائل بكر بن وائل وإياد2. ولكن الأخباريين لم يتحدثوا بشيء من التفصيل عن هذا المعبد وعن كيفيته وشكله وعن الأصنام التي كانت فيه. وقد ذكر "ابن الكلبي" أن هذا البيت لم يكن بيت عبادة، إنما كان منزلًا شريفًا3.
وذكر أن "ذات الكعبات" بيت كان لبكر وتغلب ابني وائل وإياد، وذكر أنه بيت كان لربيعة، كانوا يطوفون به. وذكر أنه كان لإياد، وكان كعبة.
1 Ency، Religi، 9، p. 122، Epiphanius، Hoer، LI، 22.
2 البلدان "5/ 150"، "سنداد"، "7/ 255"، اللسان "1/ 718"، "كعب"، تاج العروس "1/ 456 وما بعدها"، Ency، II، p. 590.
3 الأصنام "ص45"، "وكان لربيعة بيت يطوفون به، يسمونه الكعبات. وقيل: ذا الكعبات، وقد ذكره الأسود بن يعفى في شعره، فقال: والبيت ذي الشرفات من سنداد".
اللسان "1/ 718"، "كعب".
بسنداد بين الحيرة والإبلة1. وهو من منازل إياد أسفل سواد الكوفة، وكان عليه قصر تحج العرب إليه2.
وكان بنجران بيت عبادة عرف بـ"كعبة نجران". وهو بناء بُني على هيئة الكعبة. وفي رواية تنسب لابن الكلبي أنها كانت قبة من أدم من ثلاث مائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن. أو طالب حاجة قضيت، أو مسترفدًا رفد3. ويستخلص من الأخبار الواردة عن هذه الكعبة ومن أسماء أصحابها ومن كونهم أساقفة أنها كانت بيعة أسسها النصارى في مركز النصرانية في اليمن، وهو موضع نجران، وأنه لا علاقة له بالوثنية. ويذكر الأخباريون أن بني عبد المدان بن الديان الحارثي أقاموها هناك، مضاهاة للكعبة4. وقد ذكر "ابن الكلبي" أن كعبة نجران لم تكن كعبة عبادة، وإنما كانت غرفة يعظمها القوم من بني الحارث بن كعب5. وبنو الحارث بن كعب هم رؤساء نصارى نجران.
وذكر بعض أهل الأخبار أن كعبة نجران وكانت لمذحج وبني الحارث بن كعب، عرفت بـ"الربة"6.
وقد ذكر "ابن الكلبي" أن رجلًا من جهينة يقال له عبد الدار بن حُديب أراد بناء بيت بأرض من بلادهم يقال لها الحوراء ليضاهي به الكعبة حتى يستميل به العرب، فأعظم قومه ذلك، وأبوا عليه7. ونجد في كتاب "الأصنام" لابن الكلبي وفي كتب أهل الأخبار أسماء مواضع ذكر أنها كانت بيوت عبادة حج إليها العرب حجهم لمكة. وذكر أن قريشًا بَنَتْ للعزى بيتًا بوادي حراض بإزاء الغمير، وحمت له شعبًا من وادي حراض يقال له سقام، يضاهون به.
1 تاج العروس "1/ 457"، "كعب"، الأصنام "45"، البلدان "5/ 149"،
2 تاج العروس "2/ 383"، "سند".
3 البلدان "8/ 262 وما بعدها"، تاج العروس "3/ 556"، "نجر".
4 البلدان "8/ 262".
5 الأصنام "ص45".
6 تاج العروس "1/ 262"، "ربب" قال الأعشى:
وَكَعبَةُ نَجرانَ حَتمٌ عَلَيكِ
…
حَتّى تُناجي بِأَبوابِها
يزورُ يَزيدَ وَعَبدَ المَسيحِ
…
وَقَيسًا هُمُ خَيرُ أَربابِها
تاج العروس "3/ 556"، "نجر"
7 الأصنام "45".