الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سواد الناس. وتكاد تكون مفهوم الدين عندهم، وذلك لما فيها من تماس مباشر بأمور حياتهم ومصالحهم. فهم يفعلون ذلك لغايات استرضاء الآلهة والتوسل إليها بأن تعطيها غلة وافرة ومالًا، فكانوا إذا تقربوا إلى صنم أو دعوا ربهم أو أدوا مناسك حجهم "فلا يسألون ربهم" إلا متاع الدنيا "فمن الناس من يقول: ربنا آتنا في الدنيا. هب لنا غنمًا، هب لنا إبلًا"، "وكانوا -يعني في الجاهلية- يقفون -يعني بعد قضاء مناسكهم- فيقولون: اللهم ارزقنا إبلًا، اللهم ارزقنا غنمًا"، وفي هؤلاء نزلت الآية:{فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1.
والفقر هو الذي حمل هؤلاء على أن يتقربوا إلى آلهتهم بالنذور والقرابين وبالحج على فقرهم وجوعهم، على أمل أن تعطف الآلهة عليهم. فتمن عليهم بالمال واليسر والبركة والصحة، تمامًا كما يفعل شراء أوراق "النصيب" أو أوراق سباق الخيل من الفقراء والمحتاجين على أمل الربح والكسب.
وهذه النظرة المادية الساذجة، هي التي حملت عوامهم على تهديد آلهتهم وإخبارها أنهم سيمتنعون عن تقديم أي نذر أو أداء أية زيارة لها، إن لم تمن عليهم وتستجيب لأدعيتهم، فتنفذ طلباتهم وما طلبوه منها. وهي التي تحملهم بعد ذلك على التراجع عن تهديداتهم هذه وعلى الاستغفار وإظهار الندم لها، لما بدر منهم من سوء أدب، على أمل استرضائها من جديد، بعد أن فشلت وسائل التهديد من تخويف تلك الآلهة.
1 البقرة، الآية 200، تفسير الطبري "2/ 174 وما بعدها".
الحلال والحرام:
يقول "ابن عساكر" في رواية تنسب إلى رجل من خثعم: "كانت العرب لا تحرم حلالًا ولا تحل حرامًا. وكانوا يعبدون الأوثان ويتحاكمون إليها"1. ومعنى هذا أنهم كانوا يحللون ويحرمون. وأن أمر الحلال والحرام إلى رجال الدين منهم، وهم سدنة الأوثان.
وقد تعرض "اليعقوبي" لموضوع "أديان العرب" وشعائرها، فقال:
1 التاريخ الكبير، لابن عساكر "1/ 317".
"وكانت أديان العرب مختلفة بالمجاورات لأهل الملل، والانتقال إلى البلدان، والانتجاعات. فكانت قريش وعامة ولد "معد" بن عدنان على بعض دين إبراهيم، يحجون البيت ويقيمون المناسك، ويقرون الضيف ويعظمون الأشهر الحرم، وينكرون الفواحش والتقاطع والتظالم، ويعاقبون على الجرائم"1. فأدخل في الدين أمورًا نعدها اليوم من الأعراف وقواعد الأخلاق والسلوك، وجعلها من سنة إبراهيم، أي دين العرب القديم قبل إفساده بالتعبد للأصنام.
وذكر "السكري"، أن العرب كانت "دون من سواها من الأمم. تصنع عشرة أشياء منها: في الرأس خمسة. وهي المضمصة والاستنشاق والسواك والفرق وقص الشارب. وفي الجسد خمسة. هي: الختانة وحلق العانة ونتف الأبطين، وتقليم الأظفار والاستنجاء، خصت بهذا العرب، دون الأمم"2. فهذه الأمور العشرة هي من شعائر العرب في نظر "السكري". وهي شعائر، لا يمكن أن نجارية في رأيه، فنقول إنها كانت في جميع العرب، وإنها كانت فيهم خاصة، دون غيرهم من الأمم وفي كلام "السكري" أمور كثيرة لا يمكن التسليم بصحتها بل نجده هو يناقض نفسه في مواضع أخرى من كتابه. من ذلك قوله: "وكانوا يؤمنون بالحساب"3 "ولا يأكلون الميتة"4، فعمم رأيه، وجعله شاملًا كل العرب، بينما هو رأي طائفة من الجاهليين، وليس جميع أهل الجاهلية وللقرآن الكريم دليل ذلك، فقد حمل عليهم لنكرانهم البعث والحساب، وحرم على المسلمين أكل لحم الميتة:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} 5. وكانوا يأكلونها في الجاهلية.
وورد أن ممن حرم أكل الميتة على نفسه "حارثة بن أوس" الكلبي، وهو جاهلي، يقول:
لا آكل الميتة ما عمرت
…
نفسي وإن أبرح إملاقي
والعقد لا أنقض منه القوي
…
حتى يواري القبر أطباقي6
1 اليعقوبي "1/ 224"، "أديان العرب".
2 المحبر "329".
3 المحبر "322".
4 المحبر "329".
5 المائدة، الآية رقم 3، تفسير الطبري "6/ 44"، روح المعاني "6/ 51".
6 المحبر "329".