الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القديمة، واعتبار بعضها ملوكها من نسل الآلهة. فالآلهة قوة خارقة، والملوك قوة مسيطرة مهيمنة، تفعل في القديم ما تشاء بغير حساب، وهي ألسنة الآلهة الناطقة على الأرض، فلا بد وأن تكون للآلهة إذن صلة بالملوك، ولا بد وأن يكون لملوك الأرض نسب وأن تكون لهم قرابة بالآلهة. وقد فسر بعض الباحثين جملة:"ولد ود"، التي نعت بها أحد ملوك قتبان، تفسيرًا بهذا المعنى، تفسيرًا يعبر عن اعتقاد القوم بأن ملوكهم هم من نسل الإله "ود"1. ولكني أرى أننا لو فسرنا لفظة "ولد" بالمعنى المجازي، أي ولد الإله ود على سبيل المجاز، بمعنى أن الإله منه بمنزلة الوالد من الولد، في العطف والود، فإن هذا التفسير يكون مقبولًا أكثر من تفسير المتسلسل من صلب الإله ود.
1 Handbuch، I، S. 233.
الآلهة:
توصلنا من دراساتنا المتقدمة، إلى أن الآلهة كالبشر ذكورًا وأناثًا. وتوصلنا منها إلى أن القمر. هو مذكر عند جميع العرب على اختلاف لهجاتهم، وأما "الشمس" فهي أنثى عندهم. وأما "النجم" الذي هو "عثتر" فهو ولد عند العرب الجنوبيين. وعلى ذلك فنحن أمام ثالوث سماوي يتألف من إلاهين ذكرين ومن إلاهة أنثى.
وقد عجزنا عن الاهتداء إلى كيفية ظهور هذا الثالوث. أو العائلة الصغيرة المختارة المكونة من ذكرين وأنثى؛ لأننا لم نعثر على نص جاهلي أو غير جاهلي يتحدث عن كيفية ظهوره. وعجزنا عن التوصل إلى علاقة أعضاء هذا الثالوث بعضهم ببعض، وذلك لسبب مماثل، هو عدم وجود نص لدينا يشرح لنا هذه العلاقة! ولم نتمكن من العثور على أي مورد يشرح لنا كيفية ظهور هذه الآلهة، ولا سيما الإله "عثتر" الذي يعد ابنًا للقمر وللشمس.
ولم نعثر ويا للأسف على نصوص جاهلية فيها بعض الشيء عن كيفية التقاء القمر بالشمس، وفي كيفية طلوع "النجم""عثتر" فبينما نجد في اللغات اليونانية والهندية واللاتينية تعابير عن التقاء الشمس بالقمر، فيها معنى النكاح.
نجد أنفسنا قد عجزنا عن الحصول على مثل هذه المصطلحات في النصوص الجاهلية، ولهذا لم نتمكن من تكوين رأي عن تصور الصلة التي كان يراها الجاهليون بين الشمس والقمر. وفي اليونانية والهندية وأساطير الشعوب الأخرى، أن القمر اقترن بالشمس، وتزوج بها، وتغنت بذلك الزواج1.
وبالنظر لوجود الإله الذكر والإلهة الأنثى في نصوص المسند، وفي مؤلفات أهل الأخبار، فلا يستبعد احتمال مجيء يوم قد نعثر فيه على نصوص قد تتعرض إلى أسطورة زواج القمر بالشمس. وفي عربيتنا لفظة "اقتران" نطلقها على اقتران الشمس بالقمر وعلى اقتران الكواكب بعضها ببعض، وترد في كتب النجوم والأنواء. وفي هذه اللفظة معنى الازدواج.
إن هذه الأسطورة التي جعلت من الأجرام السماوية آلهة، وحصرت الألوهية في ثلاثة أجرام منها في الغالب ثم زوجتها وأولدتها، حولت هذا الزواج إلى زواج حقيقي سماوي يشبه زواج الإنسان على سطح الأرض. زواج تكون من ذكر وأنثى، من أب وأم، أنتج ولدًا عند العرب الجنوبيين، وولدين عند شعوب أخرى غير عربية هما كوكبا الصباح والمساء، أو بناتًا هي الملائكة أو الجن عند فريق من الجاهليين.
ونجد الإله "القمر" يلعب دورًا كبيرًا في الأساطير الدينية عند الجاهليين. دورًا يتناسب مع مقامه باعتباره رجلًا بعلًا أي زوجًا، والزوج هو "البعل"، والرب والسيد وصاحب الكلمة على زوجه وأهله عند العرب. وهو القوي ذو الحق، وعلى الزوجة حق الطاعة والخضوع له. وبناء على هذه النظرية جعل الإله القمر صاحب الحول والصول والقوة في عقيدة أهل الجاهلية في الأرباب. ومن هذا الإله القوي الجبار، جاء "الله" بعد أن تحول الثالوث عند بعض الجاهليين إلى "واحد"، واستخلصوا منه عبادة "الله".
وقد عرف القمر بـ"ثور". ولعل ذلك بسبب قرنيه اللذين يذكران بالهلال. دُعي بهذه التسمية، أي "ثور" في الكتابات2. وقد رمز إلى الإله القمر بـ"ثور". عند شعوب سامية قديمة أخرى3.
1 Handbuch، I، s. 206، ff.
2 Glaser 1546، Wiever Museum 5.
3 Handbuch، I، S. 214، D. Nielsen، altarabische Mondreliglon، s. 110.
ونظرًا لأن القمر هو الإله الذكر، صار بمنزلة الأب. فدعي بـ"أبم"، أي "أب". ونعت بمحب" فقيل له "ودم" "ود"؛ لأنه يحب عبيده ويشفق عليهم. وهو "كهلن"، أي القادر والقدير، وهو "حكم"، أي الحاكم والحكيم، وهو "سمعم"، أي السامع والسميع، وهو "علم"، أي العالم والعليم، والبصير المبصر، وهو "نهى"، أي الناهي1، وهو "صدق" الصادق الصديق المتعالي المنعم الكريم إلى غير ذلك من نعوت عرف بها ورمز بها إليه في النصوص.
ويجب أن ننتبه إلى أن الكتابات الجاهلية وكذلك أخبار أهل الأخبار، قد نصَّا على اسم الإلهة الشمس، فدعوها باسمها، أي الشمس. أما القمر، فلا نجد لاسمه الخاص ذكرًا يتناسب مع مقامه. نعم ذكر بـ"شهر" و"سين" في النصوص العربية الجنوبية. و"شهر" القمر في العربيات الجنوبية، ولا زال الناس يسمونه بهذه التسمية في جنوبي جزيرة العرب. لكننا نجد أسماءه المأخوذة من النعوت، أي من صفاته تطغى عليه. فهو "ود" في الغالب في النصوص المعينية. ويظن من لا علم عميق له بالعربيات الجنوبية، أنه اسم إله خاص، بينما هو اسم من أسماء عديدة للإله القمر عند شعب معين، وهو "المقه" أي المنير والنور عند السبئيين، أي صفة للقمر. وهكذا قل عن باقي أسمائه، فهي صفات له في الغالب لا اسم علم خاص به كما في حالة الشمس.
ونحن نجد هذه الظاهرة في روايات أهل الأخبار أيضًا. فبينما تنص أخبار أهل الأخبار على تعبد بعض العرب للشمس وعلى مخاطبتهم لها بـ" الإلاهة" وبـ"لاهة"2. وعلى تعبد بعضهم لزحل أو للمشترى أو لغيرهما من الأجرام السماوية كما تحدثت عن ذلك في موضع آخر، لا نجد للقمر ذكرًا في أخبار أهل الأخبار. فلم يشيروا إلى اسمه ولا إلى تعبد الجاهليين له، حتى ليذهب الظن بعد تتبع جميع ما ورد في تلك الأخبار واستقصائها استقصاء تامًّا أن الجاهليين لم يعرفوا عبادة القمر. والظاهر أن أهل الأخبار كانوا في جهل من عبادة الجاهليين للقمر؛ بسبب ما شاهدوه من تعبد أهل مكة وغيرهم وكذلك القبائل إلى الأصنام وتقربهم
1 Handbuch، I. S. 215، D. Nielsen، Neue Katabanische Inschriften، s. 15.
2 ابن الأجدابي "79".
إليها، وقولهم إنها تقربهم إلى الله، وبسبب نص القرآن الكريم على تعبد الجاهليين وتقربهم للأصنام والأوثان. فذهبوا إلى أنهم كانوا مجرد عبدة أوثان ولم يفطنوا إلى أنهم اتخذوا الأصنام واسطة وشفيعة للآلهة التي هي أجرام سماوية في الأصل. أو لأن أهل الجاهلية القريبين من الإسلام، كانوا قد ابتعدوا عن عبادة الكواكب ولم يعودوا يذكرونها ذكر أجدادهم لها، واختصروا عبادتها، بأن جعلوا من الثالوث إلهًا واحدًا، هو "الله" فتقربوا إليه، وعكفوا يتقربون إليه بالتقرب إلى الأصنام والأوثان. وذلك باتخاذهم إياها رموزًا مشخصة وممثلة للإله على الأرض. فكان لكل قبيلة صنم يقربهم في زعمهم إلى الله.
وإذا أردنا تلخيص ما توصلنا إليه عن آلهة العرب الجنوبيين، قلنا إنهم تعبدوا كما ذكرنا لثالوث سماوي تألف من القمر والشمس ومن عثتر، وهو الزهرة في رأي معظم الباحثين. وقد عرف القمر بـ"ود" عند المعينيين، وبـ"المقه" عند السبئيين، وبـ"عم" عند قتبان، وبـ"سن""سين" عند حضرموت، وبـ"ود" عند أوسان. وعرفت الشمس بـ"نكرح" عند المعينيين، وبـ"شمس" عند السبئيين، وبـ"أثرت""أثيرت" عند القتبانيين، وبـ"شمس" عند أهل حضرموت وأوسان. وعرف "عثتر" بـ"عثتر" عند المعينيين والسبئيين وعند قتبان وأهل حضرموت والأوسانيين1.
وقد رمز الفن العربي الجنوبي إلى هذا الثالوث السماوي المقدس برموز. فرمز إلى القمر بهلال نحت أو نقش على الأحجار والأخشاب والمعادن. والهلال، يشير بالطبع إلى مطلع القمر في أول الشهر القمري. كما أشير إليه برأس ثور ذي قرنين أما الشمس فقد صورت قرصًا أو دائرة، أو كتلة أو هالة، والقرص، صورة طبيعية لقرص الشمس، التي تظهر في السماء قرصًا وهاجًا يبعث الحرارة والنور. وأما الزهرة، فرمز إليها بصورة نجمة في النقوش العربية الجنوبية وبثمانية خيوط إشعاعية في النصوص البابلية2. وهي ذكر وولد عند العرب الجنوبيين.
1 A. Jamme، La Religion Sudarabe Preislamique، in M. Brlllant et R. Algrain Histoire des Religions. IV، Paris، 1956، 239-307، G. Ryckmans، Les Religions Arabes Preislamiques. Bibliotheque de Museon، 26، Louvian 1951، 25-64، G. Ryckmans، De Maangod in de boorislami.
2 Handbuch، I. S. 201، Grohmann، Gottersymbole. S 37-44، H. Primy، Altorientalische Symbolik، berlin، 1915، S. 75، 76، 142..