المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إن الناس كانوا يعلقون القلائد والسيوف على تلك الأصنام. وروايات - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١١

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الحادي عشر

- ‌الفصل الحادي والستون: أديان العرب

- ‌الفصل الثاني والستون: التوحيد والشرك

- ‌مدخل

- ‌ظهور الشرك:

- ‌عبادة الكواكب:

- ‌الشفاعة:

- ‌الأصنام:

- ‌عبادة الأصنام:

- ‌الأصنام:

- ‌الوثن:

- ‌الصلم:

- ‌هيأة الأصنام:

- ‌عبادة الأصنام:

- ‌الحلف بالأصنام والطواغيت:

- ‌الفصل الثالث والستون: أنبياء جاهليون

- ‌الفصل الرابع والستون: الله ومصير الإنسان

- ‌مدخل

- ‌الله الخالق:

- ‌الاعتقاد بإله واحد:

- ‌الجبر والاختيار:

- ‌الموت:

- ‌البعث:

- ‌البلية والحشر:

- ‌الفصل الخامس والستون: الروح والنفس والقول بالدهر

- ‌مدخل

- ‌الرجعة:

- ‌الزندقة:

- ‌القضاء والقدر:

- ‌القدرية:

- ‌الحظ:

- ‌الطبع والطبيعة:

- ‌الفصل السادس والستون: الألهة والتقرب إليها

- ‌مدخل

- ‌الآلهة:

- ‌صفات الآلهة:

- ‌الثواب والعقاب:

- ‌التطاول على الأرباب:

- ‌الفصل السابع والستون: التقرب إلى الآلهة

- ‌مدخل

- ‌القرابين:

- ‌الترجيب:

- ‌البحيرة والسائبة والوصيلة والحام:

- ‌حمى الآلهة:

- ‌الفصل الثامن والستون: رجال الدين

- ‌مدخل

- ‌التبرك برجال الدين:

- ‌تنفيذ الأحكام:

- ‌كسور رجال الدين

- ‌الفصل التاسع والستون: الأصنام

- ‌مدخل

- ‌اللات:

- ‌العزى:

- ‌مناة:

- ‌هبل:

- ‌أصنام قوم نوح:

- ‌ود:

- ‌سواع:

- ‌يغوث:

- ‌يعوق:

- ‌نسر:

- ‌عميأنس:

- ‌إساف ونائلة:

- ‌رضى:

- ‌مناف:

- ‌ذو الخلصة:

- ‌سعد:

- ‌ذو الكفين:

- ‌ذو الشرى:

- ‌الأقيصر:

- ‌نهم:

- ‌عائم:

- ‌سعير:

- ‌الفلس:

- ‌أصنام أخرى:

- ‌المحرق:

- ‌الشمس:

- ‌الفصل السبعون: أصنام الكتابات

- ‌مدخل

- ‌الآلهة التي ورد ذكرها في النصوص:

- ‌الفصل الحادي والسبعون: شعائر الدين

- ‌مدخل

- ‌الصوم:

- ‌التحنث:

- ‌الاختتان:

- ‌الحلال والحرام:

- ‌الفصل الثاني والسبعون: الحج والعمرة

- ‌مدخل

- ‌الحمس والطلس والحلة:

- ‌التلبية:

- ‌التجارة في الحج:

- ‌العمرة:

- ‌الأعياد:

- ‌الفصل الثالث والسبعون: بيوت العبادة

- ‌مدخل

- ‌الاستفسار عن المغيبات:

- ‌تكليم الأصنام:

- ‌أشكال المعابد:

- ‌السقاية:

- ‌المذابح:

- ‌المحارق:

- ‌البخور والمباخر:

- ‌سدنة الآلهة:

- ‌فهرس الجزء الحادي عشر:

الفصل: إن الناس كانوا يعلقون القلائد والسيوف على تلك الأصنام. وروايات

إن الناس كانوا يعلقون القلائد والسيوف على تلك الأصنام. وروايات الأخباريين تؤيد هذه الدعوى؛ إذ نذكر أن الجاهليين كانوا يقدمون الحلي والثياب والنفائس وما حسن وطاب في أعين الناس هدية ونذورًا إلى الأصنام، فكانوا يعلقون ما يمكن تعليقه عليها، ويسلمون الأشياء الأخرى إلى سدنة الأصنام.

وقد ذكر الرحالة الإنكليزي "جيمس هاملتون" أن صخرة اللات كانت لا تزال في أيامه بالطائف. وقد شاهدها فوصفها بأنها صخرة من الغرانيت ذات شكل خماسي، وإن طولها زهاء اثنتي عشرة قدمًا1.

ويظهر أنه كان للات بيت وقبة يحملها الناس معهم حين يخرجون إلى قتال، فينصبان في ساحة الجيش؛ ليشجع المحاربون فيستميتوا في القتال، وينادي المنادون بنداء تلك الأصنام مثل: يا للات، وقد كانت لبقية الأصنام بيوت وقباب أيضًا2، وعادة حمل الأصنام إلى المعارك والحروب وإشراكها مع الناس في القتال بإحضارها ساحة المعارك عادة قديمة، معروفة عند العرب وعند غيرهم. وقد سبق أن قلت إن الآشوريين ذكروا أنهم أسروا أصنام "أريبي" العرب في أثناء قتالهم معهم، أسروها مرارًا، وكانوا يثبتون عليها خبر الأسر. كما أن الفلسطينيين والعبرانيين وغيرهم كانوا يحملون معهم أصنامهم في القتال3.

1 James Hamilton sinai، the Hegaz and Soudan، London، p. 150،"1857"".

2 Das Gotzenbuch، s. 83.

3 صموئيل الأول، الإصحاج الرابع، الآية 5 وما بعدها، صموئيل الثاني، الإصحاح الخامس، الآية 21، الإصحاح 11، الآية 11.

ص: 235

‌العزى:

والعزى صنم أنثى كذلك، وهي أحدث عهدًا في نظر ابن الكلبي من اللات ومناة. وأما الذي اتخذ العزى على رواية ابن الكلبي، فهو ظالم بن أسعد. وضعت "بواد من نخلة الشامية، يقال له حراض، بأزاء الغمير، عن يمين المصعد إلى العراق من مكة، وذلك فوق ذات عرق إلى البستان بتسعة أميال، فبنى عليها بسًا "يريد بيتًا"، وكانوا يسمعون فيه الصوت"1 وينسب إليه بيت العزى كذلك.

1 الأصنام "17 وما بعدها"، البلدان "6/ 165""العزى" سبائك الذهب "104" بلوغ الأرب "2/ 203 وما بعدها" تفسير الطبري "27/ 35"، المحبر "124، 311، 315"، تفسير الطبرسي "27/ 175""طهران".

ص: 235

وقد زعم بعض أهل الأخبار أن "العزى" كان بيتًا بالطائف تعبده ثقيف. ويظهر أن هذا اشتباه قد وقع لهم، وأنهم خلطوا بين اللات والعزى، فتوهموا أن بيت اللات هو العزى فقالوا ما قالوه. ونجد في تفسير الطبري تأييدًا لهذا الرأي1.

وورد في بيت شعر ينسب إلى "حسان بن ثابت" أن بيت العزى كان "بالجزع من بطن نخلة"2.

ويظهر أن العزى كانت "سمرات"، لها حمى، وكان الناس يتقربون إليها بالنذور. وهي بالطبع عبادة من العبادات المعروفة للشجر3. وقد ذكر الطبري روايات عديدة تفيد أن "العزى" شجيرات، ولكنه أورد روايات أخرى تفيد أنها حجر أبيض4، فنحن إذن أمام رأيين: رأي يقول إن العزى شجيرات، ورأي يرى أنها حجر. وذكر "ابن حبيب" أن العزى شجرة بنخلة عندها وثن تعبدها غطفان، سدنتها من بني صرمة بن مرة5. وذكر غيره أنها سمرة لغطفان6.

وقد تسمى العرب وقريش بالعزى، فقالوا:"عبد العزى"7 وقد أقسموا بها، ولها يقول درهم بن زيد الأوسي:

إني ورب العزى السعيدة

والله الذي دونه بيته سرف8

وأقدم من سمي باسم "عبد العزى" في رأي ابن الكلبي هو عبد العزى بن كعب9. وقد ذكر ابن دريد أسماء عدد من أهل مكة عرفوا بـ"عبد العزى".

1 تفسير الطبري "27/ 35"، "العزى بيت بالطائف تعبده ثقيف".

2 الأزرقي، "ص78 وما بعدها".

3 أخبار مكة، للأزرقي "2/ 74"، اللسان "5/ 378"، "عز" تاج العروس "4/ 55"، تفسير الخازن "6/ 217 وما بعدها" الشوكاني، فتح "5/ 105"، تفسير البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي "8/ 160 وما بعدها" تفسير ابن كثير "4/ 253".

4 تفسير الطبري "27/ 35".

5 المحبر "315" تفسير الطبرسي "27/ 48 وما بعدها، تفسير البيضاوي "1/ 199".

6 مراصد الاطلاع "937".

7 الأصنام "16 وما بعدها".

8 الأصنام "13""روزا"، مراصد الاطلاع "937".

9 الأصنام "18".

ص: 236

منهم بـ"عبد العزى بن قصي"، و"عبد العزى بن عبد مناف"، و"عبد العزى بن عبد المطلب"1.

ويظهر من هذا الشعر المنسوب إلى "زيد بن عمرو بن نفيل":

تركت اللات والعزى جميعًا

كذلك يفعل الجلد الصبور

فلا العزى أدين ولا ابنتيها

ولا صنمي بني غنم أزور2

إن عباد العزى كانوا يتصورونها أمًّا، ولها ابنتان، ولعله أراد بـ"ابنتيها" اللات ومناة. وقد نسب بعض أهل الأخبار عبادة العزى إلى عمرو بن لحي جريًا على عادتهم في نسبة عبادة الأوثان إليه، فقالوا إنه قال لعمرو بن ربيعة والحارث بن كعب عن ربكم يتصيف باللات لبرد الطائف، ويشتو بالعزى لحر تهامة3. وفي رواية لابن إسحاق: إن عمرو بن لحي اتخذ العزى بنخلة، فكانوا إذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة، لم يحلوا حتى يأتوا العزى، فيطوفون بها، ويحلون عندها، ويعكفون عندها يومًا، وكانت لخزاعة وكانت قريشًا وبنو كنانة كلها تعظم العزى مع خزاعة وجميع مضر. وكان سدنتها الذين يحجبونها بنو شيبان من بني سليم، حلفاء بني هاشم4.

وتشير رواية من زعم أن عمرو بن لحي قال لقومه: "إن ربكم يتصيف باللات لبرد الطائف، ويشتو بالعزى لحر تهامة"، صحت أو لم تصح، إلى وجود صلة بين اللات والعزى، وقد ذكرى العزى بعد اللات في القرآن الكريم. وكذلك ترد بعد اللات في جميع روايات الأخباريين مما يشير إلى وجود صلة بين اللات والعزى. ولا يستبعد أن تكون هذه الصلة بين الصنمين قد جاءت إلى أهل الحجاز من بلاد الشأم من أهل تدمر وبادية الشام والصفويين، إذ وردا وكأنهما إلهان متقابلان، فحمل ذلك بعض المستشرقين على تصور أنهما يمثلان كوكبين: كوكب الصباح وكوب المساء5.

1 الاشتقاق "348""الفهرست".

2 الأصنام "14""روزا".

3 الأزرقي، أخبار مكة "1/ 74""باب ما جاء في اللات والعزى".

4 الأزرقي "1/ 74 وما بعدها".

5 العرب في سوريا قبل الإسلام "125".

ص: 237

والعزى مثل اللات ومناة من الآلهة المعبودة عند عرب العراق وعرب بلاد الشأم، وعد النبط والصفويين. وقد ذكر اسم العزى مرتين في المصادر المؤلفة بعد الميلاد، وأشار إسحاق الأنطاكي Isaac of Antioch من رجال القرن الخامس للميلاد، إلى اسم العزى في حديثه عن مدينة "بيت حور" Beth – Hur ودعاها بـ Beltis، وسماها "كوكبتا". ويظن أن "كوكبتا" Kawkabta، أي "كوكبة" المذكورة في المصادر السريانية، هي أنثى كوكب، تعني الكوكب الذي يظهر عند الصباح، وهو العزى عند الجاهليين ويراد بها "الزهرة" Venus عند النبط2. حيث اتخذوا لها معبدًا في مدينة "بصرى" في منطقة "رم" عرف بـ"بيت إيل". وقد نص "بروكوبيوس"، Procopius على أنها "أفروديت"3. وهي كناية عن القمر على رأي بعض المستشرقين4.

ولعل العزى هي "ملكة السماء Melekheth Hash – Shama المذكورة في سفر "أرميا"5، وقد جاء فيه: أن أهل "أورشليم" كانوا يصنعون كعكًا، يتقربون به إلى تلك الإلهة: إلهة السماء. وقد كان الجاهليون يتقربون بالخبز والكعك إلى "كوكب السماء"6

ويظهر من ورود اسم امرأة هو: "أمت عزى"، أمة العزى"، في نص عربي جنوبي، أن عبادة العزى كانت معروفة هناك وقد قدم أحد العرب تمثالًا من ذهب إلى هذه الإلهة7.

وقد كان آل لخم، ملوك الحيرة، ينحرون الأسرى قربانًا للعزى. وقد زعم بعض المؤرخين السريان أن "المنذر بن ماء السماء" ضحى بأربع مائة راهبة للعزى8.

1 Reste، s. 40، Ency. Vol. IV، p. 1059، Rothstein، s. 81، 141. Shorter Ency. Of Islam. P. 617.

2 Arabien، s. 82.

3 Procopius، De Bello Persi، II، 28، Arabien، s. 28، 82. Arabien، S. 82، Reste، S. 40، Ryckmans، 15.

4 Arabien، s. 82، Reste، s. 40، Ryckmans، 15.

5 أرميا، الإصحاح السابع، الآية 18 وما بعدها".

6 Hastings، p. 778، Das Gotzenbuch، s. 95.

7 Das Gotzenbuch، S. 94.

8 Malalas، II، 166، Noleke، Sassaniden، s. 171، Ghass، II، Anm. 3. Theophanes، 273، Land. Anecd. Syr، III، 247، Rothstein، s. 81. Paulys-Wissowa، Erster Halband. 1893، S. 12841.

ص: 238

وذكر "إسحاق الأنطاكي" أن العرب كانوا يقدمون الأولاد والبنات قرابين للكوكبة "كوكبتا" فينحرونهم لها، ويقصد بـ"كوكبتا" العزى1.

وكانت قريش تتعبد للعزى، وتزورها وتهدي إليها، وتتقرب إليها بالذبائح. وذكر ابن الكلبي أنها كانت أعظم الأصنام عند قريش، وأن قريشًا كانت تطوف بالكعبة وتقول:"واللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى. فإنهن الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى". وكانوا يقولون: هن بنات الله، وهن يشفعن إليه. وكانت قريش قد حمت لها شعبًا من وادي حراض، يقال له سقام يضاهون به حرم الكعبة، وكان لها منحر ينحرون فيه هداياهم، يقال له الغبغب، فكانوا يقسمون لحوم هداياهم فيمن حضرها وكان عندها2.

وكانت قريش تستعين بأصنامها حين تحارب، تستجير بها وتستمد منها العون في الحرب3؛ لتبعث الهمة والنشاط في النفوس بذكرها. فلما كان يوم أحد نادى "أبو سفيان""اعل هبل، اعل هبل" فقال المسلمون: "الله أعلى وأجل". فقال "أبو سفيان": "لنا العزى ولا عزى لكم" فقال المسلمون: "الله مولانا ولا مولى لكم"4.

ويقول ابن الكلبي أيضًا: ولم تكن قريش بمكة ومن أقام بها من العرب يعظمون شيئًا من الأصنام إعظامهم العزى، ثم اللات، ثم مناة. فأما العزى، فكانت قريش تخصها دون غيرها بالزيارة والهدية. وكانت ثقيف تخص اللات كخاصة قريش للعزى وكانت الأوس والخزرج تخص مناة كخاصة هؤلاء الآخرين، وكلهم كان معظمًا لها"، أي للعزى5.

ولابن الكلبي رأي في إقبال قريش على العزى. إذ يقول: "فأما العزى، فكانت قريش تخصها دون غيرها بالزيارة والهدية. وذلك فيما أظن لقربها منها"6. فجعل قرب بيت العزى من قريش هو السبب في إقبال قريش عليها.

1 Isaak von Antiochia، Opera، I، 220. "ed، Bickell" reste، s. 40..

Das Gotzenbuch، s. 96.

2 الأصنام "18" وما بعدها، "12""طبعة روزا كلينكه روزنبركر" بمدينة "لايبزك 1941م".

3 Arabien، s. 83.

4 تفسير ابن كثير "4/ 253"، الطبري "2/ 526"، "معركة أحد".

5 الأصنام "27".

6 الأصنام "16""روزا".

ص: 239

وهو يرى هذا الرأي نفسه حين تكلم على الأصنام: ود، وسواع، ويعوق، ونسر، وقارن بينها وبين الأصنام اللات والعزى ومناة؛ إذ قال:"ولم يكونوا يرون في الخمسة الأصنام التي دفعها عمرو بن لحي.... كرأيهم في هذه ولا قريبًا من ذلك. فظننت أن ذلك كان لبعدهم منهم"1.

وقال ابن الكلبي في كتابه الأصنام "وقد بلغنا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذكرها يومًا. فقال: لقد أهديت للعزى شاة عفراء، وأنا على دين قومي"2.

وكان فيمن يتقدم إلى العزى بالنذور والهدايا، والد خالد بن الوليد، ذكر خالد أن والده كان يأتي العزى بخير ما له من الإبل والغنم، فيذبحها للعزى، ويقيم عندها ثلاثة أيام3.

وممن تعبد للعزى بنو سليم وغطفان وجشم ونصر وسعد بن بكر4. وغني وباهلة وخزاعة وجميع مضر وبنو كنانة. وقد ارتبطت قبائل غطفان بعبادة العزى وتقديسها بصورة خاصة، حتى لقد ذكر "ياقوت الحموي" أن "العزى سمرة كانت لغطفان يعبدونها، وكانوا بنوا عليها بيتًا، وأقاموا لها سدنة"5. وقد عرف البيت بـ"كعبة غطفان"6. وذكر "الطبري" أن العزى "صنم لبنى شيبان"، بطن بن سليم حلفاء بن هاشم، وبنو أسد بن عبد العزى، يقولون: هذا صنمنا، وأنها "كانت بيتًا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها"7. وقد تعبدت لها ثقيف، بأن اتخذت لها صنمًا8. والظاهر أن قريشًا كانت تعد العزى حامية وشفيعة لها9.

وكان لحرم العزى شعب حمته قريش للصنم، يقال له سقام في وادي حراض

1 الأصنام "17""روزا".

2 الأصنام "18" وما بعدها" "12" "طبعة روزا روزنبركر".

3 الأزرقي، أخبار مكة "78 وما بعدها".

4 تفسير الطبرسي، مجمع البيان "5/ 364"، اليعقوبي "1/ 225".

5 البلدان "6/ 166"، "4/ 116""صادر".

6 Shorter Ency، p. 617، Arabien s. 83.

7 الطبري "3/ 65"، "دار المعارف".

8 Arabien، s. 83، Doughty، Documents Epigraphiques، 35، Traveis in Arabia Deserta، II، P. 511، 515.،

9 Arabien، s. 83.

ص: 240

على طريقة قريش في اتخاذ حرم للكعبة. وقد صار هذا الحمى موضعًا آمنًا لا يجوز التعدي فيه على أحد، ولا قطع شجره، ولا القيام بعمل يخل بحرمة المكان1. فذاك قول أبي جندب الهذلي تم القردي في امرأة كان يهواها، فذكر حلفها له بها:

لقد حلفت جهدًا يمينًا غليظة

بفرع التي أحمت فروع سقام2

وينسب "ابن الكلبي" بناء "بيت العزى" إلى "ظالم بن أسعد"؛ إذ يقول: "بس: بيت لغطفان بن سعد بن قيس عيلان كانت تعبده. بناه ظالم بن أسعد بن ربيعة بن مالك بن مرة بن عوف، لما رأي قريشًا يطوفون بالكعبة ويسعون بين الصفا والمروة، فذرع البيت. ونص العباب: وأخذ حجرًا من الصفا وحجرًا من المروة، فرجع إلى قومه، وقال: يا معشر غطفان، لقريش بيت يطوفون حوله والصفا والمروة، وليس لكم شيء، فبنى بيتًا على قدر البيت، ووضع الحجرين فقال: هذان الصفان والمروة فاجتزئوا به عن الحج فأغار زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة الكلبي، فقتل ظالمًا، وهدم بناءه"3.

وجاء في رواية أخرى أن "بني صداء" قالوا: أما والله لنتخذن حرمًا مثل حرم مكة، لا يقتل صيده، ولا يعضد شجره، ولا يهاج عائذه، فوليت ذلك بنو مرة بن عوف. ثم كان القائم على أمر الحرم وبناء حائطه رباح بن ظالم ففعلوا ذلك، وهم على ماء لهم يقال له بس، فلما بلغ فعلهم هذا وما أجمعوا عليه زهير بن جناب، قال: والله لا يكون ذلك وأنا حي، ولا أخلي غطفان تتخذ حرمًا أبدًا، ثم سار في قومه حتى غزا غطفان، وتمكن منها، واستولى على الحرم، وقطع رقبة أسير من غطفان به، وعطل الحرم وهدمه4.

وذكر بعض أهل الأخبار، أن العزى صنم كان لقريش وبني كنانة، أو سمرة عبدتها غطفان بن سعد بن قيس عيلان. أول من اتخذها منهم "ظالم بن أسعد".

1 البلدان "5/ 91"، "6/ 166".

2 الأصنام "12""روزا".

3 الأغاني "21/ 63"، تاج العروس "4/ 109"، البلدان "2/ 179"، اللسان "7/ 327"، "بس".

4 الأغاني "21/ 63".

ص: 241

فوق ذات عرق إلى البستان بتسعة أميال، بالنخلة الشامية بقرب مكة، وقيل بالطائف، بنى عليها بيتًا وسماه بُسًا، وقيل بساء، وأقاموا لها سدنة مضاهاة للكعبة، وكانوا يسمعون فيها الصوت، فبعث إليها رسول الله خالد بن الوليد، عام الفتح، فهدم البيت وقتل السادان وأحرق السمرة1.

ويظهر مما تقدم أن البيت هدم مرتين: مرة في الجاهلية، على يد زهير بن جناب، وقتل إذ ذاك بانيه ظالم، والمرة الثانية عام الفتح على يد خالد بن الوليد2.

وأما سدنة العزى، فكانوا من بني صرمة بن مرة، أو من بني شيبان بن جابر بن مرة بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن عتبة بن سليم بن منصور. فهم من بني شيبان، من بني سليم حلفاء بني هاشم3.

وكان آخر سادن للعزى "دبية بن حرمي السلمى ثم الشيباني"، قتله خالد بن الوليد بعد هدمه الوثن والبيت وقطعة الشجرة أو الشجرات الثلاث4. وفي رواية: أن هدم العزى كان لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان، وكان سادنها أفلح بن النضر السلمي من بني سليم. فلما حضرته الوفاة دخل عليه أبو لهب يعوده وهو حزين، فقال له: مالي أراك حزينًا؟ قال: أخاف أن تضيع العزى من بعدي. قال أبو لهب: فلا تحزن، فأنا أقوم عليها بعدك فجعل أبو لهب يقول لكل من لقي: إن تظهر العزى، كنت قد اتخذت عندها يدًا بقيامي عليها، وإن يظهر محمد على العزى، وما أراه يظهر، فابن أخي فأنزل الله تبارك وتعالى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} 5 وتدل هذه الرواية إن صحت على أن أفلح بن النضر لم يكن آخر سادن للعزى وأن الهدم لم يكن في حياته، وإنما كان بعد وفاته.

وتشبه هذه القصة قصة أخرى وردت في الموضوع نفسه، عن أبي أحيحة.

1 تاج العروس "4/ 55"، "عزز".

2 تاج العروس "4/ 109"، "بس".

3 الطبري "3/ 65"، "دار المعارف"، تاج العروس "4/ 56"، "عزز".

4 البلدان "6/ 167 وما بعدها" بلوع الأرب "2/ 205"، ابن هشام "1/ 65""هامش الروض الأنف"، الطبري "3/ 123"، "3/ 65"، "دار المعارف"، الأصنام "15""روزا"، "ودبية بن حرمس السلمي سادن العزى"، تاج العروس "10/ 124"، "دبي".

5 أخبار مكة، للأزرقي "1/76"، البلاذري، أنساب "1/ 121".

ص: 242

وأبي لهب. فلما مرض أبو أحيحة، وهو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، مرضه الذي مات فيه، كان أهم ما شغل باله عبادة العزى وخشيته أن لا تعبد من بعده، فلما أجابه أبو لهب مهونًا عليه الأمر: رد والله ما عبدت حياتك "لأجلك"، ولا تترك عبادتها بعدك لموتك! سره هذا الجواب، وأفرج عنه. فقال:"الآن علمت أن لي خليفة"1.

ويروي ابن الكلبي أن الرسول أمر بالقضاء على العزى، وذلك عام الفتح، فلما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد فقال له: ائت بطن نخلة، فإنك تجد ثلاث سمرات، فاعضد الأولى. فأتاها فعضدها، فلما جاء إليه عليه السلام: هل رأيت شيئًا؟ فقال: لا، قال: فاعضد الثانية؟ فأتاها فعضدها. ثم أتى النبي عليه السلام، فقال: هل رأيت شيئًا؟ قال: لا. قال: فاعضد الثالثة. فأتاها. فإذا هو بحبشية نافشة شعرها، واضعة يديها على عاتقها، تصرف بأنيابها، وخلفها دبية بن حرمي الشيباني ثم السلمي، وكان سادتها. فلما نظر إلى خالد، قال:

أعز شدي لا تكذبي

على خالد ألقي الخمار وشمري

فإنك إلا تقتلي اليوم خالدًا

تبوئي بذل عاجلًا وتنصري

فقال خالد:

يا عز كفرانك، لا سبحانك

إني رأيت الله قد أهانك

ثم ضربها ففلق رأسها، فإذا هي حممة. ثم عضد الشجرة، وقتل دبية السادن ثم أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال: تلك العزى، ولا عزى بعدها للعرب. أما أنها لن تعبد بعد اليوم2.

1 الأصنام "23".

2 الأصنام "15 وما بعدها""روزا" ويختلف نص الشعر المذكور المنسوب إلى "دبية" في كتاب الأصنام بعض الاختلاف عن نص تأريخ الطبري "3/ 65". إمتاع الأسماع "1/ 398"، تفسير الطبرسي "27/ 48 وما بعدها" روح المعاني "27/ 47 وما بعدها". الأزرقي "78 وما بعدها".

ص: 243

ويظهر من شعر لـ"أبي خراش الهذلي" أن "دبية" كان كريمًا، يطعم الناس، عظيم القدر، له جفنة حين الشتاء، وقد مدحه؛ إذ حذاه نعلين جيدين، كما رثاه يوم قتل بأبيات ذكرها "ابن الكلبي" في كتابه الأصنام1.

وذكر بعض أهل الأخبار أن "خالد بن الوليد" هدم بيت العزى عام الفتح، وقتل إذ ذاك سادنه "ربيعة بن جرير السلمي"2. وروايات الأخباريين عن العزى يكتنفها شيء من الغموض واللبس، ويدل ذلك على أنهم لم يكونوا على علم تام بالعزى فبينما هم يذكرون أن العزى شجرة أو سمرة3. تراهم يذكرون في روايات أخرى أنها شيطانة تأتي ثلاث سمرات، أي أن العزى هي تلك الشيطانة، لا السمرة أو السمرات الثلاث4، ثم تراهم يذكرون في روايات أخرى أن العزى صنم، وأن الرسول حينما أمر خالد بن الوليد بهدمه، قال له لما هدم العزى، وعاد:"أرأيت شيئًا؟ قال: لا، قال: فارجع فاهدمه، فرجع خالد إلى الصنم فهدم بيته، وكسر الصنم، فجعل السادن يقول: أعزى اغضبي بعض غضباتك. فخرجت عليه امرأة حبشية عريانة مولولة، فقتلها وأخذ ما فيها من حلية، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فقال: تلك العزى، ولا تعبد العزى أبدًا"5. ومعنى هذا أن العزى صنم، كان في داخل بيت العزى، وأن خالد بن الوليد كسره، وهدم بيته ولم يكن شجرة. أما تلك السمرة أو السمرات الثلاث، فلم تكن إلا أشجارًا نبتت في حرم البيت. لذلك صارت محرمة لا يجوز مسها بأي سوء كان.

وقد سمى بعض أهل الأخبار اسم آخر سدنة العزى "دبية" و"دبية بن

1 الأصنام "14 وما بعدها""روزا".

2 تاج العروس "4/ 109"، "بس"، ابن سعد، حلقات "2/ 146".

3 السمر: شجر صغار الورق قصار الشوك وله برمة صفراء يأكلها الناس، وليس في العضاه شيء أجود خشبًا من السمر، بلوغ الأرب "2/ 304"، تاج العروس "4/ 109"، "بس".

4 البلدان "6/ 167 وما بعدها"، المحبر "315" بلوغ الأرب "2/ 204"، الأصنام "15 وما بعدها""روزا".

5 الطبري "3/ 65""دار المعارف"، روح المعاني "27/ 47 وما بعدها".

ص: 244

حرمس السلمي"1، وسماه بعض آخر "ربية السلمي"، و"ربية بن جرمي"2، و"ربيعة بن جرير السلمي"3.

والرأي المعقول المقبول، هو أن العزى صنم، له بيت وأمامه غبغب، أي خزانة يضع فيها العباد المؤمنون بالعزى هداياهم ونذورهم لها.

كما كانوا ينحرون لها؛ إذ لا يعقل أن يقال إن خالد كسر الصنم وهدم بيته4. ثم لا يكون العزى صنمًا بل يكون شجرة أو شجرات. وأما الشجيرات، فإنها شجيرات مقدسة أيضًا؛ لأنها في حرم العزى، وشجر الحرم هو شجر مقدس لا يجوز قطعه، ولذلك كان أهل مكة يتجنبون مس شجر الحرم بسوء، فلما أراد "قصي" اعتضاده، هابت قريش عمله وخافت سوء العاقبة، ونهته عن مسه بسوء، ولكنه أقدم على قطعه، لم يبال برأيهم، ولم يحفل بنصائحهم، فقطعه. وكان بيت العزى يسمع فيه الصوت. وقد ذكر الأخباريون أنه كان في كل من اللات والعزى ومناة شيطانة، تكلمهم، وتظهر للسدنة وقد نسبوا ذلك إلى صنع إبليس5. والظاهر أن الحبشية المذكورة التى قتلها خالد، وزعم أنها شيطانة إن صح ما ذكره الرواة عن وجودها، كانت امرأة كان السادن يخفيها في موضع سري، وهي التي تجيب عن أسئلة السائلين فينسب السادن كلامها إلى العزى.

ومما يؤيد رأيي في أن "العزى" صنم، ما ورد في تفسير "الطبري" من قوله:"بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم" خالد بن الوليد إلى شعب بسقام ليكسر العزى، فقال سادنها، وهو قيمها: يا خالد أنا أحذركها إن لها شدة لا يقوم إليها شيء. فمشى إليها خالد بالفأس فهشم أنفها6. مما يدل على أنها كانت صنمًا أنثى، أي تمثالًا لامرأة؛ لأنها أنثى.

ويظهر من هذا البيت:

أما ودماء مائرات تخالها

على قنة العزى وبالنسر، عندما7

إن عبَّاد العزى كانوا قد لطخوا قنة الصنم، أي أعلاه ورأسه بدم الأضاحي. وكذلك فعل عبَّاد الصنم نسر بقنة صنمهم.

1 بلوغ الأرب "2/ 204".

2 تاج العروس "4/ 55 وما بعدها"، "عزز".

3 تاج العروس "4/ 109"، "بس".

4 المحبر "123".

5 الأزرقي "1/ 75"، "باب ما جاء في اللات والعزى".

6 تفسير الطبري "24/ 5"، تفسير القرطبي "15/ 258".

7 اللسان "13/ 349"، "قنن".

ص: 245