الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في بني إسرائيل: ففعل فرغبت عنه، لما علمت أن ليس فيهم مثلها، فأرادت سيئًا. فدعا الله تعالى عليها أن يجعلها كلبة نباحة، فذهبت فيها دعوتان. فجاء بنوها، فقالوا: ليس لنا على هذا قرار، قد صارت أمنا كلبة يعيرنا بها الناس. فادع الله تعالى: أن يردها إلى حالها التي كانت عليها، ففعل. فعادت كما كانت: فذهبت الدعوات الثلاث بشؤمها، وبها يضرب المثل1.
ونجد عقيدة "المسخ" عند غير العرب أيضًا. ففي التوراة أن الله مسخ امرأة لوط، فصارت عمود ملح2. ونجدها عند الهنود وعند غيرهم من الأمم القديمة. وقد تسرب من اليهودية إلى العرب المسلمين كثير من القصص الوارد في المسخ.
وقد أنكر بعض المتكلمين "المسخ" وأنكره قوم آخرون، لكنهم جوزوا "القلب" وهو أن يُقلب ابن آدم قردًا من غير أن ينقص من جمسه طولًا أو عرضًا3.
1 تاج العروس "4/ 109"، "بس".
2 التكوين، الإصحاح 19، الآية 24 وما بعدها.
3 الحيوان "4/ 73".
الزندقة:
وقد أشار بعض الأخباريين إلى اعتقاد بعض قريش بالنور والظلمة زاعمين أنهم أخذوه من الحيرة. ويسمي الأخباريون أصحاب هذا الرأي "الثنوية"، وأطلقوا علي تلك الفئة المذكورة من قريش:"الزنادقة"1. ولم يذكروا شيئًا عن زندقة تلك الجماعة من قريش ولا عن رجالها. وأشار بعض أهل الأخبار إلى وجود الزندقة والتعطيل في قريش: "وكانت الزندقة والتعطيل في قريش"2.
وقد وصفوا الزنديق بأنه القائل بدوام بقاء الدهر3، ولا يؤمن بالآخرة وبوحدانية الخالق. فهو دهري ملحد لا يؤمن بوجود إله واحد، وهو من الثنوية" على
1 اللسان "12/ 12""زندق"، "10/ 147"، "بيروت 1956"، تاج العروس "6/ 273" وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الحيرة" المعارف "621" المعرب، للجواليقي "166".
2 البدء والتأريخ، "4/ 31" بلوغ الأرب "2/ 228".
3 اللسان "10/ 147""بيروت 1956"، واللسان "12/ 12"، "زندق""بولاق".
رأي بعض العلماء1. وإلى هذا المعنى في تفسير زندقة قريش، ذهب أكثر أهل الأخبار. وقد عد "أبو العلاء" المعري "شداد بن الأسود الليثي" المعروف أيضًا بـ"ابن شعوب" وهي أمه، شاعر زنادقة قريش. وذلك لشعره الذي فيه:
ألا من مبلغ الرحمن عنى
…
بأني تارك شهر الصيام
إذا ما الرأس زايل منكبيه
…
فقد شبع الأنيس من الطعام
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا؟
…
وكيف حياة أصداء وهام
أتترك أن ترد الموت عني
…
وتحييني إذا بليت عظامي2
والزندقة كلمة معربة، ذكر علماء اللغة أنها أخذت من الفارسية، أريد بها في الأصل الخارجون والمنشقون على تعاليم دينهم، فهي في معنى "هرطقة". وقد صار لها في العهدين: الأموي والعباسي مدلول خاص، حيث قصد بها "الموالي الحمر"، الذين تجمعوا في الكوفة، وكانوا يظهرون الإسلام ويبطنون تعاليم المجوسية والإلحاد3.
وفي كلام أهل الأخبار عن الزندقة ووصفهم لزندقة قريش إبهام وغموض وخلط. وإذا كان الزنديق هو القائل ببقاء الدهر، وبعدم وجود عالم ثانٍ بعد المون، فتكون الزندقة "الدهرية" ويكون الزنديق هو الدهري لقوله بالدهر وبأبدية الكون والمادة4. أما القول بالثنوية: بالنور والظلمة، وبالكفر والإلحاد فشيء آخر، يختلف عن القول بالدهر. والظاهر أن الجمع بين القول بالدهر وبالقول بالنور والظلمة وبالكفر والإلحاد، إنما وقع في الإسلام، بسبب الخلط الذي وقع بين المعنى المفهوم للفظة في الفارسية القديمة وفي الفارسية الحديثة، وبالمعنى الذي ظهر للكلمة في الإسلام. والذي تحول إلى زندقة بغيضة تحوي العناصر المذكورة، والتي كانت تؤدي بمن يتهم بها إلى القتل.
1 اللسان "10/ 147"، "زندق" الغزالي، فيصل المتفرقة بين الإسلام والزندقة "173"، "1961".
2 رسالة الغفران "421 وما بعدها".
3 "والحمراء العجم، لبياضهم، ولأن الشقرة أغلب الألوان عليهم"، اللسان "5/ 288""حمر"، Shorter Ency. Of Islam، p. 659، Muh Stud، I، S. 150.
4 المعرب "ص166 وما بعدها"، اللسان "12/ 12"، "10/ 147"، طبعة دار بيروت "1956م".
وقد أشير في القرآن الكريم إلى وجود القائلين بالدهر: "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا، نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر"1. وهو على حد قول المفسرين والأخباريين، من لا يؤمن بالآخرة وبوحدانية الله. وهو مذهب ودين كان عليه كثير من أهل الجاهلية، يسخر من البعث بعد الموت، ويرى استحالة ذلك. ولم يذكر المفسرون أن من عقيدة هؤلاء القول بالثنوية، أي بالنور والظلمة، وبوجود إلهين: إله الخير وإله الشر.
وقد ذكر "محمد بن حبيب" أسماء "زنادقة قريش"، فجعلهم "أبو سفيان بن حرب"، و"عقبة بن أبي معيط"، و"أبي بن خلف الجمحي"، و"النضر بن الحارث بن كلدة"، و"منبه" و"نبيه" ابنا "الحجاج" الهميان، و"العاص بن وائل" السهمي، و"الوليد بن المغيرة" المخزومي. وذكر أنهم "تعلموا الزندقة من نصارى الحيرة"2. فربط هنا بين الزندقة وبين "نصارى الحيرة". وقد هذب "ابن قتيبة" أيضًا، إلى أخذ قريش الزندقة من الحيرة3.
والذي نعرفه عن المذكورين أنهم كانوا من المتمسكين الأشداء بعبادة الأصنام: وقد كان "أبو سفيان" يستصرخ "هبل" على المسلمين يوم أحد. ويناديه: "اعل هبل، اعل هبل"، وقد نص على أنه كان من أشد المتحمسين لعبادة الأصنام4. ولم يذكر أحد من أهل الأخبار، أنهم كانوا ثنويين على رأي المجوس، يقولون بإلهين، بالنور والظلمة، وأنهم تعبدوا للنار، أو تأثروا برأي مزدك أو ماني الذي أضيف إليه الزندقة، ولا نجد في آرائهم المنسوبة إليهم وفي حججهم في معارضه الرسول ما يشير إلى "زندقة" بمعنى "ثنوية"، لذلك فزندقة من ذكرت لا يمكن أن تكون بهذا المعنى ولا على هذه العقيدة5.
وللوقوف على زندقة من ذكرت من رجال قريش، ولتحديد معنى زندقتهم، يجب الرجوع إلى ما نسب إليهم من آراء وإلى ما عارضوا به الرسول وحاربوه.
1 الجاثية، الآية 23.
2 المحبر "161"، "زنادقة قريش".
3 المعارف "621" الأعلاق النفسية "217".
4 اللسان "14/ 212"، تاج العروس "8/ 162"، "هبل"، الأصنام "28".
5 راجع معنى الزندقة في مروج الذهب "1/ 275"، "أثناء حديثه على بهرام".
من أجله. ويمكن حصر ذلك في أمرين: التقرب إلى الأصنام والتعبد لها، والدفاع عنها بقولهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 1، ولا علاقة لهذه العقيدة بالزندقة. والأمر الثاني، هو القول بالدهر وبالتعطيل، أي بنكران البعث والحشر والنشر. ويتجلى ذلك في قولهم لرسول الله: إن كنت صادقًا فيما تقول: فابعث لنا جدك: "قصي بن كلاب"، حتى نسأله عما كان ويحدث بعد الموت، وأمثال ذلك مما له علاقة بنفي وقوع البعث. وهو الذي له صلة بالزندقة. فالزندقة بهذا المعنى قول الدهر وبدوامه ونكران للبعث، لا الثنوية بمعنى القول: بالنور والظلمة.
وأما ما يرويه أهل الأخبار من أخذ زنادقة قريش زندقتهم من الحيرة2، أو من نصارى الحيرة3، فإن فيه تأييدًا لما قلته من أن الزندقة لا تعني المجوسية والثنوية، وإنما القول بالدهر، وإنكار المعاد الجسماني4. وهو قول قريب من قول من أنكر بعث الأجسام، وآمن ببعث الروح فقط من النصارى ومن غيرهم من أهل الأديان.
والزندقة بهذا المعنى قريبة من رأي القائلين بالدهر، وهم "الدهرية" الذين أشير إليهم في القرآن الكريم، في الآية:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} 5. وهم من يقول ببقاء الدهر، وبنكران البعث والآخرة، والخالق والرسل والخلق على بعض الآراء، وينسبون كل شيء إلى فعل الدهر، أي الأبدية مع التأثير في حياة الإنسان وفي العالم. ولهذا أضافوا إليه بعض الألفاظ والنعوت التي تشير إلى وجود هذا التأثير في الحياة فقالوا: يد الدهر، وريب الدهر، وعدواء الدهر، و"الدهر لا يبقى على حدثانه"، و"الدهر يحصد رببه ما يزرع"، وأمثال ذلك من تعابير، فنسبوا إليه الفعل في الكون وفي كل ما فيه6.
1 الزمر، سورة رقم 39، الآية 3.
2 المعارف "621".
3 المحبر "621".
4 مروج "2/ 102"، "ذكر ديانات العرب وآرائها في الجاهلية".
5 الجاثية، سورة رقم 45، الآية 24، تفسير الطبري "25/ 151"، القاهرة 1954".
6
ألم أخبرك أن الدهر غول
…
ختور العهد يلتهم الرجالا
ألا إنما الدهر ليال وأعصر
…
وليس على شيء قويم بمستمر
السندوبي "83، 171".
ونسبوا الإماتة إلى الدهر، فقالوا:"وما يهلكنا إلا الدهر" أي وما يميتنا إلا الأيام والليالي، أي مرور الزمان وطول العمر، إنكارًا منهم للصانع. قال أحدهم:
فاستاثر الدهر الغداة بهم
…
والدهر يرميني وما أرمي
يا دهر قد أكثرت فجعتنا
…
بسراتنا ووقرت في العظم1
فكانوا في الجاهلية يضيفون النوازل إلى الدهر، والنوازل تنزل بهم من موت أو هرم، فيقولون أصابتهم قوارع الدهر وحوادثه، وأبادهم الدهر، فيجعلون الدهر الذي يفعله، فيذمونه ويسبونه. وقد ذكروا ذلك في أشعارهم2.
ومن الجمل التي تنسب الفعل إلى الدهر، قولهم:"أصابتهم قوارع الدهر وحوادثه، وأبادهم الدهر"، والدهر يجلب الحوادث، ففي هذه الجمل وأمثالها معنى أن ما ينزل بالإنسان من قوارع، وما يحل به من إبادة هو بفعل الدهر، فهو إذن المهيمن على العالم والمسخر له3.
وقد كان هذا الاعتقاد راسخًا في نفوس كثير من الجاهليين، وفي نفوس كثير ممن أدرك الإسلام فأسلم، فكانوا إذا أصيبوا بمكروه وبحادث مزعج نسبوا حدوثه إلى الدهر. فسبوه كما يتضح من حديث: "لا تسبوا الدهر، فإن
1 تفسير الطبرسي "25/ 136"، "بيروت 1955"، "25/ 78" وما بعدها"، "طبعة طهران".
2 تاج العروس "2/ 218"، "دهر".
3
ديار بني سعد بن ثعلبة الألى
…
أذاع بهم دهر على الناس دائب
فأذهبهم ما أذهب الناس قبلهم
…
ضراس الحروب والمنايا العواقب
Caskel، S. 45..
ولست إذا ما الدهر أحدث نكبة
…
ورزاء بزوار القرائب أخضعا
Caskel، S. 50.
وإلا تعاديني المنية أغشكم
…
على عدواء الدهر جيشا لهاما
Caskel، S. 51.
ابن قتيبية: الشعراء "229".
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى
…
كما الدهر في أيامه العسر واليسر
Caskel، S. 51..
قال زهير بن أبي سلمى:
واستأثر الدهر الغداة بهم
…
والدهر يرميني ولا أرمي
ديوان زهير "385".
الله الدهر"، أو "فإن الدهر هو الله" ومن حديث: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وإنما أنا الدهر: أقلب الليل والنهار"1. وأحاديث أخرى من هذا القبيل. وقد ذكر "الجاحظ"، أن من الصحابة والتابعين والفقهاء من نهى الناس من قول: طلع سهيل وبرد سهيل، وقوس قزح، كأنهم كرهوا ما كانوا عليه من عادات الجاهلية، ومن العود في شيء من أمر تلك الجاهلية، فاحتالوا في أمورهم، ومنعوهم من الكلام الذي فيه أدنى متعلق2.
وفي هذين الحديثين توفيق فكرة الجاهليين في الدهر، وللعقيدة الإسلامية في التوحيد بأن صير الدهر الله، وصيره بعض العلماء من أسماء الله الحسنى. والذي حملهم على ذلك، على ما أرى، صعوبة إزالة تلك الفكرة التي رسخت في النفوس منذ القدم عن فعل الدهر، وعن أثره في الكون، فرأى القائلون بذلك إزالتها بجعل الدهر اسمًا من أسماء الله، أو هو الله تعالى: وهو واحد أحد، والدهر واحد أبدي أزلي كذلك، فلا تصادم في هذا التوفيق بين الرأيين.
وقد وقع هذا التوفيق على ما أعتقد بعد وفاة الرسول في أمور عديدة نسبت إلى الرسول، وقد ثبت عدم إمكان صدورها منه. وللحكم على صحة نسبة الحديثين إلى الرسول أحيل القارئ على الطرق التي وردا بها، وإلى آراء العلماء فيهما، وأعتقد أنه إن فعل ذلك فسيجد في نسبتها إلى الرسول بعض الشك، إن لم أقل كل الشك.
وتعبر لفظة "الزمان" عن معنى "الدهر" كذلك. وقد ذهب علماء اللغة إلى أن الزمان، أقصر من الدهر؛ إذ يقع على الزمان القصير، أما الدهر، فالزمان الدائم، أي الزمان الذي لا ينتهي بنهاية. وأنا لا يهمني في هذا المكان تفريق العلماء بينهما في الطول والقصر، إنما المهم عندي هو أن الجاهليين استعملوا الزمان استعمالهم للدهر، ونسبوا إليه ما نسبوه للدهر من فعل في الإنسان وفي الحياة والعالم. هذا "زهير بن أبي سلمى" يتشكى منه في قصيدته التي يمدح بها "هرم بن سنان"، فيقول في مطلعها:
1 اللسان "5/ 378"، "دهر"، تاج العروس "3/ 218"، "دهر"، المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، تفسير الطبرسي "25/ 136"، "بيروت 1955"، صحيح مسلم "15/ 2 وما بعدها".
2 الحيوان "1/ 340 وما بعدها".
لمن الديار بقنة الحجر
…
أقوين من حجج ومن دهر
لعب الزمان بها وغيرها
…
بعدي سوافي المور والقطر1
وتجد اللفظة في أشعار غيره من الشعراء الجاهليين والإسلاميين تعبر عن "غدر الزمان" وعن "كذبه"2 وتلونه وتلاعبه بمقدرات الإنسان3. وفي كل هذه المواضع التي استعملت فيها تعبير عن تلك العقيدة التي لا تزال راسخة في نفوس كثير من الناس، وهي أن الحياة قسمة ونصيب وحظ وبخت، وأنه ليس لمخلوق على ما يقدره له القدر من سلطان. وأن الزمان يلعب بالإنسان وبالكون كيف يشاء، مع أن الإنسان لو فكر في نفسه وتأمل في عقله، لوجد أنه هو الذي خلق الزمان أي الدهر فأوجده على صورته هذه، بأن حدده وعينه بسنين وبقرون، وليس الزمان إلا دوام وبقاء لهذا الكون، وليس له أي فعل حقيقي في هذا الكون، والإنسان هو الذي أوجد السنين ليقيس بها طول الزمان، لحاجته إلى معرفته، وأن حسابه بالسنين مهما سيطول، فإنه لن يبلغ ولن يكون في مقدوره بلوغ نهاية الكون.
والمعنى الذي نفهمه من "الدهر" في الشعر الجاهلي، هو الأبدية مع التاثير في حياة الإنسان وفي العالم. ولهذا أضافوا إليه بعض الألفاظ التي تشير إلى وجود هذا التأثير في الحياة، فقالوا: يد الدهر، وريب الدهر، وعدواء الدهر، وأمثال ذلك من تعابير. فنسبوا إليه الفعل في الكون وفي كل ما هو فيه4.
1 وفي بعض الروايات "لعب الرياح" شرح ديوان زهير "ص87"، Caskel، S. 44.
2
أفرحت أن غدر الزمان بفارس
…
قلح الكلاب وكنت غير مغلب
يا مر كذب الزمان عليكم
…
ونكأت قرحتكم ولما أنكب
Caskel، S. 51..
3
ولو سألت سراة الحي عني
…
على أني تلون بي زماني
.Caskel، S. 52.
4 "والدهر لا يبقى على حدثانه"، "والدهر يحصد ريبه ما يزرع".
ألم أخبرك أن الدهر غول
…
ختور العهد يلتهم الرجالا
ألا إنما الدهر ليال وأعصر
…
وليس على شيء قويم بمستمر
Caskel، Die Schiksal in der altarabischen Poesie، Leipzig. 1926، s. 48، w. L. Schramaier، uber den Fatalismus der Barislamischen Araber، S. 12، Bnn. 1881.
ومن نسب إليه القول بالدهر، الحارث بن قيس، المعروف بابن الغيطلة1.
وتؤدي لفظة "الأيام" هذا المعنى كذلك، بل استعملت أجزاء اليوم مثل "الليالي" للتعبير عن تلك الفكرة أيضًا. فالليالي هي كالأيام، لا يمكن أن يطمأن إليها، ولا أن يوثق بها، إنها تتلون وتتبدل ولا تخلص لأحد. وحيث إن الليالي هي أوقات الراحة والاستقرار والهدوء، وأوقات الأنس والطرب والانفراد بالأحبة، وهي أوقات الغدر والاغتيال والغارات والغزو في الوقت نفسه، فيكون ذكرها في الشعر وتفضيلها على النهار وتقديمها عليه، ونسبة الخير أو الشر إليها أكثر من نسبتها إلى النهار شيئًا طبيعيًّا. لذلك يجب ألا يستغرب ما نقرؤه في الشعر وما نسمعه من أفواه الناس من نسبة تبدل الحال والتلون إلى الليالي أكثر من النهار2.
وقد استعملت لفظة "عَوْض" في معنى الدهر والزمان. وردت في شعر شاعر من شعراء بكر بن وائل، فعبر بهذه اللفظة عن زمانه. واستخدام بكري لهذه الكلمة. يشير إلى الصنم "عوض" الذي كانت بكر قبيلة هذا الشاعر تتعبد له3. وقد أقسموا بها. فقالوا:"عوض لا يكون ذلك أبدًا"4، ولا أستبعد وجود صلة بينها وبين الصنم "عوض".
وأما "الحمام" فإنه قضاء الموت وقدره، يقال:"حُمَّ طه" أي قضى وقدر5. وقد وردت لفظة "حم" ومتعلقاتها في أشعار عديدة بهذا المعنى. أي القضاء والتقدير. فورد "ما حم واقع" وورد "أحم الله...." و"حمه الله"، و"حمت لميقاتي"، و"حمتي"، و"حمام الموت"، و"حمام
1 أنساب "1/ 132".
2
فأن تك غبراء الخبيبة أصبحت
…
خلت منهم واستبدلت غير إبدال
بما قد رأى الحي الجميع بغبطة
…
بها والليالي لا تدوم على حال
Caskel، S. 45..
3 "وعوض معناه أبدًا أو الدهر. سمي به لأنه كلما مضى جزء عوضه جزء أو قسم أو اسم صنم لبكر بن وائل"، والقاموس "2/ 337"، قال الأعشى:
حلفت بمائرات حول عوض
…
وأنصاب تركن لدى السعير
وقيل إن هذا الشعر لرشيد بن رميض العنزي. والسعير اسم صنم كذلك. تاج العروس "5/ 58 وما بعدها"، "عوض".
4 تاج العروس "5/ 58"، "عوض".
5 تاج العروس "8/ 258".