الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بين السَّماع والاستماع
ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثاً، ويسمون الرجال المغنين مخانيثاً، وهذا مشهور في كلامهم.
ومن هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها أبوها رضي الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضاً بوجهه عنهما، مقبلاً بوجهه الكريم إلى الحائط؛ فقال:((دعهما يا أبا بكر؛ فإن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا أهل الإسلام)) (1) .
ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجواري عليه معللاً ذلك بأنه يوم عيد، والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد، كما جاء في الحديث:((ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة)) (2) ، وكان لعائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها، وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية؛ فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار.
(1) رواه البخاري في (الجمعة، باب سنة العيدين لأهل الإسلام، 952، وفي المناقب، باب مقدم النبي وأصحابه المدينة، 3931) ، ومسلم في (صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه، 892) ؛ من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
[صحيح] . رواه الإمام أحمد في ((المسند)) (6 / 116، 233) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: ((لتعلم يهود
…
)) . وانظر: ((صحيح الجامع)) (3219) .
وكذلك في اشتمام الطيب إنما يُنهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده؛ فإنه لا شيء عليه، وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس؛ من السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، إنما يتعلق الأمر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير إختياره؛ فلا أمر فيه ولا نهي.
وهذا مما وجه به الحديث الذي في ((السنن)) عن ابن عمر: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فسمع صوت زمارة راعٍ، فعدل عن الطريق، وقال: هل تسمع؟ هل تسمع؟ حتى أنقطع الصوت (1) .
فإن من الناس من يقول بتقدير صحة هذا الحديث: لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه؛ فيجاب بأنه كان صغيراً، أو يجاب بأنه لم يكن يستمع، وإنما كان يسمع، وهذا لا إثم فيه، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك طلباً للأفضل والأكمل، كمن اجتاز بطريق فسمع قوماً يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كيلا يسمعه؛ فهذا حسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد) (2) .
* * *
(1)[صحيح] . رواه أحمد في ((المسند)) (2 / 8، 38) ، وأبو داود في (الأدب، باب كراهة الغناء والزمر، 4924) ، وابن ماجه في (النكاح، باب الغناء والدف، 1901) ؛ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وانظر: ((صحيح سنن أبي داود)) (3 / 930) .
(2)
* ((مجموع الفتاوى)) (11 / 565 - 567) .