الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنواع الاختلاف
(
…
أما أنواعه: فهو في الأصل قسمان:
اختلاف تنوع، واختلاف تضاد.
واختلاف التنوع على وجوه:
منه: ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقاً مشروعاً، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة حتى زجرهم عن الاختلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:((كلاكما محسن)) (1) ، ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان، والإقامة، والاستفتاح، والتشهدات، وصلاة الخوف، وتكبيرات العيد، وتكبيرات الجنازة
…
إلى غير ذلك مما قد شرع جميعه، وإن كان قد يقال: إن بعض أنواعه أفضل.
ثم نجد لكثير من الأمة في ذلك من الاختلاف ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع الإقامة وإيتارها ونحو ذلك، وهذا عين المحرم، ومن لم يبلغ هذا المبلغ؛ فتجد كثيراً منهم في قلبه من الهوى لأحد هذه الأنواع والإعراض عن الآخر أو النهي عنه - ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنه: ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر؛ لكن العبارتان مختلفتان، كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود وصيغ الأدلة والتعبير عن المسميات وتقسيم الأحكام وغير ذلك، ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين وذم الأخرى.
(1) رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، 3476) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
ومنه: ما يكون المعنيان غيرين (1) ، لكن لا يتنافيان؛ فهذا قول صحيح وهذا قول صحيح؛ وإن لم يكن معنى أحدهما هو معنى الآخر، وهذا كثير في المنازعات جداً.
ومنه: ما يكون طريقتان مشروعتان، ورجل أو قوم قد سلكوا هذه الطريق وآخرون قد سلكوا الأخرى، وكلاهما حسن في الدين.
ثم الجهل أو الظلم يحمل على ذم إحداهما أو تفضيلها بلا قصد صالح، أو بلا علم، أو بلا نية وبلا علم.
وأما اختلاف التضاد؛ فهو: القولان المتنافيان: إما في الأصول، وإما في الفروع عند الجمهور الذين يقولون:((المصيب واحد)) ، وإلا؛ فمن قال:((كل مجتهد مصيب)) ؛ فعنده هو من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، فهذا الخطب فيه أشد؛ لأن القولين يتنافيان، لكن نجد كثيراً من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق ما أو معه دليل يقتضي حقاً ما، فيرد الحق في هذا الأصل كله حتى يبقى هذا مبطلاً في البعض كما كان الأول مبطلاً في الأصل، كما رأيته لكثير من أهل السنة في مسائل القدر والصفات والصحابة، وغيرهم.
وأما أهل البدعة؛ فالأمر فيهم ظاهر، وكما رأيته لكثير من الفقهاء أو لأكثر المتأخرين في مسائل الفقه، وكذلك رأيت الاختلاف كثيراً بين بعض المتفقهة وبعض المتصوفة وبين فرق المتصوفة، ونظائره كثيرة.
ومن جعل الله له هداية ونوراً؛ رأى من هذا ما يتبين له به منفعة ما جاء في الكتاب والسنة من النهي عن هذا وأشباهه؛ وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر هذا ابتداء، لكن نور على نور.
(1) أي: متغايرين.
وهذا القسم - الذي سميناه اختلاف التنوع - كل واحد من المختلفين مصيب فيه بلا تردد، لكن الذم واقع على من بغى على الآخر فيه
…
) (1) .
* * *
(1) * ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1 / 132 - 135) .