المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل جامع في تعارض الحسنات والسيئات - المنتخب من كتب شيخ الإسلام

[علوي السقاف]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌القسم الأول[التوحيد والعقيدة]

- ‌سؤال الله بصفاته والقسم بها جائزأما دعاء الصفة فكفر بالله

- ‌الحلف بالنَّذر والطلاق ونحوهما هوحلف بصفات الله

- ‌الإقسام على الله بشيء من مخلوقاتهأو السُّؤال له به

- ‌المضافات إلى الله نوعان: أعيان وصفات

- ‌معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفسعبده المؤمن

- ‌المراد بقولهم: الإيمان قول وعمل

- ‌ما كان في القلبلا بدَّ أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح

- ‌الإيمان والنِّفاق أصله في القلب والعمل دليل عليه وإذا حصل دليل الشَّيء حصل أصله المدلول عليه

- ‌أصل العمل عمل القلب وما يتناوله لفظ: ((السنة)) في كلام السلف

- ‌الكفر المطلق وكفر المعين

- ‌تفصيل القول في حكم تارك الأركان الأربعة وبخاصَّة الصَّلاة

- ‌التكفير المطلق لا يستلزم تكفيرالشخص المعين

- ‌المرجئة غلطوا في أصلين

- ‌أصناف المرجئة وأوجه غلطهم والرد عليها

- ‌من حجج المرجئة والرد عليها

- ‌الرد على قول المرجئة: المراد بالإيمان التصديق

- ‌أوجه معرفة زيادة الإيمان الذي أمر الله به

- ‌كلام نفيس جداً لأبي ثور في رده على المرجئة

- ‌المرجئة أخوف على هذه الأمة من الخوارج

- ‌ألفاظ القرآن والحديث إذا عرف معناها الشرعي لميُحتج إلى اللغوي وفيه الرد على الخوارج والمرجئة

- ‌الخوارج فارقوا أهل السنة والجماعة لجهلهموالرد عليهم

- ‌فتوى شيخ الإسلام في النصيرية والدروز

- ‌أهل السنة والجماعة لا يُكفِّرونأهل القبلة بمطلق الذنوب

- ‌زيارة قبور المسلمين نوعان: شرعية وبدعية

- ‌وصول ثواب العبادات المالية والبدنية للميت

- ‌جواز كتابة شيء من القرآن بالمداد المباح وغسله وشربه

- ‌الشَّياطين تتصوَّر لبعض النَّاس في صور الآدميِّين لتوقعهم في الشِّرك

- ‌ليس في أئمَّة المسلمين من ينكر دخول الجنِّ في بدن المصروع وغيره

- ‌أصناف الناس في مسألة دخول الجني في الإنسي

- ‌تمثل الجن بالإنسومن ذلك تمثلهم بابن تيمية نفسه

- ‌سبب كثرة تصور الجن بصورةالكلب والقط الأسودان

- ‌القسم الثانيمسائل في:العلم والجهاد والسياسة الشرعية

- ‌الشرع والسياسة

- ‌شيخ الإسلام يصف أهل زمانه وقت ظهور التتار

- ‌انتقال الأمر من خلافة النبوة إلى الملك

- ‌لا يصح أن يقالالخليفة هو الخليفة عن الله مثل النائب عنه

- ‌الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرأفضل الأعمال

- ‌فروض الكفايات يقوم بها من قدر عليها إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها

- ‌طلب العلم الشَّرعي فرض على الكفاية إلَاّفيما يتعيَّن

- ‌قتال الطَّائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظَّاهرة المتواترة

- ‌كلُّ من خشي الله فهو عالم وليس كلُّ عالميخشى الله

- ‌لو أفتى المفتي بالخطأ فالعقوبة لا تجوز إلَاّ بعد إقامة الحُجَّة ولا يجوز منعه من الفُتْيامطلقاً ولا حبسه

- ‌ليس لأحد أن يحكم بين أحد إلَاّ بحكمالله ورسوله

- ‌الشَّرع المنزَّل والشَّرع المؤوَّل والشَّرع المبدَّل

- ‌الحكم بغير ما أنزل اللهمن أعظم أسباب تغيير الدُّول

- ‌ترك العالم ما عَلِمَه من الحقِّ واتِّباع حكم الحاكم

- ‌المساجد هي مواضع الأئمَّة ومجامع الأمَّة

- ‌أوَّل من أحدث أيمان البيعةالحجَّاج بن يوسف الثقفي

- ‌كثير من النَّاس إذا رأى المنكر جزعوهو منهيٌّ عن هذا

- ‌الواجب في أمور الجهاد أن يُعتبر برأيأهل الدِّين والدُّنيا

- ‌طاعة الإمام العدل وغير العدل

- ‌الحبس الشَّرعيُّ ليس هو السِّجن في مكان ضيِّق

- ‌من عادات الفرس والعجم في الإمارة والقتال التي دخلت على المسلمين

- ‌القسم الثالثمسائل في:الخلاف والاختلاف والإنكار،والتحزب المحمود والمذموم والبدعةوالمصالح والمفاسد والإنصاف

- ‌الإنكار على من أظهر الفجور أو البدع ودعا إليها

- ‌البدعة التي يعدُّ بها الرَّجل من أهل الأهواء

- ‌هجر العاصي والمبتدع بحسب الأحوال والمصالح

- ‌الأمر بالجماعة والائتلاف والنَّهي عن البدعة والاختلاف وهجر المُظْهِر لبدعته لمصلحة راجحة

- ‌الموقف الوسط من هجران أهل البدع

- ‌أهل السُّنَّة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل

- ‌من أسباب ضلال المبتدعة بناؤهم دين الإسلام على مقدِّمات يظنُّون صحَّتها

- ‌مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم يُنْكَر عليه ولم يُهْجَر

- ‌المؤاخاة والمخالفة المشروع منها والممنوع

- ‌التَّحزُّب المحمود والتَّحزُّب المذموم

- ‌ليس لأحد أن يأخذ على أحد عهداً بموافقتهعلى كل ما يريده

- ‌التوسُّط في الحبِّ والبغض والموالاة والمعاداة وفيه فوائد

- ‌نصائح للدعاة

- ‌كثير من النَّاس يجعل طائفته هم أهلالسُّنَّة والجماعة

- ‌مسألة رؤية الكفَّار ربَّهم يوم القيامة وما ينبغي مراعاته عند الخلاف

- ‌أهل السُّنة والجماعة يتَّبعون الحقَّ ويرحمون الخلق

- ‌من عُلم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يُذكَرعلى وجه الذَّمِّ

- ‌لا يجوز التَّفريق بين الأمَّة بأسماء مُبتَدَعة لا أصل لها في الكتاب والسُّنَّة

- ‌الفرق بين الباغي أو الظَّالم المتأوِّل وغير المتأوِّل

- ‌كثير من نزاع النَّاس سببه ألفاظ مجملة مبتدَعةومعان مشتبهة

- ‌أنواع الاختلاف

- ‌الفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة يُنهى عنه

- ‌ما نهي سدّاً للذَّريعة يُباح لمصلحة راجحة

- ‌من لا يمكنه أن يأتي بحسنة راجحة إلَاّ ومعهاسيِّئة دونها في العقاب ماذا يفعل

- ‌فصل جامع في تعارض الحسنات والسَّيِّئات

- ‌قاعدة عامَّة في تعارض وتزاحم المصالح والمفاسد والحسنات والسَّيِّئات

- ‌إذا اشتمل العمل على مصلحة ومفسدة

- ‌العمل عند تكافؤ مصلحتين أو مفسدتين

- ‌الشَّريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها

- ‌اجتماع الخير والشَّرِّ في الرَّجل الواحد

- ‌اشتمال بعض الأعمال على الخير والشر في آن واحد وفيه كلام غريب

- ‌أصناف النَّاس في غيبة الآخرين

- ‌المباح بالنِّيَّة الحسنة يكون خيراً وبالنِّيَّة السَّيِّئة يكون شرّاً

- ‌فعل المباح على وجه العبادة بدعة منكرة

- ‌القسم الرابعمسائل أصوليَّة في:الاعتصام بالسُّنَّة وترك الابتداع، والإجماع، والتَّقليد والتَّمذهب

- ‌ترك السُّنة يُفضي إلى فعل البدعة وترك المأمور يفضي إلى فعل المحظور

- ‌قاعدة فيما يجب من المعاوضات ونحو ذلك

- ‌مسألة إجماع أهل المدينة

- ‌هل لازم المذهب مذهب أم لا

- ‌لا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص معيَّنغير رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المنحرفون من أتباع الأئمَّة انحرافهم أنواع

- ‌الأمر بالشيء هل يكون أمراً بلوازمه

- ‌جنس فعل المأمور به أعظم من جنس تركالمنهيِّ عنه

- ‌كلام عجيب في أن القلب المعمور بالتَّقوى إذا رجَّح بمجرَّد رأيه فهو ترجيح شرعيٌّ

- ‌النزاع في الأحكام وخفاء العلم بما يوجب الشِّدَّة قد يكون رحمة

- ‌إذا كان الشَّيء شعاراً للكفَّار ثمَّ اعتاده المسلمون وكَثُر فيهم هل تزول حرمته

- ‌كل ما قاله صلى الله عليه وسلم بعد النُّبوَّة وأُقرَّ عليه ولم ينسخ فهو تشريع

- ‌الحديث الضعيف يُروى ويُعمل به في التَّرغيب والتَّرهيب لا في الاستحباب

- ‌لا يُعرف إجماع على ترك نصٍّ إلَاّ وقد عُرف النَّصُّ النَّاسخ له

- ‌لفظ الكلام والكلمة لا يُستعمل في اللُّغة إلَاّ مقيَّداً بمعنى الجملة التَّامَّة

- ‌الأسماء ثلاثة أنواعشرعيٌّ، ولغويٌّ، وعرفيٌّ

- ‌لفظ المجمل والمطلق والعامِّ في اصطلاح الأئمَّة

- ‌التَّسمية بمسائل أصول ومسائل فروعتسمية مُحدثة

- ‌العموم ثلاثة أقسام والفرق بين مفهوم اللَّفظ المطلق وبين المفهوم المطلق من اللَّفظ

- ‌أنواع الأعياد الزَّمانية

- ‌الفرق بين الأمكنة التي قصد النبي صلى الله عليه وسلم الصَّلاة أو الدُّعاء عندها وبين ما فعل فيها ذلك اتِّفاقاً

- ‌تفريق مهمٌّ بين الإجزاء والإثابة

- ‌ما أطلقه الله من الأسماء وعلَّق به الأحكام لم يكن لأحد أن يقيِّده إلَاّ بدلالة من الله ورسوله

- ‌لفظ الأمر إذا أُطلق تناول النَّهي

- ‌القسم الخامس[مسائل متفرقة]

- ‌المخالطة المطلقة والانفراد المطلق خطأ

- ‌كلُّ من ترك واجباً لم يَعلم وجوبه أو فعل محظوراً لم يَعلم أنَّه محظور لم تلزمه الإعادة إذا عُلم

- ‌الأجر على قدر منفعة العمل لا علىقدر المشَّقة فقط

- ‌الكذب والمعاريض

- ‌من هم أهل الحديث

- ‌الخروج للنُّزهة في الأماكنالتي تُشهد فيها المنكرات

- ‌الفرق بين السَّماع والاستماع

- ‌جنس الحاضرة أفضل من جنس البادية كما أنَّ جنس العرب أفضل من جنس العجم

- ‌سبب فضل العرب على غيرهم

- ‌جنس العرب خير من غيرهم

- ‌تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز

- ‌البدعة في الحنابلة أقل منها في غيرهم

- ‌حدود الشَّام والحجاز

- ‌دفاع عن أبي حنيفة

- ‌الورع المشروع والورع الواجب والورع الفاسد

- ‌أصحاب السُّنن والمسانيدهل كانوا مجتهدين أم مقلِّدين

- ‌تشكيل المصاحف وتنقيطها

- ‌لا يُقَبَّل ما على وجه الأرض إلَاّ الحجر الأسود

- ‌قاعدة عظيمة في الجمع بين العبادات المتنوِّعة

- ‌طريقة الإسلام في حساب السَّنة والشَّهر والأسبوع واليوم أقْوَم طريقة

- ‌الأدلَّة من الكتاب والسُّنَّة والإجماع على استدارة وكرويَّة الأفلاك

- ‌أقسام الدَّعاوى وأنَّ اليمين تارة تكون على المدَّعي وتارة تكون على المدَّعى عليه

- ‌رسالة شيخ الإسلام إلى والدته يعتذر فيها عن بعدهعنها لأمور دينيَّة

- ‌مشروعيَّة التَّعزير بالعقوبات الماليَّة

- ‌كلُّ بشر على وجه الأرض لا بدَّ له من أمر ونهي

- ‌ينبغي للمرأة أن تقول: إنِّي أمتك بنت عبدك أو بنت أمتك مكان: إنِّي عبدك ابن عبدك

- ‌من توهم أنَّ الفرض أن يقصد المصلِّي الصَّلاة في مكان لو سار على خطٍّ مستقيم وصل إلى عين الكعبة فقد أخطأ

- ‌قاعدة فيما تشترك فيه اليمنى واليسرى من الأفعالوتختصُّ به إحداهما

- ‌ليس في الدُّنيا حرم ثالث لا بيت المقدس ولا غيره

- ‌الإقامة في موضع تكون الأسباب فيه أطوع لله وأفعل للحسنات أفضل من الإقامة في موضعيكون حاله فيه دون ذلك

- ‌الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم منالفساد في إظهاره رياءً

- ‌تحزيب السُّور وكراهة القراءة بأواخر السُّور وأوساطها

- ‌التقارب بين الألفاظ العبريَّة والعربيَّة

- ‌معنى اللَّهو الباطل المنهيِّ عنه وأنَّه نهي كراهة لا نهي تحريم

- ‌الحكمة في دفنه صلى الله عليه وسلم في بيته والفرق بين زيارة قبره وزيارة غيره من المسلمين

- ‌لفظ اللَّيل والنَّهار في كلام الشَّارع

- ‌لا يجوز رفع الأصوات في الذِّكر والدُّعاء إلَاّ حيث جاءت به السُّنَّة

- ‌مسائل متفرِّقة في علاج من به مسٌّ من الجنِّ ومن ذلك استخدام الضَّرب وقد فعله ابن تيميَّة كثيراً

- ‌حكم قتل الجن

- ‌هل غير العرب أكفاء للعرب في النِّكاح

- ‌المرأة الحائض إذا طَهُرَت قبل طلوع الفجرأو قبل غروب الشَّمس

- ‌الجمع بين الصَّلوات للعذر

- ‌الفرق بين القصر والجمع في الصَّلاة

- ‌قصد زيارة المساجد التي بُنيت بمكَّة غير المسجد الحرام بدعة

- ‌السُّنَّة في زيارة مسجد وقبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌زيارة القبور على وجهين: شرعيَّة وبدعيَّة

- ‌أعدل الأقوال في قراءة المأموم خلف الإمام

- ‌العمرة بعد الحجِّ بدعة مكروهة لم يفعلها السَّلف

الفصل: ‌فصل جامع في تعارض الحسنات والسيئات

‌فصل جامع في تعارض الحسنات والسَّيِّئات

(إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما؛ فنقول:

قد أمر الله ورسوله بأفعال واجبة ومستحبة؛ وإن كان الواجب مستحباً وزيادة، ونهى عن أفعال محرمة أو مكروهة، والدين هو طاعته وطاعة رسوله، وهو الدين والتقوى والبر والعمل الصالح والشرعة والمنهاج؛ وإن كان بين هذه الأسماء فروق، وكذلك حَمَدَ أفعالاً هي الحسنات ووعد عليها، وذم أفعالاً هي السيئات وأوعد عليها

وقال في المتعارض: {يَسْألونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فيهما إثْمٌ كبيرٌ وَمَنافِعُ للنَّاسِ وإثْمُهُما أكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما} (1)، وقال:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أنْ تَكْرَهوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأنْتُمْ لا تَعْلَمونَ} (2)

ونقول: إذا ثبت أن الحسنات لها منافع وإن كانت واجبة؛ كان في تركها مضار، والسيئات فيها مضار، وفي المكروه بعض حسنات؛ فالتعارض إما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح، وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما، وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة، وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة.

(1) البقرة: 219.

(2)

البقرة: 216.

ص: 202

فالأول؛ كالواجب والمستحب، وكفرض العين وفرض الكفاية، مثل تقديم قضاء الدين المطالب به على صدقة التطوع.

والثاني؛ كتقديم نفقة الأهل على نفقة الجهاد الذي لم يتعين وتقديم نفقة الوالدين عليه، كما في الحديث الصحيح: أي العمل أفضل؟ قال: ((الصلاة على مواقيتها)) . قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم بر الوالدين)) . قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم الجهاد في سبيل الله)) (1) .

وتقديم الجهاد على الحج كما في الكتاب والسنة متعين على متعين ومستحب على مستحب، وتقديم قراءة القرآن على الذكر إذا استويا في عمل القلب واللسان وتقديم الصلاة عليهما إذا شاركتهما في عمل القلب، وإلا؛ فقد يترجح الذكر بالفهم والوجل على القراءة التي لا تجاوز الحناجر، وهذا باب واسع.

والثالث؛ كتقديم المرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب، كما فعلت أم كلثوم التي أنزل الله فيها آية الامتحان:{يا أيُّها الذينَ آمَنوا إذا جاءَكُمْ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ} (2)، وكتقديم قتل النفس على الكفر؛ كما قال تعالى:{والفِتْنَةُ أكْبَرُ مِنَ القَتْلِ} (3) ؛ فتقتل النفوس التي تحصل بها الفتنة عن الأيمان لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس، وكتقديم قطع السارق ورجم الزاني وجلد الشارب على مضرة السرقة والزنا والشرب، وكذلك سائر العقوبات المأمور بها، فإنما أمر بها مع أنها في

(1) رواه البخاري في (الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، 2782) ، ومسلم في (الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، 85) ؛ من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

الممتحنة: 10.

(3)

البقرة: 217.

ص: 203

الأصل سيئة وفيها ضرر لدفع ما هو أعظم ضرراً منها، وهي جرائمها؛ إذ لا يمكن دفع ذلك الفساد الكبير إلا بهذا الفساد الصغير.

وكذلك في ((باب الجهاد)) وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراماً؛ فمتى احتيج إلى قتال قد يعمهم مثل الرمي بالمنجنيق والتبييت بالليل جاز ذلك، كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق، وفي أهل الدار من المشركين يبيتون، وهو دفع لفساد الفتنة أيضاً بقتل من لا يجوز قصد قتله.

وكذلك ((مسألة التترس)) التي ذكرها الفقهاء؛ فإن الجهاد هو دفع فتنة الكفر، فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها، ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك؛ وإن لم يخف الضرر، لكن لم يمكن الجهاد إلا بما يفضي إلى قتلهم؛ ففيه قولان

وأما الرابع؛ فمثل أكل الميتة عند المخمصة؛ فإن الأكل حسنة واجبة لا يمكن إلا بهذه السيئة ومصلحتها راجحة، وعكسه الدواء الخبيث؛ فإن مضرته راجحة على مصلحته من منفعة العلاج لقيام غيره مقامه، ولأن البرأ لا يتيقن به، وكذلك شرب الخمر للدواء.

فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصل بما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها، والحسنة تترك في موضعين: إذا كانت مفوتة لما هو أحسن منها، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة، هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية.

وأما سقوط الواجب لمضرة في الدنيا وإباحة المحرم لحاجة في الدنيا؛ كسقوط الصيام لأجل السفر، وسقوط محظورات الإحرام وأركان الصلاة لأجل المرض؛ فهذا باب آخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج

ص: 204

الذي قد تختلف فيه الشرائع، بخلاف الباب الأول؛ فإن جنسه مما لا يمكن اختلاف الشرائع فيه وإن اختلفت في أعيانه، بل ذلك ثابت في العقل، كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين، وينشد:

إن اللبيب إذا بدى من جسمه مرضان مختلفان داوى الأخطرا

ويرجحون وجود السلطان مع ظلمه على عدم السلطان، كما قال بعض العقلاء: ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان

... ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة؛ فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوباً تارة واستحباباً أخرى.

ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر، بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض، وكان هو وقومه كفاراً؛ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جاءَكُمْ يوسُفُ مِنْ قَبْلُ بالبَيِّناتِ فَمَا زِلْتُمْ في شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ

} (1) الآية، وقال تعالى عنه: {يا صاحِبَيَّ السِّجْنِ أأرْبابٌ مُتَفَرِّقونَ خَيْرٌ أمِ اللهُ الواحِدُ القَهَّارُ. ما تَعْبُدونَ مَنْ دونِهِ إلَاّ أسْماءً سَمَّيْتُمُوها أنْتُمْ وآباؤكُمْ

} (2) الآية، ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله؛ فإن القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من

(1) غافر: 34.

(2)

يوسف: 39 ـ 40.

ص: 205

إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله:{فاتَّقوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُمْ} (1) .

فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما؛ لم يكن الآخر في هذه الحال واجباً، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة.

وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما؛ لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة، وإن سمى ذلك ترك واجب وسمى هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا: ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة أو لدفع ما هو أحرم، وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها: إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاءً

وهذا باب التعارض باب واسع جداً، لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم؛ فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة، أو يتبين لهم؛ فلا يجدون من يعنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات لكون الأهواء قارنت الآراء.

فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضها - كما بينته فيما تقدم -: العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء؛

(1) التغابن: 16.

ص: 206

لا التحليل والإسقاط، مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلاً لمعصية أكبر منها، فيترك الأمر بها دفعاً لوقوع تلك المعصية، مثل أن ترفع مذنباً إلى ذي سلطان ظالم فيعتدى عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضرراً من ذنبه، ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركاً لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات؛ فيسكت عن النهي خوفاً أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر.

فالعالم تارة يأمر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة؛ كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح، أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح - كما تقدم - بحسب الإمكان، فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن؛ إما لجهله، وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه؛ فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه، كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر.

فالعالم في البيان والبلاغ كذلك قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن، كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً إلى بيانها

ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم؛ فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجباً في الأصل، والله أعلم.

ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علماً وعملاً أن ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد، فإذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل

ص: 207

رأي الأول؛ فإنه لا يأمر به، أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه؛ إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده، ولا أن يوجب عليه اتباعه؛ فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة: لا يأمر بها ولا ينهى عنها، بل هي بين الإباحة والعفو.

وهذا باب واسع جداً؛ فتدبره!) (1) .

* * *

(1) * ((مجموع الفتاوى)) (20 / 48 ـ 61) .

ص: 208