الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قتال الطَّائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظَّاهرة المتواترة
(أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة؛ فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله.
فلو قالوا: نصلي ولا نزكي، أو: نصلي الخمس ولا نصلي الجمعة ولا الجماعة، أو: نقوم بمباني الإسلام الخمس ولا نحرم دماء المسلمين وأموالهم، أو: لا نترك الربا ولا الخمر ولا الميسر، أو: نتبع القرآن ولا نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعمل بالأحاديث الثابتة عنه، أو: نعتقد أن اليهود والنصارى خير من جمهور المسلمين وأن أهل القبلة قد كفروا بالله ورسوله ولم يبق منهم مؤمن إلا طائفة قليلة، أو قالوا: إنا لا نجاهد الكفار مع المسلمين، أو غير ذلك من الأمور المخالفة لشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وما عليه جماعة المسلمين؛ فإنه يجب جهاد هذه الطوائف جميعها؛ كما جاهد المسلمون مانعي الزكاة، وجاهدوا الخوارج وأصنافهم، وجاهدوا الخرمية والقرامطة والباطنية وغيرهم من أصناف أهل الأهواء والبدع الخارجين عن شريعة الإسلام.
وذلك لأن الله تعالى يقول في كتابه: {وَقَاتِلوهُمْ حَتَّى لا تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} (1) ، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله، وقال تعالى:{فإنْ تابوا وأقاموا الصَّلاةَ وآتوا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبيلَهُمْ} (2) ؛ فلم يأمر بتخلية سبيلهم إلا بعد التوبة من جميع أنواع الكفر، وبعد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وقال تعالى: {يا أيُّها
(1) البقرة: 193.
(2)
التوبة: 5.
الذينَ آمَنوا اتَّقوا اللهَ وَذَروا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمنينَ. فإنْ لَمْ تَفْعَلوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسولِهِ} (1) ؛ فقد أخبر تعالى أن الطائفة الممتنعة إذا لم تنته عن الربا فقد حاربت الله ورسوله، والربا آخر ما حرم الله في القرآن، فما حرمه قبله أوكد، وقال تعالى:{إنَّما جَزاءُ الذينَ يُحارِبونَ اللهَ وَرَسولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَساداً أنْ يُقَتَّلوا أوْ يُصَلَّبوا أوْ تُقَطَّعَ أيديهُمْ وأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أو يُنْفوا مِنَ الأرْضِ} (2) .
فكل من امتنع من أهل الشوكة عن الدخول في طاعة الله ورسوله؛ فقد حارب الله ورسوله، ومن عمل في الأرض بغير كتاب الله وسنة رسوله؛ فقد سعى في الأرض فساداً، ولهذا تأول السلف هذه الآية على الكفار وعلى أهل القبلة حتى أدخل عامة الأئمة فيها قطاع الطريق الذين يشهرون السلاح لمجرد أخذ الأموال، وجعلوهم بأخذ أموال الناس بالقتال محاربين لله ورسوله ساعين في الأرض فساداً؛ وإن كانوا يعتقدون تحريم ما فعلوه ويقرون بالإيمان بالله ورسوله.
فالذي يعتقد حِلَّ دماء المسلمين وأموالهم ويستحل قتالهم أولى بأن يكون محارباً لله ورسوله ساعياً في الأرض فساداً من هؤلاء، كما أن الكافر الحربي الذي يستحل دماء المسلمين وأموالهم ويرى جواز قتالهم أولى بالمحاربة من الفاسق الذي يعتقد تحريم ذلك، وكذلك المبتدع الذي خرج عن بعض شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته واستحل دماء المسلمين المتمسكين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته وأموالهم هو أولى بالمحاربة من الفاسق؛ وإن اتخذ ذلك ديناً يتقرب به إلى الله، كما أن اليهود والنصارى تتخذ محاربة المسلمين ديناً تتقرب به إلى الله.
(1) البقرة: 279.
(2)
المائدة: 33.
ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلظة شر من الذنوب التي يعتقد أصحابها أنها ذنوب، وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1) .
وقال أيضاً: (كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم؛ فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما؛ فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة.
وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله:((تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم)) (2) ؛ فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال؛ فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.
فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته - التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها - التي يكفر الجاحد لوجوبها؛ فإن الطائفة الممتنعة تقاتل
(1) * ((مجموع الفتاوى)) (28 / 468 - 470) .
(2)
جزء من حديث رواه البخاري في (فضائل القرآن، باب إثم من رآءَ في قراءة القرآن، 5058، وفي استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين، 6931) ، ومسلم في (الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، 1064) ؛ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء
…
) (1) .
وقال أيضاً: (كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة؛ فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين، فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة، وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة، وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع سلف الأمة وأئمتها؛ مثل أن يظهروا الإلحاد في أسماء الله وآياته، أو التكذيب بأسماء الله وصفاته، أو التكذيب بقدره وقضائه، أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين، أو الطعن في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا في طاعتهم التي توجب الخروج عن شريعة الإسلام، وأمثال هذه الأمور.
قال الله تعالى: {وَقَاتِلوُهْم حَتَّى لا َتكوَن فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} (2) ، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله؛ وجب القتال حتى يكون الدين كله لله) (3) .
(1) * ((مجموع الفتاوى)) (28 / 502 - 503) .
(2)
البقرة: 193.
(3)
** ((مجموع الفتاوى)) (28 / 510 - 511) .