الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريقة الإسلام في حساب السَّنة والشَّهر والأسبوع واليوم أقْوَم طريقة
(
…
وأما الحول؛ فلم يكن له حد ظاهر في السماء، فكان لا بد فيه من الحساب والعدد، فكان عدد الشهور الهلالية أظهر وأعم من أن يحسب بسير الشمس وتكون السنة مطابقة للشهور؛ ولأن السنين إذا اجتمعت فلا بد من عددها في عادة جميع الأمم؛ إذ ليس للسنين إذا تعددت حد سماوي يُعرف به عددها، فكان عدد الشهور موافقاً لعدد البروج، جُعلت السنة اثني عشر شهراً بعدد البروج التي تكمل بدور الشمس فيها سنة شمسية، فإذا دار القمر فيها كمل دورته السنوية، وبهذا كله يتبين معنى قوله:{وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَموا عَدَدَ السِّنينَ والحِسابِ} (1) ؛ فإن عدد شهور السنة وعدد السنة بعد السنة إنما أصله بتقدير القمر منازل، وكذلك معرفة الحساب؛ فإن حساب بعض الشهور لما يقع فيه من الآجال ونحوها إنما يكون بالهلال، وكذلك قوله تعالى:{قُلْ هِيَ مَواقيتُ للنَّاسِ وَالحَجِّ} (2) .
فظهر بما ذكرناه أنه بالهلال يكون توقيت الشهر والسنة، وأنه ليس شيء يقوم مقام الهلال ألبتة لظهوره وظهور العدد المبني عليه وتيسر ذلك وعمومه، وغير ذلك من المصالح الخالية عن المفاسد.
ومن عرف ما دخل على أهل الكتابين والصابئين والمجوس وغيرهم في أعيادهم وعباداتهم وتواريخهم وغير ذلك من أمورهم من الاضطراب والحرج وغير ذلك من المفاسد ازداد شكره على نعمة الإسلام، مع اتفاقهم أن الأنبياء لم يشرعوا شيئاً من ذلك، وإنما دخل عليهم ذلك من جهة
(1) يونس: 5.
(2)
البقرة: 189.
المتفلسفة الصابئة الذين أدخلوا في ملتهم وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.
فلهذا ذكرنا ما ذكرناه؛ حفظاً لهذا الدين عن إدخال المفسدين، فإن هذا مما يُخاف تغييره، فإنه قد كانت العرب في جاهليتها قد غيرت ملة إبراهيم بالنسيء الذي ابتدعته، فزادت به في السنة شهراً جعلتها كبيساً لأغراض لهم، وغيروا به ميقات الحج والأشهر الحرم حتى كانوا يحجون تارة في المحرم وتارة في صفر، حتى يعود الحج إلى ذي الحجة؛ حتى بعث الله المقيم لملة إبراهيم، فوافى حجه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وقد استدار الزمان كما كان، ووقعت حجته في ذي الحجة، فقال في خطبته المشهورة في ((الصحيحين)) وغيرهما:((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض: السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب مضر بين جمادى وشعبان)) (1) ، وكان قبل ذلك الحج لا يقع في ذي الحجة، حتى حجة أبي بكر سنة تسع كان في ذي القعدة، وهذا من أسباب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحج، وأنزل الله تعالى:{إنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِنْدَ اللهِ اثنا عَشَرَ شَهْراً في كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ} (2) .
فأخبر الله أن هذا هو الدين القيم؛ ليبين أن ما سواه من أمر النسيء وغيره من عادات الأمم ليس قيماً لما يدخله من الانحراف والاضطراب.
ونظير الشهر والسنة اليوم والإسبوع؛ فإن اليوم طبيعي من طلوع
(1) رواه البخاري في (بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين، 3197، وفي المغازي، باب حجة الوداع، 4406) ، ومسلم في (القسامة والمحاربين، باب تغليظ تحريم الدماء، 1679) ؛ من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(2)
التوبة: 36.
الشمس إلى غروبها، وأما الأسبوع؛ فهو عددي من أجل الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض ثم استوى على العرش، فوقع التعديل بين الشمس والقمر باليوم، والأسبوع بسير الشمس، والشهر والسنة بسير القمر، وبهما يتم الحساب، وبهذا قد يتوجه قوله:{لتعلموا} إلى {جعل} ؛ فيكون جعل الشمس والقمر لهذا كله.
فأما قوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً والشَّمْسَ والقَمَرَ حسباناً} (1)، وقوله:{الشَّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ} (2) ؛ فقد قيل: هو من الحساب، وقيل: بحسبان كحسبان الرحا، وهو دوران الفلك، فإن هذا مما لا خلاف فيه، بل قد دل الكتاب والسنة وأجمع علماء الأمة على مثل ما عليه أهل المعرفة من أهل الحساب من أن الأفلاك مستديرة لا مسطحة) (3) .
* * *
(1) الأنعام: 96.
(2)
الرحمن: 5.
(3)
* ((مجموع الفتاوى)) (25 / 139 - 142) .