المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرد على قول المرجئة: المراد بالإيمان التصديق - المنتخب من كتب شيخ الإسلام

[علوي السقاف]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌القسم الأول[التوحيد والعقيدة]

- ‌سؤال الله بصفاته والقسم بها جائزأما دعاء الصفة فكفر بالله

- ‌الحلف بالنَّذر والطلاق ونحوهما هوحلف بصفات الله

- ‌الإقسام على الله بشيء من مخلوقاتهأو السُّؤال له به

- ‌المضافات إلى الله نوعان: أعيان وصفات

- ‌معنى تردد الله عز وجل عن قبض نفسعبده المؤمن

- ‌المراد بقولهم: الإيمان قول وعمل

- ‌ما كان في القلبلا بدَّ أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح

- ‌الإيمان والنِّفاق أصله في القلب والعمل دليل عليه وإذا حصل دليل الشَّيء حصل أصله المدلول عليه

- ‌أصل العمل عمل القلب وما يتناوله لفظ: ((السنة)) في كلام السلف

- ‌الكفر المطلق وكفر المعين

- ‌تفصيل القول في حكم تارك الأركان الأربعة وبخاصَّة الصَّلاة

- ‌التكفير المطلق لا يستلزم تكفيرالشخص المعين

- ‌المرجئة غلطوا في أصلين

- ‌أصناف المرجئة وأوجه غلطهم والرد عليها

- ‌من حجج المرجئة والرد عليها

- ‌الرد على قول المرجئة: المراد بالإيمان التصديق

- ‌أوجه معرفة زيادة الإيمان الذي أمر الله به

- ‌كلام نفيس جداً لأبي ثور في رده على المرجئة

- ‌المرجئة أخوف على هذه الأمة من الخوارج

- ‌ألفاظ القرآن والحديث إذا عرف معناها الشرعي لميُحتج إلى اللغوي وفيه الرد على الخوارج والمرجئة

- ‌الخوارج فارقوا أهل السنة والجماعة لجهلهموالرد عليهم

- ‌فتوى شيخ الإسلام في النصيرية والدروز

- ‌أهل السنة والجماعة لا يُكفِّرونأهل القبلة بمطلق الذنوب

- ‌زيارة قبور المسلمين نوعان: شرعية وبدعية

- ‌وصول ثواب العبادات المالية والبدنية للميت

- ‌جواز كتابة شيء من القرآن بالمداد المباح وغسله وشربه

- ‌الشَّياطين تتصوَّر لبعض النَّاس في صور الآدميِّين لتوقعهم في الشِّرك

- ‌ليس في أئمَّة المسلمين من ينكر دخول الجنِّ في بدن المصروع وغيره

- ‌أصناف الناس في مسألة دخول الجني في الإنسي

- ‌تمثل الجن بالإنسومن ذلك تمثلهم بابن تيمية نفسه

- ‌سبب كثرة تصور الجن بصورةالكلب والقط الأسودان

- ‌القسم الثانيمسائل في:العلم والجهاد والسياسة الشرعية

- ‌الشرع والسياسة

- ‌شيخ الإسلام يصف أهل زمانه وقت ظهور التتار

- ‌انتقال الأمر من خلافة النبوة إلى الملك

- ‌لا يصح أن يقالالخليفة هو الخليفة عن الله مثل النائب عنه

- ‌الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرأفضل الأعمال

- ‌فروض الكفايات يقوم بها من قدر عليها إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها

- ‌طلب العلم الشَّرعي فرض على الكفاية إلَاّفيما يتعيَّن

- ‌قتال الطَّائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظَّاهرة المتواترة

- ‌كلُّ من خشي الله فهو عالم وليس كلُّ عالميخشى الله

- ‌لو أفتى المفتي بالخطأ فالعقوبة لا تجوز إلَاّ بعد إقامة الحُجَّة ولا يجوز منعه من الفُتْيامطلقاً ولا حبسه

- ‌ليس لأحد أن يحكم بين أحد إلَاّ بحكمالله ورسوله

- ‌الشَّرع المنزَّل والشَّرع المؤوَّل والشَّرع المبدَّل

- ‌الحكم بغير ما أنزل اللهمن أعظم أسباب تغيير الدُّول

- ‌ترك العالم ما عَلِمَه من الحقِّ واتِّباع حكم الحاكم

- ‌المساجد هي مواضع الأئمَّة ومجامع الأمَّة

- ‌أوَّل من أحدث أيمان البيعةالحجَّاج بن يوسف الثقفي

- ‌كثير من النَّاس إذا رأى المنكر جزعوهو منهيٌّ عن هذا

- ‌الواجب في أمور الجهاد أن يُعتبر برأيأهل الدِّين والدُّنيا

- ‌طاعة الإمام العدل وغير العدل

- ‌الحبس الشَّرعيُّ ليس هو السِّجن في مكان ضيِّق

- ‌من عادات الفرس والعجم في الإمارة والقتال التي دخلت على المسلمين

- ‌القسم الثالثمسائل في:الخلاف والاختلاف والإنكار،والتحزب المحمود والمذموم والبدعةوالمصالح والمفاسد والإنصاف

- ‌الإنكار على من أظهر الفجور أو البدع ودعا إليها

- ‌البدعة التي يعدُّ بها الرَّجل من أهل الأهواء

- ‌هجر العاصي والمبتدع بحسب الأحوال والمصالح

- ‌الأمر بالجماعة والائتلاف والنَّهي عن البدعة والاختلاف وهجر المُظْهِر لبدعته لمصلحة راجحة

- ‌الموقف الوسط من هجران أهل البدع

- ‌أهل السُّنَّة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل

- ‌من أسباب ضلال المبتدعة بناؤهم دين الإسلام على مقدِّمات يظنُّون صحَّتها

- ‌مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم يُنْكَر عليه ولم يُهْجَر

- ‌المؤاخاة والمخالفة المشروع منها والممنوع

- ‌التَّحزُّب المحمود والتَّحزُّب المذموم

- ‌ليس لأحد أن يأخذ على أحد عهداً بموافقتهعلى كل ما يريده

- ‌التوسُّط في الحبِّ والبغض والموالاة والمعاداة وفيه فوائد

- ‌نصائح للدعاة

- ‌كثير من النَّاس يجعل طائفته هم أهلالسُّنَّة والجماعة

- ‌مسألة رؤية الكفَّار ربَّهم يوم القيامة وما ينبغي مراعاته عند الخلاف

- ‌أهل السُّنة والجماعة يتَّبعون الحقَّ ويرحمون الخلق

- ‌من عُلم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يُذكَرعلى وجه الذَّمِّ

- ‌لا يجوز التَّفريق بين الأمَّة بأسماء مُبتَدَعة لا أصل لها في الكتاب والسُّنَّة

- ‌الفرق بين الباغي أو الظَّالم المتأوِّل وغير المتأوِّل

- ‌كثير من نزاع النَّاس سببه ألفاظ مجملة مبتدَعةومعان مشتبهة

- ‌أنواع الاختلاف

- ‌الفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة يُنهى عنه

- ‌ما نهي سدّاً للذَّريعة يُباح لمصلحة راجحة

- ‌من لا يمكنه أن يأتي بحسنة راجحة إلَاّ ومعهاسيِّئة دونها في العقاب ماذا يفعل

- ‌فصل جامع في تعارض الحسنات والسَّيِّئات

- ‌قاعدة عامَّة في تعارض وتزاحم المصالح والمفاسد والحسنات والسَّيِّئات

- ‌إذا اشتمل العمل على مصلحة ومفسدة

- ‌العمل عند تكافؤ مصلحتين أو مفسدتين

- ‌الشَّريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها

- ‌اجتماع الخير والشَّرِّ في الرَّجل الواحد

- ‌اشتمال بعض الأعمال على الخير والشر في آن واحد وفيه كلام غريب

- ‌أصناف النَّاس في غيبة الآخرين

- ‌المباح بالنِّيَّة الحسنة يكون خيراً وبالنِّيَّة السَّيِّئة يكون شرّاً

- ‌فعل المباح على وجه العبادة بدعة منكرة

- ‌القسم الرابعمسائل أصوليَّة في:الاعتصام بالسُّنَّة وترك الابتداع، والإجماع، والتَّقليد والتَّمذهب

- ‌ترك السُّنة يُفضي إلى فعل البدعة وترك المأمور يفضي إلى فعل المحظور

- ‌قاعدة فيما يجب من المعاوضات ونحو ذلك

- ‌مسألة إجماع أهل المدينة

- ‌هل لازم المذهب مذهب أم لا

- ‌لا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص معيَّنغير رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المنحرفون من أتباع الأئمَّة انحرافهم أنواع

- ‌الأمر بالشيء هل يكون أمراً بلوازمه

- ‌جنس فعل المأمور به أعظم من جنس تركالمنهيِّ عنه

- ‌كلام عجيب في أن القلب المعمور بالتَّقوى إذا رجَّح بمجرَّد رأيه فهو ترجيح شرعيٌّ

- ‌النزاع في الأحكام وخفاء العلم بما يوجب الشِّدَّة قد يكون رحمة

- ‌إذا كان الشَّيء شعاراً للكفَّار ثمَّ اعتاده المسلمون وكَثُر فيهم هل تزول حرمته

- ‌كل ما قاله صلى الله عليه وسلم بعد النُّبوَّة وأُقرَّ عليه ولم ينسخ فهو تشريع

- ‌الحديث الضعيف يُروى ويُعمل به في التَّرغيب والتَّرهيب لا في الاستحباب

- ‌لا يُعرف إجماع على ترك نصٍّ إلَاّ وقد عُرف النَّصُّ النَّاسخ له

- ‌لفظ الكلام والكلمة لا يُستعمل في اللُّغة إلَاّ مقيَّداً بمعنى الجملة التَّامَّة

- ‌الأسماء ثلاثة أنواعشرعيٌّ، ولغويٌّ، وعرفيٌّ

- ‌لفظ المجمل والمطلق والعامِّ في اصطلاح الأئمَّة

- ‌التَّسمية بمسائل أصول ومسائل فروعتسمية مُحدثة

- ‌العموم ثلاثة أقسام والفرق بين مفهوم اللَّفظ المطلق وبين المفهوم المطلق من اللَّفظ

- ‌أنواع الأعياد الزَّمانية

- ‌الفرق بين الأمكنة التي قصد النبي صلى الله عليه وسلم الصَّلاة أو الدُّعاء عندها وبين ما فعل فيها ذلك اتِّفاقاً

- ‌تفريق مهمٌّ بين الإجزاء والإثابة

- ‌ما أطلقه الله من الأسماء وعلَّق به الأحكام لم يكن لأحد أن يقيِّده إلَاّ بدلالة من الله ورسوله

- ‌لفظ الأمر إذا أُطلق تناول النَّهي

- ‌القسم الخامس[مسائل متفرقة]

- ‌المخالطة المطلقة والانفراد المطلق خطأ

- ‌كلُّ من ترك واجباً لم يَعلم وجوبه أو فعل محظوراً لم يَعلم أنَّه محظور لم تلزمه الإعادة إذا عُلم

- ‌الأجر على قدر منفعة العمل لا علىقدر المشَّقة فقط

- ‌الكذب والمعاريض

- ‌من هم أهل الحديث

- ‌الخروج للنُّزهة في الأماكنالتي تُشهد فيها المنكرات

- ‌الفرق بين السَّماع والاستماع

- ‌جنس الحاضرة أفضل من جنس البادية كما أنَّ جنس العرب أفضل من جنس العجم

- ‌سبب فضل العرب على غيرهم

- ‌جنس العرب خير من غيرهم

- ‌تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز

- ‌البدعة في الحنابلة أقل منها في غيرهم

- ‌حدود الشَّام والحجاز

- ‌دفاع عن أبي حنيفة

- ‌الورع المشروع والورع الواجب والورع الفاسد

- ‌أصحاب السُّنن والمسانيدهل كانوا مجتهدين أم مقلِّدين

- ‌تشكيل المصاحف وتنقيطها

- ‌لا يُقَبَّل ما على وجه الأرض إلَاّ الحجر الأسود

- ‌قاعدة عظيمة في الجمع بين العبادات المتنوِّعة

- ‌طريقة الإسلام في حساب السَّنة والشَّهر والأسبوع واليوم أقْوَم طريقة

- ‌الأدلَّة من الكتاب والسُّنَّة والإجماع على استدارة وكرويَّة الأفلاك

- ‌أقسام الدَّعاوى وأنَّ اليمين تارة تكون على المدَّعي وتارة تكون على المدَّعى عليه

- ‌رسالة شيخ الإسلام إلى والدته يعتذر فيها عن بعدهعنها لأمور دينيَّة

- ‌مشروعيَّة التَّعزير بالعقوبات الماليَّة

- ‌كلُّ بشر على وجه الأرض لا بدَّ له من أمر ونهي

- ‌ينبغي للمرأة أن تقول: إنِّي أمتك بنت عبدك أو بنت أمتك مكان: إنِّي عبدك ابن عبدك

- ‌من توهم أنَّ الفرض أن يقصد المصلِّي الصَّلاة في مكان لو سار على خطٍّ مستقيم وصل إلى عين الكعبة فقد أخطأ

- ‌قاعدة فيما تشترك فيه اليمنى واليسرى من الأفعالوتختصُّ به إحداهما

- ‌ليس في الدُّنيا حرم ثالث لا بيت المقدس ولا غيره

- ‌الإقامة في موضع تكون الأسباب فيه أطوع لله وأفعل للحسنات أفضل من الإقامة في موضعيكون حاله فيه دون ذلك

- ‌الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم منالفساد في إظهاره رياءً

- ‌تحزيب السُّور وكراهة القراءة بأواخر السُّور وأوساطها

- ‌التقارب بين الألفاظ العبريَّة والعربيَّة

- ‌معنى اللَّهو الباطل المنهيِّ عنه وأنَّه نهي كراهة لا نهي تحريم

- ‌الحكمة في دفنه صلى الله عليه وسلم في بيته والفرق بين زيارة قبره وزيارة غيره من المسلمين

- ‌لفظ اللَّيل والنَّهار في كلام الشَّارع

- ‌لا يجوز رفع الأصوات في الذِّكر والدُّعاء إلَاّ حيث جاءت به السُّنَّة

- ‌مسائل متفرِّقة في علاج من به مسٌّ من الجنِّ ومن ذلك استخدام الضَّرب وقد فعله ابن تيميَّة كثيراً

- ‌حكم قتل الجن

- ‌هل غير العرب أكفاء للعرب في النِّكاح

- ‌المرأة الحائض إذا طَهُرَت قبل طلوع الفجرأو قبل غروب الشَّمس

- ‌الجمع بين الصَّلوات للعذر

- ‌الفرق بين القصر والجمع في الصَّلاة

- ‌قصد زيارة المساجد التي بُنيت بمكَّة غير المسجد الحرام بدعة

- ‌السُّنَّة في زيارة مسجد وقبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌زيارة القبور على وجهين: شرعيَّة وبدعيَّة

- ‌أعدل الأقوال في قراءة المأموم خلف الإمام

- ‌العمرة بعد الحجِّ بدعة مكروهة لم يفعلها السَّلف

الفصل: ‌الرد على قول المرجئة: المراد بالإيمان التصديق

‌الرد على قول المرجئة: المراد بالإيمان التصديق

(إن ((المرجئة)) لما عدلوا عن معرفة كلام الله ورسوله؛ أخذوا يتكلمون في مسمى ((الإيمان)) و ((الإسلام)) وغيرهما بطرق ابتدعوها، مثل أن يقولوا:((الإيمان في اللغة)) هو التصديق، والرسول إنما خاطب الناس بلغة العرب لم يغيرها، فيكون مراده بالإيمان التصديق! ثم قالوا: والتصديق إنما يكون بالقلب واللسان أو بالقلب؛ فالأعمال ليست من الإيمان، ثم عمدتهم أن الإيمان هو التصديق قوله:{وَمَا أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (1) ؛ أي: بمصدق لنا.

فيقال لهم: ((اسم الإيمان)) قد تكرر ذكره في القرآن والحديث أكثر من ذكر سائر الألفاظ، وهو أصل الدين، وبه يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويفرق بين السعداء والأشقياء ومن يوالي ومن يعادي، والدين كله تابعٌ لهذا، وكل مسلم محتاج إلى معرفة ذلك؛ أفيجوز أن يكون الرسول قد أهمل بيان هذا كله ووكله إلى هاتين المقدمتين؟!

ومعلوم أن الشاهد الذي استشهدوا به على أن الإيمان هو التصديق أنه من القرآن، ونقل معنى الإيمان متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من تواتر لفظ الكلمة؛ فإن الإيمان يحتاج إلى معرفة جميع الأمة فينقلونه، بخلاف كلمة من سورة، فأكثر المؤمنين لم يكونوا يحفظون هذه السورة؛ فلا يجوز أن يجعل بيان أصل الدين مبنياً على مثل هذه المقدمات، ولهذا كَثُر النزاع والاضطراب بين الذين عدلوا عن صراط الله المستقيم وسلكوا السبل وصاروا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، ومن الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات؛ فهذا كلام عام مطلق.

ثم يقال: ((هاتان المقدمتان)) كلاهما ممنوعة، فمن الذي قال: إن لفظ

(1) يوسف: 17.

ص: 61

الإيمان مرادف للفظ التصديق؟ وهب أن المعنى يصح إذا استعمل في هذا الموضع، فلم قلت: إنه يوجب الترادف؟ ولو قلت: ما أنت بمسلم لنا، ما أنت بمؤمن لنا؛ صح المعنى، لكن لم قلت: إن هذا هو المراد بلفظ مؤمن؟ وإذا قال: {وأقيموا الصَّلاةَ} (1) ؟ ولو قال القائل: أتموا الصلاة، ولازموا الصلاة، التزموا الصلاة، افعلوا الصلاة؛ كان المعنى صحيحاً، لكن لا يدل هذا على معنى: أقيموا؛ فكون اللفظ يرادف اللفظ يراد دلالته على ذلك.

ثم يقال: ليس هو مرادفاً له، وذلك من وجوه:

أحدها: أن يقال للمخبر إذا صدقته: صدقه، ولا يقال: آمنه وآمن به؛ بل يقال: آمن له، كما قال:{فَآمَنَ لَهُ لوطٌ} (2)، وقال:{فَمَا آمَنَ لِموسى إلَاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} (3)، قال فرعون:{آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ} (4)، وقالوا لنوح:{أنُؤْمِنُ لَكَ واتَّبَعَكَ الأرْذَلونَ} (5)، وقال تعالى:{قُلْ أذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ باللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ} (6)، {فَقَالوا أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُما لَنَا عابِدونَ} (7) وقال:{وإنْ لَمْ تُؤْمِنوا لي فَاعْتَزِلونِ} (8)

الثاني: أنه ليس مرادفاً للفظ التصديق في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت، فمن قال:

(1) المزمل: 20.

(2)

العنكبوت: 26.

(3)

يونس: 83.

(4)

الأعراف: 123.

(5)

الشعراء: 111.

(6)

التوبة: 61.

(7)

المؤمنون: 47.

(8)

الدخان: 21.

ص: 62

السماء فوقنا؛ قيل له: صدق، كما يقال: كذب، وأما لفظ الإيمان؛ فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن مشاهدة؛ كقوله: طلعت الشمس وغربت، أنه يقال: آمناه، كما يقال: صدقناه، ولهذا المحدثون والشهود ونحوهم يقال: صدقناهم، وما يقال: آمنا لهم؛ فإن الإيمان مشتق من الأمن؛ فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر، ولهذا لم يوجد قط في القرآن وغيره لفظ آمن له إلا في هذا النوع، والاثنان إذا اشتركا في معرفة الشيء يقال: صدق أحدهما صاحبه، ولا يقال: آمن له؛ لأنه لم يكن غائباً عنه ائتمنه عليه، ولهذا قال:{فَآمَنَ لَهُ لوطٌ} (1) ، {أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلَنَا} (2) ، {آمَنْتُمْ لَهُ} (3) ، {يُؤْمِنُ باللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ} (4) ، فيصدقهم فيما أخبروا به مما غاب عنه وهو مأمون عنده على ذلك؛ فاللفظ متضمن مع التصديق معنى الائتمان والأمانة؛ كما يدل عليه الاستعمال والاشتقاق، ولهذا قالوا:{وَمَا أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (5) ؛ أي: لا تقر بخبرنا ولا تثق به ولا تطمئن إليه ولو كنا صادقين؛ لأنهم لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك؛ فلو صدقوا لم يأمن لهم.

الثالث: إن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب كلفظ التصديق؛ فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال: صدقناه أو كذبناه، ولا يقال لكل مخبر: آمنا له أو كذبناه، ولا يقال: أنت مؤمن له أو مكذب له؛ بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال:

(1) العنكبوت: 26.

(2)

المؤمنون: 27.

(3)

الأعراف: 123.

(4)

التوبة: 61.

(5)

يوسف: 17.

ص: 63

هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق لكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك ولا أوافقك؛ لكان كفره أعظم، فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط؛ عُلم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط، بل إذا كان الكفر يكون تكذيباً ويكون مخالفة ومعاداة وامتناعاً بلا تكذيب؛ فلا بد أن يكون الإيمان تصديقاً مع موافقة وموالاة وانقياد لا يكفي مجرد التصديق؛ فيكون الإسلام جزء مسمى الإيمان كما كان الامتناع من الانقياد مع التصديق جزء مسمى الكفر؛ فيجب أن يكون كل مؤمن مسلماً منقاداً للأمر، وهذا هو العمل

الرابع: أن من الناس من يقول: الإيمان أصله في اللغة من الأمن الذي هو ضد الخوف، فآمن؛ أي: صار داخلاً في الأمن

وأما ((المقدمة الثانية)) ؛ فيقال: إنه إذا فرض أنه مرادف للتصديق، فقولهم: إن التصديق لا يكون إلا بالقلب أو اللسان؛ عنه جوابان:

أحدهما: المنع، بل الأفعال تسمى تصديقاً؛ كما ثبت في ((الصحيح)) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى ذلك ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)) (1) .

وكذلك قال أهل اللغة وطوائف من السلف والخلف، قال الجوهري: والصِّديق مثل الفِسِّيق: الدائم التصديق، ويكون الذي يصدق قوله بالعمل. وقال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني؛ ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وهذا من التصديق، وتسأل عن الدين؛ فالدين هو

(1) رواه البخاري في (القدر، باب {وَحَرامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ

} ، رقم 6612) ، ومسلم في (القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره، رقم 2657) ؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مع اختلاف في اللفظ.

ص: 64

العبادة؛ فإنك لن تجد رجلاً من أهل الدين ترك عبادة أهل الدين ثم لا يدخل في دين آخر إلا صار ديناً له، وتسأل عن العبادة والعبادة هي الطاعة، ذلك أنه من أطاع الله فيما أمره به وفيما نهاه عنه؛ فقد آثر عبادة الله، ومن أطاع الشيطان في دينه وعمله؛ فقد عبد الشيطان، ألا ترى أن الله قال للذين فرطوا:{ألَمَ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ أنْ لا تَعْبُدوا الشَّيْطانَ} (1) ، وإنما كانت عبادتهم الشيطان أنهم أطاعوه في دينهم.

وقال أسد بن موسى: حدثنا الوليد بن مسلم الأوزاعي، حدثنا حسان ابن عطية؛ قال: الإيمان في كتاب الله صار إلى العمل. قال الله تعالى: {إنَّمَا المُؤْمِنونَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ

} (2) الآية، ثم صيرهم إلى العمل، فقال:{الذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقونَ} (3) ؛ قال: وسمعت الأوزاعي يقول: قال الله تعالى: {فَإنْ تابوا وأقاموا الصَّلاةَ وآتوا الزَّكاةَ فَإخْوانُكُمْ في الدِّينِ} (4) ، والإيمان بالله باللسان، والتصديق به العمل.

وقال معمر عن الزهري: كنا نقول: الإسلام بالإقرار، والإيمان بالعمل، والإيمان: قول وعمل قرينان، لا ينفع أحدهما إلا بالآخر، وما من أحد إلا يوزن قوله وعمله؛ فإن كان عمله أوزن من قوله صعد إلى الله، وإن كان كلامه أوزن من عمله لم يصعد إلى الله. ورواه أبو عمرو الطلمنكي بإسناده المعروف. وقال معاوية بن عمرو: عن أبي إسحاق الفزاري، عن الأوزاعي؛ قال: لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة.

(1) يس: 60.

(2)

الأنفال: 2.

(3)

الأنفال: 3.

(4)

التوبة: 11.

ص: 65

وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل؛ العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعمله؛ فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله؛ كان في الآخرة من الخاسرين، وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف: أنهم يجعلون العمل مصدقاً للقول.

وكذلك ((الجواب الثاني)) : أنه إذا كان أصله التصديق؛ فهو تصديق مخصوص، كما أن الصلاة دعاء مخصوص، والحج قصد مخصوص، والصيام إمساك مخصوص، وهذا التصديق له لوازم صارت لوازمه داخلة في مسماه عند الإطلاق؛ فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، ويبقى النزاع لفظياً: هل الإيمان دال على العمل بالتضمن أو باللزوم؟

ومما ينبغي أن يُعرف أن أكثر التنازع بين أهل السنة في هذه المسألة هو نزاع لفظي، وإلا؛ فالقائلون بأن الإيمان قول من الفقهاء - كحماد بن أبي سليمان، وهو أول من قال ذلك، ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم - متفقون مع جميع علماء السنة على أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد، وإن قالوا: إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل؛ فهم يقولون: إن الإيمان بدون العمل المفروض ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقاً للذم والعقاب، كما تقوله الجماعة. ويقولون أيضاً بأن من أهل الكبائر من يدخل النار كما تقوله الجماعة، والذين ينفون عن الفاسق اسم الإيمان من أهل السنة متفقون على أنه لا يخلد في النار؛ فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب إذا كانوا مقرين باطناً وظاهراً بما جاء به الرسول، وما تواتر عنه أنهم من أهل الوعيد، وأنه يدخل النار منهم من أخبر الله ورسوله بدخوله إليها، ولا يخلد منهم فيها أحد، ولا يكونون مرتدين مباحي الدماء،

ص: 66

ولكن ((الأقوال المنحرفة)) قول من يقول بتخليدهم في النار؛ كالخوارج والمعتزلة، وقول غلاة المرجئة الذين يقولون: ما نعلم أن أحداً منهم يدخل النار؛ بل نقف في هذا كله. وحُكي عن بعض غلاة المرجئة الجزم بالنفي العام.

ويقال للخوارج: الذي نفى عن السارق والزاني والشارب وغيرهم الإيمان هو لم يجعلهم مرتدين عن الإسلام، بل عاقب هذا بالجلد وهذا بالقطع، ولم يقتل أحداً إلا الزاني المحصن، ولم يقتله قتل المرتد؛ فإن المرتد يقتل بالسيف بعد الاستتابة، وهذا يرجم بالحجارة بلا استتابة؛ فدل ذلك على أنه وإن نفى عنهم الإيمان فليسوا عنده مرتدين عن الإسلام مع ظهور ذنوبهم، وليسوا كالمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر؛ فأولئك لم يعاقبهم إلا على ذنب ظاهر) (1) .

***

(1) * ((مجموع الفتاوى)) (7 / 289 - 298) .

ص: 67