الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدلَّة من الكتاب والسُّنَّة والإجماع على استدارة وكرويَّة الأفلاك
(ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة أن الأفلاك مستديرة، قال الله تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمْسُ والقَمَرُ} (1)، وقال:{وَهُوَ الذي خَلَقَ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحونَ} (2)، وقال تعالى:{لا الشَّمْسُ يَنْبَغي لَهَا أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ ولا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحونَ} (3) .
قال ابن عباس: في فلكة مثل فلكة المغزل. وهكذا هو في ((لسان العرب)) : الفلك الشيء المستدير، ومنه يقال: تفلك ثدي الجارية إذا استدار، قال تعالى:{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ ويُكّوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ} (4)، والتكوير: هو التدوير، ومنه قيل: كار العمامة، وكورها إذا أدارها، ومنه قيل للكرة كرة، وهي الجسم المستدير، ولهذا يقال للأفلاك: كروية الشكل؛ لأن أصل الكرة كورة، تحركت الواو وانفتح ما قلبها فقلبت ألفاً، وكورت الكارة إذا دورتها، ومنه الحديث:((إن الشمس والقمر يكوران يوم القيامة كأنهما ثوران في نار جهنم)) (5)، وقال تعالى:{الشَّمْسُ وَالقَمَرُ بِحُسْبانٍ} (6) مثل حسبان الرحا، وقال: {مَّا تَرَى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مَنْ
(1) فصلت: 37.
(2)
الأنبياء: 33.
(3)
يس:40.
(4)
الزمر: 5.
(5)
[صحيح بمعناه] . رواه الطحاوي في ((مشكل الآثار)) ، والطيالسي - انظر:((السلسة الصحيحة)) (رقم 124) -، وفي ((صحيح البخاري)) (كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر، 3200) : ((إن الشمس والقمر مكوران يوم القيامة)) .
(6)
الرحمن: 5.
تَفَاوتٍ} (1) ، وهذا إنما يكون فيما يستدير من أشكال الأجسام دون المضلعات من المثلث أو المربع أو غيرهما؛ فإنه يتفاوت لأن زواياه مخالفة لقوائمه، والجسم المستدير متشابه الجوانب والنواحي، ليس بعضه مخالفاً لبعض.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي قال: إنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك. فقال:((ويحك! إن الله لا يُستشفع به على أحد من خلقه، إن شأنه أعظم من ذلك، إن عرشه على سماواته هكذا)) وقال بيده مثل القبة: ((وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد براكبه)) (2) . رواه أبو داود وغيره من حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ((الصحيحين)) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((إذا سألتم الله الجنة؛ فاسألوه الفردوس؛ فإنها أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن)) (3) ؛ فقد أخبر أن الفردوس هي الأعلى والأوسط، وهذا لا يكون إلا في الصورة المستديرة، فأما المربع ونحوه؛ فليس أوسطه أعلاه، بل هو متساوٍ.
وأما إجماع العلماء؛ فقال إياس بن معاوية - الإمام المشهور قاضي البصرة من التابعين -: السماء على الأرض مثل القبة.
وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار في فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب أحمد: لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة، وأنها تدور بجميع ما فيها من الكواكب كدورة الكرة على قطبين ثابتين غير
(1) الملك: 3.
(2)
[ضعيف] . رواه أبو داود في (السنة، باب في الجهمية، رقم 4726) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه. وانظر: ((ضعيف سنن أبي داود)) .
(3)
رواه البخاري في (الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، 2790، وفي التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، 7423) ؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
متحركين: أحدهما في ناحية الشمال، والآخر في ناحية الجنوب.
قال: ويدل على ذلك أن الكواكب جميعها تدور من المشرق تقع قليلاً على ترتيب واحد في حركاتها ومقادير أجزائها إلى أن تتوسط السماء، ثم تنحدر على ذلك الترتيب كأنها ثابتة في كرة تديرها جميعها دوراً واحداً.
قال: وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة.
قال: ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد، بل على المشرق قبل المغرب.
قال: فكرة الأرض مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة في الدائرة، يدل على ذلك أن جرم كل كوكب يُرى في جميع نواحي السماء على قدر واحد، فيدل ذلك على بُعْد ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد، فاضطرار أن تكون الأرض وسط السماء.
وقد يظن بعض الناس أن ما جاءت به الآثار النبوية من أن العرش سقف الجنة وأن الله على عرشه مع ما دلت عليه من أن الأفلاك مستديرة متناقض أو مقتض أن يكون الله تحت بعض خلقه، كما احتج بعض الجهمية على إنكار أن يكون الله فوق العرش باستدارة الأفلاك، وأن ذلك مستلزم كون الرب أسفل، وهذا من غلطهم في تصور الأمر، ومن علم أن الأفلاك مستديرة وأن المحيط الذي هو السقف هو أعلى عليين، وإن المركز الذي هو باطن ذلك وجوفه - وهو قعر الأرض - هو ((سجين)) ((وأسفل سافلين)) ؛ عُلم من مقابلة الله بين أعلى عليين وبين سجين، مع أن المقابلة إنما تكون في الظاهر بين العلو والسفل أو بين السعة والضيق، وذلك لأن العلو مستلزم
للسعة والضيق مستلزم للسفول، وعُلم أن السماء فوق الأرض مطلقاً، لا يُتصور أن تكون تحتها قط وإن كانت مستديرة محيطة، وكذلك كلما علا كان أرفع وأشمل.
وعُلم أن الجهة قسمان: قسم ذاتي: وهو العلو والسفول فقط، وقسم إضافي: وهو ما يُنسب إلى الحيوان بحسب حركته؛ فما أمامه يقال له أمام، وما خلفه يقال له خلف، وما عن يمينه يقال له اليمين، وما عن يسرته يقال له اليسار، وما فوق رأسه يقال له فوق، وما تحت قدميه يقال له تحت، وذلك أمر أضافي، أرأيت لو أن رجلاً علق رجليه إلى السماء ورأسه إلى الأرض؛ أليست السماء فوقه وإن قابلها برجليه؟! وكذلك النملة أو غيرها لو مشى تحت السقف مقابلاً له برجليه وظهره إلى الأرض؛ لكان العلو محاذياً لرجليه وإن كان فوقه، وأسفل سافلين ينتهي إلى جوف الأرض.
والكواكب التي في السماء وإن كان بعضها محاذياً لرؤسنا وبعضها في النصف الآخر من الفلك؛ فليس شيء منها تحت شيء، بل كلها فوقنا في السماء، ولما كان الإنسان إذا تصور هذا يسبق إلى وهمه السفل الإضافي، كما احتج به الجهمي الذي أنكر علو الله على عرشه، وخيل على من لا يدري أن من قال: إن الله فوق العرش؛ فقد جعله تحت نصف المخلوقات، أو جعله فلكاً آخر، تعالى الله عما يقول الجاهل.
إذا تبين أنا نعرف ما قد عُرف من استدارة الأفلاك؛ عُلم أن المنكِر له مخالف لجميع الأدلة، لكن المتوقف في ذلك قبل البيان فعل الواجب، وكذلك من لم يزل يستفيد ذلك من جهة لا يثق بها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا حدثكم أهل الكتاب؛ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم)) (1) ، وإن كون بعض
(1)[صحيح] . رواه أبو داود في (العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب، 3644)، وأحمد في ((المسند)) (4 / 136) من حديث أبي نملة الأنصاري رضي الله عنه. وانظر:((السلسلة الصحيحة)) (2800) .
الحركات العالية سبب لبعض الحوادث مما لا يُنكَر، بل إما أن يُقبَل أو لا يُردَّ) (1) .
* * *
(1) * ((مجموع الفتاوى)) (25 / 193 - 198) .