الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدة عظيمة في الجمع بين العبادات المتنوِّعة
(إن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال إذا كانت مأثورة أثراً يصح التمسك به لم يُكره شيء من ذلك، بل يشرع ذلك كله كما قلنا في أنواع صلاة الخوف، وفي نوعي الأذان الترجيع وتركه، ونوعي الإقامة شفعها وإفرادها، وكما قلنا في أنواع التشهدات، وأنواع الاستفتاحات، وأنواع الاستعاذات، وأنواع القراءات، وأنواع تكبيرات العيد الزوائد، وأنواع صلاة الجنازة وسجود السهو، والقنوت قبل الركوع وبعده، والتحميد بإثبات الواو وحذفها، وغير ذلك، لكن قد يستحب بعض هذه المأثورات ويفضل على بعض إذا قام دليل يوجب التفضيل ولا يكره الآخر.
ومعلوم أنه لا يمكن المكلف أن يجمع في العبادة المتنوعة بين النوعين في الوقت الواحد، لا يمكنه أن يأتي بتشهدين معاً ولا بقراءتين معاً ولا بصلاتي خوف معاً، وإن فعل ذلك مرتين كان ذلك منهياً عنه؛ فالجمع بين هذه الأنواع محرم تارة ومكروه أخرى، ولا تنظر إلى من قد يستحب الجمع في بعض ذلك، مثل ما رأيت بعضهم قد لفق ألفاظ الصلوات على النبي المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم واستحب فعل ذلك الدعاء الملفق، وقال في حديث أبي بكر الصديق المتفق عليه لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي. فقال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً)) ، وفي رواية:((كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) (1) . فقال: يستحب أن يقول: كثيراً، كبيراً، وكذلك يقول في أشباه هذا: فإن هذا ضعيف، فإن هذا أولاً ليس سنة، بل خلاف المسنون؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك جميعه جميعاً، وإنما كان يقول
(1) رواه البخاري في (الأذان، باب الدعاء قبل السلام، 834) ، ومسلم في (الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، 2705) ؛ من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
هذا تارة وهذا تارة، إن كان الأمران ثابتين عنه؛ فالجمع بينهما ليس سنة، بل بدعة وإن كان جائزاً) (1) .
وقال أيضاً: (من المتأخرين من سلك في بعض هذه الأدعية والأذكار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها ويعلمها بألفاظ متنوعة - ورويت بألفاظ متنوعة - طريقة محدثة بأن جمع بين تلك الألفاظ واستحب ذلك، ورأى ذلك أفضل ما يقال فيها.
مثاله الحديث الذي في ((الصحيحين)) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله! علمني دعاء ادعو به في صلاتي. قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم)) (2)، قد روي ((كثيراً)) وروي ((كبيراً)) ؛ فيقول هذا القائل: يستحب أن يقول: كثيراً، كبيراً. وكذلك إذا روي:((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)) وروي: ((اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته)) وأمثال ذلك، وهذه طريقة مُحدَثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين.
وطرد هذه الطريقة أن يذكر التشهد بجميع هذه الألفاظ المأثورة وأن يقال: الاستفتاح بجميع الألفاظ المأثورة، وهذا مع أنه خلاف عمل المسلمين لم يستحبه أحد من أئمتهم، بل عملوا بخلافه؛ فهو بدعة في الشرع، فاسد في العقل) (3) .
(1) * ((مجموع الفتاوى)) (26 / 242 - 243) .
(2)
تقدم قريباً.
(3)
** ((مجمع الفتاوى)) (22 / 458) .