الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإقسام على الله بشيء من مخلوقاته
أو السُّؤال له به
(الإقسام على الله بشيء من المخلوقات أو السُّؤال له به: إمَّا أن يكون مأموراً به إيجاباً أو استحباباً، أو منهيّاً عنه نهي تحريم أو كراهة، أو مباحاً لا مأموراً به ولا منهيّاً عنه.
وإذا قيل: إنَّ ذلك مأمورٌ به أو مباح؛ فإمَّا أن يفرق بين مخلوق ومخلوق، أو يقال: بل يشرع بالمخلوقات المعظَّمة أو ببعضها، فمن قال: إنَّ هذا مأمور به أو مباح في المخلوقات جميعها؛ لزم أن يسأل الله تعالى بشياطين الإنس والجنِّ، فهذا لا يقوله مسلم.
فإن قال: بل يسأل بالمخلوقات المعظَّمة كالمخلوقات التي أقسم بها في كتابه؛ لزم من هذا أن يسأل باللَّيل إذا يغشى والنَّهار إذا تجلَّى والذَّكر والأنثى
…
وسائر ما أقسم الله به في كتابه.
فإن الله يقسم بما يقسم به من مخلوقاته لأنَّها آياته ومخلوقاته، فهي دليل على ربوبيَّته وألوهيَّته ووحدانيَّته وعلمه وقدرته ومشيئته ورحمته وحكمته وعظمته وعزَّته؛ فهو سبحانه يقسم بها لأنَّ إقسامه بها تعظيم له سبحانه.
ونحن المخلوقون ليس لنا أن نقسم بها بالنص والإجماع، بل ذكر غير واحد الإجماع على أنَّه لا يقسم بشيء من المخلوقات وذكروا إجماع الصَّحابة على ذلك، بل ذلك شرك منهيٌّ عنه.
ومن سأل الله بها لزمه أن يسأله بكلِّ ذكر وأنثى، وبكلِّ نفس ألهمها فجورها وتقواها، ويسأله بالرِّياح والسَّحاب والكواكب والشَّمس والقمر
واللَّيل والنَّهار والتِّين والزَّيتون
…
... ومعلوم أنَّ السُّؤال لله بهذه المخلوقات أو الإقسام عليه بها من أعظم البدع المنكرَة في دين الإسلام، وممَّا يظهر قبحه للخاصِّ والعامِّ.
وإن قال قائل: بل أنا أسأله أو أقسم عليه بمعظَّم دون معظَّم من المخلوقات، إمَّا الأنبياء دون غيرهم أو نبيٍّ دون غيره، كما جوَّز بعضهم الحلف بذلك أو بالأنبياء والصَّالحين دون غيرهم.
قيل له: بعض المخلوقات وإن كان أفضل من بعض؛ فكلها مشتركة في أنَّه لا يجعل شيء منها ندّاً لله تعالى؛ فلا يُعبد ولا يُتوكل عليه ولا يُخشى ولا يُتَّقى ولا يُصام له ولا يُسجد له ولا يُرْغَب إليه ولا يُقسم بمخلوق، كما ثبت في ((الصَّحيح)) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:((من كان حالفاً؛ فليحلف بالله، أو ليصمت)) (1)، وقال:((لا تحلفوا إلَاّ بالله)) (2)، وفي ((الُّسنن)) عنه أنَّه قال:((من حلف بغير الله؛ فقد أشرك)) (3) .
فقد ثبت بالنُّصوص الصَّحيحة الصَّريحة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه لا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات، لا فرق في ذلك بين الملائكة والأنبياء والصَّالحين وغيرهم، ولا فرق بين نبيٍّ ونبيٍّ
…
(1) رواه البخاري في (الشهادات، باب كيف يستحلف، رقم 2679، وفي الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً، رقم 6108) ، ومسلم في (الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، رقم 1646) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
[صحيح] . رواه أبو داود في (الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء، 3248) ، والنسائي في (الأيمان والنذور، باب الحلف بالأمهات، رقم 3769) ؛ من حديث أبيّ رضي الله عنه. وانظر: ((صحيح الجامع)) (رقم 7249) .
(3)
[صحيح] . رواه الترمذي في (النذور والأيمان، باب كراهية الحلف بغير الله، رقم 1535) ، وأبو داود في (الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالآباء، رقم 3251)، وأحمد في ((المسند)) (2 / 69) ؛ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وانظر:((صحيح الجامع)) (6204) .
.. وإذا كان الإقسام بغير الله والرَّغبة إليه وخشيته وتقواه ونحو ذلك هي من الأحكام التي اشتركت المخلوقات فيها؛ فليس لمخلوق أن يقسم به ولا يتقي ولا يتوكل عليه؛ وإن كان أفضل المخلوقات، ولا يستحقُّ ذلك أحد من الملائكة والنَّبيِّين فضلاً عن غيرهم من المشايخ والصَّالحين.
فسؤال الله تعالى بالمخلوقات: إن كان بما أقسم به وعظَّمه من المخلوقات فيسوغ السُّؤال بذلك كلِّه، وإن لم يكن سائغاً لم يجز أن يسأل بشيء من ذلك، والتَّفريق في ذلك بين معظَّم ومعظَّم كتفريق من فرَّق [فزعم أنَّه] يجوز الحلف ببعض المخلوقات دون بعض، وكما أنَّ هذا فرق باطل فكذلك الآخر.
ولو فرَّق مفرِّق بين ما يؤمن به وبين ما لا يؤمن به؛ قيل له: فيجب الإيمان بالملائكة والنَّبيِّين، ويؤمن بكل ما أخبر به الرَّسول مثل منكر ونكير والحور العين والوِلدان وغير ذلك، أفيجوز أن يُقسَم بهذه المخلوقات لكونه يجب الإيمان بها، أم يجوز السُّؤال بها كذلك؟
فتبيَّن أنَّ السُّؤال بالأسباب إذا لم يكن المسؤول به سبباً لإجابة الدُّعاء؛ فلا فرق بين السُّؤال بمخلوق ومخلوق، كما لا فرق بين القَسَم بمخلوق ومخلوق، وكلُّ ذلك غير جائز؛ فتبيَّن أنَّه لا يجوز ذلك كما قاله من قاله من العلماء، والله أعلم) (1) .
* * *
(1) * ((مجموع الفتاوى)) (1 / 289 - 296) .