المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌787 - تمرلنك الطاغية - المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي - جـ ٤

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌752 - تاج الشويكي بعد 750 - 829هـ؟ - 1435م

- ‌753 - تاشفين المريني

- ‌754 - تأني بك اليحياوي 800هـ؟ - 1398م

- ‌755 - تنبك ميق

- ‌756 - تبك البجاسي

- ‌757 - تنبك الجقمقي

- ‌758 - تنبك المصارع

- ‌759 - تنبك الحاجب

- ‌باب التاء والغين المعجمة

- ‌760 - تعزى بردى الأتابكى

- ‌تغرة بردى المؤيدى، أخو قصروه

- ‌762 - تغرى بردى سيدي الصغير ابن أخي دمرداش

- ‌تغرى بردى المحمودي

- ‌تغرى بردى القرمى

- ‌765؟ - تغرى بردى البكلمشى المؤذى

- ‌766 - تغرى برمش الفقيه التركماني

- ‌767 - تغرى برمش نائب حلب

- ‌768 - تغرى برمش الزرد كاش

- ‌769 - تغرى برمش نائب القلعة

- ‌باب التاء والكاف

- ‌771 - تكا الأشرفي

- ‌باب التاء واللام

- ‌773 - تلكتمر من بركة الناصري

- ‌باب التاء والميم

- ‌775 - تمان تمر العمري نائب غزة

- ‌776 - تمان تمر الأشرفي

- ‌777 - تمر بى الدمرداشي

- ‌778 - تمرباي اليوسفي

- ‌839 - هـ؟ - 1436م

- ‌779 - تمرباى الحسنى

- ‌تمر باى رأس نوبة النوب

- ‌781 - تمرباى الساقي

- ‌تمرباى بن عبد الله الساقى الناصري، الأمير سيف الدين

- ‌ م

- ‌ منطاش

- ‌783 - تمربغا المشطوب

- ‌784 - تمربغا الظاهري الدوادار

- ‌ 785 تمر الجر كتمرى

- ‌ 786 تمر الشهابي

- ‌787 - تمرلنك الطاغية

- ‌788 - تمرتاش بن جوبان

- ‌ 728هـ؟ 1328م

- ‌789 - تمراز الناصري

- ‌790 - تمراز الأعور

- ‌791 - تمراز المؤيدي الخازندار نائب غزة

- ‌793 - القرشي أمير سلاح

- ‌793 - تمراز النوروزي

- ‌794 - تمراز المؤيدي المصارع

- ‌باب التاء والنون

- ‌795 - تنكز ناظر الرباط بالصالحية

- ‌796 - تنكز العثماني

- ‌ 797 - تنكز الحسامي نائب الشام

- ‌م

- ‌798 - تنم الحسنى نائب الشام

- ‌799 - تنم الساقي المؤيدي

- ‌801 - المحتسب المؤيدي أمير مجلس

- ‌868 - هـ؟ 1463م

- ‌باب التاء والواو

- ‌802 - توبة بن علي الصاحب تقي الدين

- ‌620 - 698هـ؟ 1223 - 1299م

- ‌803 - توران شاه الملك المعظم

- ‌804 - توران شاه الملك المعظم سلطان الديار المصرية

- ‌حرف الثاء المثلثة

- ‌805 - ثابت الهاشمي أمير المدينة 811هـ؟ 1408م

- ‌باب الثاء المثلثة والقاف

- ‌806 - ثقبة أمير مكة

- ‌حرف الجيم

- ‌807 - الإمام أبو محمد الواد آشى المالكي

- ‌610 - 694هـ؟ - 1213 - 1295م

- ‌808 - إفتخار الدين الخوارزمي الحنفي

- ‌667 - 741هـ؟ - 1269 - 1340م

- ‌809 - جاركس الخليلي

- ‌810 - جاركس الناصري

- ‌608 - 1211م

- ‌811 - جاركس المصارع أخو الملك الظاهر جقمق

- ‌810 - 1407م

- ‌812 - جار قطلو نائب الشام

- ‌813 - جانم الظاهري نائب طرابلس

- ‌815 - جانم المؤيدي الدوادار

- ‌816 - جانم الأشرفي

- ‌817 - جان بك المؤيدي الدوادار

- ‌817 - هـ؟ - 1414م

- ‌818 - جان بك الحمزاوي

- ‌ 836 - هـ؟ - 1433م

- ‌820 - جان بك الناصري الثور

- ‌841 - هـ؟ - 1438م

- ‌821 - جان بك الأشرفي الدوادار

- ‌822 - جان بك الساقي وإلى القاهرة

- ‌823 - جان بك القرماني حاجب الحجاب

- ‌ جان بك المشد دوادار سيدى

- ‌826 - جان بك الظاهري المعروف بقرا

- ‌828 - جان بك المرتد

- ‌829 - جان بك نائب جدة

- ‌ 867 - هـ؟ - 1462م

- ‌830 - جان بك النوروزى نائب بيروت

- ‌831 - جان بك الزينى عبد الباسط الأستادار

- ‌باب الجيم والباء الموحدة

- ‌832 - جبريل العسقلاني المحدث

- ‌610 - 695هـ؟ - 1213 - 1296م

- ‌833 - جبريل الخوارزمى

- ‌باب الجيم والراء المهملة

- ‌834 - جرباش الشيخى الظاهري

- ‌836 - جرباش العمري

- ‌814 - هـ؟ - 1411م

- ‌837 - جرباش الظاهري

- ‌839 - جرباش كرد

- ‌840 - جرباش مشد سيدى

- ‌841 - جرجى الناصري نائب حلب

- ‌842 - جردمر أخى طاز نائب الشام

- ‌843 - جر كتمر الأشرفي

- ‌باب الجيم والعين المهملة

- ‌844 - جعفر الدميرى

- ‌555 - 623هـ؟ - 1160 - 1226م

- ‌845 - الحسن البصرى

- ‌604 - 698هـ؟ - 1207 - 1299م

- ‌846 - جعفر بن دبوقا

- ‌باب الجيم والقاف

- ‌847 - جقمق الأرغون شاوى الدوادار ثم نائب دمشق

- ‌848 - جقمق الصفوى

- ‌849 - السلطان الملك الظاهر جقمق

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر جقمق

- ‌وجلوسه على تخت الملك

- ‌ذكر من عاصره من الخلفاء العباسية حفظهم الله:

- ‌ذكر من مات في أيامه من ملوك الأقطار:

- ‌ذكر من ولى في أيامه من قضاة القضاة بالديار المصرية:

- ‌قضاته الحنابلة: شيخ الإسلام قاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر الله

- ‌ذكر من ولى في أيامه الوظائف السنية من الأمراء:

- ‌وظيفة إمرة سلاح: وليها الأمير أقبغا التمرازي أياماً بعد قرقماس، ثم من

- ‌وظيفة إمرة مجلس: وليها الأمير تمراز القرمشي أشهرا إلى أن نقل منها إلى

- ‌وظيفة رأس نوبة النوب: باشرها في أول دولته الأمير تمراز القرمشى أياماً

- ‌وظيفة الحجوبية: باشرها الأمير يشبك السودوني في أوائل دولته أياماً ونقل

- ‌وظيفه الدوادارية الكبرى: باشرها في أوائل دولته الأمير أركماس الظاهري

- ‌وظيفة الأمير جندارية الكبرى: شاغرة بعد الأمير قرامراد خجا الظاهري من

- ‌وظيفة الخازندارية الكبرى: لم يلها أحد من مقدمي الألوف في زماننا هذا

- ‌ذكر الأعيان من مباشرى الدولة

- ‌نظار جيشه: الزينى عبد الباسط إلى أن أمسك وصودر، ثم من بعده القاضي محب

- ‌وزراؤه: الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ إلى، استعفى في

- ‌نظار خاصة: القاضي جمال الدين يوسف بن عبد الكريم ابن كاتب جكم

- ‌أستاداريته: جانبك الزيني عبد الباسط إلى أن عزل عندما قبض على أستاذه

- ‌وظيفة الحسبة: وليها الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي إلى أن عزل، ثم من

- ‌ذكر ولاة القاهرة: الأمير قراجا العمري مدة إلى أن عزل، وتولى منصور بن

- ‌ذكر أمرائه بمكة والمدينة والبلاد الشامية وغيرهم:

- ‌أمراء مكة المشرفة: باشرها الشريف بركات بن حسن مدة إلى أن عزل، ثم وليها

- ‌أمراء المدينة النبوية: على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: وليها في أيامه

- ‌ذكر نوابه بالبلاد الشامية:

- ‌نوابه بحلب: الأمير تغرى برمش إلى أن خرج عن الطاعة وقتل بحلب في سنة

- ‌ذكر نوابه بطرابلس: الأمير جلبان الأمير آخور أشهرا، ونقل إلى نيابة حلب

- ‌ذكر نوابه بحماة: الأمير قاني باي الحمزاوي أشهرا، ثم من بعده الأمير

- ‌نوابه بصفد: الأمير إينال العسلائي الأجرود إلى أن عزل وقدم إلى القاهرة

- ‌نوابه بالكرك: الغرسي خليل بن شاهين الشيخي إلى أن عزل، ثم من بعده

- ‌نوابه بالقدس الشريف: الأمير طوغان العثماني سنين إلى أن عزل، ثم الأمير

- ‌نوابه بملطية: الأمير حسن شاه أخو تغرى برمش نائب حلب إلى أن عزل وقتل في

- ‌نوابه بثغر الإسكندرية: الأمير تمرباي التمر بغاوي الدوادار أحد مقدمي

- ‌ذكر زوجاته: خوند الكبرى صاحبة القاعة مغل بنت القاضي ناصر الدين البارزي

- ‌خلف من الأولاد الذكور: الملك المنصرو عثمان سلطان الديار المصرية، ومن

- ‌باب الجيم والكاف

- ‌850 - جكم نائب جلب

- ‌851 - جكم النوروزي المجنون

الفصل: ‌787 - تمرلنك الطاغية

كان له معرفة بالفقه والأصول، وتصدر للإقراء مدة طويلة إلى أن سافر مرة فخرج عليه العرب فقاتلهم فجرح ومات من جراحه بعد أيام بالقاهرة في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. وكان شجاعاً فاضلا، عالما دينا خيراً، رحمه الله.

؟

‌787 - تمرلنك الطاغية

728 -

807هـ؟ - 1328 - 1405

م

تمر وقيل تيمور كلاهما يجوز بن أيتمش قنلغ بن زنكي بن سنيبا بن طارم طرا بن طغريل بن قليج سنقوز بن كنجك بن طغر سبوقا بن ألتاخان، الطاغية تيمور كوركان، وكولا كان، معناه باللغة العجمية صهر الملكوك.

مولده سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقرية تسمى خواجا أبغار من عمل كش، أحد مدائن ما وراء النهر، وبعد هذه البلد عن سمرقند يوم واحد ويقال: أنه رؤى ليلة ولد كأن شيئاً يشبه الخوذة تراءى طائرا في جو السماء،

ص: 103

ثم وقع إلى الأرض في فضاء فتطاير منه جمر وشرر حتى ملا الأرض.

وقيل: أنه لما خرج من بطن أمه وجدت كفاه مملوءتين دماً، فزجروا أنه يسفك على يديه الدماء، قلت: وهكذا وقع، لا عفا الله عنه.

وقيل: أن والده كان إسكافا، وقيل بل كان أميرا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ، وكان أحد أركان دولته، وأن أمه من ذرية جنكزخان، وقيل كان للسلطان حسين أربعة وزراء فكان تيمور من أحدهم.

وأصله من قبيلة بلاص، وقيل: أن أول ما عرف من حاله أنه كان يتجرم فسرق في بعض الليالي غنمه وحملها ليمر بها، فانتبه الراعي ورماه بسهم فأصاب كنفه، ثم ردفه بآخر فلم يصبه، ثم بآخر فأصاب فخذه، وعمل الجرح الثاني الذي في فخذه حتى عرج منه، ولهذا سمي تمرلنك، فإن لنك باللغة العجمية أعرج، ولما تعافى أخذ في التجرم وقطع الطريق، وصحبه في تجرمه جماعة عدتهم أربعون رجلاً، وكان تيمور يقول لهم في تلك الأيام: لا بد أن أملك الأرض وأقتل ملوك الدنيا، فيسخر منه بعضهم ويصدقه البعض لما يروه من شدة حزمه وشجاعته.

وقيل: أنه تاه في بعض تجرماته عدة أيام إلى أن وقع على خيل السلطان حسين صاحب بلخ، فأنزله الدشاري عنده وعطف عليه وآواه، وأتى إليه بما

ص: 104

يحتاجه من طعام وشراب، وكان لتيمور معرفة تامة في جياد الخيل، فأعجب الدشاري منه ذلك، فاستمر به عنده إلى أن أرسل معه بخيول إلى السلطان حسين وعرفه به، فأنعم عليه وأعاده إلى الدشاري، فلم يزل عنده حتى مات الدشاري، فولاه السلطان عوضه على دشاره، ولا زال يترقى بعد ذلك من ظيفة إلى أخرى حتى عظم وصار من جملة الأمراء، وتزوج بأخت السلطان حسين، وأقام معها مدة إلى أن وقع بينهما في بعض الأيام كلام فعايرته بما كان عليه من سوء الحال فقتلها، وخرج هاراباً وأظهر العصيان على السلطان حسين، واستفحل أمره، واستولى على ما وراء النهر، وتزوج بنات ملوكها، فعند ذلك لقب بكور كان، تقدم الكلام على كور كان في أول الترجمة.

ولا زال أمره ينمو وأعماله تتسع إلى أن خافه السلطان حسين وعزم على قتاله، وبلغه ذلك فخرج هارباً من بلد إلى أخرى.

وكان إبتدأ أمره بعد سنة ستين وسبعمائة، لما قوى أمره وملك عدة حصون بعث إلى ولاة بلخشان، وكانا أخوين قد ملكا بعد موت أبيهما، يدعوهما إلى طاعته فأجاباه، وكانت المغل قد نهضت من جهة الشرق على السلطان حسين وكبيرهم

ص: 105

الخان قمر الدين، فتوجه السلطان حسين إليهم وقاتلهم، فأرسل تيمور يدعوهم إليه، فأجابوه ودخلوا تحت طاعته، فقويت بهم شوكته، ثم قصده السلطان حسين في عسكر عظيم حتى وصل إلى قاغلغا، وهو موضع ضيق يسير الراكب فيه ساعة وفي وسطه باب إذا أغلق وأحمى لا يقدر عليه، وحوله جبال عالية، فملك العسرك فم هذا الدر بند من جهة سمرقند، ووقف تيمور بمن معه على الطريق الآخر، وفي ظنهم أنهم حصروه وضيقوا عليه، فتركهم ومضى في طريق مجهولة، فسار ليله في أوعار مشقة حتى أدركهم في السحر، وقد شرعوا في تحميل أثقالهم، على أن تيمور قد انهزم وهرب خوفاً منهم، فأخذ تيمور يكيدهم بان نزل هو ومن معه عن خيولهم وتركوها ترعى في تلك المروج، وناموا كأنهم من جملة العسكر، فموت بهم خيوله وهم يظنون أنهم منهم قد قصدوا الراحة، فلما تكامل مرور العسكر ركب تيمور بمن معه أقفيتهم وهم يصيحون، وأيديهم تدقهم بالسيوف دقا، فاختبط الناس، وانهزم السلطان حسين بمن معه لا يلوى أحد على أحد حتى وصل إلى بلخ، فاحتاط تيمور بما كان معه، وضم إليه من بقى من العسكر، فعظم جمعه، وكثرت أمواله، واستولى على ممالك ما وراء النهر، ورتب جنوده، وكتب إلى شيره على نائب السلطان حسين بسمرقند بتسليمها له، فمال إليه على أن تكون المملكة بينهما نصفين، فاقتسما تلك الأعمال، ثم قدم

ص: 106

عليه شيره على، فأكرمه ومضى على ما وافقه عليه، ثم سار يريد بلخشان فتلقاه ملكها بالهدايا والتحف وأمده بعسكره ومضى معه إلى بلخ، فنزل عليها وحصرها وبها السلطان حسين إلى أن ضعف عليه حاله، وسلم نفسه، فقبض عليه، ورد صاحب بلخشان إلى عمله مكرما مبجلا، ثم عاد إلى سمرقند ومعه السلطان حسين فنزلها واتخذها دار ملكه، ثم قتل السلطان حسين في شعبان سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وأقام عوضه رجلاً من ذرية جنكر خان يقال له سرغتميش وجعله السلطان، ولم يجعل له شيئاً من لأمر.

وكان الخان تقتميش صاحب الدشت والتتار بلغه ما جرى للسلطان حسين، فشق عليه ذلك وجمع عساكره وخرج يريد قتال تيمور، ومضى من جهة سغناق، فجمع له تيمور أيضاً، وسار من سمر قند فالتقيا بأطراف تركستان قريباً من نهر خجند، فاشتدت الحرب بينهما، وكثرت القتلى من عساكر تيمور حتى كادت تفنى، وعزم تيمور على الهزيمة، وإذا هو بالمعتقد الشريف بركة قد أقبل إليه على فرسه، فقال له تيمور وقد جهده البلاء: يا سيدي جيشى انكسر: فقال له الشريف بركة:

ص: 107

لا تخف، ثم ترك عن فرسه وتناول كفا من الحصا، ثم ركب فرسه ورمى بها في وجوههم، يعني جماعة تقتميش، وصرخ قائلا: يا غي قشتى، يعنى باللغة التركية، العدو هرب، وصرخ بها أيضاً تيمور، فامتلأت آذان التمرية بصرختهما، وأتوه بأجمعهم بعد ما كانوا هاربين، وتركوا جميع ما معهم، فكربه تيمور ثانياً، وما منهم أحد إلا وهو بصرخ ياغي قشتى، فانهزم عسكر تقتميش خان، وركبت التمرية أقفيتهم، وغنموا منهم من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر.

ثم عاد تيمور إلى سمرقند، وقد استولى على تركستان، وبلاد نهر خجند، ثم وقع بينه ونبين شيره على، ولا زال عليه تيمور حتى دهاه وقبض عليه وقتله، فعظم بذلك أكثر مما كان، وبلغت دعوته ما زندران وكيلان وبلاد الري والعراق، وخافه القريب والبعيد، وكل ذلك بعد قتل السلطان حسين بنحو السنتين.

ثم توجه إلى بلاد العراق وكتب إلى شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي صاحب شيراز وعراق العجم يدعوه إلى طاعته وأن يحمل إليه المال، ومن جملة كتابه: إن الله قد سلطني على ظلمة الحكام وعلى الجائرين من ملوك الأنام،

ص: 108

ورفعني على من ناوأني، ونصرني على من خالفني من عاداني، وقد رأيت وسمعت، فإن أجبت وأطعت، فبها ونعمت، وإلا فاعلم أن في قدومي ثلاثة أشياء: القتل والسبي والخراب، وإثم ذلك كله عليك ومنسوب بأجمعه إليك.

فلم يسع شاه شجاع إلا مهاداته ومصاهرته، وزوج انبه لبنت تيمور، فلم يتم ذلك، وحدث بينهما شرور بواسطة الواسطة بينهما مدة حياة شاه شجاع، حتى مات بعد أن قسم ممالكه بين أولاده وأقاربه، فأعطى ابنه زين العابدين شيراز كرسي مملكته، وأعطى ابنه أحمد كرمان، وأعطى ابن أخيه شاه يحيى يزد، وأعطى ابن أخيه شاه منصور أصبهان، وأسند وصيته إلى تيمور، فلم يكن بعد موته غير قليل حتى اختلفوا، فسار شاه منصور من أصبهان وقبض على زين العابدين وملك شيراز، وملك عيني زين العابدين، فغضب تيمور لذلك، ثم مشى على شاه منصور لأخذ شيرز منه، فبرز إليه شاه منصور في ألفى فارس بعد ما حصن شيراز، ففر منه أمير يقال له محمد بن أمين الدين إلى تيمور بأكثر

ص: 109

العسكر حتى بقي في أقل من ألف فارس، فقاتل بهم تيمور يومه إلى الليل، ثم مضى كل من الفريقين إلى معسكره، فبيت شاه منصور التمرية، يقال إنه قتل منهم في تلك الليلة نحو الشعرة آلاف، ثم انتخب من فرسانه خمسمائة فارس قاتل بهم من الغد، وقصد تيمور ففر تيمور منه واختفى، فأحاط به التمرية وهو يقاتلهم حتى كلت يداه، وقتلت أبطاله فانفرد عن أصحابه، وألقى نفسه بين القتلى، فضربه بعض التمرية فقتله، وأتى تيمور برأسه، فقتل تيمور قاتله.

واستولى تيمور على ممالك فارس وعراق العجم، وكتب يستدعي أقارب شاه شجاع وملوك تلك الأقطار، فوصل إليه السلطان أحمد صاحب كرمان، وشاه يحيى صاحب يزد، وعصري عليه سلطان أبو إسحاق في سيرجان، فأكرم من أتاه، ثم مضى إلى أصبهان، وأكرم زين العابدين بن شاه شجاع، ورتب له ما يكفيه، ثم جاء الملوك من كل جانب، وسلموه ما بأيديهم حتى أطاعه السلطان أبو إسحاق صاحب سيرجان، فاجتمع عنده من ملوك عراق العجم سبعة عشر ملكاً، ما بين سلطان وابن أخي سلطان، مثل سلطان أحمد بن شاه شجاع، وشاه يحيى ابن أخي شاه شجاع، وسلطان إبراهيم من ملوك خراسان، ومن ملوك ما زندران إسكندر الجلابى، وأزدشير الفارسي، وكوري صاحب الجبال، وإبراهيم القمى وغيرهم.

ص: 110

واتفق أن هؤلاء الجميع اجتمعوا يوماً عنده بمخيمه وقد اتفقوا على قتله، فتفرس ذلك منهم ففض الجميع، وأقام عدة أيام، ثم جلس جلوسا عاماً وقد لبس ثياباً حمرا، واستدعى بهؤلاء الملوك السبعة عشر فأتوه بأجمعهم، فلما تكاملوا عنده أمر بهم فقتلوا عن آخرهم في ساعة واحدة، ثم استولى على بلادهم، وقتل جميع أولادهم وأقاربهم أحفادهم وأجنادهم، بحيث أنه كان إذا سمع بأحد له منهم نسب قتله، ورأى أنه إذ قتلهم تصفو له الممالك، فكان كذلك.

فصار بيده من الممالك سمرقند وولايتها فيما وراء النهر، وتركستان وبلادها، وجعل نائبه عليها الأمير خداي داود، وممالك خوارزم وكاشغر وهي في غير ممالك الخطا، وبلخشان وجميع أقاليم خراسان، وغالب ممالك ما زندران ورستمدا وزاو لستان والري واستراباذ وسلطانية وجبال الغور وعراق العجم وفارس، ولم يبق له في هذه الممالك بأجمعها منازع، بل جعل في كل من هذه الممالك ولداله أو ولد ولد، فاتسعت لذلك مملكته وقويت مهابته، واشتدت الأراجيف به في أقطار الأرض، وخافه القريب والبعيد.

ثم استولى على بلاد اللور، وهي بلاد متسعة عامرة كثيرة الفواكه، تجاور همدان، ثم سار حتى طرق همدان بغنة، فخرج إليه أهلها وصالحوه على مال جمعوه له، وأقام حتى أتاه عسكره، وأما عز الدين صاحب اللور فانه أقام

ص: 111

عنده مدة بسمر قند، ثم حلفه ورده إلى بلاده وألزمه بحمل مال إليه في كل سنة.

ولما أخذ تيمور بلاد اللور وأقام على همدان، وخافه السلطان أحمد ابن أويس صاحب بغداد فبعث بأمواله وأهله مع ولده طاهر إلى قلعة النجا، فسار تيمور إلى تبريز ونهبها، وبعث عسكره إلى قلعة النجا، ومضى هو إلى بغداد، فطرقها بغتة ليلة الحادي والعشرين من شهر شوال سنة خمس وتسعين وسبعمائة، وأخذ أموال أهلها، وسار يريد ديار بكر، وعصت عليه قلعة تكربت، فنزل عليها وحصرها من يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة حتى أخذها في شهر صفر بالأمان، ونزل إليه متوليها حسن بن يولتمور وقد تذرع بكفته، وحمل أطفاله وأولاده، بعد ما حلف له تيمور أن لا يريق دمه، فقبض عليه وبعث به إلى حائط فألقيت عليه فهلك، وقتل من كان بتكريت وقلعتها من الرجال والنساء والأولاد.

ثم سار إلى الموصل، فنزل عليها يوم الجمعة حادي عشرين صفر سنة ست وتسعين وسبعمائة، فنهبها وخربها، ومضى إلى رأس عين، فنهبها أيضاً وأسر أهلها، وسار إلى الرها، ونزل عليها في يوم الأحد مستهل شهر ربيع الأول حتى أخذها في ثاني عشرينه، بعد ما أتلف ظواهرها.

وانتشرت عساكره في ديار بكر، ثم نزلوا على ما ردين، فنزل إليه السلطان الملك الظاهر مجد الدين عيسى صاحبها، وقد جمع أهله وأمواله وأعيان دولته في قلعتها،

ص: 112

واستخلف عليها ابن عمه وزوج ابنته الملك الصالح شهاب الدين أحمد بن إسكندر، وأكد عليه وعلى من معه أن لا يسلموا القلعة لتيمور ولو قتلوا دونها، فلما مثل الظاهر بين يدي تيمور في آخر ربيع الأول، ألزمه بتسليم القلعة إليه، فاعتذر أنها في يد غيره، فلم يقبل تيمور عذره وقبض عليه، وقاتل أهل القلعة حتى أعياه أمرهم، فخرب ظواهر المدينة وما بينها وبين نصيبين إلى الموصل.

ثم سار عنها، وطرقها سحر يوم الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة، وأخذ المدينة عنوة، ووضع السيف في من بقى بها، وقد ارتفع الناس إلى القلعة، وأسرف تيمور وأعوانه في القتل والسبي والنهب على عوائدهم القبيحة، وأهل القلعة يرمون عليهم بالنشاب والنفوط، ثم هدم سورها بأجمعه.

ورحل عنها يريد مدينة آمد، وقد قدم بين يديه السلطان محمود، وحصرها خمسة أيام حتى نزل عليها تيمور، فما زال بالبواب حتى فتح له الباب، فدخلها، ووضع فيها السيف حتى أفنى جميع رجالها، وسبى نساءها وأولادها، وكان قد دخل منهم إلى الجامع نحو الألفين فقتلوهم عن آخرهم، وأحرقوا الجامع ورحلوا، وقد صارت آمد خرابا بلقعا.

فنزل على قلعة أو نيك وحصرها حتى أخذها، وقتل من فيها.

ثم رحل إلى بلاده في سابع ذي القعدة من سنة ست وتسعين ومعه الظاهر عيسى صاحب ماردين في أسوأ حال، حتى نزل سلطانية فحبسه بها وضيق عليه.

ثم توجه يريد دشت فبجاق، ثم عاد إلى سلطانية في شهر شعبان سنة ثمان

ص: 113

وتسعين وسبعمائة، فأقام بها ثلاثة عشر يوماً، ومسار إلى همدان، واستدعى بالظاهر من سلطانية مكرما، فقدم عليه مكرما في سابع عشر رمضان من السنة، فخلع عليه وجهزه إلى ماردين، بعد أن أنعم عليه بأنواع السلاح والخيول وغير ذلك.

ثم توجه نحو العراق، ثم عاد إلى الرها فصالحه أهلها بجملة عن نهبها، ثم كتب إلى القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس وقيصرية وتوقات يرهبه سطوته ويأمره بإقامة الحطبة باسم محمود خان المدعو سرغتميش وباسمه هو أيضاً، ويضرب سكة الدنانير باسمهما، وجهز إليه رسله، فقبض عليهم القاضي برهان الدين صاحب سيواس، وقطع رؤوس بعضهم وعلقها في أعناق الآخرين، وشهرهم ثم وسطهم.

فغضب تيمور لذلك، ورجع عن قصد بلاد الشام خوفا من الملك الظاهر برقوق صاحب مصر لما بلغه نزوله إلى البلاد الحلبية، وأخبر تيمور أيضاً أن الظاهر برقوق لما وصل إلى حلب عرض بها عسكره، فبلغت عدتهم ستمائة ألف مقاتل، فلما بلغ الظاهر برقوق عود تيمور إلى بلاده أرسل خلفه الأمير تنم نائب الشام بالعساكر الشامية، وأردفه بوالدى رحمه الله وكان

ص: 114

إذ ذاك نائب حلب بالعساكر الحلبية وتركمان الطاعة، فخرج الجميع في إثره إلى أرزنكان، ثم عادوا ولم يقفوا له على أثر.

ولما سار تيمور إلى بلاده بلغه موت فيروز شاه ملك الهند عن غير ولد، وأن أمر الناس بمدينة دلى في اختلاف، وأنه جلس على تخت الملك بدلي وزير يقال له: ملو، فخالف عليه أخو فيروز شاه سارنك خان متولي مدينة مولتان، فلما سمع تيمور هذا الخبر اغتنم الفرصة وسار من سمرقند في ذي الحجة سنة ثمانمائة إلى مولتان، وحاصر ملكها سارنك خان، وكان في عسكره ثمانمائة فيل، فأقام تيمور على مضايقته وحصاره ستة أشهر حتى ملك مدينة مولتان، ثم جد في السير منها يريد مدينة دلى وهي تخت الملك، فخرج لقتاله ملكها ملو المذكور وبين يديه عساكره ومعهم الفيلة، وقد جعل على كل فيل برجافيه عدة من المقاتلة، وقد ألبست تلك الفيلة العدد والبركستوانات، وعلق عليها من الأجراس والقلائل ما يهول صوته، وشدوا في خراطيمها عدة من السيوف المرهفة وسارت العساكر من وراء الفيلة لتنفر هذه الفيلة خيول التمرية بما عليها، فكادهم تيمور بأن عمل آلافا من الشوكات الحديد المثلثلة الأطراف ونثرها في مجالات الفيلة، وجعل

ص: 115

على خمسمائة بعير أحمال قصب محشوة بالفتائل المغموسة بالدهن، وقدمها أمام عسكره، فلما تراءى الجمعان وزحف الفريقان للحرب، أضرم في تلك الأحمال النار، وساقها على الفيلة، فركضت تلك الأباعر من شدة حرارة النار ثم نخسها سواقها من خلف، هذا وقد أكمن تيمور كميناً من عسكره، ثم زحف بعساكره قليلا قليلاً وقت السحر، فعندما تناوش القوم للقتال لوى تيمور عنان فرسه راجعاً يوهم القوم أنه انهزم منهم ويكف عن طريق الفيلة كأن خيوله قد جفلت منهم، وقصد المواضع التي نثر فيها تلك الشوكات الحديد التي صنعها فمشت حيلته على الهنود ومشوا بالفيلة وهم يسوقونها خلفه أشد السوق حتى وقعت على تلك الشوكات الحديد فلما وطئتها نكصت على أعقابها، ثم التفت تيمور بعسكره عليها بتكل الجمال، وقد عظم لهيبها على ظهورها من النيران، وتطاير شررها في تلك الآفاق، وشنع زعيقها من شدة النخس في أدبارها، فلما رأت الفيلة ذلك اضطربت وكرت راجعة على عساكر الهنود، فأحست بخشونة الشوكات فبركت وصارت في الطريق كالجبال مطروحة على الأرض لا تستطيع الحركة، وصارت أنهار من دمائها، فخرج عند الكمين من عسكر تيمور من جنبي عسكر الهنود، ثم حطم تيمور بمن معه، فتراجعت الهنود وتراموا، ثم إنهم تضايقوا وتقاتلوا بالرماح ثم بالسيوف والأطبار، وصبر كل من الفريقين زمانا طويلا إلى أن كانت الكسرة

ص: 116

على الهنود بعد ما قتل أعيانهم وأبطالهم، وانهزم باقيهم بعد أن ملوا من القتال، فركب تيمور أقفيتهم حتى نزل على مدينة دلى وحصرها مدة حتى أخذها من جوانبها عنوة، واستولى على تخت ملكها، واستصفى ذخائر ملوكها وأموالهم، وفعلت عساكره فيها عادتهم القبيحة من القتل والأسر والسبي والنهب والتخريب.

فبينما هو كذلك إذ بلغه موت السلطان الملك الظاهر برقوق سلطان الديار المصرية، وموت القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس، فرأى تيمور أنه بعد موتهما قد ظفر بمملكتي مصر والروم، وكاد يطير فرحاً بموتهما، فنجز أنه بعد موتهما قد ظفر بمملكتي مصر والروم، وكاد يطير فرحاً بموتهما، فنجز أمره من دلى بسرعة، وأستناب بها، ثم سار عائداً حتى وصل سمرقند، وخرج منها عجلاً في أوائل سنة إثنتين وثمانمائة فنزل خراسان ومضى منها، ثم قدم تبريز فاستخلف ابنه أميران شاه عليها، ثم سار حتى نزل قراباغ في سابع عشر شهر ربيع الأول منها، فقتل وسبى، ثم رحل إلى تفليس فوصلها يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة، فخرج منها وعبر بلاد الكرج فأسرف فيها أيضاً، ثم قصد بغداد، ففر منها صاحبها السلطان أحمد بن أويس في ثامن عشر شهر رجب إلى قرا يوسف، فتمهل تيمور عن المسير إلى بغداد، فعاد إليها السلطان أحمد بن أويس ومعه

ص: 117

قرا يوسف، ثم خرجا منها نحو بلاد الروم، فصيف تيمور ببلاد التركمان، ثم سار إلى ماردين فعصى صاحبها عليه الملك الظاهر مجد الدين عيسى.

فتركه تيمور ومضى إلى سيواس وقد فر منها الأمير سليمان بن أبي يزيد بن عثمان، فحصرها تيمور ثمانية عشر يوماً حتى أخذها في خامس المحرم سنة ثلاث وثمانمائة، وقبض على مقاتليها وهم ثلاثة آلاف، فحفر لهم سراباً وألقاهم فيه وطمهم بالتراب بعد أن كان قد حلف لهم أنه لا يريق لهم دما، ثم وضع السيف في أهل البلد وأخربها حتى محى رسومها وأفقرها من سكانها.

ثم سار إلى بهسنا فنهب ضواحيها وحصر قلعتها ثلاثة وعشرين يوماً حتى أخذها، ومضى إلى ملطية فدكها دكاً، وسار حتى نزل قلعة الروم فلم يصل لأخذها لمدافعة نائبها ناصر الدين محمد بن موسى بن شهري، فتركها وقصد عينتاب ففر منها نائبها الأمير أركماس.

فكتب تيمور إلى نواب البلاد الشامية وهم بمدينة حلب بأن يقيموا له الخطبة باسمه واسم محمود خان، ويبعثوا إليه بأطلاميش زوج بنت أخته، وكان قد قبض عليه في الأيام الظاهرية برقوق وحبس بقلعة الجبل.

فلما ورد رسوله بالكتاب إلى حلب، بادر الأمير سودون نائب الشام قريب الظاهر برقوق فقتله قبل أن يسمع كلامه، فبلغ تيمور ذلك، فخرج من عينتاب

ص: 118

حتى نزل ظاهر حلب في يوم الخميس تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانمائة بعد أن سار من عينتاب إلى حلب في سبعة أيام، فلما نزل على ظاهر حلب أرسل إلى نواب البلاد الشامية نحو الألفي فارس، فبرز لهم من العسكر الحلبى نحو ثلاثمائة فارس والتقوا معهم، فانكسرت التمرية أقبح كسرة، بعد أن قتل منهم خلائق ثم بعث تيمور في يوم الجمعة خمسة آلاف فقاتلوهم يومهم كله إلى الليل، فلما كان يوم السبت حادي عشره ركب تيمور بعساكره ومشى على نواب البلاد الشامية حتى التقوا بقرية حيلان، فكان بين القريقين وقعة هائلة، وثبت العسكر الحلبي مع قلتهم بالنسبة إلى عسكر تيمور، وقاتلوا قتالا شديداً بالرماح والسيوف، وكسروا مقدمة تيمور، وبددوا عسكره شذر مذر.

فبينما هم في القتال، وقد أشرف تيمور على الهرب، أمر تيمور لبقية عسكره أن يمشوا على الحلبيين يميناً وشمالاً، فساروا حتى امتلأت البرية منهم، واحتاطوا بالعسكر الحلبي من كل من جانب، ففر دمرداش المحمدي نائب حلب، وكان على الميمنة إلى جهة حلب، فانكسر من بقى من النواب، وركبت التمرية أففيتهم حتى وصلوا باب المدينة فهجموا يدا واحدة، وداسوا بعضم بعضاً حتى امتلأ ما بين عتبة الباب وسكفته من أجساد بني آدم، ولم يمكنهم الدخول منه، فتشتت الناس في البلاد، وكسر العسكر الحلبي باب أنطاكية من أبواب حلب، وخرجوا منه إلى جهة دمشق.

ص: 119

كل ذلك والسلطان إلى الآن لم يخرج من الديار المصرية لصغر سنه ولعدم اجتماع كلمة من بالديار المصرية من الأمراء ثم طلع الأمير دمرداش نائب حلب إلى قلعتها فهجمت التمرية حلب، وصنعوا فيها ما هو عادتهم، وحاصروا قلعتها إلى أن نزل إليهم الأمير دمرداش نائب حلب بالأمان، فأخلع تيمور عليه وأعاده إلى القلعة، فأعلم من بها من النواب بأنه حلف لهم، ولا زال دمرداش بهم حتى سلم له قلعة حلب في يوم الثلاثاء تاسع عشرينه، ونزل إليه نواب البلاد الشامية وهم: الأمير سودون قريب الظاهر برقوق نائب الشام، والأمير دمرداش المحمدي نائب حلب، والأمير شيخ الحموي نائب طرابس وهو المؤيد، والأمير دقماق المحمدي نائب حماة، والأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد، والأمير عمر بن الطحان نائب عزة بمن معهم من أعيان الأمراء بالبلاد الشامية، فقبض تيمور على الجميع وقيدهم، ما خلا الأمير دمرداش فأنه أخلع عليه وأكرمه.

ثم طلع تيمور من الغد إلى قلعتها، وطلب في آخر النهار قضاة حلب وفقهاءها، فرفعوا بين يديه، فأشار إلى إمامه جمال الدين عبد الجبار فسألهم عن قتاله ومن هو الشهيد منهم، فانتدب لجوابه محب الدين محمد بن الشحنة فقال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي

ص: 120

العليا فهو الشهيد، فأعجبه ذلك، وحادثهم، فطلبوا منه أن يعفو عن الناس ولا يقتل أحدا، فأمنهم جميعاً وحلف لهم، ثم أخذ جميع ما في قلعة حلب، ثم عاقب أهل القلعة من الغد عقوبة شديدة حتى أخذ جميع أموالهم، فحاز منهم مالا يوصف كثرة حتى قيل أنه ما أخذ من مدينة قدرما ما أخذ من قلعة حلب، لكثرة ما كان بها من أموال الحلبيين.

ثم صنع تيمور وليمة بدار النيابة ونزل إليها وبخدمته جميع الملوك وأدار الخمر عليهم، فأكلوا وشربوا، هذا والناس في أشد العقوبة من العذاب والعقاب والسبي والأسر والفجور بنسائهم، والمدارس والجوامع في هدم، والدور في خراب وحريق إلى أن سار من حلب أول يوم من شهر ربيع الآخر من السنة بعد أن بنى بحلب عدة مآذن من رؤوس بني آدم، ونزل على ميدان حماة في العشرين منه، ومر على حمص فلم يتعرض لها، وقال: وهبتها لخالد بن الوليد رضي الله عنه، ثم رحل ونزل على مدينة بعلبك فنهبها، وسار حتى أناخ على ظاهر دمشق من داريا إلى قطنا والجول وما يلي تلك البلاد.

ص: 121

وكان السلطان الملك الناصر قد قدم دمشق بالعسكر المصري في عاشره بعد أن ولى والدي رحمه الله نيابة دمشق من مدينة غزة، عوضاً عن الأمير سودون قريب الملك الظاهر برقوق، وقد مات سودون المذكور في أسر تيمور على قبة يلبغا خارج دمشق، وهرب الأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس يعني المؤيد من أسر تيمور، فقتل تيمور الموكلين به، وكانوا ستة عشر رجلاً، وذلك بعد ما هرب الأمير دمرداش المحمدي نائب حلب من منزلة قارا.

فلما نزل تيمور على دمشق كانت بين الفريقين مناوشات وقتال في كل يوم، وقتل فيها جماعة حتى أبادوا التمرية، فأخذ تيمور لعنه الله يكيد العسكر المصري، فبعث إليهم ابن أخته سلطان حسين في صورة أنه خامر عليه، فمشى ذلك عليهم، وعرفوه أحوالهم، كل ذلك وتيمور لعنه الله لا يقدر عليهم، وفي كل يوم يتجدد بينهم القتال، ثم أخذ تيمور يظهر أنه خاف من القوم، فرحل كأنه راجع عنهم، وقيل كان رجوعه حقيقة لما رأى من شدة قتال العسكر المصري، ثم خاف عاقبة هربه لبعد بلاده من دمشق، فأخذ يتحير فيما يفعله بعد أن اشتد الأمر عليه، فبينما هو كذلك إذ رحل الأمراء بالملك الناصر فرج من دمشق إلى نحو الديار المصرية لخلف وقع بين الأمراء، لتوجه بعضهم لأخذ الديار الصمرية، عليهم من الله ما يستحقونه.

ص: 122

وتركوا دمشق وأهلها لتيمور يأخذها من غير تعب ولا نصب، فبلغ تيمور ذلك فاحتاط بالمدينة، وانتشرت عساكره في ظواهرها يتخطف الهاربين، وصار تيمور ويلقى من ظفر به منهم تحت أرجل الفيلة، حتى خرج إليه أعيان المدينة بعد أن أعياه أمرهم يطلبون منه الأمان، فأوقفهم ساعة، ثم أجلسهم، وقدم لهم طعاماًن وأخلع عليهم، وألزمهم حتى أخرجوا إليه أموال العساكر المصرية، وجميع ما هو منسوب إليهم، وألزمهم بعد ذلك بفريضة فرضها عليهم، وندب لجبي ذلك رجلاً من أصحابه يقال له الله داد، فاستخرج ذلك بحضور دواوينه وكتابه، وقد نادى في المدينة بالأمان والأطئنان، وأن لا يتعدى أحد على أحد، فاتفق أن بعض الجغتاى نهب شيئاً نهب شيئاً من السوق فشنقه وصلبه برأس سوق البذوريين، فمشى ذلك على الشاميي، وفتحوا أبواب المدينة، فوزعت الأموال على الحارات، وجعلوا دار الذهب هي المستخرج، ونزل تيمور بالقصر الأبلق من الميدان، ثم تحول منه إلى دار وهدمه وحرقه، وعبر المدينة من باب الصغير حتى صلى الجمعة بجامع بني أمية، وقدم القاضي الحنفي محي الدين محمود بن الكشك للخطبة والصلاة.

ص: 123

ثم جرت مناطرات بين عبد الجبار وبين فقهاء دمشق، وهو يترجم عن تيمور بأشياء منها وقائع على بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية، وما وقع ليزيد بن معاوية مع الحسين، وإن ذلك كله كان بمعاونة أهل دمشق له، فإن كانوا استحلوه فهم كفار، وإلا فهم عصاة بغاة، وإثم هؤلاء على أولئك، فأجابواه بأجوبة قبل بعضها ورد البعض، وغضب تيمور من القاضي شمس الدين محمد النابلسي الحنفي وأقامه من مجلسه وأمره أن لا يدخل عليه بعد اليوم.

ثم قام من الجامع وجد في حصار قلعة دمشق حتى أعياه أمرها، ولم يكن بها يومئذ إلا نفر يسير جداً، ونصب عليها عدة مناجنيق، وعمر تجاهها قلعة عظيمة من خشب، فرمى من بالقلعة على القلعة الخشب التي عمرها تيمور بسهم فيه نار فاحترقت عن آخرها، فأنشأ تيمور قلعة آخرى، ونقب القلعة وعلقها حتى أخذها بالأمان.

وكان من جملة المماليك الذين بقلعة دمشق لما حصرها تيمور صاحبنا السيفى كمشبغا جاموس وهو إلى الآن في قيد الحياة، وكان إذ ذاك شابا لم بطر شاربه، ولقد حكى لي غير مرة أن غالب من كان بالقلعة في الحصار الجميع في هذا السن، ولم يكن بينهم رجل له معرفة بالحروب، ومع هذا عجز تيمور عن أخذ القلعة من هؤلاء حتى سلموها له بعد أربعين يوماً، فكيف لو كان بها من أعرفه من أعيان الأمراء إذ ذاك، فلا قوة إلا بالله.

ص: 124

ولما أخذ تيمور قلعة دمشق أباح لمن معه النهب والسبي والقتل والإحراق، فهجموا المدينة، ولم يدعوا بها شيئاً قدروا عليه، وطرحوا على أهلها أنواع العذاب، وسبوا النساء والأولاد، وفجروا بالنساء جهارا، وكلا زالوا على ذلك أياماً، وألقوا النار في المباني حتى احترقت بأسرها إلى أن رحل عنها في يوم السبت ثالث شهر شعبان سنة ثلاث وثمانمائة.

واجتاز على حلب وفعل بأهلها ما قدر عليه، ثم اجتاز على الرها، ثم رحل إلى ما ردين فنزل عليها يوم الإثنين عاشر شهر رمضان من السنة، ووقع له بها أمور ثم رحل عنها، وأوهم أنه سائر إلى سمرقند يورى بذلك عن بغداد، وكان السلطان أحمد بن أويس قد استناب ببغداد أميراً يقال له فرج، وتوجه هو وقرا يوسف نحو بلاد الروم، ثم بعث تيمور أمير زاده رستم ومعه عشرون ألفاً لأخذ بغداد، ثم تبعه بمن بقي معه، ونزل على بغداد وحصرها حتى أخذها عنوة في يوم عيد النحر من السنة ووضع السيف في أهل بغداد، وألزم جميع من معه أن يأتي كل واحد منهم برأسين من رؤوس أهل بغداد، فوقع القتل في أهل بغداد حتى سالت الدماء أنهارا، وقد أتوه بما التزموه، فبنى من هذه الرؤوس مائة وعشرين مأذنه.

اخبرني غير واحد ممن كان ببغداد إذ ذاك أن عدة من قتل في هذا اليوم قد بلغت تسعين ألف إنسان تخمينا، سوى من قتل في أيام الحصار، وسوى من قتل عند دخول تيمور إلى بغداد في المضايق، وسوى من ألقى نفسه في الدجلة فغرق، وهذا شيء كثير للغاية، وقيل أن الرجل الملزوم بإحضار رأسين كان إذا عجز عن

ص: 125

الرجال قطع رأس امرأة من النساء وأزال شعرها وأحضرها، وقيل أن بعضهم كان يقف في الطرقات ويصطاد من مر به ويقطع رأسه، وبالجملة فكانت هذه المحنة من أعظم البلايا في الإسلام.

ثم جمع تيمور أموال بغداد وأمتعتها، وسار إلى قرا باغ بعد ما جعلها خراباً بلقعا، ثم كتب من قراباغ إلى أبي يزيد بن عثمان أن يخرج أحمد بن أويس وقرا يوسف من ممالك الروم، وإلا قصده وأنزل به ما أنزل بغيره، فرد أبو يزيد جوابه بلفظ خشن إلى الغاية، فسار تيمور لعنه الله يريد قتاله، وبعث بين يديه حفيده محمد سلطان بن جهان كير بن تيمور إلى قلعة كماخ، فأخذها في شوال سنة أربع وثمانمائة.

ولما بلغ ابن عثمان مجيء تيمور إليه جمع عساكره من المسلمين، وجمع من علوج النصارى خلقاً وطوائف الططر، فأتوه بمواشيهم، فلما تكاملوا سار لحرب تيمور، فأرسل تيمور قبل وصوله إلى الططر يخدعهم ويقول نحن جنس واحد، وهؤلاء تركمان نرفعهم من بيننا، ويكون لكم الروم عوضه، فانخدعوا له وواعدوه أنهم عند اللقاء يكونون معه، وسار ابن عثمان في شهر رمضان وفي ظنه أنه يلقى تيمور خارج سيواس، ويرده عن عبور أرض الروم، فسلك تيمور لعنه الله غير الطريق، ومشى في أرض غير مسلوكة، ودخل بلاد ابن عثمان ونزل بأرض مخصبة ذات ماء كثير وسعة.

ص: 126

فلم يشعر ابن عثمان إلا وقد نهبت بلاده، وقد قامت قيامته وكرراجعاً، وقد بلغ منه ومن عساكره التعب مبلغا أوهن قوائمهم، ونزل على غير ماء، وكادت عساكره تموت عطشاً، فلما تدانوا للحرب، كان أول بلاء نزل بأبي يزيد بن عثمان مخامرة الططر بأسرهم عليه، فضعف بذلك عسكره، لأنهم كانوا معظم عسكره، ثم تلاهم ولده سليمان بن أبي يزيد، ورجع عن أبيه بباثي عسكره، وقصد مدينة برصادار ملكهم، فلم يبق مع أبي يزيد إلا نحو الخمسة آلاف، فثبت بهم حتى أحاطت به عساكر تيمور، فصدق وصدق من معه في ضربهم بالسيوف والأطبار حتى أفنوا من التمرية أضعافهم، هذا مع كثرة التمرية وشدة عزمهم، واستمر القتال بينهم من ضحى يوم الأربعاء إلى العصر، فكلت عساكر ابن عثمان وتكاثر التمرية عليهم، يضربونهم بالسيف إلى أن صرع منهم جماعة من أبطالهم، وأخذ أبو يزيد بن عثمان المذكور قبضا باليد على نحو ميل من مدينة أنقرة في يوم الأربعاء المذكور سابع عشرين ذي الحجة سنة أربع وثمانمائة، بعد أن قتل غالب عسكره بالعطش، فإنه كان يومئذ ثامن عشرين تموز.

ثم دخل سليمان بن أب يزيد بمن معه مدينة برصا، فحمل ما فيها من الأموال والحرير والقماش، ودخل إلى برأدرنة، وتلاحق به الناس، فصالح أهل استنبول، فبعث تيمور فرقة كبيرة من عسكره إلى برصا مع الشيخ نور الدين، ثم تبعهم، فأخذ ما وجد بها وسبى النساء والصبيان، وخلع على أمراء الططر الذين خامروا

ص: 127

إليه من عند أبي يزيد وفرقهم على أمرائه، وأخذ في إكرامهم، وأوسع الحيلة في القبض عليهم حتى قبض على الجميع وأفناهم قتلا.

ثم أخذ التمرية في أفعالهم السيئة، فما عفوا ولا كفوا، وصار تيمور في كل يوم يوقف أبا يزيد بين يديه ويسخر به وينكيه، وجلس مرة لمعاقرة الخمر مع أصحابه، وطلب أبا يزيد المذكور طلبا مزعجاً، فحضر وهو يرفل في قيوده، وهو يرجف، فأجلسه وأخذ يحادثه ويؤانسه، ثم سقاه من يد جواريه، ثم أعاده إلى مكانه، ثم قدم على تيمور سفنديار بن يا يزيد أحد ملوك الروم بتقادم هائلة فأكرمه تيمور، ورده إلى ملكه بقسطمونية.

ثم أخرج تيمور محمدا وعليا ابني علاء الدين بن فرمان من حبس أبي يزيد ابن عثمان، وخلع عليهما، وولاهما بلادهما، وألزم كلا منهما بإقامة الخطبة، وضرب السكة باسمه واسم محمود خان المدعو سرغتميش، ثم شتى في معاملة منتشا.

ولما كان تيمور ببلاد الروم حدثته نفسه بأخذ بلاد الصين، وكان بعث إليها أميره الله داد حتى كتب له بصفاتها، فلما عرف أحوالها جهز إليها جماعة من رؤوس دولته وهم: بردبك، وتغرى بردى، ومعدات الناصى، وأمرهم أن يمضوا

ص: 128

إلى الله داد بمدينة أشبارة، وأن يبنوا بها يسموها باش خمرة بموضع على مسافة عشرة أيام من أشبارة، فساروا في أوائل سنة سبع وثمانمائة، وكان قصده بعمارة القلعة المذكورة أن تكون له معقلا يلجأ إليه إذا توجه إلى بلاد الخطا، فوصلوا إليها وبنوا أساس القلعة، وإذا بمرسومه قد ورد عليهم بتأخير عملها ويرجعون عنها، فعلقوا البلاد بالزراعة من حدود سمرقند إلى مدينة أشبارة التي هي آخر أعماله من حدود الصين، ثم أخذوا في تحصيل الأبقار والبذار.

فما فرغوا من ذلك حتى انقضى فصل الصيف ودخل الخريف، فأخذ عند ذلك تيمور في الحركة إلى بلاد الصين والخطا، وكتب إلى عساكره أن يأخذوا الأهبة لمدة أربع سنين، فاستعدوا لذلك، وأتوه من كل جهة، فلما تكاملت عدة العساكر أمر فصنع له خمسمائة عجلة تحمل أثقاله وجرها، ثم خرج من سمرقند في شهر رجب، وقد اشتد البرد حتى نزل على سيحون وهو جامد، فعبره ومر سائراً، فأرسل الله عليه من عذابه جبالاً من الثلج التي لم يعهد بمثلها في تلك البلاد مع قوة البرد الشديد، فلم يبق أحد من عساكره حتى امتلأت آذانهم وعيونهم وخياشميهم وآذان وأعينها من الثلج إلى أن كادت أرواحهم تذهب، ثم اشتدت تلك الرياح وملأ الثلج جمعي الأرض مع سعتها فهلكت دوابهم، وجمد كثير من الناس وتساقطوا عن خيولهم هلكا، وجاء

ص: 129

يعقب هذا الريح والثلج أمطار كالبحار، وتيمور مع ذلك لا يرق لأحد ولا يبالي بما نزل بالناس، بل يجد في السير، هذا والدروب قد تعطلت من شدة البرد الخارج عن الحد.

فما وصل تيمور إلى مدينة أترار حتى هلك خلق من قوة سيره، وأمر تيمور أن يستقطر له الخمر حتى يستعمله بأدوية حارة وأفاوية لدفع البرد وتقوية الحرارة، فعمل له ما أراد من ذلك، فشرع يتناوله ولا يسأل عن أخبار عساكره وما هم فيه إلى أن أثرت حرارة ذلك العرق المستقطر من الخمر، وأخذت في إحراق كبده وأمعائه، فالتهبت مزاجه حتى ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السير السريع، وأطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثلج على بطنه لعظم ما به من التلهب، وهو مطروح مدة ثلاثة أيام، فتلفت كبده، وصار يضطرب ولونه يحمر، ونساؤه وذووه في صراخ إلى أن هلك، وعجل الله بروحه إلى النار، وبئس القرار لعنه الله في يوم الأربعاء تاسع عشر شعبان سنة سبع وثمانمائة، وهو نازل بضواحي أترار، وأترار بالقرب من أهنكران، ومعنى أهنكران بالغة العربية الحدادين، فأهنكر يعنى حداد وأهنكران جمع حدادين، فلبسوا عليه المسوح وناحوا عليه.

ومات تيمور لعنه الله ولم يكن معه من أولاده أحد سوى حفيده سلطان خليل بن أميران شاه بن تيمور، وسلطان حسين بن أخته، فأراد كتمان موته، فلم يخف على الناس، وملك خليل المذكور خزائن جده، وبذلك الأموال وتسلطن، وعاد إلى سمرقند برمة جدة تيمورلنك لعنة الله فخرج الناس

ص: 130

إلى لقائه لابسين المسوح بأسرهم يبكون يصيحون، ورمة تيمور بين يديه في تابوت أبنوس، والملوك والأمراء وكانفة الناس مشاه، وقد كشفوا رؤوسهم وعليهم ثياب الحداد إلى أن دفنوه على حفيده محمد سلطان بمدرسته، وأقيم عليه العزاء أياما، وقرئت عنده عدة ختمات، وفرقت الصدقات عنه، لا خفف الله عنه، وجعل مأواه سقر، ومدت الأسمطة والحلوات بتلك الهمة العظيمة.

ونشرت أقمشته على قبره، وعلقوا سلاحه وأمتعته علاى الحيطان وحواليه، وكلها ما بين مرصع ومكال ومزركش في تلك القبة العظيمة، وعلقت بالقبة المذكورة قناديل الذهب والفضة، ومن جملتها قنديل من ذهب زنته أربعة الآف مثقال، وهي رطل بالسمرقندى، وهو عشرة أرطال بالدمشقي، وفرشت المدرسة بالبسط الحرير والديباج، ثم نقلت رمته إلى تابوت من فولاذ عمل بشيراز، فصار على قبره إلى الآن، وتحمل إليه النذور من الأعمال البعيدة، ويقصد للتبرك به، لا تقبل الله ممن يفعل ذلك، ويأتي قبره من له حاجة ويدعو عنده، وإذا مر على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه إجلال لقبره لما له في صدورهم من الهيبة.

وكان تيمور صاحب الترجمة لعنه الله طويل القامة، كبير الجبهة، عظيم الهامة، شديد القوة، أبيض اللون مشربا بجمرة، عريض الأكتاف،

ص: 131

غليظ الأصابع، سميك الأكارع، مستكمل البنية، مسترسل اللحية، أشل اليد، أعرج اليمنى، تتوقد عيناه، جهوري الصوت، لا يهاب الموت، قد بلغ الثمانين وهو متمتع بحواسه وقوته.

وكان يكره المزاح، ويبغض الكذاب، قليل الميل إلى اللهو، على أنه كان يعجبه، وكان نقش خاتمه راستى رستى ومعناه صدقت نجوت، وكان لا يجري في مجلسه شئ من الكلام الفاحش ولا يذكر فيه سفك دماء ولا سبى ولا نهب ولا غارة، وكان مهابا مكاعا، شجاعاً مقداماً، يجب الشجعان ويقدمهم، وكانت له فراسات عجيبة، وله سعد عظيم وحظ زائد من رعيته، وكان له عزم ثابت وفهم دقيق، محجاجا جدلا، سريع الإداراك، ريضا متيقظاً يفهم الرمز، ويدرك اللمحة، ولا يخفى عليه تلبيس ملبس وكان إذا أمر بشيء لا يرد عنه، وإذا عزم على رأى لا ينثنى عنه، لئلا ينسب إلى قلة الثبات.

وكان يقال له صاحب قران الأقاليم السبعة، وقهرمان الماء والطين، قاهر الملوك والسلاطين.

وكان مغرما بسماع التاريخ وقصص الأنبياء عليهم السلام، حتى صار لمعرفتها يرد على القارئ إذا غلط فيها في القرآن. وكان يحب أهل العلم والعلماء، ويقرب السادة الأشراف، ويدنى منه أرباب الفضائل في العلوم والصنائع، ويقدمهم على كل أحد، وكان انبساطه بهيبه ووقار، وكان يباحث أهل العلم وينصف

ص: 132

في بحثه، ويبغض يطبعه الشعراء والمضحكين، ويعتمد على أقوال الأطباء والمنجمين، ويقربهم ويدنيهم، حتى أنه كان لا يتحرك إلا باختيار فلكى، فلذلك كانت أصحابه تزعم أنه لم ترد له راية، ولا انهزم له عسكر مدة حياته.

وكان يلازم اللعب بالشطرنج، ثم علت همته عن الملاعب بالشطرنج الصغير المتداول بين الناس، صار يلعب بالشطرنج الكبير، ورقعته عشرة في إحدى عشرة، وتزيد قطعه على الصغير بأشياء.

وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولا يعرف من اللغة العربية شيئاً، وإنما يعرف اللغة الفارسية والتركية والمغلية.

وكان يعتمد على قواعد جنكزخان في جميع أموره، كما هي عادة جغتاى والترك بأسرهم ويسمونها الترا، والترا باللغة المذهب، وكان فردا في معناه، بعيد الغور.

قال الشيخ تقي الدين أحمد المقريزى في تاريخه: وحدثني من لفظة، قال أخبرني شيخنا الأستاذ العلامة أعجوبة الزمان قاضي القضاة ولى الدين أبو زيد عبد الرحمن ابن محمد بن خلدون الحضرمي الأشبيلى رحمه الله، قال: أخبرني عبد الجبار إمام تيمور، قال: ركب تيمور في يوم الخميس وأمرني فركبت معه، وليس معه سوى رجل واحد ماش في ركابه، وسار من عسكره وهو نازل على مدينة دمشق وقصد عسكر المصريين وهم قيام على خيولهم حتى دنا منهم، ثم وقف طويلاً.

وأمر الرجل الماشي في ركابه أن يمضي نحو العسكر المصري حتى يقرب منه، ثم يرجع إليه فيحدثه وينحني إليه كأنه يقبل الأرض، ففعل ذلك وتمهل قليلاً، ثم ولى بفرسه عائداً إلى معسكره: وقال لي: يا عبد الجبار هؤلاء يهربون في هذه

ص: 133

الليلة، ونزل بمخيمه، وأقمنا يومنا، فلما كان في الليل جاءتنا الأخبار بفرار الملك الناصر فرج بن برقوق وأمرائه، فخرج من مبيته، وصرنا إليه مع أولاده وأمرائه ليلا، فسألته من أين علمت أنهم يهربون؟ قال: أني لما سرت لرؤيتهم لم أرلهم كشافة، فدنوت منهم، وماثلتهم فإذا هم طوائف طوائف، فأردت أن أعلمهم بمجيء إليهم، فأمرت الرجل حتى مضى نحوهم ثم عاد إلىّ فخدمني كما يخدم الملوك فلم يفطنوا بي، هذا وأنا محاربهم ولا شئ أهم عند المحارب ممن يحاربه، فلما علمت أنهم غير مهتمين بي، وأنهم مع ذلك كل طائفة منضمة بعضها إلى بعض، علمت أنهم في أمر يهمهم، ولا شئ إلا في فرارهم، فهم مهتمون كيف يفرون. انتهى كلام المقريزى باختصار.

قلت: وله أشياء كثيرة من هذا النمط، منها أنه لما دخل بلاد الهند نازل قلعة منيعة لأترام لعلوها، وتعذر النزول حولها فناوش أهلها من بعيدوهم يرومونه من أعلاها حتى قتلوا كثير من عسكره، وكان من أمرائه محمد فاوجين، وكان عنده بمكانة، وله به اختصاص زائد بحيث أنه تقدم عنده على جميع الأمراء والوزراء، فجلس على عادته ثم قال له: يا مولانا هب أنا فتحنا هذه القلعة بعد أن أصيب منا جماعة هل يفي هذا بذا، فلم يجبه تيمور بل طلب رجلاً من المطبخ قبيح المنظر رسخ الثياب مسود الوجه واليدين بالدخان يقال له: هراملك، فعندما حضر الرجل المذكور أمر تيمور بنزع ثياب قاوجين عنه، فنزعت، ثم أمر بنزع خلقات هراملك عنه فنزعت أيضاً، وألبس كلا منهما

ص: 134

ثياب الأخر، وطلب دواوين محمد قاوجين وألزمهم بتعيين ماله من صامت وناطق وعقار وإقطاع وغير ذلك، فكتبوا جميع ماله وما يتعلق به حتى زوجاته، ثم أنعم بالجميع على هراملك، ثم أقسم لئن كلم أحد قاوجين أو ما شاه أو أكل معه لقمة فما فوقها أو راجعني في أمره أو شفع فيه لا جعلنه مثله، ثم أمر به فسحب على وجهه، فأقام في أسوأ حال حتى مات تيمور، فرد عليه السلطان خليل جميع ما كان له، كل ذلك بسبب كلمة واحدة.

وحكى أن إثنين جلسا للعب النرد، فقال أحدهما ورأس الأمير ما هو إلا كذا وكذا، لشئ اختلفا فيه؛ فضربه خصمه وسبه، وقال له: يا فاعل أو بلغ من قدرك وسوء تربيتك أن تذكر رأس الأمير تيمور، ومن أنت! ومن أنا! حتى تجعل خدك أو أجعل خدي موطئاً لمداسه، فضلاً أن تحلف برأسه.

وكان له من النساء: الملكة الكبرى، والملكة الصغرى، وهما من أولاد ملوك الخطا، والخاتون تومان بنت الأمير موسى حاكم نخشب، والخاتون جلبان، وكانت سرايه لا تدخل تحت الحصر. وخلف من الأولاد أميران شاه الذي قتله قرا يوسف، والقان معين الدين شاه رخ صاحب هراة، وترك إبنة تدعى سلطان يخت تزوج بها سليمان شاه، وكانت تكره الرجال لميلها إلى النسوة، يذكر عنها في هذا المعنى عدة أخبار.

ص: 135

وكان له من الأحفاد: ألوغ بك بن شاه رخ، وولاه أبوه سمرقند، فحكمها إلى أن قتل في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، حسبما ذكرناه في ترجمته، وإبراهيم سلطان بن شاه رخ، وولاه أبوه شيراز، وباي سنقر بن شاه رخ وولاه أبوه كرمان، وأحمد جوكى بن شاه رخ، وسلطان خليل بن أميران شاه بن تيمور، وولى السلطنة بعد تيمور في حياة والده.

وكانت دواوين تيمور: خواجا محمود بن الشهاب الهروي، ومسعود السمنانى، ومحمد الساغرجى، وتاج الدين السليماني، وعلاء الدولة، وأحمد الطوسي، وآخرين.

ومنشئه وكاتب سره: مولانا شمس الدين، وكان ينشئ بالفارسية والعربية، ولم يكتب بعد تيمور لأحد، وقال: ذهب من كان يعرف قيمتي.

وكان تؤم به في الصلوات الخمس: العلامة عبد الجبار بن النعمان.

وكان صدر مملكته: مولانا الدين.

ص: 136

وكان طبيبه: فضل الله، ثم شاركه جمال الدين رئيس الأطباء بدمشق عندما أخذه تيمور من دمشق، وكانا يركبان له المعاجين، فانه كان يكثر من استعمالها للباه ليستعين بها على افتضاض الأبكار في شيخوخته.

واجتمع في أيامه بسمرقند ما لم يجتمع لغيره من الملوك فمن ذلك: الفقيه عبد الملك، من أولاد صاحب الهداية في الفقه، فإنه كان الغاية في الدرس والفتيا، وينظم القريض، ويعرف النرد، والشطرنج، ويلعب بهما جيداً في حالة واحدة دائماً مدى الأيام.

والخواجا محمد الزاهد البخاري المحدث المفسر، كتب تفسير القرآن الكريم في تصنيفه مائة مجلد، ومات بالمدينة النبوية سنة إثنتين وعشرين وثمانمائة.

وأحمد الطبيب النحاس المنجم، حل تقاويم من الزيج إلى مائتي سنة مستقبلة ابتداؤها سنة ثمان وثمانمائة.

والمحدث علاء الدين التبريزي، بلغ الغاية في لعب الشطرنج حتى لقد كان تيمور مع عالي رتبته في الشطرنج يقول: أنت في الشطرنج فريد، وله مناصيب كثيرة في الشطرنج، وكان فقيها شافعياً محدثاً، لم يغلبه أحد قط في لعب الشطرنج على ما قيل، وكان يلعب بالغائب على رقعتين.

والشيخ عمر العريان، عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة ولم ينحن ظهره، ولا ظهر في وجهه تجعيد، وكان أطلس لا لحية له، حدثني العلامة شهاب الدين أحمد

ص: 137

ابن عبد الله بن عرب شاه من لفظه ومن خطه نقلت عن مولانا محمود الخوارزمي المعروف بالمحرق أنه حكى له عن تيمور أنه قال في مجلس خلوه: يا مولانا محمود انظر إلى ضعفي وقلة حيلتي، ولا يدلى ولا رجل، لو رماني أحد لهلكت، ولو تركني الناس لا رتبكت، ثم تأمل كيف سخر الله لي العباد، ويسر لي فتح البلاد، وملأ برعبس الخافقين في المشارق والمغارب، وأذل لي الملوك والجبابرة، فهل هذا إلا منة، ثم بكى وأبكى، قال: وكان مع ذلك قد اشتد به الحمى وهو ينظر إلى أصحابه وهم يحاصرون حصنا، ويقتلون فيه قتلاً ذريعاً.

وكانت عساكره تركب الأبقار وتحمل عليها الأثقال، وتركب الحمير بالسروج، ويسابق عليها وعلى البقر أرباب الخيول العربيات فتسبقها، وكانت تطعم الجمال التي معها لحوم الكلاب والأغنام، وتعلف خيولها بالأرز والدخن والبر والزبيب والعدس فتسمن على ذلك.

وبالجملة، فكان تيمور لعنه الله فردا من الأفراد، وكانت وفاته حسبما ذكرناه في ليلة الأربعاء تاسع عشر شعبان سنة سبع وثمانمائة، لعنه الله، وجعل الجحيم مأواه.

ص: 138