الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميعا، ثم خلا به الأمير برسبامى واستشاره فيمن يكون سلطانا، وذكر له أن أحوال الناس ضائعة بصغر الملك الصالح محمد، وما في الدولة من يليق بالسلطنة غيرك، فلما سمع تنبك هذا الكلام وثب قائماً وقال: إن كان ولا بد فما يكون سلطانا إلا أنت، ثم قبل الأرض بين يدي برسباى، وخلع الصالح، وتسلطن برسباى في يوم الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة ولقب بالملك الأشرف، ثم أخلع الأشرف المذكور عليه بنيابة دمشق على عادته، ودام بها إلى أن مات يوم الاثنين ثامن عشر شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، وتولى بعده نيابة دمشق الأمير تنبك البجامي الآتي ذكره إن شاء الله تعالى.
756 - تبك البجاسي
تنبسك بن عبد البجاسي، الأمير سيف الدين، نائب دمشق.
كان من جملة أمراء العشرات في الدولة الناصرية فرج بن برقوق، ثم ولى نيابة حماه في الدولة المؤيدية شيخ في شهور سنة سبع عشرة وثمانمائة، فباشر
نيابة حماة مدة يسيرة، وخرج عن الطاعة وعصى مع الأمير قائي باي المحمدي نائب الشام، والأمير إينال الصصلاني نائب حلب، والأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، والأمير طرباي نائب عزة، واتفقوا الجميع على محاربة الملك المؤيد شيخ، فخرج إليهم المؤيد من الديار المصرية في يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب سنة ثماني عشرة وثمانمائة وسافر حتى واقع الأمراء المذكورين وكسرهم، فهرب منهم جماعة وقبض على جماعة، فكان تنبك هذا ممن انهزم وتوجه إلى قرا يوسف صاحب تبريز، ودام عنده إلى أن مات الملك المؤيد في أول سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وبلغ تنبك المذكور موته قدم إلى دمشق مع من قدم من الأمراء المنهزمين عند قرا يوسف من رفقته، فوافوا الجميع ططر وهو بدمشق، فقوى جأش ططر بهم في الباطن وفرح بهم.
فلم يكن بعد أيام إلا وقبض ططر على جماعة
من الأمراء المؤيدية وأمر هؤلاء الجماعة، وتسلطن فولى تنبك هذا نيابة حماة ثانيا، فلم تطل مدته بها ونقل إلى نيابة طرابلس، فلما بلغه هذا الخبر ركب الهجن من وقته وساق خلف الملك الظاهر ططر إلى أن وفاه بالغور في عوده إلى الديار المصرية، فنزل وقبل الأرض بين يديه، وليس الشريف عوضا عن الأمير أركماس الجلباني وذلك في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
فتوجه إلى طرابلس، واستمر بها إلى يوم عرفة من السنة ورد عليه مرسوم شريف من الملك الظاهر ططر بنيابة حلب عوضاً عن الأمير تغرى بردى المعروف بأخي قصروه بحكم عصيانه، وبالتوجه لقتال تغرى بردى المذكور، فخرج تنبك من طرابلس بالعساكر في رابع عشر ذي الحجة إلى ظاهر طرابلس، وأقام إلى سادس عشر ذي الحجة فبلغه موت الملك الظاهر ططر فأقام بمكانه إلى أن ورد عليه مرسوم الملك الصالح محمد بن ططر بالخلعة والاستمرار على نيابة حلب وبالمسير إلى حلب، فسار إليها لإخراج تغرى بردى منها، وعند مسيره إلى جهة حلب وافاه الأمير إينال النوروزي نائب صفد بعسكرها، وتوجهوا الجميع إلى
حلب فلما سمع بردى بقدومهم فر منحلب وتوجه نحو بلاد الروم، وبلغ خبره الأمير تنبك البجاسي هذا، فسار خلفه من ظاهر حلب إلى الباب فلم يدركه، ورجع إلى حلب فدخلها وحكمها إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى إلى نيابة الشام بعد موت نائبها الأمير تنبك العلائي المعروف بميق المتقدم ذكره في شهر رمضان سنة ست وعشرين وثمانمائة، وكان مسفره الأمير جانبك الأشرفي الدواداو الثاني.
فاستمر تنبك هذا في نيابة دمشق إلى سنة سبع وعشرين أخذ في أسباب العصيان، وبلغ ذلك الملك الأشرف فأرسل إلى حاجب دمشق الأمير برسباى الناصري وإلى عدة أمراء بالقبض عليه في الباطن، فلم يمكنهم القبض عليه، فركبوا عليه ليلا، ووقفوا خارج باب النصر إلى الصبح، فركب تنبك بمماليكه بكرة نهار يوم الجمعة وتقاتلوا ساعة، فكسر العسكر الشامي وانتصر تنبك المذكور واستفحل أمره.
وعاد الخبر إلى الملك الأشرف فخلع على الأمير سودون من عبد الرحمن الدوادار الكبير عوضه في نيابة الشام. فنزل الأمير سودون من عبد الرحمن بخلعته إلى
الريدانية خارج القاهرة، ونزل بمخيمه، ثم سافر بعد مدة يسيرة لقتال تنبك المذكور، وبلغ الأمير تنبك البجاسي مجيء الأمير سودون إلى لقائه، فخرج هو أيضاً من دمشق إلى لقاء سودون المذكور إلى أن نزل بجسر يعقوب، وترامى الجمعان، وباتوا تلك الليلة كل واحد في جهة بعد أن تراموا بالسهام، فلما أظلم الليل رحل سودون من عبد الرحمن إلى دمشق، ولم يعلم تنبك المذكور، وخلى سودون نيرانه موقودة فلم يفطن تبنك بتوجهه إلى باكر النهار، فلوى عنان فرسه في أثره إلى أن وصل إلى قبة يلبغا خارج دمشق، وقد كلت خيوله ورجاله وهو في عسكر قليل، ثم ركب من وقته يلبغا وقصد دمشق، فخرج إليه الأمير سودون من عبد الرحمن بجموعه من مماليكه وعساكر دمشق وصفد، فانكسر عسكر سودون وانهزم نحو دمشق، وفي إثره الأمير تنبك هذا إلى أن جاوز باب الجابية من خارج المدينة تقنطر به فرسه في حفرة كانت هناك من القناة، فأراد أن يرجع فما أمكنه ذلك لإزدحام ثقله من خلفه وقد سد الطريق، وتكاثر الناس عليه، فأمسك من وقته، وقيد واعتقل بقلعة دمشق في صفر سنة سبع وعشرين وثمانمائة، إلى أن ورد المرسوم الشريف بقتله فقتل بالقلعة في شهر ربيع الأول من السنة.