الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
798 - تنم الحسنى نائب الشام
802هـ -؟ - 1400م
تنم بن عبد الله الحسنى الظاهري، اسمه الأصلي تنبك وغلب عليه تنم، الأمير سيف الدين، نائب دمشق.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، اشتراه وأعتقه وجعله خاصكيا في أوائل سلطنتة ثم أمره عشرة بالقاهرة في سلطنته الثانية، أو في أواخر الأولى، عند زوال ملكه في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ثم نقله إلى دمشق أمير مائة ومقدم ألف بها، ثم صار أتابكها إلى سنة خمس وتسعين وسبعمائة استقر به في نيابة دمشق بعد موت الأمير كمشبغا الأشرفي الخاصكي، واستقر عوضه في أتابكية دمشق الأميراياس الجرجاوي نائب طرابلس، كل ذلك في المحرم من سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
واستمر المير تنم في نيابة دمشق مدة طويلة، ونالته السعادة، وعظم في الدولة وضخم، وقدم إلى الديار المصرية على أستاذه الملك الظاهر في نيابته غير مرة بالهدايا والتحف والتقادم الهائلة، وتجرد إلى سيواس وغيرها بمرسوم الملك الظاهر برقوق له، وفي صحبته نواب البلاد الشامية وغيرها من التركمان والعربان، ثم عاد إلى محل كفالته بعد أن وقع بينه وبين والدي رحمه الله
مناوشة في هذه السفرة، وسبب ذلك أن العادة إذا سار نائب دمشق بسنجقه يحفظ نائب حلب سنجقه إذا كانا معا، فلم يفعل والدي ذلك، بل سارا معاً وسنجقها مرتفع، فوقع بعض كلام بين السلاح دجارية من الطائفتين وتقاتلا بالدبابيس ساعة، ثم خمدت الفتنة بينهم، كل ذلك ووالدي رحمه الله يتجاهل تجاهل العارف حتى نزل كل إلى مخيمه ظاهر حلب، فكلم والدي رحمه الله بعض أعيان ماليكه في هذه الواقعة، فقال: أنا ما خرجت من مصر جنديا، أراد بذلك أنه ولى نيابة حلب لما كان رأس نوبة النوب بالديار المصرية، وتنم خرج من مصر أمير عشرة وصار مقدماً بدمشق، حسبما ذكرناه وبلغ تنم ذلك فبقى في النفس ما فيها، وفي الظاهر الصلح بينهما واقع، فلما وصل تنم إلى دمشق أرسل إلى الملك الظاهر يلوح له بعصيان والدي إلى أن وغر خاطره عليه، وطلب والدي رحمه الله وعزل من نيابة حلب، وصار أمير سلاح بديار مصر.
كل ذلك وتنم في نيابة دمشق إلى أن توفي الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، وتسلطن من بعده ابنه الملك الناصر فرج، وجهز إلى تنم تشريفاً باستمراره على نيابة دمشق، فلبس الأمير تنم التشريف وقبل الأرض، واستمر في ولايته بدمشق إلى أن بلغه ما وقع للأتابكى أيتمش المذكور بمن معه من أعيان الأمراء حسبما ذكرناه وتوجه نحو الأمير تنم إلى دمشق، وكان والدي
رحمه الله من جملة من خرج مع أتيمش إلى دمشق، فسر الأمير تنم بقدوم والدي رحمه الله صحبه أيتمش إلى الغاية، وأخذ تنم يزول ما في خاطر والدي منه قديماً، حتى لقد زاد في إكرامه ورواتبه على الأتابك أيتمش، وقوى أمر تنم الأتابك أيتمش وغيره.
ووافقه غالب نواب البلاد الشامية بل الجميع، وأذعنوا له بالطاعة، وقدموا عليه إلى دمشق، واستفحل أمره، ثم خرج من دمشق يريد الديار المصرية، وصحبته الأمراء المصريين وهم: الأتابك أيتمش البجاسى، ووالدي أمير سلاح، وأرغون شاه أمير مجلس، وفارس حاجب الحجاب، ويعقوب شاه أحد مقدمي الألوف، والأمير أحمد بن يلبغا العمري أحد المقدمين أيضاً، وعدة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات والخاصكية، وهؤلاء الذين خرجوا من الديار المصرية، وخرج معه من نواب البلاد الشامية الأمير أقبغا الهذباني نائب
حلب، والأمير يونس بلطا نائب طرابلس، والأمير دمرداش نائب حماة، والأمير ألطنبغا العثماني نائب صفد، وعمر بن الطحان نائب غزة، وخلق من التركمان والعربان.
وسار بهذه العساكر العظيمة من المصريين والشاميين إلى أن وصل بالقرب من الرملة، بلغه قدوم الملك الناصر فرج بعساكره إلى مدينة غزة، فندب والدي لقتاله بعد أن أضاف إليه جماعة من أمراء المصريين ونواب البلاد الشامية، وجعلهم كالجاليش له، فساروا في جميع موفور إلى الغاية. والتقوا مع جاليش الملك الناصر فرج بظاهر غزة، فكانت بين الفريقين وقعة هائلة استظهر فيها عسكر تنم، لولا أن هرب منهم جماعة مثل دمرداش نائب حماة، وفرج بن منجك وغيرهما إلى الملك الناصر فرج، فعند ذلك انكسر عسكر تنم وعاد جاليشه إليه، فركب من وقته إلى أن نزل على غزة، وقد دخل الوهم قلب العساكر المصرية مما رأوا من قتال جاليشه.
فأرسل الملك الناصر إلى الأمير تنم قاضي القضاة صدر الدين المناوي الشافعي، وناصر الدين الرماح يسألانه في الصلح، وأن يكون على حاله، فأبى إلا القتال
بعد أن شرط شروطاً لا تقبل، فعند ذلك ركب الملك الناصر فرج وهو كالآلة مع الأمراء لصغر سنه، وركب أمراء الديار المصرية بعساكرهم والتقوا مع الأمير تنم، وتقاتلوا معه ساعة هينة، فكبا فرس تنم فقبض عليه، وانكسر عسكره، فقيد وحمل محتفظاً به إلى دمشق صحبة الملك الناصر فرج.
فحبس بقلعة دمشق أياماً إلى أن قتل في ليلة الخميس رابع شهر رمضان سنة إثنتين وثمانمائة بقلعة دمشق، وقتل معه جمع كبير من الأمراء يطول الشرح في ذكرهم، يكفيك أنه لم يسلم من القتل في هذه النوبة ممن خرج مع تنم من المصريين والشاميين غير والدي وأقبغا الهذباني نائب حلب، وقتل الجميع في الليلة المذكورة.
فكانت هذه الحادثة من أشنع الحوادث وأقبحها، والسبب لدخول تيمور إلى البلاد الشامية، وهو أن تيمور كان يترقب زوال الملك الظاهر برقوق، فلما ورد عليه الخبر بموته سر بذلك وعزم على دخوله إلى البلاد الشامية، لكنه صار يقدم رجلاً ويؤخر أخرى خوفاً من الأمير تنم هذا، ورفقته من النواب بالبلاد الشامية، وعظم العساكر المصرية، فلما بلغه ثانياً الخلف بين أمراء الديار المصرية وما وقع لأيتمش، ثم القبض على تنم وقتله، انتهز الفرصة وركب غارة حتى طرق البلاد الشامية.
أخبرني من أثق به من مماليك والدي قال: لما ورد الخبر على الملك الناصر بأن تيمور قبض على سيدي سودون نائب الشام بالبلاد الحلبية، وكان الناصر بغزة، أرسل بطلب أستاذناً من القدس، يعنى والدي رحمه الله وولاء
نيابة الشام، عوضاً عن سيدي سودون، ودخل إلى دمشق صحبة الناصر فرج، ثم نزل تيمور على دمشق، ووقع بين الفريقين مناوشة في كل يوم، فكان والدك على أحد أبواب دمشق، والأمير نوروز الحافظي على باب آخر، وطال القتال بينهم في كل يوم، فلما كان في بعض ركب نوروز من موضعه مخففاً وجاء إلى والدك وتكلم معه في أمر تيمور وفي عظم عساكره إلى أن قال: يا أخي أظن لو كان أستاذناً يعيش، يعنى الملك الظاهر برقوق، ما قدر على لقي عساكر تيمور، فقال له والدك: والله لو عاش تنم نائب الشام إلى قدوم تيمور لكان يلقاه من قبل تعديته الفرات، وكل أحد يعلم صدق مقالتي مما رأيته من شدة عزمه وحزمه وشجاعته وعظم عساكره، وأنتم تدرون حالكم لما لقيتموه بظاهر غزة، ولكن خطيئة هؤلاء الرعية كلها في أعناقكم لأنكم أنتم السبب لقدوم هذا الظالم إلى البلاد الشامية، فلم يسمع نوروز إلا أن قال: إيش كنت أنا، هؤلاء الصبيان هم أصحاب العقد والحل في المملكة بعد خروجكم منها وعند القبض عليكم، ووالله لقد أتعبني أمرك حتى نجوت، وإلا كانوا ألحقوك برفيقك الأتابك أيتمش والأمير تنم، ثم عدد من قتل من الأمراء معهما، فقال له والدك: المستعان بالله، إذهب إلى مخيمك، انتهى.
قلت: وكان تنم أميراً جليلاً، مقداماً كريماً، مهاباً، محترماً ذا عقل وسكينة، وحشمة، ووقار وتدبير، ورأى، وكان طوالا، مليح الوجه، خفيف اللحية كاملها، أبيض مشرباً بجمرة. وكان عارفاً بأنواع الفروسية، جريئاً على الحروب، وعنده دهاء وخديعة مع سياسة ومعرفة، وكان عفيفاً عن أموال